نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩١

ومنها صنعة قصبات التدخين المعروفة بالغلايين. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة.

ومنها صنعة عمل الزجاج ظروفا وأواني على أشكال شتى وضروب متنوعة. وكان لها في مدينة حلب عدة معامل في محلة منها تعرف بالزجاجية أو الزجاجين. وكانت هذه الصنعة راقية جدا ولها شهرة في البلاد وللحلبيين بها اختصاص ومهارة. وكانت مادة المعدن التي تعمل منه الأواني الزجاجية تؤخذ من جبل البشري في جهات دير القائم الأقصى ، على ما حكاه ياقوت في معجمه. وقد تقدمت الإشارة إليه في الكلام على جبال الولاية. ومما يستدل به على أن هذه الصنعة كانت راقية في حلب قول التاجر لسعدي صاحب كتاب كلّستان : (قد عزمت على سفرة أخرى لأجل حمل الكبريت الفارسي إلى الصين والخزف الصيني إلى الروم والبز الرومي إلى الهند والفولاذ الهندي إلى حلب والزجاج الحلبي إلى اليمن). ومن ذلك أيضا ما حكاه صاحب كتاب ثمرات الأوراق عن صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن ناجز الموسيقي في كلامه عن قائد هولاكو حين نزل عنده : (عملت له مجلسا ملوكيا وأحضرت له الأطعمة الفاخرة في الأواني المذهبة من الزجاج الحلبي وأواني الفضة).

على أنه لم يبق الآن في حلب أثر لهذه الصنعة إنما يوجد لها في مدينة أرمناز معمل واحد تعمل فيه بعض الظروف على صفة بسيطة ليست من الحسن والإتقان على شيء.

ومنها صنعة نسج القطائف المعروفة بالطنافس ، كما أفاده دارفيو حيث قال : والحلبيون يفرشون بيوتهم بالطنافس التي ينسجونها عندهم : وقد فقدت هذه الصنعة من حلب مدة طويلة ثم في حدود سنة ٣١٥ تجددت وكثر صناعها وأحرزوا بها مهارة تامة.

النباتات في حلب وولايتها

الحبوب

ولنبدأ منها بالحبوب التي هي أشرف أنواعها لأن الحاجة إليها في الأقتيات أشد من الحاجة إلى غيرها. فأقول : أعظم الحبوب التي تستنبت في حلب وأعمالها هي الحنطة التي بها معاش أهلها ولأنها من أعظم بضائعهم التجارية. يمتد بذرها من تشرين الأول إلى أواسط شباط سقيا وبعلا وهو الأكثر والذي يبذر منها في تشرين الأول يقال له غباري. وإذا

١٠١

كان الموسم جيدا تجيء غاية في الخصب وقلما يجود المبذور منه في شباط. وكلها تدرك في هيار وفيه تحصد. ويقال : في هيار بالمنجل يغار. وهذا يكون في ضواحي حلب وقراها الشرقية والجنوبية. أما في أعمالها الشمالية فإن إدراكها يتأخر إلى أواخر حزيران لبرودة مواقعها. وهكذا جميع الحبوب والبقول والفواكه والخضر فإنها تدرك في ضواحي حلب وبساتينها وقراها المذكورة قبل إدراكها في أعمالها الشمالية.

وأما أعمالها الغربية فمنها ما تدرك فيها النباتات قبل حلب كاسكندرونة ، ومنها ما يتأخر عنها كبيلان. ومنها ما يساويها كبقية الجهات. ثم إن الحنطة أنواع لا تكاد تدخل تحت حصر وليس في تعدادها كبير فائدة. ومثلها الشعير وربما أدرك قبلها بأيام قليلة والعدس والجلبان وما هو من فصيلته كالخرقى والبيقة والقصاص المعروف بالكرسنّة والبسلة والماش والباقلاء المعروف بالفول والحمص ، كلها يتأخر بذرها عن الحنطة وتزرع عذية وتدرك في أواخر نيسان. والذرة البيضاء والصفراء المعروفة عندنا بالذرة المصرية يمتد بذرهما من آذار إلى أواسط نيسان وتدركان في أيلول ويزرعان سقيا وبعلا. وقد تقطف الصفراء طرية من أوائل الصيف إلى أيلول وتشوى وتؤكل.

ويوجد في أعمال حلب شمالا حب شبيه بحب الشهدانج حجما أبيض أملس ينساب كالرمل إذا قبض عليه ، يقال له في بر الترك كلكل وهو نوع من الدّخن يستعمله فقراء تلك البلاد خبزا وربما استعمله أغنياؤها في سنين القحط والمجاعة. وأوان بذره وإدراكه كالذرة البيضاء. ويوجد في أنطاكية وقراها حب أشبه بالشعير إلا أن حبته أرق من حبة الشمار يزرعه أهل تلك الجهات علفا لدوابهم ويرون أنه أنفع لها من الشعير ولا سيما في الأيام الحارة ويسمونه الشوفان. ومن الحبوب الكثيرة الفائدة في ولايتنا الأرز وهو أنواع عديدة ويزرع منه مقدار عظيم على السيح في سهول العمق وجهات مرعش ، وأوان زرعه اليوم الرابع عشر من آذار ويدرك في أيلول.

ومن الحبوب الكثيرة الاستعمال اللوبيا وتزرع في بساتين حلب وبلادها وعلى شطوط نهر الفرات ، وأوان زرعها نيسان وتدرك في حزيران. ومما هو من فصيلتها نوع يقال له الفاولة ، والبعض يسميه فاصولية ، وتزرع سقيا في البساتين فقط في الربيع وتدرك بعد مدة قليلة ويتوالى قطافها إلى أواسط الخريف ، وهي واللوبيا يطبخان بغلافهما أخضر ويطبخ حبهما فقط يابسا وربما جففتا بغلافهما في حال غضاضتهما ثم استعملتا طبخا. ومما هو

١٠٢

شبيه بالحبوب حب الخروع يزرع في بساتين حلب وأكثر قرى ولايتها عذيا. وأوان زرعه في حلب وقراها من آذار إلى أواسط نيسان ويدرك في حزيران. والسمسم والقطن يزرعان في نيسان عذيين.

الخضر والبقول والفواكه وغيرها

ومنذ سنيّات قليلة شاع في بعض بساتين حلب وقراها زرع البطاطة ونجح سقيا وعذيا. وشاع في بعض بساتين حلب زرع توت الأرض المعروف عند الأتراك باسم جلك وهو ثمر يضارع الفرصاد بشكله لطيف يعمل منه مشروب لذيذ وينفع من داء النقرس حتى قيل إنه هو الدواء الوحيد لهذا المرض ، وهو مما حدث زرعه في حلب وبعض قراها سنة ١٢٩٠ ويزرع في حلب وقراها الشونيز المعروف بالحبة السوداء أو بحبة البركة والشمرة والكسفرة والأنيسون والخشخاش البستاني والعصفر ، تزرع في نيسان سقيا وعذية وكلها تدرك في حزيران.

