سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس نبيّ بعدي » (١).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا سلمة ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن سلمة بن كهيل ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس : أنْ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » (٢).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمود بن محمّد المروزي ، ثنا حامد بن آدم المروزي ، ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : لمّا آخى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه ، بين المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحد منهم ، خرج عليّ رضي‌الله‌عنه مغضباً ، حتّى أتى جدولا من الأرض ، فتوسد ذراعه ، فسفّ عليه الريح ، فطلبه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فوكزه برجله فقال له : « قم ، فما صلحت أنْ تكون إلا أبا تراب ، أغضبت عليّ حين واخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أواخ بينك وبين أحد منهم ، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس بعدي نبيّ ، ألا من أحبّك حُفّ بالأمنِ والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية وحوسب بعمله في الإسلام » (٣).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا عبيد العجلي ، ثنا الحسن بن علي الحلواني ، ثنا عمران بن أبان ، ثنا مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « أمّا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى » (٤).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ٢٠٣.

(٢) المعجم الكبير ١١ : ٦١.

(٣) المعجم الكبير ١١ : ٦٣.

(٤) المعجم الكبير ١٩ : ٢٩١.

١٤١

الحسن بن عليّ الحلواني ، ثنا إسماعيل بن أبان ، ثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن المنهال بن عمرو ، عن عامر بن سعد ، عن سعد بن أبي وقّاص ، عن أمّ سلمة : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : « أما ترضى أنْ تكون منّي كما هارون من موسى ، غير أنّه ليس بعدي نبيّ » (١).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل ، ثنا الحسن بن صالح وجعفر بن زياد الأحمر ، عن موسى الجهني ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أسماء بنت عميس قالت : « قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولكن لا نبيّ بعدي » (٢).

وقد عدّه محمّد بن جعفر الكناني من الأحاديث المتواترة ، حيث ذكره في كتابه محمّد بن جعفر الكتّاني « نظم المتناثر من الحديث المتواتر » ، فقال : « أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي ».

أُورده فيها أيضاً من حديث :

١ أبي سعيد الخدري ٠ وأسماء بنت عميس ـ ١ وأمّ سلمة ـ ٢ وابن عبّاس ـ ٣ وحبشيّ بن جنادة ـ ٤ وابن عمر ـ ٥ وعليّ ـ ٦ وجابر بن سمرة ـ ٧ والبرّاء بن عازب ـ ٨ وزيد بن أرقم ، عشرة أنفس. ورد أيضاً من حديث ـ ٩ مالك بن الحويرث ـ ١٠ وسعد بن أبي وقاص ـ ١١ وعمر بن الخطّاب ، وقد تتبّع ابن عساكر طرقه في جزء ، فبلغ عدد الصحابة فيه نيفاً وعشرين ، وفي شرح الرسالة للشيخ جسوس رحمه‌الله ما نصّه : وحديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى متواتر ،

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٣ : ٣٧٧.

(٢) المعجم الكبير ٢٤ : ١٤٦.

١٤٢

جاء عن نيّف وعشرين صحابيّاً ، واستوعبها ابن عساكر في نحو عشرين ورقة (١).

أحاديث أخرى دالة على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام والوصيّة له :

روى الهيثميّ في مجمع الزوائد ، عن محمّد بن إبراهيم التيمي : أنّ فلاناً دخل المدينة حاجّاً ، فأتاه الناس يسلّمون عليه ، فدخل سعد ، فسلّم فقال : وهذا لم يعنا على حقّنا على باطل غيرنا ، قال : فسكت عنه [ ساعة ] فقال : ما لكَ لا تتكلم؟ فقال : هاجت فتنة وظلمة فقلت لبعيري : إخ إخ فأنخت ، حتّى انجلت ، فقال رجل : إنّي قرأت كتاب الله من أوّله إلى آخره ، فلم أرَ فيه إخ إخ [ قال : فغضب سعد ] فقال : أمّا إذ قلت ذاك ، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « عليّ مع الحقّ » أو « الحقّ مع عليّ حيث كان ».

قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أمّ سلمة ، قال : فأرسل إلى أمّ سلمة فسألها فقالت : قد قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قطّ ألوم منك الآن ، فقال : ولمَ؟ قال : لو سمعت هذا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم أزل خادماً لعليّ حتّى أموت رواه البزّار (٢).

