سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

فأطعموه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح ، فلمّا أنْ كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلّى عليّ مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ثُمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم ، فوقف بالباب يتيم فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة ، فسمعه عليّ فأنشأ يقول :

فاطم بنت السيّد الكريم

بنت نبيّ ليس بالزنيم

لقد أتى الله بذي اليتيم

من يرحم اليوم يكن رحيم

ويدخل الجنّة أي سليم

قد حرّم الخلد على اللئيم

ألا يجوز الصراط المستقيم

يزل في النار إلى الجحيم

شـرابه الصـديد والحمـيم

فأنشأت فاطمة رضي‌الله‌عنها تقول :

أطعمه اليوم ولا أبالي

وأوثر الله على عيالي

أمسوا جياعا وهمُ أشبالي

أصغرهم يقتل في القتال

بكر بلا يقتل باغتيال

يا ويل للقاتل مع وبال

تهوي به النار إلى سفال

وفي يديه الغلّ والأغلال

كبـولة زادت علـى الأكبـال

فأطعموه الطعام ومكثوا يومين وليليتين لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح ، فلمّا كانت في اليوم الثالث ، قامت إلى الصاع الباقي ، فطحنته واختبزته ، وصلّى عليّ مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ثُمّ أتى المنزل ، فوضع الطعام بين أيديهم ; إذ أتاهم أسير ، فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا! أطعموني ، فإنّي أسير محمّد. فسمعه عليّ فأنشأ يقول :

٢٠١

فاطم يا بنت النبيّ أحمد

بنت نبي سيّد مسود

وسمّاه الله فهو محمّد

قد زانه الله بحسن أغيد

هذا أسير للنبيّ المهتد

مثقل في غلّه مقيّد

ينكو إلينا الجوع قد تمدّد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العليّ الواحد الموحّد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

أعطـيه لا لا تجعلـيه أقعـد

فأنشأت فاطمة رضي الله تعالى عنها تقول :

لم يبق ممّا جاء غير صاع

قد ذهبت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع

يا ربّ لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين شديد الباع

وما على رأسي من قناع

إلا قنـاعا نسجـه أنسـاع

فاعطوه الطعام ، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلمّا أنْ كان في اليوم الرابع ، وقد قضى الله النذر ، أخذ بيده اليمنى الحسن ، وبيده اليسرى الحسين ، وأقبل نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، فلمّا أبصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : [ يا أبا الحسن ، ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة ] فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، وقد لصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها من شدّة الجوع ، فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وعرف المجاعة في وجهها ، بكى وقال : [ واغوثاه ، يا الله ، أهل بيت محمّد يموتون جوعاً ] ، فهبط جبريل عليه‌السلام وقال : السلام عليكم ، ربّك يقرئك السلام يا محمّد ، خذه هنيئا في أهل بيتك. قال : ( وما آخذ يا

٢٠٢

جبريل ) فأقرأه : (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) إلى قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا) (١) (٢).

قال السيوطي : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عبّاس في قوله : « ويطعمون الطعام على حبّه » الآية ، قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب ، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٣).

روى في تفسير الكشاف وعنه في التفسير الكبير للرازي ـ عن ابن عبّاس ـ أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله في أناس معه : فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما ، إنْ برأ الله ... (٤).

وأيضاً إليك آيه أخرى في حقّ أمير المؤمنين عليّ وأهل بيته وذريّته وشيعته ، فهم خير البريّة قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٥).

قال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله ، قال : كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأقبل عليّ ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « والذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، فنزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) » ، فكان أصحاب

__________________

(١) الإنسان : ٨ ـ ٩.

(٢) تفسير القرطبي ١٩ : ١٣٠ ـ ١٣٤.

(٣) الدرّ المنثور ٦ : ٢٩٩.

(٤) تفسير الكشاف للزمخشري ٤ : ٦٧٠ ، تفسير الفخر الرازي ٣٠ : ٢٣٣.

(٥) البيّنة : ٧.

٢٠٣

النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبل عليّ ، قالوا : جاء خير البرية (١).

وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال : لمّا نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : « هم أنت وشيعتك يوم القيامة راضيين مرضيين » (٢).

وأخرج ابن مردويه ، عن عليّ قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألم تسمع قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، « هم أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جثت الأمم للحساب ، تدعون غرّاً محجلين » (٣).

