مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

ويجب عليه تعيين الامام [١] بالاسم ، أو الوصف ، أو الإشارة الذهنية ، أو الخارجية ، فيكفي التعيين الإجمالي [٢] ، كنية الاقتداء بهذا الحاضر ، أو بمن يجهر في صلاته ـ مثلا ـ من الأئمة الموجودين أو نحو ذلك. ولو نوى الاقتداء بأحد هذين أو أحد هذه الجماعة لم تصح جماعة ، وان كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك ، في الأثناء أو بعد الفراغ.

______________________________________________________

لكن اقتضاءه لبطلان الصلاة مبني على أن حرمة التشريع تسري الى العمل الخارجي ولا يختص بالعمل النفسي. وعلى أن موضوعها ذات العمل المقتدى به لا مجرد الاقتداء العنواني. والظاهر صحة المبنيين معاً. وقد تقدم في النية : تقريب بطلان الصلاة إذا كان الرياء بإيقاعها في المسجد أو جماعة أو نحو ذلك.

[١] بلا خلاف ، كما عن الذخيرة. وعن مجمع البرهان : « كأنه مجمع عليه » للأصل المتقدم.

[٢] قد استشكل فيه في الجواهر : بأن الترديد في المصداق ـ كالترديد في المفهوم ـ يشك في شمول الأدلة له. لكنه مما لا ينبغي ، إذ ينفيه ظاهر الفتاوى. وتنزيلها على التعيين المفيد للتشخيص عند المعين في غير محله. كيف لا ، ولازمه بطلان ائتمام الصفوف المتأخرة وغيرهم ممن لا يرى الإمام؟

إذ لا تعين للإمام عندهم إلا بنحو الاجمال. والتعيين قبل الصلاة قد لا يحصل ولو حصل لا يجدي في صحة الائتمام في تمامها ، إذ التعيين عندهم شرط في الابتداء والاستدامة ، فإذا انتفى في حال من الحالات بطل الائتمام. فلا بد أن يكون مرادهم ما يعم الإجمالي. نعم يشكل الاكتفاء بالتعيين الإجمالي بمثل ( من يختاره بعد ذلك ) ، أو ( من يسلم قبل صاحبه ) ونحو ذلك من العناوين المستقبلة غير المنطبقة حال النية.

١٨١

( مسألة ١٠ ) : لا يجوز الاقتداء بالمأموم [١] ، فيشترط ألا يكون إمامه مأموماً لغيره.

( مسألة ١١ ) : لو شك في أنه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم [٢] وأتم منفرداً [٣] ، وان علم أنه قام بنية الدخول [٤] في الجماعة. نعم لو ظهر عليه أحوال الائتمام ـ كالانصات ونحوه ـ فالأقوى عدم الالتفات [٥] ولحوق أحكام الجماعة ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً كما عن التذكرة والذكرى. ويقتضيه الأصل المتقدم.

[٢] لأصل العدم. وعن الذكرى : « أنه لا يلتفت بعد تجاوز المحل » وكأنه لقاعدة التجاوز. وفيه : أن القاعدة إنما تجري مع الشك في وجود ماله دخل في المعنون في ظرف الفراغ عن إحراز العنوان. والشك في النية شك في أصل العنوان ، فلا يرجع في نفيه إلى القاعدة.

[٣] بناء على أنه يكفي في ترتيب أثر حكم العام جريان أصالة عدم الخاص الذي هو أحد الاحتمالات في المسألة. أما بناء على أن أصالة عدم الخاص إنما يجدي في نفي حكم الخاص لا غير ، فإتمامه منفردا في المقام يتوقف على نية الانفراد احتياطاً. ولولاها احتمل أن يكون مأموماً ، كما احتمل أن يكون منفردا.

[٤] وعن الذكرى : أنه يمكن بناؤه على ما قام إليه ، فان لم يعلم شيئاً بنى على الانفراد ، لأصالة عدم نية الائتمام. وفيه : أن مورد نصوص البناء على ما قام اليه غير ما نحن فيه. وظاهرها وجوب البناء على ما افتتح الصلاة عليه ، وهو في المقام مشكوك.

[٥] كما استظهره شيخنا الأعظم ( قده ). وعلله بتجاوز المحل. ولكنه يتوقف على حجية الظهور المذكور في إثبات نية الاقتداء فعلا ، لينتقل منها‌

١٨٢

وان كان الأحوط الإتمام منفرداً. وأما إذا كان ناويا للجماعة ، ورأى نفسه مقتديا وشك في أنه من أول الصلاة نوى الانفراد أو الجماعة فالأمر أسهل [١].

( مسألة ١٢ ) : إذا نوى الاقتداء بشخص على أنه زيد فبان أنه عمرو ، فان لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته [٢] وصلاته ـ أيضا ـ [٣]

______________________________________________________

الى ثبوتها من أول الأمر. لكن حجية الظهور في ذلك لا تخلو من إشكال وان كان لا يبعد البناء عليها عند العقلاء ، كحجية ظهور القول. فلا حظ.

