سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

ـ الآية ـ وكان أوائل القوم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ قريباً من الجحفة ، فأمر أنْ يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وأنْ يقيم عليّاً عليه‌السلام علماً للناس ، ويبلّغهم ما نزّل الله فيه ، وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس » (١).

وقد ذكر الأمينيّ قدس‌سره في كتاب الغدير ثلاثين مؤلّفاً من أهل السنّة رووا أنّ الآية نزلت في ولاية عليّ عليه‌السلام نذكر عدداً منهم باختصار :

١ ـ الحافظ أبو جعفر بن جرير الطبري المتوفّى ٣١٠ هـ ، أخرج بإسناده في كتاب « الولاية في طرق حديث الغدير » ، عن زيد بن أرقم قال : لمّا نزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمّت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ، ثُمّ قال : إنّ الله تعالى أنزل اليّ : بّلغ ما اُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ...

٢ ـ الحافظ ابن أبي حاتم ، أبو محمّد الحنظلي الرازي المتوفّى ٣٢٧ هـ.

٣ ـ الحافظ أبو عبد الله المحاملي المتوفّى ٣٣٠ هـ.

٤ ـ الحافظ أبو بكر الفارسيّ الشيرازي ، المتوفّى ٤٠٧ هـ ، ورى في كتابه : ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين ، بالإسناد عن ابن عبّاس : أنّ الآية نزلت يوم غدير خمّ في عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام.

٥ ـ الحافظ ابن مردويه المولود ٣٢٣ هـ والمتوفى ٤١٦ هـ ، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري ، أنّها نزلت يوم غدير خمّ في عليّ بن أبى طالب ، وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنّه قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا

__________________

(١) اُنظر : الغدير للأميني ١ : ٢١٤.

١٠١

أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ـ إنّ عليّاً مولى المؤمنين ...

٦ ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري ، المتوفّى ٤٢٧ هـ ، روى في تفسيره الكشف والبيان.

٧ ـ الحافظ أبو نعيم الاصبهاني ، المتوفّى ٤٣٠ هـ ، روى في تأليفه : ما نزل من القرآن في عليّ ...

٨ ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوري ، المتوفّى ٤٦٨ هـ.

٩ ـ الحافظ أبو سعيد السجستاني ، المتوفّى ٤٧٧ هـ ، في كتاب الولاية بإسناده من عدة طرق عن ابن عبّاس.

١٠ ـ الحافظ الحاكم الحسكاني ، أبو القاسم ، روى في شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل ، بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس ، وجابر.

١١ ـ الحافظ أبو القاسم ، ابن عساكر الشافعي ، المتوفّى ٥٧١ هـ ، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري.

١٢ ـ أبو الفتح النطنزي ، أخرج في الخصائص العلوية ، بإسناده عن الإمامين محمّد بن عليّ الباقر وجعفر بن محمّد الصادق.

١٣ ـ أبو عبد الله ، فخر الدين الرازي الشافعي ، المتوفّى ٦٠٦ هـ ، قال في تفسيره الكبير ٣ : ٦٣٦ العاشر : نزلت الآية في فضل عليّ ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ...

١٤ ـ أبو سالم النصيبي الشافعي المتوفّى ٦٥٢ هـ ، في مطالب السؤل.

١٥ ـ الحافظ عزّ الدين الرسعني الموصلي الحنبلي المولود ٥٨٩ هـ. والمتوفّى ٦٦١.

١٦ ـ شيخ الإسلام أبو إسحاق الحمويني المتوفّى ٧٢٢ هـ ، أخرج في فرائد

١٠٢

السمطين عن مشايخه الثلاثة : السيّد برهان الدين إبراهيم بن عمر الحسيني المدني ، والشيخ الإمام مجد الدين عبد الله بن محمود الموصلي ، وبدر الدين محمّد ابن محمّد بن أسعد البخاري ، بإسنادهم عن أبي هريرة : أنّ الآية نزلت في عليّ.

