نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩١

ويحنّونهم زاعمات أن هذا طلسم به يجد الولد كثيرا من اللقطات فلا تسل عما يحصل في الجامع من الأقذار ونجاسة الأولاد.

ومنها تغالي أغنياء المسلمين بمهر النساء فلا يقدر أن يتزوج منهم إلا من كان غنيا مثلهم وإن لم يكن ذا نبل وفضل.

ومنها تزويج كثير من المسلمين أبناءهم وبناتهم وهم في سن المراهقة فيجيء الولد بين هذين الزوجين نحيفا لأنه يخلق قبل تمام نمائهما فتتوزع القوة بين الجنين وأمه ويقع كل منهما بالضعف وقلما يعيش الولد المولود من أم صغيرة وإن عاش فيكون ظاهر الضعف صغير الجسم قصير القامة. على أن شيوع هذه العادة عند اليهود أكثر من شيوعها عند المسلمين ولهذا تشاهد فيهم النحافة وصغر الأجسام أكثر من غيرهم.

صفات الحلبيين الحسيّة

أما صفاتهم الحسية فالغالب عليهم درّية (١) اللون ثم البياض المشرب بالحمرة وسواد العيون وشهلتها وتقل فيهم العيون الزرق. والغالب عليهم أيضا صغر الأنف والفم والاعتدال بين الطول والقصر والسمن والهزال وصغر الأطراف وسواد الشعر ويوجد فيهم الجمال المفرط. والغالب على المسلمين صلابة الجسم وفعومة (٢) الساعد والساق وعلى النصارى الترافة ورقة البضاضة وعلى اليهود النحول ورقة الأعضاء وصغر الجسم.

ونساء الملل الثلاث يضعن في وجههن البياض (المسمى بودرا) وبعض نساء المسلمين واليهود يزدن عليه شيئا من الحمرة إلا أن نساء اليهود أشد غلوا في ذلك. وكان بعضهن يزجّجن الحواجب (٣) وبعض نساء المسلمين واليهود يصبغنها بالسّخام وقد بطل ذلك. ونساء اليهود يستعملن الكحل الأسود استعمالا فاحشا يخرجه عن مشابهة الكحل المطلوبة لهن. أما المسلمات فقد هجرن هذه العادة بتاتا سوى بعض نساء الفلاحين وسكان أطراف

__________________

(١) أي البياض الناصع ، نسبة إلى الدرّ وهو اللؤلؤ ، أو إلى الدرّيّ وهو الكوكب المتلألىء الضوء.

(٢) الفعومة : الامتلاء.

(٣) زجّجت المرأة حاجبيها : دقّقتهما وطوّلتهما.

٢٢١

البلدة والمسلمات خاصة ينقشن أكفهن كثيرا وأرجلهن قليلا بالحنّاء على ضروب متنوعة من النقوش. وكلهن يضفرن غدائرهن المسلمات إلى ثلاث والنصرانيات إلى ثنتين ، واليهوديات إلى ما فوق الثلاث. وجميعهن يربطن رأس الضفيرة بريبانة حمراء أو زرقاء. وربما وجد منهن من تسدل شعرها من غير ضفر ومنهن من تضفر شعرها ببند مبروم من الحرير الأسود أو توصله بشعر آدمي أو بشعر مصنوع من الصوف المصبوغ زاعمة أن ذلك يطوّل شعرها. وكانت البنات اليهوديات يراعين هذه العادات في شعورهن حتى يتزوجن وعندها تجزّ شعرها مهما كان جميلا وتعتاض عنه بقبع (١) مصنوع من الصوف له من جهة وجهها سالفتان وغرة ومن جهة ظهرها عدة ضفائر.

وقد هجرن الآن هذه العادة وجميعهن قد يعقصن شعورهن ويجمعنها في قمة رؤوسهن على صورة التاج ولا يتخذن فوقها شيئا من كساوي الرأس إذا كن في بيوتهن. فإن كنّ في محفل فرح فمنهن من تضع على رأسها شيئا من النسيج الرقيق المعروف بالغربول تحشيه بورق وتجعله على شكل إطار تغرز فيه المجوهرات والحلي ومنهن من تغرز الحلي بالشعر المعقوص دون الإطار أما عجائز النسوة من الملل الثلاث والمتعصبة في دينها فإنها لا تترك رأسها مكشوفا ولو في بيتها بل لا بد من أن تضع عليه منديلا ولو صفيقا وقد اعتدن جميعا أن يثقبن شحمة آذانهن من الصغر ليعلّقن بها القرط.

صفات الحلبيين المعنوية

وأما صفاتهم المعنوية فهي كما قال دارفيو في تذكرته إن الأمر الخارق للعادة هو امتياز الحلبيين وسموهم على باقي شعوب الممالك العثمانية كلها فإنهم أحسنهم طباعا وأقلهم شرا وألينهم جانبا وأشدهم تمسكا بمكارم الأخلاق من جميع شعوب هذا الملك العظيم. ثم أطنب في تصوّن نسائهم وعدم دخول الذكور إلى الحريم متى بلغوا السابعة وأنهم يتحاشون الحريم عن كل تبذل حتى إنه لا يمكن لخادم الحكومة أن يدخل عليهن وإن وجب عليهن الحبس حتى تخرج المرأة بطوعها. وكأن كلمة الحريم عندهم مشتقة من الاحترام.

__________________

(١) القبع : من ألبسة الرأس.

٢٢٢

قلت : والغالب عليهم التجلد والشجاعة والتعصب في الدين والاعتقاد بالطريق وأهله وبمن يتظاهرون بالدين ولا سيما إذا كان غريبا وإعظام الغرباء والولوع بغرائب الأخبار وميل عوامهم إلى الخرافات والخوف من الجن والمردة والشياطين واعتقادهم بالسحرة والرمّالين والمنجمين وأصحاب العزائم ولا سيما النساء. والغالب عليهم أيضا كراهة الفحشاء والسكر (إلا ما شذّ من شبانهم وجهالهم) وفرط الطاعة لأولياء الأمور والتسامح بالبيع والشراء ولا سيما المسلمين والقناعة بالربح والعيش الكفاف ولا سيما اليهود.

ملابسهم وأزياؤهم

أما الرجال فإنهم يلبسون برءوسهم أنواع العمم والكساوي وما رأيت أهل بلد من البلاد التي دخلتها مثل أهل حلب من جهة تنوع ما يستعملونه برءوسهم فمنهم من يلبس السربوش (١) ذو الطرة الحرير أو الكتان أو الغزل ويعتم فوقه بالشاش المطرز بالحرير الهندي المعروف بالأغاباني أو الزبتّاية فيلوثه دورين أو ثلاثة وهم التجار وأواسط الناس ، أو أكثر من ذلك وهم الأصناف والبساتنة وبعض الفلاحين ومن هؤلاء من يلف تحت الأغاباني شاشا أبيض أو منديلا ملونا لتكبر عمّته ومنهم من يعتم فوق السربوش بالشاش الأبيض الخالص الرقيق وهم الطلبة والعلماء وبعض المستخدمين في الحكومة وقليل منهم من يبدله بالأخضر أيام الشتاء.

