مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي وكل ملك يملك الأرض لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن فضيل بن سكرة قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل قال قلت لا قال كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها‌السلام ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.

باب

في شأن « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وتفسيرها

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى

______________________________________________________

وقال : النبي : من خرج من بلد [ إلى بلد ] بقصد السلطنة إذا لم يتم له ما قصد ، في القاموس : نبأ من أرض إلى أرض : إذا خرج ونفى كونه نبيا لأنه قتل في المدينة قبل خروجه إلى أرض أخرى ، ولا يخفى ما فيه.

الحديث الثامن : (١)

« قبيل » أي قبيل هذا الوقت ، وفيه (٢) قدح لنسب خلفاء مصر ، إلا أن يقال : المراد ولد الحسن الموجودون في ذلك الزمان (٣).

باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها

الحديث الأول : ضعيف. على المشهور بالحسن بن العباس ، لكن يظهر من كتب

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) على فرض صحّة الحديث ولكنّه مجهول بفضيل بن سكرة.

(٣) ولا يبعد أن يكون مراده عليه‌السلام ـ على فرض صحّة الخبر ـ أنّهم لا يملكون الأرض كما ملكه ساير الخلفاء من بني العباس ولا ينالون الخلافة العامة.

٦١

عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الحسن بن العباس بن الحريش ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام بينا أبي عليه‌السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا فأرسل إلي فكنا ثلاثة فقال مرحبا يا ابن رسول الله ثم وضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه.

يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك وإن شئت فاصدقني وإن شئت صدقتك قال كل ذلك أشاء قال فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان

______________________________________________________

الرجال أنه لم يكن لتضعيفه سبب إلا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لا يصل إليها عقول أكثر الخلق ، والكتاب كان مشهورا عند المحدثين وأحمد بن محمد روى هذا الكتاب مع أنه أخرج البرقي عن قم بسبب أنه كان يروي عن الضعفاء ، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبرا عنده لما تصدى لروايته والشواهد على صحته عندي كثيرة.

« والاعتجار » التنقب ببعض العمامة ، ويقال : قيض الله فلانا لفلان أي جاء به وأتاحه له « فقطع عليه أسبوعه » أي طوافه « فقال مرحبا » أي لقيت رحبا وسعة ، وقيل : أي رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، وقيل : أتيت سعة « بارك الله فيك » أي زاد الله في علمك وكمالك.

قوله عليه‌السلام « يا با جعفر » أي ثم التفت إلى أبي وقال يا أبا جعفر ، : قوله : « بأمر تضمر لي غيره » أي لا تخبرني بشيء يكون في علمك شيء آخر يلزمك لأجله القول بخلاف ما أخبرت كما في أكثر علوم أهل الضلال ، فإنه يلزمهم أشياء لا يقولون بها ، أو المعنى أخبرني بعلم يقيني لا يكون عندك احتمال خلافه ، فقوله : « علمان » أي احتمالان متناقضان أو أراد به لا تكتم عني شيئا من الأسرار ، فقوله عليه‌السلام : « إنما يفعل ذلك » أي في غير مقام التقية ، وقيل : إشارة إلى بطلان طريقة أهل الاجتهاد ، فإنهم يقولون ظن المجتهد يفضي به إلى علم ، وظنية الطريق لا ينافي علمية الحكم ، فيضمرون في جميع

٦٢

يخالف أحدهما صاحبه وإن الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف قال هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها.

أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه قال أما جملة العلم فعند الله جل ذكره وأما ما لا بد للعباد منه فعند الأوصياء قال ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه وقال هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء فكيف يعلمونه قال كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى لأنه كان نبيا وهم محدثون وأنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون فقال صدقت يا ابن رسول الله سآتيك بمسألة صعبة.

أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فضحك أبي عليه‌السلام وقال أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للإيمان

______________________________________________________

أحكامهم الاجتهادية أنه إذا تعلق ظنهم بخلاف ما حكموا به رجعوا عن ذلك الحكم وحكموا بخلافه ، وادعوا العلم في كلتا الصورتين.

« ففتح الرجل عجيرته » أي اعتجاره أو طرف العمامة الذي اعتجر به ، والتهلل الإضاءة والتلألؤ بالسرور « إن علم ما لا اختلاف فيه » مصدر مضاف إلى المفعول « من العلم » من إما للبيان والعلم بمعنى المعلوم ، أو للتبعيض أي من جملة العلوم.