وفي نظم درر السمطين : عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال لعليّ : « هم أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين » (٤).

في ينابيع المودة : عن أمّ سلمة رضي‌الله‌عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » (٥).

وروى الشبلنجي في نور الأبصار عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين (٦).

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦ : ٣٩٧.

(٢ ـ ٣) الدرّ المنثور ٦ : ٣٩٧.

(٤) نظم الدرر السمطين : ٩٢.

(٥) ينابيع المودّة ٢ : ٢٤٥.

(٦) نور الأبصار : ١١٩.

٢٠٤

وروى الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ثلاثة وعشرين حديثاً منها : ما أخرجه بإسناده إلى عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ ، أما تسمع قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) هم أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدك الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين » (١).

وأخرج الخطيب عن عليّ : أنت وشيعتك في الجنّة (٢).

أخرج ابن المغازلي ، بسنده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يدخل من أمّتي الجنّة سبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثُمّ التفت إلى عليّ عليه‌السلام فقال : هم شيعتك وأنت إمامهم » (٣).

ثُمّ إنّ أهل البيت أيضاً هم ورثة العلم والدين ، وهم ورثة الكتاب ، قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...) (٤).

ثُمّ اُنظر كيف جعلهم الله عدل القرآن ، وربطهما معاً ، وأنّهما لن يتفرّقا في هذه الدنيا ، وإليك فقط روايتان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي لكم فرط ، وإنّكم واردون عليّ الحوض .. ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فقام رجل فقال : يا رسول الله ، وما الثقلان؟ قال : الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ. سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسّكوا به لن تزالوا ولا تضلّوا ، والأصغر عترتي ، وإنهم لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذاك ربّي ، فلا تقدموهما ، ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم » (٥).

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ : ٤٥٩.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ : ٢٨٤.

(٣) مناقب الإمام عليّ : ٢٤٩.

(٤) فاطر ٣٢.

(٥) تقدم تخريج حديث الثقلين فيما سبق واللفظ أعلاه للمعجم الكبير ٣ : ٦٦.

٢٠٥

وقال رسول الله : « عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١).

ثُمّ إنّ الله سبحانه وتعالى جعل لهم سمات وميزات أخرى كثيرة نوّه بها ، وما كُلّ ذلك إلا تنويهاً باسمهم ، ورفعاً لشأنهم ، وتنبيهاً للأمّة عليهم ، فقد حرّم الله عليهم الصدقة ، وفرض لهم الخمس والفيء. وقد روي عن ابن عبّاس أنّه قد نزل أكثر من خمسمائة آية في القرآن تمدحهما وتنوّه بهم وبشرفهم وعلوّ مقامهم وقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال للحسين عليه‌السلام : « أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام وأنت حجّة ، ابن حجّة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم » (٢).

هؤلاء هم أهل البيت عليهم‌السلام ، والذين أوجب الله علينا اتباعهم والاقتداء بهم وإنّ من تبعهم نجا وأمن من الضلال.

ولكن بالرغم من تلك الحقيقة الشرعيّة ، ومئات الأحاديث النبوّية المتواترة عند السنّة ، والتي توجب اتّباعهم ، والأخذ عنهم ، فإنّهم قد تركوهم وتركوا وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يتبعوهم بل واعتزلوهم وآذوهم وآذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، وسجنوهم وقتلوهم.

ارجع عزيزي القارئ إلى تاريخ المسلمين مع أولئك الأئمّة عليهم‌السلام ، فإنّك سوف تجد تاريخاً مليئاً بالمخازي والقتل والدماء ضدّ أهل البيت عليهم‌السلام ، وكأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمرهم بمتابعتهم ، بل كأنّه أمرهم بقتلهم وإبعادهم عن الحياة ، ولو أمرهم الرسول بذلك ، ما فعلوا أكثر ممّا فعلوا ، وبعد قتلهم اتبّعوا غيرهم واتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، وادّعوا بعد ذلك أنّهم الفرقة الناجية!! ناجية من ماذا؟ لا أدري اسألوهم فهم أدرى.

__________________

(١) المستدرك ٣ : ١٢٤.

(٢) ينابيع المودّة ٢ : ٤٤.