وكانت بقايا الانكشارية يعتمّون فوق السربوش بقماش حريري أسود مطرز بالحرير الأخضر أو الأصفر ويحزمه من أعلاه بخيط خشية الانحلال لعظمه وهذه العمة تعرف بالشد وقد بطل استعمالها.

وكان بعض قدماء النصارى يعتمون فوق السربوش بما يشبه الشد المذكور دون أن يحزمه بخيط وقد بطل ذلك.

ومنهم من يعتم فوق السربوش بمناديل سود أو مرقشة بنقط حمر وهم بعض اليهود.

__________________

(١) يعني الطّربوش ، وهو غطاء للرأس عند الرجال. وقد تلفّ حوله العمامة أو ما يشبهها. وقوله : «ذو الطرّة» صوابه «ذا الطرّة».

٢٢٣

ومنهم من يعتم فوق السربوش بمنديل أو عدة مناديل ملونة موشاة وهم شبان العامة من المسلمين والنصارى وقد تستعمل هذه العمم كلها إلا ما ندر منها فوق قبّاعة (١) من صوف عوضا عن السربوش.

ومنهم من يقتصر على السربوش فقط كما هو زي الدولة العثمانية وهم القسم الأعظم من الملل الثلاث ولا سيما النصارى واليهود ومن استخدم منهم ومن المسلمين في الحكومة.

ومنهم من يعتم فوق القبّاعة بشفّ (٢) صوف وأكثرهم ينسبون إلى الطريق.

ومنهم من يلبس في رأسه نوعا يعرف بالدنبكية (٣) وهي قبع مضلع بالخياطة محشو قطنا ملفوف فوقه على شكل كتلة شاش رقيق مطوي طيا ضيقا. وهذه العمة مختصة بخلفاء الطريق ويوجد على غير هيئة هذه العمة عدة أنواع يستعملها أصحاب الطرائق لكل طريقة عمة خاصة بها. وكهنة اليهود يعتمّون فوق السربوش بنسيج أسود يطوونه طيا ضيقا ويلفونه متراكما على بعضه دورا فوق دور ويرسلون وراءه الطرة. وبالجملة فإن أشكال العمم وهيئتها عندنا لا تكاد تدخل تحت الحصر.

أما ملابسهم فأعمها أن يلبس الرجل قميصا إلى ركبتيه وفوقه ثوب يعرف عندنا بالقنباز إما أن يكون له زوائد ترد على صدر لابسه ويعرف بالرد وهو زيّ التجار وبعض الخواص غالبا ، وإما أن يكون مفتوح الصدر ويعرف بزي الياقة وهو زي شبان العامة وهذا يلبس تحته صدري مزرور من وسطه مما يلي العنق حتى بطن اللابس ، ثم يشد فوقه زنار من الشال العجمي أو الهندي أو غيرهما ويلبس تحت هذا القنباز بنوعيه سراويل من القماش الأبيض غالبا أو المصبوغ بالنيل ويستعمله الفقراء أو أصحاب الحرف الوسخة. وعلى كل حال فإن هذا السراويل يشد من وسطه لابسه إلى قرب قدميه عند المسلمين أو إلى ركبتيه عند النصارى واليهود ويستران سوقهما بالجوارب وقنباز العوام إلى ما تحت الركب بقليل والممتازين إلى قرب القدمين وأكثر الممتازين يلبسون فوق القنباز دثارا يعرف بالكبّود ويصنع غالبا من الجوخ ويبلغ طوله إلى ما فوق الزنار ويلبس فوقه جبة من الجوخ أو الشال تبلغ ظهر القدم. والعامة تجعل الكبّود عريضا واسعا يصل إلى ما تحت الزنار.

__________________

(١) من ألبسة الرأس ، وقد تسمى «طاقيّة».

(٢) قماش رقيق شفّاف يتعمم به المنتسبون إلى بعض الطّرق شعارا لهم.

(٣) انظر «موسوعة حلب المقارنة» للأسدي ٤ / ٧٩.

٢٢٤

وشيوخ الإسلام وكهنة النصارى واليهود وبعض المتقدمين في السن يلبسون فوق ثيابهم جبة واسعة عريضة الأكمام منتفخة الآباط. والبساتنة والفلاحون والمكاريون (١) وأصحاب الحرف الشاقة يلبسون فوق القنباز عباءة زوقية أو حلبية ضيقة قصيرة الأكمام يبلغ طولها إلى ما دون الركب. وأكثر الممتازين والخاصة يتبعون في ملابسهم الزي الغربي فيلبسون السترة والبنطلون ويستعملون جميع ما يستعمله الفرنج في ملابسهم سوى القبعة فإنهم يعتاضون عنها بالطربوش.

ومنهم من يعتم فوق الطربوش بالشاش الأبيض ويتزيا بالزي الغربي ويلبس فوق ثيابه جبة تضرب ظهر قدميه تعرف باللاطة وهم القضاة وبعض العلماء.

ومنهم من يلبس غير ذلك مما يطول شرحه وهذا كله في الأيام الدافئة أما في الأيام الباردة فيتدثرون بفرى السمّور والثعلب وغيرهما ويلبسون أقمصة الفانيلا والأثواب الصوفية والعامة والفقراء يلبسون تحت القنباز مقطّنات مدربة وفوقه فراء الغنم. هذا أكثر ما يستعملونه من الثياب وأما ما يستعملونه في أرجلهم فقد ذكرناه في صنعة النعال في الكلام على صنائع حلب.

ملابس النساء وأزياؤهم (٢)

أما ملابس النساء فإنهن يستعملن في كل مدة زيا وشكلا من الملبوس الذي يتجدد ظهوره عند نساء الفرنج حتى إن امرأة الغني هي الفائقة غيرها إذا سبقت بقية أقرانها باستعمال الملابس الجديد زيها ومع هذا فإنك كنت تجد المسلمة في غاية من التحجب والتصون قد أسدلت عليها عند خروجها إلى مهامها إزارا يسترها من فرقها إلى قدمها وعلى وجهها منديل رقيق يشف لها عن طريقها ولا يشف عن وجهها. وفي رجليها على الأكثر قندرة تستر كعبها أو خفّ من جلد أسود يعرف باللبجين أو أصفر له ساق إلى الركبة يعرف بالمست قد لبست فوقه نعلا معمولا من الجلد الأصفر يقال له البابوج وكان هذا أقل استعمالا

__________________

(١) قوله : «المكاريون» بالياء بعد الراء خطأ ، والصواب : «المكارون» جمع «المكاري» بتخفيف الياء ، اسم منقوص ، وهو مكري الدوابّ ، ويغلب على الحمّار والبغّال.

