مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته وبالبكاء عليه فبكت الملائكة

______________________________________________________

القائم عليه‌السلام أو قبله أو بعده ليروا دولة الحق ويفرحوا بذلك وينتقموا من أعدائهم وجماعة من الكافرين والمنافقين لينتقم منهم مما انفردت به الإمامية وأجمعوا عليه وتواترت به الأخبار ودلت عليه بعض الآيات ، وقد وقعت مناظرات كثيرة في ذلك بين علماء الفريقين وكتب علماؤنا في إثباتها كتبا مبسوطة ، منهم أحمد بن داود الجرجاني ، والحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، والفضل بن شاذان النيسابوري والصدوق محمد بن بابويه ، ومحمد بن مسعود العياشي والحسن بن سليمان تلميذ الشهيد ، وقد ذكرها متكلمو علمائنا كالمفيد وشيخ الطائفة وسيد المرتضى والعلامة والكراجكي رضي الله عنهم وغيرهم من علماء الإمامية ، وجميع كتب الحديث المتداولة الآن مشحونة بذكرها ، وقد أوردت في المجلد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار أزيد من مائتي حديث نقلا عن نيف وأربعين أصلا من الأصول المعتبرة وكلها صريحة في إثبات الرجعة ، وأما رجعة الأئمة صلوات الله عليهم فالأخبار متواترة في رجعة أمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهما ، وفي رجعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا وردت أخبار كثيرة مستفيضة ، وأما سائر الأئمة عليه‌السلام فقد وردت في رجعتهم أيضا روايات كثيرة لكن ليست في الكثرة بتلك المثابة.

وأما خصوصيات الرجعة فقد اختلفت الأخبار فيها هل هي مقارنة لظهور القائم عليه‌السلام أو بعده أو قبله مقارنا له وامتدادات أزمنتهم أيضا مختلفة ، ولا ضرورة في تحقيق تلك الخصوصيات بل يكفي الإيمان مجملا واختلاف الأخبار في خصوصيات شيء لا يوجب إنكار أصله فإن في المعاد وكثير من أصول الدين وردت أخبار مختلفة الظواهر مع أن أصلها قطعي.

ففي بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وأن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا.

٢٠١

تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته فإذا خرج يكونون أنصاره.

______________________________________________________

وبأسانيد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن أول من يرجع لجاركم الحسين عليه‌السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر ، وبسند آخر عنه عليه‌السلام قال : إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما‌السلام فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة وبعث إلى النار.

وفي الصحيح أيضا عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها ، فقال : إن هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه وقد قال الله عز وجل : « بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ » (١).

وفي الموثق عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت : نعم قال : أما يقرءون القرآن « وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً » (٢).

وعن أبي الصباح قال : قال : أبو جعفر عليه‌السلام : عن الكرات تسألني؟ فقلت : نعم ، فقال : تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية لا تنكر تلك القدرة لا تنكرها.

وروى العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ » (٣) قال : خروج الحسين عليه‌السلام في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه ، عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان يؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وأنه ليس بدجال ولا شيطان ، والحجة القائم عليه‌السلام بين أظهرهم ، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه‌السلام جاء الحجة الموت ، فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين ابن علي عليه‌السلام ولا يلي الوصي إلا الوصي.

وروى علي بن إبراهيم في الحسن عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى

__________________

(١) سورة يونس : ٣٩.

(٢) سورة النمل : ٣٨.

(٣) سورة الإسراء : ٦.

٢٠٢

______________________________________________________

« إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ » (١) قال : يرجع إليكم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ليس منا من لم يؤمن بكرتنا و [ لم ] يستحل متعتنا.

وروى الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا قام القائم أتى المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.

