مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول الأئمة بمنزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمفأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام محدثون مفهمون

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن القاسم بن محمد ، عن عبيد بن زرارة قال أرسل أبو جعفر عليه‌السلام إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم‌السلام محدثون.

______________________________________________________

الحديث السابع ضعيف.

ويدل على أنه لا يحل للأئمة عليهم‌السلام ما يخص حلها بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الزائد على الأربع ، والموهوبة وأشباههما ، واشتراك سائر الخصائص بينه وبينهم صلوات الله عليهم ، إلا أن يحمل ذكر النساء على المثال.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام محدثون مفهمون.

الحديث الأول : ضعيف.

والحكم كان بتريا زيديا (١) وحكي عن علي بن الحسين بن فضال أنه قال : كان الحكم من فقهاء العامة وكان أستاذ زرارة وحمران والطيار قبل أن يروا هذا الأمر ، ولعل إعلامه هذا ليعلم أن زيدا وأضرابه وأحزابه ليسوا مستأهلين للإمامة والوصاية ، لأنه كان يعلم أنهم ليسوا كذلك ، والمحدث كمعظم من يحدثه الملك.

__________________

(١) قال الطريحي رحمه‌الله البُترية ـ بضمّ الموحدة فاسكون ـ فرق من الزيدية قيل : نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر ، وقيل : البترية هم أصحاب كثير النوّاء الحسن بن أبي صالح وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحدّاد وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه‌السلام فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهم الإمامة ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعايشة ويرون الخروج مع ولد علي عليه‌السلام.

١٦١

٢ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن زياد بن سوقة ، عن الحكم بن عتيبة قال دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام يوما فقال يا حكم هل تدري الآية التي كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس قال الحكم فقلت في نفسي قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام قال فقلت لا والله لا أعلم قال ثم قلت الآية تخبرني بها يا ابن رسول الله قال هو والله قول الله عز ذكره : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام محدثا فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه : سبحان

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« يعرف قاتله بها » الباء دخلت على الواسطة في الإثبات وتوهم الحكم دخوله على الواسطة في الثبوت ، فطمع في المحال ، وهو كون آية واحدة تبيانا لكل شيء « الآية » منصوب « وتخبرني » بمعنى أخبرني ، والاستفهام مقدر « قال هو والله » تذكير الضمير لمناسبة الخبر أو لرجوعه إلى مطلوب السائل ، أو بتأويل القول ويدل على أنه كان في القرآن « ولا محدث » فأسقطوه.

« فقال له رجل » قيل : « فقال » كلام زياد بن سوقة ، وضمير « له » للحكم ، وهذه الحكاية كانت بعد وفاة علي بن الحسين في مجلس الباقر عليهم‌السلام ، ولا يخفى ما فيه من التكلف.

والذي ظهر لي أنه اشتبه على المصنف (ره) أو النساخ فوصلوا إلى آخر حديث آخر (١) فإنه روى الصفار في البصائر خبر ابن عتيبة إلى قوله : ولا محدث ، وزاد فيه : فقلت : أكان علي بن أبي طالب محدثا؟ قال : نعم ، وكل إمام منا أهل البيت فهو محدث ، ثم روي بسند آخر عن حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أهل بيتي اثنا عشر محدثا ، فقال له عبد الله بن زيد : وكان أخا علي

__________________

(١) وفي نسخة « فوصلوا آخر حديث بأول حديث آخر ... ».

١٦٢

الله محدثا كأنه ينكر ذلك فأقبل علينا أبو جعفر عليه‌السلام فقال أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك قال فلما قال ذلك سكت الرجل فقال هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدث والنبي.

______________________________________________________

لأمه ، سبحان الله وساق الخبر إلى آخره.

وأما كون عبد الله أخا علي بن الحسين عليه‌السلام لأمه فهو مما ذكره العامة في كتبهم ففي مختصر تهذيب الكمال : علي بن الحسين أمه أم ولد اسمها غزالة خلف عليها بعد الحسين زيد مولى للحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زيد ، انتهى.