[١] إذ لا اعتماد فيه على ظهور حال ليتكلف في إثبات حجيته. نعم يتوقف ـ كالفرض السابق ـ على جريان قاعدة التجاوز لإثبات نية الائتمام من أول الأمر. وهو مشكل ، لان الظاهر من أدلة القاعدة الاختصاص بالفعل الذي له محل لو ترك فيه كان تركه تركا لما ينبغي أن يفعل حين تركه. ونية الجماعة في أول الأمر ليست كذلك ، فلو تركها المكلف لم يكن تاركا لما ينبغي أن يفعل. ومجرد بنائه في الأثناء على كون صلاته جماعة لا يوجب كون ترك النية من أول الأمر تركا لما ينبغي أن يفعل. كما يظهر بالتأمل. وقد تقدم نظيره في مبحث النية.

[٢] إذ لو صحت فاما أن تكون بامامة زيد أو بإمامه عمرو. وكلتاهما ممتنعة ، لعدم الأول. وفسق الثاني. وسيجي‌ء ـ في المسألة الرابعة والثلاثين من فصل أحكام الجماعة ـ ماله نفع في المقام.

[٣] على المشهور المعروف ، بل لم يعرف فيه خلاف. ولا وجه له ظاهر ، إلا دعوى : كون صلاة الجماعة وصلاة الفرادى حقيقتين متباينتين فلا يكون قصد الصلاة جماعة قصداً لصلاة الفرادى ولو بنحو تعدد المطلوب فاذا بطلت الجماعة ـ لما سبق ـ بطلت الصلاة فرادى ، لعدم القصد.

١٨٣

______________________________________________________

ولكنها في غاية السقوط ، إذ الجماعة خصوصية في الصلاة الواجبة موجبة لتأكد مصلحتها ـ نظير الصلاة في المسجد بالنسبة إلى أصل الصلاة ـ فكما جاز في قصد الصلاة في المسجد أن يكون بنحو تعدد المطلوب ـ بأن يكون قصده منحلا الى قصدين ، قصد للمقيد بما هو مقيد ، وقصد لذات المقيد يكون في ضمن القصد الأول ـ وان يكون بنحو وحدة المطلوب ـ بأن لا يكون له إلا قصد واحد قائم بالمقيد بما هو مقيد غير قابل للتحليل ـ جاز أن يكون قصد الصلاة جماعة كذلك ـ أعني : بنحو تعدد المطلوب تارة ، وبنحو وحدة المطلوب أخرى. ولازم الأول صحة الصلاة على تقدير بطلان الجماعة ، لكون ذات الصلاة تكون حينئذ مقصودة مطلقاً. نعم لازم الثاني البطلان ، لعدم كون ذات الصلاة مطلقاً مقصودة ، فلو صحت في ظرف بطلان الجماعة فقد صحت بلا قصد وهو ممتنع. وأما احتمال كون قصد الائتمام مبطلا تعبداً للصلاة ـ كالحدث ـ فمنفي بأصل البراءة ، الجاري في نفي احتمال المانعية.

ومنه يظهر أنه لا وجه للبطلان إذا ترك القراءة أو نحوها ـ مما لا يقدح تركه في صحة الصلاة إذا كان تركه سهويا ـ أو زاد سجدة أو نحوها إذا كان لا يقدح فعله سهواً ، لعموم دليل الصحة في مثل ذلك ، كحديث : « لا تعاد الصلاة .. » (١) ونحوه ، فكما لا يقدح ذلك لو لم يكن قد نوى الائتمام ، لا يقدح ـ أيضا ـ إذا كان قد نواه فلم يصح له ، لعدم الفرق في عموم الدليل. كما أنه لو فعل ما يبطل سهوا ـ كزيادة الركوع أو السجدتين في ركعة ـ فالحكم البطلان ، لعموم أدلة البطلان بذلك فاللازم إذاً تقييد البطلان المذكور في المتن بأن يكون قصد الجماعة بنحو وحدة المطلوب. أو بما إذا فعل ما يوجب البطلان سهواً. هذا وسيجي‌ء ـ في المسألة الرابعة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

١٨٤

إذا ترك القراءة ، أو أتى بما يخالف صلاة المنفرد ، وإلا صحت على الأقوى. وان التفت في الأثناء ولم يقع منه ما ينافي صلاة المنفرد أتم منفردا [١] ، وان كان عمرو ـ أيضا ـ عادلا ـ ففي المسألة صورتان : إحداهما : أن يكون قصده الاقتداء بزيد وتخيل أن الحاضر هو زيد [٢]. وفي هذه الصورة تبطل جماعته [٣] ،

______________________________________________________

والثلاثين من فصل أحكام الجماعة ـ ماله نفع في المقام. فانتظر.

[١] لبطلان الجماعة وعدم ما يوجب بطلان الصلاة فيجب إتمامها. وينبغي ـ بناء على ما سبق ـ تقييده بصورة كون قصد الجماعة بنحو تعدد المطلوب وإلا بطلت الصلاة أيضا.

