نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٤٠

١
٢

٣
٤

كلمة لا بد منها

بهذا الجزء الثالث من «نهر الذهب» ينتهي الكتاب ، وقد تأخر ظهوره قليلا بسبب عزم الناشر على طباعة الكتاب بطريقة التنضيد الضوئي بدلا من طريقة التصوير التي تبقي متن الكتاب كما كان عليه قبل سبعين سنة خلت. وهكذا قمت بتحقيق الجزء الأول ومراجعته والتعليق عليه. كما قام الدكتور شوقي شعث بمثل ذلك في الجزء الثاني ، على ما تقتضيه الطرائق العلمية.

هذا ، وقد تابعت العمل في هذا الجزء الثالث ـ الذي ينتهي به الكتاب ـ بالطريقة نفسها التي سرنا عليها في الجزءين السابقين ، وحرصت على تقسيم المتن إلى فقرات رئيسية ، وعلى الاهتمام بعلامات الترقيم في مواضعها المناسبة ، لأن الكتاب أصلا يكاد يخلو منها.

وقد تكونت لديّ خلال ذلك جملة من الملاحظات المتعلقة بهذا الجزء خاصة. رأيت ذكرها ضروريا ، وأنا أجملها فيما يلي :

١ ـ يلاحظ القارئ ضخامة الجزء الثالث ، بالقياس إلى سابقيه ، وسبب ذلك أن المؤلف ـ رحمه الله ـ تحدث فيه عن تاريخ حلب والحوادث التي طرأت فيها منذ الفتح الإسلامي ، سنة سنة ، على طريقة الطبري وابن الأثير في تاريخيهما ، حتى سنة ١٣٣٨ ه‍ ، الموافقة لسنة ١٩٢٠ م. زد على ذلك أنّ المؤلف استطرد كثيرا إلى ذكر حوادث لا تتصل بتاريخ حلب ، مثل كلامه على الإنكشارية ، وأسباب الزلازل ، والحرب العامة «الأولى» ، وتاريخ بني عثمان ، والدولة الفرنسية. وكذلك إفاضته في الكلام على الحوادث التي عاصرها ، أو كانت قريبة من عصره.

٢ ـ في هذا الجزء أغلاط مطبعية كثيرة ، غير ما ذكره المؤلف في جدول إصلاح الغلط ، المثبت في آخر الجزء. وبعضها كان ترخصا من المؤلف في الكتابة ، وعدم الالتزام بطريقة واحدة في الرسم.

٥

وقد صححت الأغلاط المطبعية والإملائية كلها ، ولكني لم أشر في الهوامش إلا إلى المهمّ منها. أما ما كان من أسلوب المؤلف في الكتابة ، ومن لغته وإنشائه ، فقد أبقيته كما هو ؛ لأن المؤلف أشرف على طباعة الكتاب بنفسه فهو بمنزلة النسخة الخطية الخاصة به. ولذا علقت على تلك المواضع ، أو أشرت إليها ، لئلّا يظن القارئ أنها أغلاط مطبعية. ولم أبدّل في النص أو أتصرف فيه إلا إذا كان شعرا مضطرب الوزن ، أو كان نثرا منقولا ، أصابه التحريف أو النقص في النقل ، فعندئذ أقوّم الوزن أو أصلح التحريف والنقص بعد العودة إلى المصدر الأصلي ، مع الإشارة إلى ذلك في الهوامش. وقد وضعت بين مربعين ما زدته من أجل تقويم النص واستقامة التركيب.

٣ ـ ينفرد هذا الجزء الثالث بأن المؤلف أثبت فيه بعض الحواشي ، وهي قليلة ، فذيلتها بكلمة «المؤلف» لئلا تختلط بغيرها مراعاة للأمانة العلمية.

٤ ـ لا يلتزم المؤلف برسم واحد معتمد لأعلام المدن والأشخاص ، أو للكلمات الأعجمية ، فتقرأ في هذا الجزء مثلا : «الإنكشارية ، واليكجرية» وهما اسمان ، أو لفظان ، لمسمّى واحد ، وكذلك بلدة «أدنة» التركية ، ترد عنده بعدة أشكال أخرى : «أذنة ، آذنة ، أطنة ...». ومثل ذلك : «الأرناووط ، الأرناوود ، الأرناود ، الأرناوط» و «طولمبة ، طلنبة» يعني المضخّة ... إلخ. وقد تركت ذلك كله على ما هو عليه واكتفيت بالإشارة إليه هنا ، بغية الاختصار ، وإزالة لما قد يعتري القارئ من شكّ أو التباس ، إزاء تعدد الصور في رسم الكلمة الواحدة.

