مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

وجب عليه الإعادة ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرتين ، وكذا سجود السهو مرتين ـ أولا ـ ثمَّ الإعادة. وكذا يجب الإعادة إذا كان ذلك في أثناء الصلاة. والأحوط إتمام الصلاة وقضاء كل منهما ، وسجود السهو مرتين ثمَّ الإعادة.

( الخامسة عشرة ) : إن علم ـ بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا ـ أنه اما ترك القراءة أو الركوع أو أنه إما ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة وجب عليه الإعادة [١] ،

______________________________________________________

في وجود الأولى من الأولى ـ الذي هو مجرى قاعدة التجاوز ـ فيرجع ويتدارك سجدة واحدة ويتم صلاته ، ثمَّ يقتضي سجدة أخرى.

الصورة السابعة : أن يحصل له العلم بعد الدخول في الركن ويجري فيه ما سبق في الصورتين ، ومقتضاه الإتمام وقضاء السجدة الثانية من كل من الركعتين ، لعدم إمكان تدارك إحداهما كما أمكن في الصورتين السابقتين.

الصورة الثامنة : أن يكون بعد الفراغ ، فان قلنا بمخرجية التسليم ـ أو كانت الركعتان غير الأخيرة ـ فالحكم كما في السابعة ، لعين ما تقدم فيها وإن قلنا بعدم مخرجية التسليم وكانت إحدى الركعتين الأخيرة فالحكم كما في السادسة ، لعين ما تقدم فيها. هذا إذا كان قبل فعل المنافي وان كان بعده فان قلنا بقدح الفصل به بين الأجزاء المنسية والصلاة فالحكم البطلان مطلقاً وإن قلنا بعدم قدح الفصل به فان كانت الركعتان غير الأخيرة فكما لو كان العلم قبل المنافي ، وإن كانت إحداهما الأخيرة بطلت الصلاة ، لأن وجوب الرجوع والتدارك يقتضي وقوع المنافي في الأثناء المبطل لها بالفرض. والله سبحانه أعلم.

[١] لتعارض قاعدة التجاوز في الطرفين ـ فلا مجال للرجوع إليها في‌

٦٢١

______________________________________________________

إثبات واحد منهما ـ فيرجع إلى مقتضى العلم الإجمالي ، وهو الاحتياط بالجمع بين الإتمام وقضاء السجدة وسجود السهو وبين الإعادة. إلا أن العلم المذكور لما كان منحلا ـ لجريان قاعدة الاشتغال في خصوص الإعادة ـ يرجع في الطرف الأخر إلى أصالة البراءة. لكن فيه : أنه لا يتم ذلك ، أما في الفرض الثاني فلما عرفت في المسألة السابقة : من أن السجدة من الركعة السابقة يعلم بعدم امتثال أمرها ـ إما للبطلان ، أو لعدم الإتيان بها ـ فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها ، بل لا بد من امتثال أمرها ، إما بالإعادة ـ على تقدير البطلان وبقاء الأمر بسائر الاجزاء ـ وإما بالقضاء على تقدير الصحة ، فإذا ثبتت الصحة بقاعدة التجاوز ـ الجارية لإثبات الركوع ـ تعين القضاء. ومثل ذلك جار في الفرض الأول ، فإنه أيضا يعلم بعدم امتثال أمر القراءة ـ إما للبطلان أو لعدم الإتيان بها ـ فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها. إلا أنه على تقدير البطلان لا بد من امتثال أمرها في ضمن امتثال الأمر ببقية الأجزاء ، وعلى تقدير الصحة يسقط أمرها ويجب السجود للسهو للنقص ، بناء على وجوبه لكل زيادة ونقيصة ، فإذا ثبتت الصحة بقاعدة التجاوز ـ لإثبات الركن ـ تعين السجود للسهو.

فان قلت : كيف يصح جريان قاعدة التجاوز لإثبات وجود الركن مع أنها أصل ناف للتكليف؟ والأصل النافي للتكليف لا يجري في أحد أطراف العلم الإجمالي إذا كان منجزاً. قلت : القاعدة المذكورة وإن كانت ـ بلحاظ وجود الركن ـ أصلا نافيا للتكليف لكنها ـ بلحاظ إثبات قضاء السجدة أو سجود السهو ـ تكون أصلا مثبتا له ، ولا مانع من إجراء الأصل المثبت للتكليف في بعض أطراف العلم فيوجب انحلاله. وحينئذ يجوز إجزاء الأصل النافي في الطرف الأخر ، فيجوز إجراء قاعدة التجاوز في وجود الركن بلحاظ إسقاط أمره والخروج عن عهدته.