قوله عليه‌السلام : « كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه » أي بعض علومهم كذلك ، وإلا فجل علومهم كان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يعلمون على هذا الوجه أيضا وإن كانوا سمعوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقال : وفد إليه أي قدم وورد « فضحك أبي » لعل ضحكه عليه‌السلام كان لهذا النوع من السؤال الذي ظاهره الامتحان تجاهلا مع علمه بأنه عارف بحاله ، أو لعده المسألة صعبة وليست عنده عليه‌السلام كذلك ، وحاصل الجواب أن ظهور هذا العلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دائما في محل المنع ، فإنه كان في سنين من أول بعثته مكتتما إلا عن أهله ، لخوف عدم قبول الخلق منه حتى أمر بإعلانه ، وكذلك الأئمة

٦٣

به كما قضى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » وايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كف فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ثم أخرج سيفا ثم قال ها إن هذا منها قال فقال أبي إي والذي اصطفى محمدا على البشر قال فرد الرجل اعتجاره وقال أنا إلياس ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك وسأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا.

______________________________________________________

عليهم‌السلام يكتمون عمن لا يقبل منهم حتى يؤمروا بإعلانه في زمن القائم عليه‌السلام « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » أي تكلم به جهارا « وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » ولا تلتفت إلى ما يقولون من الاستهزاء وغيره « وأيم » مخفف أيمن جميع يمين ، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله يميني ، « إنما نظر في الطاعة » أي طاعة الأمة أو طاعته « وخاف الخلاف » أي مخالفة الأمة.

قوله : تعذب أرواح الكفرة ، قيل : إشارة إلى الذين أحياهم في الرجعة « ثم أخرج » أي إلياس عليه‌السلام « سيفا ثم قال : ها » وهو حرف تنبيه ، أو بمعنى خذ « إن هذا منها » أي من تلك السيوف الشاهرة في زمانه عليه‌السلام ، لأن اليأس من أعوانه عليهما‌السلام ولعل رد الاعتجار لأنه مأمور بأن لا يراه أحد بعد المعرفة الظاهرة.

وقوله : « قوة لأصحابك » أي بعد أن تخبرهم به أنت وأولادك المعصومون عليهم‌السلام « إن خاصموا بها » أي أصحابك أهل الخلاف « فلجوا » أي ظفروا وغلبوا.

٦٤

______________________________________________________

ثم اعلم أن حاصل هذا الاستدلال هو أنه قد ثبت أن الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه كان ينزل الملائكة والروح فيها من كل أمر ببيان وتأويل سنة فسنة ، كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد الاستمراري ، فنقول : هل كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الأمة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه إما ليلة القدر أو في غيرها أم لا ، والأول باطل لقوله تعالى : « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (١) فثبت الثاني ، ثم يقول : فهل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الأمة أم لا بد من ظهوره لهم ، والأول باطل لأنه إنما يوحى إليه ليبلغ إليهم ويهديهم الله عز وجل ، فثبت الثاني ثم نقول : فهل لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في زمان بحكم ثم يحكم في ذلك الأمر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟ والأول باطل لأن الحكم إنما هو من عند الله عز وجل ، وهو متعالي عن ذلك كما قال تعالى : « وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » (٢) ثم نقول فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فعله ذلك أم خالفه ، والأول باطل لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن في حكمه اختلاف ، فثبت الثاني ، ثم نقول : فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله إما بغير واسطة أو بواسطة ، ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي يقع بسببه الاختلاف أم لا؟ والأول باطل فثبت الثاني ثم نقول : فهل يعلم تأويل المتشابه إلا الله والراسخون في العلم الذين ليس في علمهم اختلاف أم لا؟ والأول باطل لقوله تعالى : « وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » (٣) ثم نقول فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو من الراسخين هل مات صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ والأول باطل ، لأنه لو فعل ذلك

__________________

(١) سورة النجم : ٤.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧.

٦٥

قال فقال له أبي إن شئت أخبرتك بها قال قد شئت قال إن شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا إن الله عز وجل يقول لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » إلى آخرها فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم من العلم شيئا لا يعلمه في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل عليه‌السلام في غيرها فإنهم سيقولون لا فقل لهم فهل كان لما علم بد من أن يظهر فيقولون لا فقل لهم فهل كان فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله عز ذكره اختلاف فإن قالوا لا فقل لهم فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقولون نعم فإن قالوا لا فقد نقضوا أول كلامهم

______________________________________________________

فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده فثبت الثاني ، ثم نقول : فهل خليفته من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطأ والاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله بحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يأتيه الملك فيحدثه من غير وحي ورؤية أو ما يجري مجرى ذلك وهو مثله إلا في النبوة والأول باطل لعدم إغنائه حينئذ لأن من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ، ويلزم التضييع من ذلك أيضا فثبت الثاني.

فلا بد من خليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راسخ في العلم عالم بتأويل المتشابه مؤيد من عند الله لا يجوز عليه الخطأ ولا الاختلاف في العلم ، يكون حجة على العباد وهو المطلوب.

هذا إن جعلنا الكل دليلا واحدا ، ويحتمل أن يكون دلائل كما سنشير إليه ولعله أظهر.

قوله عليه‌السلام « أو يأتيه » معطوف على « لا يعلمه » فينسحب عليه النفي ، والمعنى : هل له علم من غير تينك الجهتين كما عرفت « فقد نقضوا أول كلامهم » حيث قالوا لا اختلاف فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله فهذا يقتضي أن لا يكون في علم من لا يخالفه في العلم أيضا اختلاف.

