مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

وَمُوسى » (١) قلت جعلت فداك هي الألواح قال نعم.

٦ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله عن قول الله عز وجل : « وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ » (٢) ما الزبور وما الذكر قال الذكر عند الله والزبور الذي أنزل على داود وكل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره ، عن محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد بن حماد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال قلت له :

______________________________________________________

أعطاهم « هي الألواح » أي صحف موسى عليه‌السلام.

الحديث السادس : صحيح.

« وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ » قال الطبرسي : فيه أقوال :

أحدها : أن الزبور كتب الأنبياء ، معناه كتبنا في الكتب التي أنزلناها علي الأنبياء من بعد كتبه في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ.

وثانيها أن الزبور : الكتب المنزلة بعد التوراة والذكر هو التوراة. وثالثها أن الزبور زبور داود والذكر التوراة وقيل : الذكر القرآن وبعد بمعنى قبل.

« أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » قيل : يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون ، وقيل : هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتوح بعد أجلاء الكفار ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام : هم أصحاب المهدي في آخر الزمان ، ويدل عليه أخبار كثيرة وردت في المهدي عليه‌السلام ، انتهى.

قوله : « الذكر عند الله » أي المراد بالذكر اللوح المحفوظ عند الله تعالى كما قال سبحانه : « وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » وفي بالي أن في بعض الأخبار أن الذكر رسول الله ، وذكر في الزبور بعد ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن المهدي من ولده والأئمة من ذريته يرثون الأرض وهم الصالحون.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) سورة الأعلى : ١٩.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٥.

٢١

جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث النبيين كلهم قال نعم قلت من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه قال ما بعث الله نبيا إلا ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم منه قال قلت إن عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله قال صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقدر على هذه المنازل قال فقال إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره « فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » حين فقده فغضب عليه فقال « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » (١) وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه وإن

______________________________________________________

« ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » قال البيضاوي : أم منقطعة ، كأنه لما لم يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال : ما لي لا أراه ، ثم احتاط فلاح له أنه غائب ، فأضرب عن ذاك وأخذ يقول أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً » كنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، أو حيث النمل يأكله ، أو جعله مع ضده في قفص « أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ » ليعتبر به أبناء جنسه « أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » أي بحجة يبين عذره ، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، لأنهم كانوا على البساط في الهواء وكان الله أعطى الهدهد حدة بصر يرى الماء في المسافة البعيدة ، أو كان له علم يستدل بحال الهواء على كون الماء تحته ، أو المراد بتحت الهواء تحت الأرض.

كما روى العياشي بإسناده قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة ، فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه فضحك! قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يضحكك؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك! قال : وكيف ذلك؟ قال : الذي يرى الماء

__________________

(١) سورة النمل : ٢١.

٢٢

الله يقول في كتابه « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى » (١) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيا به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم

______________________________________________________

في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حيث يأخذ بعنقه؟ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر.

« وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً » قال البيضاوي : شرط حذف جوابه ، والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم ، أي ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها لكان هذا القرآن ، لأنه الغاية في الإعجاز ، والنهاية في التذكير والإنذار ولما آمنوا به كقوله : « وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ » (٢) الآية ، وقيل : إن قريشا قالوا : يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع ، أو سخر لنا الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك ، فنزلت ، وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير.

وقيل : الجواب متقدم وهو قوله : « وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ » وما بينهما اعتراض ، وتذكير « كُلِّمَ » خاصة لاشتمال « الْمَوْتى » على المذكر الحقيقي ، انتهى.

وأقول : حمل عليه‌السلام تقطيع الأرض على قطعها بطي الأرض في مسافة قليلة ، وحاصل الكلام أنا إذا عرفنا القرآن الذي شأنه هذا فلا يخفى علينا شيء ، وكان سليمان يخفى عليه ما يعلمه طير فنحن أعلم منه ومن غيره.