٥ ـ بعض الكلمات الغريبة ـ وهي قليلة جدا ـ كانت تتكرر في صفحات هذا الجزء ، فكنت أعيد شرحها ثانية باختصار بدلا من الإحالة على صفحة سابقة ، خدمة للقارىء المتعجّل.

تلك هي جملة الملاحظات التي بدت لي في هذا الجزء. والله الهادي إلى سواء السبيل.

حلب ٥ / ١٢ / ١٩٩١

محمود فاخوري

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الباقي وكل ما سواه فان ، المحيط واسع عمله بما يكون ، وما قد كان ، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خيرة بني الإنسان وتابعيهم بإحسان ، ما توالى الجديدان وتعاقب الحدثان.

وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى الله كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى الغزّي البالي الحلبي : هذا هو الجزء الثالث من كتابي (نهر الذهب في تاريخ حلب) وهو الجزء الضّامّ بين دفتيه الباب الثاني المخصص بذكر ما طرأ في مدينة حلب وبعض أعمالها وما نشأ فيهما من الحوادث والكوارث التي هي تنقّل الدول وتبدّل الحكام والحروب والزلازل والصواعق والحرائق والأوبئة والطواعين والفتن والقحط والغلاء والمجاعات ، وغير ذلك من الكوائن والنوازل المعدودة من غرائب الأمور وعجائب المقدور.

افتتحت هذا الباب بإجمال أشرت به إلى الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها ، والدول التي تولتها قبل الفتح الإسلامي. وأعقبته بإجمال آخر ألمعت به إلى الدول والرجال الذين تولوا حلب وحكموا فيها بعد الفتح. ثم أتيت بفصل ذكرت فيه خلاصة من خبر فتحها عن يد المسلمين. ثم أفضت بذكر ما كان فيها وفي بعض أعمالها من الحوادث في زمن كل دولة من الدول التي تولت أحكامها مرتبا إياها على السنين ، بادئا بذكرها منذ سنة (١٦) ه منتهيا منها بالسنة التي يصدّ فيها القلم عن شوطه صادّ محكم وقضاء محتّم.

وكنت أعددت لهذا الباب مسودة يربو مجموعها على ألفي صحيفة ، نحوت بها منحى الإسهاب والإطناب ، ثم عدلت عن هذا المنحى إلى سبيل الإيجاز والاختصار إرضاء لأكثر الناس الذين تميل رغباتهم إلى الوجازة وتملّ من الإطناب والإطالة. ومن الله أستجدي الإمداد وأستهدي بنور هدايته إلى سنن الرشاد والسداد.

٧
٨

إجمال في ذكر الأمم التي أوطنت حلب

وأصقاعها والدول التي

تولتهما قبل الفتح الإسلامي

أول من أوطن هذا الصقع الآراميون ، أي بنو آرام بن سام ، وهم الكلدان ثم السريان. وفي أثناء وجودهم في هذا الصقع كان فرار الخليل من النمرود فجاء إلى حلب وبقي فيها مدة ثم قصدت حلب إحدى طائفتي الحثيين ، وهم من ولد حث بن كنعان ، رابع أبناء حام ، وكانوا يسكنون جبال أمانوس فتغلبوا على الآراميين وطردوهم من صقع حلب وأسسو في هذه النواحي مملكة قوية كادت تضاهي المملكة المصرية في وقتها.

والحثيّون مختلف في جنسيتهم : فالجراكسة يزعمون أنهم هم الحثيّون ، وبعضهم يرى أنهم هم اللاتين ، ومن الناس من يزعم أنهم عرق تاتاري. والله أعلم.

امتدت سطوة الحثيين إلى جميع سوريا والجزيرة وبلاد اليونان وآسيا الصغرى وبلاد إيطاليا وتغلبوا على مصر. ويقال إن الملوك الرعاة فيها كانوا منهم. ثم إن ملوك مصر تغلبوا على الحثّيين في هذه الجهات وملكوها منهم ، وهم تدمس الأول وتدمس الثاني ، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو ٣٧٠٨ سنة ، أو أقل بنحو ١٥ سنة. ومن آثار أولئك المصريين في حلب الحجر الأسود المحرر بقلم الهيروكليف بجدار جامع القيقان الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة العقبة في الجزء الثاني.