وفي مفردات ابن البيطار عن بعض أعراب حلب أن القطن يعظم عندهم شجره حتى يكون مثل شجر المشمش ويبقى عشرين سنة. قلت : هذا النوع من القطن لا يوجد الآن عندنا. والشهدانج المعروف عندنا بالقنبز وهو حب القنّب يزرع على السّيح في جهات الرّها والعمق والباب ، وأوان زرعه آذار ويدرك في تشرين الأول والبطيخ الأخضر ، ويعرف عندنا بالجبس ، وأظن أن هذه اللفظة محرفة عن (الدبسي) وهي اسمه عند سكان جهات الزور وأعرابها وسمّوه بهذا الاسم لأنهم يعملون منه الدبس المعروف. والجبس يكثر في ضواحي حلب ونواحيها جدا حتى يباع رطله بعشرين بارة وهو كبير الحجم قد تبلغ زنة الواحدة منه أربعة أرطال حلبية وهو حلو الطعم لذيذ جدا لا نظير له في أكثر بلاد سوريا ، وهكذا كان في حلب من قديم الزمان ، وقد ذكره ابن الشحنة في عداد الأمور المختصة بحلب حيث قال : ومنها البطيخ الأخضر وهو الذي تسميه الأطباء الري وربما سموه كما يسميه أهل حلب : الزبش ، وهو شديد الحلاوة رقيق الجلد ينسبونه في حلب إلى الشوش فيقولون الشوشي ، وهو من المفردات المفقودة في غير حلب من البلاد ويجلب بزره إلى غزّة من البلاد الشامية في كل سنة ويزرع فيخرج في سنته على تلك الخاصة صادق الحلاوة ثم يزرع بزره في السنة الثانية فلا يجيء مثل السنة الأولى. وناهيك دليلا على جودة

١٠٣

بطيخ حلب ما أجاب به شهاب الدين السهروردي المقتول وقد قيل له وهو يقيم بحلب : إنهم يريدون قتلك فاخرج منها. فقال : حتى آكل بطيخها وأخرج.

والبطيخ الأصفر أنواع كثيرة معظمها نوعان : يعرف أحدهما بالسلطاني والآخر بالعنداني. والأول هو الأطيب والأحلى وهو المعتبر في أنواع البطيخ التي تزرع من بذرتها في كل سنة. والثاني أكثر ماء من الأول لكنه دونه في الحلاوة وطيب الرائحة. وهذان النوعان يبتدئ نضجهما من أول تموز فيتوالى قطافهما إلى أوائل الخريف وربما امتد السلطاني إلى ما بعد العنداني. وأما بقية أنواع البطيخ الأصفر فمنها ما يؤكل في الخريف ، ومن هذا النوع بطيخ يجلب إلى حلب من البيرة لذيذ جدا ومنها ما يؤكل في الشتاء وهو أنواع كثيرة ومنها ما تستجلب بذرته من أزمير وغيرها وتزرع في بلاد حلب.

وجميع أنواع البطيخ التي تستنبت في قرى حلب سواء كان أخضر أم أصفر تزرع في عاشر نيسان سقيا وبعلا ، وهو الأكثر والأجود ، وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى أواخر الخريف عدا السلطاني والعنداني المتقدم ذكرهما فإن قطافهما ينتهي في أوائل الخريف. والمفهوم من كلام ابن الشحنة أنه كان يخرج في بلاد حلب بطيخ أصفر يعرف بالسمرقندي والكمالي ، قال : وهو عديم النظير في الشام. وقد زرع بزر السمرقندي ببعض قرى دمشق فجاء طيبا للغاية لكن غالبه مشوّش ثم نقل إلى القاهرة فجاء في غاية الحلاوة لكنه رخو جدا كثير الماء. قال : وبحلب نوع آخر من البطيخ يسمى البابي. قلت : الأنواع التي ذكرها ابن الشحنة لم تزل توجد عندنا حتى الآن غير أن أسماءها قد تبدلت.

ومن المحاصيل الأرضية أيضا الخيار وبذره يجلب في كل سنة من جهات مرعش لأنه إذا زرع من بذر الحلبي أثمر خيارا طوالا غليظا ، ومنها العجور وهو شبيه بالخيار إلا أنه مزغّب مخطّط بلون يميل إلى البياض ويستعمل نيئا ومطبوخا. قيل : وهو من خصائص حلب وقراها. ومنها القثّاء وهي أنواع شتى طويلة مخططة بيضاء قد يبلغ طول الواحدة منها ثمانين سنتيمترا في غلظ عشرين سنتيمترا أو قصيرة مخططة خضراء دون الأولى وكلها تؤكل نيئة ومخللة كالخيار. وأوان زرع هذه الأنواع الثلاثة وإدراكها وقطافها كالبطيخ والخيار يزرع مرة ثانية في آب ويدرك في أيلول وكلها برية وبستانية. ومنها القلقاس يزرع في تشرين الأول في سويدية أنطاكية ويدرك بعد سنة ، وقد استنبت بحلب مدة فلم يصادف رواجا. ومنها أنواع اليقطين كالقرع السلاحي الطويل الأملس والشتوي المكبكب الذي

١٠٤

قد يبلغ محيط الواحدة منه مائة وعشرين سنتيمترا. والكوسه وهو على هيئة الخيار الأبيض ، وأوان زرعها وإدراكها وقطافها كالبطيخ وتكون سقيا وعذية ولا تستعمل إلا مطبوخة. ومنها قصب السكر ومحل زرعه جهات عينتاب وأنطاكية ويزرع في الربيع سقيا ويدرك في الخريف ويستعمل مصا ولا يستخرج منه سكر لقلته وعدم وجود آلة لاعتصاره.

ومنها القصب الفارسي وهو من النباتات الخالدة ويوجد في جميع بساتين حلب وجهات ولايتها ، ويجمّ في أواخر الشتاء وأوائل الربيع وتتخذ منه مظلات لليهود في عيد المظالّ ، وعرائش لشجر الكرم المستنبت في البيوت والبساتين ولنحو النباتات الخالدة الزهرية كالياسمين والنسرين وتصنع منه مشاط النسج وفواصل الحياكة وغير ذلك. ومنها التبغ المعروف بالتوتون وهو المستعمل بالسيغارة والغليون ويزرع في حلب وجميع جهات ولايتها سقيا وعذيا وأجوده المستنبت في ناحية باريشا في قضاء حارم ، وقد قل زرعه في هذه الأيام لكثرة الضرائب الموضوعة عليه من قبل إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة رجي ، ويزرع في الربيع ويحول بعد أن ينبت ويدرك في تموز ويتوالى قطافه إلى تشرين الأول.

ومنها الباذنجان الأسود في بساتين حلب وجهات ولايتها والأبيض الكبار في تادف والباب ، وكلا النوعين يزرعان سقيا وينوعان مطبوخين إلى عدة أنواع والأسود يبذر في حلب في أواخر شباط فينبت بعد أربعين يوما ثم يفرق ويحول وبعد أربعة أشهر من زرعه يثمر ويتوالى قطافه أربعة أشهر. ويقال عنه في المثل أربعة في الجراب ، وأربعة في التراب ، وأربعة على ظهور الدواب ، أي أن بذره يبقى مخبوءا في الأجربة أربعة أشهر ثم يزرع فيبقى أربعة أخرى ثم يثمر فيدوم ثمره على ظهور الدواب أربعة أشهر. ومنها الباذنجان الأحمر المكبكب المعروف بالبندورة والطماطم يزرع سقيا مع الأسود ويثمر قبله بقليل ويتوالى قطافه إلى أوائل الشتاء ، واستنباته حادث في حلب وأعمالها استجلب إليها من مصر سنة ١٢٦٨ وكان الناس يعافون أكله ثم ألفوه أشد ألفة وكثرت زراعته حتى صار يباع رطله الحلبي بعشرين بارة ، وكثيرا ما يستجلب إلى حلب من البلاد الساحلية قبل إدراكه في حلب. ومنها الفلافلة الحمراء القرنية الهيئة وتقطف في أولها خضراء تستعمل مخللا ثم تقطف حمراء وتدّخر لتفويه بعض الأطعمة ويوجد منها نوع حلو غير حريف أخضر وأحمر يستعملونه مخللا. وكلها تزرع سقيا في أوان زرع الباذنجان. ومنها أنواع الكرنب كالذي له ورق كالساق ملتف على بعضه ويعرف عندنا باللّخنا. والذي له ورق كالسلق ملتف

١٠٥

قليلا على زهره ويعرف عندنا بالقرنبيط. والذي ليس له إلا ورق قليل والمستعمل منه جذعه ويعرف عندنا بالكرنب. وكلها تزرع سقيا في آذار وتحول شتلا في حزيران وتدرك في كانون الأول.

