مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

كذا نزلت وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ».

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر قال سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال هم الأئمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤدي الإمام الأمانة إلى

______________________________________________________

يكون تفسيرا لقوله « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ » ، بأن يكون المعنى إن أشرفتم على التنازع باختلاف ظنونكم وآرائكم كما في قوله سبحانه : « إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ » (١) أي أردتم طلاقهن وكقوله تعالى : « إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » (٢) وهذا شائع.

وأما قوله : « وإلى أولي الأمر منكم » فالظاهر أنه كان في قرآنهم عليهم‌السلام هكذا فأسقطه عثمان لقوله عليه‌السلام : « كذا نزلت » ويحتمل أن يكون تفسيرا للرد إلى الله وإلى أولي الأمر ، لأمر الله والرسول بطاعتهم فالرد إليهم رد إليهما فالمراد بقوله كذا نزلت أي بحسب المعنى ، وقوله : « وكيف يأمرهم الله » رد على المخالفين حيث قالوا معنى قوله سبحانه « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ » ، فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين ، فارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة ، ووجه الرد أنه كيف يجوز الأمر بإطاعة قوم مع الرخصة في منازعتهم ، فقال عليه‌السلام : إن المخاطبين بالتنازع ليسوا إلا المأمورين بالإطاعة خاصة ، وأن أولي الأمر داخلون في المردود إليهم لفظا أو معنى.

وقوله : « ويرخص في منازعتهم » أي منازعة الناس معهم ، أو منازعة بعضهم لبعض وكلاهما ينافي وجوب الطاعة.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« هم الأئمة » أي هم المخاطبون بها « أن يؤدى » أي أمرهم بأن يؤدى « ولا يخص »

__________________

(١) سورة الطلاق : ١.

(٢) سورة المائدة : ٦.

١٨١

من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن ابن أبي يعفور ، عن المعلى بن خنيس قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال أمر الله الإمام الأول أن يدفع إلى الإمام الذي بعده كل شيء عنده.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي إليه.

٦ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن أبي عثمان ، عن المعلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمام يعرف الإمام الذي من بعده فيوصي إليه.

٧ ـ أحمد ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن فضالة بن أيوب ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما مات عالم حتى يعلمه الله عز وجل إلى من يوصي.

______________________________________________________

يحتمل النصب والرفع ، وكذا قوله عليه‌السلام : « ولا يزويها » وفي النهاية : زويت إلى الأرض أي جمعت ، وما زويت عني أي صرفته عني وقبضته ، ومنه حديث أم معبد فيا لقصي ما زوى الله عنكم أي ما نحى عنكم من الخير والفضل.

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

الحديث السابع : صحيح.

١٨٢

باب

أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد عليهم‌السلام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثني عمر بن أبان ، عن أبي بصير قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال لا والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلا إلى الله عز وجل ينزل واحدا بعد واحد.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عمرو بن الأشعث قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عيسى ، عن منهال ، عن عمرو بن الأشعث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

______________________________________________________

باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وذكرت إسماعيل » هو ابنه الأكبر الذي مات في حياته ، وتدعي مع ذلك الإسماعيلية إمامته وذكره له إما كان طلبا لجعله وصيا أو سؤالا عن أنه هل وصى أم لا ، والأول أظهر.

الحديث الثاني : مجهول بالسند الأول ، ضعيف بالسند الثاني.

والعهد الوصية والتقدم إلى المرء في الشيء ومنه العهد الذي يكتب للولاة « حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » أي إلى إمام العصر أو إلى القائم عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون حتى للتعليل ، أي لو لا ذلك لكان منوطا برأي الناس ، ولم ينته إلى صاحبه الذي يستحقه بل إلى غاصبه ، والأوسط أظهر.

١٨٣

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سليمان ، عن عيثم بن أسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله وكان لداود عليه‌السلام أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محبا فدخل داود عليه‌السلام عليها حين أتاه الوحي فقال لها إن الله عز وجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصيا من أهلي فقالت له امرأته فليكن ابني قال ذلك أريد وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود عليه‌السلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أن اتخذ » أن مفسرة وقيل : يدل على أن الأمر ليس للفور ، والظاهر أن المراد اتخاذ الوصي بعد الوصي الآخر ، وفي هذا الإعلام مصالح يظهر بعضها من الخبر « أن لا أبعث نبيا » له كتاب كداود عليه‌السلام ، أو مطلقا « من أهله » أي من ذريته وأقاربه القريبة « كانت أمه عند داود » أي كانت حية ولم تخرج من عندها.