وفي المسائل السروية للشيخ المفيد قدس‌سره أنه سئل عما يروي عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام في الرجعة وما معنى قوله : ليس منا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن أو لغيره من الظلمة الجبارين قبل يوم القيامة؟ فكتب الشيخ نور الله مرقده بعد الجواب عن المتعة ، وأما قوله عليه‌السلام من لم يؤمن برجعتنا فليس منا فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله تعالى يحشر قوما من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن شاهد به ، قال الله عز وجل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة : « وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » (٢) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة « وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ » فأخبر أن الحشر حشران : عام وخاص ، وقال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر : « رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ » (٣) وللعامة في هذه الآية تأويل مردود.

ثم بسط (ره) القول في ذلك ثم قال : والرجعة عندنا يختص بمن محض الإيمان محضا ، أو محض الكفر دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى ذلك على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عز وجل أنهم إنما ردوا إلى الدنيا

__________________

(١) سورة القصص : ٨٥.

(٢) سورة الكهف : ٤٨.

(٣) سورة غافر : ١١.

٢٠٣

باب

الأمور التي توجب حجة الإمام عليه‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده فقال للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه ويكون فيه الفضل والوصية ويقدم الركب فيقول إلى من أوصى فلان فيقال إلى فلان والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان.

______________________________________________________

لطغيانهم على الله ، فيزدادون عتوا فينتقم الله منهم بأوليائه المؤمنين ، ويجعل لهم الكرة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب ، وتصفو الأرض من الطغاة ، ويكون الدين لله ، والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم ، دون من سلف من الأمم الخالية ، انتهى.

وذكر السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في أجوبة مسائل الري فصلا مشبعا في ذلك وكذا الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان ، والصدوق قدس‌سره في كتاب العقائد ، وقد أوردت جميع ذلك في الكتاب الكبير ، وإنما أوردت هنا قليلا من كثير.

باب الأمور التي توجب حجة الإمام عليه‌السلام.

الحديث الأول : صحيح.

« أن يكون أكبر ولد أبيه » أي إذا كانت الإمامة في الولد ، والحاصل أن هذه العلامة بعد الحسين ومع ذلك مقيد بما إذا لم يكن في الكبير عاهة كما سيأتي أو يقال إنما ذكر عليه‌السلام العلامة لأولاده وأولاد أولاده عليهم‌السلام ، فلا ينافي تخلفه فيمن تقدم والمراد بالفضل الاتصاف بكمال العلم والكرم والشجاعة وسائر الصفات الكمالية والمراد بالوصية وصية الوالد إليه أو وصية الله والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما مر في الباب السابق ، فيكون قوله « ويقدم » علامة أخرى ، وعلى الأول يكون تفسيرا لها ، وفي القاموس : الركب ركاب الإبل ، اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعدا وقد يكون للخيل.

٢٠٤

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد شعر ، عن هارون بن حمزة ، عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام المتوثب على هذا الأمر المدعي له ما الحجة عليه قال يسأل عن الحلال والحرام قال ثم أقبل علي فقال ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان إلى من أوصى فلان فيقولون إلى فلان بن فلان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قيل له بأي شيء يعرف الإمام قال بالوصية الظاهرة وبالفضل إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

« والمتوثب » المستولي ظلما « يسأل عن الحلال والحرام » أي يسأله من عرف أحكام من تقدم من الأئمة عليهم‌السلام عن المسائل الغامضة والأحكام المشكلة ، فإن كان كاذبا يفتضح كما وقع في الأفطح وغيره ، والحاصل أن هذه العلامة إنما هي للعلماء والخواص فأما العلامة العامة فهي ما يذكر بعد ذلك.

و « ثلاثة » مبتدأ ، و « من الحجة » خبره أو نعت ، والجملة خبره ، والأولوية إما في القرابة والنسب فإن الولد الأكبر أولى في ذلك أو في الأخلاق والفضائل والأعمال ، أي يكون أشبه الناس به في تلك الأمور ، كما قال تعالى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » (١) والمراد بالوصية ليس الوصية بالإمامة بل مطلق الوصية.

الحديث الثالث : حسن.