والحق أنه لم يكن أخاه حقيقة بل قيل : إن أم عبد الله كانت أرضعته عليه‌السلام فكان أخا رضاعيا له عليه‌السلام ، وقال ابن داود : عبد الله كان أمة وشيكة ظئر علي بن الحسين عليه‌السلام وكان يدعوها أما وهي التي زوجها فعابه عبد الملك بن مروان بأنه زوج أمه توهما أنها والدته ، وكانت والدته شهربانويه وقد توفيت وهو طفل.

وروى الصدوق في العيون عن الحسين بن محمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن عون بن محمد عن سهل بن القاسم القوشجاني ، قال : قال لي الرضا عليه‌السلام بخراسان :

إن بيننا وبينكم نسب ، قلت : ما هو أيها الأمير ، قال : إن عبد الله بن عامر بن كربز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم ، فبعث بهما إلى عثمان بن عفان ، فوهب إحداهما للحسن والأخرى للحسين عليهما‌السلام ، فماتتا عنده نفساوين وكانت صاحبة الحسين عليه‌السلام نفست بعلي بن الحسين عليه‌السلام فكفل عليا عليه‌السلام بعض أمهات ولد أبيه ، فنشأ وهو لا يعرف أما غيرها ، ثم علم أنها مولاته وكان الناس يسمونها أمه وزعموا أنه زوج أمه ومعاذ الله إنما زوج هذه على ما ذكرنا.

وكان سبب ذلك أنه واقع بعض نسائه ثم خرج يغتسل ، فلقيته أمه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك من هذا الأمر شيء فاتقي الله وأعلميني ، فقالت : نعم ، فزوجها ، فقال ناس : زوج علي بن الحسين عليه‌السلام أمه قال عون : قال لي سهل بن القاسم : ما بقي طالبي عندنا إلا كتب هذا الحديث عن الرضا عليه‌السلام.

« هي التي » الضمير راجع إلى الآية أو إلى مسألة الفرق بين النبي والمحدث ،

١٦٣

٣ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن إسماعيل قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن محمد بن مسلم قال ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك قال إنه يعطى السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى

______________________________________________________

وأبو الخطاب هو محمد بن مقلاص وكان يقول : أن الأئمة عليهم‌السلام أنبياء لما سمع أنهم محدثون ولم يفرق بين المحدث والنبي ، ثم عدل عنه وكان يقول : إنهم آلهة كما ذكره الشهرستاني في كتاب الملل والنحل.

الحديث الثالث صحيح.

« علماء » أي هم العلماء المذكورون في قوله تعالى : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ » (١) الآية ، وغيرها.

« صادقون » إشارة إلى قوله سبحانه : « وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (٢).

« مفهمون » من جهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهمهم القرآن وتفسيره وتأويله وغير ذلك من العلوم والمعارف « محدثون » من الملك.

الحديث الرابع : مرسل.

وكنى بالسكينة والوقار عن سكون النفس وطمأنينة القلب اللذين يدلان على أن ما يلقى إليهم من الملك ، والحاصل أنه تعالى يلقى عليه علما ضروريا بذلك أو ينصب له معجزات وعلامات بها يتيقن ذلك.

الحديث الخامس : حسن موثق.

__________________

(١) سورة الزمر : ٩.

(٢) سورة التوبة : ١١٩.

١٦٤

عن الحسين بن المختار ، عن الحارث بن المغيرة ، عن حمران بن أعين قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن عليا عليه‌السلام كان محدثا فخرجت إلى أصحابي فقلت جئتكم بعجيبة فقالوا وما هي فقلت سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كان علي عليه‌السلام محدثا فقالوا ما صنعت شيئا إلا سألته من كان يحدثه فرجعت إليه فقلت إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا ما صنعت شيئا إلا سألته من كان يحدثه فقال لي يحدثه ملك قلت تقول إنه نبي قال فحرك يده هكذا أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال وفيكم مثله.