« فلم يلبث » أي لم يمكث « أن ورد » أن زائدة « يختصمان في الغنم والكرم » إشارة إلى قوله تعالى : « وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ » (١) قال الطبرسي (ره) : النفش ـ بفتح الفاء وسكونها ـ إن تنتشر الإبل والغنم بالليل فترعى بلا راع ، أي اذكر داود وسليمان حين يحكمان في الوقت الذي نفشت فيه غنم القوم أي تفرقت ليلا « وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ » أي بحكمهم عالمين لم يغب عنا منه شيء ، واختلف في الحكم الذي حكما به ، فقيل : إنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته ، وقيل : كان كرما قد بدت عنا قيده فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٨.

١٨٤

والكرم فأوحى الله عز وجل إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود عليه‌السلام ولده فلما أن قص الخصمان قال سليمان

______________________________________________________

غير هذا يا نبي الله ، قال : وما ذاك؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ، روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وقال الجبائي : أوحى الله تعالى إلى سليمان بما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل ولم يكن ذلك عن اجتهاد ، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يحكموا بالاجتهاد وهذا هو الصحيح المعول عليه عندنا ، ويقوي ذلك قوله « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » أي علمناه الحكومة في ذلك ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا ، انتهى.

وأقول : لا ريب في أن الأنبياء عليهم‌السلام لا يجوز عليهم الاجتهاد ، واستدلال المخالفين بهذه القضية على جواز ذلك مردود من وجوه :

الأول : أنه يمكن أن يكون حكم سليمان بالوحي كما ذكره الطبرسي (ره).

فإن قيل : كيف يجوز نسخ الشريعة في غير زمان أولي العزم ، فإن كل من كان بعد موسى عليه‌السلام إلى زمان عيسى عليه‌السلام إنما كانوا يحكمون بحكم التوراة ولا يتصور الاختلاف فيه؟

قلنا : يمكن أن يكون نسخ جميع شرائع من قبله أو أكثره مخصوصا بأولى العزم ، وأما نسخ بعض الأحكام الجزئية فلا دليل على عدم جوازه لغير أولي العزم ، على أنه يمكن أن يكون موسى عليه‌السلام أخبر الأنبياء بأن الحكم برقاب الغنم يمتد إلى زمان سليمان ثم بعد ذلك يتغير الحكم وكان لا يعلم ذلك غير الأنبياء من علماء بني إسرائيل ، فأظهر داود عليه‌السلام استحقاق سليمان للخلافة بأن فوض الحكم في ذلك إليه فلا يكون ذلك نسخا ، ولو سمى ذلك نسخا كان نسخا من أولي العزم أيضا.

ويؤيد هذا الوجه ما رواه الصدوق في الفقيه عن أحمد بن عمر الحلبي قال : سألت

١٨٥

عليه‌السلام يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك قال دخلته ليلا قال قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ثم قال له داود فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل وكان ثمن الكرم قيمة

______________________________________________________

أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ » قال : كان حكم داود رقاب الغنم ، والذي فهم الله عز وجل سليمان أن الحكم لصاحب الحرث باللبن والصوف في ذلك العام كله.

وما سيأتي في هذا الكتاب في أبواب كتاب المعيشة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن داود عليه‌السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم ، وحكم سليمان عليه‌السلام الرسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير عنه عليه‌السلام أنه قال : فحكم داود بما حكمت به الأنبياء عليهم‌السلام من قبله ، وأوحى الله عز وجل إلى سليمان عليه‌السلام أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها ، وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه‌السلام وهو قول الله عز وجل : « وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً » (١) فحكم كل منهما بحكم الله عز وجل.

