مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

______________________________________________________

واحد ، ولا تقدمهن امرأة. قيل : ففي صلاة مكتوبة يؤم بعضهن بعضا؟ قال (ع) : نعم » (١). المعتضد بإطلاق موثق سماعة : « عن المرأة تؤم النساء؟ فقال (ع)؟ لا بأس به » (٢). ونحوه مرسل ابن بكير (٣) ، بل وظاهر صحيح ابن جعفر (ع) : « عن المرأة تؤم النساء ، ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال (ع) : قدر ما تسمع » (٤) ـ المفروغية عن صحة إمامتها. ونحوه خبره الآخر (٥) ، وخبر ابن يقطين (٦) وقريب منها خبر جابر (٧). نعم لا إطلاق لها بنحو تشمل الفريضة والنافلة.

وعن السيد وابن الجنيد والجعفي : المنع. وعن المختلف والمدارك موافقتهم ، لصحيح هشام : « سئل أبو عبد الله (ع) عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال (ع) : تؤمهن في النافلة ، فأما المكتوبة فلا. ولا تتقدمهن ، ولكن تقوم وسطهن » (٨) ، ونحوه صحيحا سليمان بن خالد ، والحلبي (٩) ولصحيح زرارة : « المرأة تؤم النساء؟ قال (ع) : لا ، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن ـ معهن في الصف ـ فتكبر ويكبرن » (١٠) ولا مجال لمعارضتها بالمطلقات ، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ٧.

(٧) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٤.

(٨) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٩) الوسائل الباب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩ ، ١٢.

(١٠) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٣٢١

وأن لا يكون قاعدا للقائمين [١] ، ولا مضطجعا للقاعدين ،

______________________________________________________

ولو فرض إباء المطلقات عن الحمل على النافلة ـ لأنه حمل على النادر ـ فلتكن هذه الصحاح معارضة لها ، معارضتها لخبر الحسن بن زياد (١) لكن يجب ترجيحها عليها ، لصحة السند ، وكثرة العدد. ومجرد اشتمال أكثرها على مشروعية الجماعة في النافلة ـ التي قد تقدم : أنها خلاف الإجماع ـ غير قادح ، للإجماع على مشروعيتها في بعض النوافل ، فلتحمل عليه. وندرة ذلك البعض غير قادحة ، لأن النصوص المذكورة ليست في مقام مشروعية الجماعة في النافلة ليكون حملها على ذلك حملا على الفرد النادر ، بل في مقام مشروعية إمامة المرأة في النافلة في ظرف المفروغية عن مشروعية الجماعة فيها.

وفيه : أن إعمال قواعد التعارض مبني على تعذر الجمع العرفي. أما مع إمكانه ـ بحمل نصوص المنع على الكراهة ـ فهو المتعين. وأما ما في الحدائق : من الجمع بينها بحمل وصفي النافلة والمكتوبة على كونهما وصفين الجماعة ، فيكون مفاد الروايات المفصلة بين النافلة والمكتوبة : جواز إمامة المرأة في الصلاة التي تستحب فيها الجماعة ـ كالصلاة اليومية ـ وعدم جوازها في الصلاة التي تجب فيها الجماعة ـ كالجمعة ـ فبعيد جداً ، مخالف للمعهود من استعمال اللفظين المذكورين. والوجوه التي ادعى أنها معينة له يظهر ضعفها بالتأمل.

[١] إجماعا صريحا وظاهراً ، حكاه جماعة ، منهم الشيخ والحلي والعلامة. للنبوي المروي في الفقيه : « قال أبو جعفر (ع) : إن رسول الله (ص) صلى بأصحابه في مرضه جالساً ، فلما فرغ قال (ص). لا يؤمن أحدكم بعدي جالساً » (٢). وفي الجواهر : « إنه مروي عند‌

__________________

(١) المراد به هو الخبر المتقدم في صدر التعليقة.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٣٢٢

______________________________________________________

الخاصة والعامة ». وقد يومئ اليه ما في رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال أمير المؤمنين (ع) : لا يؤمن المقيد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين » (١). وعن الشعبي عن علي (ع) : « لا يؤمن المقيد المطلقين » (٢).

وظاهر الوسائل وعن غيره : الكراهة. وكأنه لضعف النصوص ، فتصلح وجهاً للكراهة ، لقاعدة التسامح. وفيه : أنها مجبورة بالعمل لو سلم ضعف جميعها. مع أن الأصل كاف في المنع. ولأجله يصح ما عن المشهور : من منع ائتمام الكامل بالناقص ، مطلقاً كالقاعد بالمضطجع ، والمستقل بالمعتمد والتمكن من الركوع والسجود بالمومئ إليهما ، إلى غير ذلك. بل مقتضاه المنع من إمامة الناقص لمثله ، ومن ائتمامه بالكامل. إلا أن يقوم دليل على خلافه من نص أو إجماع أو غيرهما ، ولولاه لأشكل ذلك كله. نعم استفادة الكلية المشهورة من النصوص المتقدمة غير ظاهرة ، ولا سيما بملاحظة ما ورد : من جواز إمامة المتيمم للمتوضئ ، كما سيأتي. بل قد عرفت أن المستفاد من التعليل في صحيح جميل (٣) ـ الوارد في إمامة المتيمم ـ : الاكتفاء بصحة صلاة الإمام في حقه ولو كان ناقصا. وبه يخرج عن الأصل المذكور كلية. إلا أن يقوم دليل بالخصوص على المنع.

