إنّي لم اُؤمر بقتالك ، وإنّما اُمرت أن لا اُفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ، ولا يردّك إلى المدينة حتّى أكتب إلى ابن زياد ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بأمرك (١) .
واتّفقا على هذا الأمر ، فتياسر الإمام عن طريق العذيب والقادسيّة ، وأخذت قافلة الإمام تطوي البيداء ، وكان الحرّ مع جيشه يتابع الإمام عن كثب ويراقبه أشدّ ما تكون المراقبة .
وانتهى موكب الإمام إلى ( البيضة ) (٢) فألقى الإمام خطاباً رائعاً على الحرّ وأصحابه أعلن فيه عن دوافع ثورته ودعاهم إلى مناصرته ، وكان من بنود هذا الخطاب هذه الفقرات :
أَيُّها النَاسُ ، إِنَّ رَسولَ اللهِ صلىاللهعليهوآله قالَ : مَنْ رَأَىٰ سُلْطاناً جَائِراً مُسْتَحِلّاً لِحُرَمِ اللهِ ، ناكِثاً لعَهْدِ اللهِ ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلىاللهعليهوآله يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ .
أَلَا وَإِنَّ هٰؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّيْطانِ وتَرَكُوا طاعَةَ الرَّحْمٰنِ ، وَأَظْهَرُوا الْفَسادَ ، وعَطَّلُوا الْحُدُودَ ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ ، وَأَحَلُّوا حَرامَ اللهِ ، وحَرَّمُوا حَلَالَهُ ، وَأَنا أَحَقُّ مِمَّنْ غَيَّرَ (٣) ، وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لَا تُسْلِمُونِي ،
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٨٠ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٨٠ و ٣٨١ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٠٤ . الفتوح : ٥ : ٧٨ ـ ٧٩ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٠ و ٢٨١ .
(٢) البيضة : ـ بكسر الباء ـ : موضع بين العذيب وواقصة في أرض الحزن من ديار بني يربوع ابن حنظلة . معجم البلدان : ١ : ٦٣١ ـ ٦٣٢ .
(٣) وفي الفتوح : ٥ : ٨١ : « وَأَنَا أَحَقُّ مِن غَيْرِي بِهٰذَا الْأَمْرِ ؛ لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلىاللهعليهوآله » .