مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال عند ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عز وجل بتلة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني فنزلت « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان

______________________________________________________

ومخالفة ظاهر لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الآية نزلت يوم الغدير أو بعده وهو أوفق بظاهر الآية ، ولما رواه الصدوق في الخصال بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يوم غدير أفضل الأعياد ، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة ، الخبر.

وهذا الخبر مع صحته صريح في كون الغدير يوم الجمعة ، ويؤيده ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب عن ابن عباس أنه قال : اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد : الجمعة ، والغدير ، وعيد اليهود والنصارى والمجوس ، ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله وكان كمال الدين بولاية علي لما عرفت أنه لما نصب للناس وليا وأقيم لهم إماما صار معولهم على أقواله وأفعاله في جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ، ثم على خليفته من بعده ، وهكذا إلى يوم القيامة فلم يبق لهم من أمر دينهم ما لا يمكنهم الوصول إلى علمه ، فكمل الدين بهم وتمت النعمة بوجودهم واحدا بعد واحد.

« حديثوا عهد » قريبوا عهد « بالجاهلية » والكفر « يقول قائل » إنه صادق « ويقول قائل » إنه كاذب ، والمعنى يقول قائل : إنه نصبه للقرابة ، ويقول قائل نصبه لحمايته له في جميع أحواله وأشباه هذا الكلام ، « فقلت في نفسي » أي كان هذا الكلام السابق كلاما نفيسا لم أنطق به « فاتتني عزيمة من الله » أي آية حتم لا رخصة فيها « بتلة » أي جازمة مقطوع بها ، يقال : بتلة كنصره وضربه إذا قطعه :

٢٦١

قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه فأوشك أن أدعى فأجيب وأنا مسئول وأنتم مسئولون ـ فما ذا أنتم قائلون فقالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين فقال اللهم اشهد ثلاث مرات ثم قال يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

قال أبو جعفر عليه‌السلام كان والله علي عليه‌السلام أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حضره الذي حضر فدعا عليا فقال يا علي إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فلم يشرك والله فيها يا زياد أحدا من الخلق ثم إن عليا عليه‌السلام حضره الذي حضره فدعا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا فقال لهم يا بني إن الله

______________________________________________________

« إلا وقد عمره الله » من باب نصر أو باب التفعيل ، أي أبقاه مدة « فأوشك » على المعلوم أي قرب و « ما ذا » مفعول « قائلون » قدم عليه.

« كان والله » أي رسول الله أو علي صلى الله عليهما ، والأول أظهر « حضره الذي حضره » أي الموت.

« فلم يشرك والله » أي رسول الله « فيها » أي في الإمامة أو في الخلافة أو في الوصية أو في الأشياء المذكورة وهي غيبة وخلقه ودينه و « زياد » اسم أبي الجارود وهو المنذر.

قوله : وكانوا اثنا عشر ، قال المفيد قدس الله روحه : أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا وأنثى : الحسن ، والحسين ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى ـ المكناة بأم كلثوم ـ أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين.

ومحمد المكنى أبو القاسم ، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

وعمر ورقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة.

والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين عليهم‌السلام بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم.

ومحمد الأصغر المكنى بأبي بكر ، وعبيد الله ، الشهيدان بالطف أمهما ليلى بنت

٢٦٢

عز وجل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب وإن يعقوب دعا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا فأخبرهم بصاحبهم ألا وإني أخبركم بصاحبكم ألا إن هذين ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الحسن والحسين عليه‌السلام فاسمعوا لهما وأطيعوا ووازروهما فإني قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مما ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فأوجب الله لهما من علي عليه‌السلام ما أوجب لعلي عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره وإن الحسين كان إذا حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم ثم إن الحسن عليه‌السلام حضره الذي حضره فسلم ذلك إلى الحسين عليه‌السلام ثم إن حسينا حضره الذي

______________________________________________________

مسعود الدارمية.

ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس.

وأم الحسن ، ورملة ، أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

ونفيسة وزينب الصغرى وأم هاني وأم الكرام وجمانة المكناة أم جعفر وإمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى.

وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي ذكرا كان سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حمل : محسنا ، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية وعشرون ولدا ، انتهى.

« وإن يعقوب دعا ولده » إشارة إلى قوله تعالى : « أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (١).