٢٠٦

ومع وضوح هذا الأمر ، والأدلّة على اتّباع العترة الطاهرة متظافرة عند السنّة ، ومتواترة في أغلب الأحيان ، فإنّك لا تجدهم يتبّعونهم قيد أنملة ، ولا تجد غير أتباع المذهب الحقّ ، أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، والذي تسمّوا بأسماء الأئمّة وعددهم ، ولا تجد غيرهم يتّبع أمر الله جلّ وعلا ، وأمر الرسول في الاقتداء بأهل البيت عليهم‌السلام.

ولو اطّلع أيّ باحث منصف على ما عند الشيعة ، أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، لوجد أنّهم هم الذين حافظوا على الدين الإسلاميّ من الضياع ومن الضلال ، ولوجد ميزة لن يجدها عند أحد ، وهي الالتزام الكامل بالنصوص القرآنيّة والسنّة النبوّة المحمّديّة الصافية النقيّة.

هؤلاء هم أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين أوجب الله حقوقهم ، وفرض طاعتهم ، وأذهب عنهم الرجس ، وطهّرهم من أىّ نقيصة ، دائماً مدحهم الله سبحانه وتعالى في آيات الكتاب الحكيم وكذلك في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولن تجد حتّى عند خصومهم ما يطعن في عصمتهم وعدالتهم وتقواهم. بل كانوا دائما المثل الأعلى في العدل والزهد والتقوى والطاعة والعلم ، والمحافظة على كليّات الإسلام وجزئياته.

فأهل البيت عليهم‌السلام هم الذين صحبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّ الصحبة ، أخذوا عنه معالم الدين ، ونقلوا لنا تعاليمه بأمانة وإخلاص ودقّة متناهية.

هم الذين دوّنوا ما أملاه عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخطّ أيديهم ، ودونك الأحاديث التي تؤكّد على وجود الصحيفة العلويّة ، والتي فيها جميع أحكام الإسلام ، وحتّى لو حاول أهل السنّة التنقيص من شأنها ، لكنّهم اعترفوا بوجودها.

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي جحيفة قال : قلت لعليّ : هل عندكم كتاب؟ قال : « لا ، إلاّ كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة ».

٢٠٧

قال : قلت : فما في هذه الصحيفة؟ قال : « العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر » (١).

روى البخاري في صحيحه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : « ما عندنا شيء إلا كتاب الله ، وهذه الصحيفة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : المدينة حرم ، ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثاً ، أو آوى محدثاً ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل. وقال : ذمة المسلمين واحدة فمن اخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولّى قوماً بغير إذن مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » (٢).

وسنتحدث عن الصحيفة العلويّة بشكل مفصّل في بحث اغتيال السنّة.

هؤلاء هم أهل البيت ، الذين هم سفن النجاة ، والذين أذهب الله عنهم الرجس وأمر بالاقتداء بهم وبهديهم.

وكما رأيت عزيزي القارئ ، لم أذكر لك جلّ ما نزل في شأنهم ، تركت ذلك لك حتّى تستقصي وتبحث بنفسك حتّى تصل إلى الحقيقة ، وتتعرّف على حقيقة أهل البيت عليهم‌السلام ، والتي اغتالها المسلمون عبر تاريخهم وطمسوها ، ولم يسمحوا لأحد أنْ يحييها. ولو لا صبر الشيعة وأئمّتهم عليهم‌السلام ، ومثابرتهم وتحمّلهم الملاحقات والتهم الباطلة ، وكذلك تكفيرهم وقتلهم وسجنهم وتشريدهم طوال ذلك التاريخ ، لما بقي دين على وجه الأرض.

بارك الله لكم وفيكم أيّها الأبرار ، يا أتباع أهل البيت عليهم‌السلام. فلولاكم اليوم لكنّا في ظلمات فوقها ظلمات ، وضلال ما بعده ضلال ، رحمكم الله يا من أحييتم

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٦.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢٢١.

٢٠٨

أمر نبيّنا وأئمّتنا سلام الله عليهم وعليكم.

النوع الثاني : الصحابة الموفون بعهدهم :

هذا الصنف من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، هم الذين أوفوا بعهدهم وبيعتهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيهم نزلت الآية : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).

وهؤلاء الصحابة منهم من قتل واستشهد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل وفاته كشهداء بدر وأحد ، ومنهم الذين بقوا بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهدهم وبيعتهم لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه ، حيث إنّهم شهدوا واقعة غدير خمّ عندما أنزل الله سبحانه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (٢).

