سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

قلت : « سمّيته حرباً » قال : « بل هو حسن » فلمّا ولد الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنه ، جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سمّيته حرباً. فقال : « بل هو حسين » فلمّا ولد الثالث ، جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سمّيته حرباً. فقال : « بل هو محسن » ثُمّ قال : « سمّيتهم بولد هارون ، شبّر ، وشبير ، ومشبّر » (١).

وروى أيضاً في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « بم سمّيته »؟ فقلت : حرباً. قال : « لا لكن سمه حسنا » ثُمّ ولد الحسين فسمّيته حرباً ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « ما سمّيته »؟ فقلت : حرباً؟ قال : « بل سمّه حسينا » ثُمّ ولد آخر ، فسمّيته حرباً ، فقال صلّى الله عليه وسلّم : « ما سمّيته » قلت حرباً. قال : « سمّه محسن » (٢).

وروى البخاري في الأدب المفرد ، حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لمّا ولد الحسن رضي الله سمّيته حرباً ، فجاء النبي فقال : « أروني ابني ، ما سميتموه »؟ قلنا : حرباً. قال : « بل هو حسن » فلمّا ولد الحسين رضي‌الله‌عنه ، سمّيته حرباً ، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : « أروني ابني ، ما سمّيتموه »؟ قلنا : حرباً. قال : « بل هو حسين » فلمّا ولد الثالث ، سمّيته حرباً ، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : « أروني ابني ، ما سميتموه »؟ قلنا : حرباً. قال : « بل هو محسن » ثُمّ قال : « إنّي سمّيتهم بولد هارون ، شبّر ، وشبير ، ومشبّر » (٣).

وروى في الذرية الطاهرة ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال : سمعت يونس

__________________

(١) المعجم الكبير ٣ : ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ٩٧.

(٣) الأدب المفرد : ١٧٨.

٣٢١

ابن بكير قال : سمعت ابن إسحاق يقول : ولدت فاطمة بنت رسول الله لعليّ بن أبي طالب ، حسناً ، وحسيناً ، ومحسناً ، فذهب محسن صغيراً (١).

عمر يسقط جنين فاطمة عليها‌السلام :

روى السيوطي في كتاب الحاوي ، مسألة : فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، رزقت من الأولاد خمسة ، الحسن والحسين ومحسن وأمّ كلثوم وزينب ، فأمّا محسن فدرج سقطاً ، وأمّا الحسن والحسين ، فأعقبا الكثير الطيب.

وذكر في تهذيب الكمال عند ذكر أبناء الإمام عليّ عليه‌السلام : وكان له من الولد الذكور أحد وعشرون ، الحسن والحسين .. ، والذين لم يعقّبوا : محسن ، درج سقطاً (٢).

قال الذهبي ، في سير أعلام النبلاء قال محمّد بن حمّاد الحافظ : كان [ أي أبو بكر بن أبي دارم ] مستقيم الأمر عاقة دهره .. ، حضرته ورجل يقرأ عليه أنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت محسناً (٣).

وروى في الملل والنحل للشهرستاني عن النظّام : أنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين (٤).

وذكر في الوافي بالوفيات ، عن النظّام أنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة ، حتّى ألقت المحسن من بطنها (٥). وذكر في موضع آخر أن للذهبي كتاب سمّاه فتح المطالب في فضل عليّ بن أبى طالب جاء فيه : والمحسن طرح (٦).

__________________

(١) الذرية الطاهرة : ١٥٧.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠ : ٣٧٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٥٧٨ ، ميزان الاعتدال ١ : ١٣٩.

(٤) الملل والنحل ١ : ٥٩.

(٥) الوافي بالوفيات ٦ : ١٥.

(٦) الوافي بالوفيات ٢١ : ١٨٥.

٣٢٢

وروى ابن قتيبة ، ونقلها عنه ابن شهر آشوب ، المتوفى سنة ٥٨٨ هـ ، حيث قال : وفي معارف القتيبي : أنّ محسنا فسد من زخمّ قنفذ العدوي ، وهو مولى عمر ابن الخطّاب (١).

إلا أنّ أيدي التحريف ، حذفت هذه الجملة في كتاب المعارف ، لابن قتيبة ، وكتبت بدلاً منها : وأمّا محسن بن عليّ ، فهلك وهو صغير.