ومنها عود المكنس يزرع سقيا في آذار ويقطف متى احمرّ بزره. ومنها البامية تزرع سقيا وعذية في آذار وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى غاية تشرين الأول. ومنها البصل والثوم والكرّاث ويعرف عندنا بالبراصة. وتزرع سقيا في آذار وتدرك بعد شهر. وقد تزرع مرة ثانية في تشرين الأول وتدرك في أواخر الشتاء. ومنها السلق والإسفاناخ ويزرعان سقيا في نصف آب ويدركان في تشرين الأول ويتوالى قطافهما إلى هيار. ومنها المقدونس والكرفس والرشاد وحشيشة الوادي تؤكل نيئة بالحمض والزيت وتعرف عندنا باسم دره أوتي وهو اسمها التركي وهي نوع من الشمرة والخس ونوع منه يقال له الكبّوس يستعمل كحشيشة الوادي والهندبا وكلها تزرع سقيا في أيلول وتدرك في شباط وتقطف إلى غاية نيسان. ومنها الرجلة المعروفة عندنا بالبقلة تزرع سقيا في نصف آذار وتقطف من أواخر نيسان إلى أواخر الصيف وربما زرعت مرة ثانية في تموز وقد تنبت بنفسها في بعض جهات ولاية حلب. ومنها الملوخيا تزرع سقيا في أول آذار وتدرك بعد شهرين وتقطف إلى تشرين الثاني.

ومنها الخرشوف المعروف عندنا بأرضي شوكي ويزرع سقيا وعذيا ورقا منه في تشرين الأول أو في شباط ويثمر في العاشر من نيسان ويصير من النباتات الخالدة. ومنها الجزر والشوندر يزرعان سقيا في تموز ، وتعلف الدواب من ورق الجزر والشلجم المعروف عندنا باللفت والفجل ويزرعان سقيا في أيلول وكلها تدرك في تشرين الثاني وتؤكل إلى أوائل نيسان.

ومنها الحلبة والفصّة ويزرعان سقيا في أيلول ويدركان في الربيع علفا للدواب ، وتصير الفصّة خالدة كلما قطفت نبتت. هذا ما تيسر استقصاؤه من المحاصيل الأرضية المستنبتة في بساتين حلب وبعض قراها وبلادها.

١٠٦

النباتات الشجرية

الأشجار التي توجد في بساتين حلب وأعمالها وجبالها منها شجر الكرم الذي لا تكاد أنواعه تدخل تحت الحصر ويزرع سقيا وعذيا أقلاما في أواسط شباط ويثمر عنبا بعد ثلاثة أعوام في تموز ويقطف إلى أوائل الشتاء متعاقبا على اختلاف أنواعه. ويعمل من الأبيض منه ، في عينتاب ومرعش وبيلان ، العرق المسكر وأنواع الحلاويّ كالدبس والبصطيق (جلد الفرس) ومن الأسود منه الخمر والخل. ويوجد منه نوع أسود حالك في جهات القصير يعرف بالبكّاري يتغالى شرّاب الخمر في خمره ويباع منه كل سنة في حلب قناطير مقنطرة لأجل اعتصاره خمرا. وكلها تيبس زبيبا أما العنب الموجود في برية حلب وجهة تادف والباب فلا يستعمل لغير الأكل. وقد أدركنا حلب وليس في بريتها شيء من هذا الشجر. ثم في سنة ١٢٧٦ التفت الناس لغرسه فنجح وكثر حتى عم برية حلب. وأكثر أنواع هذا الشجر موجود في البيوت والبساتين من حلب وأعمالها ، وتعظم شجرته وتحمل على عريشة وينتفع الناس من حصرمها وورقها كثيرا وعنبها قليلا. وربما ظلت الدالية في بيوت حلب مسافة عشرين ذراعا في مثلها وقد يبلغ حملها من الحصرم إذا كانت سباعية قنطارين بالوزن الحلبي ، والسباعية هي التي تحمل في كل عام سبع مرات متوالية.

ومنها شجر الزيتون وهو نوعان زيتي للزيت وخلاخلي يحلى بالماء أو بالقلا والكلس ويؤكل فقط. وأكثر زيتون بساتين حلب من الخلاخلي وقلما يسلم من الصقيع. ومعظم النوع الأول في كلّيس وهو أجود أنواعه ثم في القصير ثم في سلقين ثم في إدلب فأرمناز وكفر تخاريم ومرعش ويزرع قطعة من أصول جذعه في أربعينية الشتاء ويثمر مع الخدمة والاعتناء بعد سبعة أعوام ويدرك في أيلول.

ومنها الفستق ويكون أنواعا عديدا وهو من خصائص مدينة حلب في سوريا ومحله الآخر جبال قلعة الروم وفيها معظمه ثم في جهات برية حلب فقط. وكيفية زرعه أن ترمي منه حبة في الأرض في أول الأربعينية وتتعهد بالسقي مدة سنتين وتكون قد نبتت بعد ثلاثة أشهر من رميها ثم بعد السنتين تحول نبتة (شتلة) إلى حفرة لها وتتعهد بالسقي مدة سنة ثم تترك حتى يتم على تحويلها أربعة أعوام وحينئذ تصير شجرة في ارتفاع قامة الإنسان فيطعمونها من النوع المطلوب ببراعمه ويعرف عندنا بطعم السمسمة فتثمر من ذلك النوع.

١٠٧

ويقطف الفستق من تموز إلى أواسط آب وشجرته لا تثمر من غير تطعيم وربما أثمرت بطما أو فستقا فارغا صغارا يعرف بالشرقي.

ومنها التين وهو أنواع كثيرة أيضا. وكان كثيرا في برية حلب وجميع جهات ولايتها. قال ابن الشحنة : وبها التين الذي لا يوجد نظيره في بلد من البلاد ، لا في شكله ولا في مقداره ولا في طعمه ولا في كثرته ، فقد بيع منه والملك الأشرف ابن سيباي بحلب عشرة أرطال حلبية بدرهم فضة. ومنه نوع يقال له الماسوني تبلغ الحبة منه ستين درهما أو أكثر ، والسلطاني وهو أجوده والورداني وهو أسود.

قلت : والذي أدركنا عليه حلب أنه لم يكن فيها من هذا الشجر إلا القليل النادر وكان يجلب إليها التين من قرية الأنصاري وبلد الحلقة كترمانين وتقاد. ثم في حدود سنة ١٢٧٦ غرس منه بستان في جبل الشيخ محمود في شمالي حلب على غلوة منها ثم تتابع غرسه في أطراف حلب حتى كثر وأثمر بمدة وجيزة وصار يباع الرطل الأخضر منه بقرش وهو غاية في الجودة ومع هذا فإنه يوجد منه مقدار كثير في جميع جهات الولاية ويباع منه في التجارة يابسا مبالغ كلية. وكيفية زرعه أن يغرس منه قضيب في أوائل شباط عذبا فيثمر بعد ثلاثة أعوام ويقطف في عشرين تموز إلى أوائل أيلول. ويوجد منه نوع لا ينضج إلا في الشتاء. وقد يحتالون على تعجيل نضج التين بوضع قطرة من الزيت في ثقب الثمرة. ومنها شجر التين الذكر ويعرف عندنا بالتوب والمراد من هذا الشجر ثمرته الشبيهة بالتين الفجّ لأن بها تكون مادة التلقيح التي لا يصلح التين إلا بها. وهذا الشجر يزرع قرب شجر التين فيتم به التلقيح المطلوب. وكيفية زرعه كشجر التين على السواء. ومنها شجر اللوز الحلو والمرّ ، ويجنيان في بساتين حلب في هيار أخضرين ويعرفان بالعقابية ويكثران في جبل الزاوية وجبال القصير وبقية جبال الولاية ويقطفان فيها يابسين في تشرين الأول ويزرعان حبة في الشتاء تبقى من سبع سنوات إلى عشر وتثمر.