ثُمّ قام المسلمون جميعاً ببعية إمامهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم ، ثبتوا وصبروا ابتغاء وجه ربّهم ، وثبتوا على عهدهم ، لم يغيّروا أو يبدّلوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قتلوا في سبيل الله أو توفوا وهم على ذلك.

وحتّى تستطيع عزيزي القارئ معرفة هذا النوع من الصحابة الكرام ، لابدّ وأنْ تجعل لك ميزاناً تستطيع أنْ ترجع إليه لمعرفة من أوفى بعهده ومن لم يوف بعهده.

فالميزان الحقيقي لأىّ صحابي هو مواقفه تجاه أهل البيت عليهم‌السلام ; لأنّ التمييز بين المؤمن والمنافق متوقّف على حبّ أهل البيت عليهم‌السلام أو بغضهم فكما مرّ سابقا ، الحديث من صحيح مسلم وغيره : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ

__________________

(١) التوبة : ١٠٠.

(٢) المائدة : ٦٧.

٢٠٩

الأميّ أنْ لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » (١).

فمن أوفى من الصحابة بعهده لأمير المؤمنين وأحبّه ، ودافع عنه ، وكان في صفّه ، فلا شكّ في أنّه من الصحابة الكرام.

وبالنظر إلى فترة الصحابة وحياتهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من بداية فترة خلافة أبي بكر وحتّى عصر الأمويين وخلافتهم وباستقراء سيرهم ، فمن كان قد أوذي أو طرد أو نفي أو شرد أو قتل أو حرق من قبل حكّام تلك الفترة بسبب موقفه من الحقّ ، فإنّه قطعاً يكون مشمولاً مع أولئك الصحابة الممدوحون المنتجبون.

وأيضاً كان هناك العديد من الصحابة لم يبايعوا أبا بكر ، بل بقوا على عهدهم وبيعتهم التي عقدوها لخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.

أذكر لك بعضاً من أسماء أولئك الصحابة الكرام الذين استجابوا لله وللرسول ، وكانوا من روّاد التشيّع لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهم : عبد الله بن عبّاس ، الفضل ابن العبّاس ، قثم ابن العبّاس ، تمام بن العبّاس ، عقيل بن أبي طالب ، أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، نوفل بن الحارث ، عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب ، عون بن جعفر ، ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، الطفيل بن الحارث ، المغيرة بن نوفل بن الحارث ، عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث ، جعفر بن أبي سفيان بن الحارث ، وهؤلاء كانوا من مشاهير بني هاشم ، وأمّا غيرهم فإليك أسماء ثلّة منهم ، سلمان المحمّدي « الفارسي » ، المقداد بن الأسود الكندي ، أبو ذر الغفاري ، عمّار بن ياسير ، حذيفة بن اليمان ، خزيمة بن ثابت ، أبو أيّوب الأنصاري مضيف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أبو الهيثم ، مالك بن التيهان ، أبي بن كعب ، سعد بن عبادة ، قيس بن سعد بن عبادة ، عدي بن حاتم ،

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٦١.

٢١٠

عبادة بن الصامت ، أبو رافع ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هاشم بن عتبة ، عثمان بن حنيف ، سهل بن حنيف ، حكيم بن جبلّة العبدي ، خالد بن سعيد بن العاص ، ابن الحصيب الأسلمي ، هند بن أبي هالة التميمي ، جعد بن بكر ، أبان بن سعيد بن العاص ، زيد بن صوحان العبدي. وغيرهم كثير.

ومن ميزات هؤلاء الصحابة. قلّة رواياتهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتب أهل السنّة ، وهذا يدلّك على عدم موافقة الخطّ السياسي في ذلك الوقت لخطّهم رضي‌الله‌عنهم ، ولذلك نادراً ما تجد رواية أو أكثر لأحدهم ، وهذا مشهور عند أهل السنّة في كتبهم وصحاحهم ، حتّى أنّك لو ذكر ت اسم صحابي من أولئك الموفون بعهدهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسألت عنه علماء أهل السنّة فإنّهم لا يعرفون عنه شيئاً ، ولا عن حياته أو وفاته ، خذ مثلا : الصحابيّ حجر بن عدي ، وأصحابه الذين قتلوا صبراً وحرقاً من قبل معاوية وأعوانه وأذنابه ، قتلوهم بسبب ولائهم لأمير المؤمنين سلام الله عليهم ورضي الله عنهم.