اُنطر عزيزي القارئ ، ودقّق فإنّهم لا يستطيعون إلا أنْ يحرّفوا الحقيقة ; لأنّ آذانهم تأبى سماعها ، وليس هذا هو الكتاب الأوّل الذي تمتد إليه الأيادي الحاقدة على أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن أحبّ المزيد فليراجع الكتب المتعلقة بمثل هذه التحريفات.

إذن فمن جملة الروايات السابقة ، يتبيّن أنّ هناك ولداً ثالثاً للإمام عليّ عليه‌السلام ، وقتل وهو في بطن أمّه السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، والذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمّاه محسناً ، ولا تستغرب ذلك ، فإذا كان المسلمون لا يعرفون الكثير عن الإمام الحسن والإمام الحسين اللذان كان لهما تاريخ طويل في الأمّة الإسلاميّة ، فما بالك بمحسن ، الذي لم يرَ نور هذه الحياة الدنيا ، والذي درج سقطاً دون أنْ يعرفوا أنّ هناك بالأساس ولداً ثالثاً للسيّدة الزهراء عليها‌السلام ، وأيضاً لا تستغرب ولا تستعجب ، فإنّ الأمّة التي حاولت تدبير أمر اغتيال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكذلك يقتل الحسن ، والحسين عليهما‌السلام دون حياء أو خجل ، ليس صعباً عليها قتل جنين في بطن أمّه ، ولا يوجد عندها أيّ مانع من ذلك ، وكما استطاع رواة الحديث بالتعاون مع السلطات الحاكمة أنْ يخفوا الكثير من المثالب والمعايب التي حصلت في صدر الإسلام ، واستطاعت أيدي التحريف العابثة ، أنْ تحوّل كلّ تلك المثالب والمعايب إلى مناقب وفضائل ، ولو على حساب منزلة النبوّة ، ومرتبة الرسالة ، ولو على حساب النصوص القرآنيّة والنبويّة الشريفة ، كذلك فعلوا في هذه القضيّة ،

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٣٣.

٣٢٣

قضيّة اغتيال السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله تعالى عليها ، من كشف حرمتها ، وحرمة بيتها والهجوم عليه ، وإحراق الباب ، وضربها ، وإيذائها ، وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، فبعد أنْ بيّنت لك بعضاً من النصوص التي تدلّ على ذلك ، قاموا بمحاولة تبرير هذه القضيّة ، وإيجاد المخارج لها ، وهذا يدلّ دلالة قاطعة ، بالإضافة إلى ما ذكرنا من نصوص ، أنّ كلّ ما ذكر قد حصل بالفعل.

فهذا ابن تيمية الذي دائما كان دأبه إنكار ورفض كلّ النصوص التي جاءت في حقّ أهل البيت ، لم يستطع أنْ ينكر هذه القضيّة ، بل حاول فقط تبريرها ، وفي تبريره لها دليل قاطع على عدم استطاعته تكذيب هذه الحادثة ، والروايات التي تتعلّق فيها ، وإليك ما جاء عن ابن تيمية في كتابه منهاج السنّة حيث قال : ونحن نعلم يقينا أنّ أبا بكر لم يقدم على عليّ والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد ابن عبادة ، المتخلّف عن بيعته أولاً وآخراً ، وغاية ما يقال : إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه (١).

أبو بكر يعترف بفعلته :

أمّا لماذا لم يستطع ابن تيمية إنكار هذه القضيّة؟ فذلك لأنّ الخليفة الأوّل أبا بكر قد اعترف شخصيّاً بأنّه قام بتلك الفاجعة الأليمة ، من الهجوم على بيت السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، واقتحامه والتعدّي عليه ، وكشف ستره ، وانتهاك حرمته. وهذا الاعتراف موجود بكلّ صراحة في كتب وصحاح أهل السنّة ، وإليك بعض من تلك النصوص :

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، عن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلّمت عليه ، وسألته ، كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً ، فقال : أصبحت بحمد الله

__________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٩١.

٣٢٤

بارئاً .. ، ثُمّ قال : أمّا إنّي لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ، وددت أنّي لم أفعلهنّ ، وثلاث لم أفعلهنّ ، وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهنّ ، فأما الثلاث الّلاتي وددت إنّي لم أفعلهن : فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته ... (١).

وأورده المتقي الهندي ، في كنز العمّال ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ أبا بكر الصدّيق قال له في مرض موته : إنّي لا آسي على شيء ، إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ، وددت أنّي لم أفعلهنّ ، وثلاث لم أفعلهنّ ، وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ ، فأمّا اللاتي فعلتها ، وددت أنّي لم أفعلها : فوددت أنّي لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته ، وإنْ كانوا قد غلقوه على الحرب (٢).