ومنها الصنوبر وهو كثير منتشر في أكثر جبال الولاية لكنه يعرف بالأرز لعدم ثمره ولا يثمر منه إلا قليل في لبنان وجبال مرعش. ومنها العفص والجهرة وينبتان بنفسهما في جبال مرعش ويقطفان في آب. ومنها السّماق ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية ويعيش عذيا ويزرع شتلة أي فسيلا من فروعه وينمو ويثمر بعد سنتين ويقطف

١٠٨

في عاشر تموز. وهذه الشجرة إذا انتشرت في أرض صعب استئصالها. ومنها الزعرور ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية وينبت بنفسه ويقطف في تشرين الأول. ومنه نوع كبار لذيذ الطعم يعرف بتفاح الجبل لاختصاصه به وهو يبشر بالشتاء كما أن عجّور الجبل يبشر بالربيع وفي المثل العامي (اللي يبشر بالعجور بدّه عباية واللي يبشّر بالزعرور بدّه ألف عصاية).

ومنها التفاح والموجود منه في حلب وبساتينها على تسعة أنواع : الأول منه ما يقال له عرب كرلي ويزرع فسيلا في صناديق صغار في البيوت ويثمر من سنته ، وشجرته دون قامة الإنسان ووجود هذا النوع حادث في حلب. الثاني يقال له المسكي ويزرع في البساتين كبقية الأنواع الآتية وحبته تكون في حجم الجوزة الكبيرة وطعمه حلو ولونه أحمر قاتم ويشم منه ريح المسك. الثالث يقال له الحديدي وهو نوع من المسكي إلا أن في طعمه حرافة وقبض (١) ولهذا يستعمل غالبا للاستقطار. الرابع يقال له خيامي نسبة إلى قرية من قرى عينتاب تبلغ حبته إلى خمسين درهما رحويّ الشكل أبيض أحمر مزّ الطعم. الخامس يقال له الفلكي وهو دون الخيامي حجما أصفر اللون ظاهرا وباطنا. السادس يعرف بالليموني لشبهه بالليمون الحامض شكلا ، أبيض أصفر يميل طعمه إلى الحموضة. السابع يعرف بالقصيري البلدي شبيه بالمسكي حجما أخضر أبيض حامض الطعم. الثامن يعرف بالخشخاشي لشبهه بالخشخاش حجما أبيض أخضر حلو الطعم. التاسع يعرف بالأبلق كأنه سفرجلة صغيرة حلو الطعم. فهذه الأنواع هي التي توجد في حلب وبساتينها ، ويجلب إليها من القصير ودير كوش نوع شبيه بالقصيري البلدي يعيش هناك عذيا. وكلّها تزرع فسيلا في الكانونين وتدرك بعد أربعة أعوام وتقطف ثمرتها من هيار إلى أواخر حزيران ، سوى الأبلق فإنه يدرك في أيلول. ويجلب إلى حلب من دمشق والزبداني أنواع من التفاح. ويجلب شتاء من عينتاب وملطية وغيرهما أنواع كثيرة منه.

ومنها الكمّثرى ويعرف عندنا بالعرموط ، وهو ثلاثة أنواع : أحدها يعرف بقوجه حمزة تبلغ حبته ١٠٠ درهم. وثانيها البستاني نسبة إلى البستان أصغر من الأول بقليل ، وكلاهما يوجدان في بساتين حلب. وثالثها الريحاوي أصغر من الثاني ومحله جبل الزاوية.

__________________

(١) الصواب : «وقبضا» عطفا على اسم «إنّ» المنصوب.

١٠٩

وكل هذه الأنواع تزرع كالتفاح وتقطف من آب إلى تشرين الأول. ويجلب من ملطية إلى حلب شتاء نوع من الكمّثرى كبار حلو لذيذ جدا.

ومنها السفرجل ويوجد في بساتين حلب وأكثر جهات ولايتها وهو نوعان شتوي كبير الحجم كأنه الرمان يميل لونه إلى الخضرة يقطف من أيلول إلى تشرين الأول وصيفي كالأول حجما وطعما وقطافا سوى أن لونه أصفر ويزرع فسيلا في الشتاء ويثمر بعد خمسة أعوام ويوجد منه نوع آخر يقال له الصيني كبار مستطيل لا يؤكل نيئا لشدة حرافته وقبضه ويستعمل للتربية أو يوضع في البيوت لشم ريحه.

ومنها نوع شبيه بالبرقوق يعرف عندنا بالجان ارك وهو سبعة أنواع : الأول أخضر كبار مكبكب في حجم بيضة الطير حلو الطعم يعرف بالإفرنجي. الثاني صغار كالزيتون لونا وحجما حامض جدا يعرف بالخلاخلي. الرابع (١) المشبه أي الشبيه بالافرنجي أي أن طعمه حامض. الخامس المعروف بالشحمي لميله إلى البياض حلو الطعم في حجم الإفرنجي. السادس أبو سرّة حامض. السابع الأبلق أحد وجهيه يميل للبياض والآخر أحمر قاتم. وكلها تلقح على القراصية والإجّاص وقلب الطير والخوخ سمسمة ونشابا ، وتدرك في هيار وتدوم إلى حزيران إلا الأبلق فإنه يدرك في تموز ويدوم لآخر آب. ومنها المشمش وهو خمسة أنواع : الأول العجمي أصفر وبرتقالي أو يميل إلى الخضار في حجم بيضة الدجاجة الصغيرة حلو طيب الرائحة كثير الماء. وهو عندنا أقل الأنواع وأندرها. الثاني الحموي في حجم العجمي حلو له رائحة عنبرية أبيض أحمر وهو نادر أيضا. الثالث الشحمي أبيض ناصع دون الأولين حجما حلو الطعم. الرابع سندياني دون الشحمي حجما أبيض أحمر. الخامس الكلابي وهو أصغر الأنواع حجما وأكثرها. وكلمة كلابي فارسية مركبة من كول وهو الورد وآب وهو الماء ومعناها الماوردي. وسمي هذا النوع من المشمش بهذا الاسم لطيب نكهته التي لا يوجد نظيرها في بقية أنواعه. وجميع أنواع المشمش التي ذكرناها تزرع عجوا ينبت بعد أربعة أشهر ويبقى سنتين ثم يحوّل وبعد مضي سنتين من تحويله يلقح من النوع المطلوب سمسمة أو نشابا فيثمر بعد سنتين ويقطف في أواسط حزيران الشرقي ويدوم نحو شهر. واللوزي من هذه الأنواع قد يلقح على شجر اللوز فينجب.

__________________

(١) لم يذكر المؤلف النوع الثالث.