وإليك بعضاً من أسماء أولئك الذين ثبتوا على عهدهم ، وأوفوا حتّى قتلوا وأحرقوا أو طردوا بسبب وفائهم واتّباعهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحيث إنّهم لم يغيّروا ولم يبدّلوا كما يريد الحكّام ، فإنّ نهايتهم كانت القتل أو الطرد أو النفي أو الحرق ، وغير ذلك من أنواع الانتقام.

أعرض لك عزيزي القارئ بعضاً من أسماء أولئك العظام الكرام ، وليس جميعهم ، مع ذكر بعض الأحاديث في حقّهم ، وبعض المواقف لهم ، والتي كانت متعارضة مع سياسة الخلفاء الظالمة ، وإنّهم ثبتوا على ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، حتّى قتلوا في سبيل ذلك.

في كنز العمّال : قال رسول الله : اشتاقت الجنّة إلى أربعة : عليّ وسلمان وأبي ذر وعمّار بن ياسر (١).

__________________

(١) كنز العمّال ١١ : ٧٥٤ ، والحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢١ : ٤١١.

٢١١

وفي كنز العمّال أيضاً قال رسول الله : « إنّ الجنّة اشتاقت لأربعة من أصحابي : عليّ والمقداد وسلمان وأبي ذر » ( طب ـ عن عليّ ) (١).

وفي المستدرك عن أنس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة : عليّ ، وعمّار وسلمان » (٢).

أمّا سلمان المحمّدي ( الفارسي ) ، فقد اخترت لك بعض ما حدّث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يتعلق به وبقومه.

روى السيوطيّ في الجامع ، قال رسول الله : « سلمان منّا أهل البيت » ورواه الطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك (٣).

روى الترمذي ، عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية : (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (٤) قالوا : ومن يستبدل بنا؟ قال : فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منكب سلمان ، ثُمّ قال : « هذا وقومه » (٥).

وفي سنن الترمذي أيضاً ، بالسند إلى عبد الله بن جعفر بن نجيح ، والد عليّ ابن المديني أيضاً ، هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين ذكر الله إنْ تولينا استبدلوا بنا ثُمّ لا يكونوا أمثالنا؟ قال : وكان سلمان جنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذ سلمان ، وقال : هذا وأصحابه ، والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان منوطاً

__________________

(١) كنز العمّال ١١ : ٧٥٤.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٧.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٩٨ ، المعجم الكبير ٦ : ٢١٣ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٢.

(٤) محمّد : ٣٨.

(٥) سنن الترمذي ٥ : ٦٠.

٢١٢

بالثريا لتناوله رجال من فارس » (١).

قال السيوطي : أخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : لمّا نزلت : (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) قيل : من هؤلاء؟ وسلمان رضي‌الله‌عنه إلى جنب النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : « هم الفرس ، وهذا وقومه » (٢).

أمّا عمّار بن ياسر : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ، ومن المعروف أنّ الفئة الباغية كانت فئة معاوية ومن معه من الصحابة المنافقين.

روى البخاري في صحيحه ، عن عكرمة : قال لي ابن عبّاس ولإبنه عليّ : انطلقا إلى أبي سعيد ، فاسمعا من حديثه ، فانطلقنا ، فإذا هو في حائط يصلحه ، فأخذ رداءه فاحتبى ، ثُمّ أنشأ يحدّثنا حتّى أتى ذكر بناء المسجد فقال : ثُمّ كنّا نحمل لبنة لبنة ، وعمّار لبنتين لبنتين ، فرآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فينفض التراب عنه ويقول : ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النار ، قال : يقول عمّار : أعوذ بالله من الفتن.

وروى في تاريخ بغداد ، عن عمر بن العاص قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » (٣).

وروي في صحيح مسلم ، عن أمّ سلمة ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : تقتلُ عمّاراً الفئة الباغية » (٤).

قال النووي : « وثبت في الصحيحين أنّ رسول الله قال : « ويح عمّار ، تقتله الفئة الباغية » ، وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنّه مع الفئة

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٠.

(٢) الدرّ المنثور ٦ : ٦٧ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٥٨.

(٣) تاريخ بغداد ١١ : ٤٢٨.

(٤) صحيح مسلم ٨ : ١٨٦.

٢١٣

العادلة (١).

وروى أحمد في مسنده ، عن أبي البختري قال : قال عمّار يوم صفين : ائتوني بشربة لبن ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : آخر شربه تشربها من الدنيا شربة لبن ، فأتي بشربة لبن فشربها ، ثُمّ تقدم فقتل ، ورواه ابن سعد وغيره (٢).