وروى في الأحاديث المختارة ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : دخلت على أبي بكر رضي‌الله‌عنه أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلّمت عليه ، وسألته ، كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا ، فقال : أصبحت بحمد الله بارئاً ... فقال : ثُمّ قال : أما إنّي لا آسي على شيء ، إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ، وددت أنّي لم أفعلهنّ وثلاث لم أفعلهن ، وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ ، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي لم أفعلهنّ : فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة ... (٣).

وروى الطبري في تاريخه ، عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، أنّه دخل على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في مرضه الذي توفي فيه ، فأصابه مهتمّا ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً. فقال أبو بكر رضي‌الله‌عنه

__________________

(١) المعجم الكبير ١ : ٦٢.

(٢) كنز العمّال ٥ : ٦٣١ ـ ٦٣٢.

(٣) الأحاديث المختارة ١ : ٨٩ ـ ٩٠.

٣٢٥

أتراه قال نعم .. ، ثُمّ قال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : أجل ، إنّي لا آسى على شي من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ، وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنّ فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإنْ كانوا قد غلقوه على الحرب (١).

هل ماتت السيّدة الزهراء ولم تعرف إمام زمانها؟

من بداية البحث ، ذكرنا موقعيّة السيّدة الزهراء عليها‌السلام بحسب نصوص وأحاديث أهل السنّة وصحاحهم. ثُمّ بيّنت أنّ السيّدة الزهراء هي الميزان الفصل في هذا القضيّة ، يحدّد المرء المسلم على ذلك موقعه ، هل هو مع الحقّ أو مع الضلال. ثُمّ ذكرت النصوص الواردة في الاعتداء عليها وإيذائها ، وأنّ أبا بكر وعمر والمنافقين من الصحابة معهم قد آذوها وأغضبوها.

وباستقراء النصوص بشكل دقيق منصف ونزيه ، تجد أنّهم حاولوا قتلها ، وقتل زوجها أمير المؤمنين ، وأبناءها كذلك ، ولم يتورّعوا في ذلك ، بل اعترفوا وهدّدوا ، حتّى أنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام توفيت بعد وفترة وجيزة من أثر الهجوم على بيتها ، وإسقاط جنينها ، وكسر ضلعها ، وضربها وإيذائها.

وأوصت عليها‌السلام أنْ تدفن ليلاً ، وأنْ لا يعلم أحد بمكان قبرها. ولا زال هذا الأمر حتّى هذه اللحظة ، لا يعرف مكان دفنها ، حتّى تبقى مظلوميّتها حيّة وموضع تساؤل لكلّ من أراد الوصول إلى الحقيقة. وبالتالي فإنّ كلّ ما حصل معها هو حجّة على المسلمين حتّى يوم الدين. ومن استوعب قضيّتها ومظلوميّتها بحقّ ، فإنّه حتما سوف يصل إلى الحقّ ، وتفتح له ليلة القدر ، ويدخل باب حطّة ، الذي من دخل منه فإنّه يغفر له. ومن لم يدخله فقد هلك واستحقّ سخط الربّ ، لا إله إلاّ هو.

والآن ننتقل إلى قضيّة أخرى مهمّة يقتضيها البحث ، وبدونها يُعتبر ناقصاً ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٦١٩.

٣٢٦

وإلاّ فإنّ المقارنة بين الأمم السابقة حاصلة وبشكل واضح في كلّ ما ذكرنا ، لكن ، لابدّ من إكمال الموضوع للإجابة على بعض التساؤلات المهمّة ، حتّى نستطيع أنْ نختم الموضوع.

يجب أنْ يعرف الجميع أنّ السيّدة الزهراء عليها‌السلام قد توفيت وانتقلت إلى الرفيق الأعلى ، ولم تبايع أبا بكر ، بل بالعكس ، ماتت وهي غاضبة وواجدة عليه وعلى من تبعه في أفعاله وسلوكه. وقد مرّ ذلك في الحديث في صحيح مسلم والبخاري (١).

إذن لم تبايع ، وأوذيت وغضبت ولم ترضّ. وهذا يعني أنّ كلّ ما حصل لها هو أذى وغضب تنطبق عليه الأحاديث في المجموعة الأولى ، وعلى رأسها حديث عن عليّ عليه‌السلام أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة عليها‌السلام : « إنْ الله يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك » (٢). قال تعالى في سورة الأحزاب : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) (٣).