وروى السيوطي في الجامع الصغير ، عن أمّ سلمة : أنْ النبيّ قال : « عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لن يفترّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٣) ، أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك (٤) ، وسيأتي ذكره كاملاً.

وروى الحاكم في مستدركه ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الحفيد ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن نصر ، حدّثنا عمرو بن طلحة القناد ، الثقة ، المأمون ، حدّثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، عن أبيه قال : حدّثني أبو سعيد التيمي ، عن أبي

__________________

(١) نظم المتناثر من الحديث المتواتر : ١٩٥.

(٢) مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥.

(٣) الجامع الصغير ٢ : ١٧٧.

(٤) المستدرك ٣ : ١٢٤ ، المعجم الأوسط ٥ : ١٣٥.

١٤٣

ثابت مولى أبي ذر قال : كنت مع عليّ رضي الله تعالى عنه ـ يوم الجمل ، فلمّا رأيت عائشة واقفة ، دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عنّي ذلك عند صلاة الظهر. فقاتلت مع أمير المؤمنين ، فلمّا فرغ ، ذهبت إلى المدينة ، فأتيت أمّ سلمة.

فقلت : إنّي والله ، ما جئت أسال طعاماً ولا شراباً ، ولكنيّ مولى لأبي ذر ، فقالت : مرحباً ، فقصصت عليها قصّتي. فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها؟

قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عنّي ، عند زوال الشمس.

قالت : أحسنت ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لن يتفرّقا حتّى يراد عليّ الحوض ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ، ثقة ، مأمون ، لم يخرجاه » (١).

وروى السيوطي في الجامع الصغير ، عن ابن عبّاس : أنْ النبيّ قال : « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » (٢).

وروى الحاكم في مستدركه ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم الهروي بالرملة ، حدّثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح ، حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة ، فليأتِ الباب ».

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه. وأبو الصلت ثقة مأمون ، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول : سمعت العبّاس

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤.

(٢) الجامع الصغير ١ : ٤١٥ ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١١ : ٥٥.

١٤٤

ابن محمّد الدوري يقول : سألت يحيى بن معين ، عن أبي الصلت الهروي فقال : ثقة. فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية ، عن الأعمش : « أنا مدينة العلم » ، فقال : قد حدّث به محمّد بن جعفر الفيدي ، وهو ثقة مأمون. سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القبّاني ، إمام عصره ببخارى يقول : سمعت صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ يقول : وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال : دخل يحيى بن معين ونحن معه ، على أبي الصلت ، فسلّم عليه ، فلمّا خرج تبعته ، فقلت له : ما تقول رحمك الله في أبي الصلت؟ فقال : هو صدوق. فقلت له : إنّه يروي حديث الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم ، فليأتها من بابها » فقال : قد روى هذا ذاك الفيدي ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش. كما رواه أبو الصلت.

وأضاف الحاكم قائلا : حدّثنا بصحّة ما ذكره الإمام أبو زكريا ، حدّثنا يحيى ابن معين ، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن تميم القنطري ، حدّثنا الحسين بن فهم ، حدّثنا محمّد بن يحيى بن الضرّيس ، حدّثنا محمّد بن جعفر الفيدي حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة ، فليأت الباب » ، قال الحسين بن فهم : حدّثناه أبو الصلت الهروي ، عن أبي معاوية. قال الحاكم : ليعلم المستفيد لهذا العلم ، أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة ، مأمون ، حافظ ، ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري ، بإسناد صحيح.

حدّثني أبو بكر محمّد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشي القفّال ببخارى ، وأنا سألته ، حدّثني النعمان بن الهارون البلدىّ ببلد ، من أصل كتابه ، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني ، حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا سفيان الثوري ، عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيميّ قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « أنا مدينة العلم ، وعليّ

١٤٥

بابها ، فمن أراد العلم ، فليأت الباب » (١).

وعن أبي هريرة ، عن سلمان أنّه قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ بيّن له من يلي بعده ، فهل بيّن لك؟ قال : لا ، ثُمّ سألته بعد ذلك فقال : نعم ، عليّ بن أبى طالب (٢).