١١٠

ومنها الصبّار المعروف عندنا بتين الصبّار ولا يوجد منه في حلب إلا شجيرات لا تثمر ويوجد في إسكندرونة كثيرا. ومنها الدرّاقن المعروف بمصر بالخوخ وهي أنواع ستة ، كبيرة الحبة يميل لونها للحمرة لوزية العجوة ومخملية الملمس وبرتقالية اللون ومخضرته إلى بياض يقال لها اللزيق وكلابية أي ماوردية وعينتابية وكلها تزرع عجوة تحوّل بعد سنة فتدرك بعد سنتين وتلقح من بعضها وتقطف من أول آب إلى غاية أيلول. ومنها القراصية وهي نوعان بلدية وافرنجية والأولى حلوة وحامضة والثانية حلوة جدا مصفرة اللون إلى الخضرة وهي عندنا نادرة قليلة. ومنها نوع يقال له قلب الطير لشبهه به. ومنها الإجّاص وهو كقلب الطير لو لا انعطاف قليل من رأس حبته. ومنها الخوخ وهو كالإجّاص إلا أن حبته أكبر منه بكثير ، وهو أنواع قيصري وزجاجي وغيرهما وكلها لذيذ يندر وجودها في غير حلب. وهو وما قبله يزرع فسيلا من شجرته ويدرك بعد خمسة أعوام وتقطف ثمرته في أيلول وتدوم إلى نحو شهر.

ومنها الرمان وهو خمسة أنواع : الأول يقال له مليسي أصفر باهت رقيق القشر لا تزيد الواحدة منه على خمسين درهما ، حبه أبيض مضمحلّ العجم جدا وهو عندنا أرفع أنواع الرمان وأندرها ، ويوجد في بساتين حلب قليلا وبالرها كثيرا. الثاني يقال له صهيوني أخضر أصفر ، قد تبلغ الواحدة منه أربعمائة درهم أبيض الحب محمره قليلا صلب العجم يوجد منه في بساتين حلب وتادف والباب ودير كوش وغيرها. الثالث يقال له المصري قد تبلغ الواحدة منه مائتي درهم ياقوتي القشر والحب صلب العجم. الرابع صفروني أصفر القشر إلى البياض أبيض الحب قد تبلغ واحدته مئة درهم صلب العجم. الخامس يعرف بالأسود لسواد لون قشره رديء الحب لا يؤكل غالبا إنما يستعمل هو وقشره في قوابض المعدة. ولجميع قشر الرمان رواج عظيم في الصبغ والدباغة ويوجد في كل نوع منها الحلو والحامض والمز ويزرع وتدا أو فسيلا يحوّل ويدرك بعد ثلاثة أعوام ويقطف في آب إلى آخر أيلول.

ومنها الآس ويوجد في بيوت حلب قليلا وبساتين أنطاكية وجبالها كثيرا ويستعمل ثمره للأكل ومسحوق ورقه مع الزيت شدودا للأطفال الرضّع ، وأعواده الدقيقة مكانس ويزرع في البيوت حبّة وفي الجبال ينبت بنفسه ويثمر في الخريف. ومنها الجوز ويكثر في حلب وعينتاب ويزرع حبة منه في الشتاء وتنبت في آذار وتحوّل بعد ثلاث سنين ويدرك

١١١

بعد ثمان إلى عشر سنين وحينئذ يدهن جذعها في كل عام يوم أربعة الزوبعة منطقة بصبغة تراب المورة المعروفة عندنا بالمغرة زعما أن هذا يخلصها من الدود وتقطف في ثاني عشر أيلول وقد يبلغ حمل الشجرة إلى خمس (١) وعشرين ألف حبة. ومنها الكرز ولا أعرف اسمه الحقيقي ، وهو أربعة أنواع : استانبولي أبيض أحمر حلو الطعم. وعجمي أحمر قاتم حلو. وافرنجي أحمر قان حامض. ووشنه أسود كميت مزّ وحبّته مكبكبة (٢) عنبيّة النضج في عجم حبة العنب. وأنواعه الثلاثة تلقح على الوشنة وشجر المحلب وتدرك بعد سنة والوشنة تزرع فسيلا وتدرك بعد أربع سنوات وكلها تقطف من هيار إلى أوائل حزيران ويصنع من الوشنة المربّى الذي لا نظير له في المربيات في اللذة.

ومنها التّوت وهو شامي وهزّيز فالأول هو الفرصاد أسود عند استوائه ، أحمر قبله ، كبير الحبة مزّ الطعم إذا استوى حامضه قبل ذلك. والثاني يكون أسود وأحمر وأبيض ، حلو إذا استوى ، ويقطف بهز شجرته ولهذا عرف بالهزّيز أو بضرب أغصانه بهراوة بعد أن يفتح تحت الغصن ملاءة كبيرة تعرف بالقلع. والشامي يقطف باليد حبة حبة. ويوجد من النوع الثاني مقدار عظيم في أنطاكية والسويدية. وتلك الجهات يعانون زرعه بقصد ورقه لتربية دودة القز فينجب هناك جدا ويحصل منه قناطير مقنطرة من الحرير الجيد وربما ربّوا الدودة المذكورة على ورق التوت في بساتين حلب لكنها لا تنجب عليها كتوت أنطاكية ، والسبب في ذلك خشونة ورقه لقدم شجره بخلاف ورق توت أنطاكية وما والاها فإنه غضّ رخص لحداثة شجره وعنايتهم به. ويوجد في بساتين حلب نوع من التوت لا عجم له أبيض حلو يعرف بالعجمي أو بالعرب كيرلي ، وهو حادث منذ سنة ١٢٨٥ وكل أنواع التوت تزرع فسيلا وتلقح من بعضها وتدرك بعد سنة وتقطف بهيار وتدوم نحو شهر. والشامي يقطف من حزيران إلى أواخر آب.

ومنها شجر العنّاب وهو قليل في حلب وجهاتها عدا أنطاكية فإنه كثير بها. ومنها الجلّوز ويعرف عندنا بالبندق يزرع حبّة ويثمر بعد خمسة أعوام ويقطف أخضر من تموز إلى آخر آب. ومنها البرتقال وما هو من فصيلته كالليمون الحلو والحامض والكبّاد والأترجّ والنارنج وبرتقال الدم والمالطي المعروف عندنا بيوسف أفندي والليمون الهندي المعروف

__________________

(١) الصواب «خمسة» لأن المعدود ـ وهو الألف ـ مذكر.

(٢) أي مكوّرة. والمزّ ، بضم الميم : ما كان طعمه بين الحلو والحامض ، أو خليطا منهما.

١١٢

بالأنان. وكلها مخصوصة بالبيوت في حلب. ولأهل حلب عناية عظيمة بهذا الشجر بحيث لا يكاد يوجد منه نوع إلا وهو موجود في بيوتهم ومع هذا فهو لا ينجب إلا بمشقة عظيمة من السقي والتسميد ومحافظته من البرد ولا يوجد منه الآن شيء في البساتين كما يفهم من كلام دارفيو على ما قدمناه في الكلام على تربة حلب ، وهو كثير جدا في أنطاكية وجهاتها الغربية وينقل منها إلى حلب ، وقد استجدّ منه جانب عظيم في جهات اسكندرونة المعروفة بالجايات ، وصار ينقل منها إلى حلب ألوف من الأحمال ويباع فيها الرطل الحلبي الصالح للعصير بستين بارة ويجلب منه مقدار عظيم من طرابلس الشام وجهاتها ، ويستخرج من زهره في جميع الجهات ماء الزهر ويباع منه في حلب مبلغ عظيم وهو يزرع في حلب بزرا يثمر بعد سبعة أعوام على الغالب أو يزرع فرعا منه بعد استنبات جذوره بواسطة إدخاله في إناء مملوء ترابا وتعهده بالسقي مدة أشهر. وهذه الواسطة تعرف عندنا بالداروخ ويطعم من بعضه سمسمة كثيرا ونشابا قليلا.

