مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧

إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان علي أولى الناس

______________________________________________________

قال صاحب جامع الأصول : وزاد في رواية : كتاب الله فيه الهدى والنور ، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ، ومن أخطأه ضل ، وفي أخرى نحوه ، غير أنه قال : ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله وهو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر فيطلقها فيرجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ، قال : أخرجه مسلم.

وقد حكى هذه الرواية يحيى بن الحسن بن بطريق عن الجمع بين الصحيحين للحميدي من الحديث الخامس من إفراد مسلم من مسند ابن أبي أوفى بإسناده ، وعن الجمع بين الصحاح الستة لرز بن معاوية العبدري من صحيح أبي داود السجستاني وصحيح الترمذي عن حصين بن سبرة أنه قال لزيد بن أرقم : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، الحديث.

وروى الترمذي في صحيحة وصاحب جامع الأصول عن بريدة قال : كان أحب النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ، ومن الرجال علي قال إبراهيم : يعني من أهل بيته.

وروى البخاري في صحيحه في باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى : « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » (١) ورواه في المشكاة عن عائشة قالت : كنا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده فأقبلت فاطمة ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما رآها قال : مرحبا بابنتي (٢) ثم أجلسها ، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية ، فإذا هي تضحك ، فلما قام رسول الله سألتها عما سارك؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سره فلما توفي قلت : عزمت عليك بما لي من الحق عليك لما أخبرتني ، قالت : أما الآن فنعم ، أما حين سارني في المرة الأولى فإنه أخبرني أن جبرئيل

__________________

(١) سورة زمر : ٣٩.

(٢) وفي نسخة ـ كنسخة البحار ـ « يا بنتي ».

٢٤١

بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته للناس وأخذه بيده فلما مضى

______________________________________________________

كان يعارضني القرآن كل سنة وأنه عارضني به العام مرتين ، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنالك ، فبكيت ، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين؟ وفي رواية فسارني فأخبرني أنه يقبض في وجعه ، فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت ، قال : متفق عليه.

قال ابن حجر في صواعقه : إن أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام لتذكير ضمير عنكم.

وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير : اختلف الأقوال في أهل البيت ، والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين عليهم‌السلام منهم ، وعلى منهم ، لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبي وملازمته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال شيخ الطائفة في التبيان : روى أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وواثلة بن الأسقع أن الآية نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، قال : وروي عن أم سلمة أنها قالت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في بيتي فاستدعى عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وجللهم بعباء خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأنزل الله قوله : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » فقالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله هل أنا من أهل بيتك؟ فقال : لا ولكنك إلى خير.

فأقول : قد ظهر من تلك الأخبار المتواترة من الجانبين بطلان القول بأن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داخلة في الآية ، وكذا القول بعمومها لجميع الأقارب ، ولا عبرة بما قاله زيد بن أرقم من نفسه (١) مع معارضته بالأخبار المتواترة ويدل أيضا على بطلان

__________________

(١) فيما نقل عنه الشارح في صفحة ٢٤٠ من قوله : « أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده وهم آل علي وآل عقيل ..... ».

٢٤٢

علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي

______________________________________________________

القول بالاختصاص بالأزواج العدول عن خطابهن إلى صيغة الجمع المذكر وسيظهر بطلانه عند تقرير دلالة الآية على عصمة من تناولته ، إذ لم يقل أحد من الأمة بعصمتهن بالمعنى المتنازع فيه ، وكذا القولان الآخران وهو واضح.

إذا تمهد هذا فنقول : المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتى يكون الكلام في قوة أن يقال : إنما أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت ، أو الإرادة المحضة التي لا يتبعها الفعل حتى يكون المعنى أمركم الله باجتناب المعاصي يا أهل البيت ، فعلى الأول ثبت المدعى ، وأما الثاني فباطل من وجوه :

الأول : كلمة « إنما » تدل على التخصيص كما قرر في محله ، والإرادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار ، لاشتراك الجميع في التكليف وقد قال سبحانه : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (١) فلا وجه للتخصيص بأهل البيت عليهم‌السلام.