ثم إن الحثيين حاربوا المصريين وأخرجوهم من حلب وأصقاعها ، فمشى عليهم تدمس الثالث وملك منهم صقع حلب وغيرها من بلاد سوريا فصالحوه على ما ملكه من بلادهم.

وبقيت بأيديهم إلى أن نقضوا الصلح في أيام رعمسيس الثاني فقصدهم مع من اجتمع إليه من سكان سوريا وتألب عليه بقية ملوكها وحشدوا لقتاله جيشا جرارا كان منه مع ملك حلب فقط ثمانية عشر ألف مقاتل. ونشبت الحرب بين الفريقين قرب بحيرة قادس أو

٩

قدس ، وهي بحيرة حمص ، فكان الظفر لرعمسيس ، وتمزق جيش الحثيين وغرق الكثير من حاميته. وكان من جملة الغرقى ملك حلب غير أنه نشل من الماء ونكس فعاودته الحياة.

ثم وقع الصلح بين الأمتين وبقي صقع حلب في يد الحثيين إلى أن اكتسح خلفاء موسى أريحا وسبوا وأحرقوا وخربوا ثم فتحوا عمان فارتفعت العماليق إلى أرض سوريا وهي قنسرين وتغلبوا على مدينة حلب واتخذوها حصنا لهم وما برحوا منها حتى قصدهم إيواب ابن سيرويا وزير داود وأخذها منهم ، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو ١٦٦٥ أو أقل بنحو ٤٢ سنة.

حكى بعض أحبار اليهود في كتاب له أنه وجد في قلعة حلب سنة ١٢٢٠ ه‍ حجر مكتوب فيه بالعبرانية ما ترجمته : (أنا إيواب بن سيرويا أخذت هذه القلعة).

لم تزل هذه الأصقاع تحت سلطة الفلسطينيين حتى أخرجهم منها ملوك بابل قبل الهجرة بنحو ١٣٠٣ سنة. وعلى رأي فينكلار الألماني : بنحو ١٤٧٦ سنة. وكانت هذه الأمة تعبد الأصنام وكان لهم في جبل سمعان صنم يعبدونه اسمه نبو (ذكرناه في الكلام على الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي في الجزء الأول من المقدمة).

وقرأت في كتاب «بابيلونيا وشيريا» لمؤلفه فينكلار الألماني أشهر علماء التاريخ ، وكتابه هذا مطبوع باللغة الألمانية سنة ١٨٩٢ م ، أنه في سنة ٨٥٤ ق. م خرج سلمناصر من نينوى وسار إلى وادي البليخ واستولى على ملك شيخ جمو الذي قتله شعبه لضعفه. ولما بلغ سلمناصر الفرات اجتازه على سفينة من الجلود وأتى الموضع المعروف باسم سور أو تيراسباط ، وهو على ضفة الفرات ، فعقد هناك جمعية دعا إليها جميع الملوك الذين يدفعون إليه الجزية ، وهم سنكار وأمير قاركمش وقوندابيسبى ، وأمير كمخ وأرامي وأمير غوزي ولاللي وأمير ملتينه ، وخيماني أمير دولة كبر ، وكلبرودا أمير باتين وكركم التي عاصمتها مركاسى (مرعش).

وبعد انقضاء هذه الجمعية فارق سلمناصر أو تيراسباط وقصد خلمن (حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح للوثن (رمن) وهو على رأي فينكلار معبود الحلبيين إذ ذاك.

ثم قال فينكلار : «قال بعض المؤرخين : كانت حلب في أيام الدولة البابلية مدينة تجارية حرة مستقلة ، مستدلا على ذلك بعدم ورود ذكرها في الحروب التي نشبت بين

١٠

البابلية وبين دول سيريا وفلسطين ، وإن سبب استقلالها هو خطورة موقعها الجغرافي المتوسط بين آسيا الكبرى والصغرى فكانت مستقلة باتفاق سائر الدول.

