سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

وقال خليفة : مات بعد المائة. وقال غيرهم : مات سنة (١٠٨) قلت : وهو قول أبي حاتم ، ابن حبان في الثقات. ووقع له ذكر في البخاري ضمناً ، كما ذكرته في ترجمة بديل بن ميسرة. قال ابن أبي حاتم ، عن أبي زرعة : ثقة. وقال العجليّ : ثقة ، وكان يحمل على عليّ. وقال الجريري : كان عبد الله بن شقيق مجاب الدعوة ، كانت تمرّ به السحابة فيقول : اللهمّ لا تجوز كذا وكذا حتّى تمطر ، فلا تجوز ذلك الموضع حتّى تمطر. حكاه بن أبي خيثمة في تاريخه.

جاء في ميزان الاعتدال : عبد الله بن شقيق العقيليّ. بصريّ ثقة ، لكنّه فيه نصب ... ، وقال ابن عديّ : لا بأس بحديثه إنْ شاء الله.

عمران القطّان ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة مرفوعاً : من ضرب سوطاً ، اقتصّ منه يوم القيامة. وله عن عائشة ، وابن عبّاس ، وعنه خالد الحذّاء ، والجريري.

وروى أحمد بن زهير ، عن يحيى بن معين : هو من خيار المسلمين ، لا يطعن في حديثه. وروى الكوسج ، عن يحيى : ثقة. وثّقه أبو زرعة ، وأبو حاتم. وقال ابن خراش : ثقة ، كان يبغض عليّاً (١).

جاء في الطبقات الكبرى : عبد الله بن عون بن أرطبان ، ويكنّى أبا عون مولى عبد الله بن درّة بن سراق المزني ، وكان أكبر من سليمان التميمي ، وكان عثمانيّاً ، وكان ثقة كثير الحديث ورعاً (٢).

وجاء في الطبقات أيضاً : يزيد بن زريع ، ويكنّى أبا معاوية ، وكان ثقة حجّة كثير الحديث ، وتوفي بالبصرة في شوال سنة اثنتين وثمانين ومائة. وكان

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٤٠.

(٢) الطبقات الكبرى ٧ : ٢٦١.

٥٠١

عثمانيّاً (١).

وهذا عزيزي القارئ غيض من فيض ، فراجع كتب علم الرجال ، تجد العشرات من هذه الأمثلة.

وكلّما كان الراوي محبّاً لأهل البيت ، كانوا يرمونه بالتشيّع والرفض ، ولا يعتبرونه من الثقات ، ولا يؤخذ حديثه ، ولو على حدّ زعم علماء الرجال كان صدوقا أو مخلصاً أو عابداً ، أو مجاب الدعوة أو زاهداً ، لكن بسبب روايته للحقّ ، فإنّهم يرفضونه ويرمونه بأقبح الصفات وتراهم دائماً ينتقصونه بإشارتهم إليه بأنّه يتشيّع وغيرها من الألفاظ التي يُقصد منها الانتقاص ، والأمثلة على ذلك عديدة جداً :

جاء في تحفة الأحوذي : قوله : « حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي » بضمّ الضاد المعجمة ، وفتح الموّحدة ، أبو سليمان البصري ، صدوق زاهد ، لكنّه كان يتشيّع (٢).

وجاء في تحفة الأحوذي عند الحديث عن محمّد بن موسى : قال أبو حاتم : صدوق صالح الحديث ، لكنّه كان يتشيّع (٣).

جاء في تحفة الأحوذي : قوله : ( حدّثنا عليّ بن هاشم بن البريد ) بفتح الموحّدة ، وبعد الراء تحتانية ساكنة ، صدوق لكنّه كان يتشيّع (٤).

جاء في شرح النووي على صحيح مسلم : وأمّا حرام بن عثمان الذي قال مالك : ليس هو بثقة ، فهو بفتح الحاء وبالراء ، قال البخاري : هو أنصاري سلمي

__________________

(١) المصدر نفسه ٧ : ٢٨٩.

(٢) تحفة الأحوذي ٢ : ٤٢.

(٣) تحفة الأحوذي ٣ : ١٨٠.

(٤) المصدر نفسه ٥ : ٣٧٨.

٥٠٢

منكر الحديث قال الزبير : كان يتشيّع (١).

جاء في فيض القدير : ... ومحمّد بن المظفر ، أورده في الميزان وقال : ثقة حجّة ، إلاّ أنّ الباجي قال : كان يتشيّع (٢).

وجاء في فيض القدير : ومن الغريب ما ذكره في لسان الميزان في ترجمة اسفنديار بن الموفّق الواعظ أنّه كان يتشيّع ، وكان متواضعاً عابداً زاهداً (٣).

جاء في الجرح والتعديل : حدّثنا عبد الرحمن قال : سمعت أحمد بن سنان يقول : رأيت عبد الرحمن بن مهدي لا ينشط لحديث جعفر بن سليمان. قال ابن سنان : وأنا أستثقل حديثه. حدّثنا عبد الرحمن ، نا محمّد بن حمويه بن الحسن قال : سمعت أبا طالب قال : قال أحمد : جعفر بن سليمان لا بأس به : فقيل له : إنّ سليمان بن حرب يقول : لا يكتب حديثه. فقال حمّاد بن زيد : لم يكن ينهى عنه ، إنّما كان يتشيّع ، وكان يحدّث بأحاديث ـ يعني في فضل عليّ كرّم الله وجهه ـ (٤).