[٢] وحينئذ يكون من نوى الائتمام به هو الحاضر المقيد بكونه زيدا المعنون به :

[٣] لعدم الإمام الذي نوى الائتمام به ، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده. لكن هذا يتم إذا كان قصده للمقيد بنحو وحدة المطلوب. أما إذا كان بنحو تعدد المطلوب ـ بان كان له داعيان أحدهما يدعو الى الائتمام بزيد والآخر يدعو الى الائتمام بالحاضر وان كان عمروا ، فلما اعتقد انطباق زيد على الحاضر أثر الداعيان أثرهما ، فانبعث قصد واحد الى الائتمام بالحاضر مقيداً بأنه زيد ، إلا أنه صالح للتحليل الى قصدين : أحدهما : قائم بالمقيد بما هو والآخر قائم بذات المقيد مطلقا ـ فلا وجه للبطلان ، لتحقق القصد الى الائتمام بالحاضر ولو كان عمراً. وبالجملة : ينبغي إجراء ما ذكروه في الإنشائيات المتقومة بالقصد ـ من العقود والإيقاعات ـ الواردة على المقيدات في المقام إذ الجميع من باب واحد.

١٨٥

وصلاته ـ أيضا ـ ان خالفت صلاة المنفرد [١].

الثانية : أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر ، ولكن تخيل أنه زيد فبان أنه عمرو [٢]. وفي هذه الصورة الأقوى صحة جماعته وصلاته. فالمناط ما قصده لا ما تخيله من باب الاشتباه في التطبيق.

( مسألة ١٣ ) : إذا صلى اثنان وبعد الفراغ علم أن نية كل منهما الإمامة للآخر صحت صلاتهما [٣]. أما لو علم‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت إشكاله.

[٢] هذا ـ أيضا ـ على قسمين : ( أحدهما ) : أن يكون تخيل أنه زيد من قبيل الداعي إلى الصلاة خلفه. ( والثاني ) : أن يكون تخيل أنه زيد من قبيل المقارنات الاتفاقية ، كما لو صلى خلف عمرو وهو يعتقد أنه ابن خمسين سنة ، وكان في الواقع ابن واحدة وخمسين سنة. والحكم في الجميع الصحة ، لتحقق القصد الى الامام المعين. وتوهم : إلحاق الأول بالصورة الأولى ، لأن الداعي ملازم للمدعو له ، فيمتنع تحقق الائتمام بالنسبة إلى الشخص الحاضر مع عدم قيام الداعي فيه ، فيكون ـ مثالا ـ كالتقييد بنحو وحدة المطلوب. مندفع : بان الداعي إنما يؤثر في تحقق القصد والإرادة بوجوده العلمي ، وهو حاصل مع الحاضر ، غير منفك عنه. وانما المتخلف عنه هو الداعي بوجوده الخارجي وليس هو بداعي في الحقيقة ، فلا يقدح تخلفه. ولذا اشتهر أن تخلف الدواعي لا يقدح في صحة الإنشائيات ، من العقود والإيقاعات.

[٣] إجماعا ، كما في المنتهى. لرواية السكوني التي عمل بها الأصحاب ـ كما عن جماعة ، منهم الشهيد الثاني. وفيها : « قال أمير المؤمنين (ع)

١٨٦

أن نية كل منهما الائتمام بالآخر استأنف كل منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد. ولو شكا فيما أضمراه [١]

______________________________________________________

في رجلين اختلفا فقال أحدهما : كنت إمامك. وقال الآخر : كنت إمامك فقال (ع) : صلاتهما تامة. قلت : فان قال كل واحد منهما : كنت آتم بك. قال (ع) : صلاتهما فاسدة ، وليستأنفا » (١) وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين فعل كل منهما ما يقدح في صلاة المنفرد لو وقع سهوا وعدمه إلا أن يدعى : أن الغالب في الصورة الأولى موافقتها لصلاة المنفرد ، كما أن الغالب في الصورة الثانية مخالفتها لها فتحمل الرواية على الغالب ، وكأنه لأجل ذلك قيد البطلان ـ في المتن ـ بصورة المخالفة لصلاة المنفرد. لكن عليه كان اللازم تقييد الصحة ـ في الصورة الأولى ـ بصورة الموافقة لصلاة المنفرد ومثله ما لو كان الوجه في التقييد بذلك عدم الجابر للرواية إلا في صورة المخالفة ، فإن لازمه ـ أيضا ـ التقييد في الصورة الأولى ، لعدم الجابر.

هذا ولا يبعد دعوى : ظهور الرواية في كون السؤال فيها عن الصحة من حيث قصد الإمامة والمأمومية ، بلا نظر الى أمر آخر زائد عليها. فتدل الرواية على عدم قدح قصد الإمامة ، وعلى قدح قصد المأمومية ، فتصح في الصورة الأولى إذا لم تخالف صلاة المنفرد بنحو توجب بطلانها بمقتضى القواعد ، كما أنها تبطل في الصورة الثانية مطلقا. ولعل كلام الأصحاب منزل على ذلك أيضا. فتأمل جيداً.

[١] شك كل منهما ، تارة : يكون في نية نفسه ، وأخرى : في نية صاحبه ، وثالثة : فيهما معا. ( أما في الاولى ) : لا شك في صحة الصلاة على تقدير العلم بنية صاحبه للإمامة ، وانما الشك في صحة الجماعة وفسادها لتردد نيته بين نية الإمامة والمأمومية. ولو علم بنية صاحبه للمأمومية كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

١٨٧

فالأحوط الاستئناف ، وان كان الأقوى الصحة إذا كان الشك بعد الفراغ ، أو قبله مع نية الانفراد بعد الشك.