عن ابن بريدة ن عن أبيه رفعه : « لكلّ نبيّ وصي ، وإنّ عليّاً وصيي وأبو ولدي » (٣).

وروى الترمذي في سننه ، حدّثنا إسماعيل بن موسى ، أخبرنا محمّد بن عمر ابن الرومي ، أخبرنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن الصنابحي ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » (٤).

قال المناوي في فيض القدير عند تعليقه على حديث : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » ، فإنّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ، المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها ، أو لابدّ للمدينة من باب ، فأخبر أنّ بابها هو عليّ كرم الله وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى ، وقد شهد له بالأعلميّة الموافق والمخالف والمعادي والمخالف ، خرج الكلاباذي أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عليّاً هو أعلم مني فقال : أريد جوابك ، قال : ويحك كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرة بالعلم غرّاً ، وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك ، وكان عمر يسأله عمّا أشكل عليه ، جاءه رجل فسأله فقال : ههنا عليّ فسأله فقال : أريد أسمع منك يا أمير

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٦ ـ ١٦٧.

(٢) ضعفاء العقيلي ١ : ١٣٠.

(٣) الكامل لابن عدي ٤ : ١٤.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٣٠١.

١٤٦

المؤمنين قال : قم لا أقام الله رجليك ، ومحى اسمه من الديوان ، وصحّ عنه من طرق ، أنّه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتّى أمسكه عنده ولم يولّه شيئاً من البعوث لمشاورته في المشكل ، وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال : ذكر لعطاء : أكان أحد من الصحب أفقه من عليّ؟ قال : لا والله. قال الحرالي : قد علم الأولّون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم عليّ ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عنه القلوب الحجاب حتّى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه (١).

وذكر العجلوني في كشف الخفا حديث « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها » ، وقال : رواه الحاكم في المستدرك ، والطبراني في الكبير ، وأبو الشيخ في السنّة ، وغيرهم ، كلّهم عن ابن عبّاس مرفوعاً مع زيادة أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها فمن أتى العلم فليأت الباب.

ورواه الترمذي ، وأبو نعيم ، وغيرهما ، عن عليّ بلفظ : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال أنا دار الحكمة وعليّ بابها (٢).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ، عن أبي الطفيل قال : خطبنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر أمير المؤمنين عليّاً رضي‌الله‌عنه ، خاتم الأوصياء ، ووصي الأنبياء ، وأمين الصدّيقين والشهداء ، ثُمّ قال : يا أيّها الناس ، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه ، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى ، وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ، وفي الليلة التي أنزل الله عزّ وجلّ فيها الفرقان ، والله ما ترك ذهباً ولا فضّة ، وما في بيت

__________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٣ : ٦٠.

(٢) كشف الخفاء ١ : ٢٠٣.

١٤٧

ماله إلا سبعمائة وخمسون درهماً فضلت من عطائه ، أراد أنْ يشتري بها خادماً لأمّ كلثوم. ثُمّ قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد صلّى الله عليه وسلّم. ثُمّ تلا هذه الآية ، قول يوسف : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي اِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ ) (١) ، ثُمّ أخذ في كتاب الله ، ثُمّ قال : أنا ابن البشير أنا ابن النذير ، وأنا ابن النبيّ ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجلّ مودّتهم وولايتهم فقال فيما أنزل الله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) (٣).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا المعمّري ومحمّد بن عليّ الصائغ المكّي ، قال : ثنا عبد السلام بن صالح الهروي ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه ».

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي ، ثنا يحيى بن يعلى ، عن ناصح بن عبد الله ، عن سمّاك ابن حرب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان ، قال : قلت : يا رسول الله ، لكلّ نبيّ وصي ، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : يا سلمان ، فأسرعت إليه ، قلت : لبّيك ، قال : تعلم من وصي موسى؟ قلت : نعم ، يوشع بن نون ، قال : لمَ؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي

__________________

(١) يوسف : ٣٨.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ١٤٦.

١٤٨

وينجز عدّتي ويقضي ديني عليّ بن أبى طالب » (١).

