مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » (١) يقول أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها مودة القربى

______________________________________________________

هذا الرجل قد هداكم الله على يده وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثم أتوه به فرده عليهم ونزل قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » أي على الإيمان إلا أن تؤدوا أقاربي ، فحثهم على مودة أقاربه ، ثم قال بعد نقل خبر طويل عن صاحب الكشاف في مودة آل الرسول صلوات الله عليهم وذم بغضهم : وأنا أقول آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه ، وكل من كان أول أمرهم أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين عليهم‌السلام كان التعلق بينهم وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضا اختلف الناس في الآل فقيل : هم الأقارب. وقيل : هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم آل ، وأما غيرهم هل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه ، فثبت على جميع التقديرات أنهم آل محمد عليهم‌السلام.

وروى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقيل : على وفاطمة وابناهما ، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ثم ذكر الرازي دلائل كثيرة على وجوب محبة الآل.

وأقول : هذه الرواية التي رواها الزمخشري رواها الثعلبي والبيضاوي وغيرهما من المفسرين.

قوله : « وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ » أقول : القراءة المشهورة : الموءودة بالهمزة ، قال الطبرسي : الموءودة هي الجارية المدفونة حيا وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها ، فإن ولدت بنتا رمتها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته ،

__________________

(١) راجع كلام الشارح في تفسير الآية.

٢٨١

بأي ذنب قتلتموهم وقال جل ذكره « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » (١) قال الكتاب هو الذكر وأهله آل محمد عليهم‌السلام أمر الله عز وجل بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال وسمى الله عز وجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » (٢) وقال عز وجل « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ

______________________________________________________

أي تسأل فيقال لها : بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، وقيل : المعنى يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت؟ وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : وإذا المودة سئلت بفتح الميم والواو ، وروي عن ابن عباس أنه قال : هو من قتل في مودتنا أهل البيت ، وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : يعني قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قتل في جهاد ، وفي رواية أخرى قال : هو من قتل في مودتنا وولايتنا ، انتهى.

وأقول : الظاهر أن أكثر تلك الأخبار مبنية على تلك القراءة الثانية إما بحذف المضاف أي أهل المودة يسألون بأي ذنب قتلوا أو بإسناد القتل إلى المودة مجازا ، والمراد قتل أهلها أو بالتجوز في القتل والمراد تضييع مودة أهل البيت عليهم‌السلام وإبطالها وعدم القيام بها وبحقوقها ، وبعضها على القراءة الأولى المشهورة بأن يكون المراد بالموؤودة النفس المدفونة في التراب مطلقا أو حيا ، إشارة إلى أنهم لكونهم مقتولين في سبيل الله تعالى ليسوا بأموات بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فكأنهم دفنوا حيا ، وفيه من اللطف ما لا يخفى ، وهذا الخبر يؤيد الوجه الأول لقوله قتلتموهم.

« قال الكتاب الذكر » شبيه بالقلب أي الذكر هو الكتاب [ وعكس لكون الكتاب ] ذاتا ، والذكر صفة أو أن وصف كونه كتابا أشهر من كونه ذكرا وقد مر الكلام في هذه الآيات في باب أن أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام ، وقد مر وجه آخر وهو أن الذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم عليهم‌السلام أهله ، وسمى الله هذا بيان لصحة إطلاق الذكر على الكتاب ووقوعه.

« وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » أي ما فيه من المواعظ والعبر والزواجر والثواب والعقاب ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧.

(٢) سورة النحل : ٤٦.

٢٨٢

لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » (١) وقال عز وجل « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٢) وقال عز وجل « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى » الله وإلى « الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (٣) فرد الأمر أمر الناس إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.

فلما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ

______________________________________________________

فتحصل لهم الدواعي على فعل الحسنات وترك السيئات « وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » الخطاب إلى الرسول وقومه أي يسألكم الناس عما فيه فتجيبون أو يسألكم عن مراقبته ومحافظته وتبليغه ، وسبق الكلام في آية أولي الأمر عن قريب « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ » كذا في المصاحف وفي أكثر النسخ ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول فيكون نقلا بالمعنى ، للإشعار بأن الرد إلى الرسول رد إلى الله ، والذين يستنبطونه عبارة عن بعض الرادين إلى أولي الأمر وهم المستمعون المنصتون للجواب حق الإنصات والاستماع ، و « من » في منهم للابتداء ، والضمير لأولي الأمر ، أو للتبعيض والضمير للرادين إلى أولي الأمر ، أو الذين يستبطونه عبارة عن أولي الأمر والضمير راجع إلى أولي الأمر ، والغرض التنصيص بأنهم هم أهل العلم والاستخراج والاستنباط « أمر الناس » بدل من الأمر ، أي دلت الآيتان على أن الله تعالى فوض أمر الناس إلى أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

« بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » أي الوصية والولاية كما مر « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » دل على أن كل من أنكر ولاية علي عليه‌السلام فهو كافر ، والسمرات جمع سمرة وهي بفتح السين وضم الميم شجرة شائكة يقال لها أم غيلان « فقم شوكهن » على بناء المجهول أي كنس « وأولى بكم » عطف تفسير للإشعار بأن الولي في « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » والأولى في قوله : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » بمعنى واحد.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٤.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) سورة النساء : ٨٢.

٢٨٣

يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » (١) فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أيها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم فقالوا الله ورسوله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه.

فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم فلم يرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربه فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال ـ « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعلي

______________________________________________________

والحسكة بفتح المهملتين شوك صلب شبه به النفاق ، قال الجوهري : قولهم في صدره حسكة وحساكة أي ضغن وعداوة ، والقوم : المنافقون المتقلبون ، والضبع بفتح المعجمة وسكون الموحدة العضد كلها أو وسطها بلحمها ، أو الإبط أو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه ، ذكره الفيروزآبادي ، ورفعها كناية عن إعلاء قدره وإشادة ذكره وجعله مسلطا عليهم « بين ظهرانينا » أي بيننا على سبيل الاستظهار والاستناد إلينا كان ظهرا منا قدامك وظهرا وراءك فأنت مكنوف من جانبيك ، وفي القاموس : كبته يكبته : صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظ وأذله ، انتهى.

والوفود جمع الوفد بالفتح وهم الطوائف الواردون على الملوك لحاجة ، والشماتة الفرح ببلية العدو.

« يقول أمس » أي يوم الغدير والفيء : الغنيمة « وتعرف به ولايتي » أي محبتي

__________________

(١) سورة المائدة : ٦٨.

٢٨٤

مولاه واليوم « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ثم نزل عليه آية الخمس فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا ثم أتاه جبرئيل فقال يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي عليه‌السلام فإني لم أترك الأرض إلا ولي فيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر قال فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب يفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة وألف باب.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وصالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن يحيى بن معمر العطار ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما نظر

______________________________________________________

أو إمارتي وخلافتي المدلول عليها بقوله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » في هذه الآية.

وقوله : ألف باب ، تفسير لألف كلمة أو أحدهما متعلق بالأحكام والآخر بغيرها ، ويحتمل أن يكون المراد بألف كلمة وألف باب بقواعد كلية أصولية وقوانين مضبوطة جملة أمكنه أن يستنبط منها أحكاما جزئية ومسائل فرعية تفصيلية لكن لا كاستنباطنا بالظن والتخمين بل استخراجا بالعلم واليقين ، ويؤيده ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يغمى عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ فقال : ألا أخبرك بما ينتظم به هذا وأشباهه؟ فقال : كلما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده ، وزاد فيه غيره قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وهذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ادعوا لي خليلي » قيل : أصل الخلة الانقطاع ، وقيل الاختصاص ، وقيل : الاصطفاء ، وقيل صفاء المودة وخلوصها وإطلاقه على أمير المؤمنين عليه‌السلام بكل الوجوه مناسب ، وقيل : الخلة من تخلل الشيء في القلب ، واختلف في أن الخلة أشد وأرفع

٢٨٥

إليهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعرض عنهما ثم قال ادعوا لي خليلي فأرسل إلى علي فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه فلما خرج لقياه فقالا له ما حدثك خليلك فقال حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.

______________________________________________________

أم المحبة ولكل وجوه « فأرسلتا » أي عائشة وحفصة « فأرسل إلى علي » على بناء المجهول والظرف نائب الفاعل ، وضمير أكب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمير عليه لعلي عليه‌السلام وفي القاموس أكب عليه أقبل ولزم كانكب ، وضمير لقياه لأبويهما.