وجاء في سير أعلام النبلاء قال : فطر بن خليفة : الشيخ العالم المحدّث الصدوق ، أبو بكر الكوفي المخزومي ، مولى عمرو بن حريث رضي‌الله‌عنه الحناط ... قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن فطر ، فقال : ثقة ، صالح الحديث ، حديثه حديث رجل كيّس إلا أنّه يتشيّع.

وقال أحمد بن يونس : تركته عمداً ، وكان يتشيّع ، وكنت أمرّ به بالكناسة في أصحاب الطعام ، وكان أعرج ، فأمرّ وأدعه مثل الكلب (٥).

__________________

(١) شرح مسلم ١ : ١٢٠.

(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير ١ : ٦١٦.

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦ : ٢٨٢.

(٤) الجرح والتعديل ٢ : ٤٨١.

(٥) سير أعلام النبلاء ٧ : ٣٠ ـ ٣١.

٥٠٣

وجاء في سير أعلام النبلاء قال سلمة بن الفضل الرازي الأبرش ، الإمام قاضي الري ، أبو عبد الله ... وثّقه ابن معين. وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به. وقال البخاري : عنده مناكير. وقال النسائي : ضعيف. وقال أبو زرعة : أهل الري لا يرغبون فيه لظلم فيه. وقال ابن معين : كان يتشيّع ، وكان معلّم كتّاب. وقال ابن سعد : ثقة ، يقال : إنّه من أخشع الناس في صلاته. قلت : كان قويّاً في المغازي. توفي سنة إحدى وتسعين (١).

وجاء في سير أعلام النبلاء أبو أحمد الزبيري : محمّد بن عبد الله بن الزبير ابن عمر بن درهم ، الحافظ الكبير المجود ، أبو أحمد الزبيري ، الكوفي ، مولى بني أسد ، ...روى حنبل عن أحمد : كان كثير الخطأ في حديث سفيان. وقال ابن معين : ثقة. وقال مرّة : ليس به بأس. وقال العجليّ كوفي ثقة ، لكنّه كان يتشيّع. وقال بندار : ما رأيت رجلاً قطّ أحفظ من أبي أحمد الزبيري. وقال أبو حاتم : حافظ للحديث ، عابد ، مجتهد ، له أوهام. وقال أبو زرعة وغيره : صدوق. وقال النسائي : ليس به بأس (٢).

وجاء في معرفة الثقات : الحسن بن صالح بن صالح بن حي الثوري ، من ثور همدان الغرماء يكنّى أبا عبد الله ، من أسنان سفيان ، وكان ثقة ثبتاً متعبّداً ، وكان يتشيّع ، وكان حسن الفقه ، إلا أنّ المبارك كان يحمل عليه بعض الحمل لحال التشيّع ، ولم يرو عنه شيئا (٣).

جاء في ميزان الاعتدال في نقد الرجال : نوح بن قيس بصريّ صالح الحال ... وثّقه أحمد ، وابن معين ، وقال أبو داود : كان يتشيّع ، بلغني أنّ يحيى ضعّفه ،

__________________

(١) المصدر نفسه ٩ : ٤٩.

(٢) المصدر نفسه ٩ : ٥٢٩.

(٣) معرفة الثقات ١ : ٢٩٦.

٥٠٤

وقال النسائي : ليس به بأس (١).

جاء في لسان الميزان : أحمد بن عليّ بن ثابت ، المعروف بابن الدينار ، سمع أبا الفضل الأرموي ، قال ابن النجار : كان مغفلاً ، ولم يكن من أهل الرواية طريقة واعتقاداً ، وكان يتشيّع (٢).

وهذا عزيزي القارئ غيض من فيض ، فراجع كتب علم الرجال ، تجد العشرات من هذه الأمثلة.

وأيضاً قضيّة أخرى ، لو كان الراوي للحديث عندهم طيلة حياته وعامّة دهره ثقة أو يعتدّ به ، لكنّه في أواخر حياته روى فضيلة لأهل البيت ، أو ذكر مثلبة لأحد الصحابة الذين لم يوفوا بعهدهم أو ذكر فعلاً شنيعاً لأحدهم ، فإنّهم أيضاً يرفضون روايته وينكرونها ، مع علمهم بصدق وعدالة وثقة الراوي عندهم.

قال في ميزان الاعتدال في نقد الرجال : محمّد بن سعيد بن نبهان الكاتب ، عاش مائة سنة. وسماعه صحيح ، لكنّه يتشيّع ثمّ ، إنّه قد اختلط قبل موته بعامين (٣).

وجاء في لسان الميزان : إسفنديار بن الموفّق بن محمّد بن يحيى أبو الفضل الواعظ ، روى عن أبي الفتح بن البطّي ، ومحمّد بن سليمان ، وروح بن أحمد الحديثي ، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن رزيق ، وأتقن العربيّة ، وولي ديوان الرسائل ، روى عنه الدبيثي ، وابن النجّار وقال : برع في الأدب ، وبفقّه الشافعي ، وكان يتشيّع ، وكان متواضعاً عابداً كثير التلاوة. وقال ابن الجوزي : حكى عنه بعض عدول بغداد : أنّه حضر مجلسه بالكوفة فقال : لمّا قال النبيّ صلّى الله عليه

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٢٧٩.

