ويودّون التّخلص منه بأي حال ، دون أن يعلموا منزلته عند الله تعالى ، وقد اشتراه عزيز مصر رئيس الشرطة ، واسمه (قطفير) كما قال ابن عباس.
وقال العزيز الذي كان واليا على خزائن الأرض ، والذي اشتراه من مصر ، لامرأته زليخة : أكرمي مقامه عندنا ، يجعل مقامه حسنا مكرّما ، أي أحسني تعهده ، فلا يكون عبدا ، عسى أن ينفعنا في ثروتنا ومصالحنا ، أو نتبنّاه ولدا ، لأنه كان عقيما ، لما تفرّس به من الرشد وملامح النجابة والذكاء.
وإرادة الله ورعايته تحوط يوسف عليهالسلام ، فكما نجاه الله من القتل والبئر ، وعطّف عليه قلب العزيز ، مكّن له في أرض مصر ، وجعل له مكانة رفيعة فيها ، حتى تولى الحكم فيها إداريا وماليا ، وعلّمه أيضا كيفية تأويل الأحاديث ، أي الرؤيا في النوم ، والله سبحانه هو الغلّاب القهّار ، لا يعجزه شيء فلا يمنع عما يشاء ، ولا ينازع فيما يريد.
ولما بلغ يوسف أشدّه ، أي استكمل القوة والرجولة وتناهت بنيته ، وكملت قواه الجسدية والعقلية ، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، آتاه الله حكما أي حكمة وعلما ، وسلطانا في الدنيا ، وحكما بين الناس بالحق ، ومثل ذلك الجزاء الحسن ، يجزي الله الذين يحسنون لأنفسهم أعمالهم ، وهذا دليل على أن يوسف عليهالسلام كان محسنا في عمله ، عاملا بطاعة الله تعالى ، فإحسان الجزاء له ، جزاء على إحسانه في عمله ، وتقواه في حال شبابه ، فإن للإحسان والاستقامة تأثيرا في صفاء النفوس والعقول ، كما أن للإساءة تأثيرا واضحا في تعكير النفوس وسوء فهم الأمور.
وما أجمل هذه الجملة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ففيها وعد للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، فلا يهتم بفعل الكفرة به وتوهم عليه ، وفيها البشارة لكل محسن بعاقبة طيبة حسنة ، فالله تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع ، ويتوّجهم بفضله وكرمه ، ويفيض عليهم من خيراته ونعمه وإحسانه.