وقال الشيخ المفيد قدس‌سره : قد تعلق قوم من ضعفة العامة بهذا الخبر على صحة الاجتهاد والقياس ، ثم أجاب عن ذلك بوجوه ، ثم ذكر في تأويل الخبر وجوها : منها : أن المعلم له الأبواب هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح له بكل باب منها ألف باب ووقفه على ذلك ، ومنها أن علمه بكل باب أوجب فكره فيه فبعثه الفكر على المسألة عن شعبه ومتعلقاته ، فاستفاد بالفكر فيه علم ألف باب بالبحث عن كل باب ، ومثل هذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم ، ومنها : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص له على علامات تكون عندها حوادث ، كل حادثة تدل على حادث إلى أن تنتهي إلى ألف حادثة ، فلما عرف الألف علامة عرفه بكل علامة منها ألف علامة ، والذي يقرب هذا من الصواب أنه عليه‌السلام أخبرنا بأمور تكون قبل كونها ثم قال عقيب أخباره بذلك : علمني رسول الله ألف باب ، فتح لي من كل باب ألف باب.

وقال بعض الشيعة : إن معنى هذا القول أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على صفة ما فيه الحكم على الجملة دون التفصيل ، كقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فكان هذا بابا استفيد منه تحريم الأخت من الرضاعة ، والأم من الرضاعة ، والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت ، وكقول الصادق عليه‌السلام : الربا في المكيل والموزون ، فاستفيد بذلك الحكم في أصناف المكيلات والموزونات والأجوبة الأولة لي وأنا أعتمدها ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وأقول : ينافي الثالث ما صرح به في بعض الروايات حيث قال : وعلمني ألف باب من الحلال والحرام ، ومما كان ومما هو كائن إلى يوم القيامة ، ويؤيد الأخير رواية

٢٨٦

٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف حرف كل حرف يفتح ألف حرف.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة صغيرة فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أي شيء كان في تلك الصحيفة قال هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف.

قال أبو بصير قال أبو عبد الله عليه‌السلام فما خرج منها حرفان حتى الساعة.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن فضيل بن سكرة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت

______________________________________________________

موسى بكر المتقدمة ، والظاهر أن المراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه ألف نوع من أنواع استنباط العلوم ، يستنبط من كل منها ألف مسألة أو ألف نوع ، والاجتهاد إنما يمنع منه لابتنائه على الظن وهو لا يغني من الحق شيئا فإذا علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الاستخراج على وجه يحصل به العلم واليقين بحكمه (١) تعالى فليس من الاجتهاد في شيء.

الحديث الثاني عشر : حسن موثق ، والحرف عبارة عن الكلمة والكلام.

الحديث الثالث عشر : موثق.

وذؤابة كل شيء أعلاه ، وأصله الهمزة قلبت واوا والمراد هنا قبضته أو ما يعلق من قبضته ويجعل فيه بعض الضروريات ، تشبيها بذؤابة المرأة « فما خرج منها » أي لم يظهر للناس « منها حرفان » أي جزءان من ألف جزء أو من ألف ألف جزء.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

وفي القاموس : بئر غرس ، في المدينة ، ومنه الحديث في غرس عين من عيون الجنة ، وغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، انتهى.

__________________

(١) في نسخة : « بحكمته تعالى ».

٢٨٧

حد محدود قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام إذا مت فاستق ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثم سلني عما شئت فو الله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه.

______________________________________________________

والجوامع جمع الجامعة وهي المواضع التي جمعت طرفي الثوب الملفوف على شيء. وفي بعض الروايات بمجامع كفني بهذا المعنى « ثم سلني » هذا السؤال والجواب إما على الحقيقة بإعادة الروح إلى جسده المقدس أو على المجاز باتصال روحاني بين روحيهما المقدسين وانتقاش أحدهما من الآخر كالمرءاتين المتقابلتين ، أو على نحو آخر لا تصل إليه عقولنا القاصرة.

قال الغزالي في رسالة العلم اللدني : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم ، وفتح لي كل باب ألف وقال أيضا : لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل الفرقان بفرقانهم ، وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني ، وكذا قال عليه‌السلام لما حكى عن عهد موسى عليه‌السلام : إن شرح كتابه كان أربعين وقرأ ، قال الغزالي : وهذه الكثرة والسعة والانفتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي سماوي ، انتهى.

لا يقال : قد مر في الأخبار أنه لم يخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا إلا وعلي عليه‌السلام علم جميع علمه ، فهذا أي علم؟

لأنا نقول : يحتمل أن يكون المراد بجميع علمه ما تحتاج الأمة إليه من أمور الدين والدنيا ويكون هذا غيره ، أو يكون المراد بالموت ما يشمل ما يقرب منه من الأزمان ، أو يراد به الموت بعد هذه الحياة ، مع أنه يمكن أن تكون هذه العلوم لم تكن له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال حياته بل مما أفيض عليه بعد قطع تعلقه عن العلائق الجسمانية واتصاله بعالم القدس بالكلية كما مر أنه يفاض عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله علم ما يحدث بالليل والنهار للأئمة عليهم‌السلام ، والله يعلم غرائب أسرارهم وأحوالهم.