وما قيل : من أن الغرض من ذكر قصة سليمان أنه إذا جاز أن يخفى على سليمان ما لم يخف على طير فأي استبعاد في أن يخفى عليه ما لم يخف علينا ، فلا يخفى بعده وركاكته.

« ما يراد بها أمر » أي في القرآن أسماء من أسماء الله العظام إذا قرأناها لحصول

__________________

(١) سورة الرعد : ٣١.

(٢) سورة الأنعام : ١١١.

٢٣

الكتاب إن الله يقول : « وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » (١) ثم قال « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » (٢) فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من

عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم في حديث بريه أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلقي أبا الحسن

______________________________________________________

أمر يحصل ذلك الأمر بإذن الله تعالى ، وهذه مضافة إلى ما أعطاه الله سائر الأنبياء ، فإنا ورثناها أيضا وكتبها الله لنا في القرآن ، فالمراد بأم الكتاب القرآن ، ويحتمل اللوح على بعد.

« وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ » قيل : أي خافية فيهما ، وهما من الصفات الغالبة ، والتاء فيهما للمبالغة كما في الرواية ، أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عاقبة وعافية « إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » فسره أكثر المفسرين باللوح ، وهو عليه‌السلام فسره بالقرآن ، واستدل على كون القرآن وعلمه عند الأئمة عليهم‌السلام بقوله سبحانه : « أَوْرَثْنَا الْكِتابَ » ثم استدل أيضا على كون علم كل شيء في القرآن بقوله تعالى : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » حيث قال : « وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء ».

باب أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل ، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

الحديث الأول : مجهول.

« وبريه » مصغر إبراهيم كما في القاموس ، وفي توحيد الصدوق وبعض نسخ

__________________

(١) سورة النمل : ٧٥.

(٢) سورة فاطر : ٣٢.

٢٤

موسى بن جعفر عليه‌السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن عليه‌السلام لبريه :

______________________________________________________

الكتاب « بريهة ».

روى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له : بريهة ، قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة ، وكان يطلب الإسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس ، حتى افتخرت به النصارى وقالت : لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا ، وكان طالبا للحوق الإسلام مع ذلك ، وكانت له امرأة تخدمه طال مكثها معه ، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها ، قال : فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهر البطن وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم ، وكان يستقرئ فرقة لا يجد عند القوم شيئا ، وقال : لو كانت أئمتكم حقا لكان عندكم بعض الحق ، فوصفت له الشيعة ووصفت له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبد الرحمن : فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرءون على القرآن ، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم من مائة رجل ، عليهم السوار والبرانس (١) والجاثليق الأكبر فيهم بريهة ، حتى بركوا حول دكاني ، وجعل لبريهة كرسي فجلس عليه ، فقامت الأساقفة والرهابنة على عقبهم وعلى رؤوسهم برانسهم ، فقال بريهة : ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته بالنصرانية فما عندهم شيء ، وقد جئت أناظرك في الإسلام. قال : فضحك هشام وقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه ، ذاك روح طيبة خميصة (٢) مرتفعة ، آياته ظاهرة وعلاماته قائمة ، قال بريهة ، فأعجبني الكلام والوصف ثم سأل هشاما عن مسائل وأجابه ، وسأله هشام عن مسائل من دين النصرانية عجز عن جوابها وتحير فيها ، و

__________________

(١) البرنس : قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الإسلام.

(٢) أي خالية من الرذائل والكدورات.

٢٥

______________________________________________________

ندم النصارى عن المجيء إليه وافترقوا وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.

قال : فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله ، فقالت امرأته التي تخدمه : ما لي أراك مهتما مغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : ويحك تريد أن تكون على حق أو على باطل؟ قال بريهة : بل على الحق ، فقالت له : أينما وجدت الحق فمل إليه وإياك واللجاجة ، فإن اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار.

