ثم أذّن مؤذّن ، أي نادى مناد حينما عزموا على الخروج : أيتها العير ، أي يا أصحاب العير ، إنكم قوم سارقون ، فقفوا ، فبهتوا وذهلوا. ثم التفتوا للمنادي ، وقالوا : أي شيء تفقدونه؟ فأجابوهم : نفقد صواع الملك الذي يكيل به ، ولمن أتى به حمل بعير من القمح ، وأنا به زعيم ، أي كفيل ضامن. مما يدلّ على مشروعية الجعالة أو الوعد بالجائزة.
قال إخوة يوسف بعد اتّهامهم بالسرقة : والله لقد خبرتمونا في المرة الأولى ، وعلمتم علم اليقين أننا ما جئنا لنفسد في أرضكم بالسرقة أو غيرها من التّعدي على حقوق الناس ، ولم نكن يوما ما سارقين ، فليست سجايانا على هذه الصفة.
فقال فتيان يوسف : فما جزاء السارق إن كان فيكم ، إن كنتم كاذبين في نفي التّهمة عنكم؟ فأجابوا : جزاؤه في شرعنا أخذ من وجد في رحله ، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين للناس بسرقة أموالهم في شريعتنا أن يسترقّوا ، أي أن يتملّك السّارق كما تملك هو الشّيء المسروق. وهي شريعة إبراهيم ويعقوب عليهماالسلام ، وهذا مراد يوسف. وإتماما لتنفيذ الخطة ، بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه للتورية وحتى لا يتّهم ، ثم استخرج السّقاية من وعاء أخيه بنيامين ، فأخذه منهم بمقتضى اعترافهم ، وإلزاما لهم بمقتضى شريعتهم.
ومثل ذلك الكيد ، أي التدبير الخفي ، كدنا ليوسف ، أي دبّرنا له في الخفاء ، وأوحينا إليه أن يفعل لأخذ أخيه ، وهذا من الكيد المشروع ، لما فيه من المحبة والمصلحة المطلوبة ، وهي حيلة مشروعة ، يترتب عليها خير ومصلحة في المستقبل ، دون إضرار أحد. ولولا هذا التدبير ما كان يتمكّن يوسف عليهالسلام من أخذ أخيه في نظام أو قانون ملك مصر ، الذي لا يبيح استرقاق السارق ، وكان يوسف يعلم بشريعة يعقوب ، فما كان ليأخذ أخاه في نظام الملك في حال من الأحوال إلا في حال