« وبالفضل » أي الزيادة على من عداه في العلم والتقوى والورع « فيقال كذاب » إشارة إلى الطعن في الفم ، والكذب يشمل الكذب في الفتوى وغيره ، والنشر على ترتيب اللف « وما أشبه هذا » إشارة إلى الطعن في الفرج ، لم يصرح عليه‌السلام به لاستهجانه.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦٨.

٢٠٥

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما علامة الإمام الذي بعد الإمام فقال طهارة الولادة وحسن المنشإ ولا يلهو ولا يلعب.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أحمد بن عمر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر فقال الدلالة عليه الكبر والفضل والوصية إذا قدم الركب المدينة فقالوا إلى من أوصى فلان قيل إلى فلان بن فلان ودوروا مع السلاح حيثما دار فأما المسائل فليس فيها حجة.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن هشام بن

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

و « طهارة الولادة » أن لا يكون مطعونا في نسبه أو يكون عند الولادة مختونا مسرورا طاهرا غير ملوث بدم وغيره ، والأول أظهر ، والمنشأ مصدر ميمي من أنشأه إذا خلقه أو رباه ، أي يكون مربى بتربية والده في العلم والتقوى ، أو يكون من حين الصبا إلى زمان الإدراك موصوفا بالفضل والكمال ، تظهر منه آثار الخير والسعادة ، ولا يطعن عليه في حال من الأحوال بمعصية ولا دناءة « لا يلهو » أي لا يغفل عما يصلحه في شيء من أحواله « ولا يلعب » أي لا يرتكب أمرا لا فائدة فيه ، أو لا يغتر بزخارف الدنيا لقوله تعالى : « ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ » (١).

الحديث الخامس : صحيح.

والمراد بالكبر كونه أكبر سنا لا بحسب الفضائل فإنه داخل في الفضل « فليس فيها حجة » أي للعوام فلا ينافي ما مر وسيأتي فإنه بالنسبة إلى الخواص والعلماء كما عرفت.

الحديث السادس : مجهول.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٤.

٢٠٦

سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة.

٧ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي بصير قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك بم يعرف الإمام قال فقال بخصال أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ

______________________________________________________

« ما لم يكن به عاهة » أي آفة بدنية ، فإن الإمام مبرأ من نقص في الخلقة يوجب شينه أو دينية كعبد الله الأفطح فإنه كان بعد أبي عبد الله عليه‌السلام أكبر ولده لكن كان فيه عاهتان : الأولى أنه كان أفطح الرجلين أي عريضهما ، والثاني أنه كان جاهلا بل قيل فاسد المذهب.

قال المفيد (ره) في الإرشاد : كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ولم يكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام ، وكان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : أنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين فأتبعه جماعة ثم رجع أكثرهم إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن عليه‌السلام ودلالة حقيته وبراهين إمامته ، وأقام نفر يسير منهم على إمامة عبد الله وهم الملقبة بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرجلين ، أو لأن داعيهم إلى إمامه عبد الله رجل يقال له : عبد الله بن أفطح.

الحديث السابع : ضعيف.

والخصال جمع خصلة وهي الخلة « أولها » تذكير الأول للتأويل بالفضل والوصف وقيل : هو مبني على جواز تذكير المؤنث لغير الحقيقي نحو « إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » (١) قاله الجوهري ، وضمير « فإنه » لأولها ، والظاهر أن قوله « بإشارة » بيان لقوله بشيء فالمراد بشيء والنص من أبيه عليه ، وقيل : المراد بالشيء العلوم التي علمها أبوه مما يحتاج إليه الأمة ، والباء في قوله : بإشارة للمصاحبة وإن سكت

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.

٢٠٧

ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان ثم قال لي يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن عليه‌السلام بالفارسية فقال له الخراساني والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها فقال سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ثم قال لي يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام.