قال : فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام ، قال فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام : نعم يا بريهة ، قال : وما صفته؟ قال هشام : في نسبه أو في دينه؟ قال : فيهما جميعا ، قال هشام : أما النسب خير الأنساب رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم ، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لأن قريشا أفضل العرب وبنو هاشم أفضل قريش وأفضل بني هاشم خاصتهم وديّنهم (١) وسيدهم وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره ، وهذا من ولد السيد قال : فصف دينه ، قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال : صفة بدنه وطهارته ، قال هشام : معصوم فلا يعصي ، وسخي فلا يبخل ، وشجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل ، وحافظ للدين ، قائم بما فرض عليه ، من عترة الأنبياء وجامع علم الأنبياء ، يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم ، ويعين عند الرضا وينصف من الولي والعدو ، ولا يسلك شططا في عدوه ولا يمنع إفادة وليه ، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات. من أهل الطهارات ، يحكي قول الأئمة الأصفياء ، لم تنقض له حجة ، ولم يجهل مسألة ، يفتي في كل سنة ويجلو كل مدلهمة.

قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته ، إلا أن الشخص بائن عن شخصه ، والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص ، قال هشام

__________________

(١) الدين ـ بتشديد الياء ـ صاحب الدين.

٢٦

يا بريه كيف علمك بكتابك قال أنا به عالم ثم قال كيف ثقتك بتأويله قال ما أوثقني بعلمي فيه قال فابتدأ أبو الحسن عليه‌السلام يقرأ الإنجيل فقال بريه إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال فآمن بريه وحسن إيمانه وآمنت المرأة التي كانت معه.

فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله عليه‌السلام فحكى له هشام الكلام الذي

______________________________________________________

إن تؤمن ترشد ، وإن تتبع الحق لا تؤنّب (١).

ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أن أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه ، فلا تبطل الحجج ، ولا تذهب الملل ، ولا تذهب السنن ، قال بريهة : ما أشبه هذا بالحق ، وأقربه من الصدق ، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة ، قال هشام : نعم ، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما ، وهما يريدان أبا عبد الله عليه‌السلام ، فلقيا موسى بن جعفر عليهما‌السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله؟ قال : ما أوثقني بعلمي به ، قال : فابتدأ موسى بن جعفر عليه‌السلام بقراءة الإنجيل ، قال بريهة : والمسيح لقد كان المسيح يقرأها هكذا ، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب ، وساق الحديث مثل ما في المتن إلى آخره.

ثم قال : فلزم بريهة أبا عبد الله عليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليه‌السلام حتى مات في زمانه ، فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.

قوله : أنا به عالم ، تقديم الظرف لإفادة الحصر الدال على كمال العلم به « كيف ثقتك بتأويله » أي كيف اعتمادك على نفسك في تأويله والعلم بمعانيه « ما أوثقني » صيغة تعجب أي أنا واثق وثوقا تاما بما أعرف من تأويله « أو مثلك » أي كنت أطلبك أو من

__________________

(١) التأنيب : الملامة.

٢٧

جرى بين أبي الحسن موسى عليه‌السلام وبين بريه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » فقال بريه أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء قال هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرءوها ونقولها كما قالوا إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري.

٢ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل بن عمر قال أتينا باب أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه

______________________________________________________

يكون مثلك ، ويحتمل أن يكون أو بمعنى الواو ، وكون الترديد من الراوي بعيد.

« ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » أقول : قبله : « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » و « ذرية » حال أو بدل من الآلين أو منهما ومن نوح ، أي إنهم ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض ، أو علم بعضهم من بعض ، وعلومهم وكمالاتهم متشابهة فقرأ عليه‌السلام الآية مصدقا لحال موسى عليه‌السلام ولرفع استبعاد كونه في عنفوان شبابه عالما بتلك العلوم الغريبة الكاملة ، وقد يقال : ذرية هنا منصوب على الإغراء ، أي ألزموهم واطلبوهم ، ولا يخفى ما فيه « وَاللهُ سَمِيعٌ » لأقوال الناس « عَلِيمٌ » بصفاتهم ونياتهم وقابليتهم فيختار للإمامة والخلافة من يستحقهما « أنى لكم التوراة » أي من أين حصل لكم التوراة « نقرؤها كما قرءوها » أي من غير تحريف وزيادة ونقص ، أو بلهجتهم ولغتهم « ونقولها كما قالوا » أي نفسرها كما فسروا « يسأل عن شيء » نعت لحجة.