وقال بعض المحققين : إن سوريا كانت في تلك الأيام ذات حضارة تفوق ما كانت عليه منها جميع المملكة الآشورية ، مستدلا على ذلك بنقل الوثن (رمن) من سوريا إلى نينوى وعبادة أهلها إياه مع معبودهم الوطني. فلو لم تكن سوريا في ذلك الزمن أرقى من نينوى حضارة ومدينة وصناعة لما اختار أهل نينوى الوثن (رمن) ونقلوه إلى عاصمتهم واتخذوه معبودا لهم مع وجود معبودهم. واستدل بعض علماء التاريخ من الآثار العاديات على أن الوثن (رمن) هذا كان آله العواصف في سوريا وأنه سنة ٢٠٠٠ ق. م بني له هيكل في نينوى». اه كلام فينكلار.

قلت : لم تزل حلب تحت سلطة البابليين حتى ملك الساسانيون في أيام الملك دارا «نينوى» وامتدت سطوتهم إلى سوريا وبقيت في أيديهم حتى أخذها منهم إسكندر المكدوني ، وصارت حلب موطنا لليونانيين وأحسنوا إلى أهلها فتخلّقوا بأخلاقهم واعتنى اليونانيون بسورية الشمالية وجددوا فيها عدة بلدان كأنطاكية وأفامية والسويدية. ثم إن سليقوس نيكادور أحد ملوك اليونانيين لما استولى على أنطاكية بعد ٢١ سنة من جلوسه قبل الهجرة بنحو ٩٤٥ سنة ـ جدد بناء مقدار النصف المتهدم من حلب ، وهو الذي بنى القلعة على التل المشهور بإبراهيم الخليل ، وأمر اليهود بأن يترددوا للتجارة إلى هذه البلدة ويقيموا فيها وفرض عليهم بعض الضرائب ، فاستوطنوها وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم مقدار نصف ساعة طولا وكان لهم فيها عدة معابد.

لم تزل حلب في حوزة اليونانيين إلى أن انتزعها منهم الرومان سنة ٦٤ أو ٦٥ ق. م ، وملكوا معها سوريا وأنطاكية وجعلوا حلب عاصمة ملكهم. وقبل الهجرة المحمدية بنحو ٤٩٨ سنة أمر الإيمبراطور تريان اللاتيني بضرب السكة بحلب ، وكان مرسوما على أحد جانبيها صورته وعلى الجانب الآخر كلمة (برويا). وقبل الهجرة بنحو ٥٢ سنة حاربت الفرس الملك كيروليس الشرواني في أنطاكية وحلب وقنسرين ومنبج وأحرقوا منبج وأنطاكية وقنسرين.

أما حلب فقد كان فيها من قبل الملك كيروليس بطريق يقال له موغان (وإليه تنسب

١١

كنيسة موغان وحمام موغان في حلب) صالح الفرس على حلب بدراهم دفعها إليهم ، ثم جدد الملك كيروليس ما تهدم من سورها وقت المحاربة وذلك من باب الجنان إلى باب النصر ، وكان بناؤه من القرميد الغليظ. ولم تزل بأيدي الرومان حتى فتحت تحت راية المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

١٢

إجمال في ذكر الدول والرجال

الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون

أول دولة حكمت حلب دولة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين ، ثم بقية الراشدين ثم الدولة الأموية ثم المروانية ثم العباسية العراقية. ثم استقل بها أحمد بن طولون في سنة ٢٦٤ واستمر بها هو وأعقابه من بعده إلى أن ضبطها منهم الأفشين. ثم عادت لبني طولون وكانوا هم والأفشين يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة ٢٨٦ عادت لحكم الدولة العباسية المذكورة. ثم في سنة ٣٢٩ استولت عليها الدولة الإخشيدية فلم تطل مدتهم بها وانتقلت إلى الدولة الحمدانية سنة ٣٣٣ ثم استولت عليها الدولة الإخشيدية مدة ثم عادت إلى سيف الدولة ٣٣٦ وكانت الدولة الإخشيدية والحمدانية يخطبان فيها بأسماء خلفاء الدولة العباسية العراقية.