باب

فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن جابر الجعفي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عز وجل : « وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (١) فالسابقون هم رسل الله عليهم‌السلام

______________________________________________________

باب في (٢) ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : صحيح.

« وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً » أي أصنافا ثلاثة « فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » الاستفهام للتعجب من علو حالهم ، والجملة الاستفهامية خبر بإقامة الظاهر مقام الضمير ، وسموا أصحاب الميمنة لأنهم عند أخذ الميثاق كانوا على اليمين ، أو يكونون عند الحشر عن يمين العرش أو يؤتون صحائفهم بإيمانهم في القيامة ، أو لأنهم أهل اليمن والبركة وأصحاب المشيمة على خلاف ذلك « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ » أي الذين سبقوا الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق ، أو سبقوا إلى حيازة الفضائل والكمالات ، أو الأنبياء

__________________

(١) سورة الواقعة : ٦ ـ ١١.

(٢) كذا في النسخ.

١٦٥

وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء وأيدهم

______________________________________________________

والأوصياء فإنهم مقدموا أهل الإيمان هم الذين عرفت حالهم ومالهم ، كقول أبي النجم : وشعري شعري (١) ، أو الذين سبقوا إلى الجنة أولئك المقربون ، أي الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم.

« وخاصة الله » أي الأوصياء الذين اختصهم الله لخلافته.

« جعل فيهم خمسة أرواح » الروح يطلق على النفس الناطقة ، وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن ، وعلى خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم من الملائكة كما قال تعالى : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » (٢) والأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن وبعضها خارجة عنه ، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها في الطاعة ، وكما يطلق عليها العقل الهيولاني والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة.

ويحتمل أن يكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح الحيوانية وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها ، أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس ، وروح القدس الخلق الأعظم ، فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس.

ويحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعة على حصول تلك الحالة القدسية للنفس فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة ، وعلى تلك الحالة ، وعلى جوهر القدس الذي يحصل له ارتباط بالنفس في تلك الحالة ، كما أن الحكماء يقولون : أن النفس بعد تخليها عن الملكات الرديئة وتحليها بالصفات العلية وكشف الغواشي الهيولائية ونقض العلائق الجسمانية يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط

__________________

(١) أبو النجم العجلي هو الفضل بن قدامة من رجّاز الإسلام وقوله « شعري شعري » جزء بيت وتمامه :

« أنا أبو النجم وشعري شعري

لله درّي ما يجنّ صدري »

كان من شعراء الدولة الأموية ، ومات في أواخر أيّام دولتهم وله حكاية لطيفة مع هشام بن عبد الملك.

(٢) سورة النبأ : ٣٨.

١٦٦

بروح الإيمان فبه خافوا الله عز وجل وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وكرهوا معصيته وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون.

______________________________________________________

البدن بالروح ، فتطالع الأشياء فيها ويفيض منه عليها آنا فآنا وساعة فساعة ، العلوم والحكم والمعارف ، وبه يأولون علم ما يحدث بالليل والنهار ، وهذا وإن كان مبنيا على أمور أكثرها مخالفة لأصول الدين لكن إنما ذكرنا للتشبيه والتنظير ، وعلم جميع ذلك عند العليم الخبير.

« فبه قدروا على طاعة الله » روح القوة روح بها يقدرون على الأعمال وهي مشتركة بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، لكن لما كان أصحاب اليمين يصرفونها في طاعة الله عبر عنها كذلك ، وكذا روح الشهوة هي ما يصير سببا للميل إلى المشتهيات ، فأصحاب الشمال يصرفونها في المشتهيات الجسمانية واللذات الفانية وأصحاب اليمين يستعملونها في الشهوات الروحانية والأمور الباقية.

والمدرج من قولهم : درج الرجل أي مشى.