٢٨٨

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الموت دخل عليه علي عليه‌السلام فأدخل رأسه ثم قال يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم أقعدني وسلني واكتب.

٩ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن يونس بن رباط قال دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له كامل جعلت فداك حديث رواه فلان فقال اذكره فقال حدثني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حدث عليا عليه‌السلام بألف باب يوم توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال لقد كان ذلك قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم فقال يا كامل باب أو بابان فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : ضعيف.

« فأدخل رأسه » الضميران في أدخل وفي رأسه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي أدخل رأسه تحت الإزار لئلا يواجهه بإخبار موته التي كان يعلم أنه أصعب الأمور عليه ، أو ضمير أدخل للرسول وضمير رأسه لعلي عليه‌السلام أي أدخل رأس على تحت لحافه ليودعه الأسرار كما يدل عليه غيره من الأخبار ، أو الضميران لعلي عليه‌السلام والأوسط أظهر كما روى الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جلل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ثوبا ثم علمه ، وذلك ما يقال أنه علمه ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« باب أو بابان » : قال المحدث الأسترآبادي (ره) : ليس من باب شك الراوي فالمقصود ثم باب ووقع الشروع في الآخر ، انتهى ، والحاصل أنه إذا كان بابا وكسرا فيجوز إسقاط الكسر فيكون بابا أو إتمامه فيكون بابين كما هو الشائع عند المنجمين والمحاسبين في الكسور.

« من فضلكم » قيل : أي من علمكم ، والظاهر أن الراوي توهم أن ما حدث

٢٨٩

باب إلا باب أو بابان قال فقال وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة.

______________________________________________________

به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم عليا عليه‌السلام كان فضل أهل البيت عليهم‌السلام ، أو أن انتشار الفضل بنسبة انتشار سائر العلوم ، فبين عليه‌السلام أن انتشار الفضل أقل من انتشار سائر العلوم لقصور عقل أكثر الخلق عن فهمها ، بل لم ينتشر من فضائلهم بين الناس إلا أقل من جزء من ألف ألف جزء.

قوله عليه‌السلام : إلا ألفا غير معطوفة ، يعني إلا حرفا واحدا ناقصا أي أقل من حرف واحد ، وإنما اختار الألف لأنها أول الحروف من حروف التهجي وأبسطها وأخفها مؤنة في الكتاب والتكلم وعدم عطفها كناية عن نقصانها فإنها تكتب في رسم الخط الكوفي القديم هكذا فإذا كان طرفها غير مائل كانت ناقصة ، هذا هو المعنى الحق المسموع عن المشايخ الكبار قدس الله أرواحهم.

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) احتراز عن الهمزة كناية عن الوحدة ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلها صفرا وغيره ، انتهى.

ومن حمل الفضل فيما مر على العلم توهم المنافاة بين باب أو بابين ، وبين الحرف الناقص الدال على عدم إتمام باب واحد ، فتصدى لدفع ذلك بحمل البابين على أبواب الفروع ، وهذا على باب من أبواب الأصول وقد عرفت ضعف مبنى الاعتراض ، وربما يقرأ لذلك ألفا بسكون اللام أي بابا واحدا ينحل إلى ألف ، فالمراد بقوله : غير معطوفة أنه لم يعطف عليه شيء آخر.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون بناء الأول على الظهور في الجملة ، والثاني على الظهور التام ، أو الأول على الخواص ، والثاني على سائر الشيعة.

٢٩٠

باب

الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما‌السلام

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس قال شهدت وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه‌السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه‌السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن عليه‌السلام يا بني أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين عليه‌السلام ثم أقبل على ابنه الحسين عليه‌السلام فقال وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين عليه‌السلام ثم قال لعلي بن الحسين ـ وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومني السلام.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن

______________________________________________________

باب الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما‌السلام

الحديث الأول حسن على الظاهر ، بل صحيح.

إذ كتاب سليم مقبول عند القدماء ، اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما ، وهم أعرف بأحوال الرجال ممن تأخر عنهم ، والكتاب معروض على الباقر عليه‌السلام وهو عندنا موجود.

