مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

وإن لم يجز عن محل العدول فيحتمل العدول [١] إليها ، لكن الأحوط القطع والإتيان بها ثمَّ إعادة الصلاة.

( مسألة ١٩ ) : إذا نسي سجدة واحدة أو تشهداً فيها قضاهما بعدها على الأحوط [٢].

فصل في حكم قضاء الأجزاء المنسية

( مسألة ١ ) : قد عرفت سابقاً [٣] : أنه إذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكر إلا بعد الوصول الى حد الركوع يجب قضاؤها بعد الصلاة ، بل وكذا إذا نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة [٤] ولم يتذكر إلا بعد السلام على الأقوى‌

______________________________________________________

[١] إلحاقا للمقام بمن نسي السابقة وشرع في اللاحقة. لكن حيث أن العدول مخالف للأصل لم يكن مجال للإلحاق ، بعد قصور دليل الملحق به عن شمول الفرض.

[٢] ووجه العدم : بعض محتملات : « لا سهو في سهو ».‌

فصل في حكم قضاء الأجزاء المنسية‌

[٣] وعرفت وجهه.

[٤] ليس في النصوص المتقدمة ما يدل بالخصوص على قضاء السجدة الأخيرة المنسية (١). نعم يقتضيه إطلاق صحيح عبد الله بن سنان : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ـ ركوعا أو سجوداً أو تكبيراً ـ ثمَّ ذكرت فاصنع‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ من فصل الخلل الواقع في الصلاة.

٥٢١

وكذا إذا نسي التشهد [١] ـ أو أبعاضه ـ ولم يتذكر إلا بعد الدخول في الركوع ، بل أو التشهد الأخير ولم يتذكر إلا بعد السلام على الأقوى. ويجب ـ مضافا الى القضاء ـ سجدتا السهو أيضا لنسيان كل من السجدة والتشهد [٢].

______________________________________________________

الذي فاتك سهوا » (١) ، وصحيح حكم بن حكيم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك. قال (ع) : يقضي ذلك بعينه. قلت : أيعيد الصلاة؟ قال (ع) : لا » (٢).

إلا أن امتناع البناء على قضاء الركوع والتكبير يمنع من الاعتماد على الأول في قضاء السجود. نعم لا بأس بالاعتماد على الثاني. وامتناع الأخذ بعموم الشي‌ء ـ لمخالفته الإجماع ـ لا يمنع من الاعتماد عليه في نسيان الركعة والسجدة. مضافا الى إمكان استفادة حكمها من النصوص المتقدمة بإلغاء خصوصية موردها ، أو بعدم القول بالفصل بين السجدة المنسية من الثالثة والرابعة. هذا كله بناء على مفرغية السلام ، كما تقدم استظهارها من النصوص ، وإلا فلا ينبغي التأمل في وجوب الرجوع إليها ثمَّ التشهد والتسليم بعدها لوقوعهما في غير محلهما.

[١] قد تقدم الكلام في نسيان التشهد الوسط والأخير. فراجع. وأما أبعاضه فليس في النصوص ما يدل على وجوب قضائها ، غير إطلاق صحيح ابن حكيم ، فلا مانع من جواز الاعتماد عليه في ذلك ، ولولاه تعين الرجوع إلى أصل البراءة ، القاضي بالعدم ، بعد البناء على الصحة لحديث : « لا تعاد الصلاة .. » ‌

[٢] أما في نسيان السجدة فهو المشهور ، بل عن الخلاف والغنية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦.