وعدم ذكر أصحاب المشيمة لظهور أحوالهم مما مر لأنه ليس لهم روح القدس ولا روح الإيمان ففيهم الثلاثة الباقية التي في الحيوانات أيضا ، ولذا قال سبحانه « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (١) وسيأتي تفصيل ذلك في خبر طويل في باب الكبائر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقال بعض من يذهب مسالك الصوفية والإشراقيين : إنما خلقهم ثلاثة أصناف لأن أصول العوالم والنشئات ثلاثة : عالم الجبروت وهو عالم العقل المجرد عن المادة

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٤.

١٦٧

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن عمر ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن علم العالم فقال لي يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ثم قال يا جابر إن هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن المعلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره فقال يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أرواح روح الحياة فبه دب ودرج وروح القوة فبه نهض وجاهد

______________________________________________________

والصورة وأصحابه السابقون وفيهم روح القدس ، وعالم الملكوت وهو عالم المثال والخيال المجرد عن المادة دون الصورة ، وأصحابه أصحاب الميمنة وفيهم روح الإيمان ، وعالم الملك وهو عالم المدرج ، وعالم الغيب يشمل الأولين ، وكذا عالم الأرواح ، وربما يطلق الملكوت أيضا على ما يعمهما.

الحديث الثاني : ضعيف.

وروح الحياة هنا هو روح المدرج وقال الجوهري : حدث أمر أي وقع ، والحدث والحادثة والحدثان كله بمعنى ، انتهى.

والمراد هنا ما يمنعها عن أعمالها كرفع بعض الشهوات عند الشيخوخة وضعف القوي بها ، وبالأمراض ، ومفارقة روح الإيمان بارتكاب الكبائر ، وأما من اتصف بروح القدس فلا يصيبه ما يمنعه عن العلم والمعرفة.

« ولا يلهو » أي لا يسهو عن أمر « ولا يلعب » أي لا يرتكب أمرا لا منفعة فيه.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وإرخاء الستر إرساله ، ودب يدب دبيبا : مشى على هنيئة وسهولة

١٦٨

وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فبه آمن وعدل ـ وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل روح القدس فصار إلى الإمام وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو وروح القدس كان يرى به.

باب

الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا

______________________________________________________

« لا ينام » أي لا يعرض صاحبه الغفلة في النوم ، وليس نومه كنوم سائر الناس كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنام عيني ولا ينام قلبي.

وقال الجوهري : الزهو الكبر والفخر ، وحكى بعضهم الزهو الرجاء الباطل والكذب والاستخفاف « كان يرى به » على بناء المجهول أو المعلوم ، أي كان النبي أو الإمام يرى به ما غاب عنه في أقطار الأرض ، وما في أعنان السماء ، وأما انتقال هذا الروح إن حملناه على خلق آخر غير النفس فانتقاله ظاهر ، وإن حملناه على النفس الكاملة فانتقاله مجاز عن انتقال حالته وحصول شبه تلك الحالة في نفس أخرى.

باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : صحيح.

« وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » هذه الآية بعد قوله تعالى : « وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ».

وقال الطبرسي : أي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا لك ، « رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » يعني الوحي بأمرنا ومعناه القرآن لأنه يهتدى به ففيه حياة من موت

١٦٩

ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » (١) قال خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده.

______________________________________________________

الكفر ، وقيل : هو روح القدس ، وقيل : هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : ولم يصعد إلى السماء وأنه لقينا. (٢)

« ما كُنْتَ تَدْرِي » يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الوحي « مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » أي ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الإيمان ، وقيل : معناه ولا أهل الإيمان أي مسن الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن ، وهذا من باب حذف المضاف « وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً » أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا ، لأن فيه معالم الدين ، وقيل جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة « نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا » أي نرشده إلى الجنة.

وقال البيضاوي : « رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » يعني ما أوحي إليه ، سماه روحا لأن القلوب تحيي به ، وقيل : جبرئيل عليه‌السلام ، والمعنى أرسلنا إليك بالوحي ما كنت تدري ، أي قبل الوحي وهو دليل على أنه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع ، وقيل : المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع « وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً » أي الروح أو الكتاب أو الإيمان « نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا » بالتوفيق للقبول والنظر فيه « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » هو الإسلام ، انتهى.