« فأخبرهم بصاحبهم » أي يوسف عليه‌السلام « ووازروهما » أي عاونوهما « إنما وجب الله (٢) » هو كلام أبي جعفر عليه‌السلام « من على » أي بسببه أو من جهته « لم ينطق » أي من الأحكام الشرعية أو لم يقض بين الناس.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٣.

(٢) وفي المتن « فأوجب الله ».

٢٦٣

حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين عليه‌السلام مبطونا لا يرون إلا أنه لما به فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله.

٧ ـ محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن صباح الأزرق ، عن أبي بصير قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن رجلا من المختارية لقيني فزعم أن محمد بن الحنفية إمام فغضب أبو جعفر عليه‌السلام ثم قال :

______________________________________________________

« فدعا ابنته » قال المفيد رحمه‌الله : كان للحسين عليه‌السلام ستة أولاد : علي بن الحسين الأكبر أبو محمد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ، وعلي بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه في الطف ، وأمه ليلى بنت أبي مرة ، وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمة قضاعية ، وكان وفاته في حياة الحسين عليه‌السلام ، وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا في حجره ، وسكينة وأمها الرباب بنت امرئ القيس ، وهي أم عبد الله بن الحسين ، وفاطمة وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله ، انتهى.

« ووصية ظاهرة » عطف تفسير ، أو الكتاب الملفوف كان فيه الإسرار الذي لا ينبغي أن يطلع عليها المخالفون بل غير أهل البيت عليهم‌السلام ، والوصية الظاهرة كتب فيها أنه وصيه وهو أولى بأموره من غيره وسائر ما لا ينبغي إخفاؤه ، وهو حجة إمامته كما مر ، والأول أظهر ، وعلى الثاني المراد بالكتاب الجنس أو الكتاب الملفوف لأنه أهم ، وعلى التقديرين هذا غير ما دفعه إلى أم سلمة قبل ذهابه إلى العراق من ودائع الإمامة كما سيأتي.

« لا يرون » أي لا يعلمون « إلا أنه » متوجه ومهيئ « لما ينزل به » أي الموت ، وهو كناية عن الإشراف على الموت ، وقيل : اللام لام العاقبة نحو : « لدوا للموت ... ».

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« من المختارية » أي أتباع مختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي خرج يدعي طلب

٢٦٤

أفلا قلت له قال قلت لا والله ما دريت ما أقول قال أفلا قلت له إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى علي والحسن والحسين فلما مضى علي عليه‌السلام أوصى إلى الحسن والحسين ولو ذهب يزويها عنهما لقالا له نحن وصيان مثلك ولم يكن ليفعل ذلك وأوصى الحسن إلى الحسين ولو ذهب يزويها عنه لقال أنا وصي مثلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أبي ولم يكن ليفعل ذلك قال الله عز وجل : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » هي فينا وفي أبنائنا.

باب

(الإشارة والنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن زيد بن الجهم الهلالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلموا على علي

______________________________________________________

دم الحسين ، وأظهر أنه بأمر محمد بن الحنفية ، فزعم أصحابه أنه الإمام بعد الحسين عليه‌السلام « أفلا قلت له » المفعول مقدر أي ما يكون حجة عليه ، وفي المصباح : دريت الشيء : علمته « قال الله عز وجل » استئناف لبيان كون علي بن الحسين الإمام دون ابن الحنفية كما مر.

الحديث الثامن (١) : مجهول ، وفي رجال الشيخ زيد بن جهيم الهلالي.

« وكان » عطف على نزلت « والإمرة » بالكسر الولاية فكان جواب لما ، وذكر الفاء لطول الفصل ، وضمير عليهما لأبي بكر وعمر ، لم يصرح بهما تقية ، والتأكيد باعتبار تخصيصهما بالأمر بعد دخولهما في التعميم ، وسؤالهما يدل على عدم إيمانهما

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، وكأنّ الشارح (ره) جعل البابين بابا واحدا أو كانت نسخته كذلك ، ولذا جعل هذا الحديث الحديث الثامن ، وما بعده الحديث التاسع وهكذا إلى آخر الباب ونحن أثبتنا كلتا الرقمتين قبل كل حديث لئلا يشتبه على القارى فلا تغفل.

٢٦٥

بإمرة المؤمنين فكان مما أكد الله عليهما في ذلك اليوم يا زيد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين فقالا أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله ومن رسوله فأنزل الله عز وجل « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » (١) يعني به قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما وقولهما أمن الله أو من رسوله « وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها

______________________________________________________

بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتهامهما له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ما يقوله في وصيه إنما يقوله من قبل نفسه ، ولم يؤمنا بقوله تعالى : « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (٢).