٦٢٢

______________________________________________________

فان قلت : اللحاظ الثاني الاثباتي مرتب على اللحاظ الأول النفيي ، فصحة الأصل باللحاظ الثاني موقوف على صحته باللحاظ الأول ، فإذا توقفت صحته باللحاظ الأول على الانحلال المتوقف على صحته باللحاظ الثاني كان نوراً محالا. قلت : الترتب بين الحكم وموضوعه بحسب الجعل الواقعي لا يقتضي ترتبا بينهما بحسب الجعل الظاهري ، لإمكان أن يكون دليل الأصل ناظرا الى المترتبين ـ أو المترتبات ـ في رتبة على العكس من ترتبها ظاهرا ـ وقد أشرنا إلى ذلك في الأصول في مبحث الأصل المثبت ، ومبحث الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة ـ وعليه لا مانع من جريان قاعدة التجاوز في الركوع لإثبات سقوط أمر القراءة بلحاظ أثره ـ وهو سجود السهو ، أو قضاء الجزء معه ـ من دون ملاحظة الترخيص كي يلزم الترخيص في مخالفة العلم المنجز. وحينئذ ينحل العلم الإجمالي ، فيرجع بعد الانحلال إلى قاعدة التجاوز لإثبات سقوط الأمر بلحاظ الترخيص. ونظير المقام : ما لو شك في الاستطاعة ـ للشك في اشتغال ذمته بدين لزيد ـ فإنه يعلم إجمالا إما بوجوب وفاء دين زيد أو بوجوب السفر إلى الحج ، ولا يظن الالتزام من أحد بوجوب الاحتياط عليه ، بالجمع بين الوفاء والحج. وسره ما أشرنا إليه : من أن براءة ذمته من الدين لما كانت موضوعا لوجوب الحج ـ بلحاظ إثباته للاستطاعة ـ كان أصل البراءة من الدين ـ بلحاظ إثبات وجوب الحج ـ من قبيل الأصل المثبت ، فإذا جرى بهذا اللحاظ وانحل به العلم الإجمالي صح أن يجري بلحاظ نفي الدين ، بل يمكن أن يكون الحكم في المقام أظهر ، إذ أن ثبوت الاستطاعة من آثار عدم التكليف بالدين الذي هو بنفسه مجرى أصالة البراءة ، وفي المقام يحتمل أن يكون سقوط أمر الركن ووجوب قضاء الجزء أو سجود السهو كلاهما أثرين لوجود الركن في عرض واحد ، يترتبان معا‌

٦٢٣

______________________________________________________

على وجود الركن الذي هو مجرى الأصل ، لا أن الأول منهما موضوع للثاني. نعم لو كان الأثر الاثباتي من آثار إثبات الأثر النفي أشكل الحال. أما لو كان أثراً لثبوته في نفسه ـ أو كان كلاهما أثرين في عرض واحد لموضوع واحد أو لموضوعين ـ فلا إشكال ، إذ لا مانع من إجراء الأصل في الثبوت لإثبات الأثر المذكور.

هذا ولو أغمض عما ذكرنا نقول : إنه يمتنع جريان قاعدة التجاوز في السجدة والقراءة لنفي القضاء وسجود السهو في رتبة قاعدة التجاوز في الركوع ، لأن الأثرين المذكورين للأولى إنما يترتبان على ثبوت مؤداها في ظرف صحة الصلاة ، ولا يترتبان عليه في ظرف فسادها ، فما لم تحرز صحة الصلاة في رتبة سابقة لا مجال لإجراء قاعدة التجاوز فيهما لنفي القضاء وسجود السهو ، وإذا لم تجر فيهما في رتبة قاعدة التجاوز ـ الجارية في الركوع ـ كان المرجع فيهما أصالة عدم الإتيان ، ومقتضاها وجوب القضاء وسجود السهو ، فينحل العلم الإجمالي ، ولا مانع من جريان قاعدة التجاوز في الركوع.

فان قلت : قاعدة التجاوز في القراءة والسجدة وإن لم تجر في رتبة قاعدة التجاوز في الركوع ، إلا أنها تجري في الرتبة اللاحقة. وحينئذ تعارضها ويسقطان معا للمعارضة ، ويكون المرجع قاعدة الاشتغال ـ الموجبة للإعادة فقط ـ كما عرفت آنفا. قلت : إذا لم تجر قاعدة التجاوز في السجود والقراءة في رتبة قاعدة التجاوز في الركوع لم تجر في رتبة لاحقة لها ، لأنه يلزم من جريانها عدمه ، لأنها إذا جرت عارضت قاعدة التجاوز الجارية في الركوع ، للعلم الإجمالي بكذب إحداهما ، وإذا عارضتها سقطت الأولى فتسقط الثانية ، فيعلم تفصيلا بسقوطهما عن الحجية على كل حال ، فيتعين الرجوع في موردها إلى أصالة عدم الإتيان لا غير. لكن هذا التقريب‌

٦٢٤

______________________________________________________

يتوقف على القول بأن سقوط الأصول في كل من الأطراف للمعارضة. أما لو كان المانع نفس العلم الإجمالي ، بحيث يمتنع جريان الأصل النافي في طرف واحد وإن لم يكن له معارض في الأخر امتنع جريان قاعدة التجاوز في الركوع ، لأنها أصل ناف.

فان قلت : هذا يتم لو لم ينحل العلم الإجمالي بالأصل المثبت للتكليف في الطرف الأخر ـ كما في المقام ـ فإن أصالة عدم الإتيان ـ الجارية لنفي السجود والقراءة ـ حيث أنها تثبت السجود للسهو والقضاء كانت موجبة لانحلال العلم ، فلا مانع حينئذ من جريان قاعدة التجاوز في الركوع.

قلت : جريان قاعدة التجاوز في الركوع موقوف على انحلال العلم وهو موقوف على جريان أصالة العدم في الطرف الأخر ، وهو موقوف على جريان قاعدة التجاوز في الركوع ـ لما عرفت من توقف القضاء وسجود السهو على صحة الصلاة ـ وذلك دور. اللهم الا أن يرجع إلى ما ذكرنا في التقريب الأول فيقال : جريان أصالة العدم في الطرف الأخر وإن كان موقوفا على جريان قاعدة التجاوز في الركوع ، لكن بلحاظ الأثر الاثباتى ـ أعني : القضاء وسجود السهو ـ لا النفيي ، أعني : سقوط أمر الركوع ، وجريانها بلحاظ الأثر المذكور ليس موقوفا على انحلال العلم الإجمالي ، لما عرفت : من أن العلم الإجمالي لا يمنع من جريان الأصل الاثباتي ، بل الأصل يوجب انحلاله ، فيصح جريان الأصل النفي في الطرف الأخر.