______________________________________________________

الشك في صحة الصلاة والجماعة معا ، لأنه إن كان قد نوى المأمومية أيضا فالصلاة والجماعة باطلتان ، وان كان قد نوى الإمامة فهما معا صحيحتان ، فالمرجع في إثبات صحة الصلاة قاعدة الفراغ ، وفي إثبات صحتها مع الجماعة أصالة عدم نية المأمومية. ولا تعارض بأصالة عدم نية الإمامة لعدم الأثر ، لما عرفت من أن نية الإمامة ليست شرطاً في صحة الجماعة ، فضلا عن صحة الصلاة.

وأما في الصورة الثانية : فلا شك في صحة الصلاة على تقدير العلم بنية نفسه للإمامة. وأما إن علم بنيته للمأمومية كان الشك في صحة الصلاة والجماعة معا ، والمرجع قاعدة الفراغ أو أصالة عدم نية صاحبه للمأمومية ، كما سبق بعينه. نعم قد يستشكل في جريان قاعدة الفراغ هنا لقصور بعض أدلتها ـ مثل قوله (ع) : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (١) ـ عن شمول المقام ، إذ لا مجال لكونه أذكر في عمل غيره ونيته. لكن الظاهر اندفاعه بإطلاق بعض أدلتها ، ولا سيما وكونه أوفق بالارتكاز العقلائي وبظاهر بعض النصوص ، كرواية الحسين ابن أبي العلاء الواردة في نسيان تحريك الخاتم في الغسل والوضوء (٢).

وأما في الصورة الثالثة : فالشك يكون في صحة الجماعة والصلاة معا وفسادهما كذلك ، وصحة الصلاة وفساد الجماعة. ومقتضى قاعدة الفراغ صحة صلاتهما. وكذا أصالة عدم نية المأمومية. ولا تصلح في الفرض لإثبات صحة الجماعة ، بل مقتضى إجرائها فيهما بطلانها. بل لو عمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

١٨٨

( مسألة ١٤ ) : الأقوى والأحوط عدم نقل نيته من إمام الى إمام آخر اختياراً [١] ، وإن كان الآخر أفضل وأرجح نعم لو عرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته ـ من موت [٢] أو جنون أو إغماء [٣]

______________________________________________________

أحدهما ما يوجب بطلان صلاة المنفرد كان مقتضى أصالة عدم المأمومية فيهما بطلان صلاته. لكنها ساقطة بقاعدة الفراغ. فلاحظ.

[١] لأصالة عدم مشروعيته. ولا إطلاق يرجع إليه في إثباتها ، بل إطلاق أدلة الأحكام الأولية تنفيها. وعن التذكرة والنهاية : الجواز. وعن الذكرى : أنه احتمله إذا كان المنتقل إليه أفضل. واستدل له بالاستصحاب. وبالنصوص ـ الواردة في المسألة الاتية ـ لإلغاء خصوصية موردها. وهما كما ترى ، إذ اليقين إنما كان في جواز الائتمام بالثاني في ابتداء الصلاة وهو غير مشكوك ، بل المشكوك الائتمام به في الأثناء وهو غير متيقن في زمان. فتأمل. مضافا الى أنه من الاستصحاب التعليقي الذي ليس بحجة. فالمرجع عموم أدلة أحكام المنفرد. وإلغاء خصوصية مورد النصوص غير ظاهر ، إذ لا يساعده ارتكاز عرفي ولا غيره.

[٢] كما في صحيح الحلبي عن الصادق (ع) : « عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثمَّ مات. قال (ع) : يقدمون رجلا آخر يعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم » (١). ونحوه ما في توقيع محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٢).

[٣] ليس في النصوص ما يدل على حكمهما. لكن ظاهر الأصحاب عدم التوقف في كل عذر مساو للموت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل الميت حديث : ٤.

١٨٩

أو صدور حدث [١] ، بل ولو لتذكر حدث سابق [٢] ـ جاز للمأمومين تقديم [٣]

______________________________________________________

[١] كما تضمنه جملة من النصوص ، كصحيح سليمان عن الصادق (ع) : « عن الرجل يؤمّ القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع قال (ع) : لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه » (١)

[٢] كما في رواية زرارة عن أحدهما (ع) : « عن إمام أم قوماً ، فذكر أنه لم يكن على وضوء ، فانصرف وأخذ بيد رجل فأدخله فقدمه ، ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم. فقال (ع) : يصلي بهم .. » (٢). ومن النصوص المذكورة ونحوها ، ومما ورد في الرعاف (٣) ، وفي الأذى في البطن (٤) ، وفي اقتداء الحاضر بالمسافر (٥) ، وفي الاعتلال (٦) يستفاد عموم الحكم لكل عذر مانع للإمام عن إتمام صلاته ـ كزيادة ركن أو نقيصته ، أو استدبار أو التفات أو نحوها ـ أو عن الإمامة ، إما لإتمام صلاته ـ كامامة المسافر للحاضر ، أو السابق للمسبوق ـ ، أو لفقد بعض شرائط الإمامة ، كما ستأتي الإشارة إليه في المتن.