« فأنزل الله » إشارة إلى آيات سورة النحل وهي هكذا : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ » (٣) قال البيضاوي : يعني البيعة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام ، لقوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ » (٤) وقيل : كل أمر يجب الوفاء به ، ولا يلائمه قوله : إذا عاهدتم ، وقيل : النذر ، وقيل : الإيمان بالله « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ » أيمان البيعة أو مطلق الأيمان « بَعْدَ تَوْكِيدِها » توثيقها بذكر الله ومنه أكد بقلب الواو همزة « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » شاهدا بتلك البيعة ، فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » في نقض الأيمان والعهود « وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » أي ما غزلته مصدر بمعنى المفعول « مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ » متعلق بنقضت أي نقضت غزلها بعد إبرام وإحكام « أَنْكاثاً » طاقات نكثت فتلها جمع نكث ، وانتصابه على الحال من غزلها ، والمفعول الثاني لنقضت ، فإنه بمعنى صيرت ، والمراد به تشبيه الناقض بما هذا شأنه وقيل : بريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء (٥) تفعل ذلك « تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » حال من الضمير في لا تكونوا أو في الجار الواقع موقع الخبر ، أي ولا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا ، وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه « أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى

__________________

(١) سورة النحل : ٩١.

(٢) سورة النجم : ٣.

(٣) سورة النحل : ٩١.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

(٥) أي حمقاء.

٢٦٦

مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ » أئمة هي أزكى من أئمتكم قال قلت جعلت فداك أئمة قال إي والله أئمة قلت فإنا نقرأ « أَرْبى » فقال ما أربى وأومأ بيده فطرحها « إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » يعني بعلي عليه‌السلام « وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً

______________________________________________________

مِنْ أُمَّةٍ » بأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة ، والمعنى لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش ، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم.

« إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » الضمير لأن تكون أمة ، لأنه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونكم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسول الله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم ، وقيل : الضمير للربا ، وقيل للأمر بالوفاء « وليبينن لكم ما كنتم فيه تختلفون » إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً » متفقة على الإسلام « وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ » بالخذلان « وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » بالتوفيق « وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » سؤال تبكيت ومجازاة « وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي « فَتَزِلَّ قَدَمٌ » أي عن محجة الإسلام « بَعْدَ ثُبُوتِها » عليها والمراد أقدامهم ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بإقدام كثيرة « وَتَذُوقُوا السُّوءَ » العذاب في الدنيا « بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » بصدودكم عن الوفاء أي صدودكم غيركم عنه ، فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » في الآخرة.

وقال الطبرسي قدس‌سره في قوله تعالى : « كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا تزال ذلك دأبها ، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وكانت تسمى خرقاء مكة ، انتهى.

٢٦٧

وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَ » يوم القيامة « عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها » يعني بعد مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

وفي تفسير العياشي عن زيد بن الجهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لما سلموا على علي بإمرة المؤمنين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأول : قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين ، فقال : أمن الله أو من رسوله؟ فقال : نعم من الله ومن رسوله ، ثم قال لصاحبه : قم وسلم على علي بإمرة المؤمنين ، فقال : أمن الله ومن رسوله؟ فقال : نعم من الله ومن رسوله ، ثم قال : يا مقداد قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين ، قال : فلم يقل ما قال صاحباه ، ثم قال : يا أبا ذر فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام وسلم ، ثم قال : قم يا سلمان وسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام وسلم ، قال : حتى إذا خرجا وهما يقولان : لا والله لا نسلم له ما قال أبدا ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه : « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » بقولكم أمن الله ومن رسوله « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » إلى آخر الخبر.

قوله عليه‌السلام : يعني به ، أي بقوله : « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » أو « ما تَفْعَلُونَ » والأول أظهر لما مر في رواية العياشي.