١٧ ـ السيّد عليّ الهمداني ، المتوفّى ٧٨٦ هـ ، قال في مودّة القربى : عن البرّاء ابن عازب قال : أقبلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع ، فلمّا كان بغدير خمّ نودي الصلاة جامعة ، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة ، وأخذ بيد عليّ ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

فقال : ألا من أنا مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فلقيه عمر رضي‌الله‌عنه فقال : هنيئاً لك يا عليّ بن أبى طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وفيه نزلت : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) الآية.

١٨ ـ بدر الدين بن العيني الحنفي المولود ٧٦٢ هـ ، والمتوفّى ٨٥٥ هـ ، ذكره في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٥٨٤ في قوله تعالى : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل. عن الحافظ الواحدي ما مرّ عنه من حديث حسن بن حمّاد سجادة سنداً ومتناً (١).

وهذا ما نجده في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي ، حيث يروي عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال : لمّا نزلت هذه الآية في ولاية عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ). قال : فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يد عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام في يوم غدير خمّ ، ثُمّ رفعها وقال : اللّهم من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهم والِ من والاه ، وعاد من عاده ، وانصر من نصره ، واخذل من

__________________

(١) الغدير ١ : ٢١٤ ـ ٢٢٠.

١٠٣

خذله (١).

آية إكمال الدين وإتمام النعمة :

قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (٢).

روى السيوطيّ في الدرّ المنثور عن ابن مردويه ، وابن عساكر بسندهما ، عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية ، هبط جبريل عليه بهذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) (٣).

وعن ابن مردويه ، والخطيب ، وابن عساكر بسندهما عن أبي هريرة قال : لمّا كان يوم غدير خم وهو يوم ثمان عشر من ذي الحجّة ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » فانزل الله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٤).

روى الخطيب البغدادي ، ثنا عبد الله بن عليّ بن محمّد بن بشران ، ثنا عليّ ابن عمر الحافظ ، ثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيّوب الخلال ، ثنا عليّ بن سعيد الرملي ، ثنا ضمرة بن ربيعة القرشيّ ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ ، لمّا أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ بن أبي طالب فقال : ألست ولي المؤمنين »؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ١٣٠.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) الدرّ المنثور ٢ : ٢٥٩.

(٤) الدرّ المنثور ٢ : ٢٥٩.

١٠٤

قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم. فأنزل الله عزّ وجلّ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) (١).

قال أبن كثير : قال عبد الرزاق انا معمّر ، عن عليّ بن زيد بن جدعان ، عن عدي بن ثابت ، عن البرّاء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا غدير خمّ ، فبعث منادياً ينادي ، فلمّا اجتمعنا قال : « ألست أولى بكم من أنفسكم »؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : « ألست أولى بكم من أمهاتكم »؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : « ألست أولى بكم من آبائكم »؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : « ألست ، ألست ، ألست »؟

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » ، فقال عمر بن الخطّاب : هنيئاً لك يا بن أبي طالب ، أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن. وكذا رواه ابن ماجة من حديث حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد وأبي هارون العبدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البرّاء به ، هكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن أبي إسحاق ، عن البراء به (٢).

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤.

(٢) البداية والنهاية ٧ : ٣٨٦.

١٠٥

روى أحمد في مسنده ، حدّثنا حسين بن محمّد وأبو نعيم ، المعنى ، قالا : ثنا فطر ، عن أبي الطفيل قال : جمع عليّ الناس في الرحبة ، ثُمّ قال لهم : أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ ما سمع لما قام. فقام ثلاثون من الناس ـ وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير ـ فشهدوا حين أخذ بيده ، فقال للناس : « أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : نعم يا رسول الله. قال : « من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » ، قال : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إنّي سمعت عليّاً يقول : كذا وكذا. قال : فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك له (١). ورواه النسائي (٢).