(٢) لسان الميزان ١ : ٢٢٩.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٦٦.

٥٠٥

وسلّم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » تغيّر وجه أبي بكر وعمر ، فنزلت : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١).

فهذا غلوّ منه في تشيّعه ، وذكره ابن بابويه فقال : كان فقيهاً ديّناً صالحاً ، لقبه صائن الدين (٢).

وجاء في لسان الميزان أيضاً : عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ. قال عبدان : كان يوصل المراسيل. وقال ابن عديّ : كان يتشيّع. وقال أبو زرعة : محمّد بن يوسف الحافظ ، كان خرّج مثالب الشيخين ، وكان رافضيّاً. وقال عبد ان : قلت لابن خراش : حديث لا نوّرث ما تركنا صدقة ، قال : باطل. قلت : من تتّهم به. قال : مالك بن أوس. قلت : لعلّ هذا بدأ منه وهو شاب فإنّي رأيته ذكر مالك بن أوس بن الحدثان في تاريخه فقال : ثقة. قال عبدان : وحمل ابن خراش إلى بندار عندنا جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين ، فأجازه بألفي درهم. قلت : هذا والله هو الشيخ المغتر الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا ، فما انتفع بعلمه فلا عتب على حمير الرافضة ، وجواتر خرو مشفرا (٣) ، وقد سمع ابن خراش من الفلاس وأقرانه بالعراق ، ومن عبد الله بن عمران العابدي وطبقته بالمدينة ، ومن الذهلي وبابته بخراسان ، ومن أبي التقي اليزني بالشام ، ومن يونس بن عبد الأعلى وأقرانه بمصر ، وعنه ابن عقدة وأبو سهل القطّان وقال أبو بكر بن حمدان المروزي : سمعت بن خراش يقول : شربت ولي في هذا الشأن خمس مرّات. وقال ابن عدي : سمعت أبا نعيم عبد الملك بن محمّد يقول : ما رأيت أحفظ من ابن خراش ، لا يذكر له شيء من الشيوخ والأبواب إلاّ

__________________

(١) الملك : ٢٧.

(٢) لسان الميزان ١ : ٣٨٧.

(٣) كذا في الأصل ، وهي ألفاظ مهملة مصحفة. وفي ميزان الاعتدال وحواثر جَزِّين ومشغرا.

٥٠٦

مرّ فيه. مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. وانتهى ، وقال ابن عدي : إنّما ذكر شيء من التشيّع ، فأمّا في الحديث فإنّي أرجو أنّه لا يتعمّد الكذب ، وبقيّة قصّة جزئي المثالب فأجازه بألفي درهم ، فبنا بها حجرة ببغداد ليحدّث فيها ، فما متّع بذلك. ومات حين فرغت. وقال الخطيب : كان أحد الرحّالين في الحديث إلى الأمصار ، وممّن يوصف بالحفظ والمعرفة. وقال ابن المديني : كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال (١).

وجاء في لسان الميزان أيضاً : كثير بن يحيى بن كثير ، صاحب البصري ، شيعي ، نهى عبّاس العنبريّ الناس عن الأخذ عنه. وقال الأزدي : عنده مناكير ، ثمّ ساق له عن أبي عوانة ، عن خالد الحذّاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، سمعت عليّاً رضي‌الله‌عنه يقول : ولي أبو بكر رضي‌الله‌عنه وكنت أحقّ الناس بالخلافة. قلت : هذا موضوع على أبي عوانة ، ولم أعرف من حدّث به عن كثير ، انتهى. وقد روى عنه عبد الله بن أحمد ، وأبو زرعة ، وغيرهما. قال أبو حاتم : محلّه الصدق ، وكان يتشيّع. وقال أبو زرعة : صدق. وذكره ابن حبّان في الثقات (٢).

وجاء في تهذيب التهذيب : تليد بن سليمان المحاربي ، أبو سليمان ، ويقال : أبو إدريس الأعرج الكوفي ، روى عن أبي الجحّاف ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الملك بن عمير ، وحمزة الزيّات. وعنه : أبو سعيد ، وعثمان ، وابن نمير ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وأحمد بن حنبل ، وجماعة. قال المروزي ، عن أحمد : كان مذهبه التشيّع ، ولم نرَ به بأساً. وقال أيضاً : كتبت عنه حديثاً كثيراً عن أبي الجحاف. وقال الجوزجاني : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ثنا تليد بن سليمان ، هو عندي كان يكذب. وقال ابن معين : كان ببغداد ، وقد سمعت منه ، وليس بشيء ،

__________________

(١) لسان الميزان ٣ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٢) لسان الميزان ٤ : ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