قوله : أن تكون أئمة ، لعله على هذا التأويل مفعول له لقوله « تتخذون » أي تضمرون نقض العهد لأن تكون أئمة من أئمة الضلال أزكى من أئمتكم أئمة الهدى ، والمعنى تفعلون ذلك كراهة أن تكون أئمة الحق أزكى من أئمتكم الضالة والظاهر أن في قرآنهم عليهم‌السلام كانت الآية هكذا ، وقد يأول بأن المراد أن أربى هنا معناه أزكى ، والمراد بالأمة في الموضعين الأئمة وهو بعيد ، والإيماء باليد وطرحها لتقوية الإنكار « يعني بعلي » رجوعه إليه عليه‌السلام بقرينة نزول الآية فيه وفي خلافته ، أو هو بيان لحاصل المعنى والضمير راجع إلى أن يكون أئمة لأنه بمعنى المصدر ، أو عوده إليه باعتبار أنه مفهوم من أئمة أنه واحد منهم ، أو إلى أئمة باعتبار أن المراد بها علي عليه‌السلام والجمع للتعظيم كما قيل ، والأول أظهر « يعني بعد مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لعله عليه‌السلام فسر الثبوت بما يوجب الثبوت ويقتضيه من النص الصريح عليه عليه‌السلام

٢٦٨

في علي عليه‌السلام « وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » يعني به عليا عليه‌السلام « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ».

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول لما أن قضى محمد نبوته واستكمل أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم

______________________________________________________

« يعني به » أي سبيل الله « عليا عليه‌السلام » لأن بسلوك سبيل متابعته يوصل إلى الله وثوابه وقربه.

الحديث التاسع : مجهول.

« قضى » على بناء المعلوم ، والمجهول بعيد ، وكذا استكمل و « أن » في قوله : « أن قضى » زائدة لتأكيد اتصال لما بمدخولها ، وفي قوله « أن يا محمد » مفسرة وفي النهاية قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه « فاجعل العلم » إشارة إلى قوله تعالى : « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ » (١) وإلى قوله سبحانه : « ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » (٢) فالمراد بالعلم العلوم التي أوحى الله إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالإيمان التصديق بها مع الانقياد المقرون بالإيقان أو العلوم المتعلقة بأصول الدين فيكون تعميما بعد التخصيص ، وربما يقرأ بفتح الهمزة إلى العهود والمواثيق وهو بعيد ، والمراد بالاسم الأكبر إما الاسم الأعظم أو القرآن التام الذي عندهم ، أو هو مع سائر كتب الأنبياء كما سيأتي في الخبر الآتي ، فالمراد بالاسم صاحب الاسم ، أو هو بمعنى العلامة والمراد بميراث العلم ما في الجفر الأبيض من كتب الأنبياء السابقين ، فيكون على بعض الوجوه المتقدمة تأكيدا أو كتب العلماء السابقين سوى الكتب المنزلة.

وقيل : الإضافة لامية والمراد به الخلافة الكبرى وقيل : المراد به التخلق بأخلاق

__________________

(١) سورة الروم : ٥٦.

(٢) سورة الشورى : ٥٢.

٢٦٩

وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء.

٣ ـ محمد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أوصى موسى عليه‌السلام إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء وبشر موسى ويوشع بالمسيح عليه‌السلام فلما أن بعث الله عز وجل المسيح عليه‌السلام قال المسيح لهم إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه‌السلام يجيء بتصديقي وتصديقكم

______________________________________________________

الله أي ما أورثه العلم والمراد بآثار علم النبوة جميع علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأكيدا أو كتب الأنبياء تأكيدا أو تأسيسا أو آثار الأنبياء ـ سوى العلم ـ من السلاح والعصا وغيرهما ، وقيل : هي علم الشرائع والأحكام.

أقول : يحتمل أن يكون إشارة إلى ما تتجدد لهم من العلوم في ليلة القدر وغيرها ، فإنها من آثار علم النبوة المترتبة عليه ، فالمراد بجعلها عنده جعله قابلا ومهيئا لذلك ، وربما يقرأ العقب بضم العين وشد القاف المفتوحة جمع عاقب وهو الخليفة في الخير.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

والخيرة بالكسر وكعنبة مصدر باب ضرب : التفضيل ، أو اسم مصدر باب الافتعال كما قيل.

قوله : لهم ، أي للمبعوث إليهم « بتصديقي » أي في الرسالة وصحة الولادة كما نطقت به سورة مريم وغيرها « وتصديقكم » في الإيمان والمتابعة كما في سورة المائدة : « وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا » الآية ، وغير

٢٧٠

وعذري وعذركم وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل

______________________________________________________

ذلك من الآيات والأخبار « وعذري وعذركم » أي حجتي وحجتكم من قولهم أعذر إذا احتج لنفسه ، أو براءتي مما رميت به من ادعاء الألوهية والولدية وبراءتكم من القول في ذلك ، أو براءتي مما رماني به اليهود وبراءتكم من متابعة من كان كذلك.