وبهذا يتم دليل على وجود الإمام ، لأن من ليس في علمه اختلاف ليس إلا المعصوم المؤيد من عند الله تعالى.

٦٦

فقل لهم « ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ».

فإن قالوا من الراسخون في العلم فقل من لا يختلف في علمه فإن قالوا فمن هو ذاك فقل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب ذلك فهل بلغ أو لا فإن قالوا قد بلغ فقل فهل مات صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف فإن قالوا لا فقل إن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤيد ولا يستخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبوة ـ وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك فإن علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن فقل « حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها » إلى قوله « إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » (١) فإن قالوا لك لا يرسل الله عز وجل إلا إلى نبي فقل هذا الأمر الحكيم

______________________________________________________

قوله : « فقل لهم ما يعلم تأويله » هذا إما دليل آخر سوى مناقضة كلامهم على أنهم خالفوا رسول الله أو على أصل المدعى ، وهو إثبات الإمام.

قوله عليه‌السلام : « فقل من لا يختلف في علمه » لعله استدل عليه على ذلك بمدلول لفظة الرسوخ ، فإنه بمعنى الثبوت ، والمتزلزل في علمه المنتقل عنه إلى غيره ليس بثابت فيه.

قوله عليه‌السلام : « فإن قالوا لك إن علم رسول الله كان من القرآن » لعل هذا إيراد على الحجة وتقريره : أن علم رسول الله لعله كان من القرآن فقط وليس مما يتجدد في ليلة القدر شيء؟ فأجاب عليه‌السلام بأن الله عز وجل يقول : « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » فهذه الآية تدل على تجدد الفرق والإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الأرض دائما ، ولا بد من وجود من يرسل إليه الأمر دائما.

ثم قوله : « فإن قالوا لك » سؤال آخر تقريره : أنه يلزم مما ذكرتم جواز إرسال الملائكة إلى غير النبي مع أنه لا يجوز ذلك ، فأجاب عنه بمدلول الآية التي

__________________

(١) سورة الدخان : ٢ ـ ٤.

٦٧

الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض فإن قالوا من سماء إلى سماء فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية فإن قالوا من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك فقل فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه فإن قالوا فإن الخليفة هو حكمهم فقل « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » إلى قوله « خالِدُونَ » (١) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مؤيد ومن أيد لم يخط وما في الأرض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول ومن خذل لم يصب كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لا بد

______________________________________________________

لا مرد لها ، وقوله : « وأهل الأرض » جملة حالية.

قوله : « فهل لهم بد » لعله مؤيد للدليل السابق بأنه كما أنه لا بد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر فكذلك لا بد من سيد يتحاكم العباد إليه ، فإن العقل يحكم بأن الفساد والنزاع بين الخلق لا يرتفع إلا به ، فهذا مؤيد لنزول الملائكة والروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد ، ويحتمل أن يكون استئناف دليل آخر على وجود الإمام. « فإن قالوا فإن الخليفة التي في كل عصر هو حكمهم » بالتحريك « فقل » إذا لم يكن الخليفة مؤبدا معصوما محفوظا من الخطإ فكيف يخرجه الله ويخرج به عباده من الظلمات إلى النور ، وقد قال سبحانه : « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » الآية ، والحاصل أن من لم يكن عالما بجميع الأحكام وكان ممن يجوز عليه الخطأ فهو أيضا محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله ، والنزاع الناشئ بينه وبين غيره.

وأقول : يمكن أن يكون الاستدلال بالآية من جهة أنه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم إلى نفسه ، فلا بد من أن يكون من يهديهم منصوبا من قبل الله تعالى مؤيدا من عنده ، والمنصوب من قبل الناس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات.

« لعمري » بالفتح قسم بالحياة « إلا وهو مؤيد » لقوله : « يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.

٦٨

من وال فإن قالوا لا نعرف هذا فقل لهم قولوا ما أحببتم أبى الله عز وجل بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك العباد ولا حجة عليهم.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثم وقف فقال هاهنا يا ابن رسول الله باب غامض أرأيت إن قالوا حجة الله القرآن قال إذن أقول لهم إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون وأقول قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة

______________________________________________________

إِلَى النُّورِ » « ولما قلنا : من أنه لو لم يكن كذلك لكان محتاجا إلى إمام آخر » كذلك لا بد من وال أي من يلي الأمر ويتلقاه من الملائكة والروح ، ويدل الناس على الأمر الحكيم.

« فإن قالوا لا نعرف هذا » أي الوالي أو الاستدلال المذكور ونفى معرفتهم إياه نظير قوله تعالى : « قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ » (١) و « قولوا ما أحببتم » نظير قوله تعالى : « اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ » (٢) وقوله : « تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ » (٣) وهذا الكلام متعارف بعد مكابرة الخصم « قال ثم وقف » أي ترك أبي الكلام « فقال » أي إلياس ، وقيل : ضمير وقف أيضا لا ليأس ، أي قام تعظيما والأول أظهر.