ومن هذا يظهر الاشكال فيما هو المشهور : من المنع عن إمامة المضطجع للجالس ، إذ لا دليل على المنع بالخصوص. والأصل وإن اقتضى المنع ، لكن الصحيح حاكم عليه. اللهم إلا أن يقال : الصحيح إنما يتعرض الجواز الائتمام بمن يصلي صلاة صحيحة من حيث النقص والكمال لا من حيث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) تقدم ذكره في أوائل المسألة : ٣١ من الفصل السابق.

٣٢٣

ولا من لا يحسن القراءة [١] ـ بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر ، أو حذفه أو نحو ذلك ، حتى اللحن في الاعراب [٢] ـ

______________________________________________________

آخر. والشك في إمامة المضطجع للجالس من حيث اختلاف الامام والمأموم في بعض الأحوال ، إذ يحتمل اعتبار اتفاقهما في الحال في صحة الائتمام ، فالمرجع في هذه الحيثية هو الأصل المقتضي للمنع. ومن هذا يظهر : أن الكلية المشهورة في محلها ، إذا كان النقص في الإمام موجباً لاختلال الهيئة الاجتماعية ، لأصالة المنع ، وقصور الصحيح عن الحكومة عليها. أما لو لم يكن النقص موجباً لذلك ـ كامامة المعتمد للمستقل ـ فلا بأس للصحيح المتقدم ، الحاكم على أصالة المنع.

[١] إجماعا ، كما عن جماعة أيضا. ويقتضيه الأصل المتقدم ، لو لا ما عرفت : من وجوب الخروج عنه بذيل الصحيح. وأما أدلة ضمان الإمام للقراءة فقد عرفت : أن غاية مقتضاها عدم سقوط القراءة عن المأموم ، لا عدم جواز الائتمام بمن لا يتحمل القراءة ، إلا بناء على حجية العام في عكس نقيضه (١). لكنه ضعيف ، لعدم ثبوت ذلك. فالعمدة حينئذ : الإجماع المدعى على المنع. اللهم إلا أن يكون تعليلهم ـ للمنع عن الائتمام ـ بعدم تحمل القراءة ، قرينة على إرادتهم : المنع عن الائتمام مع عدم قراءة المأموم ، لا المنع مطلقا. وحينئذ يشكل الاعتماد على الإجماع في دعوى : المنع مطلقاً. اللهم إلا أن يكون إجماع على الملازمة بين انعقاد الجماعة وسقوط القراءة ، فيتوجه حينئذ تعليل المنع عن الائتمام مطلقاً بدليل وجوب القراءة. لكن عرفت الإشكال في ثبوت الإجماع المذكور. هذا وقد حكي عن الوسيلة : أنه عبر فيها بالكراهة. ولعل المراد منها : المنع.

[٢] وعن المبسوط : جواز إمامة الملحن للمتقن أحال المعنى أم لم‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى مواضع النصوص المذكورة في أواخر المسألة : ٣١ من الفصل السابق.

٣٢٤

وإن كان لعدم استطاعته [١] غير ذلك.

( مسألة ١ ) : لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين [٢] ، والمضطجع لمثله ، والجالس للمضطجع [٣].

( مسألة ٢ ) : لا بأس بإمامة المتيمم للمتوضئ [٤] ،

______________________________________________________

يحل. وعن السرائر : الجواز إذا لم يغير المعنى. هذا والفرق بينه وبين ما قبله غير ظاهر ، إذ اللحن بوجب خروج الكلام عن كونه قرآنا ، فإجراء حكم ما قبله فيه متعين.

[١] فان ذلك انما يوجب معذوريته ، لا صحة تحمله.

[٢] إجماعا ، كما عن التذكرة والنهاية والروض. مضافا إلى ما ورد في كيفية جماعة العراة ، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « عن قوم صلوا جماعة وهم عراة. قال (ع) : يتقدمهم الامام بركبتيه ، ويصلي بهم جلوسا وهو جالس » (١). ونحوه غيره. وبذلك ترفع اليد عن إطلاق النبوي المتقدم (٢) ، لو لم تمكن دعوى : انصرافه عن الفرض.

[٣] وفي الجواهر : « بجواز ائتمام كل مساو بمساويه نقصاً أو كمالا والناقص بالكامل ـ كالقاعد بالقائم ـ بلا خلاف أجده فيه ». وهذا هو العمدة في رفع اليد عن الأصل. مضافا إلى ما يستفاد من ذيل صحيح جميل في خصوص إمامته لمثله (٣).