والحواريون هم خواص عيسى على نبينا وآله وعليه السلام وأنصاره ، من التحوير بمعنى التبييض ، قيل : إنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب وينقونها من الأوساخ ، وقيل : بل كانوا ينقون نفوس الخلائق من الكدورات وأوساخ صفات الذميمة ، وقال الأزهري : هم خلصان الأنبياء وتأويله : الذين خلصوا ونقوا من كل عيب ، وتسمية الله إياهم بالمستحفظين كأنها إشارة إلى قوله عز وجل في شأن التوراة : « فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » (١).

« وجرت » أي الوصية أو الخيرة أو السنة ، وقيل : المراد بالميزان الشرع ، وقيل : هو عطف تفسير للكتاب.

قال المحدث الأسترآبادي : مقصوده عليه‌السلام أن المشهور بين الناس في هذا الزمان مما يسمى بالكتاب الكتب الثلاثة ومن جملة الكتب كتاب نوح عليه‌السلام وكتاب صالح وكتاب شعيب وإبراهيم عليهم‌السلام ، وقد أخبر الله أن ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذكور في صحف إبراهيم وموسى وكانتا عنده ، فإذا كانتا محفوظتين إلى زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف لا يحفظهما هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يدفعهما إلى أحد ، فالذي دفعهما إليه هو صاحب الشريعة ، انتهى.

وأقول : فيه أيضا رد على من زعم أن المستحفظين علماء اليهود والنصارى ، لعدم وجدان هذه الكتب عندهم ، فالمراد بالعقب من المستحفظين الأوصياء أي أولادهم بل ظاهره أن العقب لم يكونوا من بني إسرائيل ، فالمراد بهم أبو طالب وأمير المؤمنين عليهما‌السلام ، وكلمة « من » يحتمل التبعيض والابتداء والبيان أيضا على بعد.

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

٢٧١

شيء الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم يقول الله تعالى : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ » (١) الكتاب الاسم الأكبر وإنما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم عليه‌السلام فأخبر الله عز وجل : « إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٢) فأين صحف إبراهيم إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر وصحف موسى الاسم الأكبر فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

قال بعض المحققين : استحفاظهم الاسم الأكبر الذي هو الكتاب الجامع للعلوم الغير المنفك عن الأنبياء ، لعله كناية عن انتقاش قلوبهم الصافية المصيقلة بنور الله ، بما في اللوح المحفوظ ، وصيرورتهم العقل بالفعل ، وبلوغهم رتبة الشهود التام وإلى قابلية الإنسان لهذه الرتبة أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله :

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

والعالم الأكبر هو الاسم الأكبر ، إذا العالم ما يعلم به الشيء كالاسم ما يعلم به المسمى ، ومن الأنبياء والأوصياء من أوتي علم الكتاب كله ، ومنهم من أوتي بعضه ، وإلى الأول أشير بقوله عز وجل : « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » (٣) يعني به أمير المؤمنين عليه‌السلام وإلى الثاني بقوله : « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » (٤) حيث أتى بمن التبعيضية ، يعني به آصف بن برخيا.

والمراد بقوله : إنما عرف مما يدعى الكتاب ، أن المعروف مما يسمى بالكتاب ليس سوى هذه الثلاثة مع أن كثيرا من الأنبياء كان معهم كتب غير هذه ، منها كذا ومنها كذا ، وقد أخبر الله عن بعضها وليس ذلك بمعروف بين الناس ، فإذا انحصرت

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصحف في سورة الحديد : ٢٥ « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا .... ».

(٢) سورة الأعلى : ١٨.

(٣) سورة الإسراء : ٩٦.

(٤) سورة النحل : ٤٠.

٢٧٢

فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عز وجل وجاهد في سبيله ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال رب إن العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهم‌السلام ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال الله جل ذكره « وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ » (١) « وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ

______________________________________________________

الكتب فيما عرف فأين صحف إبراهيم الذي أخبر الله عنها ، والغرض من هذا الكلام الرد على من زعم أن المراد بالمستحفظين لكتاب الله ، علماء اليهود الحافظين للتوراة ومن يحذو حذوهم في حفظ الألفاظ والقصص.

فبين عليه‌السلام أن المراد بكتاب الله الاسم الأكبر المشتمل على كل ما في العالم من شيء الذي كتبه الرحمن بيده كما قال سبحانه : « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » (٢) وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة وصحف إدريس ثلاثين ، وصحف شيث خمسين ، يعني ما كان يتلى من الاسم الأكبر على الناس.