نعم ربما يشكل التقريبان معا : بأن جريان قاعدة التجاوز في الركن إذا كان بلحاظ الأثر النفي مشروطاً بالانحلال ، والمشروط بجريانها بلحاظ الأثر الاثباتي كان جريانها ـ باللحاظ الأول ـ متأخرا رتبة عن جريانها باللحاظ الثاني ، ففي رتبة جريانها باللحاظ الثاني لا تجري باللحاظ الأول. وحينئذ فتجري أصالة عدم الإتيان ، ومقتضاها الإعادة ، فينافي جريان‌

٦٢٥

لكن الأحوط هنا أيضا إتمام الصلاة وسجدتا السهو في الفرض الأول ، وقضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني ، ثمَّ الإعادة ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فكذلك.

( السادسة عشرة ) : لو علم بعد الدخول في القنوت قبل‌

______________________________________________________

القاعدة بلحاظ الأثر النفي في الرتبة اللاحقة.

وفيه : أن جريان أصالة عدم الإتيان ـ بلحاظ وجوب الإعادة ـ إذا كان مشروطاً بعدم جريان قاعدة التجاوز بلحاظ الأثر النفيي ـ كانت متأخرة رتبة عن جريان القاعدة المذكورة ، إذ كما أن الشرطية بين الشيئين موجبة للترتب بينهما كذلك المانعية بينهما ، فالممنوع متأخر رتبة عن المانع ، فلا تشرع أصالة عدم الإتيان إلا في رتبة متأخرة عن عدم القاعدة فإذا فرض عدم المانع من جريان القاعدة في رتبة نفسها ـ وهي الرتبة اللاحقة للانحلال ـ امتنع جريان أصالة عدم الإتيان في رتبة لاحقة لها. وإن شئت قلت : دليل اعتبار عدم جريان القاعدة في صحة جريان أصالة عدم الإتيان دال على عدم جريان أصالة عدم الإتيان مطلقا إذا جرت قاعدة التجاوز في رتبة نفسها فاذا فرض جريان القاعدة ـ في الفرض ـ في رتبة نفسها امتنع جريان أصالة عدم الإتيان مطلقاً. ولأجل ما ذكرنا لا يكاد يستشكل أحد ـ فيما لو علم ـ وهو جالس في الثانية ـ بأنه إما فاتته سجدة من الأول أو لم يسجد الثانية من الثانية ـ أنه تجري قاعدة التجاوز في السجدة الثانية للأولى وقاعدة الشك في المحل في السجدة الثانية للثانية ، مع جريان الاشكال المذكور فيه حرفا فحرفا. وكذا الكلام في نظائره مما كان أحد طرفي العلم الإجمالي مجرى لقاعدة التجاوز والأخر مجرى لقاعدة الشك في المحل. ومما ذكرنا يظهر : أن الاكتفاء في الفرضين بالإتمام والقضاء وسجود السهو من دون حاجة إلى الإعادة في محله.

٦٢٦

أن يدخل في الركوع أنه إما ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة [١] وجب عليه العود لتداركهما [٢] والإتمام ثمَّ الإعادة. ويحتمل الاكتفاء بالإتيان [٣] بالقراءة والإتمام من غير‌

______________________________________________________

[١] يعنى : من الركعة اللاحقة.

[٢] يعنى : تدارك السجدتين والقراءة ، لتعارض قاعدة التجاوز فيهما فيرجع إلى أصالة عدم الإتيان المقتضية لتداركهما معا. لكن لو تداركهما معا يعلم بأنه إما زاد سجدتين أو قراءة ، فيعلم بوجود الإعادة أو سجود السهو بعد الإتمام. وحينئذ تسقط أصالة عدم الإتيان للمعارضة ، لأن العمل على طبقها في الطرفين يوجب العلم بالزيادة المذكورة. وكذا الحال في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في كل منهما. نعم لو بني على كون الزيادة التي تكون موضوعا الآثار ـ من البطلان أو سجود السهو ـ عبارة عن الإتيان بالجزء بقصد الجزئية ، أمكن الرجوع إلى قاعدة الاشتغال الموجبة لتدارك السجدتين والقراءة برجاء الجزئية. ولا يلزم من ذلك محذور أصلا فيجب ولا يجوز له قطع الفريضة والاستئناف. وبذلك تفترق قاعدة الاشتغال عن أصالة عدم الإتيان ، فإن مقتضى الثانية جواز الإتيان بالمحتمل بقصد الجزئية ، فيلزم المحذور المتقدم. ولو لم يتم المبنى المذكور ـ فلأجل أنك عرفت : أنه يمتنع الرجوع إلى قاعدة التجاوز في الطرفين ، وأصالة عدم الإتيان وقاعدة الاشتغال ـ فاللازم الحكم بالإعادة لتعذر تصحيح الصلاة. هذا كله مع قطع النظر عما يأتي. كما أن هذا البيان إنما يجري إذا حصل له العلم المذكور وهو في القنوت ونحوه ، مما يتحقق به التجاوز عن محل القراءة. أما إذا حصل له العلم وهو في محل القراءة فلا ينبغي التأمل في وجوب القراءة عليه ـ لقاعدة الشك في المحل ـ وعدم وجوب السجدتين ، لقاعدة التجاوز.