الحديث الثاني : ضعيف.

« فتوهمنا » أي ظننا ، واختلف في اليأس فقيل هو إدريس ، وقيل : هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين قالوا إنه بعث حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، وقيل : إن اليأس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر ، ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات ، وذكر وهب أنه ذو الكفل.

٢٨

ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكاءك قال نعم ذكرت إلياس النبي وكان من عباد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا والله ما رأينا قسا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه به ثم فسره لنا بالعربية فقال كان يقول في سجوده أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي

______________________________________________________

وأقول : في البصائر وغيره أن هذا الدعاء وهذه القصة لإلياس عليه‌السلام ، وقال ـ الفيروزآبادي : اندفع في الحديث أفاض والفرس أسرع في سيره ، وقال : « القس » بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس ، وقال : « جاثليق » بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ثم المطران (١) تحت يده ، ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ، ثم القسيس ثم الشماس ، وهو الذي يحلق وسط رأسه لازما للبيعة ، انتهى.

ولهجة الرجل بفتح اللام وسكون الهاء وفتحها لغته التي جبل عليها واعتادها في التكلم ، وضمير « منه » له عليه‌السلام و « به » للكلام ، ويقال : ظمئ بالهمزة كعلم إذا عطش أشد العطش ، وأظمأ غيره ، وفي القاموس : « الهاجرة » نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، لأن الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا من شدة الحر ، انتهى.

ونسبة الإظماء إلى الهواجر على الإسناد المجازي ، كقولهم : صام نهاره ، أو المفعول مقدر أي أظمأت نفسي وهواجري ، والأول أظهر وكذا القول في نسبة الإسهار إلى الليل ، وفي الصحاح : العفر بالتحريك التراب ، وعفره في التراب يعفره عفرا وعفره تعفيرا أي مرغه ، انتهى.

__________________

(١) المطران : رئيس الكهنة وهو فوق الأسقف ودون البطريق وهي مقتطعة من لفظة « ميتريبوليتس » اليونانية ومعناها المدينة الأم لأن كرسى المطران يكون عادة في مدينة أو قصبة.

٢٩

قال فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك قال فقال إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ما ذا ألست عبدك وأنت ربي قال فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك إني إذا وعدت وعدا وفيت به.

باب

أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم‌السلام وأنهم

يعلمون علمه كله

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن

______________________________________________________

« ثم عذبتني ما ذا » أي أي شيء يكون ينافي عدلك ، ولعله عليه‌السلام جوز أن يكون وعده تعالى مشروطا بشرط فتضرع ليعلم أنه غير مشروط بل مطلق ، مع أنه يحتمل أن يكون وجوب الوفاء بالوعد شرعيا لا عقليا يقبح تركه ، وإن كان خلاف المشهور.

باب

أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم‌السلام وأنهم يعلمون علمه كله

الحديث الأول مختلف فيه « ما ادعى أحد » أي غير الأئمة عليهم‌السلام والمراد بالقرآن كله ألفاظه وحروفه جميعا ، والمراد بكما أنزل ، ترتيبه وإعرابه وحركاته وسكناته وحدود الآي والسور ، وهذا رد على قوم زعموا أن القرآن ما في المصاحف المشهورة ، وكما قرأه القراء السبعة وأضرابهم ، واختلف أصحابنا في ذلك ، فذهب الصدوق ابن بابويه وجماعة إلى أن القرآن لم يتغير عما أنزل ولم ينقص منه شيء ، وذهب الكليني والشيخ المفيد قدس الله روحهما وجماعة إلى أن جميع القرآن عند الأئمة عليهم‌السلام ، وما في المصاحف بعضه ، وجمع أمير المؤمنين صلوات الله عليه كما أنزل بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرج إلى الصحابة المنافقين فلم يقبلوا منه ، وهم قصدوا لجمعه في زمن عمر وعثمان

٣٠

كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من بعده عليهم‌السلام.