[٤] على المشهور. بل عن المنتهى : لا نعرف فيه خلافا إلا من محمد ابن الحسن الشيباني ». ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح جميل المتقدم في المسألة الواحدة والثلاثين من مسائل أحكام الجماعة ، وموثق ابن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) راجع صفحة ٣٢٢.

(٣) مر ذكره في أوائل المسألة : ٣١ من الفصل السابق.

٣٢٥

وذي الجبيرة لغيره [١] ، ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره ، بل الظاهر : جواز إمامة المسلوس والمبطون لغيرهما ، فضلا عن مثلهما. وكذا إمامة المستحاضة للطاهرة.

( مسألة ٣ ) : لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن القراءة في غير المحل الذي يتحملها الامام عن المأموم كالركعتين الأخيرتين ـ على الأقوى [٢]. وكذا لا بأس بالائتمام بمن لا يحسن ما عدا القراءة ـ من الأذكار الواجبة والمستحبة ، التي لا يحتملها الامام عن المأموم ـ إذا كان ذلك لعدم استطاعته غير ذلك.

______________________________________________________

بكير عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل أجنب ، ثمَّ تيمم ، فأمنا ونحن طهور ، فقال (ع) : لا بأس به » (١). ونحوه خبره الآخر (٢). ولأجلها يجب رفع اليد عن ظاهر خبر السكوني المتقدم (٣) ، ونحوه خبر عباد بن صهيب (٤) فيحملان على الكراهة ، جمعا.

[١] لذيل صحيح جميل. والكلية المنسوبة للمشهور ـ من عدم ائتمام الكامل بالناقص ـ مختصة ـ بالافعال ـ كما في الجواهر ـ لا مطلقا. مع أنك عرفت : أنه لا دليل عليها بنحو تشمل المقام ، إلا الأصل المحكوم بالصحيح المتقدم.

[٢] واستوجه الصحة فيه وفيما بعده في الجواهر ، لاختصاص وجه المنع بغيره ، فقاعدة : جواز الائتمام بمن يصلي صلاة صحيحة محكمة. وكذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) تقدم ذكره في أواخر الكلام في شروط إمام الجماعة.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

٣٢٦

( مسألة ٤ ) : لا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله ، إذا اختلفا في المحل الذي لم يحسناه [١]. وأما إذا اتحد في المحل فلا يبعد الجواز [٢] ، وإن كان الأحوط العدم ، بل لا يترك الاحتياط [٣] مع وجود الامام المحسن. وكذا لا يبعد جواز إمامة [٤] غير المحسن المثلة ، مع اختلاف المحل أيضا ، إذا نوى الانفراد [٥] عند محل الاختلاف ، فيقرأ لنفسه بقية القراءة ، لكن الأحوط العدم ، بل لا يترك ـ مع وجود المحسن ـ في هذه الصورة أيضا [٦].

______________________________________________________

الكلام فيما بعده.

[١] لاطراد وجه المنع المتقدم فيه أيضا.

[٢] كما نص عليه جمهور الأصحاب من غير نقل خلاف ، بل في المنتهى : قصر نقل الخلاف فيه عن أحمد. كذا في مفتاح الكرامة. وهو في محله ، لاختصاص وجه المنع بغيره. ومنه تعرف : وجه ضعف الاحتياط بالعدم.

[٣] لم يظهر الوجه في هذا الاحتياط. إلا أن يكون المراد : أن الأحوط الائتمام بالحسن. لكن قد تقدم منه ـ في صدر مبحث الجماعة ـ : الجزم بعدم وجوب حضور الجماعة على من لا يحسن القراءة مع عجزه عن التعلم. وسيأتي منه أيضا.

[٤] للوجه المتقدم.

[٥] بل مقتضى ما ذكرنا : جواز بقائه على الائتمام مع القراءة ، إذ لا موجب لنية الانفراد. إلا أن يكون إجماع على الملازمة بين وجوب القراءة على المأموم وبين انتفاء الإمامة. لكنه محل تأمل.

[٦] قد تقدم الكلام فيه في نظيره.

٣٢٧

( مسألة ٥ ) : يجوز الاقتداء بمن لا يتمكن [١] من كمال الإفصاح بالحروف ، أو كمال التأدية ، إذا كان متمكنا من القدر الواجب فيها ، وإن كان المأموم أفصح منه.

( مسألة ٦ ) : لا يجب على غير المحسن [٢] الائتمام بمن هو محسن ، وإن كان هو الأحوط. نعم يجب ذلك على القادر على التعلم ، إذا ضاق الوقت عنه ، كما مر سابقا.

( مسألة ٧ ) : لا يجوز إمامة الأخرس لغيره [٣] ، وإن كان ممن لا يحسن نعم يجوز إمامته لمثله [٤] ، وإن كان الأحوط الترك ، خصوصا مع وجود غيره ، بل لا يترك الاحتياط في هذه الصورة [٥].