[٣] هذا الاحتمال هو المتعين ، لأنه ـ بعد العلم التفصيلي بعدم سقوط‌

٦٢٧

لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت بدعوى : أن وجوب القراءة عليه معلوم ـ لأنه إما تركها أو ترك السجدتين ـ فعلى التقديرين يجب الإتيان بها ، ويكون الشك‌

______________________________________________________

القراءة ـ لا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها ، فتجري القاعدة في السجدتين بلا معارض ، ويكون حاله حال من علم بعدم القراءة وشك في السجدتين فإنه لا ريب في وجوب القراءة عليه ، وعدم وجوب السجدتين لقاعدة التجاوز. ودعوى : الفرق بينهما : بأن العلم في المقام بفوات القراءة تفصيلا إنما نشأ من العلم الإجمالي فيمتنع انحلاله به ، لأن تنجز المعلوم بالإجمال في رتبة العلم التفصيلي المذكور فيمتنع استناده اليه ، بل لا بد أن يستند إلى العلم الإجمالي ، ومع تنجز المعلوم بالإجمال يمتنع جريان الأصل في كل واحد من أطرافه ـ ولو لم يكن له معارض على ما هو التحقيق ـ لأنه ترخيص في مخالفة العلم. وكذا الحال فيما تقدم من الموارد التي قلنا فيها إنه يعلم بفوات الجزء إما للبطلان أو لعدم الإتيان ، بخلاف العلم التفصيلي في الفرض الثاني فإنه ناشئ من سبب آخر غير العلم الإجمالي ، فلذا كان موجباً لانحلاله. مندفعة : بأن العلم بفوات الجزء غير الركني وإن كان ناشئا من العلم الإجمالي بفوات أحد الأمرين ، إلا أن العلم الإجمالي المذكور ليس منجزا ولو لم يكن العلم التفصيلي ناشئا منه ـ كي يشكل انحلاله بالعلم التفصيلي الناشئ منه. لأن العلم بالموضوع لا يصلح للبعث ولا للزجر ، وإنما الصالح لذلك هو العلم بالحكم ، فالتنجز إنما يستند إليه. غاية الأمر : أن العلم بالحكم. تارة : يستند إلى العلم بالموضوع ، وأخرى : يستند إلى أسباب أخر. والعلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر عين العلم التفصيلي بوجوب الأقل ـ كما حقق في مبحث الأقل والأكثر ـ لا أن العلم التفصيلي بالأقل غيره وناشئ منه ليرد المحذور. نعم لو قلنا بأن الأقل واجب بالوجوب الغيري ـ كما‌

٦٢٨

بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير ، الذي هو القنوت [١]

______________________________________________________

عليه شيخنا الأعظم في ( رسائله ) وغيره من الأكابر ـ أشكل انحلال العلم بالوجوب المردد بين الأقل والأكثر بالعلم بوجوب الأقل. لكن التحقيق خلافه ، كما ذكرنا ذلك في الأصول في مبحث مقدمة الواجب وفي غيره. ومن أجل ذلك عبر في المتن بقوله : « وجوب القراءة عليه معلوم .. ».

فان قلت : القراءة في المقام وإن علم بوجوبها تفصيلا إلا أنه يعلم إجمالا إما بوجوبها وحدها ـ على تقدير كون المتروك هو القراءة ـ لأن فعل السجدتين حينئذ زيادة مبطلة. وإما بوجوبها مع السجدتين ـ على تقدير كون المتروك هما السجدتان ـ فيكون العلم الإجمالي مرددا بين المتباينين ـ كالعلم بوجوب القصر أو التمام ـ ولا بد فيه من الاحتياط ، ولا مجال للانحلال. قلت : مع أن هذا الاشكال جار بعينه في النقض المتقدم ـ وهو ما لو علم بعدم القراءة وشك في السجدتين ـ وفيما لو كان الشك في القراءة شكا في المحل ـ كما لو علم قبل الدخول في القنوت إما بترك القراءة أو بترك السجدتين اللذين قد عرفت أنه لا ينبغي التأمل في وجوب القراءة فيهما عليه ، وفي الرجوع في السجدتين إلى قاعدة التجاوز ـ مندفع في الجميع : بأنه بعد العلم بوجوب القراءة فالمتباينان اللذان يعلم إجمالا بوجوب أحدهما هما بشرط لا وبشرط شي‌ء ، والعلم الإجمالي بوجوب أحدهما منحل بجريان قاعدة التجاوز في السجدتين لأن مفادها المنع من فعل السجدتين ، كما أن مفادها سقوط أمرهما. وقد عرفت فيما سبق : أن الأصل الجاري في أحد طرفي العلم الإجمالي إذا كان له أثر ان أحدهما إثباتي والأخر نفيي يجري بلحاظ أثريه معاً ، وينحل العلم الإجمالي.

[١] لكن ـ لأجل العلم بأن القنوت في غير محله ـ يشكل صدق التجاوز بالدخول فيه ، فالأولى تطبيق التجاوز عن محل السجدتين بلحاظ القيام ،

٦٢٩

وأما إذا كان قبل الدخول في القنوت فيكفي الإتيان بالقراءة ، لأن الشك فيها في محلها ، وبالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز وكذا الحال لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنه إما ترك السجدتين أو التشهد ، أو ترك سجدة واحدة أو التشهد [١]. وأما لو‌

______________________________________________________

كما هو مورد صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع) : « إن شك في السجود بعد ما قام فليمض » (١).