الثاني : أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه حيث جللهم بالكساء ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي على ما سبق في الأخبار ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس والمصدر بعده منونا بتنوين التعظيم ، وقد أنصف الرازي في تفسيره حيث قال : في قوله تعالى : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » أي يزيل عنكم الذنوب « وَيُطَهِّرَكُمْ » أي يلبسكم خلع الكرامة ، انتهى.

ولامدح ولا تشريف فيما دخل فيه الفساق والكفار.

الثالث : أن الآية على ما مر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم وأن يعطيه ما وعده فيهم ، وقد سأل الله تعالى أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم لا أن يريد ذلك منهم ، ويكلفهم بطاعته ، فلو كان المراد هذا النوع من الإرادة لكان نزول الآية في الحقيقة ردا لدعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إجابة لها وبطلانه ظاهر ، وأجاب المخالفون

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٢٤٣

ولا واحدا من ولده إذا لقال الحسن والحسين إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا

______________________________________________________

عن هذا الدليل بوجوه :

الأول : أنا لا نسلم أن الآية نزلت فيهم ، بل المراد بها أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكون الخطاب في سابقها ولا حقها متوجها إليهن ، ويرد عليه أن هذا المنع بمجرده بعد ورود تلك الروايات المتواترة من المخالف والمؤالف غير مسموع وأما السند فمردود بما ستقف عليه في كتاب القرآن مما سننقل من روايات الفريقين أن ترتيب القرآن الذي بيننا ليس من فعل المعصوم حتى لا يتطرق إليه الغلط ، مع أنه روى البخاري والترمذي وصاحب جامع الأصول عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول : فقدت آية في سورة الأحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » فألحقناها في سورتها من المصحف ، فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه ، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن ، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان.

ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول : سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينهما ، وقد وقع في سورة الأحزاب بعينها ما يشبه هذا ، فإن الله سبحانه بعد ما خاطب الزوجات بآيات مصدرة بقوله تعالى : « قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا » الآية عدل إلى مخاطبة المؤمنين بما لا تعلق فيه بالزوجات بآيات كثيرة ، ثم عاد إلى الأمر بمخاطبتهن وغيرهن بقوله سبحانه : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ ».

وقد عرفت اعتراف الخصم فيما رووا أنه كان قد سقط منها آية فألحقت ، فلا يستبعد أن يكون الساقط أكثر من آية ولم يلحق غيرها.

٢٤٤

كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلغ فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما بلغ فيك

______________________________________________________

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا بن سنان إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها.

ولو سلم عدم السقوط أيضا كما ذهب إليه جماعة قلنا : لا يرتاب من راجع التفاسير أن مثل ذلك كثير من الآيات غير عزيز إذ قد صرحوا في مواضع عديدة في سورة مكية أن آية أو آيتين أو أكثر من بينها مدنية وبالعكس ، وإذا لم يكن ترتيب الآيات على وفق نزولها لم يتم لهم الاستدلال بنظم القرآن على نزولها في شأن الزوجات ، مع أن النظر والسياق لو كانا حجتين فإنما يكونان حجتين لو بقي الكلام على أسلوبه السابق ، والتغيير فيها لفظا ومعنى ظاهر ، أما لفظا فتذكير الضمير ، وأما معنى فلان مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب (١) والتهديد ومخاطبة أهل البيت عليهم‌السلام محلاة بأنواع التلطف والمبالغة في الإكرام ، ولا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامة في السياق بينها وبين ما قبلها وما بعدها على ذوي الأفهام.

الثاني : أن الآية لا تدل على أن الرجس قد ذهب ، بل إنما دل على أن الله سبحانه أراد إذهابه عنهم ، فلعل ما أراده لم يتحقق ، وقد عرفت جوابه في تقرير الدليل ، مع أن الإرادة بالمعنى الذي يصح تخلف المراد عنه إذا أطلق عليه تعالى يكون بمعنى رضاه بما يفعله غيره ، أو تكليفه إياه به ، وهو مجاز لا يصار إليه إلا بالدليل.