« باب غامض » أي شبهة مشكلة استشكلها المخالفون لقول عمر عند إرادة النبي الوصية : حسبنا كتاب الله ، وقيل : الغامض بمعنى السائر المشهور من قولهم : غمض في الأرض إذا ذهب وسار. « إن القرآن ليس بناطق » أي ليس القرآن بحيث يفهم منه الأحكام كل من نظر فيه ، فإن كثيرا من الأحكام ليست في ظاهر القرآن ، وما فيه أيضا تختلف فيه الأمة وكل منهم يستدل بالقرآن على مذهبه ، فظهر أن القرآن إنما يفهمه الإمام ، وهو دليل له على معرفة الأحكام ، والمراد أن القرآن لا يكفي بسياسة الأمة وإن سلم أنهم يفهمون معانيه ، بل لا بد من آمر وناه وزاجر يدعوهم إلى العمل بالقرآن ، ويحملهم عليه ، ويكون هو معصوما عاملا بجميع ما أمر به فيه منزجرا عن كل ما نهى عنه فيه.

فقوله : « وأقول قد عرضت » مشيرا إلى ما ذكرنا أولا دليل آخر والحكم

__________________

(١) سورة هود : ٩١.

(٢) سورة فصلت : ٤٠.

(٣) سورة المرسلات : ٤٦.

٦٩

ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف وليست في القرآن أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها.

فقال هاهنا تفلجون يا ابن رسول الله أشهد أن الله عز ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم

______________________________________________________

الذي ليس فيه اختلاف « أي الضروريات أو السنة المتواترة أو ما أجمعت عليه الأمة » وليست في القرآن أي في ظاهر القرآن وما يفهمه منه علماء الأمة إذ جميع الأحكام في القرآن ، ولكن لا يمكن استنباطه إلا للإمام « أن تظهر » أي الفتنة وهو مفعول « أبى » وقوله : « وليس في حكمه » جملة حالية والضمير في حكمه راجع إلى الله « في الأرض » أي في غير أنفسهم كالمال « أو في أنفسهم » كالدين أو القصاص ، إشارة إلى قوله تعالى : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » (١).

قال البيضاوي : في الأرض كجدب وعاهة « وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ » كمرض وآفة « إِلاَّ فِي كِتابٍ » أي إلا مكتوبة في اللوح ، مثبتة في علم الله « مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » أي نخلقها ، والضمير للمصيبة أو للأرض أو للأنفس « إِنَّ ذلِكَ » أي إن ثبته في كتاب « عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » لاستغنائه فيه عن العدة والمدة « لِكَيْلا تَأْسَوْا » أي أثبت وكتب لئلا تحزنوا « عَلى ما فاتَكُمْ » من نعم الدنيا « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » بما أعطاكم الله منها ، فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر.

ولعل حاصل كلامه عليه‌السلام أنه كثيرا ما يعرض للناس شبهة في أمر من أمور الدين مما يتعلق بأنفسهم وأموالهم ، وليس في ظاهر الكتاب والسنة ما يزيل تلك الشبهة ، وهذه مصيبة عرضت لهم ، ولا بد أن تكون تلك المصيبة في علمه سبحانه قبل وقوعها ، لأن المصيبة الواقعة في الآية نكرة في سياق النفي يفيد العموم ، والمصيبة أعم من أن تكون

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٧٠

من الدين أو غيره فوضع القرآن دليلا ـ قال فقال الرجل هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو قال أبو جعفر عليه‌السلام نعم فيه جمل الحدود وتفسيرها عند الحكم فقال أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال فقال الرجل أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على الله فيقول ليس لله جل ذكره حجة ولكن أخبرني عن تفسير « لِكَيْلا

______________________________________________________

في أمور الدين أو الدنيا ، فلا يختص بالبلايا والأمراض والآفات ، بل يعم المصائب الدينية وما أشكل عليهم من الأحكام ، وإليه أشار عليه‌السلام بقوله : « من الدين أو غيره » وإذا ثبت علمه تعالى بعروض تلك الشبهة لهم فلا بد في حكمته ولطفه أن يرفع تلك الشبهة عنهم إما بصريح الكتاب والسنة أو بإمام يزيح علتهم ويكون عالما بحكم جميع ما يعرض لهم ، والأولان مفقودان فتعين الثالث.

« فوضع القرآن دليلا » أي للإمام فإنه يمكنه أن يستنبط منه تفاصيل الأحكام ، أو لسائر الخلق إلى جمل الأحكام ولا بد في علمهم بتفاصيلها من الرجوع إلى الإمام ، ويمكن أن يكون عليه‌السلام فسر الكتاب في الآية بالقرآن ، وأفاد أنه لا يعلم ذلك من القرآن إلا الإمام ، فثبت الاحتياج إليه ، والأول أظهر.