______________________________________________________

كما سيأتي تفصيله في كتاب القرآن.

قال شيخنا السديد المفيد روح الله روحه في جواب المسائل السروية أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله وتنزيله ، وليس فيه شيء من كلام البشر وهو جمهور المنزل ، والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام ، لم يضع منه شيء ، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع ، الأسباب دعته إلى ذلك ، منها قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها ما شك فيه ، ومنها ما عمد بنفيه ، ومنها ما تعمد إخراجه عنه ، وقد جمع أمير المؤمنين عليه‌السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في موضعه ، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : أما والله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا ، وساق الكلام إلى أن قال : غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم‌السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نعتداه إلى زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه‌السلام ، فيقرأ الناس القرآن على ما أنزل الله وجمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنما نهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف ، لأنها لم تأت على التواتر ، وإنما جاءت بها الآحاد ، والواحد قد يغلط فيما ينقله ، ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين ـ الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا عليهم‌السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه ، انتهى.

والأخبار من طريق الخاصة والعامة في النقص والتغيير متواترة ، والعقل يحكم بأنه إذ كان القرآن متفرقا منتشرا عند الناس ، وتصدي غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع ، لكن لا ريب في أن الناس مكلفون بالعمل بما في المصاحف وتلاوته حتى يظهر القائم عليه‌السلام ، وهذا معلوم متواتر من طريق أهل البيت عليهم‌السلام وأكثر أخبار هذا الباب مما يدل على النقص والتغيير وسيأتي كثير منها في الأبواب

٣١

٢ ـ محمد بن الحسين ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء.

٣ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن القاسم بن الربيع ، عن عبيد بن عبد الله بن أبي هاشم الصيرفي ، عن عمرو بن مصعب ، عن سلمة بن محرز قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه إذا أراد الله بقوم خيرا أسمعهم ولو أسمع من لم يسمع لولى معرضا كأن لم يسمع ثم أمسك هنيئة ثم قال ولو وجدنا أوعية أو مستراحا

______________________________________________________

الآتية لا سيما في كتاب القرآن ، وسنشبع القول فيه هناك إنشاء الله تعالى.

الحديث الثاني ضعيف.

والمنخل بضم الميم وفتح النون وتشديد المعجمة المفتوحة ، وربما يقرأ منخل بسكون النون وتخفيف الخاء.

والمراد بظاهره ألفاظه وبباطنه معانيه ، أو بالأول ما في المصاحف ، وبالباطن ما سقط أو بالظاهر المعاني الظاهرة وبالباطن المعاني الكامنة التي لا يعلمها إلا الأئمة عليهم‌السلام والأول أظهر.

الحديث الثالث ضعيف

« إن من علم ما أوتينا » أي مما أوتينا من العلم ويحتمل أن يكون المراد مما أوتينا الإمامة ، أي إن من العلوم اللازمة للإمامة « وأحكامه » بالفتح تخصيص بعد التعميم ، والمراد الأحكام الخمسة أو بالكسر أي ضبطه وإتقانه ، وفي القاموس : حدثان الأمر بالكسر : أوله وابتداؤه ، ومن الدهر : نوبة وأحداثه « انتهى » أي حوادث الدهر ونوازله.

« أسمعهم » أي بمسامعهم الباطنة ، ولو أسمع ظاهرا من لم يسمع باطنا لولي معرضا كان لم يسمع ظاهرا ، وقد مر تمام القول فيه في باب فضل الإمام وصفاته « ثم أمسك » أي عن الكلام « هنيئة » أي ساعة يسيرة كما في المغرب ، والأوعية جمع وعاء بالكسر والمد أي قلوبا كاتمة للإسرار ، حافظة لها « أو مستراحا » أي من لم يكن قابلا

٣٢

لقلنا « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ ».