قال ابن كثير : قال أبو بكر الشافعي : ثنا محمّد بن سليمان بن الحارث ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم ، عن أبي سليمان المؤذّن ، عن زيد بن أرقم ، أنّ عليّاً أنشد الناس : من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه »؟ فقام ستّة عشر رجلاً ، فشهدوا بذلك ، وكنت فيهم.

وقال أبو يعلى ، وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه : حدّثنا القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : شهدت عليّاً في الرحبة يناشد الناس : أنشد الله من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » لما قام فشهد. قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشربدريّاً ، كأنّي أنظر إلى أحدهم عليه سراويل ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ : « ألست أولى

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ٣٧٠.

(٢) السنن الكبرى ٥ : ١٣٤.

١٠٦

بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمّهاتهم »؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

ثُمّ رواه عبد الله بن أحمد ، عن أحمد بن عمر الوكيعي ، عن زيد بن الحبّاب ، عن الوليد بن عقبة بن نزار ، عن سمّاك بن عبيد بن الوليد العبسي ، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، فذكره ، قال فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حين أخذ بيدك يقول : « اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، واُنصر من نصره واُخذل من خذله » ، وهكذا رواه أبو داود الطهوي ، واسمه عيسى بن مسلم ، عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، كلاهما ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره بنحوه (١).

قال الطبراني : ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن كيسان المديني سنة تسعين ومائتين ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا مسعر ، عن طلحة بن مصرف ، عن عميرة بن سعد قال : شهدت عليّاً على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خمّ يقول ما قال : فقام اثنا عشر رجلاً ، منهم أبو هريرة ، وأبو سعيد ، وأنس بن مالك ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

ورواه أبو العبّاس بن عقدة ، عن الحسن بن عليّ بن عفّان العامري ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فطر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن مرّة وسعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثيع قالوا : سمعنا عليّاً يقول في الرحبة. فذكر نحوه ، فقام ثلاثة عشر رجلاً ، فشهدوا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ،

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ : ٣٨٣.

١٠٧

وانصر من نصره واخذل من خذله » قال أبو إسحاق حين فرغ من هذا الحديث : يا أبا بكر ، أيّ أشياخهم! وكذلك ورواه عبد الله بن أحمد ، عن عليّ بن حكيم الأودي ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، فذكر نحوه (١).

قال ابن كثير : قال عبد الرزاق : عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب وعبد خير قالا : سمعنا عليّاً برحبة الكوفة يقول : أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ». فقام عدّة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك.

وقال أحمد : حدّثنا محمّد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت سعيد ابن وهب قال : نشد عليّ الناس ، فقام خمسة أو ستّة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فشهدوا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

وقال أحمد : حدّثنا يحيى بن آدم ، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي ، عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى عليّ بالرحبة فقالوا : السلام عليكم يا مولانا. فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خمّ يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ». قال : رياح : فلمّا مضوا اتّبعتهم فسألت : من هؤلاء؟ قالوا : نفر من الأنصار ، فيهم أبو ايّوب الأنصاري.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدّثنا شريك ، عن حنش ، عن رياح بن الحارث قال : بينما نحن جلوس في الرحبة مع عليّ ، إذ جاء رجل عليه أثر السفر فقال : السلام عليك يا مولاي. فقال : من هذا؟ فقال : أبو أيّوب ، سمعت رسول الله صلّى

__________________

(١) البداية والنهاية : ٧ : ٣٨٤.

١٠٨

الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

وقال أحمد : ثنا محمّد بن عبد الله ، ثنا الربيع ـ يعني ابن أبي صالح الأسلمي ـ حدّثني زياد بن أبي الأسلمي ، سمعت عليّ بن أبي طالب ينشد الناس فقال : أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ ما قال. فقام اثنا عشر بدرياً فشهدوا.