في اللالئ المصنوعة أخبرنا عليّ بن عبيد الله الزاغوني ، أنبأنا عليّ بن أحمد البشري ، أنبأنا أبو عبد الله بطّة العكبري ، حدّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد الصوّاف ، حدّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، حدّثنا محمّد بن عمران الرومي ، حدّثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها ».

أبو نعيم : حدّثنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الجرجاني ، حدّثنا الحسن بن سفيان ، حدّثنا عبد الحميد بن بحر ، حدّثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل عن الصنابحي ، عن عليّ بن أبى طالب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها ».

ابن مردويه من طريق الحسن بن محمّد ، عن جرير ، عن محمّد بن قيس ، عن الشعبي ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » ، وبالسند الماضي إلى ابن بطّة ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن القاسم النحوي ، حدّثنا عبد الله بن ناجية ، حدّثنا أبو منصور بن شجاع ، حدّثنا عبد الحميد ابن بحر البصري ، حدّثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة الفقه وعليّ بابها » ، وعن الحسن بن عليّ ، عن أبيه مرفوعاً : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » ، رواه ابن مردويه (٢).

لكلّ قوم هاد :

قال السيوطي : أخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ،

__________________

(١) المعجم الكبير ٦ : ٢٢١.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

١٤٩

والديلمي ، وابن عساكر ، وابن النجار قال : لمّا نزلت ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد ) (١) ، وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على صدره فقال : « أنا المنذر » ، وأومأ بيده إلى منكب عليّ رضي‌الله‌عنه فقال : « أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ».

وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي رضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « إنّما أنت منذر » ووضع يده على صدر نفسه ، ثُمّ وضعها على صدر عليّ ويقول : « لكلّ قوم هاد ».

وأخرج ابن مردويه ، والضياء في المختارة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما في الآية ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « المنذر أنا ، والهادي عليّ بن أبى طالب رضي‌الله‌عنه » (٢).

كونوا مع الصادقين :

قال السيوطي : أخرج ابن مردويه ، عن ابن عبّاس في قوله : ( اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) ، قال : « مع عليّ بن أبى طالب ».

وأخرج ابن عساكر عن أبي جعفر في قوله : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، قال : « مع عليّ بن أبى طالب » (٤).

عليّ خاصف النعل ، ويقاتل على التأويل :

وروى الحاكم في مستدركه ، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن عليّ الشيباني ، حدّثنا ابن أبي غرزة ، حدّثنا محمّد بن سعيد الأصبهاني ، حدّثنا شريك ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن عليّ رضي الله تعالى عنه قال : لمّا افتتح رسول

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) الدرّ المنثور ٤ : ٤٥.

(٣) التوبة : ١١٩.

(٤) الدرّ المنثور ٣ : ٢٩٠.

١٥٠

الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة ، أتاه ناس من قريش ، فقالوا : يا محمّد إنّا حلفاؤك وقومك ، وإنّه لحقّ بك أرقّاؤنا ليس لهم رغبة في الإسلام ، وإنّما فرّوا من العمل ، فارددهم علينا. فشاور أبا بكر في أمرهم. فقال : صدقوا ، يا رسول الله. فقال لعمر : « ما ترى؟ » فقال مثل قول أبي بكر. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا معشر قريش ، ليبعثنّ الله عليكم رجلاً منكم ، امتحن الله قلبه للإيمان ، فيضرب رقابكم على الدين ». فقال أبو بكر : أنا هو ، يا رسول الله؟ قال : « لا » قال عمر : أنا هو ، يا رسول الله؟ قال : « لا ، ولكنّه خاصف النعل في المسجد ». وقد كان ألقى نعله إلى عليّ يخصفها. ثُمّ قال : أما إنّي سمعته يقول : « لا تكذبوا عليّ ، فإنّه من يكذب عليّ يلج النار ». هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه (١).

وروى المتقي الهندي في كنز العمّال : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، قيل : أبو بكر وعمر ، قال : « لا ، ولكنّه خاصف النعل « يعني عليّاً (٢).

وفي كنز العمّال ، عن مسند أبي سعيد : قال كنّا جلوساً في المسجد ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس إلينا ولكأنّ على رؤوسنا الطير ، لا يتكلّم منّا أحد ، فقال : « إنّ منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قوتلتم على تنزيله » ، فقام أبو بكر فقال : أنا هو يا رسول الله؟ قال : « لا « فقام عمر فقال : أنا هو يا رسول الله؟ قال : « لا ، ولكنّه خاصف النعل في الحجرة » ، فخرج علينا عليّ (٣).