( مسألة ٨ ) : يجوز إمامة المرأة لمثلها [٦] ،

______________________________________________________

[١] والظاهر : أنه لا إشكال فيه. ويكفي في إثباته ما عرفت من القاعدة المستفادة من صحيح جميل ، المتسالم عليها ظاهرا.

[٢] قد تقدم الكلام في هذه المسألة في أول مبحث الجماعة.

[٣] كما نص عليه غير واحد. وفي مفتاح الكرامة : « لا أجد في ذلك خلافا ». والكلام فيه ينبغي أن يكون هو الكلام فيمن لا يحسن القراءة لاطراد القاعدة فيهما بنحو واحد. وقد عرفت : أن مجرد النقص لا أثر له في المنع. واحتمال مانعية الخرس ـ تعبدا ـ ساقط قطعا.

[٤] كما نص عليه جماعة ، منهم الفاضلان والشهيد في الذكرى. لما عرفت : من اقتضاء القاعدة للصحة بلا مزاحم.

[٥] قد عرفت الكلام في نظيره.

[٦] كما تقدم ذلك في اشتراط ذكورة الامام. فراجع.

٣٢٨

ولا يجوز للرجل ، ولا للخنثى [١].

( مسألة ٩ ) : يجوز إمامة الخنثى للأنثى [٢] ، دون الرجل [٣] ، بل ودون الخنثى [٤].

( مسألة ١٠ ) : يجوز إمامة غير البالغ لغير البالغ [٥].

( مسألة ١١ ) : الأحوط عدم إمامة الأجذم ، والأبرص [٦]

______________________________________________________

[١] لاحتمال كونه رجلا. نعم له الائتمام بها رجاء كونه امرأة ، فيرتب أحكام الجماعة رجاء ، لكن لا بد له من الاحتياط ، ولو بتكرار الصلاة منفرداً.

[٢] لأن الخنثى رجل أو امرأة ، وكلاهما تجوز إمامته للأنثى.

[٣] لاحتمال كون الامام الخنثى أنثى ، التي لا تصح إمامتها للرجل.

[٤] لاحتمال كون الإمام أنثى والمأموم رجلا.

[٥] كما عن الدروس وغير واحد ممن تأخر عنه. لانصراف أدلة المنع عن إمامته (١) عن صورة إمامته لمثله. أو حملا لما دل على جواز إمامته مطلقا (٢) على جوازها لمثله ، جمعا. لكن الأخير ليس من الجمع العرفي ، بل هو جمع تبرعي ، فيمتنع. والأول ممنوع. ولو سلم ، فالأصل كاف في المنع. مع أن إجراء أحكام البالغين على المأمومين غير البالغين ، يقتضي منعهم عن الائتمام بغير البالغ. ولا يعارضه شرعية الإمامية والمأمومية للبالغين ، المقتضية لشرعيتهما لغير البالغين ـ بناء على إجراء أحكام البالغين عليهم ـ فان ذلك إنما يتم حيث لا دليل على المنع من إمامة غير البالغ. أما مع الدليل عليه ، فمقتضى التعدي هو المنع عن إمامة غير البالغ لغير البالغ أيضا ، كما ذكرنا.

[٦] فقد حكي المنع عنها عن الأصحاب ، بل عن الغنية وشرح جمل العلم والعمل وظاهر الخلاف. الإجماع عليه. ويشهد له حسن زرارة أو صحيحه :

__________________

(١) تقدمت الإشارة الى ذلك في أول هذا الفصل. فلاحظ.

(٢) تقدمت الإشارة الى ذلك في أول هذا الفصل. فلاحظ.

٣٢٩

والمحدود [١] بالحد الشرعي بعد التوبة ،

______________________________________________________

« قال أمير المؤمنين (ع) : لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص .. » (١) وفي رواية ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص ، والمجذوم .. » (٢) ونحوهما : رواية أبي بصير (٣) وعن جماعة : الكراهة. ولعله المشهور بين المتأخرين بل عن الانتصار : « مما انفردت به الإمامية كراهية إمامة الأبرص ، والمجذوم ، والمفلوج. والحجة فيه : إجماع الطائفة ». فتأمل. ويقتضيها الجمع العرفي بين ما تقدم ، ورواية عبد الله بن يزيد : « عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال (ع) : نعم. قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال (ع) : نعم ، وهل كتب البلاء إلا على المؤمن؟ » (٤) ونحوه ما عن محاسن البرقي ـ بسنده الصحيح ـ عن الحسين بن أبي العلاء (٥) الذي قد عرفت في مبحث المطهرات حجية خبره ، (٦) فلا تقدح جهالة عبد الله ولا سيما ورجال السند اليه كلهم أعيان أجلاء.

[١] فعن ظاهر جماعة من القدماء ، وبعض متأخري المتأخرين : المنع عن إمامته ، للنهي عنها في جملة من النصوص المعتبرة ، كروايات زرارة ، ومحمد بن مسلم ، وأبي بصير (٧) وغيرها (٨) وظاهرها : أن جهة المنع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٦) راجع المسألة : ٤ من مبحث المطهرات ج. ٢ من هذا الشرح.