الثاني : أن يكون حكم داود موافقا لحكم سليمان عليهما‌السلام ، والخطأ إنما كان من قضاة بني إسرائيل ، فأظهر داود عليه‌السلام خطاءهم بذلك ، ويؤيد ذلك ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل وكان له كرم ، فنفشت فيه الغنم بالليل وقضمته ، وأفسدته ، فجاء صاحب الكرم إلى صاحب الغنم ، فقال داود عليه‌السلام : اذهب إلى سليمان ليحكم بينكما فذهبا إليه فقال سليمان عليه‌السلام : إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها ، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب الأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم ، وكان هذا حكم داود ، وإنما أراد أن يعرف

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٩.

١٨٦

الغنم فقال سليمان إن الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عز وجل إلى داود إن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره فدخل داود على امرأته فقال أردنا أمرا وأراد الله عز وجل أمرا غيره ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل فقد رضينا بأمر الله عز وجل وسلمنا وكذلك الأوصياء عليهم‌السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبه إلى غيره.

قال الكليني معنى الحديث الأول أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا لم يكن

______________________________________________________

بني إسرائيل أن سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ، ولو اختلف حكمهما لقال : « وكنا لحكمهما شاهدين ».

وروى الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن زرارة عنه عليه‌السلام أنه قال : لم يحكما إنما كانا يتناظران ففهما سليمان فيمكن حمل الأخبار السابقة علي التقية ، والمناظرة الواردة في الخبر الأخير يمكن أن يكون على سبيل المصلحة والله يعلم.

وقال الجوهري : جثة قلعه ، واجتثه اقتلعه ، وفي القاموس : الحمل ثمر الشجر ويكسر ، أو الفتح لما بطن من ثمره والكسر لما ظهر ، أو الفتح لما كان في بطن أو على رأس شجرة والكسر لما على ظهر أو رأس ، أو ثمر الشجر بالكسر ما لم يكثر ويعظم فإذا كثر فبالفتح ، انتهى.

« أن القضاء » أي الصواب في القضاء ، والفاء في قوله « فيجازون » للاستئناف والبيان ، نحو قول الشاعر : ألم تسأل الربع القواء فينطق. (١)

قوله : معنى الحديث الأول ، لعل الأول بدل من الحديث ، أي الأول منه

__________________

(١) صدر بيت لجميل بن عبد الله بن معمر ، وعجزة « وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق » والربع : كفلس المنزل. والقواء ـ بالمدّ ككتاب ـ الخالي الذي لا أنيس به. والبيداء ـ كصحراء ـ القفر الذي يبيد من يسلك فيه أي يهلك ، والسملق ـ كجعفر ـ الأرض التي لا تنبت شيئا.

١٨٧

على صاحب الغنم شيء لأن لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير وجميل ، عن عمرو بن مصعب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أترون أن الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله

عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه

١ ـ محمد بن يحيى والحسين بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن علي بن الحسين بن علي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي جميلة ، عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا لم ينزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

والحاصل معنى أول الحديث وهو سؤال سليمان عن وقت دخول الغنم والكرم وفائدته ، ويقال : أسرحت الماشية أي أنفشتها وأهملتها ، وسيأتي أن هذا التفصيل الذي ذكره الكليني هو قول أكثر الأصحاب ، وذهب ابن إدريس والمحقق ومن تأخر عنه إلى اعتبار التفريط مطلقا.

الحديث الرابع : مجهول.

« حتى انتهى » أي ذكره آباءه ووصية كل منهم إلى صاحبه حتى انتهى إلى نفسه ، وقيل : يعني كرر لفظة « فرجل » أربع مرات بأن يكون الرجل ستة سادسهم نفسه.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله تعالى وأمر منه لا يتجاوزونه

الحديث الأول : ضعيف.

« كتابا » حال عن فاعل نزلت أو تميز ، والمراد بالوصية هنا الطومار الذي

١٨٨

كتاب مختوم إلا الوصية فقال جبرئيل عليه‌السلام يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي أهل بيتي يا جبرئيل قال نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه‌السلام وميراثه لعلي عليه‌السلام وذريتك من صلبه قال وكان عليها خواتيم قال ففتح علي عليه‌السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن عليه‌السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين عليه‌السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال ففعل عليه‌السلام فلما مضى دفعها إلى علي

______________________________________________________

كتب فيه وصية الله للأئمة.