٥٢٢

______________________________________________________

والتذكرة وآراء التلخيص والمنتهى : دعوى الإجماع عليه ، لعموم وجوبها لكل زيادة ونقيصة ، كما سيأتي ـ ولصحيح جعفر بن بشير ـ المروي عن محاسن البرقي ـ : « سئل أحدهم (ع) عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلا سجدة ، وهو في التشهد الأول. قال (ع) : فليسجدها ثمَّ ينهض ، وإذا ذكرها ـ وهو في التشهد الثاني قبل أن يسلم ـ فليسجدها ثمَّ يسلم ، ثمَّ يسجد سجدتي السهو » (١). لكن في ثبوت وجوبها لكل زيادة إشكال ، كما سيأتي أيضا. والمصحح المذكور غير معمول بظاهره. مع أنه معارض بما في صحيح أبي بصير ـ فيمن نسي السجدة ـ من قوله (ع) : « فان كان قد ركع فليمض على صلاته ، فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو » (٢) وقريب منه مضمر محمد بن منصور (٣) وبموثق عمار : « عن الرجل ينسى سجدة هل عليه سجدة السهو؟ قال (ع) : لا ، قد أتم الصلاة » (٤) وحمل السهو في الأول على الإعادة خلاف الظاهر. كما أن حمل الأخير على الذكر في المحل ـ فلا يشمل ما نحن فيه ـ لا قرينة عليه. ومجرد كون نسيان الركوع لا يتصور مع صحة الصلاة إلا مع الذكر في المحل لا يقتضي تقييد إطلاق نسيان السجود. اللهم إلا أن يكون صالحاً للقرينية عليه فيرتفع إطلاقه. مع أن في الأولين كفاية في تخصيص عموم وجوبها لكل نقيصة ـ لو تمَّ ـ وفي حمل مصحح ابن بشير على الاستحباب.

وأما وجوبهما في نسيان التشهد فعن الخلاف وغيره : الإجماع عليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب السجود حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب السجود ملحق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب السجود حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

٥٢٣

( مسألة ٢ ) : يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهدها ، من الطهارة ، والاستقبال ، وستر العورة ونحوها ، وكذا الذكر ، والشهادتان [١] ، والصلاة على محمد وآل محمد [٢]. ولو نسي بعض أجزاء التشهد وجب قضاؤه فقط [٣]. نعم لو نسي الصلاة على آل محمد فالأحوط إعادة الصلاة [٤] على محمد ، بأن يقول : « اللهم صلى على محمد وآل محمد » ، ولا يقتصر على قوله : « وآل محمد » ، وإن كان هو المنسي فقط.

ويجب فيهما نية البدلية عن المنسي [٥] ، ولا يجوز الفصل‌

______________________________________________________

وعن المدارك : نفي الخلاف فيه. وقد استفاضت النصوص الدالة عليه.

وأكثرها وارد في نسيان التشهد الأول ، وبعضها مطلق شامل له وللأخير كموثق أبي بصير : « عن الرجل ينسى أن يتشهد. قال (ع) : يسجد سجدتين يتشهد فيهما » (١).

[١] بلا إشكال ظاهر ، لأن أدلة قضائهما ـ كسائر أدلة قضاء الفوائت ـ ظاهرة في مطابقة القضاء للأداء في جميع الخصوصيات المعتبرة فيه جزءاً أو شرطاً أو غيرهما.

[٢] لأنها جزء من التشهد المقابل للتسليم ، الذي هو منصرف نص القضاء.

[٣] على ما عرفت.

[٤] إذ بدونها يكون غلطاً في الاستعمال ، لعدم المعطوف عليه. ودليل القضاء ـ على تقدير تماميته ـ لا يصلح لتشريعه كذلك. وعلى هذا فالأقوى وجوب الإعادة.

[٥] لاعتبار ذلك في صدق القضاء ، فتجب نيته كسائر ما يعتبر في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب التشهد حديث : ٦.

٥٢٤

بينهما وبين الصلاة بالمنافي [١] كالأجزاء في الصلاة. أما الدعاء والذكر والفعل القليل ونحو ذلك ـ مما كان جائزا في أثناء الصلاة ـ فالأقوى جوازه ، والأحوط تركه. ويجب المبادرة إليهما بعد السلام [٢] ، ولا يجوز تأخيرهما عن التعقيب ونحوه.

( مسألة ٣ ) : لو فصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار ـ فالأحوط استئناف الصلاة بعد إتيانهما ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء باتيانهما [٣].

______________________________________________________

موضوع الوجوب ، وتكفي النية الإجمالية.

[١] عدم جواز ذلك تكليفا لا دليل عليه. كما لا دليل عليه في صلاة الاحتياط ، كما تقدم.

[٢] وعن الذكرى : الإجماع عليه. فان تمَّ كان هو الحجة. ودعوى : كونها المنساق من نصوص القضاء غير ظاهرة. ولا سيما بملاحظة العطف بـ ( ثمَّ ) على التسليم ، الظاهر في الترتيب مع التراخي ، وان كان المراد منها في المقام مجرد الترتيب ، لعدم وجوب التراخي إجماعا. فتأمل. وأما قوله (ع) في الموثق : « يقضي ما فاته إذا ذكره » (١) فقد تقدم الإشكال في دلالته في قضاء الفوائت. نعم ارتكاز المتشرعة يأبى وقوع الفصل الطويل بينهما وبين الصلاة اختياراً. ولأجله تكون إطلاقات نصوص القضاء منزلة عليه. وهذا معنى آخر للمبادرة. ولعله مراد الأصحاب.