(٢) الصواب أن يقال : «وأزياؤهن».

٢٢٥

من القندرة أو تلبس نعلا من الجلد المذكور له ساق قريب من ركبتها يقال له الجزمة وهذا أقل استعمالا من القندرة والبابوج وهو مخصوص بنساء الفلاحين وسكان الحارات المتطرفة. والبابوج مخصوص بنساء بعض الأصناف والمتورعات والقندرة هي النعل العام. وكانت المسلمة قبل ذلك العصر تأتزر بملاءة سوداء غزلية كثيفة تضعها على رأسها وتسدلها مرسلة من غير أن تشدها على وسطها ثم صارت تستعمل في بعض الأحيان ملاءة بيضاء تشدها من وسطها سرى استعمال ذلك إليها على هذا النمط من نساء أمراء الدولة العثمانية وموظفيها الوافدين على حلب ثم ظهرت الملاءات السود الحريرية أو المقلّمة باللون الأحمر أو غيره ثم المقلمة بالقصب الفضي ثم الحريرية الوردية وغيرها مقلمة وغير مقلمة على ضروب وأشكال في الاستعمال ربما كان بعضها أضرّ وأدعى للافتتان من خروج المرأة متبرجة.

ثم إن الملاءات السود الغزلية لم تزل مستعملة عند نساء بعض الورعين أو نساء الفلاحين وسكان الأطراف.

وكانت نساء النصارى واليهود يستعملن الإزار والنعل كالمسلمات إلا أن الإزار فيهن كان أقصر منه في المسلمات ولم يبق فيهن من تستعمل الأزر القديمة ولا من تستعمل في رجلها غير نوع القندرة وليس من عاداتهن وضع المناديل على وجوههن.

ثم في الأيام الأخيرة ترك أكثرهن الإزار وصرن يبرزن متبرجات بزينتهن باديات السواعد والنحور وأعالي الصدور قد لبسن أثوابا قصيرة تبلغ ركبتهنّ وسترن سوقهن بجوارب صفيقة تشف عنها وانتعلن بأحذية لها كعب طويل يضطر المرأة أن تمشي منكسة الرجل كأنها تمشي على رؤوس أصابعها. على أن كثيرات من المسلمات يجعلن الإزار قصيرا ويسترن سوقهن بهذه الجوارب وينتعلن بالأحذية المذكورة.

وحكى دارفيو في تذكرته أن الحلبيات في زمانه كن يلبسن قلنسوة مصنوعة من الورق المقوى متساوية الأطراف لها بطانة من قماش رقيق مصبوغ بلون من الألوان ولها ظهارة من قماش حريري أو قطني مقلّم بعمل التطريز وكانت هذه القلنسوة تعرف عندهم بالكبنكاية قال وليست العجازة (١) مستعملة عندهن فكنت تراهن مع اعتدال قدودهن سلتا غير مكفلات (٢).

__________________

(١) العجازة : ما تضخّم به المرأة عجيزتها ـ أي ردفها ـ من قطن ونحوه.

(٢) أي ليست لهنّ أرداف ضخمة ، وإنما هنّ ذوات قدود مستقيمة باعتدال.

٢٢٦

قلت : هذه العجازة معروفة عند العرب وهم يذمون من يستعملها من النسوة ويسمونها منطيقا قال شاعرهم :

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمّهم زلّاء منطيق

وكان النساء يضعن في رقابهن أطواقا من ذهب تعرف بالضفدعة وفي أرجلهن حلقا من فضة لها شناشن تعرف بالخلاخيل. وقد بطل استعمالها الآن واعتاض أهل الثروة عن الضفدعة بقلادة من اللؤلؤ مكونة من عدة حبال يسمونها البغمة. وأما نساء الفقراء فلم يزلن على ضفادعهن وليس لبس القفاز في أيديهن معتادا إلا عند المتفرنجات منهن. وبالجملة فأكثر زي النساء الغنيات في حليهن وملبوسهن كزي نساء الفرنج على السواء.

٢٢٧

القضاء في حلب

لم نظفر بأسماء القضاة الذين تولوا قضاء حلب في أيام الخلفاء الراشدين ولا في أيام الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية وقد بدأنا بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الشافعي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره ذاكرين أسماءهم على النسق والترتيب واحدا بعد واحد إلى سنة ٨٢٣ ثم أتبعنا ذلك بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الحنفي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره. ثم تنقطع سلسلة القضاة على المذهب من سنة ٨٢٣ وسنة ٨٥٥ لأننا لم نظفر بأسمائهم. ثم في سنة ٩٢٢ تتصل هذه السلسلة بقضاة الدولة العثمانية الذين هم على المذهب الحنفي فقط. فأما القضاة الذين حكموا حلب على المذهب المالكي والمذهب الحنبلي فقد أضربنا الصفح عن ذكر أسمائهم في هذه النبذة اكتفاء بذكر بعضهم في معجم التراجم وباب الحوادث المرتبة على السنين ولأننا لم نستطع استقصاءهم.

واعلم أن قضاة حلب كانوا قضاة قضاة قد أطلق لهم الحكم في جميع المسائل التي هي من نوع العبادات والمعاملات الحقوقية والجزائية بمقتضى الأحكام الشرعية وأذن لهم بأن يستنيبوا بإجراء هذه الأحكام من شاءوا على أي مذهب كان. وكثيرا (١) منهم من كان يستنيب من أراد ويبقى في العاصمة دون أن يحضر إلى حلب إلى أن كان تشكيل الولاية سنة ١٢٨٣ (أي ترتيب هيئة حكومتها) انحصرت وظيفة قضاة القضاة في مشايخ الإسلام الذين هم في الآستانة وصارت قضاة ولاية حلب وغيرها من باقي الولايات العثمانية نوابا عن مشايخ الإسلام غير مأذون لهم إلا بإجراء بعض الأحكام دون البعض. وقد لخصنا هذه النبذة إلى سنة ٨٥٥ من كتاب كنوز الذهب من تاريخ حلب لأبي ذر المحدث وما ننقله عن غير هذا الكتاب نعزوه إلى مرجعه.

__________________

(١) الصواب : «وكثير» بالرفع.