« هذه وصيتك » إنما نسب إليه لأن وصية الله ووصية رسوله واحدة « في أمتك » في ـ للظرفية أو للتعليل ، و « أي » منصوب بتقدير أعني ، أو مجرور مضاف بتقدير عند ، أو مرفوع منون ، أو مبني على الضم لقطعه عن الإضافة ، وهو مبتدأ خبره أهل بيتي كما قيل ، وكذا « نجيب الله » يحتمل الرفع والنصب والجر وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام « ليرثك » بالنصب أو بصيغة أمر الغائب « كما ورثه » أي علم النبوة « إبراهيم » بالرفع أو إبراهيم بالنصب ، فالضمير المرفوع في « ورثة » عائد إلى علي عليه‌السلام وعلى الأول ضمير ميراثه للعلم ، وعلى الثاني لإبراهيم عليه‌السلام.

« ومضى لما فيها » اللام للظرفية كقولهم : مضى لسبيله ، أو للتعليل أو للتعدية أي أمضى ما فيها ، أو يضمن فيه معنى الامتثال والأداء ، والضمير للوصية.

« أن قاتل » أن مفسرة عند أبي حيان ، ومصدرية عند غيره ذكره ابن هشام ، والباء في « بأقوام » للمصاحبة أو التعدية ، واللام في قوله « للشهادة » للعاقبة ، وجملة « لا شهادة » استئنافية أو قوله : للشهادة ولا شهادة كلاهما نعت لأقوام ، أي بأقوام خلقوا للشهادة.

« فلما مضي » أي أشرف على المضي من الدنيا « قبل ذلك » أي قبل المضي.

١٨٩

بن الحسين عليه‌السلام قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليه‌السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله عز وجل وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه قال قلت له جعلت فداك فأنت هو قال فقال ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي قال فقلت أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن

______________________________________________________

« وأطرق » قال الجوهري : أطرق الرجل : سكت فلم يتكلم ، وأطرق أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض ، انتهى. فعلى الأول تأكيد وعلى الثاني كناية عن عدم الالتفات إلى ما عليه الخلق من آرائهم الباطلة وأفعالهم الشنيعة.

« لما حجب » بفتح اللام وتشديد الميم أو بكسر اللام وتخفيف الميم ، فكلمة « ما » مصدرية « واصطنع الأمة » أي أحسن إليهم وربهم بالعلم والعمل ، قال الفيروزآبادي : هو صنيعي أي اصطنعته وربيته ، وصنعت الجارية كعني : أحسن إليها حتى سمنت كصنعت بالضم تصنيعا ، وصنع الجارية بالتشديد أي أحسن إليها وسمنها ، وقال الجزري : فيه اصطنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتما من ذهب أي أمر أن يصنع له ، والطاء بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد ، ومنه حديث آدم عليه‌السلام قال لموسى عليه‌السلام : أنت كليم الله الذي اصطنعك لنفسه ، هذا تمثيل لما أعطاه الله من منزلة التقريب والتكريم ، والاصطناع افتعال من الصنيعة وهي العطية والكرامة والإحسان ، انتهى.

« وقم بحق الله » من نشر العلم وهداية الأمة « وقل الحق في الخوف والأمن » الظرف متعلق بقل ، والمعنى أنه لا حاجة لك إلى التقية ، فإن الله يعصمك من الناس ، وقيل : متعلق بالحق أي بين لهم وجوب التقية في الخوف وأنها الحق حينئذ ، ووجوب ترك التقية في الأمن وهو بعيد.

« فقال ما بي » ما نافية ، والباء للإلصاق ، نحو بزيد داء ، أي ما بي بأس وضرر و « إلا » للاستثناء المفرغ ، و « على » للإضرار ، أي أن تروي عند المخالفين ويضرني ،

١٩٠

يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات قال قد فعل الله ذلك يا معاذ قال فقلت فمن هو جعلت فداك قال هذا الراقد وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد.

٢ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الكناني ، عن جعفر بن نجيح الكندي ، عن محمد بن أحمد بن عبيد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كتابا قبل وفاته فقال يا محمد هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك قال وما النجبة يا جبرئيل فقال علي بن أبي طالب وولده عليه‌السلام وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ففك أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتما وعمل بما فيه ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه‌السلام ففك خاتما وعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسين عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشر نفسك لله عز وجل ففعل ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه أن أطرق واصمت والزم منزلك

______________________________________________________

وضمير « مثلها » لهذه المنزلة والعبد الصالح موسى عليه‌السلام.