باب

ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولاعم

ولا غيرهما من القرابات

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ

______________________________________________________

عنه على بناء المجهول « ويخبر بما في غد » إشارة إلى قوله تعالى : « وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً » (١) فإخباره لا بد أن يكون من قبل الله ، ويحتمل أن يكون هذا على المثال ، والمراد الإخبار بكل أمر مغيب لا سبيل إلى الحس والعقل إليه.

« ويكلم الناس بكل لسان » أي كل قوم بلسانهم « لا تحسنها » أي لا تعلمها حسنا ، يقال : حسن الشيء إذا كان ذا بصيرة فيه.

« أجيبك » بتقدير أن ويجوز نصبه ورفعه ، ويدل على لزوم كون الإمام أفضل من الرعية في جميع الخصال.

باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنه لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات

الحديث الأول : صحيح.

« كما قال » يمكن أن يكون الكاف زائدة و « ما قال الله » فاعل جرت بتأويل

__________________

(١) سورة لقمان : ٣٤.

٢٠٨

بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فلا تكون بعد علي بن الحسين عليه‌السلام إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

______________________________________________________

الآية ، ويحتمل أن يكون فاعل « جرت » الضمير العائد إلى الإمامة ، أي الإمامة التي لا يكون في أخوين جرت من علي بن الحسين ، فيكون « كما قال الله » حالا أو صفة للمصدر المحذوف ، ويؤيده أن في غيبة الشيخ : أنها جرت ، وهو أظهر.

واعلم أن آية « أُولُوا الْأَرْحامِ » نزلت في موضعين من القرآن أحدهما في سورة الأنفال هكذا : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » وثانيهما في سورة الأحزاب هكذا « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً » فأما الأولى فيحتمل أن يكون المراد بها أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من بعض أو إلى بعض من الأجانب ، فعلى الأخير لا تدل على أولوية الأقرب من الأرحام من الأبعد منهم ، وأما الثانية فيحتمل أيضا أن جعل قوله : من المؤمنين ، بيانا لأولي الأرحام ، وأن جعل صلة للأولى ، فلا يحتمل إلا الأخير ، والظاهر أن المراد هنا الآية الثانية لأنها أنسب بهذا المعنى لمقارنته فيها لبيان حق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه ، فكان الأنسب بعد ذلك بيان حق ذوي أرحامه وقرابته.

ويؤيده ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيمن نزلت؟ قال : نزلت في الإمرة ، إن هذه الآية جرت في الحسين بن علي وفي ولد الحسين من بعده ، فنحن أولى بالأمر وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين والمهاجرين ، فقلت : لولد جعفر فيها نصيب؟ قال : لا ، قال : فعددت عليه بطون عبد المطلب ، كل ذلك يقول : لا ، ونسيت ولد الحسن ، فدخلت

٢٠٩

______________________________________________________

عليه بعد ذلك فقلت : هل لولد الحسن فيها نصيب؟ فقال : لا يا با عبد الرحمن ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.

وظاهر الخبر أنه عليه‌السلام جعل قوله : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » صلة للأولى ، فلعل غرضه عليه‌السلام أولويتهم بالنسبة إلى الأجانب ، ولا يكون ذكر أولاد الحسين عليهم‌السلام للتخصيص بهم ، بل لظهور الأمر فيمن تقدم منهم ، بتواتر النص عليهم بين الخاص والعام.

ويحتمل أن يكون جعل « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » بيانا وفرع على ذلك أولويتهم على الأجانب بطريق أولى مع أنه على تقدير كونه صلة يحتمل أن يكون المراد بعض الأرحام وهم الأقارب القريبة أولى ببعض من غيرهم ، سواء كان الغير من الأقارب البعيدة أو الأجانب ، فالأقارب البعيدة أيضا داخلون في المؤمنين والمهاجرين. ولا يتوهم أنه استدلال بالاحتمال البعيد ، إذ يمكن أن لا يكون غرضه عليه‌السلام الاستدلال بذلك. بل يكون بيانا لمعنى الآية ومورد نزولها ، بل يحتمل أن يكون هذا من بطون الآية وتأويلاتها المختصة بهم ، إذ ورد في الأخبار الاستدلال بها على تقديم الأقارب في الميراث.