٥٠٧

وقال في موضع آخر : كذّاب ، كان يشتم عثمان ، وكلّ من شتم عثمان أو طلحة أو واحداً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دجّال لا يكتب عنه ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وقال أيضاً : قعد فوق سطح مع مولى لعثمان ، فتناول عثمان ، فأخذه مولى عثمان فرمى به من فوق السطح ، فكسّر رجليه ، فقام يمشي على عصا. وقال البخاري : تكلّم فيه يحيى بن معين ورماه. وقال العجلي : لا بأس به ، كان يتشيّع ويدلّس. وقال ابن عمّار : زعموا أنّه لا بأس به. وقال أبو داود : رافضي خبيث ، رجل سوء ، يشتم أبا بكر وعمر. وقال النسائي : ضعيف. وقال يعقوب بن سفيان : رافضي خبيث ، سمعت عبيد الله بن موسى يقول لابنه محمّد : أليس قد قلت لك : لا تكتب حديث تليد هذا. وقال صالح بن محمّد : كان أهل الحديث يسمّونه بليداً ، يعني بالباء الموحّدة ، وكان سيّء الخلق ، لا يحتجّ بحديثه ، وليس عنده كثير شيء. وقال ابن عدي : يتبيّن على رواياته أنّه ضعيف ، روى له الترمذي حديثاً واحداً في المناقب. قلت : وقال الساجي : كذّاب. وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش : رديء المذهب ، منكر الحديث ، روى عن أبي الجحّاف أحاديث موضوعة ، زاد الحاكم : كذّبه جماعة من العلماء. وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم. وقال ابن حبّان : كان رافضيّاً يشتم الصحابة ، وروى في فضائل أهل البيت عجائب. وقال الدارقطني : ضعيف (١).

وجاء في تهذيب التهذيب أيضاً ضرار بن صرد التيمي ، أبو نعيم الطحّان الكوفي ، كان متعبداً. وروى عن ابن أبي حازم ، والداروردي ، وعليّ بن هاشم بن البريد ، وحفص بن غياث ، وابن عيينة ، وإبراهيم بن سعد ، وصفوان بن أبي الصهباء التيمي ، وعبد الله بن وهب ، وهشيم ، وغيرهم. وعنه : البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ، وأبو بكر بن أبي خيثمة ، وحميد بن الربيع ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ،

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ : ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

٥٠٨

وأبو قدامة السرخسي ، ومحمّد بن يوسف البيكندي ، ومحمّد بن عبد الله الحضرمي ، ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، وحنبل بن إسحاق ، وإسماعيل سمويه ، وعليّ بن عبد العزير البغويّ ، وغيرهم. قال عليّ بن الحسن الهسنجاني : سمعت يحيى بن معين يقول : بالكوفة كذابان : أبو نعيم النخعي ، وأبو نعيم ضرار بن صرد. وقال البخاري والنسائي : متروك الحديث. وقال النسائي مرّة : ليس بثقة. وقال حسين بن محمّد القبابي : تركوه. وقال أبو حاتم : صدوق ، صاحب قرآن وفرائض ، يكتب حديثه ولا يحتجّ به. روى حديثاً عن معتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، في فضيلة بعض الصحابة ، ينكرها أهل المعرفة بالحديث. وقال الحاكم : أبو أحمد ، ليس بالقويّ عندهم. وقال الدارقطني : ضعيف.

وقال ابن عديّ : هو من المعروفين بالكوفة ، وله أحاديث كثيرة ، وهو من جملة من ينسب إلى التشيّع بالكوفة. قال مطين : مات في ذي الحجة سنة تسع وعشرين ومائتين قلت : وقال الساجي : عنده مناكير. وقال ابن قانع : ضعيف يتشيّع. وقال ابن حبّان : كان فقيهاً عالماً بالفرائض ، إلا أنّه يروي المقلوبات عن الثقات ، حتّى إذا سمعها السامع شهد عليه بالجرح والوهن (١).

وجاء في سير أعلام النبلاء ابن أبي دارم : الإمام الحافظ الفاضل ، أبو بكر أحمد بن محمّد السري ... التميمي الكوفي الشيعي ، محدثّ الكوفة. سمع إبراهيم ابن عبد الله العبسي القصار ، وأحمد بن موسى الحمار ، وموسى بن هارون ، ومحمّد ابن عبد الله مطينا ، ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، وعدّة. حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكي ، وأبو الحسن بن الحمامي ، والقاضي أبو بكر الحيري ، وآخرون. كان موصوفا بالحفظ والمعرفة ، إلا أنّه يترفّض ، قد ألّف

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ : ٤٠٠.

٥٠٩

في الحطّ على بعض الصحابة ، وهو مع ذلك ليس بثقة في النقل (١).

وجاء في ميزان الاعتدال : أحمد بن محمّد بن السري بن يحيى بن أبي دارم ، المحدّث أبو بكر الكوفي الرافضيّ الكذّاب. مات في أول سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وقيل إنّه لحق إبراهيم القصّار. حدّث عن أحمد بن موسى ، والحمار ، وموسى بن هارون ، وعدّة. روى عنه الحاكم وقال : ثقة. وقال محمّد بن أحمد حمّاد الكوفي الحافظ ، بعد أنْ أرّخ موته : كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : أنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن. وفي خبر آخر في قوله تعالى : « وجاء فرعون » عمر « وقبله » أبو بكر « والمؤتفكات » (٢) عائشة وحفصة. فوافقته على ذلك ، ثمّ إنّه حين أذّن الناس بهذا الأذان المحدث ، وضع حديثاً متنه : تخرج نار من قعر عدن تلتقط مبغضي آل محمّد. ووافقته عليه ، وجاءني ابن سعيد في أمر هذا الحديث ، فسألني ، فكبر عليه ، وأكثر الذكر له بكلّ قبيح ، وتركت حديثه (٣).