وقال أحمد : حدّثنا ابن نمير ، ثنا عبد الملك ، عن أبي عبد الرحمن الكندي ، عن زاذان أنّ ابن عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خمّ وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

وقال أحمد : ثنا حجّاج بن الشاعر ، ثنا شبابة ، ثنا نعيم بن حكيم ، حدّثني أبو مريم ورجل من جلساء عليّ ، عن عليّ : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم غدير خمّ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ». قال : فزاد الناس بعد : « اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، وقد روى هذا من طرق متعدّدة عن عليّ. رضي‌الله‌عنه ، وله طرق متعدّدة عن زيد بن أرقم.

وقال غندر عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي مريم أو زيد بن أرقم ـ شعبة الشاك ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ». قال سعيد بن جبير : وأنا قد سمعته قبل هذا من ابن عبّاس. رواه الترمذي عن بندار ، عن غندر ، وقال : حسن غريب.

وقال أحمد : حدّثنا عفّان ، ثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي عبيد ، عن ميمون أبي عبد الله قال : قال زيد بن أرقم وأنا أسمع : نزلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بواد يقال له : وادي خمّ. فأمر بالصلاة ، فصلاّها بهجير. قال : فخطبنا

١٠٩

وظلّل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثوب على شجرة سمر من الشمس ، فقال : « ألستم تعلمون ـ أو : ألستم تشهدون ـ أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى. قال : « فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللّهم عاد من عاداه ووال من والاه » وكذا رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم. وقد رواه عن زيد بن أرقم جماعة ، منهم ; أبو إسحاق السبيعي ، وحبيب الإسكافي ، وعطيّة العوفي ، وأبو عبد الله الشامي ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة.

وقد رواه معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيّد قال : لمّا قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجّة الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أنْ ينزلوا حولهنّ ، ثُمّ بعث إليهن ، فصلّى تحتهنّ ، ثُمّ قام فقال : « أيها الناس ، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلا مثل نصف عمر الذي من قبله ، وإنّي لأظنّ أنْ يوشك أنْ أدعى فأجيب ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون »؟ قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيراً. قال : « ألستم تشهدون أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنّ ناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور »؟ قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : « اللّهم اشهد ». ثُمّ قال : « يا أيها الناس ، إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، « من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ». ثُمّ قال : « أيّها الناس ، إنّي فرطكم ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض ممّا بين بصري وصنعاء ، فيه آنية عدد النجوم ، قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ ، عن الثقلين ، فاُنظروا كيف تخلفوني فيهما ; الثقل الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله عزّ وجلّ ، وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ; فإنّه قد نبّاني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. رواه

١١٠

ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا (١).

آية الولاية :

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢).

قال القرطبيّ في الجامع : وقال ابن عبّاس في رواية أخرى : نزلت في عليّ ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ; وقاله مجاهد ، والسدّي ، وحملهم على ذلك قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى السائل بيده حتّى أخذه (٣).

قال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عبّاس قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للسائل : من اعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ).

وأخرج عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عبّاس في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية. قال : نزلت في عليّ بن أبى طالب (٤).

وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه ، عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذه

__________________

(١) اُنظر : جميع ذلك في البداية والنهاية ٧ : ٣٨٤ ـ ٣٨٦.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) تفسير القرطبي ٦ : ٢٢١.

(٤) اُنظر : الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٣.

١١١

الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه ، ثُمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه (١).

وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عليّ بن أبي طالب قال : « نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيته : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ... ) إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد ، وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي. فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئا؟ قال : لا إلا ذاك الراكع ـ لعليّ بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه ».

وأخرج (٢) ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فنزلت ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) الآية (٣).

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) الآية ، نزلت في عليّ بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع (٤).

وأخرج ابن جرير ، عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله (٥).