والمراد بالكتاب الجنس ، أي جميع ما في الجفر الأبيض من الكتب ، وكذا المراد بالسلاح جميع ما في الجفر الأحمر من الأسلحة « أن تدفعها » أي الكتب والسلاح و « اقرأ » من باب منع أو الأفعال.

الحديث الثاني : ضعيف

٢٩١

أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما حضره الذي حضره قال لابنه الحسن ادن مني حتى أسر إليك ما أسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلي وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال حدثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا حدثنا شهر بن حوشب أن عليا عليه‌السلام حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن عليه‌السلام دفعتها إليه.

٤ ـ وفي نسخة الصفواني أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي بكر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا صلوات الله عليه حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن دفعتها إليه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين عليه‌السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ثم قال لابنه الحسن يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي

______________________________________________________

والأسرار إبداع السر.

الحديث الثالث : مجهول.

« كتبه » لعل المراد بعض الكتب ، والمراد بالوصية الصحيفة المختومة التي نزلت من السماء وقد مر ذكرها ، « وفي نسخة الصفواني » أي الخبر الآتي كان في نسخة الصفواني ولم يكن في نسخة النعماني وغيرها.

الحديث الرابع حسن.

الحديث الخامس : ضعيف

٢٩٢

كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين ثم أقبل على ابنه الحسين وقال أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعه إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين يا بني وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعه إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومني السلام ثم أقبل على ابنه الحسن فقال يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.

٦ ـ الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمد بن الحسن ، عن إبراهيم بن إسحاق

______________________________________________________

« أنت ولي الأمر » أي أمر الخلافة والإمامة « وولي الدم » أي إليك اختيار القصاص.

« فلك » أي فهو جائز لك « فضربة » مبتدأ خبره الظرف ، أو خبر مبتدإ محذوف ، أي فالواجب ضربة والظرف نعته « ولا تأثم » إما نهي أو نفي ، فعلى الأول أي لا تفعل ما يوجب الإثم ـ بالمثلثة ـ بالقاتل أو الزيادة على الضربة الواحدة ، أو قتل غير القاتل كما كان شائعا بين العرب ، لا سيما في الأمراء فإنهم قد كانوا يقتلون بواحد قبيلة ، ويؤيده ما رواه السيد رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة حيث قال في كلام له يوصي به الحسنين عليهما‌السلام : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين! ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي ، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثل الرجل ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، والنهي لتعليم الأمة فإن الحسنين عليهما‌السلام كانا مستغنيين عن ذلك ، وعلى الثاني المعنى لا تأثم بالضربة لأنه قصاص ، أو بالزيادة فإنه مستحق لها وهما بعيدان ، ويمكن أن يقرأ على الأول لا تأثم نهيا من باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الإثم.

الحديث السادس مرسل ، وروى الرضي رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة بعضه.

٢٩٣

الأحمري رفعه قال لما ضرب أمير المؤمنين عليه‌السلام حف به العواد وقيل له يا أمير المؤمنين أوص فقال اثنوا لي وسادة ثم قال الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب ولا إله إلا الله الواحد الأحد « الصَّمَدُ » كما انتسب أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته كم

______________________________________________________

« حف به » أي أحاط ، والعواد جمع عائد وهم الزائرون للمريض « أثنوا لي وسادة » يقال ثنى الشيء كسمع أي رد بعضه على بعض ، والوسادة بالكسر ما يتكأ عليه في المجلس ، وتثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع ويظهر للسامعين أو للاتكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا « الحمد لله قدره » أي حمدا يكون حسب قدره (١) وكما هو أهله ، قائم مقام المفعول المطلق أو منصوب بنزع الخافض أي على قدره ، وقيل : يحتمل كونه مفعولا عند من لم يشترط كونه شريكا لعامله في الفاعل كما اختاره الرضي (ره) ، والقدر مصدر باب ضرب : التعظيم ، ومنه ما قدروا الله حق قدره ، انتهى.

« متبعين أمره » حال عن فاعل الحمد لأنه في قوة أحمده « كما أحب » أي حمدا يكون محبوبة وموافقا لرضاه « كما انتسب » أي كما نسب نفسه إليه في سورة التوحيد ، ولذا تسمى نسبة الرب « في قراره » متعلق بلاق « ما منه يفر » أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت كما قال تعالى : « قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ » (٢) واللقاء في مدة الفرار وهي الحياة الدنيا ، فإن الإنسان يفر من الموت ما دام حيا وإن كان تعبدا.