[١] يعني : يرجع ويأتي بالتشهد لا غير ويقوم. وهذا مبني على أن لغوية القيام بلحاظ وجوب الرجوع الى التشهد لا يوجب لغويته بلحاظ صدق التجاوز عن محل السجدتين أو السجدة ، إذ حينئذ يمكن الرجوع في الشك في السجود إلى قاعدة التجاوز. أما لو بني على لغويته بهذا اللحاظ أيضا ـ كما هو الظاهر ـ فينبغي إلحاق الفرض المذكور بالفرض الاتي ـ وهو ما لو علم قبل القيام ـ فإنه لا مجال حينئذ لإجراء قاعدة التجاوز بالنسبة الى كل منهما. أما التشهد فللعلم بعدم سقوط أمره. وأما السجود فلعدم تحقق التجاوز عن محله ، كما لا مجال لأصالة عدم الإتيان بهما للزوم الزيادة ، كما أشرنا إليه في صدر المسألة. وكما أشرنا هناك أيضا : إلى أن الحكم بالبطلان ولزوم الاستئناف والحكم بالصحة ولزوم فعل السجود والتشهد معا مبنيان على توقف صدق الزيادة القادحة على الفعل بقصد الجزئية وعدمه ، فعلى الثاني تبطل الصلاة لدوران الأمر بين الزيادة والنقيصة القادحتين ، فلا يمكن تصحيح الصلاة فيجب الاستئناف. وعلى الأول يرجع إلى قاعدة الاشتغال ويأتي بالجزءين برجاء الجزئية ، وتصح الصلاة للعلم بعدم الخلل لا نقيصة ولا زيادة.

هذا كله في الفرض الأول. أما الفرض الثاني ـ وهو ما لو احتمل ترك سجدة أو التشهد ـ فالعمل فيه بأصالة العدم فيهما إنما يقتضي لزوم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٤.

٦٣٠

كان قبل القيام فيتعين الإتيان بهما ، مع الاحتياط بالإعادة [١].

( السابعة عشرة ) : إذا علم بعد القيام إلى الثالثة أنه ترك التشهد ، وشك في أنه ترك السجدة أيضا أم لا ، يحتمل أن يقال : يكفي الإتيان بالتشهد [٢] ، لأن الشك بالنسبة إلى السجدة بعد الدخول في الغير ـ الذي هو القيام ـ فلا اعتناء به‌

______________________________________________________

زيادة جزء غير ركني سهوا ـ وهو أما التشهد قبل العلم ، أو السجدة بعد العلم ـ ومثله غير قادح. نعم يحصل له العلم بوجوب سجود السهو ، بناء على وجوبه لكل زيادة سهوية. لكن قد يشكل : بأن الزيادة السهوية إنما لا تقدح إذا لم تكن طرفا للعلم الإجمالي ، وهو في المقام أحد طرفي العلم الإجمالي ، لأنه إن كان سابقاً قد ترك سجدة فقد زاد التشهد وعليه سجود السهو ، وإن ترك التشهد فقد جاء بالسجود ، فيكون فعله ثانيا زيادة ، فالمصلي حينئذ يعلم إجمالا بأنه : إما ممنوع من زيادة السجود ، أو يجب عليه سجود السهو لزيادة التشهد ، فلو تدارك السجود احتمل زيادة السجدة المعلومة إجمالا ـ بلحاظ كونها أحد طرفي العلم الإجمالي ـ والزيادة كذلك قادحة ، فالفرضان بحكم واحد.

[١] لا شبهة ـ في هذا الفرض ـ في عدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ، لعدم الدخول فيما بعده ولو بحسب الصورة. وحينئذ فالإشكال السابق على الرجوع إلى أصالة عدم الإتيان ـ وهو لزوم الزيادة القادحة لكونها طرفا للعلم الإجمالي ـ جار هنا أيضا ، فيشكل تدارك الجزءين ، فتتعين الإعادة.

[٢] هذا الاحتمال استظهره في المسألة التاسعة والخمسين من مسائل هذا الختام ، وفاقا منه للجواهر ، للشك في شمول أدلة الشك قبل الدخول في الغير لمثل هذا الفرد ، مع ظهور ما دل على عدم الالتفات فيه. واستوجه‌

٦٣١

والأحوط الإعادة بعد الإتمام ، سواء أتى بهما أو بالتشهد فقط [١].

( الثامنة عشرة ) : إذا علم إجمالا أنه أتى بأحد الأمرين ـ من السجدة والتشهد ـ من غير تعيين وشك في الأخر ، فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكه [٢] ، وإن كان قبله‌

______________________________________________________

خلافه في المسألة الخامسة والأربعين منها. وهو الوجه ، لان الظاهر من أخبار قاعدة التجاوز اعتبار الدخول في الغير المرتب شرعا على محل المشكوك لو لا فواته ، والقيام إلى الثالثة في الفرض ليس كذلك ، للحكم بلغويته من جهة فوات التشهد. وحينئذ لا شك في شمول أدلة الشك قبل الدخول في الغير له إذ المراد من الغير في المقامين واحد. مع أنه لو سلم الشك كفي أصالة عدم الإتيان ـ أو قاعدة الاشتغال ـ في وجوب تدارك المشكوك. ولا فرق بين تقدم الشك على العلم ، وتأخره عنه ، واقترانه معه. ودعوى : أنه في الصورة الاولى يكون الشك حين حدوثه محكوما بعدم الالتفات اليه ، فاذا طرأ العلم بفوات التشهد لم يوجب تبدل حكم الشك. مندفعة : بأنه بطروء العلم ينكشف كونه شكا في المحل لا بعد تجاوزه ، فلا وجه لترتيب الحكم الأول عليه بعد انكشاف كونه ليس موضوعا له ، فأصالة عدم الإتيان ـ أو قاعدة الاشتغال ـ محكمة. وفي هذا الفرض لا يحصل العلم بالزيادة حتى السهوية غير القادحة ، بخلاف الفرض السابق.

[١] لاحتمال صدق الزيادة العمدية في الأول ، وفي الثاني النقيصة كذلك.