الثالث : أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته وأنتم قد قلتم بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه ، ودفع بأن الإذهاب والصرف كما يستعمل في إزالة الأمر الموجود ، يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له ، كقوله تعالى : « كَذلِكَ

__________________

(١) انبه ـ بتشديد النون ـ : عنفه ولامه.

٢٤٥

وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك فلما مضى علي عليه‌السلام كان الحسن عليه‌السلام أولى

______________________________________________________

لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » (١) وتقول في الدعاء : صرف الله عنك كل سوء وأذهب عنك كل محذور ، على أنا نقول : إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفى في ثبوت مطلوبنا ، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للإجماع المركب.

الرابع : أن لفظة يريد من صيغ المضارع فلم تدل على أن مدلولها قد وقع ، وأجيب بأن استعمال المضارع فيما وقع غير عزيز في الكلام المجيد وغيره ، بل غالب ما استعملت الإرادة على صفة المضارع في أمثاله في القرآن إنما أريد به ذلك كقوله تعالى : « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ » (٢) « يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ » (٣) « يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ » (٤) « إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ » (٥) « وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ » (٦) وغير ذلك وظاهر سياق الآية النازلة على وجه التشريف والإكرام قرينة عليه ، على أن الوقوع في الجملة كان كما عرفت.

الخامس : أن قوله تعالى : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » لا يفيد العموم لكون المعرف بلام الجنس في سياق الإثبات ، وأجيب : بأن الكلام في قوة النفي ، إذ لا معنى لإذهاب الرجس إلا رفعه ، ورفع الجنس يفيد نفي جميع أفراده.

وجملة القول فيه : أن من نظر إلى سياق الأخبار المتقدمة وأنصف من نفسه علم أن الأمر الذي دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيته وخصهم به ومنع أم سلمة من الدخول فيهم مع جلالتها وكرامتها ، لا بد أن يكون أمرا جليلا لا يتيسر لسائر الخلق ، ومعلوم من سياق الآية أنه من قبيل إذهاب النقائص والرذائل إذا الرجس ظاهر أنه

__________________

(١) سورة يوسف : ٢٤.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة النساء : ٢٨.

(٤) سورة الفتح : ١٥.

(٥) سورة المائدة : ٩١.

(٦) سورة النساء : ٦٠.

٢٤٦

بها لكبره فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله عز وجل يقول ـ « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك وبلغ في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما بلغ فيك وفي أبيك وأذهب الله عني الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك فلما صارت

______________________________________________________

ليس المراد به النجاسات الظاهرة ، وكذا التطهير لا ريب أنه التطهير من الأدناس المعنوية فإذهاب الرجس يكون من الشك والشبهة في أمور الدين ، والتطهير من العيوب والمعاصي ، أو كل منهما للأعم ولو أريد بهما إذهاب بعض الذنوب كالكبائر على ما قيل فأي اختصاص له بأهل البيت ، لا سيما وهم يدعون أن الصحابة كلهم عدول ، فلما ذا منع أم سلمة من الدخول مع كونها عادلة متقية بالاتفاق فلا بد من كون المراد العصمة من جميع الذنوب والمعاصي والشكوك في أمور الدين ، فلا يخلو إما أن يحدث ذلك فيهم هذا الدعاء أو كان قبله أيضا وعلى التقديرين تثبت المطلوب ، إذ ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة في حال دون حال ، فإما أن يثبتوا فيهم العصمة في جميع الأحوال كالإمامة أو ينفوا عنهم في جميع الأحوال كأهل السنة ، وأيضا ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة ولا يقول بإمامتهم فثبت إمامتهم أيضا ، وتفصيل القول في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

قوله : والله عز وجل يقول ، الغرض من اعتراض الآية بيان أن الحسن عليه‌السلام لو جعلها في ولده لكان له وجه بمقتضى هذه الآية ، لأن الولد أولى في الرحم من الأخ ، لكن كان هناك مانع من العمل بالآية لخصوص النصوص على الحسين عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد بالآية أن الله تعالى جعل بعض أولي الأرحام أولى بالخلافة من بعض ، وخصهم بها ، فليس ذلك بالميراث حتى يكون له عليه‌السلام أن يصرفها إلى ولده.