وعن أبي ذر رضي‌الله‌عنه أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان صحف إبراهيم؟ قال : اقرأ يا أبا ذر « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » إلى قوله : « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٣) يعني فيها أمثال هذه الكلمات.

« إن العرب قوم جفاة » أي بعداء عن الآداب والأخلاق الحسنة ، قال في المغرب : الجفاء هو الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق ، انتهى.

« ولا تخزن عليهم » أقول : هذه الآية بهذا الوجه ليست في المصاحف المشهورة ، إذ في سورة الحجر « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (٤) وفي سورة النحل : « وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ » (٥) وفي سورة الزخرف « فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٧.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

(٣) سورة الأعلى : ١٩.

(٤) الآية : ٨٨.

(٥) الآية : ١٢٧.

٢٧٣

يَعْلَمُونَ » (١) فذكر من فضل وصيه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك وما يقولون فقال الله جل ذكره يا محمد « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ » (١) ولكنهم يجحدون (٢)

______________________________________________________

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » (٣) فيحتمل أن يكون عليه‌السلام ذكر الآيتين إحدى السوابق مع الأخيرة فسقط من الرواة أو النساخ ، أو أشار عليه‌السلام إلى الآيتين بذكر صدر إحداهما وعجز الأخرى ، أو يكون نقلا لهما بالمعنى ، أو يكون في مصحفهم عليهم‌السلام كذلك ، والحزن عليهم التأسف على كونهم هالكين.

« سلام » أي ما أدعوكم إليه سلامة لكم من النار ، أو تسلم منكم ، ومتاركة.

« ذكرا » أي قليلا من الذكر بدون إعلان ذلك أي وقوع النفاق في قلوب المنافقين من العرب.

« وَلَقَدْ نَعْلَمُ » أقول : في المصاحف المشهورة في سورة الحجر « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » (٤) وفي سورة الأنعام « قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » (٥) الآية والكلام فيه كالكلام فيما مر.

« فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » قيل : معناه أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك جئت من عنده بالمعجزات والآيات ، فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، أو المراد أنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم ، أو أنهم لا يكذبونك ولا يجحدونك ولكنهم يجحدون بآيات الله ، وذلك أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمى عندهم بالأمين ، يعرفون أنه لا يكذب في شيء ، وكان أبو جهل يقول ما تكذب وإنك عندنا لصدوق وإنما نكذب ما جئتنا به.

وروي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٩.

(٢) راجع كلام الشارح في الآية.

(٣) سورة الزخرف : ٨٩.

(٤) الآية : ٩٧.

(٥) الآية : ٣٣.

٢٧٤

بغير حجة لهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال الله جل ذكره « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ » (١)

______________________________________________________

أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له : والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟

وسيأتي في الروضة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قرأ رجل على أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الآية فقال : بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة « فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » لا يأتون بباطل يكذبون به حقك ، وهذا التفسير موافق لما فسرها عليه‌السلام به هيهنا بقوله : ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم ، والمخففة من أكذبه إذا ألفاه (٢) كاذبا ، والمشددة أيضا لا يبعد عن هذا المعنى على ما في كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي : أكذبه ألفاه كاذبا وحمله على الكذب وبين كذبه ، وكذب بالأمر تكذيبا وكذابا أنكره ، وفلانا جعله كاذبا ، انتهى.

وإنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته وتمرنهم (٣) على جحدها ، ويقال : تألفه إذا داراه وآلفة بالتكليف.

« هذه السورة » أي سورة ألم نشرح كما يظهر مما بعده ، وجملة « فاحتج عليهم » معترضة وكأنه أشير بها إلى ما فعل بغدير خم أو إلى أعم منه ومن غيره من المواطن ، وفي بعض النسخ « هذه الآية » أي آية : « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ».

« ونعيت » على بناء المجهول والنعي خبر الموت « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » في القرآن المشهورة بفتح الصاد من النصب بمعنى التعب والاجتهاد ، يعني إذا فرغت من عبادة عقبها بأخرى وواصل بعضها ببعض ، وقيل : إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ،

__________________

(١) سورة الانشراح : ٨.

(٢) أي وجده.

(٣) من التمرين.