هذه هي الحقيقة الدامغة التي يجب أنْ لا ننكرها ، ولا ينكرها أحد. بل نعتقدها اعتقاداً جازماً.

ثُمّ إنّها لم تبايع أبا بكر ، مع أنّها تعلم علم اليقين بالحديث النبويّ الشريف عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » ، وهذا حديث صحيح عند جميع فرق المسلمين وطوائفهم.

وروى مسلم في صحيحه ، عن ابن عمر ، أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (٤).

وروى ابن حبّان في صحيحه عن أبي صالح ، عن معاوية قال : قال رسول

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٨٢ ، صحيح مسلم ٥ : ١٥٤.

(٢) المستدرك ٣ : ١٥٤.

(٣) الأحزاب : ٥٧.

(٤) صحيح مسلم ٦ : ٢٢.

٣٢٧

الله صلّى الله عليه وسلّم : « من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية » (١).

فهل ماتت السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، تلك السيّدة المعصومة المطهّرة والتي حدّد الشارع المقدّس موقعيّتها للمسلمين من خلال كلام ربّ العالمين ، وأحاديث سيّد المرسلين.

هل السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، والتي قطعاً لها علم بالحديث النبويّ وتعرف قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية ». فهي السيّدة فاطمة الزهراء المعصومة ، والتي أذهب الله عنها الرجس ، وطهّرها تطهيرا ، سيّدة نساء العالمين ، وسيّدة نساء أهل الجنّة ، التي لا يجوز ردّ قولها ولا تكذيبها ، ويحرم إيذاءها ، بل إنّه يكفّر من آذاها. هل ماتت السيّدة الزهراء عليها‌السلام ولم تعرف إمام زمانها؟ أم أنّه إمام آخر لم يعترف به أبو بكر وعمر ومن معهم من الصحابة المنافقين.

ثُمّ أن السيّدة الزهراء عليها‌السلام أوصت أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام أنْ لا يخبر أبا بكر بوفاتها ، وأنْ لا يشهد جنازتها ، وأنْ لا يصلّي عليها ، وأنْ يكون دفنها ليلاً.

ومن المعروف أنّ أمر الصلاة على الميّت خصوصاً إذا كان ذا شخصيّة عظيمة ، هو من شؤون الخليفة ، فهل هذا يعني أنّها لم تعترف بخلافة أبي بكر ولا بيعته؟

أليس في كلّ ما ذكر دليل على عدم اعتراف السيّدة الزهراء بإمامة أبي بكر ، ورفضها له ، إذا رجعنا إلى ما قرأناه في البداية نلاحظ أنّ السيّدة فاطمة الزهراء هي نفسها ميزان ومقياس يعرف به المحقّ من المبطل ، والمهتدي من الضال ، فإنني أقول : سلام عليك يا جدّتي ، يا سيّدة نساء العالمين ، يا سيّدتي ، يا فاطمة الزهراء ، أيّتها المظلومة الشهيدة.

اللّهم وال من والاها ، وعاد من عاداها ، والعن من آذاها ، وأذى نبيّك فيها.

__________________

(١) صحيح ابن حبّان ١٠ : ٤٣٤.

٣٢٨

اغتيال وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام

أيّها القارئ العزيز ، كما قام اليهود والنصارى بقتل أوصياء أنبيائهم ، قام المسلمون بقتل وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصلّي في محرابه في مسجد الكوفة أثناء سجوده في صلاة الصبح في شهر رمضان.

فمنذ أنْ نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام وصياً وخليفة من بعده ، بدأت الضغائن والأحقاد تظهر على بعض الصحابة ، اتجاه أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، حتّى في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان العداء ظاهراً في العديد من تصرّفات الصحابة ، ولذلك حرص النبيّ الأكرم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التشديد في تحذير الصحابة والمسلمين من بعدهم من التعرّض لأمير المؤمنين ، والسيّدة الزهراء ، وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إيذائهم أو بغضهم ، بل وأكثر من ذلك ، دعا إلى حبّهم ومودّتهم وطاعتهم واتّباعهم ، وحذّر تحذيراً شديداً من بغضهم ومعاداتهم ، ومن التعدّي عليهم ، وإليك عزيزي القارئ بعض من تلك الروايات التي تؤكّد صحّة ما ذهبنا إليه.