قوله : « من حكم » بالتحريك وفي أكثر النسخ من حكمه ، فربما يقرأ بالفتح اسم موصول فحكمه مبتدأ وقاض خبره ، والجملة صلة للموصول ، والمجموع اسم ليس ، ونسبة القضاء إلى الحكم على المبالغة نحو جد جده ، أو بالكسر فيكون صلة للخروج الذي يتضمنه معنى القضاء في قاض ، أي قاض خارج من حكمه بالصواب ، والمراد بالفلج بالحجة أما إتمام الحجة فالاستثناء منقطع ، أو إلزام المخالفين وإسكاتهم فالاستثناء متصل « إلا أن يفتري خصمكم على الله » أي يكابر ويعاند بعد إتمام الحجة « ويقول ليس لله جل ذكره حجة » أي إمام ليعيد مدعاه بعد إتمام الحجة على نقيضه ، أو ينكر وجوب اللطف على الله واشتراط التكليف بالعلم.

٧١

تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » (١) مما خص به علي عليه‌السلام « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » قال في أبي فلان

______________________________________________________

قوله : مما خص علي عليه‌السلام به ، هذا من كلام أبي جعفر عليه‌السلام ، ففي الكلام حذف يعني قال : مما خص علي به ، يعني الخلافة والإمامة ، وكأنه سقط من النساخ ، ويحتمل أن يكون من كلام إلياس عليه‌السلام.

قوله : قال في أبي فلان وأصحابه ، أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل :

الأول : ما خطر ببالي القاصر وهو أن الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه يعني عمر وعثمان. والخطاب معهم ، فقوله : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » أي لا تحزنوا على ما لكم من النص والتعيين للخلافة والإمامة ، وخص علي عليه‌السلام به حيث نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة عليه وحرمكم عنها « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الخلافة الظاهرية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أي خلاكم وإرادتكم ولم يجبركم على تركها ، ومكنكم من غصبها من مستحقها « واحدة مقدمة » أي قوله : لا تأسوا ، إشارة إلى قضية متقدمة وهي النص بالخلافة في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « وواحدة مؤخرة » أي قوله : ولا تفرحوا ، إشارة إلى واقعة مؤخرة وهي غصب الخلافة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يخفى شدة انطباق هذا التأويل على الآية فإنه يصير حاصلها هكذا : ما تحدث مصيبة وقضية في الأرض وفي أنفسكم إلا وقد كتبناها والحكم المتعلق بها في كتاب من قبل أن تخلق المصيبة أو الأنفس لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الخلافة وتعلموا أن الخلافة لا يستحقها إلا من تنزل عليه الملائكة والروح بالوقائع والأحكام المكتوبة في ذلك الكتاب ، ولا تفرحوا بما يتيسر لكم من الخلافة وتعلموا أنكم لا تستحقونه وأنه غصب ، وسيصيبكم وباله ، فظهر أن ما ذكره الباقر عليه‌السلام قبل ذلك السؤال أيضا كان إشارة إلى تأويل صدر تلك الآية ، فلذا سئل إلياس عليه‌السلام عن تتمة الآية ، ويحتمل وجها آخر مع قطع النظر عما أشار إليه أو لا بأنا قدرنا المصائب الواردة على الأنفس قبل خلقها ، وقدرنا الثواب على من وقعت عليه والعقاب على من تسبب لها ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم وتعلموا أنها لم تكن مقدرة لكم فلذا لم يعطكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » للعقاب

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٧٢

______________________________________________________

المترتب عليه.

الثاني : ما أفاده والدي العلامة قدس الله روحه وهو أن السؤال عن هذه الآية لبيان أنه لا يعلم علم القرآن غير الحكم إذ كل من يسمع تلك الآية يتبادر إلى ذهنه أن الخطابين لواحد ، لاجتماعهما في محل واحد ، والحال أن الخطاب في قوله لكيلا تأسوا ، لعلي عليه‌السلام لما فاته من الخلافة ، وفي قوله : ولا تفرحوا ، لأبي بكر وأصحابه لما غصبوا الخلافة فقوله : « واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة » لبيان اتصالهما وانتظامهما في آية واحدة ، فلذا قال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ، حيث تعلمون بطون الآيات وتأويلاتها وإسرارها وموارد نزولها.

الثالث : ما ذكره الفاضل الأسترآبادي حيث قال : لا تأسوا ، خطاب مع أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا تحزنوا على مصيبتكم للذي فات عنكم ، ولا تفرحوا خطاب مع المخالفين ، أي لا تفرحوا بالخلافة التي أعطاكم الله إياها بسبب سوء اختياركم ، وإحدى الآيتين مقدمة والأخرى مؤخرة فاجتمعتا في مكان واحد في تأليف عثمان.