(٧) تقدم ذكر الروايات في التعليقة السابقة.

(٨) لعل المراد منه : خبر الأصبغ بن نباته ، المذكور في التعليقة الاتية ، لاشتماله على ذلك أيضاً.

٣٣٠

والأعرابي [١]

______________________________________________________

كونه محدوداً ، لا كونه فاسقاً ، فلا وجه لحملها على ما قبل التوبة. ولا لحملها على ما بعدها ، بحمل النهي على الكراهة. ومصير أكثر المتأخرين إلى الكراهة لا يقتضي الثاني. كما أن ما ورد من قولهم (ع) : « لا تصل إلا خلف من تثق بدينه » (١) لا يقتضي الأول. إذ لا إطلاق له يقتضي جواز الصلاة خلف المحدود ليصلح لمعارضة ما عرفت. ولو سلم ، فلا تبعد دعوى : كون التصرف فيه أولى من التصرف في نصوص المقام ، لأنها فيه أظهر. ولو سلم التساوي ، فالأصل يقتضي المنع ، كما عرفت.

[١] فعن ظاهر القدماء : المنع عن إمامته أيضا ، بل عن الرياض : « لا أجد فيه خلافا بينهم صريحا إلا من الحلي ومن تأخر عنه ». وعن الخلاف : الإجماع عليه. وتقتضيه النصوص المتقدم إليها الإشارة ، المتضمنة : ( أنه لا يؤم ) ـ على اختلاف التعبير فيها ـ ففي صحيح زرارة أو حسنه : أنه لا يؤم المهاجرين (٢) وفي خبر ابن مسلم : انه لا يؤم حتى يهاجر (٣) وفي خبر الأصبغ : أنه لا يؤم بعد الهجرة (٤) وفي خبر أبي بصير : أنه لا يؤم الناس (٥) من دون تقييد. والظاهر : عدم التنافي بينها ليجمع بينها بالتقييد ، بل يجب العمل بكل واحد منها ، حتى الأخير المطلق. والأعرابي وإن فسر بساكن البادية ، إلا أن منصرفه : من كان متخلقا بأخلاقهم الدينية المبنية على المسامحات وإن لم توجب فسقا ، كما يشير اليه خبر أبي البختري :

__________________

(١) مر ذلك في شرائط إمام الجماعة.

(٢) تقدم ذكره في التعليقة الأولى على هذه المسألة.

(٣) تقدم ذكره في التعليقة الأولى على هذه المسألة.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٥) تقدم ذكره في التعليقة الأولى على هذه المسألة.

٣٣١

إلا لأمثالهم [١] ، بل مطلقاً ، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع ، مطلقا.

( مسألة ١٢ ) : العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر [٢]

______________________________________________________

« كره أن يؤم الأعرابي ، لجفائه عن الوضوء والصلاة » (١) بل ينبغي القطع بانتفاء الكراهة ، فضلا عن المنع عن إمامة من حاز مراتب عالية من الفضل والتقوى ومكارم الأخلاق ، فاضطر الى سكنى البادية ، كأبي ذر ( رض ) أو قد سكنها للإرشاد وهداية العباد.

ثمَّ إن النصوص المذكورة لا معارض لها. ومثل : « لا تصل إلا من تثق بدينه » لا يصلح لمعارضتها ، كما عرفت. ومثله : شهرة المتأخرين على الكراهة ، فالأنسب بالقواعد : المنع.

[١] هذا التقييد مما لا إشارة اليه في النصوص المتقدمة. نعم في مصحح زرارة في الأعرابي : أنه لا يؤم المهاجرين (٢) لكن عرفت : أنه لا ينافي المطلق ، إلا بناء على مفهوم القيد. وهو غير ثابت. نعم ذكر التقييد في كلام بعض. وهو غير ظاهر الوجه. نعم لا يبعد ذلك في الأخير ، لقرب دعوى السيرة على إقامة الاعراب لها في البوادي ، مع كون الامام منهم. وهذه السيرة تدل على الجواز بلا كراهة. ويشعر بذلك قوله (ع) ـ في الصحيح ـ لا يؤم المهاجرين.

[٢] قد تقدم الكلام في ذلك في مباحث التقليد. وأن العمدة في إثبات ما في المتن ـ المنسوب الى المشهور ـ : صحيح ابن أبي يعفور : « قلت لأبي عبد الله (ع) : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين ، حتى تقبل شهادته لهم ، وعليهم؟ فقال (ع) : أن تعرفوه بالستر ، والعفاف ، وكف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩.

(٢) تقدم ذكره في أوائل هذه المسألة.

٣٣٢

وعن الإصرار على الصغائر [١] ،

______________________________________________________

البطن والفرج واليد واللسان. ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار .. ( الى أن قال ) (ع) : والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه .. (١). وقد تقدم تقريب الاستدلال به على هذا القول. فراجع.