وقيل : قوله : من أمرنا ، صفة لروحا أو حالا عنه ، يعني أنه من عالم الأمر ، وهو عالم المجرد لا من عالم الخلق وهو عالم الماديات كما قيل في قوله تعالى : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (٣) وقوله سبحانه : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (٤) ومنهم من يحمل الروح على العقل وإنزاله على ارتباطه بالنفس وإشراقه عليها ، وكل ذلك مبني على إثبات مجرد سوى الله ، وهو مما لا يجترئ عليه كما عرفت مرارا لكن يمكن

__________________

(١) سورة الشورى : ٥٢.

(٢) وفي نسخة : « وأنه لفينا » بالفاء.

(٣) سورة الأعراف : ٥٤.

(٤) سورة الإسراء : ٨٥.

١٧٠

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن أسباط بن سالم قال سأله رجل من أهل هيت وأنا حاضر عن قول الله عز وجل « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » فقال منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ

______________________________________________________

أن يكون المراد أنه من عالم الملكوت والسماويات والملائكة والروحانيات لا من عالم العناصر والأرضيات ، وقيل : كان المراد بهذا الروح غير روح القدس ، لأن روح القدس لا تفارقهم كما لا تفارقهم الأرواح الأربعة التي دونه ، وهذا الروح قد يفارقهم كما يأتي أنه ليس كلما طلب وجد إلا أن يقال : أن روح القدس فيهم كان يبلغ إلى مقام هذا الروح وتصير متحدا معه.

الحديث الثاني : مجهول.

« وهيت » بالكسر : بلد بالعراق ، وعلى بعض الوجوه المتقدمة يكون الصعود والنزول على الاستعارة والمجاز.

الحديث الثالث : صحيح.

و « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ » قال الطبرسي (ره) : اختلف في الروح المسؤول عنه :

أحدها : أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو ولم يجبهم ، وسأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن عباس وغيره ، وعلى هذا فإنما عدل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جوابهم لعلمه بأن ذلك ادعى لهم إلى الصلاح في الدين ، ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين ، فلو صدر الجواب لازدادوا عنادا ، وقيل : إن اليهود قالت لقريش : سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي وإن لم يجبكم فهو نبي ، فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم ، وأن يكلمهم في معرفة الروح على ما في عقولهم ، ليكون ذلك علما على صدقه ، ودلالة لنبوته.

١٧١

الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (١) قال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمة وهو من الملكوت.

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير

______________________________________________________

وثانيها : أنهم سألوه عن الروح أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك؟ فقال سبحانه : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » ، أي من فعله وخلقه ، وكان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه ، وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس وغيره ، أم جبرئيل على قول الحسن وقتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك ، على ما روي عن علي عليه‌السلام ، أم عيسى فإنه سمي بالروح.

وثالثها : أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك وكيف صار معجزا؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار وقد سمى الله سبحانه القرآن روحا في قوله : و « كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » (٢) فقال سبحانه : قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة على نبوتي ، وليس من فعل المخلوقين ولا مما يدخل في إمكانهم ، وعلى هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه ، وأما على القول الأول فيكون معنى قوله : من أمر ربي هو الأمر الذي يعلمه ربي ، ولم يطلع عليه أحد ، انتهى.

والخبر يدل على أنه خلق عظيم ، وظاهره أنه ليس من الملائكة ، بناء على أن جبرئيل أعظم من سائر الملائكة.

« وهو من الملكوت » أي السماويات والروحانيات لا المجردات كما قيل.

الحديث الرابع : حسن.

ويدل على اختصاص الروح بالنبي والأئمة صلوات الله عليهم ، وقد اشتملت الأخبار الكثيرة على أن روح القدس يكون في الأنبياء أيضا لا سيما أولي العزم منهم ، وقد دلت الآية على خصوص عيسى عليه‌السلام ، ويمكن الجمع بوجهين :

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٥.

(٢) سورة الشورى : ٥٢.