وهذا عزيزي القارئ غيض من فيض فراجع كتب علم الرجال تجد العشرات من هذه الأمثلة.

عزيزي القارئ ، هكذا كان ولا زال ميزان قبول الرواية أو ردّها ، بالنسبة لأهل السنّة ، فمن كان عثمانياً ومبغضاً لعليّ وأهل البيت تؤخذ روايته ، ومن كان متديناً تقيّاً صدوقاً ورعاً عالماً فقيهاً حافظاً ولكنّه يذكر فضائل أهل البيت ويتشيّع لهم ، تردّ روايته ، وباختصار : فإنّ المحدّثين فيما سبق قد طبّقوا القانون الذي فرضته السلطة الحاكمة تطبيقا تامّاً واعتمدوه في أغلب كتبهم.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٥٧٧.

(٢) الحاقة : ٩.

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ١٣٩ ، واُنظر سير أعلام النبلاء ١٥ : ٥٧٧ ـ ٥٧٨.

٥١٠

وإذا كان الحديث فيه طعناً لعصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله كأيّ إنسان عاديّ يُخطئ ويصيب ، فإنّهم اعتمدوا هذا النوع من الحديث.

وإذا كان الحديث فيه تبرير لفعل من الأفعال التي فعلوها ، والتي لا يرضاها الله ولا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً اعتمدوا هذا النوع منه ولو كان على حساب منزلة الرسالة ومرتبة النبوّة.

وأيضاً كلّما كان الحديث فيه رفع لشأن أناس لم يرفعهم الله ، أو فيه اختراع لفضائل لم تكن موجودة في أصحابها ، أيضاً اعتمدوه ، وإذا كان الحديث فيه تحويل لمثالب العديد من الصحابة وقلبها إلى فضائل أيضاً اعتمدوه.

ولذلك ظهرت التناقضات والاختلافات بين الفقهاء ، والسبب الرئيسيّ في تلك الاختلافات والتناقضات ; هو أنّ الحديث المروي فيه العشرات ، بل والمئات من الأحاديث التي لم يحدّث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تخرج من نبع النبوّة وعين الوحي ، نسبوها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذلك اعتمدها المسلمون بعد ذلك الزمان وحتّى أيّامنا هذه ، وتعدّدت التناقضات التي حتّى خالفوا في العشرات منها صريح الآيات القرآنية الشريفة ، وخالفوا فيها حقيقة الربوبيّة والرسالة الإلهيّة ، والصفة الربّانية لرسالة الإسلام العظيمة.

ولذلك تجد في كلّ صفحة من صفحات كتاب صحيح البخاري أو مسلم تناقضات واضحة ، فمثلاً تجد حديثا ينكر أنّ البسملة ، أي آية بسم الله الرحمن الرحيم ، أنّها من سورة الفاتحة ، وبعده مباشرة تجد مجموعة أخرى من الأحاديث تقرّ وتعترف بأنّ البسملة هي من القرآن الكريم ، ومن سورة الفاتحة.

وتجد مثلا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث ينهى عن أمر ما ، وفي نفس الصفحات تجد أنْ نفس الفعل المنهي عنه قد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أمر به.

ولو نظرت فعلا إلى صيغة الآذان للصلاة ، والتي هي عمود الدين ، فإنّك تجد

٥١١

العديد من الصيغ ، وكذلك الصلاة والحجّ وأحكام البيع والشراء وغير ذلك ، ودونك كتب الصحاح والسنن ، راجعها وتمعّن فيها ، تجد صدق كلامي.

والأخطر من ذلك أنّه جاء بعد تدوين الحديث ، عصر وضع قوانين أصول الفقه ، والتي اعتمدوا فيها قواعد منها مثلاً أنّ الإجماع يردّ الآية ، حتّى ولو كانت الآية واضحة المعنى ، فمثلا آية الوضوء ، والتي توجب مسح القدمين ، نبذوها واعتمدوا أحاديث تخالفها وتخالف معانيها ، والعجيب إصرارهم على مخالفتها مع وجود عشرات الأحاديث عندهم أيضاً والتي توجب المسح ، ودونك صحيح وكتب أهل السنّة تجد فيها أحاديث صحيحة تؤكّد معنى الآية وتطبيقها.

ومع أنْ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العديد من المناسبات ، ولأنّه يعلم ما سيحصل لأمّته من بعده ، فمن أجل أنْ يحمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّته من الضياع والضلال ، فقد وضع عدّة قواعد لذلك. فقد حذّر من الاختلاف ونهى عنه ، ونزل في ذلك آيات عديدة ، وإليك جملة من الأحاديث التي تذمّ الاختلاف.

جاء في الدرّ المنثور : أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله : ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ، قال : يقول : لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم (١).

روى الطبري في تفسيره عن ابن إسحاق : ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ) أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم. ( وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ، فيذهب جدّكم. ( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢) ، أي إنّي معكم إذا فعلتم ذلك (٣).