أخرج أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « إنّ منكم يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله » ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : « لا ». قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال :

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ١٣٨.

(٢) كنز العمّال ١١ : ٦١٣.

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٠٧.

١٥١

« لا ، ولكنّه خاصف النعل » ، وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها (١) ، قال الهيثمي رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (٢).

وفى مسند أحمد حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، حدّثنا فطر ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّ منكم من يقاتل على تأويله ، كما قاتلت على تنزيله » ، قال : فقام أبو بكر وعمر فقال : « لا ، ولكن خاصف النعل » ، وعليّ يخصف نعله (٣).

وفي مسند أحمد : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حسين بن محمّد ، حدّثنا فطر ، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : « كنّا جلوسا ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، ومضينا معه ، ثُمّ قام ينتظره ، وقمنا معه ، فقال : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن ، كما قاتلت على تنزيله » ، فاستشرفنا ، وفينا أبو بكر وعمر ، فقال : « لا ، ولكنّه خاصف النعل « قال : فجئنا نبشّره ، قال : وكأنّه قد سمعه (٤).

قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة ، وهو ثقة (٥).

وفي كشف الخفا « إنّ عليّاً حمل باب خيبر » أخرجه الحاكم عن جابر بلفظ : « إنّ عليّاً لمّا انتهى إلى الحصن اجتذب أحد أبوابه فالقاه بالأرض ، فاجتمع عليه بعد سبعون رجلاً ، فكان جهدهم أنْ أعادوا الباب ».

وأخرجه ابن إسحاق في سيرته عن ابن رافع : « وإنّ سبعة لم يقلبوه » (٦).

__________________

(١) مسند أبي يعلى ٢ : ٣٤١.

(٢) مجمع الزوائد ٥ : ١٨٦.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٣.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٨٢.

(٥) مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٦) كشف الخفا ١ : ٢٣٢.

١٥٢

وهناك العشرات من الروايات التي تتعلّق بفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تركناها للقارئ العزيز ، حتّى يدقّق النظر فيها ، وكذلك تركنّا العديد من الآيات ، والتي كان من أسباب نزولها أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام ولكنّ المهم هنا أنني قد بيّنت لك بعض الدلائل من كتب أهل السنّة ، والتي تؤكد على أن أمير المؤمنين سلام الله عليه هو وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخليفته من بعده ، وإذا أردت المزيد فيما يتعلّق بموضوع الوصيّة ، فهناك كتب متخصّصة بحثت في هذا المضمون بشكل مفصّل ، لكنّني في هذا البحث ، أحاول أنْ أوصل إلى ذهنك موضوعاً معيّناً وبشكل ضمني حسب ما يحتاجه كتابنا هذا الذي بين يديك.

١٥٣

الشيعة والتشيّع

قضيّة الشيعة والتشيّع ، شغلت الكثرين من المشكّكين والمبغضين لأهل البيت عليهم‌السلام ، ومن أهمّ ما شكّك فيه أولئك المبغضون ، أنّهم ادّعوا أنّه لم يكن هناك تشيّع أو شيعة إلا بعد القرن الثالث الهجري.

وغالباً ما يكون أولئك المشكّكون من أهل السنّة والجماعة ، فمن عادة هذه الفئة من المسلمين الأخذ بدون تقصّي وبحث ، وكذلك معاداة ما يجهلون ; ولذلك نجدهم دائما ينكرون أيّ وجود للشيعة والتشيّع منذ عهد النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل نقلوا تلك المقولة وذاك الادعاء : أنّ الشيعة والتشيّع ظهر بعد القرن الثالث الهجري ، ولم يكن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا القول باطل قطعاً ، ويدلّ على قّلة اطّلاع صاحبه ، وجهله بما عنده من كتب للحديث النبويّ من صحاح ومسانيد.