وهذا وجه آخر لتأويل الآية غير ما مر.

أو يكون المراد أن الحسين كان أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام من ولد الحسن فكان أولى بالإمامة ، وفيه إشكال لعدم استقامته فيما بعد هذه المرتبة والأول

٢٤٧

إلى الحسين عليه‌السلام لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه‌السلام فجرى تأويل هذه الآية « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي عليه‌السلام وقال الرجس هو الشك والله لا نشك في ربنا أبدا.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثل ذلك.

______________________________________________________

أظهر الوجوه ، ويؤيده أن في تفسير العياشي هكذا : فلما حضر الحسن بن علي لم يستطع ولم يكن ليفعل أن يقول : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ، فيجعلها لولده.

قوله عليه‌السلام : لم يكن أحد من أهل بيته ، أي أخوته وبني أخيه « يستطيع أن يدعى عليه » أي الوصاية ويقول : اجعلني وصيا بعدك « ثم صارت » أي الإمامة « حين أفضت » أي وصلت « إلى الحسين » قال في المغرب : أفضى فلان إلى فلان إذا وصل إليه حقيقة ، وصار في فضائه وساحته ، انتهى.

قوله : يجري ، خبر صارت بحذف العائد أي تجري فيها تأويل هذه الآية ، وفي أكثر النسخ فجرى فالخبر مقدر ، أو صارت تامة بمعنى تغيرت.

« وقال : الرجس هو الشك » يمكن أن يكون المراد ما يشمل الشك في دينه وأحكامه تعالى وشرائعه ، أي ليس لنا شك وتحير في شيء من أمور الدين ، أو يكون الشك في الرب كناية عن المعصية ، فإن من كان في درجة اليقين بالله وباليوم الآخر لا يصدر منه معصية ، كما سيأتي تحقيقه ، قال في القاموس : الرجس بالكسر القذر ويحرك ، ويفتح الراء ويكسر الجيم ، والمأثم وكل ما استقذر من العمل ، والعمل المؤدي إلى العذاب والشك والعقاب والغضب.

٢٤٨

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم بن روح القصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيمن نزلت فقال نزلت في الإمرة إن هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه‌السلام من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المؤمنين والمهاجرين والأنصار قلت فولد جعفر لهم فيها نصيب قال لا قلت فلولد العباس فيها نصيب فقال لا فعددت عليه بطون بني عبد المطلب كل ذلك يقول لا قال ونسيت ولد الحسن عليه‌السلام فدخلت بعد ذلك عليه فقلت له هل لولد الحسن عليه‌السلام فيها نصيب فقال لا والله يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محمد الهاشمي ، عن أبيه ، عن أحمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » قال إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم‌السلام إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله عز وجل فقال « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الظهر وقد صلى

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

وقال في المصباح المنير : الإمرة والإمارة بالكسر أمر الولاية وقد مضى القول فيه في الباب السابق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وقد مر الكلام في الآية في باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، وفي أكثر روايات الخاصة والعامة أنه عليه‌السلام تصدق بخاتمه ، وفي هذه الرواية الحلة وهو بالضم : إزار ورداء ذكره في المغرب ، ويمكن الجمع بينهما بوقوع الأمرين معا ، إما في حالة واحدة

٢٤٩

ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كساه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله و « أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه الصفة مثله فيتصدقون « وَهُمْ راكِعُونَ » والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه « إِنَّما

______________________________________________________

أو حالتين ، وقال عياض : النجاشي لقب لملك الحبشة كما أن كسرى لملك الفرس ، وهرقل وقيصر لملك الروم ، وخاقان لملك الترك ، وتبع لملك اليمن ، والقيل لملك حمير ، والنجاشي الذي كان في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمه أصحمة وقيل : صحمة وقيل : أصمحة ، وهو الذي هاجر إليه جعفر وأصحابه ، ويدل على أن مثل هذا في الصلاة ليس بفعل كثير كما سيأتي تحقيقه في كتاب الصلاة.