وفي مجمع الزوائد : وعن سيار أبي الحكم قال : قالت بنو عبس لحذيفة : إنّ أمير المؤمنين عثمان قد قتل ، فما تأمرنا ، قال : آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا : إن عماراً لا يفارق عليّاً ، قال : ان الحسد هو أهلك الجسد وإنّما ينفركم من عمّار قربه من عليّ ، فوالله لعليّ أفضل من عمّار أبعد ما بين التراب والسحاب ، إنّ عمّاراً لمن الأحباب وهو يعلم أنّهم إنْ لزموا عمّاراً كانوا مع عليّ » (٣).

أخرج الطبراني ، عن عبد الله ، يعني : ابن مسعود ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « إذا اختلف الناس ، كان ابن سميّة مع الحق « [ ابن سمية هو عمّار ].

في مجمع الزوائد : وعن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : وضرب جنب عمّار قال : إنّك لن تموت حتّى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق ، يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن » (٤).

وكذلك أبو ذر رضي‌الله‌عنه الذي ضُرب من قبل عثمان وأعوانه ، ونفي عدّة مرّات ، وكان ثابتاً على ولائه لأهل البيت ، ولم يترك بيعته لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ولم يترك أبو ذر رضي‌الله‌عنه الرواية والحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يتعلّق بأهل البيت وفضائلهم سلام الله عليهم ، ولذلك عُذّب وضُرب وشرّد من قبل الخليفة الثالث عثمان بن عفّان وأعوانه من بني الحكم.

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٣٥٢.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٣١٩ ، الطبقات الكبرى ٣ : ٢٥٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ٧٢٨ ـ ٧٢٩.

(٣) مجمع الزوائد ٧ : ٢٤٣.

(٤) مجمع الزوائد ٩ : ٢٩٧.

٢١٤

في تهذيب الكمال : قال النزال بن سبرة عن عليّ : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر » وفي الباب عن أبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم ، وقال عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أمرت بحبّ أربعة من أصحابي ، وأخبرني الله أنّه يحبّهم » قلت من هم يا رسول الله قال : « عليّ وأبو ذر وسلمان والمقداد » وقال عبد الله بن مليل ، عن عليّ : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « أعطي كلّ نبيّ سبعة نجباء ورفقاء ، وأعطيت أنا أربعة عشر نجيباً رفيقاً ، فذكرهم ذكر فيهم أبا ذر ، وقال أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ : « أبو ذرّ وعاء مليء علماً ثُمّ أوكى عليه ، فلم يخرج منه شيء حتّى قبض. ومناقبه وفضائله كثيرة جدّاً » (١).

وروي في الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، عن عبد الله بن مسعود قال : لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أنْ غسلاني وكفّناني وضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمرّ بكم فقولوا : هذا أبو ذر ، صاحب رسول الله ، فأعينونا على دفنه ، فلمّا مات ، فعلا ذلك به ، ثُمّ وضعاه على قارعة الطريق ، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عُمّاراً ، فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطأها ، فقام إليه الغلام فقال : هذا أبو ذر ، صاحب رسول الله ، فأعينونا على دفنه ، فاستهلّ عبد الله يبكي ويقول : صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، ثُمّ نزل هو وأصحابه فواروه.

حجر بن عدي الكندي وأصحابه وماذا قال عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الحاكم في المستدرك : في باب ذكر مناقب حجر بن عدىّ رضي‌الله‌عنه ، وهو

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٤ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

٢١٥

راهب أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وذكر مقتله (١).

وبإسناده إلى إبراهيم بن يعقوب قال : قد أدرك حجر بن عدي الجاهليّة ، ثُمّ صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمع منه ، وشهد مع عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه الجمل وصفّين ، وقتل في موالاة عليّ (٢).

روى الحاكم في المستدرك ، عن مصعب بن عبد الله الزبيري ، قال : حجر بن عدىّ الكندي ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، كان قد وفد إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وشهد القادسية ، وشهد الجمل وصفّين مع عليّ رضي‌الله‌عنه ، قتله معاوية بن أبي سفيان بمرج عذراء ، وكان له ابنان ، عبد الله ، وعبد الرحمن ، قتلهما مصعب بن الزبير صبراً ، وقتل حجر سنة ثلاث وخمسين (٣).