[٣] لإطلاق دليل القضاء الموافق لأصالة البراءة من قدح المنافي في صحة القضاء. ودعوى : أن القضاء جزء من الصلاة جي‌ء به في غير محله ، فيكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب السجود حديث : ٢.

٥٢٥

وكذا لو تخلل ما ينافي عمداً ـ لا سهواً ـ إذا كان عمداً. أما إذا وقع سهوا فلا بأس.

______________________________________________________

المنافي الواقع بينه وبين الصلاة واقعا في أثناء الصلاة فيبطل. ولا مجال للأخذ بإطلاق دليل القضاء ، لقصوره عن إثبات نفي القدح ، ولا لأصل البراءة إذ لا مجال للأصل مع الدليل.

مدفوعة : بأن جزئيته من الصلاة خلاف ما دل على مفرغية التسليم ولا مجال القياس المقام بصلاة الاحتياط ، لما عرفت من أن ظاهر أدلة البناء على الأكثر كونه حكماً ظاهريا ، بلا انقلاب الواقع إلى صلاة الاحتياط وعدم مفرغية التسليم ، بخلاف المقام ، إذ ليس مفاد الأدلة إلا وجوب الإتيان بالجزء بعد التسليم ، وذلك أعم من أن يكون التسليم مفرغا حقيقة ويكون قضاء الجزاء أمراً خارجا عن الصلاة يشاركها في تحصيل الغرض المقصود منها ، وأن يكون غير مفرغ ، نظير سلام من تذكر النقص. وإذا لم يظهر دليل القضاء في تعيين أحد الأمرين لم يصلح لمعارضة ما دل على مفرغية التسليم فيكون ذلك الدليل هو المحكم. مع أن البناء على عدم مفرغية التسليم المذكور يقتضي البناء على وجوب تكرار السلام ، لظهور أدلة اعتبار التسليم في انحصار المفرغ فيه ، فاذا لم يفرغ المكلف بالسلام الأول ـ احتاج ـ في الفراغ ـ الى تكرار السلام ، وذلك خلاف المقطوع به من النص والفتوى.

وبالجملة : لا ينبغي الكلام في كون الجزء المقتضي بعد السلام دخيلا في حصول الغرض المقصود من الصلاة ، ومشاركا للاجزاء الماضية في ذلك لوفاء الأدلة بذلك ، وإنما الكلام في أن السلام الواقع منه واقع في محله ومفرغ له من الصلاة ، أو أنه غير مفرغ وإنما يحصل الفراغ بالجزاء المقضي وإذ أن الأدلة تقصر عن إثبات الثاني ، فما دل على مفرغية السلام محكم ، فيكون فعل المنافي بعد التسليم غير قادح ، كفعله بعده في سائر المقامات. ويؤيد‌

٥٢٦

( مسألة ٤ ) : لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله بعدهما [١].

( مسألة ٥ ) : إذا نسي الذكر أو غيره مما يجب ما عدا وضع الجبهة في سجود الصلاة ـ لا يجب قضاؤه [٢].

______________________________________________________

ما ذكرنا ما‌ في موثق عمار ـ الوارد في نسيان السجدة ـ « قلت : فان لم يذكر إلا بعد ذلك. قال (ع) : يقتضي ما فاته إذا ذكره » (١) وما‌ في صحيح ابن مسلم ـ الوارد في نسيان التشهد ـ : « إن كان قريباً رجع الى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفاً فتشهد فيه » (٢).

[١] لاحتمال وقوعه في أثناء الصلاة ، فيلحقه حكمه. لكن مقتضى تقوية الاكتفاء باتيانهما لو تخلل المنافي كون الاحتياط من هذا الجهة استحبابياً ثمَّ إن في الفرض الذي ذكره إشكالا ، لأن موجب سجود السهو إنما يوجبه إذا وقع في أثناء الصلاة ، فإذا لم يقع في أثنائها ووقع بعدها أو في أثنائهما لم يجب له السجود. فلاحظ.