[١] المشهور : أن الذنوب قسمان : كبائر ، وصغائر. ويشهد له قوله تعالى ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) (٢) وطوائف من النصوص ، عقد لها في الوسائل أبواباً في كتاب الجهاد : منها : باب وجوب اجتناب الكبائر (٣) ومنها تعيين الكبائر (٤) ومنها : باب صحة التوبة من الكبائر (٥) فراجعها. وعن المفيد والقاضي والشيخ ـ في العدة ـ والطبرسي والحلي : أن كل معصية كبيرة ، والاختلاف بالكبر والصغر ، إنما هو بالإضافة إلى معصية أخرى. وربما حكي عن بعض : كون الإضافة بلحاظ الفاعل ، فإن معصية العالم أكبر من معصية الجاهل ولو مع اتحاد ذاتهما. والوجه فيما ذكروه : اشتراك الجميع في مخالفة أمر الله سبحانه أو نهيه. مضافا إلى جملة من النصوص ، الدالة على أن كل معصية عظيمة (٦). وفيه : أن ما ذكر لا ينافي انقسامها الى القسمين ، الذي عرفت أنه ظاهر الكتاب والسنة. ولا سيما بناء على ما هو صريح النصوص من أن الكبيرة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب أحكام الشهادات حديث : ١.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب جهاد النفس.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس.

(٥) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب جهاد النفس.

(٦) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٥.

٣٣٣

______________________________________________________

ما وعد الله سبحانه مرتكبها بالنار (١) فان ذلك لا يطرد في جميع المعاصي وإن كانت كلها عظيمة وكبيرة بالمعنى اللغوي. ولعل في ذلك شهادة على كون النزاع لفظياً.

ثمَّ إنه ـ بناء على أول القولين ـ فالمعتبر في العدالة هو ترك الإصرار على الصغائر ، لا ترك نفسها ، وإن كان مقتضى عطف اجتناب الكبائر على كف البطن والفرج في الصحيح ، عدم الفرق بين الكبيرة والصغيرة في اعتبار عدمها في العدالة. ولعل الوجه ـ في الفرق المذكور بينهما ـ : أن الصغيرة مكفرة باجتناب الكبائر ، كالكبيرة المكفرة بالتوبة ، فكما أن التوبة ماحية للكبيرة ، كذلك اجتناب الكبائر ماح للصغيرة ، فلا أثر لها في نفي العدالة. لكن الوجه المذكور يقتضي ـ أيضا ـ عدم قدح الكبيرة في العدالة إذا كانت مكفرة ببعض الأعمال الصالحة أو باستغفار بعض المؤمنين. مضافا إلى أن ذلك خلاف ظاهر قوله تعالى ( إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا ) (٢) كما أنه يقتضي قدح الصغيرة فيها إذا ارتكبها في حال عدم الابتلاء بالكبائر ، بناء على أن المكفر للصغائر ، هو الكف عن الكبائر ، لا مجرد الترك ولو لعدم الابتلاء كما لعله الظاهر ، أو المنصرف اليه من الايات والروايات. فالعمدة إذاً ـ ـ في الفرق بين الكبائر والصغائر ـ : إن كف البطن والفرج .. الى آخر ما في الصحيح ـ لإجمال متعلقه ـ لا إطلاق فيه يشمل الصغائر والقدر المتيقن منه خصوص الكبائر ، فيكون عطف الكبائر عليه من قبيل عطف العام على الخاص. والوجه في ذكر الخاص أولا : مزيد الاهتمام به لكثرة الابتلاء ، فيكون الصحيح دليلا على عدم قدح الصغائر في العدالة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٤.

(٢) ورد ذلك في جملة من الايات الكريمة : البقرة : ١٦٠ ، آل عمران : ٨٨ ، النساء : ١٤٦ ، المائدة : ٣٤ ، النور : ٥.

٣٣٤

______________________________________________________

وأما على القول الثاني : فيدل على أن القادح في العدالة ارتكاب أكبر الكبائر في العدالة دون غيرها. وتعيين الأكبر منها يستفاد من النصوص الواردة في تعيين الكبائر (١) لأن المراد من الكبائر ـ على هذا القول ـ أكبر الكبائر. نعم قد يشكل ذلك : بأنه لو تمَّ عدم إطلاق الكف ، فإطلاق الستر والعفاف كاف في ظهوره في اعتبار الاجتناب عن الصغائر. مضافا الى ما يظهر من غير واحد من النصوص من منافاة ارتكاب مطلق الذنب للعدالة. فلاحظ.

هذا ولا ينبغي التأمل في أن الإصرار على الصغيرة من الكبائر ، ففي رواية ابن سنان : « لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار » (٢) ونحوه ما في رواية ابن أبي عمير (٣) وحديث المناهي (٤) وقد عد من الكبائر في حديث شرائع الدين (٥) ـ كما عد منها في حديث كتاب الرضا (ع) إلى المأمون : الإصرار على الذنوب (٦) والظاهر من الإصرار ـ لغة وعرفا ـ : المداومة والإقامة ، فلا يكفي في تحققه العزم على الفعل ثانيا ، فضلا عن مجرد ترك الاستغفار. وما في القاموس : من أنه العزم مبني على المسامحة ، وإلا فلا يظن من أحد الالتزام بتحققه بمجرد العزم من دون فعل معصية أصلا ، لا أولا ولا آخراً. وقولهم ـ في بعض الاستعمالات ـ « أصر فلان على كذا » إذا عزم ، يراد منه : إما الإصرار على العزم عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢ ، ٨ ، ٣٥ ، ٣٧ ، ٣٣ ، ٣٦.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب جهاد النفس حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب جهاد النفس حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣٦.