فقد جاء في الدرّ المنثور ، أنّه أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

٣٢٩

هؤلاء الذين وجبت مودّتهم؟ قال : « عليّ وفاطمة وولداها » (١).

وأخرج سعيد بن منصور ، عن سعيد بن جبير : ( إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال : قربى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأخرج ابن جرير ، عن أبي الديلم ، قال : لمّا جيء بعليّ بن الحسين رضي‌الله‌عنه أسيرا ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، فقال له عليّ بن الحسين رضي‌الله‌عنه : « أقرأت القرآن »؟ قال : نعم. قال : « أقرأت آل حم »؟ قال لا. قال : « أما قرأت : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) » قال : فأنّكم لأنتم هم؟ قال : « نعم » (٢).

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عبّاس : (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) (٣) قال : المودّة لآل محمّد.

وأخرج أحمد ، والترمذي وصحّحه ، والنسائي ، والحاكم ، عن المطّلب بن ربيعة رضي‌الله‌عنه قال : دخل العبّاس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : إنّا لنخرج فنرى قريشا تحدّث ، فإذا رأونا سكتوا ، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودرّ عرق بين عينيه ، ثُمّ قال : « والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان ، حتّى يحبكم لله ولقرابتي » (٤).

وأخرج مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، عن زيد بن ارقم : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « أذكّركم الله في أهل بيتي » (٥).

وأخرج الترمذي وحسّنه ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن زيد بن أرقم

__________________

(١) اُنظر الدرّ المنثور ٦ : ٧.

(٢) اُنظر الدرّ المنثور ٦ : ٧.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤ ـ ٥) اُنظر الدرّ المنثور ٦ : ٧.

٣٣٠

رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١).

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحبّ الله وأحبّوا أهل بيتي لحبّي » (٢).

وأخرج البخاري ، عن أبي بكر قال : ارقبوا محمّداً صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته (٣).

وأخرج ابن عدي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من أبغضنا أهل البيت فهو منافق » (٤).

وأخرج الطبراني ، عن الحسن بن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « لا يبغضنا أحد ، ولا يحسدنا أحد ، إلاّ ذيد يوم القيامة بسياط من نار » (٥).

وأخرج أحمد ، وابن حبّان ، والحاكم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل ، إلاّ أدخله الله النار » (٦).

وأخرج الطبراني ، والخطيب ، من طريق أبي الضحى ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : جاء العبّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : إنّك قد تركت فيها ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « لا يبلغوا الخير أو الإيمان حتّى يحبّوكم » (٧).

__________________

(١ ـ ٧) اُنظر الدرّ المنثور ٦ : ٧.

٣٣١

وأخرج الخطيب ، من طريق أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : أتى العبّاس بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله ، إنّا لنعرف الضغائن في أناس من قومنا ، من وقائع أوقعناها ، فقال : « أما والله إنّهم لن يبلغوا خيراً حتّى يحبّوكم ، لقرابتي ، ترجو سليم شفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب » (١).

وروى القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله قد فرض عليكم طاعتي ، ونهاكم عن معصيتي ، وفرض عليكم طاعة عليّ بعدي ، ونهاكم عن معصيته ، وهو وصيي ووارثي ، وهو منّي وأنا منه ، حبّه إيمان ، وبغضه كفر ، محبّه محبّي ومبغضه مبغضي ، وهو مولى من أنا مولاه ، وأنا مولى كلّ مسلم ومسلمة ، وأنا وهو أبوا هذه الأمّة » (٢).

فكما ترى عزيزي القارئ ، بالرغم من كلّ تلك الوصايا التي لم اُذكر لك إلا جزاءاً بسيطاً ممّا روته كتب أهل السنّة ، والتي تؤكّد على أنّ محبّ أهل البيت محبّ لله ولرسوله ، ومبغض أهل البيت منافق مبغض لله ولرسوله ، واُنظر في الروايات التالية ، كيف أنّ الصحابة لم يستجيبوا لنداء الله ، ونداء رسوله ، بل على العكس من ذلك. أظهروا حقداً وعداءً وحسداً لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعترة النبيّ الطاهرة عليهم الصلاة والسلام.

وروى النسائي في صحيحه قال : حدّثنا قتيبة بن سعد ، أخبرنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن يزيد الرشك ، عن مطّرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : « بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً ، واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب ، فمضى في السرّية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعةٌ من

__________________

(١) اُنظر الدرّ المنثور ٦ : ٧.