١٧٢

قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » قال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمة يسددهم وليس كل ما طلب وجد.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه قال الأمر أعظم من ذلك وأوجب أما سمعت قول الله عز وجل : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » ثم قال أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية أيقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فقلت لا أدري جعلت فداك ما يقولون فقال لي بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب

______________________________________________________

الأول : أن يكون روح القدس مشتركا والروح الذي من أمر الرب مختصا ، وقد دل على مغايرتهما بعض الأخبار.

والثاني أن يكون روح القدس نوعا تحته أفراد كثيرة ، فالفرد الذي في النبي والأئمة عليهم‌السلام أو الصنف الذي فيهم لم يكن مع من مضى ، وعلى القول بالصنف يرتفع التنافي بين ما دل على كون نقل الروح إلى الإمام بعد فوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين ما دل على كون الروح مع الإمام من عند ولادته فلا تغفل.

قوله عليه‌السلام : وليس كل ما طلب وجد ، أي ليس حصول تلك المرتبة الجليلة ميسرة بالطلب ، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، أو المعنى أن ذلك الروح قد يحضر وقد يغيب ، وليس في كل وقت طلب وجد ، فلذا قد يتأخر جوابهم حتى يحضر والأول أظهر.

الحديث الخامس : مجهول.

« الأمر أعظم من ذلك وأوجب » وفي البصائر « وأجل » قيل : إنما كان الأمر أوجب من ذلك لأن الأمرين المذكورين مما يشترك فيه سائر الناس ، فلا بد

١٧٣

ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في الكتاب فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن سعد الإسكاف قال أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام جبرئيل عليه‌السلام من الملائكة والروح غير جبرئيل فكرر ذلك على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام إنك ضال تروي عن أهل الضلال يقول الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ » (١) والروح غير الملائكة صلوات الله عليهم.

______________________________________________________

في الحجة من أمر يمتاز به عن سائر الناس ، لا يحتمل الخطأ والشك.

الحديث السادس : مختلف فيه ، مرسل.

« أَتى أَمْرُ اللهِ » قال المفسرون : لما أوعدهم النبي بإهلاكهم كما فعل يوم بدر أو بقيام الساعة استعجلوا ذلك استهزاء وتكذيبا وقالوا : إن صح ذلك يخلصنا أصنامنا عنه ، فرد عليهم جل شأنه بقوله : « أَتى أَمْرُ اللهِ » أي أمره بالإهلاك ، أو قيام الساعة ، وعبر عنه بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه « فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » لأنه لا حق بكم ولا مرد له « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ » نزهة عن أن يكون له شريك يدفع عنهم ما أراد بهم « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ » أي مصاحبين معه فاستدل عليه‌السلام باستدعاء المصاحبة المغايرة.

__________________

(١) سورة النحل : ٢.

١٧٤

باب

وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله

عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن بعض أصحابنا قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام متى يعرف الأخير ما عند الأول قال في آخر دقيقة تبقى من روحه.

٢ ـ محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يعقوب بن يزيد ، عن علي بن

______________________________________________________

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علوم (١) الإمام الذي قبله عليهم جميعا السلام

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : في آخر دقيقة من روحه ، الضمير في روحه راجع إلى الأول ، وذلك لأن العالم لا بد له أن يكون فيه عالم يكون الحجة على الناس ويكون عنده علم ما يحتاج إليه الناس فإذا قبض ذلك العالم فلا بد من وجود من يصلح أن ينوب منابه ويكون في درجته في ذلك ، قيل : ويحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الأخير ويكون الوجه فيه أن ما عند الأول هو نهاية الكمال الممكن في حقهم عليهم‌السلام ، فإذا بلغه الأخير كمل أمره فيقبض ، وهذا المعنى واضح ولا يأباه الحديث الثالث ، لأن السؤال في ذلك أمر آخر فجاز افتراقهما في المعنى ، انتهى.