[٢] لأن الأمور المذكورة ليست أبعاضا للسجود كي يجب قضاؤها بقاعدة : « أن ما يقضى كله يقضى بعضه » التي استدل بها جماعة على وجوب قضاء الواقع أبعاض التشهد ، ومقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب. لكن القاعدة المذكورة لا دليل عليها ـ بعد اختصاص دليل القضاء بفوات الكل غير المستند الى فوات البعض ـ فالفرق بين واجبات السجود وسائر واجبات الصلاة وبين أبعاض التشهد في وجوب القضاء وعدمه ـ مع كون إطلاق صحيح حكم ابن حكيم المتقدم (٣) مقتضياً له في الجميع ـ لا بد أن يكون من جهة‌

__________________

(١) تقدم ذلك في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٣) تقدم ذلك في المسألة : ١ من هذا الفصل.

٥٢٧

( مسألة ٦ ) : إذا نسي بعض أجزاء التشهد القضائي وأمكن تداركه فعله. وأما إذا لم يمكن ـ كما إذا تذكره بعد تخلل المنافي عمداً وسهواً ـ فالأحوط إعادته [١] ثمَّ إعادة الصلاة ، وإن كان الأقوى كفاية إعادته.

( مسألة ٧ ) : لو تعدد نسيان السجدة أو التشهد أتي بهما واحدة بعد واحدة. ولا يشترط التعيين [٢] على الأقوى وإن كان أحوط. والأحوط ملاحظة الترتيب معه.

______________________________________________________

الإجماع على عدم وجوب قضاء ما عدا السجدة والتشهد وأبعاضه ، ولولاه لم يكن للفرق بينها وجه ظاهر.

[١] لعين ما تقدم في تخلل المنافي بين الصلاة وقضاء المنسي.

[٢] قد تقدمت الإشارة في مبحث صلاة الآيات : الى أن الواجبات المتعددة إن اتحدت حقيقتها وكان تعددها بلحاظ تعدد الوجود فقط لا مجال للتعيين فيها ، لأن التعيين فرع التعين والامتياز فيما بينها ، والمفروض عدمه. وذلك كما لو وجب صوم يومين فإنه لما لم يكن ميز بين اليومين لم يمكن قصد أحدهما في قبال الأخر ، فإذا صام أحد اليومين يسقط أحدهما بلا ميز ويبقى الطلب بالآخر كذلك ، ومع تغاير مفهوم الواجبين ـ أو الواجبات ـ يمكن التعيين بالقصد. ومنه يظهر أن السجدات المقضية لما كانت من قبيل الواجبات المتحدة حقيقة المتعددة وجودا لم يكن مجال للتعيين ، فضلا عن وجوبه. ولا يتوهم : أن البناء على لزوم نية البدلية ملازم للبناء على لزوم التعيين ، فإن نية البدلية أعم من تعيين المبدل منه ، كما لا يخفى. ومنه يظهر أن القائل بوجوب التعيين لا بد له من إثبات تعدد مفهوم الواجب ، ولو لأجل اعتبار قصد البدلية عن الفائت ـ المعين بالتعينات الخارجية الخارجة‌

٥٢٨

( مسألة ٨ ) : لو كان عليه قضاء سجدة وقضاء تشهد فالأحوط تقديم السابق منهما في الفوات على اللاحق. ولو قدم أحدهما بتخيل أنه السابق فظهر كونه لاحقاً فالأحوط الإعادة على ما يحصل معه الترتيب [١].

______________________________________________________

عن موضوع الأمر ـ شرطاً في قضاء المنسي. كما أن اعتبار الترتيب موقوف على ذلك أيضا. وحيث أنه خلاف الإطلاق ، كان الأقوى عدم لزوم التعيين وعدم لزوم الترتيب.

ثمَّ إنه قد يتوهم : أنه بناء على جزئية المقضي حقيقة وعدم مفرغية السلام لا بد من القول بالترتيب ، لترتب الأجزاء الفائتة. وفيه : أن ترتيبها في المحل لا يلزم ترتيبها في خارج المحل ، بل لو ذكر الأول بعد تجاوز المحل الذكري فقد سقط في المحل الترتيب بينه وبين الثاني ، فإذا نسي الثاني كان المنسي مما يعلم بعدم اعتبار الترتيب بينه وبين الأول. نعم إذا نسي السجدة والتشهد من ركعة واحدة فالفائتان وإن كانا مترتبين في الأداء في حال الذكر ، لكن في ترتيبهما في حال النسيان بعد سقوطهما عن الجزئية تأمل. لا أقل من اقتضاء الأصل عدم الترتيب في القضاء. ومن ذلك تعرف. أن احتمال اعتبار الترتيب أولى بالضعف من احتمال اعتبار التعيين فيما لو كان الفائت متحد الحقيقة.