وفي أيام سيف الدولة استولى عليها الروم مدة قليلة ثم بارحوها وعاد إليها سيف الدولة. ثم استولت عليها الدولة العلوية المصرية فلم تطل مدتها ، وانتقلت منها إلى الدولة المرداسية سنة ٤١٤ وبعد مدة عادت لحكم الدولة العلوية المذكورة. ثم في سنة ٤٣٣ عادت للمرداسيين. ثم في سنة ٤٤٩ عادت للدولة العلوية. وفي سنة ٤٥٢ رجعت للمرداسيين وخطبوا فيها باسم خلفاء الدولة العلوية المصرية. ثم في سنة ٤٦٢ صاروا يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة ٤٧٣ دخلت تحت سلطة شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وفي سنة ٤٧٨ اقتتل مسلم المذكور مع سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب قونيه ، فانكسر مسلم وقتل وانهزم عسكره.

وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله مقدم الأحداث في حلب ورئيسها ، فانفرد بها. وكان سالم بن مالك العقيلي بقلعتها وهو ابن عم مسلم المذكور ، وكان أخو مسلم إبراهيم بن قريش محبوسا فقصده بنو عقيل وأخرجوه وملّكوه حلب.

١٣

ثم دخلت تحت سلطة السلجوقية وأقاموا فيها عاملا من قبلهم (أقسنقر) جدّ نور الدين محمود زنكي. وفي سنة ٤٩٠ كان واليها رضوان بن تتش السلجوقي ، فخطب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع ثم أعاد الخطبة باسم الخلافة العباسية العراقية. وفي سنة ٥١١ دخلت في حوزة الدولة الأرتقية حكّام ماردين وهم من أتباع السلاجقة. ثم نزعت منهم إلى أقسنقر البرسقي صاحب الموصل سنة ٥١٥ واستناب بها ولده إلى سنة ٥٢٢ وفيها استولت عليها الدولة الأتابكية الزنكية.

ثم في سنة ٥٧٨ انتقلت إلى الدولة الأيوبية. ثم في سنة ٦٥٧ استولى عليها التتر المنسوبون إلى جنكزخان ثم بارحوها. ثم عاودوها في سنة ٦٥٨ ثم فارقوها. ودخلت بعدهم في دولة الأتراك مماليك الدولة الأيوبية. وفي سنة ٨٩٢ استولت عليها الدولة الجركسية مماليك دولة الأتراك ، واستمر فيها إلى سنة ٩٢٢ وفيها دخلت في المملكة العثمانية القائمة على أنقاض أحد فروع الدولة السلجوقية.

وفي سنة ١٠١٤ عصي علي باشا الجانبولاد على الدولة العثمانية واستقل بحلب وغيرها سنتين ثم أخضعته الدولة واستردت ما كان استولى عليه من بلادها التي من جملتها حلب. وفي سنة ١٢٣٥ استولى عليها أهلها مدة أشهر ثم رجعت لحكم الدولة ، وفي سنة ١٢٤٨ استولى عليها مع غيرها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر ، واستمرت بأيدي المصريين إلى سنة ١٢٥٥ وفيها عادت إلى الدولة العثمانية مع بقية ما أخذته منها خديوية مصر. وفي سنة ١٢٦٦ استولى أهلها عليها عدة أيام ثم أعيدت إلى الدولة.

وفي سنة ١٣٣٧ خرجت من حكم الدولة العثمانية ودخلت تحت حكم الدولة العربية الفيصلية المسيطرة على سوريا. وبعد سنة انضمت إلى الوحدة السورية تحت الانتداب الفرنسي.

خبر فتح حلب عن يد المسلمين

فتحت حلب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ١٥ من الهجرة النبوية أيام الخريف ، سنة ٦٣٣ ميلادية ، عن يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة رضي الله عنهما وكان فتحها صلحا وفتح قلعتها عنوة.

١٤

قال الواقدي ما ملخصه : بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا على مال معيّن ودخلا قنسرين واختطّا بها مسجدا ، بلغ ذلك أهل حلب فخافوا ، وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة ، وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات. وكان هرقل ملك الروم يهابه لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصّنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا عن الرئاسة إلى الترهب ، ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة أشار على أخيه بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها ١٢ ألف فارس إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب.

وكان أبو عبيدة بقنّسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة ومعه ألف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنّسرين غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى حلب. وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب كعبا ، وكعب في غاية القلق الضجر ، وقد تلف من عسكره زهاء مائتي رجل من أعيان الصحابة. فلما سمع يوقنا خبر الصلح اضطرب جيشه وارتد على عقبه.

ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون : ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله فعارض أخاه يوقنا فلم يفعل ، فأغلظ له الكلام فغضب عليه وقتله.