والمشهور في نزولها أنه كان قبل نزولها في صدر الإسلام التوارث بالهجرة والموالاة في الدين ، فنسخته الآية ، مع أنه يمكن تخصيص هذا المعنى بالآية الأولى في أكثر الأخبار فلا تنافي ، ولا يتوهم أيضا منافاة قوله تعالى : « إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » لذلك ، إذ يحتمل أن يكون المراد على هذا التأويل أن الإمرة مختصة بأرحام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكم أن تفعلوا معروفا إلى غيرهم من أوليائكم في الدين ، فأما الطاعة المفترضة فهي مختصة بهم ، أو تكون الآية شاملة للأمرين ، وتكون هذه التتمة باعتبار أحد الجزئين.

ويحتمل أن يكون الخطاب متوجها إلى أولي الأرحام على الالتفات ، والمراد بأوليائهم الخواص التابعين لهم في أوامرهم ونواهيهم ، والمراد بالمعروف تعيينهم للحكومة

٢١٠

______________________________________________________

والقضاء في النواحي ، يعني ليس للمؤمنين والمهاجرين نصيب في تلك الولاية أصلا في وقت من الأوقات إلا أن تفعلوا إلى خواصكم منهم إحسانا بتعيينهم للحكومة والقضاء.

ثم إن خبر الكتاب يحتمل الاستدلال أو بيان مورد النزول للآية الأولى باعتبار المعنى الأول لظهوره ، ولا مانع فيها في اللفظ ولو كان استدلالا يكون وجه الاستدلال أنه يلزم العمل بظاهر الآية إلا فيما أخرجه الدليل ، وفي الحسين عليه‌السلام خرج بالنص المتواتر فجرت بعده ، ولو كان بيانا لمورد النزول فلا إشكال ، وقيل : المراد بأولى الأرحام أرحام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبنته وعمه وابني بنته وبعضهم عبارة من على والحسن والحسين.

« وأولى » بتقدير أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، حذف اكتفاء بما سبق ، بيان ذلك : أن الباء في ببعض ليس كالباء في بالمؤمنين ، فإن هذه دخلت على الوسيلة وتلك دخلت على الرعية فهذه للسببية ، والمراد ببعض فاطمة عليها‌السلام ، فالمراد أن تلك الولاية والإمامة لا تحصل لأحد إلا بشرطين ، الأول : كونه من أولي الأرحام ، والثاني كونه متصلا بمن هو أقرب بالنبي من كل أحد ، وهذا منحصر في علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وهم ذوو القربى ، وهي مؤنث أقرب.

« كتاب الله » عبارة عما فرضه الله على الناس وأخبر عنه في الكتب السالفة « من » في « من المؤمنين » ليست كمن في « من أنفسهم » فإنه لا تصرف للمؤمنين والمهاجرين في أولي أرحام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصلا ، فهي للتبعيد أي دون المؤمنين ، نحو « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ » (١) ونحو « لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً » (٢) ونحو « أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ » (٣) أي ليس للمؤمنين والمهاجرين في تلك الولاية نصيب أصلا.

__________________

(١) سورة زمر : ٢٢.

(٢) سورة آل عمران : ١٠.

(٣) سورة التوبة : ٣٨.

٢١١

٢ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول أبى الله أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام.

٣ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه سئل أتكون الإمامة في عم أو خال فقال لا فقلت ففي أخ قال لا قلت ففي من قال في ولدي وهو يومئذ لا ولد له.

٤ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

٥ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن أبي نجران ، عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له إن كان كون ولا أراني الله فبمن أئتم فأومأ إلى ابنه موسى قال قلت فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم قال بولده ثم واحدا فواحدا وفي نسخة الصفواني ثم هكذا أبدا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

الحديث الثالث : صحيح ، ومخصوص بأولاد الحسين عليه‌السلام كما مر ، أو الغرض بعده عليه‌السلام وهو أظهر ، وفي الإخبار بالولد إعجاز.