٢٢٨

ذكر القضاة الشافعية

ممن ولي قضاء حلب في أيام الدولة العباسية عبد الله محمد ناصر الدين بن محمد بن إدريس الشافعي ، وهو أكبر ولد الشافعي. ولي قضاء حلب وقضاء الجزيرة مضافا إلى حلب وكانت الجزيرة تضاف إليها في الولايات. وفي سنة ٢١٥ ولي قضاء حلب عبيد ابن جناد بن أعين مولى بني كلاب. وفي سنة ٢٦٤ ولي قضاءها عبيد الله بن عبد العزيز العمري. وفي سنة ٢٨٦ وليه مع قضاء قنسرين أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي. وفي سنة ٢٩٠ ولي قضاء حلب محمد به محمد الجدوعي. وفي سنة ٢٩٧ كان القاضي بحلب وقنّسرين محمد بن أبي موسى عيسى الضرير الفقيه ثم صرف عنها سنة ٣٠٠ بأبي حفص عمر بن الحسن بن نصر الحلبي القاضي.

ورأيت في كتاب مروج الذهب للمسعودي كلاما صريحا في أن قاضي حلب سنة ٣٠٩ كان إبراهيم بن جابر القاضي ، وخلاصة كلامه (١) أنه كان يعهد المذكور وهو في بغداد يعالج الفقر ويتلقاه من خالقه بالرضا ناصرا الفقر على الغنى فما مضت أيام حتى لقيه في حلب من بلاد قنسرين والعواصم من أرض الشام وذلك سنة ٣٠٩ وإذا هو بالضد عما عهده متوليا القضاء على ما وصفه ناصرا ومشرفا للغنى على الفقر. فقال له : أيها القاضي أين تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي الذي كان بالري وأنه قال لك إن الخواطر اعترضتني بين منازل الفقراء والأغنياء فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لي : يا فلان ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء شكرا لله تعالى وأحسن من ذلك تعزيز (٢) الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى. فقال لي : إن الخلق تحت التدبير لا ينفكون عن أحكامه في جميع متصرفاتهم.

قال المسعودي : وكنت كثيرا ما أسمعه فيما وصفنا من حال فقره يذم ذوي الحرص على الدنيا ويذكر في ذلك خبرا عن علي كرم الله وجهه (٣) كان يقول : ابن آدم لا تتحمل

__________________

(١) انظر مروج الذهب ٤ / ١٧٤ ط. بيروت ١٩٦٥ م.

(٢) في المروج : تعزّز.

(٣) بعده في المروج : «وهو أن عليا».

٢٢٩

همّ يومك الذي لم يأت ليومك الذي أنت فيه فإنه إن يكن من أجلك يأت الله فيه برزقك واعلم أنك لم تكتسب شيئا فوق قوتك إلا كنت خازنا فيه لغيرك.

قال المسعودي : فركب بعد ذلك الهماليج (١) من الخيل ولقد أخبرت أنه قطع لزوجته أربعين ثوبا تستريّا (٢) وقصبا وأشباه ذلك من الثياب على مقراض واحد وخلف مالا عظيما لغيره. اه. ما قاله المسعودي.

وفي سنة ٣٣٣ كان قاضي حلب أحمد بن ماثل فعزله سيف الدولة بن حمدان وولي عوضه أبا حفص علي بن عبد الملك بن بدر الرومي وولي قضاءها في أيام سيف الدولة أيضا سلامة بن بحر وأحمد بن إسحاق بن أحمد الإصطخري. وفي سنة ٤٠٤ وليه محمد ابن أحمد بن محمود نبهان وكان عالما فاضلا متكلما على مذهب الأشعري. وفي هذه السنة أيضا وليه أبو يحيى أحمد بن يحيى من بني العديم وهو أول من ولي قضاء حلب من أهل هذا البيت وتلاه أحمد بن محمد بن أبي أسامة الذي دفنه في قلعة حلب حيا صالح بن مرداس. وفي سنة ٤٣٨ وليه أبو يعلى عبد المنعم بن عبد الكريم المعروف بالأسود ثم في سنة ٤٣٩ وليه أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب المالكي الأندلسي. وفي سنة ٤٤٥ وليه بشير بن عبد الكريم ومات قاضيا سنة ٤٧٣ وولي بعده صهره زوج ابنته أبو الفضل هبة الله بن العديم وبقي قاضيا ستا وعشرين سنة فكانت ولايته في أوائل دولة مسلم بن قريش وكان السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان كتب توقيعا بقضاء حلب سنة ٤٧٣ للقاضي أبي القاسم علي السمناني وخرج الأمر منه إلى مسلم بن قريش فلم يتم له هذا الأمر وحرر مراسلات في تولية القاضي أبي الفضل إلى أن كتب توقيع من بغداد بأمر المقتدر واستمر إلى أن مات عنه سنة ٤٨٨ فولي بعده أبو غانم محمد بن العديم ولم يزل قاضيا بحلب إلى أن خطب الملك رضوان للمصريين فعزل عن القضاء والخطابة وولى عوضه فضل الله قاضي أنطاكية الزوزني في سننة ٤٩٠ وسار رسولا إلى مصر واستناب في موضعه ابن أبي أسامة ثم في يوم الاثنين ١٨ ذي القعدة سنة ٤٩٥ بعد أن عاد الزوزني إلى حلب اغتالته الإسماعيلية لأنه كان يندد بمذهبهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم محمد بن العديم بعد أن خطب للعباسيين وكتب له توقيع بالقضاء والحسبة من بغداد من قاضي القضاة علي بن محمد

__________________

(١) الهماليج : الخيول التي تسير سيرا حسنا في سرعة. وتطلق الهماليج أيضا على نوع من الخيول يسمى البراذين.

(٢) نسبة إلى «تستر» وهي أعظم مدينة في بلاد خوزستان.

٢٣٠

الدامغاني بأمر المستظهر بالله في صفر سنة ٤٩٦ وفي سنة ٥٣٤ توفي أبو غانم وولي بعده ولده أبو الفضل هبة الله وكتب له التوقيع من أتابك نور الدين زنكي في أواخر جمادى الأولى سنة ٥٣٤ وورد له توقيع من بغداد عن الزيني بأمر المقتفي.

ثم تعكر خاطر نور الدين علي أبي الفضل وكتب له أن يتولى قضاء حلب نيابة عن جمال الدين محمد بن الشهرزوري فامتنع ولم يجبه فقال مجد الدين قاضي حلب ينبغي أن يكون القاضي حنفيا فقال يقام فقيه حنفي يحكم بين الناس معه. ثم استقر الرأي على القاضي جمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري الشافعي سنة ٥٥٧ واستناب ولده محيي الدين. وقال ابن خلكان في وفياته إن محيي الدين المذكور حكم نيابة عن أبيه بحلب في رمضان سنة ٥٥٥ وبه عزل ابن العديم. اه.