[٣] إجماعا ـ كما عن جماعة ـ على الجواز ـ بالمعنى الأعم ـ في الجملة. وأما جوازه بالمعنى الأخص ـ بمعنى جوازه وجواز الانفراد ـ فعن التذكرة : الإجماع عليه ، وان كان ظاهر ما في صحيح ابن جعفر (ع) ـ الوارد في إمام أحدث ـ من قوله (ع) : « لا صلاة لهم إلا بإمام » (٧)

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥. وباب : ٧٢ حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

١٩٠

إمام آخر [١] وإتمام الصلاة معه ، بل الأقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه من إتمامها مختارا ، كما لو صار فرضه الجلوس [٢] حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به ، لما يأتي من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد.

( مسألة ١٥ ) : لا يجوز للمنفرد العدول [٣] الى الائتمام في الأثناء.

( مسألة ١٦ ) : يجوز العدول من الائتمام الى الانفراد ـ ولو اختياراً ـ في جميع أحوال الصلاة [٤] على الأقوى ، وان‌

______________________________________________________

هو الوجوب. إلا أنه يجب حمله على تأكد الاستحباب ، أو على الجماعة الواجبة.

[١] ولو لم يكن من المأمومين. لإطلاق بعض النصوص. ولظهور آخر ، كرواية زرارة المتقدمة. ونحوها صحيح جميل (١). وأما ما في صحيح ابن جعفر (ع) من قوله (ع) : « فليقدم بعضهم » (٢). ورواية أبي العباس ـ الواردة في ائتمام الحاضر بالمسافر ـ من قوله (ع) : « أخذ بيد بعضهم فقدمه » (٣). فيمكن أن يكون محمولا على الفضل أو لأنه أسهل.

[٢] كما عرفت.

[٣] لما تقدم في أول المسألة السابقة.

[٤] على المشهور. وعن المدارك والحدائق : أنه المعروف من كلام الأصحاب. وعن الرياض : نفي الخلاف فيه ، إلا من المبسوط. بل عن الخلاف وظاهر المنتهى أو صريحه. وفي التذكرة : نسبته إلى علمائنا وأحد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) هذا بعض من صحيح ابن جعفر المتقدم في التعليقة السابقة.

(٣) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

١٩١

______________________________________________________

قولي الشافعي. وعن النهاية وإرشاد الجعفرية : الإجماع عليه. وهو العمدة إن تمَّ. وأما ما في الجواهر ، من الاستدلال له بالأصل ، وإطلاق ما دل على جواز التسليم قبل الامام (١) واستصحاب جواز الانفراد ، وظهور أدلة مشروعية الجماعة في استحبابها ابتداء واستدامة ، وما ورد في الموارد المتفرقة من جواز المفارقة (٢) فغير ظاهر التمامية ، إذ الأصل إنما يقتضي جواز الانفراد تكليفاً وعدم استحقاق العقاب عليه ، لا جوازه وضعاً ـ بمعنى صيرورته منفرداً ، بحيث يجري عليه حكم المنفرد ، من جواز ترك المتابعة ـ لو قيل بوجوبها على المأموم ـ ووجوب إعمال قواعد الشك لو حصل له ، ولا يرجع الى الامام الذي انفرد عنه وغير ذلك من أحكام المنفرد. ولا إطلاق فيما دل على جواز التسليم قبل الامام. بل ظاهره جواز المفارقة بالتسليم ، بلا تعرض فيه للمفارقة بغيره. والاستصحاب إنما يجدي في إباحة الانفراد تكليفاً لا في جوازه وضعاً ، كما عرفت. وإلا فهو يقتضي بقاء الائتمام وعدم حصول الانفراد بمجرد نيته.

ومنه يظهر أنه لو فرض لأدلة مشروعية الجماعة إطلاق يقتضي مشروعيتها في كل جزء ـ مثل ما ورد من أن الركعة مع الامام تعدل كذا ـ فلا يصلح للحكومة على استصحاب بقاء الائتمام بعد نية الانفراد إذا كانت نية الانفراد بعد تمام الركعة ، لأن مجرد المشروعية في جزء لا يقتضي بطلانها عند انتهائه ، فيستصحب بقاء الإمامية والمأمومية بعده. اللهم إلا أن يدعى : أن الكلام المذكور وارد لنفي الشك من هذه الجهة ، فيكون مشرعا للانفراد بعد الائتمام وللائتمام بعد الانفراد. فتأمل. وما ورد في الموارد المتفرقة لا يمكن الرجوع إليه في المقام ، لاختصاصه بالعذر ، من عروض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل باب : ١٨ و ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة.

١٩٢

______________________________________________________

ضرورة مانعة من إتمام الإمام صلاته ، أو مانعة من إمامته ـ كتمام صلاته ـ كما في إمام المسبوق ، أو الإمام المسافر للحاضر أو نحو ذلك.