والأجل منتهى العمر ، وهو مبتدأ و « مساق النفس » مبتدأ ثان « وإليه » خبره والجملة خبر المبتدأ الأول ، وليس في النهج كلمة إليه ، فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر ، والمساق بمعنى ما يساق إليه ، وأن يكون المراد به المدة المضروبة لبقاء الإنسان ، وبالمساق زمان السوق والهرب منه موافاته ، لأن الهرب إنما يكون بعلاج وحركة يفنى بهما بعض المدة ، وإفناء المدة هو الموافاة ، أو

__________________

(١) وفي المتن « حقّ قدره » وعليه يسقط ما ذكره الشارح (ره) من الاحتمالات.

(٢) سورة الجمعة : ٨.

٢٩٤

أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه هيهات

______________________________________________________

المعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل تدبير يدبره الإنسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أن كل دواء ومعالجة إذا صادف قرب مجيء الأجل كان مضرا بالبدن وإن كان بحيث إذا لم يصادفه كان نافعا مجربا عند الأطباء ، مع أن المرض والمزاج في كلتا الصورتين واحد ، بناء على إبطال أفعال الطبيعة ، وإن نفع الأدوية إنما هو فعل الله عند الدواء ، ومع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدواء الأجل يصير أحذق الأطباء جاهلا غافلا عما ينفع المريض ، فيعطيه ما يضره ، وإذا لم يصادف يلهم أجهل الأطباء بما ينفعه كما هو المجرب.

« كم أطردت الأيام » الطرد الإبعاد ، تقول : طردته أي نفيته عني والطريدة ما طردته من صيد وغيره ، وأطردت الرجل على صيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه ، وبحث عن الأمر كمنع أي فتش ، وقيل : الإطراد أدل على العز والقهر من الطرد.

وأقول في تأويله وجوه :

الأول : ما ذكره شراح النهج حيث قالوا : كأنه عليه‌السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه ، وفي أي أرض يكون يوما يوما ، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده وأطرده واستأنف يوما آخر وهكذا ، حتى وقع المقدر ، قالوا : وهكذا الكلام يدل على أنه عليه‌السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلمه بذلك مجملا ، لأنه قد ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : ستضرب على هذه وأشار إلى هامته (١) فتخضب منها هذه وأشار إلى لحيته ، وثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : أتعلم من أشقى الأولين؟ قال : نعم عاقر الناقة ، فقال له : أتعلم من أشقى الآخرين؟ قال : لا ، فقال : من يضرب هيهنا فتخضب هذه ، وكلام أمير المؤمنين يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته ألا تراه يقول : إن ثبتت الوطأة (٢) فذاك « إلخ » وقال بعضهم : ذلك البحث إما بالسؤال

__________________

(١) الهامّة : الرأس وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

(٢) وفي المتن « أن تثبت الوطأة .... ».

٢٩٥

علم مكنون أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا تضيعوا

______________________________________________________

عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدة حياته أو بالفحص والتفرس من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع الناس ، و « مكنون هذا الأمر » أي المستور من خصوصيات هذا الأمر ، والمستور الذي هو هذا الأمر ، فالمشار إليه شيء مستور متعلق بوفاته عليه‌السلام ، و « هيهات » أي بعد الاطلاع عليه ، فإنه علم مخزون ، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد.

الثاني : أن يكون المراد بهذا الأمر إخفاء الحق ومظلومية أهله وظهور الباطل وغلبة أصحابه وكثرة أعوانه ، لأنه عليه‌السلام سعى في أول الأمر في أخذ حقه غاية السعي فلم يتيسر وجرت أمور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله ، وفي آخر الأمر لما انتهى إليه وحصل له الأنصار والأعوان ، وجاهد في الله حق الجهاد ، وغلب على المنافقين سنحت فتنة التحكيم التي كانت من غرائب الأمور ، ثم بعد ذلك لما جمع العساكر وأعاد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى ، فالمراد بالمكنون سر ذلك وسببه ، فظهر لي وأبى الله إلا إخفائه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه ، إذ هي من غوامض مسائل القضاء والقدر.

الثالث : ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين حيث قرأ أطردت على صيغة المعلوم من باب الأفعال يقال : أطرد الشيء إذا تبع بعضه بعضا وجرى ، والأنهار أطردت أي جرت ، وقال : وهذا الأمر إشارة إلى الأجل ومكنونه لمه وسره من المصالح التي جعل الله الآجال كلا في وقته بسببها ، وهو مخالف لما هو المضبوط في نسخ نهج البلاغة فإن أطردت فيها على نسخة المتكلم من باب الأفعال ، والأوسط أحسن الوجوه.