وكل أنواع البرتقال تزهر في نيسان وتقطف في كانون الأول وتدوم إلى السنة الثانية بحيث يجتمع في الشجرة الأصفر والأخضر والزهر. والمفهوم من كلام المسعودي في مروج الذهب أن أنواع البرتقال لم تكن موجودة في بلادنا قبل الثلاثمائة ، وإنما حمل من أرض الهند إلى غيرها بعد التاريخ المذكور فزرع بعمان ثم نقل إلى البصرة والعراق والشام حتى كثر في دور الناس في طرسوس وغيرها من الثغور الشامية وأنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر وما كان يعهد ولا يعرف ، وبنقله من الهند عدمت منه الرائحة الخمرية الطيبة واللون الحسن الذي يوجد فيه بأرض الهند لعدم ذلك الهواء والتربة والماء وخاصية البلد. اه.

ومنها الانكي دنيا الشبيهة بالمشمش إذا نضجت ، المشتملة حبتها على عدة عجوات كبار وتقل في بيوت حلب وتكثر في جهات أنطاكية وتزرع حبّة تثمر بعد سبعة أعوام إذا خدمت جيدا ويجلب منها من أنطاكية إلى حلب مقدار عظيم وتقطف في نيسان وتدوم إلى تموز. ومنها النخل وهو مما لا أثر له في حلب بعد أن كان يوجد فيها كما يفهم من كلام أحمد الصنوبري في قصيدة أثبتناها في ترجمته ولا يوجد منه في بلاد حلب سوى القليل في برية اسكندرونة. هذا معظم الأشجار المطلوبة لثمرتها.

وأما الأشجار التي يطلب منها منفعة أخرى فهي كثيرة جدا ، منها ما يوجد في بيوت حلب وبساتينها وبساتين بلادها ، ومنها ما هو خاص بجبال ولايتها. فالأول أنواع كثيرة

١١٣

منها شجر السرو بنوعيه الهرمي والصيواني وقد أدركنا منه القليل في مدينة حلب ثم فقد عن آخره وكان يوجد فيها بكثرة ويقال إن مدينة حلب كانت من أحسن البلاد منظرا للقادم عليها حيث يشاهد مناراتها البيض القائمة بين شجر السرو المحيطات بقلعتها إحاطة الجند بالملك العظيم وهو يزرع حبّة منه ويعمّر مئات من السنين.

ومنها شجر الغار ويوجد في حلب قليلا وأنطاكية كثيرا وقد يعمل من دهنه الصابون فيرغبه الناس ليطيب رائحته. ومنها الحور القطراني الذي تبلغ شجرته عشرين قنطارا حلبية ويعرف بالدّلب ويستعمل خشبه في الظروف المكوّرة الخشبية وغيرها. ومنه نوع له ثمر شبيه بالكرز الصغير حريف قابض يعرف بالموز. والحور السلطاني يكون أبيض طويلا أملس يستعمل جذوعا لسقوف البيوت ويثمر في حلب ظروفا فيها ثقوب يخرج منها البعوض المعروف عندنا بالبق وهو كثير في عينتاب. ومنها الصفصاف وهو نوعان : أحدهما مستقيم الأغصان عظيم الشجرة يستعمل خشبة آلة للتجارة وعروقه ينسج منها سلّات وأطباقا جماعة يقدمون من بلاد وان إلى حلب في كل سنة ويلتزمون شجره من أصحابها ويستعملون عروقه فيما ذكر ويقال لهم عندنا سلات مكبات. وثانيهما منحني الأغصان إلى الأسفل ويعرف عندنا بالمستحي ، ويراد منه حسن منظره.

ومنها شجر الزيزفون ويوجد في الخنادق وأنطاكية كثيرا وفي غيرها قليلا. ومنها الدردار وهو شجر عظيم صلب الخشب يستعمل في آلات الفلاحة والزراعة وثمره لسان العصفور المستعمل في الطب ويكثر وجوده في بساتين حلب. ومنها الزنزلخت وهو لفظ فارسي أصله اللازادخت (١) واسمه العربي القيقب ومعناها بالفارسية الشجرة الحرة لأنها تحمي نفسها بثمرها. وهو شجر يشبه ورقه ورق الدردار يثمر حبا كالزعرور ولا يؤكل لسمّ فيه ويستعمل عجوه مسابح ويزرع في أطراف بساتين حلب وبعض بيوتها فسيلا ويزهر في الربيع. ومنها شجر شائك لا يطول أكثر من قامتين بل يفتح صيوانا ويرسل عروقا وفروعا تحتبك ببعضها وتتصل بالشجرة التي بجانبها فتكون كالسياج العظيم محيطا بالبستان عوضا عن الجدار ويسمونها الغبيرة وتثمر شبه اللوز الصغير بلا فرق بينهما لو لا مرارة قليلة

__________________

(١) الصواب الأزادرخت. وفي معجم الألفاظ الزراعية : «أزادرخت : زنزلخت في مصر والشام. والأزادرخت : معربة قديما عن الفارسية».

١١٤

في لبها ، وكثيرا ما يؤخذ لبها ويستخرج مراره ويلبّس بالسكر ، وهي تزرع عجوة في الشتاء وتثمر بعد ثلاثة أعوام.

ومنها شجر البان والمقصود زهره لحسن منظره كأنه أصابع ملبّسة بالفراء ويزرع قلما ويثمر من سنته. ومنها العوسج ينبت في برية حلب ويجعل حطبه وقودا ويدخل ورقه في الأكحال. ومنها الغرقد (١) وهو كبار العوسج ينبت في أطراف القرى الشمالية ويستعمله الفلاحون طبقا لسقوفهم.

هذا معظم الأشجار والنباتات التي توجد في بساتين حلب وبريتها وجهاتها. وأما الأشجار والنباتات التي توجد في جبالها المعشبة فهي كثيرة لا تكاد تدخل تحت حصر. وبالجملة فإنه يوجد فيها جميع ما يوجد في جبال سورية فلا حاجة إلى إطالة الكلام بعده.

نباتاتها المعدود بعضها من العقاقير الطبية

لم أذكر في هذا الفصل من هذه النباتات إلا ما وقفت له على اسم مشهور في المفردات الطبية القديمة. ولذا لم أذكر منها سوى القليل فأقول : من النباتات المعدودة من العقاقير الطبية الموجودة في برية حلب وبعض جبالها هي الحزنبل والقسط والدرونج العقاربي والغافث والهليون والقنطريون ، وهو أنواع ، والحاشا والبادروج والعرطنيسا وهو يعرف عندنا بالمهدة والشيطرج وهو الخامشة والماميثا والبابونج وهو أنواع ، والبرشاوشان وهو كزبرة البئر والسذاب وشيبة العجوز والبنج وعنب الثعلب ولسان الثور ولسان العصفور والأسطوخودس والبسفايج والسقمونيا وهي المحمودة ومنابتها في قضاء أنطاكية وجهات جسر الشغر واليبروح والأفتيمون والغاريقون والنجيل وهو من أنواع النجم وإكليل الملك والخزامى والحمّاض والخبّازى والخيري والنرجس والزنبق ، وهذه الثلاث : أنواع عديدة.