الحديث الثاني : مجهول ، وأحمد في أول السند هو العاصمي ، وتحير فيه كثير من الأصحاب فلم يعرفوه.

والنجبة بضم النون وفتح الجيم مبالغة في النجيب ، أو بفتح النون جمع ناجب بمعنى نجيب ، قال الفيروزآبادي : النجيب وكهمزة الكريم الحسيب ، انتهى.

والظاهر أن الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه انتهى النشر إلى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي ، إلا أن يفض الخاتم.

« وأشر نفسك » أي بعها من الشراء بمعنى البيع ، إشارة إلى قوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ » (١).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠٧.

١٩١

« وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » ففعل ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله عز وجل فإنه لا سبيل لأحد عليك ففعل ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن إلا الله عز وجل وأنت في حرز وأمان ففعل ثم دفعه إلى ابنه موسى عليه‌السلام وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثم كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين عليه‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منا.

______________________________________________________

« حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » أي الموت المتيقن لحاقه كل حي « ثم دفعه ابنه » كأنه قال عليه‌السلام : ثم ادفعه إلى ابني فغيره الراوي ، وكذا قوله : ثم دفعه إلى ابنه جعفر ، كان ثم دفعه إلى فغيره الراوي ، ويحتمل أن يكون التفاتا.

وقيل في الأول : ظاهره أن هذا الكلام صدر عنه في آخر عمره بعد دفع الوصية إلى ابنه ولا يخفى بعده.

« إلى قيام المهدي » أي بالإمامة لا ظهوره وخروجه بالسيف.

الحديث الثالث صحيح ، وهو جزء من حديث مر في باب ـ أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون ـ وفيه : وحتمه على سبيل الاختيار ، وفيه : فبتقدم علم إليهم ، وقد مضى شرحه هناك.

١٩٢

٤ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحارث بن جعفر ، عن علي بن إسماعيل بن يقطين ، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال حدثني موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال قلت لأبي عبد الله أليس كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كاتب الوصية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم‌السلام شهود قال فأطرق طويلا ثم قال يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا نزل به جبرئيل مع أمناء

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، لكنه معتبر أخذه من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد وهو من الأصول المعتبرة ذكره النجاشي والشيخ في فهرستيهما ، وأورد أكثر الكتاب السيد بن طاوس قدس‌سره في كتاب الطرف ، وما ذكره الكليني (ره) مختصر من حديث طويل قد أوردناه في الكتاب الكبير ، وفيه فوائد جليلة وأمور غريبة.

« أليس » اسمه ضمير الشأن « ورسول الله » الواو للحال ، والإملاء أن يقول أحد ويكتب آخر والإطراق النظر إلى الأرض مع السكوت و « طويلا » مفعول فيه أي زمانا طويلا أو نائب المفعول المطلق أي إطراقا طويلا ، ولعل الإطراق لإفادة أن ما يذكر في الجواب صعب مستصعب لا يذعن به إلا الخواص من الشيعة فيجب صونه عن غيرهم ما أمكن ، وقيل : راجع في ذلك روح القدس « قد كان ما قلت » يدل على أنه كان الإملاء ونزول الكتاب معا والمراد بالأمر الموت أو المرض المنتهى إليه ، أو أمر الله بالوصية وفيه بعد ، والمراد بالمسجل المكتوب تأكيدا أو المحكم (١) أو المختوم أو المرسل [ أ ] والمبذول للأئمة عليهم‌السلام أو الكبير ، أو بسكن الجيم أي كثير الخير ، قال في النهاية : في حديث ابن مسعود افتتح سورة النساء فسجلها أي قرئها قراءة متصلة ، من السجل الصب ، يقال : سجلت سجلا إذا صببته صبا متصلا ، وفي حديث ابن الحنفية قرأ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ » فقال : هي مسجلة للبر والفاجر ، أي هي مرسلة مطلقة في الإحسان إلى كل واحد برا كان أو فاجرا ، والمسجل : الماء المبذول ومنه

__________________

(١) وفي بعض النسخ « المحكوم ».