وفي النهج « علم مخزون (١) » ومحمدا منصوب بالإغراء بتقدير ألزموا والفاء للتفريع وفي النهج أما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تضيعوا سنته يقال : ضيع الشيء تضييعا أي أهمله ، وعمود الفسطاط والبيت : الخشبة التي يقوم بها ،

__________________

(١) أي بدل « علم مكنون ».

٢٩٦

سنته أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة رب رحيم وإمام عليم ودين قويم.

______________________________________________________

والعمودان التوحيد والنبوة ، وإقامتهما الاعتقاد بهما والعمل بمقتضيات الإيمان بهما ، وقيل : المراد بهما الحسنان عليهما‌السلام ، وقيل : هما المراد بالمصباحين.

« وخلاكم ذم » أي سقط عنكم وأعذرتم فلا ذم عليكم « ما لم تشردوا » كتضربوا يقال : شرد البعير أي نفر وذهب في الأرض ، والغرض النهي عن التفرق واختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في أمر الدين متمسكين بحبل الأئمة الطاهرين أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين وإقامة سننه ، وقرأ بعضهم ذم بالكسر أي مضى لكم ذمة وأمان ما لم تشردوا ، ولا يخفى بعده.

« حمل كل امرئ منكم مجهوده » في بعض نسخ النهج « حمل » على صيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ، ورفع كلمة « كل » وفي بعضها على المعلوم ونصب كل فالفاعل هو الله سبحانه ، وفي بعضها حمل كضرب على المعلوم ورفع كل والأول أظهر ، والمجهود مبلغ الوسع والطاقة « وخفف عن الجهلة » على بناء المجهول ولعله استدراك لما يتوهم من ظاهر الكلام من أنه سبحانه كلف كل أحد بما هو مبلغ طاقته ونهاية وسعه ، فبين عليه‌السلام أن التكليف على حسب العلم ، والجهال ليسوا بمكلفين بما كلف به العلماء وقد قال الله سبحانه : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ » (١) ويدل ظاهره على أن الجاهل معذور في أكثر الأحكام « رب رحيم » خبر مبتدإ محذوف ، أي ربكم رب رحيم ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي لكم رب رحيم ، وفي أكثر نسخ النهج خفف على بناء المعلوم ، فقوله : رب فاعله ، ولا يضر عطف الدين والإمام عليه لشيوع التجوز في الإسناد ، قال ابن أبي الحديد : ومن الناس من يجعل رب رحيم فاعل خفف على رواية من رواها فعلا معلوما ، وليس بمستحسن

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.

٢٩٧

أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح

______________________________________________________

لأن عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدين أيضا مخففا وهذا لا يصح ، انتهى.

والمراد بالإمام الإمام في كل زمان ، ويحتمل شموله للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أيضا تغليبا ، وربما يخص بالرسول.

« أنا بالأمس صاحبكم » أي كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم ، أو صاحبكم الذي كنتم تعرفونني بقوتي وشجاعتي « واليوم عبرة لكم » العبرة بالكسر ما يتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدل به على غيره ، والمعنى اليوم تعتبرون بإشرافي على الموت وضعفي عن الحراك بعد ما كنت أميرا لكم ، أتصرف في الأمور على حسب إرادتي أو بأن ترونني صريعا بينكم بعد قتل الأقران وصرع الإبطال « إن ثبت الوطأة » في بعض النسخ بصيغة الماضي ، والوطأة بالفتح موضع القدم ، والمرة من الوطء وهو الدوس بالرجل ، والمراد ثبات القدم بالبقاء في الدنيا بأن كان يؤدي الجرح إلى الهلاك ، ودحضت القدم كمنعت أي زلقت وزلت ، وهذا كناية عن الموت « فذاك المراد » أي مرادكم فإنه عليه‌السلام كان آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، أو مرادي لأنه صلوات الله عليه كان راضيا بقضاء الله تعالى ، فمع قضاء الله حياته لا يريد غير ما أراده سبحانه.

ثم الظاهر من سائر الأخبار أنه عليه‌السلام كان عالما بشهادته ووقتها وكان ينتظرها ويخبر بوقوعها ويستنبطها في الليلة التي وعدها ، ويقول : ما منع قاتلي؟ فهذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشاك لبعض المصالح نحو قوله تعالى « أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ » (١).