٢٧٥

يقول إذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيك فأعلمهم فضله علانية فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________________________________________

أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء كما ورد في الخبر أيضا ، والمستفاد من هذا الحديث أنه بكسر الصاد من النصب بالتسكين بمعنى الرفع والوضع ، أي إذا فرغت من أمر تبليغ الرسالة فانصب علمك بفتح اللام ، أي ارفع علم هدايتك للناس ، وضع من يقوم به خلافتك موضعك حتى يكون قائما مقامك من بعدك بتبليغ الأحكام وهداية الأنام ، لئلا تنقطع خيط الهداية والرسالة بين الله وبين عباده ، ويكون ذلك مستمرا بقيام إمام مقام إمام إلى يوم القيامة فلعل في مصحفهم عليهم‌السلام كان بالكسر ، أو يقال : لعله ورد بالفتح أيضا بمعنى النصب وإن لم يذكر في الكتب المتداولة في اللغة ، ويحتمل أن يكون تفسيره عليه‌السلام بيانا لحاصل المعنى ، ويكون المقصود أتعب نفسك في نصب وصيك بما تسمع من المنافقين في ذلك.

والعجب من المتعصب الناصب الزمخشري أنه قال في الكشاف : ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليا للإمامة ، قال : ولو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض على وعداوته ، فانظر إلى هذا المتعصب المتعنت كيف عمى الله بصيرته بغشاوة العصبية حتى أتى بمثل هذا الكلام الذي يليق باللئام في هذا المقام.

ولا يخفى فساده على ذوي الأفهام من وجوه :

الأول : أن المناسبة بين الفراغ من تبليغ الرسالة ونصب الإمام لحفظ الشريعة بين ظاهر ، لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلالة ، ولتجري سنة الله تعالى في الأولين ولا مناسبة بين الفراغ وما ذكره بوجه.

والثاني : أن إبداء احتمال مخالف لما ذهب إليه جميع فرق المسلمين لا يكون مساويا لاحتمال ذهب إليه أكثر المتورعين من المؤمنين.

والثالث : أن ما ذكره الإمامية ليس بمحض التشهي والاختراع بل نقلوه عن أئمتهم الذين لا خلاف بين المسلمين في فضلهم وعلو شأنهم ، وهذا الناصب أيضا

٢٧٦

من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات ثم قال لأبعثن

______________________________________________________

كثيرا ما ينقل القراءات والتفاسير عنهم ، وجميع المفسرين يعتمدون على ما نقل عنهم ، فلا يكون ما نقل عنهم بأدون مما رووا عن قتادة وكعب وابن مسعود وغيرهم.

والفاء في قوله : « فقال الله » للبيان وقوله : ثلاث مرات متعلق بقوله : « اللهم ... » إلى آخر الكلام ، أو الجميع « ثم قال » : أي في يوم غزوة خيبر بعد ما مضى أبو بكر مع أصحابه ، فلما رأوا مرحبا اليهودي خرج للمبارزة فروا ثم في اليوم الثاني مضى عمر وأصحابه وفروا وكلمة « ثم » للتراخي بحسب الرتبة لا الزمان إن حملنا الكلام السابق على ما ذكر في يوم الغدير ، وإلا فيمكن حمله على الزماني أيضا.

وهذا الخبر مذكور في كتب العامة بطرق كثيرة ، منها : ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن سلمة بن الأكوع قال : كان علي عليه‌السلام قد تخلف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيبر وكان رمدا فقال : أنا أتخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج فلحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صبيحتها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، أو قال : يحب الله ورسوله يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح الله عليه.

وروي أيضا بإسناده عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فبات الناس يدوكون (١) ليلتهم أيهم يعطاها؟ قال : فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيهم ، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير

__________________

(١) أي يخوضون ويتحدّثون في ذلك.

٢٧٧

رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي سيد المؤمنين وقال علي عمود الدين وقال هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي وقال الحق مع علي أينما مال

______________________________________________________

لك من أن يكون لك حمر النعم (١) وروي عن أبي هريرة أيضا مثله (٢).

« معرضا (٣) » حال عن فاعل قال ، والتعريض نفي عيب عن أحد لإثباته لآخر ، والمراد أن أبا بكر وعمر لا يحبان الله ورسوله ولا يحبهما الله ولا رسوله وهما فراران ، وإنما ذكر عليه‌السلام الجبن فقط ليعلم عدم المحبة أيضا مع نوع تقية إذ العلة مشتركة ، ولا خفاء في أن سياق هذا الكلام يدل على اختصاص جميع تلك الأوصاف بالمبعوث أخيرا وإلا فلا فائدة في ذكرها.