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال الله عز وجل فيه تبيان كل شيء.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ

______________________________________________________

لفهم الأسرار وحفظها كما ينبغي لكن لا يغشيها ولا يذيعها ولا يترتب ضرر على اطلاعه عليها فيستريح النفس بذلك.

الحديث الرابع : ضعيف.

« إني لأعلم كتاب الله » أي لفظه ومعناه من أوله إلى آخره أي كله بترتيب نزوله « كأنه في كفى » أي يدي مبالغة في الإحاطة به « فيه خبر السماء » من أحوال الأفلاك وحركاتها وحالات الملائكة ودرجاتها وحركات الكواكب ومداراتها ، إلى غير ذلك من الأمور الكائنة في العلويات والمنافع المتعلقة بالفلكيات « وخبر الأرض » من جوهرها وطبقاتها ومقدارها ، وما في أجوافها ومعادنها ونباتها ويحتمل شموله لجميع العناصر « وخبر ما كان وخبر ما هو كائن » من أخبار السابقين وأحوال اللاحقين ، وأخبار جميع الحوادث من الدنيا والآخرة « فيه تبيان كل شيء » الذي في المصحف في سورة النحل « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » (١) فيحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم‌السلام كذلك ، أو نقل بالمعنى ، والظاهر أنه من تصحيف النساخ والرواة.

الحديث الخامس : ضعيف.

« قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » أي آصف بن برخيا وقال البيضاوي : هو آصف بن برخيا وزيره ، أو الخضر أو جبرئيل أو ملك أيده الله به ، أو سليمان نفسه ويكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم ، وأن هذه الكرامة كانت بسببه ،

__________________

(١) سورة النحل : ٨٩.

٣٣

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » (١) قال ففرج أبو عبد الله عليه‌السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال وعندنا والله علم الكتاب كله.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن عمن ذكره جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » (٢) قال إيانا عنى

______________________________________________________

والخطاب في « أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » على الاحتمال الأخير للعفريت وعلى غيره لسليمان عليه‌السلام « وآتيك » يحتمل الفعلية والاسمية ، والطرف : تحريك الجفن للنظر ، فوضع موضعه ، ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف وصف برد الطرف ، [ والطرف ] بالارتداد ، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك ، وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه.

وقال : المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة أو اللوح.

وأقول : ظاهر الخبر أن المراد بالكتاب القرآن ، ويحتمل الجنس أيضا ، فالمراد عندنا علم جميع الكتب ، واحتمال اللوح في غاية البعد و « كله » إما مرفوع والضمير للعلم ، أو مجرور والضمير للكتاب.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » صدر الآية هكذا : و « يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً » أي كفى الله شاهدا « بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » بما أظهر من الآيات وأبان من الدلائل على نبوتي « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ».

قال الطبرسي قيل فيه أقوال : « أحدها » أنه هو الله « والثاني » أن المراد به مؤمنوا أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام وسلمان وتميم الداري « والثالث » أن المراد به علي بن أبي طالب وأئمة الهدى عليهم‌السلام ، ويؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وروى عاصم

__________________

(١) سورة النمل : ٤٠.

(٢) سورة الرعد : ٤٣.

٣٤

وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

باب

ما أعطي الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم

١ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل قال أخبرني شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض

______________________________________________________

ابن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ما رأيت أحدا اقرأ من علي بن أبي طالب عليه‌السلام للقرآن ، انتهى.

وقال السيد في الطرائف : روى الثعلبي من طريقين أن المراد بقوله : ومن عنده علم الكتاب ، علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

« وعلى أولنا » أي وإن كنا في العلم سواء وعندنا جميعا علم الكتاب ، لكن علي عليه‌السلام له الفضل علينا بالسبق وكثرة الجهاد وتأسيس الإسلام وكون علمنا منه عليه‌السلام.

باب ما أعطي الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم

أقول : كلمة « من » للتبعيض أو البيان.

الحديث الأول : مجهول.

« على ثلاثة وسبعين حرفا » أي كلمة فإنه يطلق على واحد من حروف التهجي وعلى الكلمة ، وعلى الكلام المختصر ، وقيل : أي وجها كقوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » (١).