« وصير نعمة أولاده بنعمته » أي جعل الله نعمة أولاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه موصولة بنعمته ، مقرونة بها مذكورة معها ، فلذا أتى بصيغة الجمع فالباء في بنعمته للإلصاق ، ويحتمل التعليل أيضا والظرف مفعول ثان ، والمراد بالنعمة التصدق في الركوع ، والفاء في قوله « فكل » للبيان أو للتفريع ، ويدل على أنه يمكن أن يرى غير النبي والإمام عليهما‌السلام الملائكة بحيث لا يعرفه لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الناس رأوا السائل حين سأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك الخاتم؟.

الحديث الرابع : حسن.

« بولاية علي » أي بتبليغ ولايته وإمامته وكونه أولى بهم من أنفسهم فيكون

٢٥٠

وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ » (١) وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي فأمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »

______________________________________________________

إضافة المصدر إلى الفاعل ، أو طاعته عليه‌السلام فيكون إضافته إلى المفعول كما أنه في قوله : ولاية أولي الأمر كذلك ، لكن الأول أنسب بالآية الأولى ، والثاني بالثانية « وأن يكذبوه » أي بأن يقولوا ليس هذا من عند الله وإنما يقوله لحبه له أو لم يقبلوا الولاية وإن اعترفوا أنه من عند الله ، فإنه بمنزلة التكذيب وهذا بالفقرة السابقة أنسب.

قوله عليه‌السلام : وراجع ربه ، أقول : روى السيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه في كتاب إقبال الأعمال في حديث طويل ذكر أنه أخذه من كتب الثقات من الخاصة والعامة عن حذيفة قال : إن الله أنزل على نبيه يعني بالمدينة « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ » (٢) فقالوا : يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق منا بأنفسنا؟ فقال عليه‌السلام : السمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم ، فقلنا : سمعنا وأطعنا فأنزل الله : « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا » (٣) فخرجنا إلى مكة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : أنصب عليا علما للناس فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اخضلّت لحيته (٤) وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري؟ قال : فصعد جبرئيل وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليا عليه‌السلام إلى اليمن ، فوافى مكة ونحن مع الرسول.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٥.

(٢) سورة الأحزاب : ٦.

(٣) سورة المائدة : ٧.

(٤) اخضلّ : ابتلّ.

٢٥١

______________________________________________________

ثم توجه علي عليه‌السلام يوما نحو الكعبة يصلي ، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه فأنزل الله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى قوله : « وَهُمْ راكِعُونَ » فكبر رسول الله وقرأه علينا ، ثم قال : قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها ، فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل فقال : من أين جئت؟ فقال : من عند هذا المصلي تصدق علي بهذه الحلقة وهو راكع ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضى نحو علي عليه‌السلام فقال : يا علي ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل فكبر ثالثة ، فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : إن أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة له فنسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبد له لنا ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروه بذلك فأنزل الله : « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » (١) الآية.

فقال جبرئيل : يا رسول الله أتمه فقال : حبيبي جبرئيل قد سمعت ما تؤامروا به فانصرف جبرئيل ، فقال : كان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع بمنى : يا أيها الناس إني تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك ، الأهل بلغت أيها الناس؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم أشهد.

فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله عليه : « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ » إلى آخرها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعيت إلى نفسي ، فجاء إلى مسجد الخيف فدخله ونادى : الصلاة جامعة فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال فيها : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل طرف بأيديكم فتمسكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه.

__________________

(١) سورة يونس : ١٥.

٢٥٢

______________________________________________________

فاجتمع قوم وقالوا : يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكة ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم إن أمات الله محمدا أو قتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته فأنزل الله تعالى : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » (١).

وأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا ، فنزل جبرئيل بضجنان (٢) بإعلان علي عليه‌السلام فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزل الجحفة فلما نزل القوم وأخذوا منازلهم أتاه جبرئيل فأمره أن يقوم بعلي عليه‌السلام فقال : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية فمتى أفعل هذا يقولوا فعل بابن عمه.

فلما سار من الجحفة هبط جبرئيل فقال : اقرء « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (٣) الآية ، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى (٤) وانتهى إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنادى : الصلاة جامعة ولقد كان أمر على أعظم عند الله مما يقدر ، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقموا ما تحتهما فكسحوه (٥) وأمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمرهم بثوب فطرح عليه ثم صعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ينظر يمنة ويسرة ينتظر اجتماع الناس إليه.

فلما اجتمعوا قال : الحمد لله الذي علا في توحده ودنا في تفرده ، إلى أن قال : أقر له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحى إلى حذار إن لم أفعل أن تحل بي قارعة (٦) أوحى إلى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ

__________________

(١) سورة الزخرف : ٧٩.

(٢) قال الجزري : ضجنان : موضع أو جبل بين مكّة والمدينة.

(٣) سورة المائدة : ٦٧.

(٤) شوى اللحم : عرضه للنار فنضج ، وانشوى مطاوع شوى.

(٥) قمّ البيت : كنسه. والكسح أيضا بمعناه.

(٦) القارعة : الداهية. النكبة : المهلكة.

٢٥٣

______________________________________________________

رَبِّكَ » الآية.

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله الله تعالى وأنا أبين لكم سبب هذه الآية ، إن جبرئيل هبط إلى مرارا ، أمرني عن السلام أن أقول في المشهد وأعلم الأبيض والأسود أن علي بن أبي طالب أخي وخليفتي والإمام بعدي ، أيها الناس علمي بالمنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، وكثرة أذاهم لي مرة سموني أذنا لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله : « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ » محيط (١) ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسميت واعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار ، وعلى التابعين ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى العجمي والعربي وعلى الحر والمملوك ، وعلى الكبير والصغير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كل مؤمن موحد ، فهو ماض حكمه. جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه.

معاشر الناس تدبروا في القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فو الله لا يوضح تفسيره إلا الذي أنا أخذ بيده ورافعها بيدي ، ومعلمكم أن من كنت مولاه فهو مولاه وهو علي.

معاشر الناس إن عليا والطيبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر ، والقرآن هو الثقل الأكبر لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ولا تحل إمرة المؤمنين لأحد بعدي غيره ، ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله فرفعه بيده وقال :

أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : الله ورسوله فقال : ألا من كنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، إنما أكمل الله لكم دينكم بولايته وإمامته ، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين إلا بدأ به ، ولا شهد الله بالجنة في « هل أتى » إلا له ، ولا أنزلها في غيره ، ذرية كل نبي

__________________

(١) خبر لقوله : علمي بالمنافقين .... والآية في سورة التوبة : ١٦.

٢٥٤

______________________________________________________

من صلبه ، وذريتي من صلب علي ، لا يبغض عليا إلا شقي ولا يوالي عليا إلا تقي وفي علي نزلت : « والعصر » وتفسيرها ، ورب عصر القيامة « إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » أعداء آل محمد ، « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » بولايتهم « وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » بموالاة إخوانهم (١) « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » في غيبة قائمهم.

معاشر الناس « آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل » أنزل الله النور في ثم في علي ثم في النسل منه إلى المهدي الذي يأخذ بحق الله.

معاشر الناس إني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل ، ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر ، ثم من بعده من ولده من صلبه.

معاشر الناس قد ضل من قبلكم أكثر الأولين ، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه ، ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه ، أئمة يهدون بالحق إني قد بينت لكم وفهمتكم وهذا على يفهمكم بعدي ، ألا وإني عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته ، والإقرار له ، ألا إني بايعت لله وعلى بائع لي وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ».