وورى البخاري في صحيحه عن رسول الله أنّه قال : « لا تختلفوا ، فإنّ من

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ : ١٨٩.

(٢) الأنفال : ٤٦.

(٣) تفسير الطبري ١٠ : ٢٢.

٥١٢

كان قبلكم اختلفوا فهلكوا » (١).

روى الحاكم في مستدركه ، عن البرّاء بن عازب قال : كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : « لا تختلفوا فتختلف قلوبكم » (٢).

روى الطبري في المعجم الكبير ، عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكتف فقال : ائتوني بكتف ، أكتب لكم كتابا لا تختلفوا بعدي أبدا ». وأخذ من عنده من الناس في لغط. فقالت امرأة ممّن حضر : ويحكم ، عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليكم. فقال بعض القوم : اسكتي ، فإنّه لا عقل لك. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « أنتم لا أحلام لكم » (٣).

وروى في صحيحي البخاري ومسلم ، عن جرير بن عبد الله رضي‌الله‌عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له في حجّة الوداع : استنصت الناس ، فقال : لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » (٤).

وأيضاً وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاعدة هامّة لإنهاء الاختلاف بين المسلمين إذا حصل واختلفوا ، وهي الرجوع إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ; لأنّه يبيّن لأمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يختلفون فيه من بعده ، ويقاتلهم على التأويل كما قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التنزيل.

روى الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك قال : « إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي ».

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٥١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٧٣.

(٣) المعجم الكبير ١١ : ٣٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٣٨ ، ٥ : ١٢٦ ، صحيح مسلم ١ : ٥٨.

٥١٣

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (١).

وأيضاً وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاعدة هامّة جدّاً ، كتاب الله والعترة ، وإنّ من تمسّك بهما لن يضلّ ، وقد قدّمنا البحث عن حديث سفينة أهل البيت ، وحديث الثقلين ، في بحث وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الكتاب.

وهناك قاعدة هامّة جدّاً أيضاً مرويّة عن أهل البيت عليهم‌السلام عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تنصّ على أنّ الحديث إذا خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط ودعوه (٢).

لقد وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والذي أرسله الله رحمة للعالمين ، وضع كلّ هذه القواعد واُسسها وثبّتها من أجل منع الاختلاف وعدم حصوله بين المسلمين ولكن للأسف ، فإنّ كلّ ما حذّر منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجد آذانا صاغية ، فلا اعتمدوا حلّ الاختلاف بالرجوع إلى أمير المؤمنين عليّ والأئمّة من بعده ، ولا تمسّكوا بالعروة الوثقى ، كتاب الله وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ركبوا في سفينة النجاة ، وكانت النتيجة التي عانت منها الأمّة الإسلامية طوال القرون الماضية ، وحتّى يومنا هذا ، هي الفرقة والاختلاف والضلال ، والسبب صار واضحا جليّا لك.

وأحبّ أنْ ألفت انتباه القارئ العزيز لأمر خطير جدّاً ، أرجو أنْ يتابعه بكلّ دقّة وانتباه ، وهو أنّ الاختلافات الحاصلة بين المسلمين اليوم والأمس هي أمور في مجالات معيّنة محصورة في غالبيتها في كلّ ما يتعلّق بما أمر به الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزم به أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه والأئمّة من بعده.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢.

(٢) اُنظر الكافي ١ : ٦٩.

٥١٤

ولذلك فإنّ كلّ سنّة نبويّة طبّقها أمير المؤمنين والأئمّة من بعده وأتباعهم هي من الأمور التي تمّ وضع أحاديث تناقضها وتخالفها ، فالقضيّة إذن أنّ كلّ ما كان ظاهراً من الأحكام الشرعية والتي طبّقها أمير المؤمنين ، وصارت شعاراً لأهل البيت ، وضعوا لها أحاديث تخالفها ، حتّى لا تظهر فضائل أمير المؤمنين وأفضليّته ، وحتّى يتمّ تبرير ما عليه السلطة الحاكمة من معتقدات وآراء.

خذ مثلا : الجهر بالبسملة سنّة نبويّة طبّقها أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، وأكّد عليها الأئمّة من بعده ، وهي من الأمور الظاهرة في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وضعوا لهذا الأمر أحاديث نسبوها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أجل مخالفة أهل البيت.

ممّا أدّى اليوم لظهور خلافات عند أهل السنّة أنفسهم ، هل البسملة يجهر بها أم لا؟ أو هل هي من القرآن أم لا؟ وبالتالي ماعت القضيّة وظهر الاختلاف.

ثمّ خذ مثلا آخر : المسح على القدمين في الوضوء ، سنّة نبويّة طبّقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طبقا للآية القرآنيّة والتزم بتطبيقها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصارت شعاراً من الشعائر عند أهل البيت وضعوا لمخالفتها أحاديثاً توجب الغسل ولو على حساب الآية الشريفة ، فخالفوا أمر الله وقرآنه وسنّة نبيّه ، وهذا ليس مهمّاً عندهم فالمهم لديهم هو مخالفة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وأتباعه ، لذا ثبتوا على اتّباع من يعتبرونهم القدوة عندهم ، ممّن أسّسوا ووضعوا القوانين لمثل هذا الاختلاف ، وإذا حاولت أنْ تقنع اليوم شخصاً بأنّ آية الوضوء توجب المسح ، وأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك وطبّقه وأمر به ، يكون الجواب : قال ابن عمر ، أو قال عمر ، أو فعل معاوية ، وغير ذلك.