« فخسف بالأرض » اعلم أنه معلوم أن السرير تجرك في مسافة قريبة من مسافة شهرين في أقل من مقدار طرف العين إلى سليمان عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة الحج : ١١.

٣٥

كما كانت أسرع من طرفة عين ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

______________________________________________________

وربما يستشكل في ذلك بوجهين : « الأول » كيف يمكن تحقق تلك الحركة في هذا الزمان القليل؟ « والثاني » أنه على تقدير جوازه كيف لم تخرب الأبنية والمساكن الواقعة فيما بين المكانين؟

والجواب عن الأول أن الحركة قابلة للسرعة إلى غير النهاية ، مع أن الحركة أسرع من ذلك واقعة ، فإن كل جزء من فلك الأفلاك يتحرك في مقدار ذلك الزمان آلاف فرسخ ، وجبرئيل يتحرك من العرش إلى الأرض عند المسلمين في مثل ذلك الزمان ولا نسبة بين المسافتين ، فهذا محض استبعاد.

وعن الثاني أن هذه الحركة تحتمل وجوها : « الأول » أن يكون تحرك السرير في الهواء حتى نزل على سليمان ، وهذا مخالف للأخبار « الثاني » أن يكون تحركت الأرض التي عليها السرير إلى المكان الذي عليها سليمان عليه‌السلام ، بأن يكون انخسف ما بينهما حتى التقت قطعا الأرض « الثالث » أن تكون الحركة في جوف الأرض بأن يكون الله تعالى خرق الأرض وحرك السرير أو الأرض التي هو عليها حتى خرج السرير من تحت مجلس سليمان « الرابع » أن يكون بتكاثف بعض أجزاء الأرض وتخلخل بعضها.

فبعض الروايات ظاهرة في الثاني ، وبعضها في الثالث ، وعلى الثالث لا يرد الإيراد الثاني أصلا وعلى الثاني والرابع يمكن أن يكون الله تعالى حرك وزعزع الجبال والمساكن والأشجار الواقعة فيما بينهما يمينا وشمالا ، حتى لا تمنع حركة موضع السرير ، وظاهر هذا الخبر هو الوجه الثاني.

وقال الجوهري : « استأثر » فلان بالشيء أي استبد به « في علم الغيب » أي كائنا هو في سائر الغيوب التي تفرد بعلمها أو معه « ولا حول ولا قوة إلا بالله » أي وقوع جميع هذه الأمور بحول الله وقوته لا بقدرة العباد.

٣٦

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد ، عن زكريا بن عمران القمي ، عن هارون بن الجهم ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام لم أحفظ اسمه قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن عيسى ابن مريم عليه‌السلام أعطي حرفين كان يعمل بهما وأعطي موسى أربعة أحرف وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف وأعطي نوح خمسة عشر حرفا وأعطي آدم خمسة وعشرين حرفا وإن الله تعالى جمع ذلك كله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا أعطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنين وسبعين حرفا وحجب عنه حرف واحد.

٣ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام قال سمعته يقول اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبإ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب.

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

« أعطي حرفين » أي زائدا على ما أعطي من قبله من الأنبياء ، كان يعمل بهما أيضا ، وإن احتمل أن لا تكون الأسماء العظام مما يورث ، أو يكون لكل نبي مناسبة لنوع من الأسماء كان عمله بها ، وأما نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان جامعا لجميع الأسماء إلا اسما واحدا استأثر الله به ، وكان لمرتبته الجامعة عاملا بالجميع ، وذلك في قوله « جمع ذلك » إشارة إلى الأربعة والخمسين التي أعطاه الله الأنبياء وزاده ثمانية عشر حرفا.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« فانخرقت له الأرض » أي شقت لتتحرك القطعة التي عليها السرير من وجه الأرض أو من تحته أو تحركت الأرض ، قال الجوهري : خرقت الأرض خرقا أي جبتها ، والخريق : المطمئن من الأرض وفيه نبات.