١٩٣

الله تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرئيل يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنا لها يعني عليا عليه‌السلام فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراج من كان في البيت ما خلا عليا عليه‌السلام وفاطمة فيما بين الستر والباب فقال جبرئيل يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدا قال فارتعدت مفاصل

______________________________________________________

الحديث : ولا تسجلوا أنعامكم أي لا تطلقوها في زروع الناس ، وقال : السجل الكتاب الكبير ، وفي القاموس : السجل الكتاب الكبير ، وفي القاموس : أسجل : كثر خيره وأسجل الأمر للناس : أطلقه ، والمسجل : المبذول المباح لكل أحد ، وسجل تسجيلا : كتب ، السجل : الكتاب ، العهد ونحوه ، انتهى.

« ضامنا لها » حال عن ضمير إليه ، أي ملتزما للعمل بمقتضاها كما هو حقه « وفاطمة » الواو للحال وهو مبني على أن ما بينهما خارج عن البيت.

« هذا كتاب ما كنت عهدت إليك » أي في ليلة المعراج كما ورد في الأخبار الكثيرة ، وقيل : إشارة إلى إملاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره تعالى.

أقول : ويظهر مما رواه في الطرف أن نزول الملائكة للوصية في مرضه عليه‌السلام كان مرتين ، حيث روي من كتاب الوصية لابن المستفاد عن الكاظم عليه‌السلام عن أبيه عن جده قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : كنت مسندا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه ، وقد فرغ من وصيته ، وعنده فاطمة ابنته وقد أمر أزواجه أن يخرجن من عنده ففعلن ، فقال : يا أبا الحسن تحول من موضعك وكن أمامي ، قال : ففعلت وأسنده جبرئيل عليه‌السلام إلى صدره ، وجلس ميكائيل عليه‌السلام على يمينه ، فقال : يا علي ضم كفيك بعضها إلى بعض ففعلت ، فقال لي : قد عهدت إليك أحدث العهد لك بحضرة أميني رب العالمين : جبرئيل وميكائيل ، يا علي بحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي على ما فيها وعلى قبولك إياها بالصبر والورع ومنهاجي وطريقي لا طريق فلان وفلان ، وخذ ما آتاك الله

١٩٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق

______________________________________________________

بقوة ، وأدخل يده فيما بين كفى ـ وكفاي مضمومتان ـ فكأنه أفرغ فيهما شيئا ، فقال : يا علي [ قد ] أفرغت بين يديك الحكمة وقضاء ما يرد عليك ، وما هو وارد لا يعزب عنك من أمرك شيء ، وإذا حضرتك الوفاة فأوص وصيتك من بعدك على ما أوصيك ، واصنع هكذا بلا كتاب ولا صحيفة.

وروي فيه أيضا بهذا الإسناد قال : قال علي عليه‌السلام : كان في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أولها : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصى به وأسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وكان في آخر الوصية : شهد جبرئيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقبض وصيه وضمن على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران عليه‌السلام وضمن وصي عيسى بن مريم عليهما‌السلام وعلى ما ضمن الأوصياء من قبلهم إلى آخر ما قال.

وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته وأخرج من كان عنده في البيت غيري ، والبيت فيه جبرئيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئا ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب الوصية من يد جبرئيل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختومة ، فدفعها إلى فأمرني أن أفضها (١) ففعلت ، وأمرني أن أقرأها فقرأتها ، فقال : إن جبرئيل عندي نزل بها الساعة من عند ربي ، فقرأتها فإذا فيها كل ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي به شيئا فشيئا ما تغادر حرفا.

وارتعاد مفاصله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمهابة تغليظ العهد إليه ، وإشهاد الملائكة والتسجيل عليه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ربي هو السلام » أي السالم مما يلحق الخلق من العيب والعناء والبلاء ، وقيل : المسلم أوليائه والمسلم عليهم « ومنه السلام » أي كل سلامة من عيب وآفة فمنه سبحانه « وإليه يعود السلام » أي التحيات والأثنية وقيل : أي منه بدء السلام وإليه يعود في حالتي الإيجاد والإعدام ، وقيل : أي التقدس والتنزه

__________________

(١) فض الكتاب : كسره وفتحه.