وأيضاً مسألة الآذان التي اختلفوا فيها حتّى اليوم ، ولم يستطيعوا أنْ يجيبوا على سؤال واحد لها وإذا نظرت إلى كتبهم وصحاحهم والكتب الفقهيّة في ذلك ، تجد أنّهم وضعوا أحاديث مختلفة تظهر الآذان بصيغ مختلفة متناقضة ، ونسبوا إلى

٥١٥

الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير ، أنّه فرض علينا الصلاة ، وشرط لها الوضوء ، لكنّه لم يعلّمنا كيف نؤذّن إلى الصلاة ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف ذلك ، حتّى جاء عمر بن الخطّاب ، وعلّم الناس الآذان مع أنّ الله سبحانه قال : ( إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ ) (١) ، و( أَقِيمُواْ الصَّلاةَ ) (٢) ، وأنّ هناك روايات تؤكّد أنّ الله قد علّم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآذان في السماء يوم فرضت الصلاة ، يوم عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وكان من أجزاء الآذان حيّ على خير العمل ، وجاء عمر بن الخطّاب وأزال هذا المقطع ، ووضع بدلاً منه خير من النوم ، ولأنّ الالتزام بحيّ على خير العمل كجزء من الآذان قام بتطبيقه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه ، وضع الطرف المقابل أحاديث نسبوها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوراً وبهتاناً حتّى يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفّ الذين غيّروا ، ويظهر الأمر وكأنّ المخالف لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب فقط.

وهناك المئات من الاختلافات في الصلاة والحجّ والطلاق والزكاة وغيرها كثير ، حتّى الخمس الذي فرضه الله سبحانه وتعالى لأهل البيت وفرض على المسلمين أداءه لهم ، فلأنّه من الأحكام التي تذكر الناس بموقعيّة أهل البيت وعترة الرسول سلام الله عليهم ، فإنّهم منعوا أداءه لهم ، وحرموا أهل البيت عليهم‌السلام من هذا الحقّ ، وحتّى أنّك لا تجد أثراً لهذا الحكم في كتب السنّة ; لأنّهم قالوا وأفتوا بأنّ ذلك كان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون للدولة ، وانتهى الأمر على ذلك.

وأحبّ أنْ أقدّم بين يدي القارئ عدداً من الفتاوى التي أفتى بها العديد من علماء أهل السنّة ، وقد خالفوا في فتاواهم سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى لا يتشبّهوا

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) الأنعام : ٧٢.

٥١٦

بالشيعة أتباع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، وهذا يؤكّد أنّه لا يلتزم أحد بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أتباع المذهب الحقّ ، أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وإليك الفتاوى :

قال الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة : والسنّة في القبر التسطيح ، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : التسنيم أولى ; لأنّ التسطيح صار شعار للشيعة (١).

وقال الغزالي والماوردي : إنّ تسطيح القبور هو المشروع ، لكن لمّا جعلته الرافضة شعاراً لهم ، عدلنا عنه إلى التسنيم. وقال مصنّف الهداية من الحنفيّة : إنّ المشروع التختّم في اليمين ، ولكن لمّا اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار. وأوّل من اتخذ التختم باليسار خلاف السنّة هو معاوية كما في ربيع الأبرار للزمخشري (٢).

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة : فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد ، أو الأيمن لشرفه؟ لم أرَ ما يدلّ على تعيين الأيمن إلاّ في حديث ضعيف عند الطبراني ، وبتقدير ثبوته فلعلّه كان يرخيها من الجانب الأيمن ثمّ يردّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم ، إلا أنّه صار شعاراً للإماميّة ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (٣).

وقال الزمخشري في تفسيره : القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن ، لقوله

__________________

(١) رحمة الأمّة في اختلاف الأئمّة : ٦٩.

(٢) اُنظر الغدير للأميني ١٠ : ٢١٠ ، واُنظر قول الغزالي باختلاف في العزيز شرح الوجيز ٢ : ٤٥١.

(٣) الغدير ١٠ : ٢٠ ، عن شرح المواهب للزرقاني ١٠ : ٢١٠.

٥١٧

تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى ». ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك وهو : أنّها إنْ كانت على سبيل التبع كقولك صلّى الله على النبيّ وآله فلا كلام فيها ، وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ; لأنّ ذلك الشعار ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنّه يؤدي إلى الاتّهام بالرفض ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يقفن مواقف التهم » (٣).

وقال ابن تيمية في منهاجه عند بيان التشبه بالروافض : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ، فلا يتميّز السنّي من الرافضي ، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم ، أعظم من مصلحة هذا المستحب ثمّ جعل هذا كالتشبه بالكفار في وجوب التجنب عن شعارهم (٤).