والسوكران والراسن والغبيرا والسبستان والنسرين ، ويوجد في البيوت أيضا ، والسعد والعكوب وهو السلبين والسوسن والخطمي وتوجد في البيوت أيضا والكشوث وعرق السوس وهو كثير في جميع جهات الولاية ولا سيما في العمق وجهات أنطاكية وينقل منه

__________________

(١) في الأصل : «الفرقد» بالفاء قبل الراء ، تحريف. والصواب بالغين.

١١٥

إلى أوروبا وأميركا مبالغ وافرة. والسيسبان ويوجد في البيوت أيضا ، والشبث والعلّيق والحلفاء التي تعمل منها الحصر وحبال الآبار وتكثر في السويدية والعمق وشقائق النعمان والنيلوفر والأشنان والحرمل ويكثران في جهات تدمر ويعمل منهما القلي الكثير وقثّاء الحمار والسدر والخنثى والغاغاليس وهو فساء الكلاب ، والفاغية ويختص وجودها في البيوت وقرة العين والفوة والزراوند وهو أنواع والقردمانا والطباق والخربق ورجل الحمامة والعذبة والأقحوان وهو أنواع. واللاعية والفوتنج وهو أنواع. والإبهل واللوفا وهو الحي عالم ، ويوجد في البيوت أيضا والعرعر وآذان الجدي وآذان الأرنب وأسد العدس والعنصل ويكثر في جهات أنطاكية والسّنبل والشّيح والقيصوم والعبيثران والدفلى ويوجد منها في البيوت أيضا ، وأنواع النعنع البري والبستاني والحرف وهو حبّ الرشاد والزوفا والحسك والأفسنتين والأنجرة والهندبا والجرجير وهو أنواع ، والبان والبنفسج ويوجدان في البيوت والبساتين والجبال والشقاقل وجوز ماثل وحشيشة الزجاج والريباس وذنب الخيل ورعي الإبل والصعتر ويزرع في البساتين أيضا والكمأة وهي تكون في برية حلب والصحراء الجنوبية والشرقية في سنة الخصب والنقل على أنواعه.

النباتات المشهورة عند الحلبيين

من تلك النباتات الجيجان الشبيه ظاهره بالعرطنيسا وهو من أجود مراعي النحل. والسحلب وهو كثير في جهات مرعش ويباع منه في التجارة مبالغ كثيرة. والبلسان شجر يرتفع كشجر الرمان له ورق كورق الملوخيا وأغصان ملس ويزهر جماجم بيضاء تدخل الطب كثيرا وهو يوجد في البيوت كثيرا وغيرها قليلا والجاي المعروف بالجاي الصيني ، يوجد في الجهات الجنوبية لكنه خفيف الطعم قليل جدا. ومن الزهور التي يعتني الحلبيون بتربيتها في البيوت والبساتين : شجر الورد بأنواعه كالحوجم والجوري والوتيرة والقحابي ونوع يقطف سبعة أدوار يعرف بالسباعي وآخر ظاهر ورق زهرته أسود وباطنها أصفر ، والسباعي والجوري يكثر في البيوت والبساتين وجهات إدلب والقصير ويستقطر منهما الماء الطيب الرائحة ويباع منه في التجارة مقدار عظيم. والجوري يعمل منه الحلبيون المربّى اللذيذ المعروف (كولبشكر).

ومنها الياسمين الذي يعظم شجره ويعرش في البيوت كالدالية وهو أنواع كثيرة ، ومنها

١١٦

الياسمين البحري البصلي والزنبق وأنواع النمام والمنثور والفلّ المفرد والمضاعف والفاغية وزهر المسك والنرجس بأنواعه ، وكثير من النباتات التي عددناها من العقاقير. وأغرب ما يعتنى به في البيوت نبات غض له ورق كورق الصعتر تقريبا يقوم على ساق واحد ولا يرتفع أكثر من شبر إذا لمس بأصبع أو نحوه أدنى لمس انكمش على بعضه كأنه في غاية الحس والشعور ، ثم بعد برهة ينبسط ورقه ويعود إلى ما كان عليه وهو يعرف عندنا بالغنّاجة وأظنه هو المعروف بالسنط الحسّاس أو العشبة المستحية.

إن الزهور في بيوت حلب كثيرة الأنواع لا تكاد تحصى وفي كل وقت يتجدد منها شيء كثير يستجلب بزره من غير جهة وتسميه العامة باسم يلائم ذوقها فيه فلا نطيل بذكرها وفي هذا القدر كفاية.

حيوانات حلب وتوابعها

ولنبدأ منها بالطيور الأهلية المقيمة دائما : فمنها الحمام الأزرق المطوق الموجود نظيره في الحرم المكي وبعض جوامع القسطنطينية وغيرها ويعرف عندنا بالبرّي وأوكاره في الأبنية الخربة وربما ألف العمار فكثر. وله أبراج خصوصية تبنى على شكل هندسي معلوم تعرف بالأبراج ، أكثر ما توجد في القرى المشهورة بجودة البطيخ الأصفر ، لأن زرقه يجعل سرجينا لحقول البطيخ. وهذا الحمام يصاد بكثرة في كل مكان من حلب وجهاتها. ومنها حمام أحمر اللون مطوق دون الحمام الأزرق بيسير ، أو كاره في الغالب كوّات البيوت ويسمى اليمام أو الفاخت ، والعوام يتحرجون في صيده كأنهم يعدّونه مستأمنا أو محتميا بهم. ومنه نوع أبيض اللون يقتنى في الأقفاص لحسن هديره ينقل إلى حلب من بلاد الرها وأنطاكية ويعرف عندنا بدايم كريم. ومنها حمام أبيض ناصع أو أحمر متوّج يؤلف في البيوت ويعرف بالقوّال والعامة تزعم أن وجوده يمنع القرينة أي الجن. ومنها حمام أبيض أو أصفر أحمر ملون وأرقش وموشّى منسدل الريش أو منقوشه.

وغير ذلك من الأنواع التي لا تكاد تدخل تحت حصر ، ولكل منها اسم يخصه ولها جماعة من الناس يعتنون باقتنائها يثيرونها في طرفي النهار فتختلط مع بعضها في الهواء ويعود كل سرب منها إلى مكانه فيربح صاحبه الزيادة أو يخسر النقص. وهؤلاء الجماعة يعرفون عندنا بالحماماتية أكثرهم أوباش ممقوتون عند العموم لما يتصفون به غالبا من قلة الدين

١١٧

والإشراف على حريم الناس لصعودهم الأسطحة وكسر زجاجات البيوت بسبب رميهم ما يقف من الطيور على الأسطحة بالحجارة.

وكانت حلب مشهورة بحمام الزاجل من قديم الزمان وسنتكلم عليه. ومنها العصفور وهو أنواع منه ما يعرف عندنا بالدوري رمادي اللون موشّى بسواد وأوكاره في جدران البيوت في حلب وغيرها وهو كثير جدا ويصاد بقلّة. ومنه نوع متوج ونوع آخر يعرف عند العرب بالمطواق أكبر من الأولين ونوع يقارب حجمه الزرزور ويقال له الدلدل وكلها توجد في برية ولاية حلب ولا توجد في مدنها. ومنها الزرزور الأسود أو المرقش ببياض وهو أكبر حجما من الدوري وأقل منه وأوكاره في جدران البيوت وصيده قليل. ومنها نوع من القنبرى في حجم العصفور طويل الذنب يرقصه إذا وقف ، أصفر موشى بسواد يعرف عندنا بالقنبرى جعصو أي قمري الجعص ، ويوجد في أطراف الحياض في البيوت وفي شطوط البحيرات والمستنقعات ونهر قويق ولا أعرف أين تكون أوكاره. ومن هذا النوع ما هو أصغر منه وأقصر ذنبا لا يرقصه إذا وقف ويعرف عندنا بالسقيقية ، وتصاد فتجعل في الأقفاص لحسن صوتها وتطعم حب الشهدانج.