[٢] لجريان قاعدة التجاوز في الطرفين بلا مانع ، فان كل واحد من السجدة والتشهد مشكوك بعد التجاوز. وأما إجراء القاعدة في المشكوك المبهم المقابل للمعلوم فلا مجال له ، إذ ليس له مطابق خارجي كالمعلوم ـ نظير المعلوم النجاسة والمعلوم الطهارة في الشبهة المحصورة ـ إذ الانطباق الخارجي لذات المعلومين لا بوصف كونهما معلومين. ولأجل أنه لا انطباق‌

٦٣٢

يجب عليه الإتيان بهما [١] ، لأنه شاك في كل منهما مع بقاء المحل ، ولا يجب الإعادة بعد الإتمام ، وإن كان أحوط.

( التاسعة عشرة ) : إذا علم أنه إما ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة ، فإن كان جالساً ولم‌

______________________________________________________

هنا للمشكوك المقابل للمعلوم بوصف كونه مشكوكا لا يمكن إجراء القاعدة فيه لإحراز التشهد والسجدة ، لعدم كونهما مصداقا له. ولما كان الشك مأخوذا موضوعا للقاعدة فلا بد في إجرائها من ملاحظة نفس السجدة والتشهد المشكوكين. ولأجل ذلك افترق المقام عن باب الشبهة المحصورة ، لأن العلم هناك لم يؤخذ موضوعا بل طريقاً إلى نفس الموضوع المنطبق واقعا على أحدهما. ولذا وجب الاحتياط. فتأمل جيدا.

ثمَّ إن هاهنا إشكالات مبنية على اعتبار التقييد بين أجزاء المركبات في نفس المركب. ولما كان المبنى المذكور في نفسه باطلا ـ كما هو موضح في محله ـ فالاشكالات المذكورة ساقطة. ولأجل أن بناءنا في هذا الشرح على الاختصار أهملنا ذكرها. والله سبحانه وتعالى الموفق.

[١] هذا يجري فيه نظير ما سبق في صدر المسألة السادسة عشرة وذيلها ، لان المزيد في المقام على كل تقدير لم يكن ركنا ، إذ يدور الأمر بين زيادة التشهد ، وزيادة السجدة ، وزيادتهما معا. وذلك لان المحتملات ثلاثة : فعلهما معا قبل الشك ـ فيكون فعل كل منهما ثانياً زيادة ـ وفعل السجدة أولا دون التشهد ـ فيكون فعل السجود ثانياً زيادة ـ وفعل التشهد أولا دون السجود ـ فيكون هو زيادة ويكون فعلهما ثانيا أو فعل أحدهما ـ وعلى الأخير يجب سجود السهو ، فاذا كان العلم الإجمالي منجزا يمتنع عليه فعلهما كما عرفت ، فلو فعل بطلت صلاته.

٦٣٣

يدخل في القيام أتى بالتشهد [١] وأتم الصلاة ، وليس عليه شي‌ء. وإن كان حال النهوض [٢] إلى القيام ـ أو بعد الدخول فيه ـ مضى وأتم الصلاة [٣] وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو [٤]. والأحوط إعادة الصلاة أيضا ، ويحتمل وجوب العود [٥] ـ لتدارك التشهد ـ والإتمام ، وقضاء السجدة ـ فقط ـ مع سجود السهو. وعليه ـ أيضا ـ الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________________________________

[١] لقاعدة الشك في المحل التي عرفت أنه ينحل بها العلم الإجمالي ، فتجري قاعدة التجاوز في السجدة بلا مانع.

[٢] هذا مبني على تحقق التجاوز عن محل التشهد بمجرد النهوض ، اقتصاراً في النص ـ الدال على وجوب الرجوع إلى السجود عند الشك فيه في حال النهوض ـ على مورده ، كما استوجهه المصنف (ره). أما لو بني على إلحاق التشهد بالسجود في ذلك فاللازم في المقام إلحاق النهوض بالجلوس لا بالقيام. وقد تقدم الكلام في ذلك في البحث عن قاعدة التجاوز.

[٣] اعتماداً على قاعدة التجاوز فيهما. وأما قضاء كل منهما فللعلم الإجمالي بوجوب قضاء أحدهما.

[٤] مرة واحدة ، إذ لا موجب لتعددهما مع وحدة السبب.

[٥] هذا هو المتعين ، لامتناع جريان قاعدة التجاوز في كل من الطرفين للمعارضة من أجل العلم الإجمالي بكذب إحداهما ، للعلم اما بوجوب قضاء السجدة من السابقة أو بوجوب الرجوع لتدارك التشهد ، بل المرجع أصالة عدم الإتيان الموجبة للرجوع إلى التشهد وقضاء السجدة.

فإن قلت : وجوب الرجوع من آثار العلم بالفوت ، فكيف يثبت مع الشك فيه؟ قلت : ذلك ممنوع ، فان الرجوع من آثار الفوت إذا‌

٦٣٤

( العشرون ) : إذا علم أنه ترك سجدة إما من الركعة السابقة أو من هذه الركعة ، فإن كان قبل الدخول في التشهد ـ أو قبل النهوض إلى القيام ، أو في أثناء النهوض [١] قبل الدخول فيه ـ وجب عليه العود إليها لبقاء المحل ولا شي‌ء عليه [٢] ، لأنه بالنسبة إلى الركعة السابقة شك بعد تجاوز المحل. وإن كان بعد الدخول في التشهد ـ أو في القيام ـ مضى‌

______________________________________________________

أمكن التدارك ، بأن لا يدخل في ركن بعده ، وإنما لا يجب مع عدم العلم بالفوت ، لجريان قاعدة التجاوز حينئذ المقتضية لعدم حصول الفوت. ولذا نقول بوجوب التدارك إذا كان الشك قبل التجاوز ، لمجرد أصالة عدم الإتيان وإن لم يثبت كون قاعدة الشك في المحل من القواعد التعبدية الشرعية. هذا مع أن المحقق في محله كون المستفاد من دليل حجية الاستصحاب وجوب معاملة الشك في البقاء معاملة اليقين به ، فيترتب عليه ما يترتب على اليقين من الاحكام. ولأجل ذلك قلنا بقيامه مقام العلم الموضوعي.