وسوف أحاول في هذه السطور ، وضع بحث مختصر عن الشيعة والتشيّع ، واثبت للقارئ العزيز أنّ الشيعة والتشيّع كانت منذ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ أوّل من دعى لذلك هو رسول الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك من خلال أحاديث صحيحة ، وآيات شريفة نزلت بهذا الخصوص ، وذلك من كتب أهل السنّة.

ولا تستغرب أنّ تلك الكتب مليئة من الأحاديث التي تحثّ على مشايعة أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب وأهل بيته من الأئمّة المعصومين. وكذلك تدلّ على متابعتهم ، والمهمّ أنّ هناك أحاديث وآيات تشرح فضل شيعة أمير المؤمنين وثوابهم ، وماذا أعدّ لهم ربّ العزّة جلّ وعُلا من الثواب والدرجات العليا في الجنان ، بسبب متابعة ومشايعة أهل البيت عليهم‌السلام.

١٥٤

فبالتالي لا يبقى مجال لأىّ إنسان مسلم يجهل هذا الأمر المهم ، الذي لطالما ندب ودعا له نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولا ينكر الشيعة والتشيّع بعد بيان كلّ تلك الحقائق إلاّ إنسان مكابر فقط ، يريد بمكابرته أنْ يبرّر جهله وعدم علمه بوجود تلك الحقيقة الشرعيّة التي أعطاها الشارع المقدّس صفة شرعية خاصّة.

نعود الآن إلى معنى الشيعة اللغوي ، ثُمّ نبيّن هل حوّل الشارع المقدّس تلك اللفظة إلى حقيقة شرعيّة خاصّة ، أو أنّها بقيت حقيقة لغويّة لها معنى لغوىّ خاص.

الشيعة لغة : هم الأتباع ، وهم من يتقوّى بهم الإنسان ، وينتشرون عنه ويقال : شيعة وشيَع وأشياع ، وقال تعالى : (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَِبْرَاهِيمَ) (١) ، وقال : (هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) (٢) ، أي أتباعه ، وقال تعالى : (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) (٣) ، فرقاً ، وقال تعالى : (فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ) (٤) ، وقال : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ) (٥) أتباعكم.

ذكر ابن الأثير في النهاية : أصل الشيعة : الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجميع ، المذكر والمؤنّث بلفظ واحد ، وقد غلب هذا الاسم على من يزعم أنّه يتولّى عليّاً رضي‌الله‌عنه وأهل بيته ، حتّى صار اسماً خاصّاً ، فإذا قيل : فلان من الشيعة ، عرف أنّه منهم (٦).

إذن ، كلمة الشيعة كلمة من اللغة العربيّة ، لها مدلول خاص ، وردت في القرآن الكريم بالمعنى اللغوىّ في عدّة آيات.

وقد قلنا في بحث أهل البيت : إنّ كلّ حقيقة لغويّة ، إذا صرفت عن معناها

__________________

(١) الصافات : ٨٣.

(٢) القصص : ١٥.

(٣) القصص : ٤.

(٤) الحجر : ١٠.

(٥) القمر : ٥١.

(٦) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٥١٩.

١٥٥

اللغوي إلى معنى خاصّ بحسب قرائن شرعيّة من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة الصحيحة ، فإنّ المعنى يصبح ذا حقيقة شرعيّة خاصّة ، لا يجوز صرفها عن معناها لغيره ; ولذلك أقرّ المسلمون جميعاً بمفهوم ابن الأثير ، أنّ هذا الاسم وهو الشيعة ، صار له حقيقة شرعيّة ، وبذلك صار المعنى الشرعي للشيعة هو من تولّى أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب وأهل بيته وعادى أعداءهم.

وإليك عدداً من القرائن التي تدلّ على أنّ المعنى خاص ، قد أطلقه الشارع المقدّس ، وأقرّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعى إليه ، وأنّ أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، قد طبّقوا أمر الله ورسوله ، بمشايعتهم لأمير المؤمنين وأهل بيته ، وبالتالي فإنّهم أيّ الشيعة رضوان الله تعالى عليهم ، قد التزموا بالحقيقة الشرعيّة التي فيها رضى الله ورضى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أخرج ابن عساكر ، عن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل عليّ ، فقال النبيّ : « والذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (١) ، فكان أصحاب النبيّ إذا أقبل عليّ قالوا : جاء خير البريّة (٢).