وأخرج ابن مردويه ، من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم عند الظهر. فقالوا يا رسول الله. أنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد ، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا الله ورسوله ، وتركنّا دينهم ، أظهروا العداوة ، وأقسموا أنْ لا يخالطونا ولا يؤاكلونا فشقّ ذلك علينا فبيناهم يشكون ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، إذ نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ونودي بالصلاة صلاة الظهر ، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال :

__________________

(١ ـ ٥) تفسير القرطبي ٦ : ٢٢١.

١١٢

أعطاك أحد شيئاً؟ قال : نعم. قال : من؟ قال : ذاك الرجل القائم. قال : على أيّ حال أعطاكه؟ قال : وهو راكع. قال : وذاك عليّ بن أبى طالب ، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك وهو يقول : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (١) (٢).

روى الطبري في تفسيره : حدّثنا محمّد بن الحسين. قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدّي ، قال : ثُمّ أخبرهم بمن يتولاهم ، فقال : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن عليّ بن أبى طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد. فأعطاه خاتمه (٣).

حدّثنا هناد بن السري ، قال : ثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر ، قال : سألته عن هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبى طالب : عليّ من الذين آمنوا (٤).

حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن عبد الملك ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قول الله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) وذكر نحو حديث هناد عن عبدة (٥).

وعن عمّار بن ياسر قال : وقف على عليّ بن أبى طالب رضي‌الله‌عنه سائل وهو راكع في تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعلمه بذلك ، فنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ،

__________________

(١) المائدة : ٥٦.

(٢) اُنظر : الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٣ ـ ٥) تفسير الطبري ٦ : ٣٨٩.

١١٣

فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثُمّ قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١)

روى الحاكم في معرفة علوم الحديث بسنده إلى عليّ بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد ، والناس يصلّون بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال : لا! إلاّ هذا الراكع ـ لعليّ ـ أعطاني خاتماً (٢).

وروى ابن عساكر ، عن موسى بن قيس ، عن سلمة قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣).

حديث الطير :

روى الترمذي في سننه ، حدّثنا سفيان بن وكيع ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، عن السدّي ، عن أنس قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير ، فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ». فجاء عليّ فأكلّ معه (٤).

قال ابن كثير : قال أبو يعلى : ثنا قطن بن بشير ، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، ثنا عبد الله بن مثنى ، ثنا عبد الله بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله

__________________

(١) المعجم الأوسط ٦ : ٢١٨.

(٢) معرفة علوم الحديث : ١٠٢.

(٣) تاريخ دمشق ٤ : ٣٥٧.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٣٠٠.

١١٤

صلّى الله عليه وسلّم حجل مشويّ بخبزه وضيافة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكلّ معي من هذا الطير » فقالت عائشة : اللّهم اجعله أبي. وقالت حفصة : اللّهم اجعله أبي. وقال أنس : وقلت : اللّهم اجعله سعد بن عبادة ، قال أنس : فسمعت حركة بالباب ، فخرجت ، فإذا عليّ بالباب فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة فانصرف. ثُمّ سمعت حركة بالباب ، فخرجت فإذا عليّ بالباب. فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، فانصرف. ثُمّ سمعت حركة بالباب ، فسلّم عليّ ، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته ، فقال : « اُنطر من هذا »؟ فخرجت ، فإذا هو عليّ ، فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته ، فقال : « ائذن له يدخل عليّ » فأذنت له. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « اللّهم والِ من والاه » (١).

وروى الحاكم في مستدركه ، عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقدّم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرخ مشوي فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكلّ معي من هذا الطير » ، قال : فقلت : اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار.

فجاء عليّ رضي الله تعالى عنه ، فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، ثُمّ جاء فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. ثُمّ جاء ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « افتح » فدخل ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « ما حبسك عليّ »؟ فقال : إنّ هذه آخر ثلاث كرّات ، يردني أنس ، يزعم أنّك على حاجة. فقال : « ما حملك على ما صنعت »؟ فقلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. وقد

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ : ٣٨٧.