وكانت رايات المسلمين قد أشرفت عليهم ولما سمع خالد ضجيج أهل البلد وبكاءهم قال لأبي عبيدة : هلك أهل ذمتك. وحمل على جماعة يوقنا فلم ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية وحفّوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا.

١٥

وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام إبراهيم (مقبرة الصالحين).

ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشنّت غاراتهم في بقية البلاد إلى الفرات. ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جدّ المسلمون في قتالهم فدحروا الروم واقتطعوا منهم زهاء مائة رومي. ثم خرج علّاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا ، كلهم من طيّئ وانهزم الباقون ، وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم ، ثم عقروا المواشي وكمنوا في الجبل خوفا من المسلمين وقد عزموا على الرجوع إلى القلعة ليلا.

ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال الروم الكامنين خالدا ومعه بعض رجال صناديد ، فسار إليهم وكمن لهم حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولّوا منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه لمكايد الروم وسدّ عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه.

وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره الخبر ويستأذنه بالانصراف عن قلعة حلب لصعوبة مأخذها وقلة العسكر. فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس وثلاثمائة مطية مردوفين ، ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن القلعة أو تسلّم إليه ، وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة وأكناف الجبال والأودية ، ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من صالحه ويسالم من سالمه.

وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة ، يقال له

١٦

دامس ، ويكنى أبا الأهوال ، كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة (١) إذا ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له دامس : ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة والاستتار ما استطاعوا ، ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا ، فإذا بشّروك بظهورنا على أعدائنا (٢) فتلحق بنا إن شاء الله تعالى.

فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه : اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي على أربع ، وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما ، وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور ، وكان الظلام شديدا ، فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقوّته على الجدار ، ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله.

ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو ، فإذا الثامن قد وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور ، فوجد حارس ذلك المكان نائما ثملا ، فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على السور ، وكان آخرهم دامس ، فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى الحرس سكارى نائمين ، ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه وقد قرب الفجر ، فأقام خمسة منهم على الباب وأرسل واحدا يستعجل خالدا ، ومشى بالباقين نحو دار يوقنا ،

فصاحوا ، وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما.

__________________

(١) البصّاص : الذي ينظر بتحديق ـ والسّحوقة : العالية.

(٢) أي بانتصارنا عليهم.

١٧

وبينما هم في هذه المعمعة إذ دخل عليهم خالد بن الوليد في جيشه وحينئذ طلبت الروم الأمان. وكان قد وصل أيضا أبو عبيدة فأمّنهم. وأسلم يوقنا وجماعة من ساداتهم فردّ عليهم أموالهم وأهاليهم واستبقى الفلاحين وأخذ عليهم العهود ألّا يكونوا إلا مثل أهل الصلح والجزية وأخرجهم من القلعة وغنم المسلمون من القلعة ما لا يحصى. وأخذ الناس في حديث دامس وحيله وعجائبه وعالجوا جراحه الكثيرة حتى برئت. اه.

حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

ولما كان أبو عبيدة في حلب نقض أهل قنّسرين ، فردّ إليهم السمط بن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها فوجد فيها بقرا وغنما فقسم بعضها فيمن حضر ، وجعل الباقي في المغنم. وكان في حاضر قنسرين قديما بنو طيّئ ، نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبليين من نزل منهم فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم وصولح كثير منهم على الجزية. ثم أسلموا بعد ذلك بسنين إلا من شذّ منهم.

حاضر حلب :

وكان بقرب مدينة حلب حاضر يجمع أصنافا من العرب ، من تنوخ وغيرهم ، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ثم أسلموا وجرت بينهم وبين أهل حلب حرب أجلاهم فيها أهل حلب فانتقلوا إلى قنّسرين.

قال البلاذري ما خلاصته : كان بقرب حلب حاضر يدعى حاضر حلب ، يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم. جاء أبو عبيدة بعد فتح قنسرين فصالح أهله على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك ، وكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد. ثم إن أهل ذلك الحضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم ، فسارعوا إلى إنجادهم وأجلوا أهل الحاضر عنه وأخربوه ، وتفرق أهله في البلاد ، وذلك في فتنة الأمين بن الرشيد.