١٩٥

عز وجل وبر هات الكتاب فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له اقرأه فقرأه حرفا حرفا فقال يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى إلي وشرطه علي وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت فقال علي عليه‌السلام وأنا أشهد لك بأبي وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي فقال جبرئيل عليه‌السلام وأنا لكما على ذلك من الشاهدين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها؟ فقال

______________________________________________________

أو سلامتنا عن الآفات منه بدأت وإليه عادت « وبر » أي أحسن أو وفي بالعهد والوعد « هات » اسم فعل أي أعطني ، وفي القاموس العهد الوصية والتقدم إلى المرء في الشيء والموثق واليمين.

« وأمانته » إشارة إلى ما مر في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » (١).

« بأبي وأمي أنت » معترضة والأصل فديت بأبي وأمي بصيغة مخاطب مجهول ، فحذف الفعل وأخر الضمير المتصل فجعل منفصلا ، والبلاغ اسم مصدر من باب التفعيل والأفعال ، أي الإيصال.

« والتصديق » منصوب على أنه مفعول معه ، أو مجرور بالعطف على البلاغ « بموافاتي بها يوم القيامة » أي بالتزام موافاتي ، والموافاة الإتيان مع جماعة والمصدر مضاف إلى المفعول ، أي موافاتك إياي والباء للمصاحبة أو التعدية ، والضمير للوصية ، والمراد بالموافاة بها الإتيان بها كما هو معمولا بها كما هو حقها « فيما أمر الله » في للتعليل و « ما » مصدرية أو في للظرفية وما موصولة كما في السابق ، وعلى التقديرين حال عن أمر جبرئيل والبراءة منهم بالجر تأكيدا أو بالرفع على الابتداء والواو حالية ، وقوله : على الصبر خبر ، وعلى الأول حال عن فاعل « تفي » وحرمة الرجل ما يجب عليه وعلى غيره رعايته وحفظه ، وانتهاكها عدم رعايتها وتناولها بما لا يحل.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.

١٩٦

علي عليه‌السلام نعم بأبي أنت وأمي علي ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة فقال : علي عليه‌السلام نعم أشهد فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال نعم ليشهدوا وأنا بأبي أنت وأمي أشهدهم فأشهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل عليه‌السلام فيما أمر الله عز وجل أن قال له يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك وعلى كظم الغيظ وعلى ذهاب حقي وغصب خمسك وانتهاك حرمتك فقال نعم يا رسول الله فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول للنبي يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي وقلت نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك ثم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما

______________________________________________________

« والذي فلق الحبة » أي شقها للإنبات ، والنسمة بالتحريك النفس من نسيم الريح ، ثم سميت بها النفس أي ذات الروح وبرأها خلقها وإيجادها من كتم العدم « وعلى أن تخضب » عطف على قوله « وعلى كظم الغيظ » وقال الجوهري : العبيط من الدم : الطري الخالص ، وقيل : المراد هنا ما ليس فاسدا بمرض ، والصعق محركة شدة الصوت والفزع ، ويقال : صعق كسمع أي غشي عليه ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : مزقه يمزقه مزقا خرقه ، كمزقه فتمزق ، وعرضه أخيه : طعن فيه. وقال : أحتسب بكذا عند الله : أي أعتده ينوي به وجه الله ، انتهى.

« عليك » الخطاب لله أو للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « لم تمسه النار » أي لم يكن معمولا

١٩٧

أعلم أمير المؤمنين فقالوا مثل قوله فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت لأبي الحسن عليه‌السلام بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية فقال سنن الله وسنن رسوله ـ فقلت أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال نعم والله شيئا شيئا وحرفا حرفا أما سمعت قول الله عز وجل : « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » (١) والله لقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين وفاطمة عليها‌السلام أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه فقالا بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا.