وأقول : مع بعده لفظا ومعنى يخالف الأخبار الكثيرة الدالة على أن علم الإمام السابق منتقل جميعا إلى الإمام اللاحق في أول إمامته كما مر.

الحديث الثاني : مجهول كالحسن.

الحديث الثالث : مرسل.

__________________

(١) كذا في النسخ.

١٧٥

أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه قال في آخر دقيقة من حياة الأول.

باب

في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة

والطاعة سواء

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله تعالى « الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » (١) قال :

______________________________________________________

قوله : وينتهي الأمر إليه ، ظاهره حصول الإمامة للاحق قبل ذهاب السابق ، وهو مخالف لما ورد أنه لا يجتمع إمامان في زمان واحد إلا أن يقال : المراد الاجتماع في زمان معتد به ، أو يكون المراد بالأمر في هذا الخبر استحقاق الإمامة واستعدادها التام لأنفسها ، أو العلم بالإمامة تأكيدا.

باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء

الحديث الأول : ضعيف.

« الَّذِينَ آمَنُوا » في القرآن « والذين » مع العطف ، وقال المفسرون : هو مبتدأ خبره « أَلْحَقْنا بِهِمْ » وقوله « وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » اعتراض للتعليل ، وقرأ ابن عامر ويعقوب « ذرياتهم » بالجمع وقرأ أبو عمرو « واتبعناهم ذرياتهم » أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان ، وقيل : بإيمان حال من الضمير أو الذرية أو منهما ، والتنكير للتعظيم أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق ، المتابعة في أصل الإيمان.

وقال الطبرسي (ره) : يعني بالذرية أولادهم الصغار والكبار ، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم ، والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء ، فالولد يحكم

__________________

(١) سورة الطور : ٢١.

١٧٦

« الَّذِينَ آمَنُوا » النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وذريته الأئمة والأوصياء صلوات الله عليهم ألحقنا بهم ولم ننقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.

٢ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن داود النهدي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال لي نحن في العلم والشجاعة سواء

______________________________________________________

له بالإسلام تبعا لوالده ، واتبع بمعنى تبع ، ومن قرأ « واتبعناهم » فهو منقول بمعنى تبع ويتعدى إلى المفعولين ، والمعنى إنا نلحق الأولاد بالآباء في الجنة والدرجة من أجل الآباء لتقر أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما كانت تقر بهم في الدنيا عن ابن عباس وغيره ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنهم البالغون ألحقوا بدرجة آبائهم وإن قصرت أعمالهم تكرمة لآبائهم ، وإذا قيل : كيف يلحقون بهم الثواب ولم يستحقوه؟ فالجواب أنهم يلحقون بهم في الجميع لا في الثواب والمرتبة ، وروى زاذان عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ثم قرأ هذه الآية ، وروي عن الصادق عليه‌السلام قال : أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة « وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » أي لم ينقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم ، يقال ألته يألته ألتا وألته يؤلته إيلاتا ولاته يليته ، وولته يلته ولتا أي نقصه ، انتهى.

وأقول : على تأويله عليه‌السلام الضمير في « ألتناهم » راجع إلى الذرية ، وفي « عملهم » إلى الذين آمنوا ، والمراد بالعمل سياسة الأمة وهدايتهم وإرشادهم إلى مصالحهم ، وعبر عن تلك بما يلزمها من الحجة ووجوب الطاعة أو المراد بالعمل إقامة الحجة على وجوب الطاعة ، وهو من عمل الله أو عمل النبي الذي هو من الآباء ، فالإضافة إما إلى الفاعل أو إلى المفعول ، وقيل : فسر عليه‌السلام العمل بما كانوا يحتجون به على الناس من النص عليهم ، أو من العلم والفهم والشجاعة وغير ذلك فيهم ، وذلك لأنها ثمرة الأعمال والعبادات المختصة بهم ، وفي البصائر الأئمة الذرية الأوصياء.

الحديث الثاني : مجهول.