وفي سنة ٥٧٥ بعد أن توفي محيي الدين قاضي حلب عرض قضاؤها على جمال الدين أبي غانم العديمي فامتنع فتقلد القضاء أحمد بن هبة الله العديمي ولم يزل قاضيا فيها في دولة الصالح ومن بعده ثم عزل ثم أعيد وفي سنة ٥٧٨ ولي قضاء حلب محيي الدين علي بن الزكي قاضي دمشق كما في وفيات ابن خلكان فاستناب بها زين الدين أبا الفضل البانياسي. وفي سنة ٥٩١ ولي قضاء حلب العالم الزاهد بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي المعروف بابن شداد. وفي سنة ٦٣٥ وليه جمال الدين أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأستادار. وبعد مدة وليه محيي الدين محمد بن يعقوب النحاس وكان عالما فاضلا وكان يقول أنا في الفروع على مذهب أبي حنيفة وفي الأصول على مذهب أحمد. وفي سنة ٦٧٦ ولي قضاء حلب شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خليل ثم في سنة ٦٧٨ وليه نجم الدين أبو بكر بن أحمد بن يحيى وفي سنة ٦٧٩ وليه تاج الدين أبو المعالي عبد القادر الأنصاري السنجاري الحنفي وكان إماما جليلا.

وفي سنة ٦٨٠ وليه نجم الدين أبو حفص عمر بن عفيف الدين أبي المظفر الأنصاري الشافعي عوضا عن السنجاري. ثم في سنة ٦٨٢ رجع إلى دمشق وكتب خطه بالرغبة عن حلب فوليها عوضه أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المارديني الحنفي ثم عزل عنها وتوفي في دمشق سنة ٦٨٣ وفي سنة ٦٨٤ ولي قضاء حلب شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن محمد بهرام الكوراني الشافعي ثم في سنة ٧٠١ عزل عن قضاء حلب وبقي في خطبة

٢٣١

جامعها وولي القضاء عوضا عنه زين الدين أبو محمد عبد الله ابن محمد الأنصاري الخزرجي الشافعي واستمر في القضاء ثلاثا وعشرين سنة وتوفي سنة ٧٢٤ ودفن بالمقام وبنيت له تربة من ماله ولم يعقب وارثا.

وفي هذه السنة ولي قضاء حلب جمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن أبي محمد عبد الواحد الأنصاري الشهير بابن الزملكاني الشافعي. وفي سنة ٧٢٧ وليه فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن نجم الدين عبد الرحمن البازري الشافعي وتوفي في حلب سنة ٧٣٠ فولي قضاءها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين الشهير بابن النقيب الشافعي. وفي سنة ٧٣٦ ولي قضاء حلب فخر الدين أبو عمر عثمان ابن الخطيب الطائي الشافعي الحلبي الشهير بابن خطيب جبرين. ولما ولي قضاء حلب كتب إليه بعض أصحابه :

وكم سأل الحكم الإله تقدما

إلى بابك العالي زمانا فأخّرا

وفي سنة ٧٣٨ ولي قضاء حلب زين الدين محمد بن أحمد بن عبد الحليم البلاباني الشافعي. وبعد خمسة أشهر نقل إلى دمشق وكان عالما كبيرا توفي في دمشق سنة ٧٧٦ وولي قضاء حلب بعده أبو الحسن إبراهيم بن أحمد بن مجد الدين عيسى المخزومي الشافعي الشهير بابن الخشاب وأقام فيها نحو سنة ثم رجع إلى وطنه في القاهرة.

وولي قضاء حلب سنة ٧٤٤ نور الدين محمد بن محمد المعروف بابن الصائغ. ثم في سنة ٧٤٩ توفي ابن الصائغ وخلفه في قضاء حلب نجم الدين عبد القادر بن السفاح الشافعي وبعد عشرة أشهر صرف عن قضاء حلب بنجم الدين محمد بن أبي عمرو عثمان بن أحمد الزرعي وذلك سنة ٧٥٠ واستمر إلى سنة ٧٥٢ فعزل بكمال الدين المعري فاستمر قاضيا بحلب مدة أربع عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق سنة ٧٧١ وخلفه في حلب نجم الدين الزرعي ثم في سنة ٧٧٥ ولي قضاء حلب المعري وفي سنة ٧٧٦ عزل وأعيد نجم الدين الزرعي وفي سنة ٧٧٨ توفي الزرعي بحلب عن نيف وخمسين من عمره وولي قضاء حلب جلال الدين محمد بن محمد الزرعي ابن نجم الزرعي فاستمر قاضيا بحلب إلى أن توفي فيها سنة ٧٧٩ فولي مكانه كمال الدين المعري.

وفي سنة ٧٨٠ ولي قضاء حلب جمال الدين شمر نوح ثم وليه المعري واستمر إلى سنة ٧٨٣ فتوفي ودفن في داره في درب البنات قرب بيمارستان أرغون. وتولى بعده قضاء

٢٣٢

حلب أحمد بن محمد أبي الرضا الشافعي العالم الفاضل واستمر إلى سنة ٧٨٥ فعزل بشرف الدين أبي عبد الله مسعود ابن أبي البركات شعبان بن إسماعيل الطائي وأصله من قرية يقال لها دير خشان من حلقة سرمدا وكان جاء إلى ابن أبي الرضا وطلب منه أن يوليه القضاء في ناحية من نواحي حلب وهي ريحا فامتنع من ذلك فذهب إلى القاهرة يسعى بقضاء ريحا فأشار عليه كمال الدين بن العديم بالإعراض عن قصده وأن يسعى بقضاء حلب. فذهب إلى شيخ الإسلام البلقيني واجتمع به وأهدى إليه شيئا وأخذ بالسعي فأرسل السلطان إلى البلقيني يسأله عنه هل هو أهل لذلك فأجاب البلقيني بما يوهم أنه أهل لقضاء مصر فولاه السلطان قضاء حلب فاستمر بها دون خمسة أشهر. وفي سنة ٧٨٦ عاد ابن أبي الرضا إلى قضاء حلب ثم عزل في رمضان وولي مكانه مسعود المذكور.