قال السيوطي : أخرج ابن عدي ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد مرفوعاً : « عليّ خير البريّة » (٣).

وأخرج ابن عديّ ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « هو أنت وشيعتك يوم القيامة ، راضين مرضيّين » (٤).

__________________

(١) البيّنة : ٧.

(٢) تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٧١ ، وأورد السيوطي في الدرّ المنثور ٦ : ٣٧٩ ، واللفظ للثاني.

(٣) الدرّ المنثور ٦ : ٣٧٩.

(٤) نفس المصدر.

١٥٦

وأخرج ابن مردويه ، عن عليّ قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألم تسمع قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين » (١).

وفي نهاية ابن الأثير وفي حديث عليّ ، قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين » ثُمّ جمع يده إلى عنقه يريهم كيف الإقماح. قال ابن الأثير : الإقماح : رفع الرأس وغضّ البصر (٢).

أخرج الخوارزمي في المناقب : أنّ رسول الله قال : « يا عليّ ، إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله ، وأخذتُ أنت بحجزتي ، وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزتهم ، فترى أين يؤمر بنا » (٣).

روى أحمد في المناقب : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : « أما ترضى أنّك معي في الجنّة ، والحسن والحسين وذرياتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرياتنا وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا » (٤).

وروى الطبراني : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : « أوّل أربعة يدخلون الجنّة ، أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا » (٥).

أخرج الديلمي : « يا عليّ ، إنّ الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦ : ٣٧٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث ٤ : ١٠٦.

(٣) المناقب : ٢٩٦.

(٤) أورده الطبري في ذخائر العقبى : ٩٠.

(٥) المعجم الكبير ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٥٧

ولشيعتك ، فابشر فإنّك الأنزع البطين » (١).

أخرج الطبراني ، عن النبيّ أنّه قال : « أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواء مرويين مبيضّة وجوهكم ، وإنّ عدّوك يردون عليّ ظلماء مقبحين » (٢).

روى الخوارزمي ، عن النبيّ أنّه قال : يدخل من أمّتي الجنّة سبعون ألفاً ، بغير حساب فقال عليّ عليه‌السلام : مَن هم يا رسول الله؟ قال : هم شيعتك يا عليّ وأنت إمامهم » (٣).

روى المغازلي ، عن كثير بن زيد قال : دخل الأعمش على المنصور وهو جالس للمظالم ، فلمّا بصر به قال له : يا سليمان ، تصدّر ، فقال : أنا صدر حيث جلست. إلى أنْ قال في حديته حدّثني الصادق قال : حدّثني الباقر قال : حدّثني السجاد قال : حدّثني الشهيد قال : حدّثني التقيّ وهو الوصيّ أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أتاني جبريل عليه‌السلام فقال : تختّموا بالعقيق ، فإنّه أوّل حجر شهد لله بالوحدانية ، ولي بالنبوّة ، ولعليّ بالوصيّة ، ولولده بالإمامة ، ولشيعته بالجنّة » (٤).

وروى الخوارزمي بسنده إلى سلمان الفارسيّ ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يا عليّ ، تختّم باليمين ، تكن من المقرّبين ، قال : يا رسول الله [ ومن المقرّبون؟ قال : جبرئيل وميكائيل ] قال : فبما أتختّم يا رسول الله؟ قال : بالعقيق الأحمر ، فإنّه جبل أقرّ لله بالوحدانيّة ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصيّة ، ولولدك بالإمامة ، ولمحبّيك بالجنّة ولشيعتك وشيعة ولدك بالفردوس » (٥).

روى ابن حجر عن عليّ : أنّه مرّ على جمع فأسرعوا إليه قياماً ، فقال : « من

__________________

(١) أورده الهيتمي في الصواعق المحرقة ٢ : ٤٦٧.

(٢) المعجم الكبير ١ : ٣١٩.

(٣) المناقب للخوارزمي : ٣٢٨.

(٤) مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي : ٢٤٢.

(٥) المناقب للخوارزمي : ٣٢٦.