(٢) ينابيع المودّة ١ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٣٣٢

أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقالوا : إنْ لقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع عليّ. وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فسلّموا عليه ، ثُمّ انصرفوا إلى رحالهم ، فلمّا قدمت السريّة سلموا على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر إلى عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثُمّ قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثُمّ قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثُمّ قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب في وجهه فقال : ما تريدون من عليّ ، ما تريدون من عليّ ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي » (١).

وروى أحمد في مسنده ، من طريق الأجلح الكندي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن ، على أحدهما عليّ ، والآخر خالد ، فقال : إذا التقيتما فعليّ على الناس ، وإنْ افترقتما فكلّ منكم على جنده ، فلقينا بني زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا ، فظهر المسلمون ، فسبوا ، فاصطفى عليّ امرأة من السبي لنفسه ، فكتب خالد إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك ، فلمّا أتيت النبيّ دفعت الكتاب ، فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجهه ، فقلت : يا رسول الله ، هذا مكان العائذ بك ، فقال : لا تقع في عليّ فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي.

الأجلح الكندي وثّقه الجمهور وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

وروى الترمذي ، والنسائي من حديث عمران بن الحصين ، في قصّة طويلة مرفوعاً : « ما تريدون من عليّ ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي ».

__________________

(١) السنن الكبرى ٥ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

٣٣٣

وفي مجمع الزوائد ، عن عليّ بن أبي طالب قال : بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخذ بيدي ، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا على حديقة فقلت : يا رسول الله ، ما أحسنها من حديقة! فقال : « إنّ لك في الجنّة أحسن منها ». ثُمّ مررنا بأخرى فقلت : يا رسول الله ، ما أحسنها من حديقة! قال : « لك في الجنّة أحسن منها » حتّى مررنا بسبع حدائق ، كلّ ذلك أقول : ما أحسنها ويقول : « لك في الجنّة أحسن منها ». فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثُمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ، ما يبكيك؟ قال : « ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ». قال : قلت : يا رسول الله ، في سلامة من ديني؟ قال : « في سلامة من دينك » (١).

وفي مجمع الزوائد أيضاً عن ابن عبّاس قال : توفي ابن لصفيّة ، عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لها : « يا عمّة ، ما يبكيك »؟ قالت : توفي ابني. قال : « يا عمّة ، من توفي له ولد في الإسلام فصبر بنى الله له بيتاً في الجنّة. فسكتت. ثُمّ خرجت من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستقبلها عمر بن الخطّاب فقال : يا صفيّة ، قد سمعت صراخك ، إنّ قرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لن تغني عنك من الله شيئاً. فبكت ، فسمعها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وكان يكرمها ويحبّها فقال : « يا عمّة ، أتبكين ، وقد قلت لك ما قلت »؟ قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطّاب فقال : إنّ قرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لن تغني عنك من الله شيئاً. قال : فغضب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال : « يا بلال ، هجّر بالصلاة ». فهجّر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلّى الله عليه وسلّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثُمّ قال : « ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع؟ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنّها موصولة في الدنيا والآخرة ».

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١١٨.

٣٣٤

وذكر أنّ ابن عبّاس قال : خرجت من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية ، فقلت : منّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا : إنّ الشجرة لتنبت في الكبا « أي في المزبلة ». قال : فمررت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته ، فقال : « يا بلال ، هجّر بالصلاة ». فحمد الله وأثنى عليه ثُمّ قال : « يا أيّها الناس ، من أنا »؟ قالوا : أنت رسول الله. قال : « انسبوني » قالوا : أنت محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب. قال : « أجل ، أنا محمّد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام يبتذلون أصلي؟ فوالله ، لأنا أفضلهم أصلاً ، وخيرهم موضعاً » (١).

وروى الطبراني في معجمه : حدّثنا عبدان بن أحمد ، وأبو حنيفة محمّد بن حنيفة الواسطي قالا : ثنا أحمد بن المقدام العجلي ، ثنا حمّاد بن واقد الصفّار ، ثنا محمّد بن ذكوان ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : إنّا لقعود بفناء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، إذ مرّت امرأة ، فقال بعض القوم : هذه ابنة محمّد. فقال رجل : إنّ مثل محمّد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ، فانطلقت المرأة ، فأخبرت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعرف في وجهه الغضب ، حتّى قام إلى القوم فقال : « ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ، إنّ الله عزّ وجلّ خلق السماوات والأرض سبعاً ، فاختار العليا منها فأسكنها من شاء من خلقه ، وخلق الأرض سبعاً فاختار العليا منها فاسكنها من شاء من خلقه وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار إلى خيار » (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٨ : ٢١٦.