معاشر الناس أنتم أكثر من أن تصافحوني بكف واحدة قد أمرني الله أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتم الإمرة لعلي بن أبي طالب ومن جاء من بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه فليبلغ الحاضر الغائب ، فقولوا إنا سامعون مطيعون راضون لما بلغت عن ربك ، نبايعك على ذلك قلوبنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيا ونموت ونبعث لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ، أعطينا بذلك الله وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا ، لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدي ذلك إلى كل من رأينا.

__________________

(١) وفي البحار : « بمواساة إخوانهم ».

٢٥٥

« وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه‌السلام يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب قال عمر بن أذينة قالوا جميعا غير أبي الجارود وقال أبو جعفر عليه‌السلام وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجل « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » قال أبو

______________________________________________________

فبادر الناس بنعم نعم ، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله ، آمنا به بقلوبنا وتداكّوا (١) على رسول الله وعلي بأيديهم إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاءان في وقت واحد ، ورسول الله يقول كلما أتى فوج : الحمد لله الذي فضلنا على العالمين.

أقول : قال السيد ـ روح الله روحه ـ اعلم أن موسى نبي الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته : « إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » وإنما كان قتل نفسا واحدة وأما علي بن أبي طالب فإنه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلي كثيرة ، كل واحد منهم يحتمل مراجعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيقا على أمته كما وصفه الله جل جلاله ، فأشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية علي عليه‌السلام في أوان ، ويحتمل أن يكون الله جل جلاله أذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مراجعته لتظهر لأمته أنه ما آثر عليا وإنما الله جل جلاله آثره كما قال : « ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (٢) انتهى.

وفي القاموس : صدع بالحق تكلم به جهارا ، انتهى.

والصلاة منصوبة على الإغراء و « جامعة » حال أو هما مرفوعان بالابتدائية والخبرية ، فيكون خبرا في معنى الأمر.

« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (٣) قال الطبرسي : قيل فيه أقوال :

__________________

(١) أي ازدحموا.

(٢) سورة القصص : ٣٣.

(٣) سورة النجم : ٤.

٢٥٦

جعفر عليه‌السلام يقول الله عز وجل لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

______________________________________________________

أحدها : أن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما أنزلت ، وبياني ما بينت لكم ، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم ، وكان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع عن ابن عباس والسدي واختاره الجبائي والبلخي ، قالوا : ولم ينزل بعد هذا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الفرائض في تحليل ولا تحريم فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضى بعد ذلك بإحدى وثمانين ليلة.

وثانيها : أن معناه اليوم أكملت لكم حجكم وأفردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين عن ابن جبير وقتادة ، واختاره الطبري قال : لأن الله أنزل بعده : « يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » قال الفراء : هي آخر آية نزلت ، وهذا لو صح لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف.

وثالثها : أن معناه اليوم كفيتكم خوف الأعداء وأظهرتكم عليهم ، كما تقول :

الآن كمل لنا الملك ، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنه إنما نزل بعد نصب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا علما للأنام يوم غدير خم ، عند منصرفه عن حجة الوداع ، قالا : وهي آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم تنزل بعدها فريضة.

ثم روي عن الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزلت هذه الآية قال : الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، انتهى.

أقول : قد دل على الأول الأخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة وروى السيد في الطرائف عن ابن المغازلي وتاريخ بغداد للخطيب وروى الصدوق أيضا في مجالسه بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي بن أبي طالب

٢٥٧

______________________________________________________

عليه‌السلام وقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، فأنزل الله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ».

وروى ابن بطريق في المستدرك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم وأمر بما تحت الشجر من شوك فقم ، وذلك في يوم الخميس ، فدعا عليا فأخذ بضبعيه (١) فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض أبطئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » الآية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر الله أكبر على كمال الدين (٢) وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية لعلي من بعدي ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

ورواه في الطرائف عن ابن مردويه بإسناده عن الخدري.