روى الحاكم في المستدرك ، عن أبي إسحاق قال : رأيت حجر بن عدىّ وهو يقول : ألا إنّي على بيعتي [ لأمير المؤمنين عليّ ] لا أقيلها ولا استقيلها ، سماع الله والناس (٤).

روى الحاكم في المستدرك عن محمّد بن سيرين قال : قال حجر بن عديّ : لا تغسلوا عنّي دما ، ولا تطلقوا عنّي قيداً ، وادفنوني في ثيابي ، فإنّا نلتقي غدا بالجادّة.

قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لحديث : « سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء ». « سيقتل بعذراء » قرية من قرى دمشق « أناس يغضب الله لهم وأهل السماء » هم حجر بن عدىّ الأدبر وأصحابه ، وفد على المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ، وشهد صفّين مع عليّ أميراً ، وقُتل بعذراء من قرى دمشق ، وقبره بها. قال ابن عساكر في تاريخه : عن أبي معشر وغيرهذا : كان حجر

__________________

(١) المستدرك ٣ : ٤٦٨.

(٢) المستدرك ٣ : ٤٧٠.

(٣) المستدرك ٣ : ٤٦٨.

(٤) المستدرك ٣ : ٦٤٩.

٢١٦

عابداً ولم يحدث قط إلا توضّاً ، ولا توضَاً إلاّ صلّى (١).

وجاء في تاريخ الطبري ، في باب : تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية : حجر ابن عدىّ بن جبلة الكندي ، والأرقم بن عبد الله الكندي ، من بني الأرقم ، وشريك ابن شدّاد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل ، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ، من بني عامر بن شهران ، ثُمّ من قحافة وعاصم بن عوف البجليّ ، ورقاء بن سمي البجلي ، وكدام بن حيّان ، وعبد الرحمن بن حسان من بني هميم ، ومحرز بن شهاب التميمي ، من بني منقر ، وعبد الله بن حوية السعدي من بني تميم ، فمضوا بهم حتّى نزلوا مرج عذراء فحبسوا بها (٢).

وأمّا عمرو بن الحمق ، الصحابي الجليل ، الذي أيضاً قتل بسبب موالاته لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وإليك بعض ما قيل عنه :

روى ابن أبي شيبة ، عن هنيدة بن خالد الخزاعي قال : أول رأس أهدي في الإسلام ، رأس ابن الحمق ، أهدي إلى معاوية (٣).

وجاء في الثقات : عمرو بن الحمق الخزاعي ، عداده في أهل الكوفة ، وكان من أصحاب عليّ بن أبي طالب ، ولمّا قتل عليّ ، هرب إلى الموصل ، ودخل غاراً فنهشته حيّة فقتلته ، وبعث إلى الغار في طلبه ، فوجدوه ميّتاً ، فأخذ عامل الموصل رأسه وحمله إلى زياد ، فبعث زياد برأسه إلى معاوية ، ورأسه أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد ، وهو عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة ، وهو من خزاعة » (٤).

وقال في تهذيب الكمال : قال هنيدة بن خالد الخزاعي : أوّل رأس أهدي

__________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٤ : ١٦٦.

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٢٠٢.

(٣) المصنّف ٧ : ٧٢٣.

(٤) الثقات ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

٢١٧

في الإسلام رأس عمرو بن الحمق ، أهدي إلى معاوية ، وقيل ، إنّ حيّة لدغته فمات ، فقطعوا رأسه ، فأهدوه إلى معاوية ، روى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ... روى عنه جبير بن نفير الحضرمي ، ورفاعة بن شدّاد الفتياني ... وعبد الله بن عامر المعافري ، والد عميرة بن عبد الله ، وعبد الله المزني ، وأبو منصور مولى الأنصار ، وأبو ناجية والد عميرة بن أبي ناجية إنْ كان محفوظاً ، وميمونة جدّة يوسف بن سليمان ، ذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى من أهل الشام.

قال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة : حدّثنا يوسف بن سليمان ، عن جدّته ميمونة ، عن عمرو بن الحمق الخزاعي : أنّه سقى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبنا فقال : اللّهم أمتعه بشبابه (١).

وقد قُتل العديد من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموفون بعهدهم مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، في معركة الجمل ، ومعركة صفّين ، ومعركة النهروان ، والصحابة الذين قاتل قسماً كبيراً منهم أبو بكر وعمر ، بحجّة حروب الردّة ; لأنّهم لم يدفعوا الزكاة ، مع أنّهم يشهدون أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يصلّون.