الحديث الرابع صحيح.

الحديث الخامس : مجهول.

« إن كان كون » كان تامة والكون حدوث أمر أو حادث ، وهنا كناية عن الوفاة ، لم يصرح به رعاية للأدب ، وقوله : « ولا أراني » معترضة دعائية « فبمن ائتم » أي أقتدي واعتقد فرض طاعته ، والظاهر أنه كان في نسخة الصفواني : ثم هكذا أبدا بدل قوله : « ثم واحدا فواحداً. »

٢١٢

باب

ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد أبي سعيد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليه‌السلام فقلت له إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم‌السلام في كتاب الله عز وجل قال فقال قولوا لهم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزلت « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » ونزلت في علي والحسن والحسين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي من كنت مولاه فعلي مولاه

______________________________________________________

باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا.

الحديث الأول : صحيح بسنديه وقد مر الكلام في أولي الأمر في باب أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر وفي باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، ولعل التخصيص بالثلاثة لكونهم موجودين عند نزول الآية.

« فما له لم يسم » أي لو كانوا مقصودين بالآية لسماهم بخصوصهم وأسمائهم « قولوا لهم » هذا نقض إجمالي « من كل أربعين درهما » أي بعد الوصول إلى النصاب ، والحاصل أنه لم يبين لهم القدر الذي يجب إخراجه « طوفوا أسبوعا » ذكره على المثال.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

٢١٣

______________________________________________________

قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أقول : هذا من جملة ما ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام في يوم الغدير ، وهو مما تواتر نقله من الخاص والعام ، فقد روى ابن الأثير في جامع الأصول أخذته من عين كتابه نقلا من صحيح الترمذي عن زيد ابن أرقم ، وأبي سريحة ـ الشك من شعبة ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وروى البغوي في المصابيح والبيضاوي في المشكاة عن أحمد والترمذي بإسنادهما عن زيد بن أرقم مثله ، ورويا عن أحمد بإسناده عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل بغدير خم أخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : ألستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

أقول : قال ابن حجر العسقلاني في المجلد السادس من كتاب فتح الباري في شرح فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام من صحيح البخاري ، وأما حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، انتهى.

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله قال : لما بلغ عليا عليه‌السلام أن الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له وتفضيله على الناس ، قال : أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع مقالته في يوم غدير خم إلا قام فشهد بما سمع ، فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي عليه‌السلام : من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه.

٢١٤

______________________________________________________

وقال في موضع آخر روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس إليه فجاء شاب من الكوفة ، فجلس إليه وقال : يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال : اللهم نعم ، قال : فأشهد بالله أن قد واليت عدوه وعاديت وليه ثم قام عنه.

وقال في موضع آخر ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه‌السلام قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم أنس بن مالك ناشد على الناس في رحبة القصر ، أو قال رحبة الجامع بالكوفة : أيكم سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالك لم يقم ، فقال له : يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد فلقد حضرتها؟ فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ، فقال : إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة ، قال طلحة بن عمير : فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال : آليت أن لا أكتم حديثا سألت عنه في علي بعد يوم الرحبة : ذاك رأس المتقين (١) يوم القيامة سمعته والله من نبيكم ثم ذكر كتمان زيد بن أرقم حديث الولاية ، ودعاء علي عليه‌السلام عليه بذهاب بصره ، وأنه عمي بعد ذلك.

وقال في موضع آخر قال عليه‌السلام يوم الشورى : أفيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ قالوا : لا ، انتهى.

وأقول : روى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له

__________________

(١) وفي نسخة « المتقدمين » بدل « المتقين » ولكن الظاهر ما اخترناه.

٢١٥

______________________________________________________

بالولاية ، هبط عليه جبرئيل بهذه الآية « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (١) وروي أيضا عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : لما كان يوم غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » يعني إن كتمت هذه الآية : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » يعني ما نزل على رسول الله يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ، وروي عن ابن مردويه بإسناده عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.