نعم في متعدد الحقيقة للقول باعتباره وجه ، لكن الأوجه خلافه ، كما عرفت نعم احتمال ذلك كاف في إمكان الاحتياط. ثمَّ إن الظاهر أن الفصل بأحد المقضيين ينافي الفورية بالنسبة الى الثاني عرفا ، فمع البناء على وجوبها تعبداً يكون المورد من التزاحم الموجب للتخيير عقلا. ومع البناء على وجوبها شرطاً للصحة يشكل الحال. اللهم إلا أن يكون إجماع على الصحة ـ حينئذ ـ وإن فاتت الفورية بالفصل ، فإطلاق دليل القضاء محكم.

[١] لاحتمال اعتبار الترتيب شرطاً في صحة قضاء اللاحق فواتا. لكن عرفت ضعفه.

٥٢٩

ولا يجب إعادة الصلاة معه [١] ، وإن كان أحوط.

( مسألة ٩ ) : لو كان عليه قضاؤهما وشك في السابق واللاحق احتاط بالتكرار [٢] ، فيأتي بما قدمه مؤخرا أيضا ولا يجب معه إعادة الصلاة ، وإن كان أحوط. وكذا الحال لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعين منهما.

( مسألة ١٠ ) : إذا شك في أنه نسي أحدهما أم لا [٣] لم يلتفت ولا شي‌ء عليه. أما إذا علم أنه نسي أحدهما وشك في أنه هل تذكر قبل الدخول في الركوع أو قبل السلام وتداركه أم لا؟ فالأحوط القضاء [٤].

______________________________________________________

[١] لعدم قدح الفصل بمثل ذلك.

[٢] إذ ليس فيه إلا احتمال الفصل. وقد تقدم عدم قدحه.

[٣] يعني : بعد الفراغ. وكذا بعد التجاوز ، فالوجه في عدم الالتفات : قاعدة الفراغ ، أو التجاوز.

[٤] بل لعله الأقوى ، لأصالة عدم الرجوع الى المنسي. وقاعدة التجاوز لا مجال لها في المقام ، إذ المحل الأولي الذكري يعلم بعدم الإتيان به فيه ، والمحل الثانوي السهوي وان شك بالإتيان به فيه ، إلا أن موضوعه ـ وهو الذكر والالتفات ـ مشكوك ، والمحل على تقدير استمرار النسيان ـ يكون بعد التسليم فلم يفرغ بالنسبة اليه. وإن شئت قلت : قاعدة التجاوز إنما تجري مع احتمال طروء الخطأ ، لا مع احتمال طروء الالتفات مع العلم بطروء الخطأ ومنه يظهر : أنه لو علم أنه قد ذكر قبل الركوع أو قبل التسليم وشك في أنه تدارك أو لم يتدارك بنى على التدارك لقاعدة التجاوز. وسيأتي في سجود السهو في نظير المقام ما له نفع تام. فانتظر.

٥٣٠

( مسألة ١١ ) : لو كان عليه صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهد فالأحوط تقديم الاحتياط [١] وإن كان فوتهما‌

______________________________________________________

[١] بل هو المتعين ، لأن دليل قضاء المنسي إنما اقتضى فعله بعد الفراغ الواقعي ، وقد عرفت أن التسليم على الأكثر البنائي لا يوجب فراغا واقعيا ـ بل ولا ظاهريا بلحاظ الأثر الذي هو محل الكلام ـ بل احتمالي محض ، فلا يجوز فعل المنسي بعده ، لاحتمال كونه زيادة في الصلاة منهيا عنها ، وكونه في غير المحل. ولو بني على أن الأمر بقضاء المنسي بعد التسليم لئلا تلزم الزيادة في الأثناء ـ لا لكون محله بعد التسليم ـ كفى احتمال الزيادة في المنع عن إيقاعه قبل صلاة الاحتياط ، إذ لا مؤمن عن هذا الاحتمال ، وأصالة عدم الزيادة لا مجال لها ـ لا بنحو مفاد كان التامة ، ولا الناقصة ـ إذ الشك إنما هو من حيث كونه في الأثناء أو بعد الفراغ ، والأصل يقتضي الأول ، فيكون زيادة في الأثناء ـ فتأمل ـ ومجرد كونه تداركا للمنسي لا يوجب عدم صدق الزيادة عليه. ولذا لا يجوز إيقاعه قبل التسليم مع حفظ الركعات.