١٥٨

القوم »؟ فقالوا : من شيعتك يا أمير المؤمنين؟ فقال لهم : خيراً ، ثُمّ قال : « يا هؤلاء ، مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا ، وحلية أحبّتنا » فأمسكوا حياء ، فقال له من معه : نسألك بالذي أكرمكم أهل البيت ، وخصّكم وحباكم ، لما نبأتنا بصفة شيعتكم ، فقال : « شيعتنا هم العارفون بالله العاملون بأمر الله » (١).

وروى الطبري في جامع البيان في تفسير سورة البيّنة : حدّثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن محمّد بن عليّ (أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « أنت يا عليّ وشيعتك » (٢).

وفي كنز العمّال للمتّقي الهندي : عن عبد الله بن يحيى ، أنّ عليّاً أتى يوم البصرة بذهب وفضّة فقال : أبيضي وأصفري غرّي غيري ، غرّي أهل الشام غداً إذا ظهروا عليك ، فشقّ قوله ذلك على الناس ، فذُكر ذلك له ، فاذن في الناس فدخلوا عليه فقال : « إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم قال : يا عليّ! إنّك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقوم عليك عدوك غضاباً مقمحين » (٣).

رواه الطبراني في الأوسط وفيه جابر الجعفي ، وثقه شعبة ووكيع وسفيان الثوري.

قال الرازي : حدّثنا عبد الرحمن ، نا محمّد بن يحيى ، أخبرني يوسف بن موسى التستريّ قال : سمعت أبا داود ، يعني الطيالسي ، يقول : سمعت عبد الرحمن ابن مهدي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : ما رأيت أورع من جابر الجعفي في الحديث ، حدّثنا عبد الرحمن ، نا محمّد بن يحيى ، أنا محمود بن غيلان ، نا أبو داود ، عن وكيع قال : قال سفيان : ما رايت رجلاً أورع في الحديث من جابر الجعفي (٤).

__________________

(١) أورده ابن حجر في الصواعق المحرقة ٢ : ٤٥٠.

(٢) جامع البيان ( تفسير الطبري ) ٣٠ : ٣٣٥.

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٥٦ ، والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط ٤ : ١٨٧.

(٤) الجرح والتعديل ١ : ٧٧.

١٥٩

حدّثنا عبد الرحمن ، حدّثني أبي ، نا إبراهيم بن مهدي قال : سمعت إسماعيل بن عليّة قال : سمعت شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث (١). ووثقه يحيى بن سعيد القطان. حدّثنا عبد الرحمن قال : سمعت أبي يقول : نا الطنافسي قال : سمعت وكيعاً يقول : مهما شككتم في شيء ، فلا تشكّوا أنّ جابر بن يزيد أبا محمّد الجعفي ثقة (٢).

وعن أبي هريرة ، أنّ عليّ بن أبى طالب رضي‌الله‌عنه قال : يا رسول الله ، أيّما أحبّ إليك ، أنا أم فاطمة؟ قال : « فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وإنّ عليها لأباريق مثل عدد نجوم السماء ، وإنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنّة إخواناً على سرر متقابلين ، وأنت معي ، وشيعتك في الجنّة » ثُمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إخوانا على سرر متقابلين » لا ينظر أحد في قفا صاحبه (٣).

وبعد أنْ ذكرنا مجموعة من الروايات ، نلفت النظر إلى أنّه يجب ملاحظة أنّ من سمات أصحاب الآية التي تقدمت (أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، الإيمان بولاية أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، والعمل الصالح لا يكون صالحا إلا إذا كان موافقا لما يريد الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يكون ذلك إلاّ بمتابعة من يؤمن بمتابعتهم الهدى والصلاح ولزوم الصراط المستقيم.

وأيضاً من سمات أولئك الشيعة أنّهم يقبلون على الله راضين مرضيّن ، فرحين مبتهجين بما أعدّ الله لهم من ثواب ورضى بسبب التزامهم بأمر الله.

وبذلك صار معنى تلك الحقيقة الشرعيّة ، هو متابعة أمر الله وأمر الرسول بموالاة أمير المؤمنين ومعاداة أعدائه ، وتكون النتيجة نوال رضوان الله تعالى.

__________________

(١) الجرح والتعديل ١ : ١٣٦.

(٢) الجرح والتعديل ٢ : ٤٩٨.

(٣) المعجم الأوسط ٧ : ٣٤٣.

١٦٠