وروى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وروي عن أبي هريرة أيضا مثله ، والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

ومع قطع النظر عن الرواية يمكن أن يكون المراد بإكمال الدين بالولاية أن دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يحفظ ويبقى ويوضح بالوصي ، فمع عدم تعيين الوصي يكون الدين ناقصا في معرض الزوال والضياع ، وأيضا لما كان قبول الأعمال مشروطا بالولاية فمع عدم تعيين الإمام يكون ناقصا ، وبه يكمل جميع أمور الدين وبه يتم النعمة على الخلق بتلك الوجوه ، والأخبار في كون نعمة الله الولاية كثيرة ، وبه يتم دين

__________________

(١) الضبع : العضد.

(٢) وفي بعض النسخ « إكمال الدين » كما مرّ آنفا في رواية الخدري.

٢٥٨

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كنت عنده جالسا فقال له رجل حدثني عن ولاية علي أمن الله أو من رسوله فغضب ثم قال ويحك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخوف لله من أن يقول ما لم يأمره به الله بل افترضه كما افترض الله الصلاة والزكاة والصوم والحج.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين جميعا ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول فرض الله عز وجل على العباد خمسا أخذوا أربعا وتركوا واحدا قلت أتسميهن لي جعلت فداك فقال الصلاة وكان الناس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم ثم نزلت الزكاة فقال يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم ثم نزل الصوم فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر

______________________________________________________

الإسلام إذ الاعتقاد بالإمام ركن عظيم من أركانه ، فظهر أن تتمة الآية إنما يناسب المعنى الأول.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : ضعيف بسنديه.

« أخذوا أربعا » أي المخالفون « ثم نزل الصوم » أي في غير القرآن أو بالآيات المجملة نحو : « وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ » (١) وأنه نزل أو لا « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » (٢) ثم في تتمة الآيات عين كونه في شهر رمضان ، وعلى التقادير يدل على أنه كان قبل نزول صوم شهر رمضان صوم عاشوراء ثم نسخ به.

قال الطبرسي : في قوله : « أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ » (٣) اختلف في هذه الأيام على

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٢) سورة البقرة : ١٨٣.

(٣) سورة البقرة : ١٨٤.

٢٥٩

رمضان بين شعبان وشوال ثم نزل الحج فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

ثم نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل الله عز وجل

______________________________________________________

وجهين :

أحدهما : أنها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ عن معاذ وعطاء عن ابن عباس ، وروي ثلاثة أيام من كل شهر ، وصوم عاشوراء عن قتادة ، ثم قيل : إنه كان تطوعا ، وقيل : بل كان واجبا ، واتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان.

والآخر : أن المعنى بالمعدودات شهر رمضان ، انتهى.

« بين شعبان وشوال » الظاهر أنه لم يكن اشتهار الشهر بهذا الاسم في أول الأمر كاشتهاره اليوم ، فرفع بذلك توهم كونه غيره ، أو لأنه لما كان المشهور أن رمضان من الرمض وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره ، وإنما سموه رمضان لأنهم كانوا يسمون الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق رمضان أيام رمض الحر فربما يتوهم أنه إنما يسمى بهذا الاسم إذا وقع في ذلك الفصل ، فرفع بهذا القول ذلك التوهم.

وقال المحدث الأسترآبادي : يعني الشهر الذي بين شعبان وشوال لم يكن اسمه شهر رمضان لأن رمضان اسم الله ، انتهى.

وقيل : إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها وقيل : الغرض رفع توهم كون المراد الشهر العددي أي ثلاثين يوما كما زعمه بعض.

قوله عليه‌السلام : « وإنما أتاه ذلك » أي الأمر بالولاية بقوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » وقوله : أنزل الله ، أي بعد التبليغ في غدير خم ، وقوله : فقال عند ذلك رجوع إلى أول الكلام وتفصيل لذلك الإجمال ، مع أنه يحتمل أن يكون نزل بعد تبليغ يوم عرفة وبعد تبليغ يوم الغدير أيضا ، وبالجملة في الخبر تشويش ،

٢٦٠