فإن قلت : هذا يتم إذا جرى ، وجريانه يتوقف على كون مجراه ذا أثر شرعي ، وهو خلاف البناء على كون وجوب الرجوع من آثار العلم بالفوت. قلت : العلم بالفوات وإن كان دخيلا في الأثر لكنه ليس تمام الموضوع ، بل الأثر ثابت المجموع الفوات الواقعي والعلم به ، فيكون الفوات الواقعي ، موضوعا للأثر الضمني ، وهو كاف في جريان الاستصحاب. ولذا تجري الأصول في كل من أجزاء المركبات بلحاظ الاثار الضمنية الثابتة لكل واحد منها. ولعل ما ذكرنا هو الوجه في ترجيح احتمال المضي والإتمام.

[١] ألحق النهوض بالجلوس لأنه مورد النص في الشك في السجود ، كما عرفت.

[٢] لما عرفت فيما قبله.

٦٣٥

وأتم الصلاة وأتى بقضاء السجدة وسجدتي السهو. ويحتمل وجوب العود [١] ـ لتدارك السجدة من هذه الركعة ـ والإتمام وقضاء السجدة ، مع سجود السهو [٢]. والأحوط ـ على التقديرين ـ إعادة الصلاة أيضا.

( الحادية والعشرون ) : إذا علم أنه إما ترك جزءاً مستحبا ـ كالقنوت مثلا ـ أو جزءا واجبا ، سواء كان ركنا أو غيره من الاجزاء التي لها قضاء ـ كالسجدة والتشهد ـ أو من الاجزاء التي يجب سجود السهو لأجل نقصها صحت صلاته ولا شي‌ء عليه [٣]. وكذا لو علم أنه إما ترك الجهر أو الإخفات في موضعهما أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة ، لعدم الأثر لترك الجهر والإخفات ، فيكون الشك بالنسبة إلى الطرف الأخر بحكم الشك البدوي.

______________________________________________________

[١] هذا هو المتعين ، لما عرفت فيما سبق.

[٢] مكررا عن نقص السجدة ، وعن زيادة التشهد ، أو زيادة القيام.

[٣] لجريان قاعدة التجاوز في الجزء ، بلا معارضة لها بمثلها في الجزء المستحب لعدم الأثر العملي لها ، إذ على تقدير العلم التفصيلي بفوات الجزء المستحب لا يترتب أثر عملي ، فضلا عما لو كان طرفا للعلم الإجمالي. نعم يشكل الحال في التمثيل بالقنوت ، لأنه مما يقضى بعد الركوع ـ كما في بعض النصوص ـ (١) أو بعد الانصراف ـ كما في بعض آخر ـ (٢) إذ حينئذ يكون لفواته أثر عملي ، فيمتنع جريان القاعدة فيه إذا‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب القنوت.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب القنوت.

٦٣٦

______________________________________________________

كان طرفا للعلم الإجمالي ، لأن العلم الإجمالي كالتفصيلي حجة يمتنع جريان الحجج النافية على خلافه ، أمارة كانت أو أصلا. ومثله : الأذان والإقامة اللذان يشرع لفواتهما الاستئناف إذا ذكر قبل الركوع (١) ولأجل ذلك تضمن صحيح زرارة إجراء القاعدة فيهما مع الشك فيهما بعد تكبير الافتتاح (٢) فكان اللازم على المصنف (ره) استثناء مثل القنوت عن القاعدة المذكورة في هذه المسألة.

وربما يقال : إن مخالفة الحكم الاستحبابي لما لم توجب عصيانا ولا عقاباً لم يلزم من إجراء قاعدة التجاوز في الاجزاء المستحبة ترخيص في محتمل المعصية ليقبح فيمتنع ، فلا مانع من إجراء القاعدة في الطرفين. وفيه : أن التعبير بأن إجراء الأصل النافي للتكليف في طرف العلم الإجمالي ترخيص في محتمل المعصية جار على ما هو محل الكلام من الشبهة المحصورة ، وليس هو المناط في المنع عن جريان الأصل ، بل المناط ما عرفت. من كون العلم الإجمالي حجة ـ كالعلم التفصيلي ـ مانعا عن جعل الحكم الظاهري على خلافه ، للزوم التناقض ونقض الغرض. فان قلت : إذا علم إجمالا : أنه إما يجب الصوم أو تستحب الصدقة فلا إشكال في جواز الرجوع الى البراءة في وجوب الصوم ، مع أن مقتضى ما ذكر هو العدم. قلت : فرق بين الأصول العقلية والأصول الشرعية ، فإن الأصول العقلية تجري ما لم يكن بيان على خلاف مقتضاها ، وهو غير حاصل في الفرض ، إذا العلم الإجمالي فيه ليس متعلقا بتكليف إلزامي ، فلا يكون حجة على خصوص وجوب الصوم. أما الأصول الشرعية ـ فلأجل أن مفادها أحكام شرعية طريقية والعلم الإجمالي ـ كالعلم التفصيلي ـ رافع لموضوع الحكم الطريقي ، للزوم‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٦٣٧

( الثانية والعشرون ) : لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم إجمالا [١] : إنه إما زاد فيها ركنا أو نقص ركنا [٢] وأما في النافلة فلا تكون باطلة ، لأن زيادة الركن فيها مغتفرة [٣] والنقصان مشكوك. نعم لو علم أنه إما نقص فيها ركوعا أو سجدتين بطلت. ولو علم إجمالا أنه إما نقص فيها ركوعا ـ مثلا ـ أو سجدة واحدة ، أو ركوعا ، أو تشهدا أو نحو ذلك مما ليس بركن لم يحكم بإعادتها ، لأن نقصان ما عدا الركن فيها لا أثر له ـ من بطلان ، أو قضاء أو سجود سهو [٤] ـ فيكون احتمال نقص الركن كالشك البدوي.