ومن ذلك استشكل في الحكم جماعة ، كأصحاب المدارك والاثنى عشرية والذخيرة والحدائق ـ على ما حكي عن بعضهم ـ بل عن المصابيح : ترجيح المنع. ولا بأس به ، لو لا أن الحكم مظنة الإجماع ، إذ ما عن المبسوط ـ من قوله (ره) : « من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته » يمكن أن يكون محمولا ـ ولو بقرينة الإجماع المحكي في الخلاف على الجواز ـ على صورة عدم نية الانفراد. كما قد يشهد له استدلاله ـ المحكي عنه ـ بقوله (ع) : « إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به » (١) بل لا يبعد أن يكون ذلك هو ظاهر عبارته. ولذا نسب اليه القول بالبطلان جماعة ، فيما لو ترك المتابعة مع عدم نية الانفراد ، اعتماداً على العبارة المذكورة. ويؤيد ذلك : أن تعبيره في الخلاف عن محل الكلام هكذا : « إن نقل نية الجماعة الى حال الانفراد قبل أن يتمم المأموم يجوز ذلك وتنتقل الصلاة حال الانفراد ، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته ». نعم يبعد الحمل المذكور محكي عبارته في المبسوط ، الظاهرة في عدم بطلان الصلاة بترك المتابعة. عمداً. اللهم إلا أن يكون مراده بالعبارة صورة الاستمرار على ترك المتابعة. وأما ما عن ناصريات السيد : من أنه إن تعمد سبقه الى التسليم بطلت صلاته ، فلا يقدح مثله في الإجماع ، لمخالفته النص والفتوى. مضافا الى أن ما ذكره مما لا يساعده دليل ، بل الأصل ينفيه. بل سيأتي : أن مقتضى الأصل عدم اقتضاء مفارقة الإمام لبطلان الصلاة وان كانت بلا نية الانفراد ، فضلا عن صورة نية الانفراد.

وبالجملة : رفع اليد عن الإجماعات المدعاة على الجواز ، المؤيدة بنسبته‌

__________________

(١) يأتي تفصيل ذلك ـ ان شاء الله تعالى ـ في المسألة : ٧ من فصل أحكام الجماعة.

١٩٣

كان ذلك من نيته في أول الصلاة ، لكن الأحوط عدم العدول إلا لضرورة [١]

______________________________________________________

إلى الأصحاب ، أو المعروف بينهم. وبنفي الخلاف في كلام بعض. وبعدم ظهوره ـ لأجل تلك العبارة المحكية عن المبسوط ، المحتملة لغير ما نحن فيه ـ في غير محله. ولا سيما مع عموم الابتلاء بالفرض ، فيبعد جدا : أن يكون حكمه المنع مع وضوح جوازه عند الأصحاب. ولذا عد الجواز ـ في الجواهر ـ من الواضحات.

ثمَّ إنه لو لم يتم الإجماع المذكور يشكل البناء على صحة الجماعة لو كان المأموم ناويا للمفارقة من أول الأمر ، للشك في صحة انعقاد الجماعة حينئذ والأصل عدمه ، بناء على عدم إطلاق يرجع إليه في نفي اعتبار مشكوك الشرطية أو المانعية. كما أنه لو عرض له قصد الانفراد في الأثناء. فالإشكال في جواز المفارقة تكليفاً يختص بالقول بوجوب المتابعة ، فلو بني على عدم الوجوب فلا إثم على كل حال. كما أن الاشكال في صحة الصلاة يختص بصورة مخالفتها لصلاة المأموم ، كما لو عرضه الشك وكان الامام حافظا دون ما لو لم تكن كذلك. والله سبحانه أعلم.

[١] فإنه لا نزاع في جواز المفارقة لعذر ، كما عن المدارك والذخيرة والحدائق. وعن المنتهى : الإجماع عليه. لكن يبقى الإشكال في المراد بالعذر ، فإنه لم يذكر في النص ليؤخذ بإطلاقه ، وانما ذكر في كلمات الأصحاب. والأخذ بإطلاقه محل تأمل. والمتيقن منه خصوص ما يوجب ارتفاع التكليف ، من حرج أو ضرر. واستفادته مما ورد في جواز التسليم قبل الامام غير ظاهرة. ومثلها استظهار إرادة الحاجة والغرض من العذر في كلامهم. ومجرد عدم تعرضهم لتحديده غير كاف في إرادة الإطلاق ولا سيما بملاحظة ذكرهم للعذر استثناء من عدم جواز المفارقة ، الظاهرة في‌

١٩٤

ولو دنيوية ، خصوصاً في الصورة الثانية [١].

( مسألة ١٧ ) : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في الركوع لا يجب عليه القراءة [٢]. بل لو كان‌

______________________________________________________

المفارقة بلا نية الانفراد. وعموم العذر حينئذ لمطلق الحاجة والغرض مما لا يظن الالتزام به. ولذا حكي عن شرح المفاتيح : أن المراد بالعذر هنا خصوص المواضع التي ورد في الشرع جواز المفارقة فيها.