« يجبن » حال عن فاعل رجع أي يخوف أصحابه ويدعوهم إلى الجبن عند الحرب ، أو ينسبهم إلى الجبن عند الرجوع ويلومهم به ، يقال جبنه تجبينا أي نسبه إلى الجبن « على سيد المؤمنين » أي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن السيد أولى بعبده منه ، أو أشرفهم وأفضلهم لأنه فاق جميعهم في جميع الكمالات « عمود الدين » أي لا يقوم الدين إلا به كما لا تقوم الخيمة إلا بالعمود.

« هو الذي » التركيب يدل على الحصر أي كل من يضرب الناس بالسيف بعدي فهو على الباطل غيره وغير أوصيائه ، وضمير مال لعلي أو للحق أي سواء قام أو قعد وفي جميع أقواله وأفعاله ، وهذا الحديث رواه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الحق مع على وعلى مع الحق لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وادعى ابن أبي الحديد صحة هذا الحديث بل تواتره.

__________________

(١) قال النووي : هي الإبل وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشىء وأنّه ليس هناك أعظم منه.

(٢) صحيح مسلم باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٣) كذا في النسخ لكن في المتن « يعرض » بدل « معرضا ».

٢٧٨

وقال إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا ـ كتاب الله عز وجل وأهل بيتي عترتي أيها الناس اسمعوا وقد بلغت إنكم ستردون علي الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين والثقلان كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فوقعت الحجة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » وقال عز ذكره : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى » (١) ثم قال « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » (٢) فكان علي عليه‌السلام

______________________________________________________

« وقال إني تارك فيكم أمرين » هذا الخبر متواتر اتفقت الأمة على قبوله ونقله ، وقد مر الكلام فيه « كتاب الله » مرفوع بتقديرهما كتاب الله أو منصوب بدل تفصيل لأمرين والعترة العشيرة : الأدنون « وقد بلغت » على صيغة المعلوم أي بلغت ما يلزمني تبليغه في أهل بيتي ، أو على المجهول أي بلغني جبرئيل عن الله بالوحي « لا تسبقوهم » أي في الإمامة أو في شيء من الأمور « فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ » المشهور في القراءة فتح الهمزة على حذف المبتدأ ، أي فحكمه أن لله خمسه وقيل : على حذف الخبر أي فثابت أن لله خمسه ، وقرئ بكسرها أيضا والمعنى أن الذي أخذتموه من مال الكفار قهرا مما يطلق عليه اسم الشيء قليلا كان أو كثيرا فحكمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وسيأتي أحكامه في محله إنشاء الله.

ولا يخفى ما في تخصيص ذي القربى بالذكر وإعادة اللام وتشريكه مع الرسول في التساهم من التعظيم والاهتمام بشأنه.

« فكان على » أي ذا القربى على حذف الخبر أو كان تامة ، وهذا أحد تأويلات الآية ، وقد ورد في أخبار كثيرة من طريق الخاصة والعامة أنها نزلت في فدك ، فرووا عن أبي سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت الآية أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فدك ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٢.

(٢) سورة الإسراء : ٢٦.

٢٧٩

وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة فقال « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (١) ثم قال « وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ

______________________________________________________

ولا تنافي بينهما فإن حق فاطمة عليها‌السلام من ذوي القربى كان فدك ، وحق أمير المؤمنين الوصية ، وقال البيضاوي : و « آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ، من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم ، وقيل : المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » قال الطبرسي رحمه‌الله : اختلف في معناه على أقوال :

أحدهما : لا أسألكم في تبليغ الرسالة أجرا إلا التواد والتحاب فيما يقرب إلى الله تعالى.

وثانيها : أن معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها فهو لقريش خاصة.

وثالثها : أن معناه إلا أن تؤدوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، عن علي بن الحسين وابن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

ثم أورد أخبارا كثيرة في ذلك ثم قال : وعلى التقادير ففي المودة قولان :

أحدهما : أنه استثناء منقطع لأن هذا إنما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة.

والآخر أنه استثناء متصل والمعنى لا أسألكم إلا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسؤول عليك برا فتقول : اجعل بري قضاء حاجتي ، وعلى هذا يجوز أن يكون المعنى : لا أسألكم أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا ، ونفعه أيضا عائد إليكم فكأني لم أسألكم أجرا ، انتهى.

وقال إمامهم الرازي في تفسيره : روى الكلبي عن ابن عباس قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة فقال الأنصار : إن

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣.

٢٨٠