أقول : وقد أوردت الأخبار الواردة في ذلك من طريق الخاصة والعامة في قريب من عشرة كراريس فمن أراد الاطلاع عليها فيرجع إليه وجملة القول فيه : أن الاستدلال بخبر الغدير يتوقف على أمرين :

أحدهما إثبات الخبر ، والثاني إثبات دلالته على خلافته صلوات الله عليه.

أما الأول فلا أظن عاقلا يرتاب في ثبوته وتواتره بعد الإحاطة بما أوردته في الكتاب الكبير ، قال السيد التستري في إحقاق الحق : ذكر الشيخ ابن كثير الشامي الشافعي عند ذكر أحوال محمد بن جرير الطبري إني رأيت كتابا جمع في أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير ، ونقل عن أبي المعالي الجويني أنه كان يتعجب ويقول : رأيت مجلدا ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر ، مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ، وأثبت الشيخ ابن الجزري الشافعي رسالته الموسومة بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية ، انتهى.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

٢١٦

______________________________________________________

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الشافي أما الدلالة على صحة الخبر فلا يطالب بها إلا متعنت لظهوره واشتهاره ، وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به ، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظاهرة المشهورة وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة ، ثم قال : ومما يدل على صحته إجماع علماء الأمة على قبوله ولا شبهة فما ادعيناه من الإطباق ، لأن الشيعة جعلته الحجة في النص على أمير المؤمنين عليه‌السلام بالإمامة ومخالفو الشيعة أولوه على اختلاف تأويلاتهم وما يعلم أن فرقة من فرق الأمة ردت هذا الخبر أو امتنعت من قبوله ، واستدل قوم على صحة الخبر بما تظاهرت به الروايات من احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام به في الشورى ، حيث قال : أنشدكم الله هل منكم أحد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟ فقال القوم : اللهم لا ، وإذا اعترف من حضر الشورى من الوجوه واتصل أيضا بغيرهم من الصحابة ممن لم يحضر الموضع ولم يكن من أحد نكير له ، مع علمنا بتوفر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان ، فقد وجب القطع على صحته.

على أن الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدعيه أمير المؤمنين عليه‌السلام سيما في مثل هذا المقام انتهى ملخص كلامه (ره).

وأما الثاني فلنا في الاستدلال به على إمامته صلوات الله عليه مقامان : « الأول » أن المولى جاء بمعنى الأولى بالأمر والتصرف المطاع في كل ما يأمر « الثاني » أن المراد به هنا هو هذا المعنى.

أما الأول فقد قال السيد رحمه‌الله : من كان له أدنى اختلاط باللغة وأهلها يعرف أنهم يضعون هذه اللفظة مكان أولى ، كما أنهم يستعملونها في ابن العم ، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ـ ومنزلته في اللغة منزلته في كتابه المعروف بالمجاز في

٢١٧

______________________________________________________

القرآن لما انتهى إلى قوله : « مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ » (١) أن معنى موليكم أولى بكم وأنشد بيت لبيد شاهدا له :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة ، ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه والرد لتأويله غيره من أهل اللغة ممن أصاب ، وما غلط فيه على عادتهم المعروفة في تتبع بعضهم لبعض ورد بعضهم على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردا له كأنه قول الجميع.

ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى : « وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ » (٢) أن المراد بالموالي من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحق به.

وقال الأخطل :

فأصبحت مولاها من الناس بعده

وأخرى قريش أن تهاب وتحمدا

وروي في الحديث أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وكلما استشهد به لم يرد بلفظ مولى فيه إلا معنى أولى دون غيره.

قال المبرد بعد أن ذكر تأويل قوله تعالى : « بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا » (٣) والولي والأولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم.