روى البخاري في صحيحه ، فقال عمر [ في ردّه على أبي بكر حين أراد قتال مَنْ منع الزكاة ] : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أمرت أنْ أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوا : لا إله إلاّ الله ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها ، وحسابهم على الله » ، فقال : والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثُمّ تابعه بعد عمر (٢).

ولكنّ ذنبهم أنّهم حضروا مشهد البيعة لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، يوم خطب

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢١ : ٥٩٧.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢١٨

فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خمّ ، وولّى عليهم أمير المؤمنين خليفة من بعده ، وكان الجمع فيه عشرات الألوف من الصحابة ، وذلك قبل وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأشهر قليلة ; ولأنّ قسماً كبيراً من أولئك أوفوا ببيعتهم ورفضوا أنْ يعطوا الزكاة لمن نكث بيعته ، ولم يقبلوا إلاّ أنْ يؤدّوها إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فقاتلوهم وقتلوهم وحرقوهم وادّعوا أنّ أولئك الصحابة من المرتدّين ، كما حصل مع قوم الصحابي مالك ابن نويرة ، وكان من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أمرائه على الصدقات.

جاء في تاريخ الطبري بالسند إلى عبد الله بن أبي بكر قال :

قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أمراءه وعمّاله على الصدقات على كلّ ما أوطأ الإسلام من البلدان .. ، وبعث مالك بن نويرة رضي‌الله‌عنه على صدقات بني حنظلة (١).

والذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور ، بأمر من خالد بن الوليد ، واغتصب امرأته ، تلك المرأة المسلمة ، زوجة ذلك الصحابي الجليل ، ثُمّ هيّأها لخالد بن الوليد ، ونزا عليها ، وإليك عزيزي القارئ ما جرى من بطولات حروب الردّه ، والتي قادها أبو بكر وعمر.

أورد يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند له : أنّ خالداً بعث ضراراً في سريّة ، فأغاروا على حيّ ، فأخذوا امرأة جميلة ، فسأل ضرار أصحابه أنْ يهبوها له ، ففعلوا ، فوطئها ثُمّ ندم فذكر ذلك لخالد ، فقال له : قد طيّبتها لك ، فقال : لا ، حتّى تكتب إلى عمر ، فكتب ـ أي عمر ـ عمر : أنْ ارضخه بالحجارة ، فجاء الكتاب وقد مات .. ، ويقال : إنّه الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٠٠.

(٢) اُنظر الإصابة ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٢.

٢١٩

وروى الطبري في تاريخه : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، أنّ أبا بكر من عهده إلى جيوشه أنْ إذا غشيتهم داراً من دور الناس فسمعتم فيها آذاناً للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتّى تسألوهم ، ما الذي نقموا؟

وإنْ لم تسمعوا آذاناً ، فشنّوا الغارة ، فاقتلوا وحرّقوا ، وكان ممّن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة ، الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، وقد كان عاهد الله إلا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها ، وكان يحدّث أنّهم لمّا غشوا القوم تحت الليل فأخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا : إنّا المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معكم ، قالوا : لنا : فما بال السلاح معكم ، قلنا : فإنْ كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، قال : فوضعوها ، ثُمّ صلّينا وصلّوا ، وكان خالد يعتذر في قتله أنّه قال له وهو يراجعه : ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول : كذا وكذا قال : أو ما تعدّه لك صاحباً ، ثُمّ قدّمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه ، فلمّا بلغ قتلهم عمر بن الخطّاب ، كلّم فيه أبي بكر فأكثر وقال : عدّوا الله عدى على امرئ مسلم فقتله ثُمّ نزا على امرأته ، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتّى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد ، معتجراً بعمامة له ، قد غرز في عمامته أسهماً ، فلمّا أنْ دخل المسجد ، قام إليه عمر ، فانتزع الأسهم من رأسه فحطّمها ، ثُمّ قال : قتلت امرءاً مسلماً ثُمّ نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك ، ولا يكلّمه خالد بن الوليد ، ولا يظنّ إلاّ أنّ رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه ، حتّى دخل على أبي بكر ، فلمّا أنّ دخل عليه ، أخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره أبو بكر ، وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك ، قال : فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر ، وعمر جالس في المسجد ، فقال له : هلمّ إليّ يا ابن أمّ شملة ، قال : فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه ، فلم يكلّمه

٢٢٠