[١] قد يشكل ذلك بأن المراد من نية الانفراد من أول الأمر إن كان هو نية الائتمام في بعض الصلاة فالأحوط الانفراد لا الائتمام ، للعلم بصحة الانفراد. إما لمشروعية الائتمام في بعض الصلاة الملازم لصحة الانفراد. وإما لعدم مشروعيته فهو منفرد من أول الأمر. وان كان هو نية الانفراد ، بمعنى عزل الامام عن الإمامة مع نية إمامته في تمام الصلاة ـ كما هو الظاهر ـ فكل واحد من الائتمام والانفراد موافق للاحتياط ومخالف له ، إذ كما أن البقاء على الائتمام موافق لاحتمال عدم جواز نية الانفراد مخالف لاحتمال كونه منفردا من أول الأمر ، لقدح تلك النية في الائتمام من أول الأمر ، ويكون الانفراد أوفق بالاحتياط حينئذ. فتأمل جيداً. وكيف كان فالظاهر عدم جواز نية الائتمام في بعض الصلاة ، إذ لا دليل على مشروعية حينئذ. والأصل ينفيها.

[٢] كما ذكره جماعة ، لأن الإمام ضامن للقراءة وتجزئ قراءته. وصريح بعض : وجوبها. واستوجهه في الذكرى. وكأنه لأن الضمان والاجزاء حال الائتمام لا يقتضي ثبوتهما حال الانفراد ، وحيث لا دليل على ذلك يكون عموم دليل وجوب القراءة محكما بعد الانفراد. وفيه : أن مقتضى إطلاق الضمان والاجزاء عدم الفرق بين الحالين. ولذا لا ريب في ذلك لو انفرد بعد الركوع ، ولا يعامل معاملة تارك القراءة. نعم لو كان‌

١٩٥

في أثناء القراءة يكفيه ـ بعد نية الانفراد ـ قراءة ما بقي منها [١] ، وان كان الأحوط استينافها ، خصوصا إذا كان في الأثناء.

( مسألة ١٨ ) : إذا أدرك الإمام راكعا يجوز له الائتمام والركوع معه ثمَّ العدول الى الانفراد اختياراً ، وان كان الأحوط ترك العدول حينئذ [٢] ، خصوصا إذا كان ذلك من نيته أولا [٣]

______________________________________________________

مفاد أدلة الضمان والاجزاء عدم وجوب القراءة على المأموم اختص ذلك بحال كونه مأموما ، فإذا انفرد قبل الركوع وجب عليه أن يقرأ ، لخروجه عن كونه مأموما ، كما لو بلغ الصبي في أثناء الوقت. لكنه خلاف ظاهر ألسنة أدلتهما ، كما سيأتي إن شاء الله.

[١] كذا ذكره جماعة ـ أيضا ـ لإطلاق القراءة في أدلة الضمان والاجزاء الموجب لصدقها على الكثير والقليل. ودعوى : الانصراف الى خصوص التمام غير مسموعة. وعن التذكرة والنهاية والمسالك وغيرها : وجوب إعادة السورة التي انفرد فيها ، ولا يلزم إعادة الفاتحة معها. وكأنه لأجل أنها شي‌ء واحد غير قابل للتجزية. ولكنه كما ترى.

[٢] لم يتضح وجه تخصيص المقام بالاحتياط ، فان الظاهر ـ كما في الجواهر ـ جواز الانفراد في جميع حالات الصلاة. نعم احتمل بعض : توقف انعقاد الجماعة على إدراك الركوع ، بحيث لو أدركه في أثناء القراءة وفارقه قبل الركوع انكشف عدم انعقاد الجماعة من أول الأمر. لكنه جزم في الجواهر بأن الظاهر الفساد. ويأتي في المتن التعرض له.

[٣] قد عرفت الكلام في نظيره.

١٩٦

( مسألة ١٩ ) : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الامام وأتم صلاته ، فنوى الاقتداء به في صلاة أخرى قبل أن يركع الإمام في تلك الركعة أو حال كونه في الركوع من تلك الركعة جاز ، ولكنه خلاف الاحتياط [١].

( مسألة ٢٠ ) : لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود [٢] الى الائتمام. نعم لو تردد في الانفراد وعدمه ثمَّ عزم على عدم الانفراد صح [٣]. بل لا يبعد [٤] جواز العود إذا كان بعد نية الانفراد بلا فصل ، وان كان الأحوط عدم العود مطلقا.

( مسألة ٢١ ) : لو شك في أنه عدل الى الانفراد أم لا بنى على عدمه [٥].

______________________________________________________

[١] أما جواز الانفراد فلما عرفت. وأما جواز الائتمام به في صلاة المأموم الثانية فلعله من القطعيات. وأما أنه خلاف الاحتياط فلا تظهر خصوصية في المقام تقتضيه.

[٢] لما عرفت من عدم الدليل على المشروعية.

[٣] يتم ذلك لو كان الانفراد من قبيل الإيقاع المحتاج إلى نية ـ كما هو الظاهر ، نظير عزل الوكيل والولي ـ فإنه حينئذ بالتردد لا يخرج عن كونه مأموما ، ولا ريب في جواز البقاء على الائتمام عندهم. أما لو كان الانفراد عبارة عن عدم نية الائتمام فبالتردد يكون منفرداً فلا يجوز له الائتمام بعده.

[٤] لكن عرفت أنه لا دليل عليه. والأصل ينفيه.

[٥] لأصالة عدمه.