١١٥

رواه عن أنس جماعة من أصحابه ، زيادة على ثلاثين نفساً ، ثُمّ صحتّ الرواية عن عليّ ، وأبي سعيد الخدري ، وسفينة .. ، ثُمّ رواه الحاكم من طريق إبراهيم بن ثابت القصار عن ثابت البناني عن أنس ، بزيادة ألفاظ (١).

قال ابن كثير : ورواه عبد الله بن زياد ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكلّ معي من هذا الطير » ، فذكر نحوه (٢).

ورواه ابن يعقوب ، إسحاق بن الفيض ، ثنا المضاء بن الجارود ، عن عبد العزيز بن زياد ، أنّ الحجّاج بن يوسف ، دعا أنس بن مالك من البصرة ، فسأله عن عليّ بن أبي طالب ، فقال : أُهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم طائر ، فأمر به فطبخ وصنع فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليّ يأكل معي » فذكره (٣).

ورواه الخطيب البغدادي عن أنس بن مالك فذكره (٤).

قال ابن كثير : قال أبو يعلى : حدّثنا الحسن بن حمّاد الورّاق ، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع ثقة ، ثنا عيسى بن عمر ، عن إسماعيل السدّي : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ». فجاء أبو بكر فردّه ، ثُمّ جاء عمر فردّه ، ثُمّ جاء عثمان فردّه ، ثُمّ جاء عليّ فأذن له (٥).

وقال أبو القاسم بن عقدة : ثنا محمّد بن أحمد بن الحسن ، ثنا يوسف بن عدي ، ثنا حمّاد بن المختار الكوفي ، ثنا عبد الملك بن عمير ، عن أنس بن مالك

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) البداية والنهاية ٧ : ٣٨٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

(٥) اُنظر : البداية والنهاية ٧ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

١١٦

قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طائر ، فوضع بين يديه فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي ». قال : فجاء عليّ فدقّ الباب ، فقلت : من ذا؟ فقال : أنا عليّ. فقلت إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، حتّى فعل ذلك ثلاثاً ، فجاء الرابعة ، فضرب الباب برجله فدخل ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « ما حبسك »؟ فقال : قد جئت ثلاث مرّات فيحبسني أنس. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « ما حملك على ذلك »؟ قال : قلت : « كنت أحبّ أنْ يكون رجلاً من قومي » (١).

وقال أبو يعلى : ثنا أبو هاشم ، ثنا ابن فضيل ، ثنا مسلم الملائي ، عن أنس قال : أهدت أمّ أيمن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيراً مشوياً ، فقال : « اللّهم ائتني بمن تحبّه يأكل معي من هذا الطير » ، قال أنس : فجاء عليّ فاستأذن ، فقلت : هو على حاجته ، فرجع ، ثُمّ عاد فاستأذن فقلت : هو على حاجته ، فرجع ، ثُمّ عاد فاستأذن ، فسمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته ، فقال : « ائذن له » ، فدخل وهو موضوع بين يديه ، فأكل منه وحمد الله (٢).

وقد روي من حديث سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال أبو القاسم البغوي وأبو يعلى الموصلي : حدّثنا القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا مطير بن أبي خالد ، عن ثابت البجلي ، عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أهدت امرأة من الأنصار [ إلى رسول الله ] طائرين بين رغيفين ، ولم يكن في البيت غيري وغير أنس ، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فدعا بغدائه ، فقلت : يا رسول الله ، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هدية. فقدّمت الطائرين إليه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ». فجاء عليّ بن أبى طالب ، فضرب الباب ضرباً خفيّاً ، فقلت :

__________________

(١ ـ ٢) اُنظر : البداية والنهاية ٧ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

١١٧

من هذا؟ قال : أبو الحسن. ثُمّ ضرب الباب ورفع صوته ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من هذا »؟ قلت : عليّ بن أبى طالب ، قال : « افتح له ». ففتحت له ، فأكل معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الطيرين حتّى فنيا (١).