وفي سنة ٧٩٠ ولي قضاء حلب شمس الدين محمد بن أحمد عبد الله المهاجر فاستمر إلى سنة ٧٩٤ وقد أساء السيرة فعزل عن القضاء وخلفه شرف الدين موسى أبو البركات ابن محمد بن حزم الأنصاري الشافعي وفي سنة ٧٩٦ عزل الأنصاري بابن خطيب تيزين واستمر إلى سنة ٧٩٧ فعزل بالأنصاري. وفي سنة ٨٠٣ عزل الأنصاري بجمال الدين يوسف بن خالد الخسفاني ثم عزل هذا بالأنصاري فاستمر إلى محنة تيمور. وفي هذه السنة مات الأنصاري وخلفه ناصر الدين محمد بن كمال الدين المعري. ثم عزل بجمال الدين الخسفاني ثم عزل هذا بالقاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى العثماني وذلك في مستهل شوال سنة ٨٠٥ وسار سيرة حسنة وسكن بدرب الديلم بالقرب من المدرسة الشرفية. وفي ليلة الأربعاء ثاني عشر هذا الشهر دخل على الفاضل رجل من الشيعة من أهل معرة مصرين وضربه بسكين فمات القاضي شهيدا وقتل القاتل.

وولي قضاء حلب ولد القاضي شمس الدين ، ثم في ربيع الأول سنة ٨٠٦ عزل بالقاضي شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد الحريري الحلبي وفي سنة ٨١١ عزل بالخسفاني ثم عزل الخسفاني بقاضي القضاة شهاب الدين بن العجمي الشافعي. وبعد أربعة أشهر عزله دمرداش بالقاضي تاج الدين عبد الرحمن ابن العلاء زين الدين أبي حفص عمر بن محمد الكوفي فاستمر إلى سنة ٨١٣ وتولى القضاء ناصر الدين محمد بن محمد البارزي الحموي إلى سنة ٨٢٣ وفيها توفي وخلفه ولده كمال الدين محمد. اه. الكلام على القضاة الشافعية.

٢٣٣

أسماء القضاة الحنفية

ولنشرع في ذكر أسماء القضاة الحنفية. قال ابن حبيب الحلبي : وفي سنة ٧١٠ ولي قضاء حلب كمال الدين أبو حفص عمر بن العديم رفيقنا القاضي الشافعي الأنصاري ولم نعهد في حلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن. وفي سنة ٧٣١ ولي قضاء حلب ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن كمال الدين عمر المشار إليه عوضا عن والده المذكور ونقل إلينا من القضاء بحماة وولي بعده ولده جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم في سنة ٧٥٢ وكان حاكما عادلا فاضلا واستمر إلى سنة ٧٧٨ وفيها عزل بالقاضي محب الدين أبي الوليد ابن العلاء كمال الدين محمد بن محمد الشحنة العالم الشهير والعلامة النحرير وباشر الحكم أياما قليلة ثم عاد المعزول جمال الدين المذكور واستمر إلى سنة ٧٨٧ فعزل بالقاضي محب الدين ووصل خبر عزله وهو مريض فما علم بذلك وتوفي ليلة الخميس ٢٦ محرم سنة ٧٨٧ ودفن بمقبرة أهله خارج باب المقام بالقرب من مقام الخليل واستمر محب الدين قاضيا بحلب إلى سنة ٧٨٨ وفيها عزل بالمؤنسي الياس بن سعيد بن علي القراشهري.

وبعد سنتين عزل هذا بالقاضي محب الدين ثم عزل هذا بجمال الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن الحافظ العينتابي وذلك سنة ٧٩٣ وباشر الحكم مدة يسيرة وكان قاضي عسكر. وفي هذه السنة ولي كمال الدين بن العديم قضاء عسكر حلب ثم صرف العينتابي ومدة ولايته أربعون يوما وولي قضاء حلب القاضي محب الدين المذكور وفي العينتابي يقول ابن الزاهد :

ارجع إلى ما كنت قاضي العسكر

ودع القضاء لأهله لا تفتري

ثم عزل القاضي محب الدين بالعينتابي فلم تطل مدته ومات سنة ٧٩٤ وقال في ذلك ابن الزاهد :

هب السلطان قد أعطاك حكما

أيقدر أنه يعطيك عمرا

فاستقر جمال الدين بن العديم قاضيا عوضا عن العينتابي واستمر إلى محنة تيمور. ثم سافر إلى القاهرة ولم يخرج قضاء حلب عنه واستناب القاضي شمس الدين محمد بن عمر

٢٣٤

ابن أمين الدولة وأخاه شهاب الدين أحمد بن العديم. ثم في سنة ٨٠٧ أرسل تقليدا بقضاء حلب إلى أخيه كمال الدين أبي الفداء إسماعيل واستمر قاضيا إلى أيام جكم فعزله بالقاضي محب الدين الشحنة. ثم في سنة ٨١١ ولي قضاء حلب عز الدين الحاضري واستمر إلى سنة ٨١٥ فعزل بمحب الدين فلم تطل مدة محب الدين ومات. ولما كان مريضا عاده الشيخ عز الدين الحاضري فأنشده محب الدين قول المتنبي (١) :

بذا قضت الأيام ما بين أهلها

مصائب قوم عند قوم فوائد

وبعد وفاة محب الدين تولى قضاء حلب عز الدين المذكور. فلما كان في أوائل سنة ٨٢٣ سأل الإعفاء وأن يكون ولده محمد عوضه وذلك لفالج أصابه فأجيب إلى ذلك فلما توفي استقر ولده محمد في مكانه قاضيا إلى أن مات فخلفه شمس الدين محمد بن معين الدولة وكان نائبا له ولأبيه من قبله. وفي سنة ٨٢٨ عزل بجمال الدين يوسف الكوفي. وفي أواخر هذه السنة توفي الكوفي وعاد شمس الدين إلى قضاء حلب.

وفي سنة ٨٣٣ عزل بأبي بكر بن إسحاق بن خالد المعروف بباكير واستمر قاضيا إلى سنة ٨٣٦ فطلب إلى القاهرة وشغرت وظيفة قضاء حلب حتى حضر إليها الأشرف برسباي فولاها أبا الفضل بن الشحنة وذلك في رمضان هذه السنة واستمر قاضيا في حلب إلى سنة ٨٥٥ فولي قضاء حلب تاج الدين الركني. وفي سنة ٨٦٢ وليه جلال الدين محمد الشحنة ولا أدري بعد ذلك من ولي قضاء حلب إلى سنة ٩٢٢ وهي السنة التي فيها دخلت حلب تحت حكم الدولة العثمانية.

أسماء قضاة حلب في أيام الدولة العثمانية

وجدت في أحد سجلات المحكمة الشرعية بحلب جدولا يتضمن ذكر قضاة حلب منذ دخول الدولة العثمانية إلى حلب وذلك في سنة ٩٢٢ إلى حدود سنة ١٣٨٥ وقد حرر في ذيل هذا الجدول هذه العبارة : (وهذا الجدول محرر بموجب قيودات شيخ الإسلام أحمد عطا الله عرب زاده). ولما بحثت في هذا الجدول وجدت فيه من أوله إلى حدود سنة ١٠٠٥ غلطا فاحشا من جهة تحريف أسماء القضاة وذكر من لم يتول قضاء حلب

__________________

(١) العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب ، ص ٣٣٠.

٢٣٥

وعدم ذكر كثيرين منهم تولوا قضاءها فصححت منه ما أمكن تصحيحه اعتمادا على ما رأيته في كتاب الشقائق النعمانية وغيرها من الكتب التاريخية التركية. وأثبتّ في الجدول المذكور أسماء القضاة الذين تولوا حلب ولم تذكر أسماؤهم فيه وهو هذا :

السنة

السنة

٩٢٢

جوملكجي زاده كمال الدين أفندي بن

الحاج الياس

٩٥٢

عبد الباقي أفندي بن علاء الدين العربي

الحلبي

٩٢٥

زين الدين أفندي الفناري

٩٥٣

عبد الرحمن أفندي بن علي محيي الدين

٩٢٦

ولي الدين زاده محمد أفندي الشهير بابن

فرفور

 ...

سرويز أفندي

٩٢٨

قره حيدر أفندي

 ...

خواجه فاني محمد أفندي

٩٢٨

محمود بن عبد الله كوله بدر الدين

 ...

أمير حسين صاده زاده

 ...

محمد أفندي

٩٦٠

إمام زاده محمد أفندي

٩٢٩

عبيد الله أفندي بن يعقوب الفناري

٩٦١

معلم زاده مصلح الدين أفندي

٩٢٩

محمد بن المعمار

٩٦٢

قاضي زاده أحمد أفندي

٩٣٤

محمد بن عبد الله كوله بدر الدين

٩٦٤

أخي زاده أحمد أفندي

٩٣٥

محمد بن المعمار

٩٦٤

محمد أفندي بن أبي السعود أفندي

٩٣٩

قطب الدين زاده محمد أفندي

٩٦٥

فضل أفندي

٩٤٠

عبد العزيز أفندي أم ولد

٩٦٦

جعفر أفندي

٩٤٣

مصطفى مصلح الدين أفندي

٩٦٧

أحمد أفندي بن محمود حامد أفندي

٩٤٤

أبو الليث أفندي بن إدريس

 ...

زمرم زاده ... أفندي

 ...

جعفر أفندي

 ...

معلول زاده ... أفندي

 ...

سري أحمد أفندي

 ...

سنان زاده أحمد أفندي

٩٤٦

محمد أفندي بن عبد الوهاب بن عبدالكريم

٩٧٠

بوستان زاده مصطفى أفندي

٩٤٧

يوسف بن حسين المشهور بسنان جلبي

 ...

صاري قدري زاده محمد أفندي

٩٤٩

محمد أفندي بن عبد الأول

٩٧٣

أحمد بن محمد بن حسن السامسوني

 ...

صاجلي أسر أفندي

 ...

بوستان زاده مصطفى أفندي

٩٥١

صالح أفندي بن جلال الروشني تاريخه

(قاضي حلب)

٩٧٣

عبد الرحمن أفندي بالدار زاده

 ...

سيف الله أفندي

 ...

كمال زاده محمد أفندي

 ...

حسين زاده محمد أفندي

٢٣٦

...

أميري زاده

١٠٢٥

عشاق مصطفى ثانية

 ...

خاني زاده مصطفى أفندي

١٠٢٦

عبد الكريم

 ...

سعد زاده محمد أفندي

١٠٢٧

نوال سعد الدين

 ...

كتخدا محمد (١)

١٠٢٨

محمد رياضي

٩٨٠

علي بن عبد العزيز أم ولد

١٠٢٩

محمود عبد الله

 ...

مناوي حسين

١٠٣٠

حسن مصطفى

 ...

طاشكبري كمال

١٠٣١

قاسم

 ...

طورسون عبد الباقي

١٠٣٢

نائب محمد

 ...

بيقلي سليمان

١٠٣٣

ناجي عبد الرحمن

١٠٠٥

زكريا كمال

١٠٣٥

حسام مصطفى

١٠٠٥

طاشكبري كمال ثانية

١٠٣٦

فناري محمد

١٠٠٦

إياس أحمد

١٠٣٦

سيد محمد

١٠٠٧

مصطفى

١٠٣٧

سيفي عبد الرحمن

١٠١٠

حيدر

١٠٣٨

مصطفى

١٠١٠

اسكندر عبد الرحمن

١٠٣٩

بوستان محمد

١٠١٠

قره جلبي محمد

١٠٤٠

عشاق عبد العزيز

١٠١٢

سنان يحيى

١٠٤٢

خواجه مسعود

١٠١٣

نابي مصطفى

١٠٤٣

غريب محمد

١٠١٤

شرواني محمد

١٠٤٤

مصطفى أحمد

١٠١٥

وحيى عبد الله

١٠٤٥

قاضي محمد

١٠١٩

إياسي أحمد

١٠٤٧

كسرى محمد

١٠٢٠

قره سيفي

١٠٤٨

محمد

١٠٢١

نشانجي سيد محمد

١٠٤٨

كتخدا حسن

١٠٢٢

عشاقي مصطفى

١٠٤٩

أسعد

١٠٢٣

قره كولله حمد الله

١٠٤٩

مصلح الدين عبد الله

١٠٢٤

طلومجي حسان

١٠٥٠

حسام عبد الرحمن كامي

١٠٢٤

صدر الدين محمد

١٠٥١

شيخ محمد سنان

__________________

(١) حذفنا من بقية هذا الجدول كلمة زاده وأفندي لعذر مطبعي «المؤلف».