الرابع : ما قيل أن قوله : لكيلا تأسوا ، خطاب للشيعة حيث فاتهم خلافة علي عليه‌السلام ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، خطاب لمخالفيهم حيث أصابتهم الخلافة المغصوبة وإحدى القضيتين مقدمة على الأخرى.

الخامس : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : من في « مما » للتبعيض ، والظرف حال تفسير وما عبارة عن التفسير الذي خص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام به ، ولا تفرحوا بما آتاكم بتقدير : وعن تفسير لا تفرحوا بما آتاكم ، والمقصود السؤال عن تفسيرهما الذي خص رسول الله عليا عليه‌السلام به ، قال : في أبي فلان أي في أبي بكر ، وهذا تفسير الكلمة الثانية وهي ولا تفرحوا بما آتاكم ، قدمه للاهتمام به وهو مبني على أن المخاطبين بالثانية غير المخاطبين بالأولى ، نظير « يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ » وعلى أنه أهل دولة الباطل إن علموا أن أهل الحق لا يأسون على ما فاتهم

٧٣

وأصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » مما خص به علي عليه‌السلام « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهفقال الرجل أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره.

٢ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا ثم قال هل تدرون ما أضحكني قال فقالوا لا قال زعم ابن عباس أنه من « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » فقلت له هل رأيت الملائكة يا ابن عباس

______________________________________________________

لعلمهم بكل مصيبة قبل وقوعه وكرامتهم عند الله تكدرت عليهم دولتهم وما آتاهم ، وكثرت آلامهم في أنفسهم ، وتأنيث « واحدة » باعتبار الكلمة أو الفقرة « مقدمة » بشد المهملة المكسورة وصف الأولى بأنها لإعزاز المخالفين بها « مؤخرة » بشد المعجمة المكسورة وصف للثانية بأنها لإذلال المخاطبين فيها « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » مبتدأ خبره « مما خص به علي عليه‌السلام » والجملة استيناف بياني ، والمراد أنه مما نزل في علي عليه‌السلام وأوصيائه ، وهذا تفسير للكلمة الأولى ، وتغيير الأسلوب في « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة إلى آخره لأن كونها مما خص به أبو بكر وأصحابه معلوم مما مر ، ولا يحسن إعادته ، فمن في قوله « من الفتنة » لبيان « ما آتاكم » والمراد بالفتنة الامتحان بدولة الدنيا كما في قوله تعالى : « اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » (١) ولا يخفى بعد تلك الوجوه وظهور ما ذكرنا أو لا على المتدبر.

الحديث الثاني : سنده كما تقدم.

والاستضحاك كأنه مبالغة في الضحك وفي القاموس : اغرورقت عيناه ، أي دمعتا كأنهما غرقا في دمعهما « انتهى ».

و « دموعا » تميز وقيل : هو مصدر دمعت عينه كمنع إذا ظهر منه الدمع ، وهو مفعول له أو جمع دمع بالفتح وهو ماء العين ، فهو بتقدير « من » مثل : الحوض ملآن ماء ، أو هو مفعول فيه.

« هل رأيت الملائكة » إشارة إلى تتمة الآية ، إذ هي هكذا : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٥.

٧٤

تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » (١) وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت.

ثم قلت صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال فقال لا فقلت ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتي به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع قال أقول لهذا القاطع أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت وأبعث به إلى ذوي عدل قلت جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الأول

______________________________________________________

رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » (٢) فيظهر منه أنه عليه‌السلام فسر الآية بأن هذا الخطاب من الملائكة يكون في الدنيا بحيث يسمعون كلامهم ، وذهب جماعة إلى أن الخطاب في الدنيا وهم لا يسمعون ، أو عند الموت وهم يسمعون وما ذكره عليه‌السلام ألصق بالآية فالمراد بالاستقامة الاستقامة على الحق في جميع الأقوال والأفعال ، وهو ملزوم العصمة.

قوله عليه‌السلام : « صدقت » أي في قولك « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » لكن لا ينفعك إذ الأخوة لا يستلزم الاشتراك في جميع الكمالات ، أو قال ذلك على سبيل المماشاة والتسليم ، أو على سبيل التهكم ، وضحكه عليه‌السلام لوهن كلامه وعدم استقامته.

قوله « وابعث به إلى ذوي عدل » أقول : سيأتي هذا الجزء من الخبر في كتاب الديات ، وفيه « أو ابعث إليها ذوي عدل » ولعل البعث للأرش كما قال به ابن إدريس وبعض أصحابنا حيث رد والخبر بالضعف وقالوا بثبوت الأرش ، بأن يفرض كونه عبدا مقطوع الأصابع ، ثم عبدا مقطوع اليد وينسب التفاوت إلى دية الحر ، فحكمه أولا على القاطع بإعطاء تمام الدية على الاحتياط من طرف الجاني ، أو البعث لتقويم الأصابع ليسقط من دية اليد ، فيكون قولا آخر لم يقل به أحد ، والاختلاف إما بين

__________________

(١) سورة فصلت : ٣.

(٢) سورة فصلت : ٣٠.