١٩٧

( مسألة ٢٢ ) : لا يعتبر في صحة الجماعة قصد [١] القربة من حيث الجماعة ، بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة. فلو كان قصد الامام من الجماعة الجاه [٢] أو مطلب آخر دنيوي ، ولكن كان قاصداً للقربة في أصل الصلاة صح. وكذا إذا كان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر عليه ، أو الفرار من الوسوسة ، أو الشك ، أو من تعب تعلم القراءة أو نحو ذلك من الأغراض الدنيوية صحت صلاته ، مع كونه قاصدا للقربة فيها. نعم لا يترتب ثواب الجماعة إلا بقصد القربة فيها [٣].

______________________________________________________

[١] أما في الإمام فلما عرفت من عدم اعتبار نيته للجماعة ، فضلا عن نية القربة. وأما في المأموم فالعمدة فيه ظهور تسالم الأصحاب عليه. مضافا الى السيرة القطعية على صحة الجماعة ، إذا كان الداعي إليها بعض الأغراض الدنيوية. ولو لا ذلك لأشكل الأمر من جهة عدم الدليل ، ولا الأصل النافي لاعتبار مشكوك الاعتبار. بل الأصل يقتضي الاعتبار ، لأصالة عدم انعقاد الجماعة بدونه ، كما أشرنا إليه مراراً. ولذا لم يذكره أحد في شرائط الإمام أو المأموم أو الائتمام.

[٢] قد يشكل بأن قصد الجاه من الجماعة عين قصد الرياء بها. وقد تقدم : أن قصد الرياء بالجماعة راجع الى قصده بالصلاة جماعة فتبطل به الصلاة. وفيه : أن قصد الإمام ألجأه بالجماعة تارة : من حيث الإتيان بها على وجه القربة وامتثالا لأمر ، وأخرى : من حيث كونه موضع الوثوق بين المأمومين واعتقادهم صلاحيته للإمامة. والرياء في الثاني ليس بحرام شرعا ، وان كان من الصفات الذميمة ، فتحريمه تحريم أخلاقي لا شرعي. نعم الأول حرام. لكن الظاهر من المتن ارادة الصورة الثانية.

[٣] كما تقدم.

١٩٨

( مسألة ٢٣ ) : إذا نوى الاقتداء بمن يصلي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهواً أو جهلا ـ كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلا ـ فان تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل الى الانفراد وصحت [١] ، وكذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد ، وإلا بطلت [٢].

( مسألة ٢٤ ) : إذا لم يدرك الإمام إلا في الركوع ، أو أدركه في أول الركعة أو أثنائها أو قبل الركوع فلم يدخل في الصلاة الى أن ركع جاز له الدخول معه ، وتحسب له ركعة. وهو منتهى ما تدرك به الركعة في ابتداء الجماعة على الأقوى [٣] ،

______________________________________________________

[١] إذ احتمال البطلان من جهة قدح نية الائتمام منفي بأصل البراءة كأمثاله. نعم لو كان قصده الائتمام على نحو وحدة المطلوب كان البطلان في محله ، كما أشرنا إليه في المسألة الثانية عشرة.

[٢] إن حصل منه ما يوجب البطلان لو وقع سهواً ، كما تقدم.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن ظاهر الخلاف والمنتهى : الإجماع عليه. للنصوص الكثيرة. منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : أنه قال : « إذا أدركت الامام وقد ركع ، فكبرت وركعت ـ قبل أن يرفع الإمام رأسه ـ فقد أدركت الركعة. وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة » (١) ونحوه صحيح سليمان بن خالد (٢) وخبر زيد الشحام (٣) وقريب منه روايتا معاوية بن ميسرة وشريح (٤). ومنها :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤ وملحقة.

١٩٩

______________________________________________________

ما دل على أن من خالف أن يرفع الإمام رأسه جاز له أن يركع في مكانه ويمشي راكعا أو بعد السجود ، كصحيح عبد الرحمن : « إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه ، فكبر واركع ، فاذا رفع رأسه فاسجد مكانك .. » (١) ونحوه غيره. ومنها : ما دل على استحباب إطالة الإمام للركوع إذا أحس بمن يريد الاقتداء به (٢) فلاحظها.

وعن الشيخ (ره) في النهاية والاستبصار وموضع من التهذيب والقاضي وغيرهما : أنه لا تدرك الركعة إلا إذا أدرك تكبيرة الركوع. ويشهد له صحيح ابن مسلم : « إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل في تلك الركعة » (٣) وصحيحه الآخر : « لا تعتد بالركعة إذا لم تشهد تكبيرها مع الامام ) (٤) ونحوهما صحيحاه الآخران (٥) وحسن الحلبي أو صحيحه في الجمعة : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ركعات » (٦) لكنها ـ كما ترى ـ لا تصلح لمعارضة ما سبق ، لإمكان حمل روايات ابن مسلم على الفضل. وحمل الشرطية الثانية في رواية الحلبي على ما بعد الركوع ، والشرطية الأولى على نفس الركوع. لكن هذا الحمل بعيد وخارج عن الجمع العرفي. ومقتضى ذلك الرجوع الى المرجحات ، وهو يقتضي الأخذ بالروايات السابقة ، لأنها أشهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١ ، ٤.

(٦) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢٠٠