وقال الشيخ إسماعيل البروسوي في تفسيره روح البيان : في عقد الدرر واللآلئ : المستحب في ذلك اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ فعل الخيرات من الصدقة والصوم والذكر وغيرهما ولا ينبغي للمؤمن أنْ يتشبّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال ، وبالشيعة والروافض والخوارج أيضاً. يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم ، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبّه بيزيد الملعون وقومه ، وإنْ كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح ، فإنّ ترك السنّة سنّة إذا كان شعاراً لأهل البدعة ، كالتختم باليمين ، فإنّه في الأصل سنّة لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة ، صارت السنّة أنْ يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا ، كما في شرح القهستاني. ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرّم مقتل الحسين رضي الله

__________________

(١) الأحزاب : ٤٣.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) الكشاف ٣ : ٢٧٣.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

٥١٨

عنه ، فقد تشبّه بالروافض ، خصوصاً إذا كان بألفاظ مخلّة بالتعظيم لأجل تحزين السامعين ، وفي كراهية القهستاني : لو أراد ذكر مقتل الحسين ، ينبغي أنْ يذكر أولاً مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض (١).

وقال ابن حجر في فتح الباري : تنبيه : اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحيّة الحي ، فقيل : يشرع مطلقاً. وقيل : بل تبعاً ولا يفرد لواحد ; لكونه صار شعاراً للرافضة (٢).

وعندما كثر الاختلاف وبدأت سلبياته تظهر في المجتمعات الإسلامية وواقع الحياة العملي ، وظهر التعصّب والفرقة والتناقض ، تمسّك المسلمون بحديث نسبوه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول « اختلاف أمّتي رحمة » (٣) ، ولا أدري كيف تأتي الرحمة من الاختلاف ، فلو أنّ أهل بيت معيّن ، أي أسرة معينة مكوّنة من خمسة أشخاص ، كان الأب فيها مختلف ومتناقض مع الأمّ ، والأمّ كذلك مع أفراد أسرتها ، وأفراد الأسرة كلّ واحد له دينه ومنهجه وسلوكه ، فهل في هذا الاختلاف رحمة ، أعتقد أنّ تلك الأسرة ستعيش حياة المعاناة والشقاء والتفرّق والتمزّق ، فكيف بالأسرة الإسلامية الكبيرة والمجمتع الإسلامي الكبير ، وأظنّ ما نراه اليوم من تشرذم وتمزّق وضلال ، سببه كلّ تلك التناقضات والخلافات.

على أنّه لو صحّ الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الاختلاف في الحديث ليس معناه الفرقة والخلاف ; لأنّه لا يمكن للعقل أنْ يقبل هذا المعنى ، لأنّه يستحيل أنْ يكون في تلك الصورة أيّ نوع من أنواع الرحمة بل العذاب والشقاء.

وإنّما المقصود من المعنى الذي هو الرحمة والهداية ، هو كثرة التردّد على

__________________

(١) اُنظر الغدير للأميني ١٠ : ٢١١.

(٢) فتح الباري ١١ : ١٤٦.

(٣) الجامع الصغير ١ : ٤٨.

٥١٩

العلماء العارفين العاملين فنقول : كان فلان يختلف إلى فلان ، أو كان فلان كثير الاختلاف على فلان ـ أي كثير التردّد والمراجعة ـ وهناك الدعاء المشهور عن أهل البيت الذي يصف بيوت أهل البيت عليهم‌السلام بأنّها مختلف الملائكة ، أي كانت الملائكة كثيرة التردّد والزيارة والمراجعة ، هذا هو المعنى من الحديث إنْ صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن أهل السنّة أخذوا بالمعنى الآخر ; لتبرير الاختلاف والخلاف بينهم ، وتبرير كلّ المواقف التاريخية التي حصلت بدون أنْ يكون هناك داع لدراستها ومراجعتها ومعرفة أخطائها وأخطارها.

أمّا من أهمّ النتائج التي حصلت بسبب حرق السنّة النبويّة ومنع تدوينها في العصور الأولى من الإسلام فهي :

* ضياع دور أهل البيت عليهم‌السلام في الإمامة والسياسة ، وبالتالي فقدان المعنى الحقيقي للإسلام.

* ضياع الكثير من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبدلاً من ذلك ظهر الاجتهاد بالرأي والقياس والاستحسان وغير ذلك من القواعد الفقهيّة.

* اعتماد الكثير من الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات وقصص القصّاصين في نشوء الكثير من الأحكام الشرعيّة التي لم يأمر بها الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّها تعتبر اليوم أحكاماً يطبّقها المسلمون السنّة.

* اعتبار العديد من الشخصيات المنافقة أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا زالت تلك الشخصيّات هي القدوة الرئيسية لأفعال وسلوك المسلمين السنّة ، بعد أنْ أخترع لها فضائل لم تكن موجودة لهم ، وبعد أنْ تمّ تبرير كلّ ما ظهر من أفعالهم المستنكرة.

أما السنّة الحقيقيّة فبقيت محفوظة عند أهل البيت وأتباعهم يتوارثونها جيلاً بعد جيل ، فمن أراد النجاة واتّباع الصراط المستقيم ، ومن أراد أنْ يبرّئ نفسه من

٥٢٠