( الثالثة والعشرون ) : إذا تذكر ـ وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية [٥] مثلا ـ أنه ترك سجدة من الركعة

______________________________________________________

التناقض ، ونقض الغرض وغير ذلك مما ذكر في عدم جواز جعل الحكم الظاهري مع العلم التفصيلي ـ لا مجال لأعمالها في أطراف العلم الإجمالي. وقد أشرنا الى ذلك في مباحث الخلل في الوضوء.

[١] للعلم التفصيلي ببطلانها.

[٢] يعني : بنحو لا يمكن تداركه ، كما هو ظاهر.

[٣] يعني : فيجري فيه ما سبق.

[٤] على ما تقدم الكلام فيه. فراجع.

[٥] يعني : باعتقاده. وأما بالنظر إلى نفس الواقع فالسجدة المأتي بها تنطبق عليها السجدة الثانية للركعة الأولى قهراً. نعم لو كان قصد الثانية على نحو التقييد بطلت السجدة ، ولا تبطل الصلاة ، لعدم كونها زيادة عمدية. وحينئذ فلا بد من الإتيان بسجدة ثانية للأولى.

٦٣٨

الأولى‌ وترك أيضا ركوع هذه الركعة جعل السجدة التي أتى بها للركعة الاولى [١] ، وقام وقرأ [٢] وقنت وأتم صلاته. وكذا لو علم أنه ترك سجدتين من الاولى ـ وهو في السجدة الثانية من الثانية ـ فيجعلهما للأولى [٣] ، ويقوم إلى الركعة الثانية. وإن تذكر بين السجدتين سجد أخرى بقصد الركعة الاولى [٤] ويتم. وهكذا بالنسبة إلى سائر الركعات إذا تذكر ـ بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية ـ أنه ترك السجدة من السابقة وركوع هذه الركعة ، ولكن الأحوط في جميع هذه الصور إعادة الصلاة بعد الإتمام [٥].

______________________________________________________

[١] المراد معاملتها معاملة السجدة الثانية للأولى ، إذ قد عرفت : انطباقها عليها قهراً ، ولا يتوقف الانطباق المذكور على القصد وإلا فلا دليل عليه ، إذ العدول خلاف الأصل ، ثبت في بعض الموارد للدليل.

[٢] ويكون قيامه الأول وقراءته زيادتين في الصلاة ، لوقوعهما في غير محلهما ، لاعتبار الترتيب بينهما وبين السجدة الثانية للأولى ، فما دام لم يسقط أمرها يكونان لغوا وزيادة ، ولا بد من سجود السهو لهما ـ مرة أو مرتين ـ حسبما تقدم في محله.

[٣] الكلام فيه كما سبق.

[٤] لا حاجة إليه ـ كما عرفت ـ فيكفي الإتيان بها بقصد الصلاة تقرباً‌

[٥] هذا الاحتياط استحبابي ضعيف. وكان منشأه : توهم صدق فوت الركوع بالدخول في السجدة. وفيه : أنه يختص ذلك بما إذا كان الركوع مطلوبا ، بحيث يكون فعل السجود في غير محله. وليس كذلك في المقام ، لكون السجود في محله ، وإنما الواقع في غير محله هو القيام والقراءة.

٦٣٩

( الرابعة والعشرون ) : إذا صلى الظهر والعصر وعلم بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين [١] ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي ـ عمداً وسهواً ـ أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة ، ثمَّ سجد للسهو عن السلام في غير المحل ، ثمَّ أعاد الاولى ، بل الأحوط أن لا ينوي الاولى بل يصلي أربع ركعات بقصد ما في الذمة ، لاحتمال كون الثانية ـ على فرض كونها تامة ـ محسوبة ظهرا.

( الخامسة والعشرون ) : إذا صلى المغرب والعشاء ثمَّ علم ـ بعد السلام من العشاء ـ أنه نقص من إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي ـ عمداً وسهواً ـ وجب عليه إعادتهما ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى العشاء ركعة [٢] ، ثمَّ يسجد سجدتي السهو ، ثمَّ يعيد المغرب.

( السادسة والعشرون ) : إذا صلى الظهرين وقبل أن يسلم للعصر علم إجمالا : أنه إما ترك ركعة من الظهر ـ والتي بيده رابعة العصر ـ أو أن ظهره تامة ـ وهذه الركعة ثالثة العصر ـ فبالنسبة إلى الظهر شك بعد الفراغ ، ومقتضى القاعدة البناء على كونها تامة. وبالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام في هذه المسألة وما بعدها في المسألة الثامنة. فراجع.

[٢] والأولى أن ينوي ما في ذمته ، لاحتمال تمام الثانية ونقص الأولى ـ وعدم بطلانها بفعل الثانية في أثنائها ـ فتكون الركعة المأتي بها حينئذ متممة للأولى. فتأمل.

٦٤٠