وقال ياقوت : والذي شاهدناه من حاضر حلب أنها محلة كبيرة كالمحلة العظيمة بظاهر حلب بين بنائها وسور المدينة رمية سهم من جهة القبلة والغرب ، ويقال لها الحاضر السليمانية ، ولا نعرف السليمانية ، وأكثر سكانها تركمان مستعربة من أولاد الأجناد. وفيه

١٨

جامع حسن منفرد تقام فيه الخطبة والجمعة والأسواق الكثيرة من كل ما يطلب ، ولها وال يستقلّ بها.

أول مدربة في الإسلام :

وفي سنة ١٦ أدرب (١) خالد وعياض بن غنم. وهي أول مدربة كانت في الإسلام.

تأمير خالد :

ورجع خالد من مدربته ، وأتته الإمارة من عمر رضي الله عنه على قنسرين. فأقام خالد أميرا من تحت يده ، أبا عبيدة ، عليها إلى سنة ١٧.

عزل خالد بن الوليد عن قنّسرين :

في سنة ١٧ عزل خالد عن قنّسرين لأنه تدلّك بدرديّ (٢) الخمر وأسرف بإجازة الأشعث بن قيس.

أقول : أرى أن عزله كان من الخليفة سياسة ، حينما رأى القلوب تميل إليه لشجاعته ودرايته وسخائه فخشي أن يستولي على أهواء الناس فتميل قلوبهم لاستخلافه فيحدث ما لا تحمد عقباه.

على أن ما أراه كاد يكون صريحا في كلام أمير المؤمنين حيث قال له مستعطفا : «يا خالد إنك عليّ لكريم وأنت إليّ لحبيب». وكتب إلى الأمصار : «إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فخّموه وفتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألّا يكونوا بعرض فتنة». اه.

كيف يكون عزله مسببا عن التدلّك بالدّرديّ؟ وهو جائز شرعا ، وعن توسعه بإجازة الأشعث ، وأمير المؤمنين يعلم أن ذلك من ماله وأن خالدا في منزلة من العفاف تجعله بعيدا عن الغلول ، وعزة نفسه وتمسّكه في دينه يأبيان عليه أن يكون غالّا.

__________________

(١) أي دخل بلاد الروم فاتحا ، وجاوز الدرب إليهم.

(٢) الدّرديّ : ما يركد في أسفل الشراب ونحوه.

١٩

خبر من جلدوا في الخمر :

في سنة ١٨ كتب أبو عبيدة إلى عمر كتابا يذكر فيه أن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب فأمر بجلدهم فلم يعودوا إلى شربه.

طاعون عمواس :

فيها كان طاعون عمواس بالشام مات فيه خمسة وعشرون ألف صحابي. وهو أول طاعون بالإسلام ، واستقام شهرا. ولما بلغ عمر رضي الله عنه خبر هذا الطاعون خشي منه على أبي عبيدة فكتب إليه يستقدمه ، فلم يرض أبو عبيدة أن يفوز بنفسه ويترك جنده عرضة للطاعون ، وكتب إلى عمر بهذا المعنى ، فكتب إليه عمر بأن يرفع المسلمين عن تلك الأراضي ، فرفعهم منها.

ثم طعن (١) رضي الله عنه وقد نزل الجابية وقبل أن يموت استخلف على الجيوش والعمال معاذ بن جبل فطعن ابنه عبد الرحمن ومات. ثم طعن معاذ براحته ومات. وكان أبو عبيدة قد استخلف على قنّسرين ، حين طعن ، عياضا (٢) بن غنم ، فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

خبر عام الرّمادة :

فيها أصاب الناس بالمدينة المنورة مجاعة عظيمة وقحط ، وسفت الريح ترابا كالرماد واشتد الجوع حتى آوت الوحوش إلى الإنس. فكتب عمر إلى العمال يستمدهم لأهل المدينة ، فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة طعام فولّاه قسمتها فيمن حول المدينة ، فقسمها وانصرف إلى عمله.

بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر :

وفي سنة ٢٠ مات عياض بن غنم واستخلف عمر بن الخطاب بعده ، على حمص وقنسرين ، سعيد بن عامر بن جذيمة الجمحيّ ، فمات فيها. وقيل مات سنة ١٩ وقيل

__________________

(١) أي أصيب بالطاعون. والضمير لأبي عبيدة.

(٢) الصواب : «عياض» بغير تنوين ، في مثل هذا التركيب.

٢٠