ومنه يظهر وجوب تأخير سجود السهو عن صلاة الاحتياط لعين ما تقدم ومجرد الفرق : بأن الأجزاء المقضية أجزاء صلاتية يكون فعلها قبل التسليم زيادة منهيا عنها ، بخلاف سجود السهو فإنه لا يؤتي به بعنوان الصلاة ، فلا يكون فعله في الأثناء زيادة في الصلاة لا يوجب الفرق بينهما في وجوب التأخير الى ما بعد الفراغ عن الصلاة واقعاً بعد الأمر بفعلها كذلك ، غاية الأمر أن الأمر بتأخير المنسي يمكن أن يكون من جهة أن محله بعد التسليم ويمكن أن يكون من جهة لزوم الزيادة ـ بخلاف تأخير سجود السهو فإنه لا يحتمل فيه أن يكون من جهة لزوم الزيادة ـ بناء على اعتبار قصد الجزئية في تحقق الزيادة ـ فيتعين أن يكون من جهة كون محله بعد التسليم ، وهذا‌

٥٣١

مقدماً على موجبه ، لكن الأقوى التخيير. وأما مع سجود السهو فالأقوى تأخيره عن قضائهما ، كما يجب تأخيره عن الاحتياط أيضا.

______________________________________________________

أيضا كاف في لزوم التأخير. نعم قد يقتضي ذلك الفرق فرقا من جهة أخرى ، وهي أنه لو جاء بسجود السهو قبل التسليم عمداً لم يكن مبطلا للصلاة وإن لم يجز الاكتفاء به ، فيجب الإتيان به ثانيا بعد التسليم ، بخلاف ما لو جاء بالجزء المنسي قبل التسليم عمداً فإنه يكون مبطلا للصلاة فيجب الاستئناف. وهذا الفرق ـ لو تمَّ ـ لم يرتبط بما نحن فيه. نعم بناء على مفرغية التسليم ، وانقلاب الصلاة على تقدير النقص الى صلاتين يكون فعل القضاء بعد التسليم البنائي في محله ، فحينئذ يجب فعل القضاء قبل صلاة الاحتياط ، بناء على وجوب المبادرة إليه. اللهم إلا أن نقول أيضا : بوجوب المبادرة إلى صلاة الاحتياط بنحو ينافيها قضاء المنسي ، فحينئذ يتعين البناء على التخيير بينهما في التقديم. أو نقول : بأن محل المقتضي بعد الفراغ من تمام الصلاة ، ولا يكون ذلك إلا بعد صلاة الاحتياط. وهذا هو الأظهر.

وأما تأخير سجود السهو عن الجزء المنسي فليس عليه دليل ظاهر ، بل ظاهر خبر علي بن أبي حمزة ـ المتقدم في نسيان التشهد (١) ـ كون سجود السهو للتشهد المنسي قبله لا بعده ، فلو تمَّ عدم الفصل ـ كما ادعي ـ كان دليلا على لزوم تقديم سجود السهو على الجزء المنسي مطلقاً. وخبر جعفر بن بشير (٢) وإن دل على لزوم تقديم السجدة المنسية على سجود السهو لها. فيكون منافيا للخبر المذكور ، إلا أنه تضمن فعل السجدة قبل التسليم ، وذلك خلاف المبنى ، فالترتيب بين الجزء المقضي وسجود السهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٢) تقدم ذلك في المسألة : ١ من هذا الفصل.

٥٣٢

( مسألة ١٢ ) : إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء ـ فالظاهر عدم وجوب إعادتها [١] ، وإن كان أحوط.