٧٥

أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الأرض اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع هكذا حكم الله ليلة ينزل فيها أمره إن جحدتها بعد ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها على ابن أبي طالب قال فلذلك عمي بصري قال وما علمك بذلك فو الله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك.

قال فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله ثم لقيته فقلت يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس قال لك علي بن أبي طالب عليه‌السلام إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت من هم فقال أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون فقلت لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدى لك الملك الذي يحدثه فقال كذبت يا عبد الله رأت عيناي

______________________________________________________

تقويم قوله « صالحه » وبين قوله « وابعث » أو بينهما وبين قوله « أعطه دية كفه » أو لاختلاف المقومين فلا يبتني عليه حكم الله ، وفيه نظر ، أو المراد بالاختلاف الحكم بالظن الذي يزول بظن آخر كما عرفت سابقا.

قوله عليه‌السلام : اقطع قاطع الكف ، عمل به أكثر أصحابنا وإن ضعف الخبر عندهم ، قوله : « فلذلك عمي بصري » الظاهر أن هذا تصديق واعتراف منه بذلك كما يدل ما سيأتي لا استفهام إنكار كما يتراءى من ظاهره ، ثم بعد اعترافه قال له عليه‌السلام : وما علمك بذلك؟ وقوله : « فو الله » من كلام الباقر عليه‌السلام و « إن » نافية وقائل « فاستضحكت » أيضا الباقر عليه‌السلام ، وقوله : « ما تكلمت بصدق » إشارة إلى اعترافه ، ثم لما استبعد ابن عباس في اليوم السابق علمه عليه‌السلام بتلك الواقعة ذكر عليه‌السلام تفصيلها بقوله : « قال لك » إلخ ، ليظهر لابن عباس علمه بتفاصيل تلك الواقعة.

قوله : فتبدأ لك الملك ، لعله بإعجاز علي عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد ظهور كلام الملك له ، وقال الملك رأت عيناي ما حدثك به علي عليه‌السلام من نزول الملائكة لأني كنت من جملة الملائكة النازلين عليه ، ولم تره عينا علي عليه‌السلام لأنه محدث

٧٦

الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعى قلبه ووقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال فقال ابن عباس ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال لا فقلت هاهنا هلكت وأهلكت.

______________________________________________________

ولا يرى الملك عند إلقاء الحكم « ووقر في سمعه » كوعد أي سكن وثبت « ثم صفقك » أي الملك وهو كلام الباقر عليه‌السلام ، والصفقة : الضربة يسمع لها صوت.

قوله : ما اختلفنا ، لعل غرضه أن الله يعلم المحق منا والمبطل ، تعريضا بأنه محق ، أو غرضه الرجوع إلى القرآن في الأحكام ، وأنه لا يلزم أن يكون في الأمة من يعلم المختلف فيه ، فأجاب عليه‌السلام بأن القرآن لا يرفع الاختلاف ، وبعبارة أخرى إذا كان الحكم مردودا إلى الله وليس عند الله في الواقع إلا حكم واحد ، فكيف تحكمون تارة بأمره وتارة بضده ، وهل هذا إلا مخالفة لله في أحد الحكمين التي هي سبب الهلاك والإهلاك.

ثم اعلم أن هذه المناظرة بين أبي جعفر عليه‌السلام وابن عباس لا بد أن يكون في صغره عليه‌السلام وفي حياة أبيه عليه‌السلام إذ ولادة أبي جعفر عليه‌السلام كانت سنة سبع وخمسين ، ووفاة ابن عباس سنة ثمان وستين ، ووفاة علي بن الحسين عليهما‌السلام سنة خمس وتسعين.

ثم إنه لا خلاف بين الإمامية في أن ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى انقراض الدنيا ، وفي كل منها يكون تنزل الملائكة والروح ، وإليه ذهب أكثر العامة ، قال المازري (١) : أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث وكثرة رؤية الصالحين لها ، وقال عياض : وشذ قوم فقالوا كانت خاصة بهم فرفعت. « انتهى »

__________________

(١) المأزري منسوب إلى مأزر وهي بليدة بجزائر صقلية ، والمأرزي هو عبد الله محمّد بن على التميمي من فقهاء العامة ومحدّثيهم ، له شرح كتاب صحيح مسلم وسماه كتاب المعلم بفوائد كتاب مسلم ، وعليه بني القاضي عياض كتاب الإكمال وهو تكملة لهذا الكتاب ، توفي سنة ٥٣٦. قاله الوجدي في دائرة المعارف.

٧٧

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال الله عز وجل في ليلة القدر « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » (١) يقول ينزل فيها كل أمر حكيم والمحكم ليس بشيئين إنما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم

______________________________________________________

الحديث الثالث : السند كما مر.