(٢) المعجم الكبير ١٢ : ٣٤٨.

٣٣٥

وتجد هذه الروايات في صحيحي البخاري ومسلم بنفس الأسانيد ، لكن للأسف الشديد لعدم نزاهة وإنصاف الرواة حذفوا وحرفوا في متنها ، لكنّها في مجموعها تبيّن بشكل واضح وجليّ أنّ الصحابة كانوا في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يؤذون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة المنورّة في حياته ، وتحت لواء نبوته ، ويؤذونه في أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت ألسنتهم بذيئة على أصل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعشيرته ، حتّى ضجّ من ذلك الأنصار ، وجاءوا يشكون إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بذاءة قريش بحقٌه ، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتيلهم. وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الأنصار : رجاله رجال الصحيح!!

ولذلك كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله له حساسية شديدة من هذا الموضوع عالية جداً ، وكان ردّه دائماً شديداً ، فهو يتعامل معه على أنّه موضوعاً دينياً ، وليس موضوعاً شخصياً ، لأنّ عدم الإيمان بأسرته الطاهرة ، يساوى عدم الإيمان به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذلك حسب الروايات دعاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد ، وكان غاضباً وبيّن أنسابهم ، ومن منهم في الجنّة ، ومن منهم في النار ، فاستدعى الموقف أنْ يبرك عمر على ركبتيه ويعلن التوبة بين يدي رسول الله حتّى يسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفا من أنْ يصل الدور على بقيّة الجالسين فيفضحهم ، ويظهر من هذا الموقف الشديد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ محبّة أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام وأهل البيت من الإيمان وبغضهم نفاق ، ولو لا وجود من يبغضهم في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما حذّر النبيّ كلّ هذا التحذير.

روى البخاري في صحيحه : حدّثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج ، فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي؟ فقال : « أبوك حذافة » ثُمّ أكثر أنْ يقول : « سلوني » فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربّاً وبالإسلام دينا ، وبمحمّد

٣٣٦

صلّى الله عليه وسلّم نبيّاً. فسكت (١).

روى البخاري في صحيحه ، حدّثنا يوسف بن موسى ، حدّثنا أبو أُسامة ، عن بريد بن أبي بريدة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء كرهها ، فلمّا أكثروا عليه المسألة غضب وقال : سلوني ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، من أبي؟ قال : « أبوك حذافة » ثُمّ قام آخر فقال : يا رسول الله ، من أبي؟ فقال : « أبوك سالم مولى شيبة » ، فلمّا رأى عمر ما بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغضب قال : إنا نتوب إلى الله عزّ وجلّ (٢).

والآن نكمل بعضاً من الروايات التي تظهر فيها الضغينة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

روى أحمد في مسنده عن عمرو بن ميمون ، قال : إنّي لجالس إلى ابن عبّاس ، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عبّاس ، إما أنْ تقوم معنا وإمّا تخلونا هؤلاء ، قال : فقال : ابن عبّاس : بل أقوم معكم. قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فابتدأوا فتحدّثوا ، فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له عشر ، وقعوا في رجل قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لأبعثنّ رجل لا يخزيه الله أبداً ، يحبّ الله ورسوله » قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : « أين عليّ »؟ قالوا : هو في الرحل يطحن ، قال : « وما كان أحدكم ليطحن » قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر ، قال : فنفث في عينيه ، ثُمّ هزّ الراية ثلاثا فأعطاها إيّاه ، فجاء بصفيّة بنت حيي ، قال : ثُمّ بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث عليّاً خلفه ، فأخذها منه قال : « لا يذهب بها إلا رجل منّي وأنا منه » ، قال : وقال لبني عمّه : « أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة » قال : وعليّ معه جالس ، فأبوا ، فقال عليّ : « أنا أواليك

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٢.

(٢) صحيح البخاي ٨ : ١٤٢.