وروى عن ابن عبّاس .. ، فقال عباد بن يعقوب : ثنا عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير يقال له : الحباري فوضعت بين يديه ـ وكان أنس بن مالك يحجبه ـ فرفع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده إلى الله ثُمّ قال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكلّ معي هذا الطير ». قال فجاء عليّ فاستأذن ، فقال له أنس : إنّ رسول الله يعني على حاجته ، فرجع ، ثُمّ أعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدعاء ، فرجع ، ثُمّ دعا الثالثة ، فجاء عليّ فأدخله ، فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « اللّهم وإلي ». فأكلّ معه ، فلمّا أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وخرج عليّ ، قال أنس : اتبّعت عليّاً فقلت : يا أبا الحسن ، استغفر لي ، فإنّ لي إليك ذنباً ، وإنّ عندي بشارة ، فأخبرته بما كان من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فحمد الله واستغفر لي ، ورضي عنّي ، أذهب ذنبي عنده بشارتي إيّاه ، ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أورده ابن عساكر ، وقد روى أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري ، وصحّحه الحاكم ، وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة ، منهم ، أبو بكر بن مردويه ، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان ، وكذلك أبي جعفر بن جرير الطبري المفسّر صاحب « التاريخ » (٢).

حديث السفينة :

قال ابن كثير : قال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا سويد بن سعيد ، حدّثنا مفضّل بن

__________________

(١) اُنظر : البداية والنهاية ٧ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

(٢) البداية والنهاية ٧ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

١١٨

عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن حنش قال : سمعت أبا ذرّ رضي‌الله‌عنه وهو آخذ بحلقة الباب يقول : يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « إنّما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام ، من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك » (١).

وروي في مجمع الزوائد ، عن عبد الله بن الزبير : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها سلم ، ومن تركها غرق » رواه البزار.

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والفاكهي في أخبار مكّة عن حنش الكناني قال : سمعت ابا ذر رضي‌الله‌عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فانا أبو ذر سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : « ألا أنّ مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » (٢).

وروى الطبراني في المعجم الأوسط ، والكبير عن حنش قال : رأيت أبا ذر الغفاريّ آخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاريّ ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ومثل باب حطّة في بني إسرائيل » (٣).

وروى الطبراني في المعجم الأوسط ، عن حنش قال : « رأيت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الكعبة وهو يقول : أنا أبو ذر الغفاري ، من لم يعرفني فأنا جندب

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٤ : ١٢٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠ ـ ١٥١ ، أخبار مكّة ٣ : ١٣٤.

(٣) المعجم الأوسط ٤ : ١٠ ، المعجم الكبير ٣ : ٤٦.

١١٩

الغفاري ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (١).

وروى الطبراني في المعجم الصغير والأوسط ، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز ابن محمّد بن ربيعة الكلابي قال : نا أبي قال : نا عبد الرحمن بن أبي حمّاد ، عن أبي سلمة الصائغ ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، إنّما مثل أهل بيتي مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له » (٢).

وروى الطبراني في المعجم الصغير ، عن حنش : أنّه سمع أبا ذر الغفاري يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ، ومثل باب حطّة بني إسرائيل » (٣).

وروى الطبراني في المعجم الكبير وابن سلامة في مسند الشهاب ، عن سعيد ابن المسيّب ، عن أبي ذرّ رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجال » (٤).

وروى الطبراني في المعجم الكبير وابن سلامة في مسند الشهاب ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (٥).

__________________

(١) المعجم الأوسط ٥ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٢) المعجم الصغير ٢ : ٢٢ ، المعجم الأوسط ٦ : ٨٥.

(٣) المعجم الصغير ١ : ١٣٩.

(٤) المعجم الكبير ٣ : ٤٥ ، مسند الشهاب ٢ : ٢٧٣.

(٥) المعجم الكبير ٣ : ٤٦ ، مسند الشهاب ٢ : ٢٧٣.

١٢٠