وقال الفراء في كتاب معاني القرآن : الولي والمولى في كلام العرب واحد ، وفي قراءة ابن مسعود : إنما موليكم الله ورسوله ، مكان « وليكم » وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل : والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام ، أولهن المولى المنعم ، ثم المنعم عليه المعتق ، والمولى الولي ، والمولى الأولى بالشيء ، وذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها ، وبيت لبيد ، والمولى : الجار ،

__________________

(١) سورة الحديد : ١٥.

(٢) سورة النساء : ٣٣.

(٣) سورة محمد : ١١.

٢١٨

______________________________________________________

والمولى : ابن العم ، والمولى : الصهر ، والمولى : الحليف ، واستشهد لكل واحد من أقسام المولى بشيء من الشعر لم نذكره ، لأن غرضنا سواه.

وقال أبو عمر غلام تغلب : أقسام المولى ، وذكر في جملة الأقسام أن المولى السيد وإن لم يكن مالكا ، والمولى : الولي.

وقد ذكر جماعة ممن يرجع إلى أمثاله في اللغة أن من جملة أقسام مولى السيد : الذي ليس هو بمالك ولا معتق ، ولو ذهبنا إلى ذكر جميع ما يمكن أن يكون شاهدا فيما قصدناه لأكثرنا ، وفيما أوردناه كفاية ومقنع ، انتهى مختصر كلامه قدس‌سره.

وقال ابن الأثير في النهاية : قد تكرر اسم المولى في الحديث ، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب ، والمالك ، والسيد ، والمنعم ، والمعتق ، والناصر ، والمحب والتابع ، والجار ، وابن العم ، والحليف ، والعقيد ، والصهر ، والعبد ، والمنعم عليه ، وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه ، ومنه الحديث : من كنت مولاه فعلي مولاه ، يحمل على أكثر الأسماء المذكورة ، ومنه الحديث أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وروي وليها أي متولي أمرها.

وقال البيضاوي والزمخشري وغيرهما من المفسرين ، في تفسير قوله تعالى : « هِيَ مَوْلاكُمْ » (١) هي أولى بكم ، وقال الزمخشري في قوله تعالى : « أَنْتَ مَوْلانا » (٢) سيدنا ونحن عبيدك ، أو ناصرنا أو متولي أمورنا.

وأما الثاني ففيه مسالك :

المسلك الأول.

أن المولى حقيقة في الأولى ، لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها ، لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل جريرته والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه ، والمعتق والمعتق كذلك ، والناصر لكونه أولى

__________________

(١) سورة الحديد : ١٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٦.

٢١٩

______________________________________________________

بنصرة من نصر والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه ، والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه ، والصهر لكونه أولى بمصاهره ، والإمام والوراء (١) لكونه أولى بمن يليه ، وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه. والعقل عنه ، والمحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبة.

وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر معانيها ، هذا الوجه ذكره الشيخ يحيى بن بطريق (ره) في العمدة ، والشيخ أبو الصلاح الحلبي قدس‌سره في تقريب المعارف.

المسلك الثاني.

ما ذكره السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي وغيره في غيره ، وهو أن ما يحتمله لفظة مولى ينقسم إلى أقسام ، منها ما لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، ومنها ما كان عليه ، ومعلوم لكل أحد أنه عليه‌السلام لم يرده ، ومنها ما كان عليه ، ومعلوم بالدليل أنه لم يرده ، ومنها ما كان حاصلا له ، ويجب أن يريده ، لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة ، فالقسم الأول هو المعتق والحليف ، لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه ، فيكون منتسبا إليها متعززا بها ، ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حليفا لأحد على هذا الوجه ، والقسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك والجار والصهر والخلف والإمام ، إذا عدا من أقسام المولى ، والآخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة ، وكان ظاهرا شائعا ، وهو ابن العم ، والقسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه ، والمحبة وولاء المعتق.

والدليل على أنه عليه‌السلام لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه عليه‌السلام وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم وقد نطق الكتاب به ، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي

__________________

(١) كذا في النسخ.

٢٢٠