٢٣٧

١٠٥٢

مصطفى

١٠٨٠

أعرج عمر

١٠٥٤

رحمة الله

١٠٨١

آق محمد

١٠٥٥

حاتم حسن

١٠٨٣

قره علي

١٠٥٦

صفي محمد أمين

١٠٨٣

طوس محمد

١٠٥٧

سعدي سيف الله

١٠٨٤

سعد أبو السعود

١٠٥٧

بوستان أحمد

١٠٨٥

معيد

١٠٥٨

عشاق عبد الرحيم

١٠٨٦

ملا حسن

١٠٥٨

صدر الدين روح الله

١٠٨٧

خوجه السيد عثمان

١٠٥٩

أوزون أحمد

١٠٨٩

نورحي محمود

١٠٦٠

أبو السعود

١٠٩٠

توفيق محمد

١٠٦١

عجم محمد

١٠٩١

صدر الدين محمد صادق

١٠٦٢

سيد أحمد

١٠٩٢

رفقي محمد

١٠٦٣

سراد

١٠٩٣

محرم محمد

١٠٦٤

عبد العزيز أحمد

١٠٩٦

إمام عبد الله

١٠٦٥

عبد الباقي

١٠٩٨

جوهرجي محمد

١٠٦٦

حسني باشا مصطفى

١٠٩٩

بياضي دامادي أحمد

١٠٦٧

مصطفى

١١٠٠

كوجك خواجه لطف الله

١٠٦٨

ولي عمر

١١٠١

أبو بكر

١٠٦٨

مصطفى

١١٠٢

إدريس

١٠٦٩

ولي أحمد

١١٠٣

تاتار عبد الحليم

١٠٧٠

خير الدين مصطفى

١١٠٤

قره إسماعيل

١٠٧١

مطلوب عبد الله

١١٠٥

حن الله

١٠٧٢

جشمي محمد صالح

١١٠٦

فتوى أميني محمد

١٠٧٣

قباقولاق محمد

١١٠٧

سيد يعقوب

١٠٧٥

عثمان فيض الله

١١٠٨

محمد شمس الدين

١٠٧٦

كمال أحمد

١١٠٩

جشمي عبد الكريم

١٠٧٦

عبد الحليم

١١١٢

إمام شيخ الإسلام محمد

١٠٧٧

بياضي أحمد

١١١٣

أمر الله

١٠٧٩

كواكبي محمد

١١١٤

عبد الحليم محمد صالح

٢٣٨

١١١٥

كواكبي ولي الدين

١١٤٨

جشمى محمد سعيد

١١١٦

دري محمد

١١٤٩

أسعد السيد يحيى واقف

١١١٧

قره عبد الله

١١٥٠

باقي ملازمي محمد

١١١٩

شيخ محمد

١١٥١

جراحي محمد عالم

١١٢٠

كسرى عبد الرحمن

١١٥٤

مضروب محمد واثق

١١٢١

خليل إبراهيم

١١٥٤

فتوى أميني محمود عبد الله

١١٢٢

إمام صالح

 ...

زاهد

١١٢٣

يحيى فيض الله

١١٥٥

حسين شاكر

١١٢٤

خرخر حسن

١١٥٥

كوسج ولي الدين

١١٢٥

زلالي حسن

١١٥٧

عيسى حفيدي عبد الله

١١٢٦

عبد الباقي

١١٥٨

سمرجي زاده حفيدي مصطفى

١١٢٧

يحيى عبد الله

١١٥٩

عباس بن مصطفى

١١٢٨

معبر إسماعيل

١١٦٠

إبراهيم باشا إمامي مصطفى

١١٢٩

عثمان أحمد

١١٦١

حمامي محمد أمين

١١٣٠

صدر الدين محمود

١١٦٢

كتخدا محمد أسعد

١١٣١

منصور مصطفى

١١٦٣

كسرى مصطفى

١١٣٣

علمي أحمد

١١٦٤

واردواني شيخ زاده عبد الرحيم

١١٣٤

عطا كتخداسي حسين

١١٦٥

محمد سيد

١١٣٤

لعلي سيد عبد الله

١١٦٦

جلبي درويش

١١٣٦

محمد راشد

١١٦٧

حسين

١١٣٧

عشاقي سيد صدر الدين

١١٦٨

باشا دامادي يحيى

١١٣٨

مفتي محمود عبد الله

١١٦٩

كواكبي عبد الله

١١٣٩

يحيى حسين ملا

١١٧٠

قره مصطفى محمد أمين

١١٤١

محمد صالح

١١٧٠

قره موسى

١١٤٢

جار الله ولي الدين

١١٧٢

مدحي عبد الرحيم

١١٤٢

سيفي دامادي سيد أحمد

١١٧٣

على زاده يكن علي

١١٤٤

نفسي السيد محمد سيد

١١٧٤

إسكداري مصطفى

١١٤٥

فيض الله السيد عثمان

١١٧٥

كريدي أحمد

١١٤٧

السيد حسين وسيم

١١٧٦

عبد الرحمن أحمد عطا

٢٣٩

١١٧٧

السيد أحمد مصطفى

١٢٠٦

جزيه دار أحمد بهاء الدين

١١٧٨

 سوردامادي يحيى

١٢٠٧

طوسيه لي علي

١١٧٩

راشد إبراهيم

١٢٠٧

 إمام ثاني سابق محمد نوري

١١٧٩

شريف محمد

١٢٠٩

ترشيحي عبد الرحيم

١١٨٠

 يشمقجي نعمان

١٢١٠

حمامي محمد راشد

١١٨١

كتخدا مصطفى صادق

١٢١١

زعفران بورلي عثمان

١١٨٢

عبد الرحيم محمد أمين

١٢١٢

اصقه لي خليل

١١٨٣

صره أميني إبراهيم

١٢١٣

بروسه لي حافظ حسن

١١٨٤

 فاضل محمد

١٢١٥

عثمان محمود

١١٨٥

نفسي السيد محمد سعد

١٢١٦

حفيد محمد أمين

١١٨٦

رجب محمد عارف

١٢١٧

كرنايلي محمد

١١٨٦

زيرك إمامي فيض الله

١٢١٨

ختواني السيد عبد الله تقي الدين

١١٨٩

قوشو اطه لي مصطفى

١٢١٩

درويش باشا أمامي

١١٩٠

طاغستاني إبراهيم

١٢٢٠

 حفيد سعيد أمامي

١١٩١

مفتي عبد الله

١٢٢١

 محصل عمر أمامي

١١٩٢

إمام محمد صادق

١٢٢٢

موصلي محمد

١١٩٣

بازار جقلي حسين

١٢٢٣

زره لي عبد الرحمن

١١٩٤

كشاف عمر

١٢٢٤

غليوني مجيد

١١٩٥

بكري عبد الله

١٢٢٥

بروسه لي سليم

١١٩٦

نافذ محمد أمين

١٢٢٦

بربر أمين

١١٩٧

بكري عبد الرحمن

١٢٢٧

عزت أمين

١١٩٨

خرقه شريف شيخي سيد عثمان

١٢٢٨

زعفران بورلي عثمان محمد

١١٩٩

يحيى ملا إبراهيم عارف

١٢٢٩

 إسكداري حفيدي حمد الله رأفت

١٢٠٠

علي محمد زين الدين

١٢٣٠

أماسيه لي محمد حفيدي

١٢٠١

يحيى عبد الرحمن

١٢٣١

طيفوربك

١٢٠٢

 إسماعيل باشا إبراهيم عصمت

١٢٣٢

 سلطان أحمد أمامي مصطفى نوراه

١٢٠٣

بايبوردي حافظ محمود

١٢٣٣

بالطه جي محمد أمين مصطفى

١٢٠٤

كورك حسن

١٢٣٤

بارطينلي خليل محمد

١٢٠٥

كلاهي محمد أمين

١٢٣٥

جيار سليمان عبد الفتاح

٢٤٠