والأفياء جمع فيء بالفتح وهو الظل الحادث منه بعد الزوال ، لأن أصله الرجوع « وذرى رياح » أي ما ذرته وجمعته ، شبه ما فيه الإنسان في الدنيا من الأمتعة والأموال بما ذرته الرياح في عدم ثباتها وقلة الانتفاع ، فإنها تجمعها ساعة وتفرقها أخرى ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٢.

٢٩٨

وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض محطها وإنما كنت

______________________________________________________

أو المراد محال ذروها ، كما أن في النهج ومهب رياح ، قال الفيروزآبادي : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته ، وذرى هو بنفسه وذراوة النبت بالضم ما ارفتّ (١) من يابسه فطارت به الريح ، وما سقط من الطعام عند التذري ، وما ذرأ من الشيء كالذري بالضم ، انتهى.

واضمحل السحاب : تقشع ، والشيء ذهب وفنى ، والجو : ما بين السماء والأرض و « متلفقها » بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع ، يقال : تلفق أي انضم والتأم ، ولفق الثوب كضرب أي ضم شقه إلى أخرى فخاطهما ، أو بفتح الفاء مصدرا ميميا ، وعفا أي درس وانمحى ولم يبق له أثر « ومخطها » في أكثر نسخ الكتاب وفي النهج بالخاء المعجمة وهو ما يحدث في الأرض من الخط الفاضل بين الظل والنور ، وانمحاؤها يستلزم انمحاء الظل ، والمخط الأثر والعلامة يقال : خط في الأرض كمد خطأ أي أعلم علامة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها ، والضميران في متلفقها ومخطها راجعان إلى الغمامة ، وقيل : الضمير في متلفقها راجع إلى الغمامة وفي مخطها إلى ذرى الرياح ، لأن العلامة إنما تحصل من هبوب الرياح ولا يخفى بعده.

والحاصل أني إن مت فلا عجب فإنا كنا في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور ، أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها كمن كان في تلك الأمور ، وفيه حث أيضا للقوم على الزهد في الدنيا وترك الرغبة في زخارفها ، وقيل : أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة ، وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال ، وبالرياح الأرواح ، وبذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي ، وبالغمامة الأسباب القوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية ، والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه ، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها ، وبعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.

__________________

(١) ارفتّ : انكسر. اندقّ.

٢٩٩

جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي فإنه أوعظ لكم من الناطق

______________________________________________________

قوله : كنت جارا ، أي مجاورا جاوركم بدني ، إنما خص المجاورة بالبدن لأنها من خواص الأجسام ، أو لأن روحه صلوات الله عليه كانت معلقة بالملأ الأعلى وهو بعد في هذه الدنيا كما قال عليه‌السلام في وصف إخوانه الذين تأوه شوقا إلى لقائهم : كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى « وستعقبون » على بناء المفعول من الأعقاب وهو إعطاء شيء بعد شيء ، ويقال : أكل أكلة أعقبه سقما أي أورثه ، والحاصل : يبقى فيكم بعد رحلتي ، وجثة الإنسان بالضم شخصه وجسده « خلاء » أي خالية من الروح والحواس « بعد حركة » في النهج : بعد حراك ، كسحاب بمعناها « وكاظمة بعد نطق » قال الفيروزآبادي كظم غيظه رده والباب أغلقه وكظم كعني كظوما سكت ، وقوم كظم كركع ساكنون ، وفي النهج : وصامتة بعد نطوق.

« ليعظكم » بكسر اللام والنصب كما ضبط في أكثر نسخ النهج ، ويحتمل الجزم لكونه أمرا ، وفتح اللام والرفع أيضا ، وهدأ كمنع هداء وهدوءا بالضم ، أي سكن ، وهدؤى ، في بعض نسخ النهج بالهمزة على الأصل ، وفي بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا ، وفي الصحاح خفت الصوت خفوتا سكن ولهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه وسكت ، و « إطراقي » إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الأرض ، كناية عن عدم تحريك الأجفان ، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوة كما ذكره الفيروزآبادي ، أو بالفتح وهو الضرب بالمطرقة ، وقيل : جمع طرقة بالفتح أي صنائع الكلام ، يقال : هذه طرقته أي صنعته والأول أظهر وأضبط.

والأطراف جمع طرف بالتحريك كجمل وإجمال والمراد بها الأعضاء والجوارح كاليدين والرجلين أو جمع الطرف بالتسكين وهو تحريك العين والجفن ، إلا أن جمعه لم يثبت إلا عند القتيبي ، وقال الزمخشري : الطرف لا يثني ولا يجمع لأنه مصدر ، وكذا ذكره الجوهري.

٣٠٠