(٦) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣٣.

٣٣٥

وعن منافيات المروة [١] الدالة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين.

______________________________________________________

لا عليه نفسه. أو أنه مجاز. نعم في رواية جابر : « الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله تعالى ، ولا يحدث نفسه بالتوبة ، فذلك الإصرار » (١) وقريب منها حسنة ابن أبي عمير المروية في باب صحة التوبة من الكبائر في جهاد الوسائل (٢). لكن الأولى : واردة في تفسير الإصرار في قوله تعالى : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا ) (٣) فلا يمكن رفع اليد بها عن ظاهر الإصرار المعدود في الكبائر. والثانية ـ مع أن موردها الكبائر ـ : ظاهرة في أن الإصرار عبارة عن ترك الاستغفار للأمن من العقاب وعدم المبالاة به ، فتكون نظير ما عن تحف العقول : من أن الإصرار على الذنب أمن من مكر الله سبحانه ، فلا يبعد أن يكون تسميته إصرارا مجازا. كيف ، والاستغفار من الصغائر قد لا يكون واجبا ـ لتكفيرها بترك الكبائر ـ فكيف يكون تركه أمنا من مكر الله تعالى؟ فاذاً لا يمكن حكومة الروايتين على ظهور الإصرار على الصغائر ، المعدود من الكبائر في خصوص المداومة والإقامة عليها ، كما عرفت أنه مقتضى العرف واللغة. والله سبحانه أعلم.

[١] كما هو المشهور ـ كما عن المصابيح ـ بل عن نجيب الدين : نسبته الى العلماء. وعن الماحوزية : الإجماع عليه. وربما يستدل عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ بمنافاتها ( للستر ) المذكور في الصحيح ، بل ول ( كف البطن والفرج ( ، واليد ، واللسان ) لأن منافيات المروة غالباً من شهوات الجوارح وفيه : المنع من الإجماع ، كما يظهر من كلام أكثر من تقدم على العلامة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب جهاد النفس حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب جهاد النفس حديث : ٩.

(٣) آل عمران : ١٣٥.

٣٣٦

______________________________________________________

وبعض من تأخر عنه ، حيث أهملوا ذكر ذلك في تعريف العدالة. كمنع منافاتها للسير والكف ، فان منصرفهما خصوص العيوب الشرعية لا غير ، نظير ما ورد : من كونه ( خيراً ) ، أو ( صالحاً ) أو نحوهما (١) لا أقل من لزوم حمله على ذلك ، بقرينة بعض النصوص الظاهرة في حصر القادح في العدالة بارتكاب الذنوب والمعاصي مثل : « فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ، ولم يشهد عليه بذلك شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ، وان كان في نفسه مذنباً » (٢) وقريب منه غيره. وأشكل من ذلك : الاستدلال عليه : بمنافاتها لستر عيوبه المذكور في قوله (ع) : « والدليل على .. » إذ فيه ـ مضافا الى ما عرفت : من انصراف العيوب إلى الشرعية ـ : أنه لو تمَّ ذلك اقتضى اعتبارها في الطريق إلى العدالة لا فيها نفسها.

ومنه يظهر : أن تقييدها ـ في المتن ـ بالدلالة على عدم .. إنما يناسب اعتبارها في الطريق لا غير ، فكان يكفي عن ذكرها ـ حينئذ ـ تقييد حسن الظاهر بالكاشف ظناً .. إلا أن يريد أنها دالة نوعا وإن علم بخلافها فيكون عدمها معتبراً في العدالة ـ نفسها ـ تعبداً ، كما يقتضيه ظاهر العبارة لكنه غير ظاهر الوجه ، إذ الأدلة المتقدمة ـ لو تمت ـ لا تصلح لإثباته. وأما قولهم (ع) : « لا دين لمن لا مروة له » (٣) فمع أن الظاهر من المروة فيه غير ما نحن فيه ـ ظاهر في وجوب المروة ، ودخلها في العدالة حينئذ مما لا إشكال فيه. كما أن بعض الأمثلة التي تذكر لمنافاة المروة غير ظاهرة ، لإمكان القول بتحريمه ببعض العناوين الثانوية : من الهتك ، والإذلال ونحوهما‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤١ من أبواب أحكام الشهادات.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب أحكام الشهادات حديث : ١٣.

(٣) الكافي ج : ١ صفحة : ١٩ الطبعة الحديثة.

٣٣٧

ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظنا عن تلك الملكة [١].