٣٣٧

في الدنيا والآخرة « فقال : « أنت وليي في الدنيا والآخرة « قال : فتركه ، ثُمّ أقبل على رجل منهم فقال : « أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة « فأبوا ، قال : فقال عليّ : « أنا أواليك في الدنيا والآخرة « فقال : « أنت وليي في الدنيا والآخرة ».

قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال : وأخذ رسول الله ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين فقال : « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً » (١).

قال : وشرى عليّ نفسه ، لبس ثوب النبيّ ثُمّ نام مكانه قال : وكان المشركون يرمون رسول الله قال : وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله ، وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثوب ، لا يخرجه حتّى أصبح ، ثُمّ كشف عن رأسه ، فقالوا : ...كان صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك.

قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك قال : فقال له عليّ : « أخرج معك »؟ قال : فقاله له نبي الله : « لا » فبكى عليّ ، فقال له : « أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلا وأنت خليفتي ».

قال : وقال له رسول الله : « أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ».

وقال : « سدّوا أبواب المسجد غير باب عليّ » ، فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ، ليس له طريق غيره.

قال : وقال : « من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ » (٢).

وقال رسول الله : « إنّ وصيّي وخليفتي وخير من أترك بعدي ، ينجز موعدي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب » (٣).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ٩٨.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٣) شواهد التنزيل ١ : ٩٨.

٣٣٨

روى الطبراني في معجمه الكبير قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا العبّاس بن الوليد النرسي. ح وحدّثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد. ح وحدّثنا بشر بن موسى والحسن بن المتوكل البغدادي ، ثنا خالد بن يزيد العدني قالوا : ثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة ، فاستعمل عليهم علياً فمضى على السريّة فأصاب عليّ جارية ، فأنكروا ذلك عليه ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا : إذا لقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع. قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فسلّموا عليه ، ثمّ انصرفوا ، فلمّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، ألم ترَ أنّ عليّاً صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه ثُمّ قام آخر فقال : يا رسول الله ، ألم تر أن عليّاً صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه ، ثمّ قام آخر منهم فقال : يا رسول الله ، ألم ترَ أنّ عليّاً صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه. ثمّ قام الرابع فقال : يا رسول الله ، ألم ترَ أنّ عليّاً صنع كذا وكذا ، فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرف الغضب في وجهه فقال : « ماذا تريدون من عليّ ـ ثلاث مّرات ـ إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (١).

وأيضاً في حوادث عديدة عندما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاول أن يذكر ما يتعلّق في وصاية وخلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كانوا يحاولون منع ذلك بكلّ ما أوتوا من قوّة ، خذ مثلاً حديث الأئمّة من بعدي اثنا عشر ، عندما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول : كلّهم من بني هاشم.

اُنظر وتمعّن بدقّة ، كيف بدأ القوم بالصياح ، وارتفعت أصواتهم ، في محاولة

__________________

(١) المعجم الكبير ١٨ : ١٢٨ ـ ١٢٩.

٣٣٩

منهم أنْ يغطّوا على كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفاً من أنْ يسمع المسلمون تلك الكلمة. اُنظر متون الأحاديث المتعلّقة بالأمر.

فقد روى الطبراني في معجمه الكبير وقال : عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، ثمّ تكلّم بشيء لم أسمعه ، فزعم القوم أنّه قال : « كلّهم من قريش » (١).

وفي صحيح البخاري قال : حدّثني محمّد بن المثنَّى : حدّثنا غندر : حدّثنا شعبة ، عن عبد الملك : سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش » (٢).

وفي سنن أبي داود قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا وهيب ، ثنا داود ، عن عامر ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » قال : فكبّر الناس وضجّوا ، ثمّ قال كلمة خفيّة. قلت لأبي : يا أبتِ ، ما قال؟ قال : « كلّهم من قريش » (٣).

وكذلك قضيّة اتّهام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهجر من قبل عمر بن الخطّاب ومنعه من كتابة كتاب الوصيّة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكيف أنّ المسلمين انقسموا إلى قسمين ، قسم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقسم يقول ما قال عمر ، وتنازعوا وارتفعت أصواتهم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالخروج من عنده ، مع أنّه دعاهم لكتابة كتاب إذا اتّبعوه لن يضلّوا أبداً بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان سبب منعهم كتابة ذلك الكتاب هو مخالفتهم لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحقدهم

__________________

(١) المصدر نفسة ٢ : ٢٤٩.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٢٧.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٩.

٣٤٠