وفي نسخة الصفواني زيادة

______________________________________________________

لبشر بل صنع بمحض قدرة الله ، أو لم يكن من قبيل ذهب الدنيا ليحتاج إلى النار « ألا تذكر » بهمزة الاستفهام ، ولا النافية للعرض ، « ما كان » ما ، استفهامية أو موصولة « سنن الله وسنن رسوله » أي أحكامهما في الحلال والحرام مطلقا أو في خصوص أمر الخلافة وهو أظهر في المقام ، والتوثب الاستيلاء ظلما « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى » نحن تأكيد لضمير إنا ، من قبيل وضع الضمير المرفوع موضع المنصوب ، وقيل : هو خبر إن على سبيل التمدح وما بعده استيناف بياني ، والإحياء بالبعث وقيل بالهداية « وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » أي ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة « وَآثارَهُمْ » الحسنة كعلم علموه وخير ارتكبوه ، والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم « فِي إِمامٍ مُبِينٍ » يعني اللوح المحفوظ.

وذكر الآية لرفع الاستبعاد عن كتابته في الصحيفة لكون جميع الأشياء مكتوبا في اللوح ويحتمل أن يكون عليه‌السلام فسر الإمام هنا بهذه الصحيفة أو ما يشملهما ، وفي بعض الأخبار أن الإمام المبين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقيل : هو صحيفة الأعمال.

قوله « وفي نسخة الصفواني زيادة » هذا كلام بعض رواة الكليني ، فإن نسخ الكافي كانت بروايات مختلفة كالصفواني هذا ، وهو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن

__________________

(١) سورة يس : ١٢.

١٩٨

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن أبي عبد الله البزاز ، عن حريز قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم فقال إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله وأن الحسين عليه‌السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض فخرج للقتال وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقطعت مدته

______________________________________________________

صفوان بن مهران الجمال وكان ثقة فقيها فاضلا ، ومحمد بن إبراهيم النعماني وهارون بن موسى التلعكبري ، وكان بين تلك النسخ اختلاف فتصدى بعض من تأخر عنهم كالصدوق محمد بن بابويه أو الشيخ المفيد رحمة الله عليهما وأضرابهما ، فجمعوا بين النسخ وأشاروا إلى اختلاف الواقع بينها ، ولما كان في نسخة الصفواني هذا الخبر الآتي ولم تكن في سائر الروايات أشار إلى ذلك بهذا الكلام ، وسيأتي مثله في مواضع.

الحديث الخامس : ضعيف « أن لكل واحد منا صحيفة » حاصل الجواب أن الله تعالى جعل لكل واحد منهم شؤونا وأعمالا قدر الله لهم أن يأتوا بها ، فإذا انقضى تلك الأمور كان ذهابهم إلى عالم القدس أصلح لهم ، والنعي خبر الموت « ينعى » في النسخ بصيغة المضارع المجهول وفي بعضها بنعي بصيغة المصدر وباء المصاحبة.

« لم تقض » على بناء المجهول أي كتب فيها أشياء لم تتحقق بعد ، منها أنه يخرج في آخر الزمان في الرجعة وتنصره تلك الملائكة وهو بعد متوقع لم يتحقق ، وقيل : لم يتعلق بها القضاء بأن يكون كتب فيه النصر ثم بد الله فيه ولم يحصل ، والأول أظهر وفي كامل الزيارة لم ينقص.

قوله عليه‌السلام : فنزلت وقد انقطعت مدته ، أقول : يظهر من بعض الأخبار أن

١٩٩

وقتل عليه‌السلام فقالت الملائكة يا رب أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته فأوحى الله إليهم أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا

______________________________________________________

الملائكة عرضوا عليه نصرتهم فلم يقبل ، واختار لقاء الله تعالى ، فيمكن أن يكون هذا في المرة الثانية من نزولهم.

قال السيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه في كتاب اللهوف : وروي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عليه‌السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب أنزل النصر حتى رفرف (١) على رأس الحسين عليه‌السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله تعالى ، فاختار لقاء الله.

وروي أيضا عن أبي جعفر الطبري عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين بن علي عليه‌السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فقال عليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلا ولدي على.

وروى الصدوق في مجالسه عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي صلوات الله عليه فلم يؤذن لهم في القتال ، فرجعوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه‌السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور.

وأقول : الظاهر أن عدم الإذن منه عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون من الله لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : وقد خرج ، أي في الرجعة قبل القيامة بقرينة النصرة.

واعلم أن الرجعة أي رجوع جماعة من المؤمنين إلى الدنيا قبل القيامة في زمن

__________________

(١) من رفرف الطائر : إذا بسط جناحيه.

٢٠٠