( مسألة ١٣ ) : المعصية الكبيرة ، هي كل معصية ورد النص [٢] بكونها كبيرة ، كجملة من المعاصي المذكورة في محلها [٣].

______________________________________________________

وحينئذ يتعين اعتبار اجتنابه في العدالة.

[١] قد تقدم الكلام فيه في مسائل التقليد. فراجع.

[٢] إذ مقتضى النص ثبوت كونها كبيرة.

[٣] عقد في جهاد الوسائل بابا لتعيين الكبائر ، اشتملت نصوصه على أربعين أو أكثر. ففي صحيح ابن محبوب عد منها : قتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف (١) وفي صحيح عبد العظيم زيادة : الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، والسحر ، والزنا ، واليمين الغموس الفاجرة ، والغلول ـ وهي الخيانة مطلقا أو في خصوص الفي‌ء ـ ومنع الزكاة المفروضة ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر ، وترك الصلاة متعمداً أو شيئا مما فرض الله عز وجل ، ونقض العهد ، وقطيعة الرحم (٢) وفي رواية مسعدة بن صدقة وغيرها عد منها : القنوط من رحمة الله مضافا الى اليأس من روح الله (٣) وفي رواية أبي الصامت عد منها : إنكار ما أنزل الله عز وجل (٤) وفي رواية عبد الرحمن بن كثير عد منها : إنكار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٠.

٣٣٨

أو ورد التوعيد بالنار [١] عليه ، في الكتاب ،

______________________________________________________

حقهم (ع) (١) وفي مرسل الصدوق عد منها : الحيف في الوصية (٢) وفي رواية أبي خديجة عد منها : الكذب على الله وعلى رسوله (ص) (٣) وفي كتاب الرضا (ع) الى المأمون عد منها : السرقة ، وأكل الميتة ، والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله من غير ضرورة ، وأكل السحت ، والميسر والبخس في المكيال والميزان ، واللواط ، ومعونة الظالمين. والركون إليهم وحبس الحقوق من غير عسر ـ بدل حبس الزكاة ـ والكذب ـ بدل الكذب على الله تعالى وعلى رسوله (ص) وعلى الأوصياء (ع) ـ والإسراف ، والتبذير (٤) والخيانة والاستخفاف بالحج ، والمحاربة لأولياء الله تعالى ، والاشتغال بالملاهي ، والإصرار على الذنوب (٥) وفي مرسل كنز الفوائد عد منها : استحلال البيت الحرام (٦) ثمَّ إن الوجه في اختلاف النصوص في عددها : إما اختلافها في مراتب العظمة ـ كما يشير اليه بعض النصوص (٧) أو لورود النص لمجرد الإثبات ، لدفع توهم عدم كون ما ذكر من الكبائر ، من دون تعرض للنفي ، فلا يكون واردا مورد الحصر. أو غير ذلك مما به يرتفع التنافي بينها.

[١] لما في كثير من النصوص من تفسير الكبيرة بذلك ، كما تقدم في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٥.

(٤) الظاهر : ان الإسراف : صرف أكثر مما ينبغي. والتبذير : الصوت الذي لا ينبغي.

ويشير إلى الأول قوله تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا )، وقوله تعالى ( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ). ( منه مد ظله ).

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣٣.

(٦) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣٧.

(٧) لعل المراد النصوص الدالة على ان الشرك أكبر الكبائر وأعظمها. وقد تقدمت الإشارة إليها في المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٣٣٩

أو السنة ، صريحا ، أو ضمنا. أو ورد في الكتاب أو السنة [١] كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار.

______________________________________________________

صحيح ابن أبي يعفور. وفي صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « سألته عن الكبائر التي قال الله عز وجل ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ ... ). قال (ع) : التي أوجب الله عليها النار » (١) وفي رواية ابن مسلم عد من الكبائر : كل ما أوعد الله تعالى عليه النار (٢) وفي رواية عباد بن كثير : « عن الكبائر ، فقال (ع) : « كل ما أوعد الله عليه النار » (٣) ويستفاد ذلك ـ أيضا ـ من صحيح عبد العظيم ، حيث استدل الصادق (ع) فيه ـ على كبر المعاصي المذكورة فيه ـ بما يدل على التوعيد بالنار عليه ، بل من قوله (ع) فيه : « وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله تعالى ، لأن رسول الله (ص) قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله (ص) (٤) يستفاد أن التوعيد بالنار أعم مما ورد في الكتاب والسنة ، ومما كان مدلولا عليه صريحا وضمنا ، لأن البراءة إنما كانت في كلام النبي (ص) ولم تكن صريحة في العقاب ، وانما تدل عليه بطريق الكناية. ونحوه ـ في ذلك ـ استدلاله (ع) على كبر بعض المعاصي كأكل الربا ، وشرب الخمر. فلاحظ.

[١] كقوله تعالى : ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ... ) (٥) بل يكفي أن يرد : أنها مثل إحدى الكبائر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٢.

(٥) البقرة : ٢١٧.

٣٤٠