٣٧

باب

ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عبد الله بن محمد ، عن منيع بن الحجاج البصري ، عن مجاشع ، عن معلى ، عن محمد بن الفيض ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كانت عصا موسى لآدم عليه‌السلام فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها وإنها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا عليه‌السلام يصنع بها ما كان يصنع موسى وإنها لتروع و « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » وتصنع ما تؤمر به إنها حيث أقبلت « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » يفتح لها شعبتان إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها.

٢ ـ أحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ألواح موسى عليه‌السلام عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيين.

______________________________________________________

باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

وفي القاموس راع أفزع كروع لازم متعد ، وقال : لقفه كسمعه : تناوله بسرعة ، والإفك : الكذب ، وهو تضمين من الآية الكريمة حيث قال « وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » (١) قال البيضاوي أي ما يزورونه من الإفك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ، ويجوز أن تكون « ما » مصدرية ، وهي مع الفعل بمعنى المفعول ، انتهى.

ولعل المراد هنا ما يجمع المخالفون من عساكرهم وأدوات حربهم ، وقيل : كتبهم التي يفترون فيها على ربهم.

الحديث الثاني : مجهول.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١١٧.

٣٨

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي سعيد الخراساني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن القائم إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روي فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن أبي الحسن الأسدي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف.

والوقر بالكسر : الحمل الثقيل أو الأعم ، وقيل : وحدة العين في زمن القائم عليه‌السلام وكثرتها في زمن موسى عليه‌السلام إشارة إلى أن مشرب أصحاب القائم عليه‌السلام واحد لا اختلاف بينهم أصلا ، والنجف : اسم مدفن أمير المؤمنين عليه‌السلام لوقوعه على مرتفع ، قال في القاموس : النجف محركة وبهاء ، مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد ، ويكون في بطن الوادي وقد يكون ببطن من الأرض ، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها ، والنجف محركة التل ومسناة بظاهر الكوفة يمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها ومنازلها.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفي البصائر أبي الحصين الأسدي.

وفي القاموس : العتمة : وقت صلاة العشاء ، قال الخليل : هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق ، وقال : الهمهمة ترديد الصوت في الصدر ، والكلام الخفي ، انتهى.

والثاني تأكيد الأول وهما من كلام أبي جعفر عليه‌السلام ، وكذا قوله : وليلة مظلمة أي والحال أن الليلة مظلمة ، أو في ليلة مظلمة ويمكن أن يكون همهمة ثانيا من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام فتكون مرفوعة ، أو كلتاهما من كلامه عليه‌السلام على أنه

٣٩

بعد عتمة وهو يقول همهمة همهمة وليلة مظلمة خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهما‌السلام.

٥ ـ محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن بشر بن جعفر ، عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول أتدري ما كان قميص يوسف عليه‌السلام قال قلت لا قال إن إبراهيم عليه‌السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه‌السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد يوسف عليه‌السلام علقه عليه فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله « إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ » (١) فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة قلت جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص قال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

خبر مبتدإ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي همهمة وليلة مظلمة مقرونتان ، أو بنصب الليلة كقولهم : كل رجل وضيعته.

وفي بصائر الدرجات : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة على أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة وهو يقول : همهمة في ليلة مظلمة خرج عليكم الإمام « إلخ » وهو أصوب ، ولعل قميص آدم عليه‌السلام قصرت وضاقت حتى استوت على قامته عليه‌السلام.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

والتميمة : عوذة تعلق على الإنسان ، من باب التفعيل أي عقده « وجد يعقوب ريحه » أي في كنعان وبينهما مسيرة تسعة أيام من البدو حين أقبل به إليه يهود أو قيل : كان بينهما ثمانون فرسخا « لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ » بكسر النون وحذف الياء أي تنسبوني إلى النفد ، وهو بالتحريك : نقصان عقل يحدث من هرم ، قيل : وجواب لو محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت أنه قريب.

__________________

(١) سورة يوسف : ٩٤.

٤٠