ومنها الغراب الأبقع ويعرف عندنا بالقاق وأوكاره في رؤوس الأشجار العالية في البيوت والبساتين ، وكثيرا ما يوجد في أوكاره ذهب مسكوك وألواح من الصابون يختطف الذهب مع قلانس صغار وهي منشورة على الأسطحة للتجفيف بعد الغسل وقد غفل أهلها عن حراستها. ومنها الصقر الذهبي اللون المرقش بالسواد الذي يقف في الهواء برهة فاتحا جناحيه وهو في حجم الغراب ، وأوكاره في جدران البيوت صيفا وفي الجبال شتاء. ومنها طير الباشق ويعرف عندنا بالشوحة أكبر حجما من الغراب بقليل ، أقتم اللون أوكاره في الجبال.

ومنها أنواع البوم يأوي الخراب ومنه نوع يظهر في الصيف فقط ويقف على بعض الأشجار ليلا ويتدلى منكوسا قيل لزعمه أن السماء ستقع عليه ويصيح كأنه يقول توب توب ولذا عرف عندنا بطير التوب واسمه الحقيقي التهبط أو الهديل. ومن أنواع البوم أيضا نوع في حجم الدجاجة الأهلية أبيض الريض يظهر صيفا ويقف على بعض الأبنية العالية أو في المقابر ويسمع منه صوت مكرب كأنه صوت مصدور. وبقية الأنواع تظهر في جميع الفصول وكلها تظهر ليلا.

١١٨

ومنها طير الخفاش في حجم العصفور ومساكنه الأماكن المهجورة المظلمة. ومنها نوع من البلبل في حجم العصفور رمادي اللون يأوي إلى البساتين ويختفي صوته من تموز إلى أوائل آذار وصوته مطرب وأوكاره في أشجار البساتين. ومنها الحجل ، وهو القبج ، ويوجد في جبال الولاية ويصاد. ومنها الشقراق يوجد في برية حلب غالبا وأوكاره في الجبال والأبنية الخربة خارج البلد. ومنها الهدهد ويختفي شتاء. ومنها طير يقال له الوروار دون الزرزور بقليل ، أسود أخضر يوجد حيث وجد النحل لأنه غذاؤه ويصاد ويؤكل والعرب تتشاءم من أكله ، والنحل عندنا كثير في المدن والقرى. ويوجد غير ذلك من الطيور الأهلية المقيمة مما لا طائل بذكره.

وأما الطيور الوافدة وهي الطيور القواطع فمنها أنواع التدرج كالذي يسمونه دجاج القنبيط دون الحمام الأزرق بقليل ويقدم على بساتين حلب في أواخر الخريف ويبقى ما دام القنّبيط باقيا ويصاد بكثرة والذي يسمونه الدج أصغر من الثاني. وقدوم هذين في الأوان المذكور ويصادان بكثرة. ومنها الإوز والبط يقدمان من ابتداء كانون ويصادان من أطراف البحيرات وشطوط الأنهار ويستمرّان إلى آخر الشتاء. ومنها السمان وهو نوع من التدرج ويقدم في أوائل آذار ويصاد من المزارع ويغيب في الصيف ثم يرجع إلى الخريف ويبقى في الشتاء. ومنها طير دون الحمام الأزرق بقليل ويعرف عندنا بالترغل ، واسمه الصحيح الأطرغلّات ، وهو من نوع الدباسي ويقدم في نيسان ويبقى لأيام الحصاد ويغيب ثم يرجع في تشرين الأول ويصاد من بين الزرع والقيعان المتسعة في البرية.

ومنها القطا يجيء في أواخر الخريف ويصاد بكثرة. ومنها عصفور صغير من بغاث (١) الطير يقدم في أيام نضج التين ويغيب في نفاده ويصاد من شجره ولذا سمي بعصفور التين. ومنها الكركي والحبارى واللّقلق توجد في شرقي برية حلب واللقلق يقدم إلى الرّها صيفا ويتخذ أوكاره في رؤوس المنارات المتوّجه من قبل الناس بأطباق من العود عناية به لأنه يصيد الحيّات ، وهو في بعض السنين يتسلط على الجراد فيفنيه. ومنها طير شبيه بطير السقاء يوجد في شطوط الفرات ويعرف بنعاج الماء ويصاد. ومنها طير أسود كبير تسميه العرب النواق يوجد في جهات الزور. ويوجد فيها أيضا طير تسميه العرب العناق الأصغر يصاد.

__________________

(١) بغاث الطير : يعني الضعيف منها.

١١٩

وطير تسميه الدلم كأنه حمامة زرقاء لكنه قدرها ضعفين ويصاد. وفي هذه الجهة وجهة العمق يوجد الإوز والدرّاج في كل وقت ويوجد في صحرائها طير طويل الرجلين والمنقار وتسميه العرب بالرعاف. ويوجد في بحيراتها طير السقاء وفي جبالها النسر الأسود والعقاب والشاهين وفي جبال العلاء طير أسود كالدجاج له بين عينيه عرف أبيض كاللوزة يستدلون بكبره على سمنه ويصاد ويؤكل.

ومنها الغراب الزرعي ويعرف عندنا بالزاغ يصاد من بين الزرع والبساتين شتاء وفيه قدومه. ومنها السنونو المطوق بحمرة والخطّاف ويقدمان إلى حلب وما يتبعها من البلدان والقرى في آذار. والأول يبني بيوته من الطين تحت سقوف البيوت والأسواق ويفرخ فيها. والثاني يسكن في ثقوب الجدران. وكلاهما يبقيان إلى اشتداد الحر. ومنها طير مائي أبيض في حجم الحمامة كان يقدم إلى حلب في أيام الربيع ويستمر إلى اشتداد الحر ويعرف عندنا بالتاعية وكان الأولاد يصعدون إلى الأسطحة ويقذفون له قطع الخبز فيتلقفها بالهواء وربما احتالوا عليه وصادوه وقصّروا أجنحته وتركوه يدرج في الدار ويلتقط من هوامّها وقد انقطع هذا الطائر عن حلب منذ بضعة أعوام.

ومنها طير السمرمر يجيء في ظهور الجراد أحيانا ويهلك من الجراد قسما كبيرا ويترك له في بساتين حلب ثمر التوت ليتفكه به وإذا قلّ الجراد على هذا الطائر تسلط على ما يكون في بساتين حلب من الفواكه الغضة المائية كالكرز والإجّاص. ومنها طير مائي كبير يقدم إلى البيرة في أوائل الصيف ويسكن في كهوف جبلها ويستبشر أهلها بقدومه وهو أسود اللون. ويوجد من الطيور الوافدة غير ذلك ومعظمها ما ذكرته.

وأما الدواجن في البيوت فمنها أنواع الدجاج الأهلي والهندي ودجاج فرعون على قلة والإوز والبط والطّاوس المجلوب من الهند وهو قليل ، والببغاء ويعرف بالدرّة ، تجلب من جهات مصر والهند وتوضع في الأقفاص والقمري ويعرف بالقناري يجلب من الممالك الغربية والشحرور والنعار ويجلبان من دمشق وأنطاكية.

وأما ذوات الأربع فمنها أهلية وهي الهر والكلب وكلاب الصيد والغنم ذات الألية والماعز الأسود والمرقّش وقلّ أن يوجد فيه أبيض ، والخيل الأصائل والبراذين والبغال والحمير وأنواع البقر والجاموس ويوجد في جهات العمق على كثرة والجمال العربية والبختية ومنها

١٢٠