١٧٧

وفي العطايا على قدر ما نؤمر.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحدا فأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام فلهما فضلهما.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وفي العطايا ، أي عطاء العلم أو المال أو الأعم أي إنما نعطي على حسب ما يأمرنا الله به بحسب المصالح.

الحديث الثالث : حسن.

« نحن في الأمر » أي أمر الإمامة والخلافة ، أو وجوب طاعتنا فيما نأمر ويؤيد الأخير أن في البصائر نحن في الأمر والنهي والحلال والحرام والمراد بالحلال والحرام علمهما ، ويدل على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل من سائر الأئمة ، ويدل بعض الأخبار على فضل الحسنين عليهما‌السلام على سائر الأئمة عليهم‌السلام ، ويفهم من بعضها فضل القائم عليه‌السلام على الثمانية الباقية.

قال الكراجكي فيما عد من عقائد الإمامية : يجب أن يعتقد أن أفضل الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأنه لا يجوز أن يسمى بأمير المؤمنين أحد سواه ، وأن بقية الأئمة صلوات الله عليهم يقال لهم الأئمة والخلفاء والأوصياء والحجج وإن كانوا في الحقيقة أمراء المؤمنين ، فإنهم لم يمنعوا من هذه الاسم لأجل معناه ، لأنه حاصل على الاستحقاق ، وإنما منعوا من لفظه سمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإن أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين ولده الحسن ثم الحسين ، وأفضل الباقين بعد الحسين إمام الزمان المهدي عليه‌السلام ، ثم بقية الأئمة من بعده سواء على ما جاء به الأثر وثبت في النظر ، انتهى.

١٧٨

باب

أن الإمام عليه‌السلام يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن

قول الله تعالى « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى

أَهْلِها » فيهم عليهم‌السلام نزلت

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ عن قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » (١) قال إيانا عنى أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح « وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » الذي

______________________________________________________

باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » فيهم عليهم‌السلام نزلت

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ » قال الطبرسي (ره) فيه أقوال :

أحدها : أنها في كل من ائتمن على أمانة من الأمانات فأمانات الله أوامره ونواهيه ، وأمانات عباده ما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره عن ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وثانيها : أن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله سبحانه أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة ، ورواه أصحابنا عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، قال : أمر الله كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده ، ويعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر ، فروي عنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : آيتان إحداهما لنا والأخرى لكم ، قال الله سبحانه : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها »

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.

١٧٩

في أيديكم ثم قال للناس « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » إيانا عنى خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم

______________________________________________________

الآية وقال : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » وهذا القول داخل في القول الأول ، لأنه من جملة ما ائتمن الله سبحانه عليه الأئمة الصادقين وكذلك قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة ، ويكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسمة الغنائم والصدقات ، وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية.

وثالثها : أنه خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه يوم الفتح ، وأراد أن يدفعه إلى العباس ، والمعول على ما تقدم « وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » أمر الله الولاة والحكام أن يحكموا بالعدل والنصفة ، انتهى.

« الذي في أيديكم » هو تفسير للعدل في الآية ، أي المراد بالعدل الأحكام المشتملة عليه المحفوظة عند الأئمة عليهم‌السلام.

قال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله : الذي في أيديكم ، يعني مكتوب عندكم في كتاب علي عليه‌السلام ، وقوله : « فإن خفتم تنازعا في أمر » يعني إن خفتم من الاختلافات في الفتوى وقوله : يرخص لهم في منازعتهم (١) ، يعني يرخص لهم في الاختلاف في الفتوى ، وفيه دلالات صريحة على أنه لا يجوز الفتوى بالظن ، بل لا بد من السماع من صاحب الشريعة كما هو مذهب علمائنا إلا شرذمة قليلة من المتأخرين ، انتهى.

وأقول : في القرآن الذي عندنا « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ » وليس فيه : وإلى أولي الأمر منكم ، فقوله : « فإن خفتم تنازعا » يحتمل أن

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « يرخّص في منازعتهم » وتوافقه نسخة الشارح كما يظهر من تفسيره فيما سيأتي.

١٨٠