وقيل : المستفاد من هذا الحديث أن معنى إنزال القرآن في ليلة القدر إنزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقة وتفريق محكمه عن متشابهه ، وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان كما قال سبحانه : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » (٢) يعني في ليلة القدر منه « هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ » تنبيه لقوله عز وجل : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » أي محكم « أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » فقوله : « فِيها يُفْرَقُ » وقوله « والفرقان » معناهما واحد.

وروي في معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه‌السلام أن القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به ، وقد قال تعالى : « إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » (٣) أي حين أنزلناه نجوما (٤) « فَإِذا قَرَأْناهُ » عليك حينئذ « فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ » أي جملته « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ » أي في ليلة القدر بإنزال الملائكة والروح فيها عليك وعلى أهل بيتك من بعدك بتفريق المحكم من المتشابه ، بتقدير الأشياء وتبيين أحكام خصوص الوقائع التي تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية ، وفي بعض الأخبار أنه لم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر وأنه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن.

وقال في الفقيه : تكامل نزول القرآن في ليلة القدر ، وهو مؤيد لما قلنا ، وفسر عليه‌السلام الحكيم بمعنى المحكم في ضمن قوله : « والمحكم ليس بشيئين » وفسر المحكم

__________________

(١) سورة الدخان : ٤.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة القيامة : ١٧.

(٤) أي في أوقات معينة.

٧٨

الله عز وجل ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب المخزون ـ مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ

______________________________________________________

بما لا يحتمل غير معناه كما هو المشهور في تفسيره ، لأنه هو الذي ليس بشيئين إنما هو شيء واحد لا اختلاف فيه ، وأما الذي يحتمان غير معناه فهو شيئان ولا بد فيه من الاختلاف.

وأقول : الحكيم فعيل بمعنى المفعول ، أي المعلوم اليقيني ، من حكمه كنصره إذا أتقنه ومنعه عن الفساد كأحكمه ، والمراد بشيئين أمران متنافيان كما يكون في المظنونات ، فيدل ما في سورة الدخان وما في سورة القدر على أن الحكم النازل من عنده سبحانه في ليلة القدر هو الحكم اليقيني الحتمي الواقعي ، ولا بد من عالم بذلك الحكم وإلا فلا فائدة في إنزاله ، وليس العالم بذلك إلا الإمام المعصوم المؤيد من عند الله سبحانه ، فيدل على أنه لا بد في كل عصر إلى انقراض التكليف من إمام مفترض الطاعة عالم بجميع أمور الدين ، دقيقها وجليلها و « الطاغوت » الشيطان والأوثان وكل ما عبد من دون الله أو صد عن عبادة الله أو أطيع بغير أمر الله ، فعلوت من الطغيان ، قلبت عينه ولامه والمراد بالعلم الخاص ، العلم اللدني المتعلق بمعرفة الله سبحانه وصفاته وغير ذلك مما لم يتعلق بأفعال العباد كما مر ، وبالمكنون العجيب المخزون إما خصوصيات الحوادث والأمور البدائية وأسرار القضاء أو الأعم منها ومما لا يصل إليه عقول أكثر الخلق من غوامض الأسرار والحقائق ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (١) ».

« وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ » قال البيضاوي : أي ولو ثبت كون الأشجار أقلاما ، وتوحيد شجرة ، لأن المراد تفصيل الآحاد « وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ

__________________

(١) رواه الشريف الرضي قدس‌سره الشريف في نهج البلاغة في الخطب ( الخطبة الخامسة ).

٧٩

مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ». (١)

٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » صدق الله عز وجل أنزل الله القرآن في ليلة القدر « وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ » قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أدري قال الله عز وجل : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » ليس فيها ليلة القدر قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهل

______________________________________________________

أَبْحُرٍ » أي والبحر المحيط سبعة مداد ممدود بسبعة أبحر ، فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مداد الدواة وأمدها ، ورفعه للعطف على محل « أن » ومعمولها ، « ويمده » حال ، أو الابتداء على أنه مستأنف والواو للحال « ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ » بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ، وإيثار (٢) جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير « إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ » لا يعجزه شيء « حَكِيمٌ » لا يخرج عن علمه وحكمته أمر.

الحديث الرابع (٣)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي بالمقال أو بلسان الحال « خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر » إنما قيد بذلك لئلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه وغيره ، والمراد بعدم كونها فيها عدمها مطلقا ، أو المراد قطع النظر عنها وعن فضلها ، فقد روي في خبر الصحيفة السجادية على من ألهمها السلام ، عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم‌السلام ، أن رسول الله أخذته نعسة (٤) وهو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة (٥) يردون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول الله جالسا والحزن يعرف في وجهه ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية « وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً » (٦) يعني بني أمية ، قال : يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني؟ قال : لا ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمس

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٧.

(٢) كذا في جميع النسخ والظاهر أنّ اللفظة مصحف « التيان بجمع .... ».

(٣) كذا في النسخ.

(٤) النسعة : فترة في الحواس تقرب النوم.

(٥) نزا على الشيء : وثب.

(٦) سورة الإسراء : ٦٠.

٨٠