( مسألة ١٣ ) : لا يجب الإتيان بالسلام في التشهد القضائي [٢] ، وإن كان الأحوط ـ في نسيان التشهد الأخير ـ إتيانه بقصد القربة ـ من غير نية الأداء والقضاء ـ مع الإتيان بالسلام بعده. كما أن الأحوط ـ في نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أيضا ـ الإتيان بها بقصد القربة ، مع الإتيان بالتشهد والتسليم ـ لاحتمال كون السلام في غير محله ـ [٣] ووجوب‌

______________________________________________________

غير ثابت. اللهم إلا أن يستفاد من دليل وجوب سجود السهو كون محله بعد الفراغ من جميع الأجزاء الصلاتية. لكنه غير ظاهر.

[١] هذا بناء على الجزئية ظاهر ، إذ كما لا تجب إعادة الجزء المأتي به في أثناء الصلاة ـ لو كان قد سها عن بعض ما يجب فيه لحديث : « لا تعاد الصلاة .. » ـ لا تجب الإعادة هنا ، لعدم الفرق. أما بناء على عدم الجزئية فقد يشكل ، لعدم لزوم إعادة الصلاة من رأس ، كي يسقط اعتبار ما سها فيه لحديث : « لا تعاد .. » وإعادة الجزء غير منفية بالحديث المذكور. ويمكن دفعه : بما عرفت من أن ظاهر دليل القضاء وجوبه على النحو المعتبر في الصلاة بماله من الخصوصيات ، فكما يقتضي الدليل المذكور لزوم فعل ما يجب فعله فيه ـ من الذكر وغيره ـ يقتضي سقوطه في السهو ، كما يسقط لو أتى به في محله ، كما يظهر بالتأمل.

[٢] لخروجه عن التشهد. والمفروض الإتيان به في محله ، فلا موجب لقضائه.

[٣] لفقد الترتيب بينه وبين التشهد.

٥٣٣

تداركهما بعنوان الجزئية للصلاة. وحينئذ فالأحوط سجود السهو ـ أيضا ـ في الصورتين ، لأجل السلام في غير محله.

( مسألة ١٤ ) : لا فرق في وجوب قضاء السجدة ، وكفايته عن إعادة الصلاة بين كونها من الركعتين الأولتين والأخيرتين [١] ، لكن الأحوط ـ إذا كانت من الأولتين ـ إعادة الصلاة أيضا ، كما أن في نسيان سائر الأجزاء الواجبة منهما أيضا الأحوط استحبابا ـ بعد إتمام الصلاة ـ إعادتها ، وإن لم يكن ذلك الجزء من الأركان ، لاحتمال اختصاص اغتفار السهو عن ما عدا الأركان بالركعتين الأخيرتين ـ كما هو مذهب بعض العلماء [٢] وإن كان الأقوى ـ كما عرفت ـ عدم الفرق.

( مسألة ١٥ ) : لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهد مع‌

______________________________________________________

[١] كما تقدم في أحكام السهو.

[٢] وهو المفيد والشيخ في التهذيب على ما حكي ، بل عن الثاني : أنه نسبه إلى بعض العلماء ـ ولعله ابن أبي عقيل ـ وتقدم ذلك في نسيان السجدة ، كما تقدم ضعفه ، لصريح جملة من النصوص الواردة في نسيان السجدة والقراءة والجهر والإخفات (١) ، وإطلاق صحيح : « لا تعاد .. » ولا سيما بملاحظة تعليله صحة الصلاة ـ مع ترك القراءة ـ بأن القراءة سنة. وبذلك كله يتعين حمل السهو المنفي في الأوليين في بعض النصوص ـ على الشك ، كما يقتضيه بعض القرائن المشتمل عليه بعضها. ويظهر من كلماتهم في أحكام السهو من الخلل : المفروغية عن عدم الفرق بين الأوليين والأخيرتين ، بل‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ ، ١٩ من فصل الخلل الواقع في الصلاة.

٥٣٤

فوت محل تداركهما ، ثمَّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده شكا فالظاهر عدم وجوب القضاء [١].

( مسألة ١٦ ) : لو كان عليه قضاء أحدهما وشك في إتيانه وعدمه وجب عليه الإتيان به ما دام في وقت الصلاة [٢] بل الأحوط استحبابا [٣] ذلك بعد خروج الوقت أيضا.

( مسألة ١٧ ) : لو شك في أن الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الاتحاد [٤].

( مسألة ١٨ ) : لو شك في أن الفائت منه سجدة أو غيرها من الاجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها ـ وليست ركنا أيضا ـ لم يجب عليه القضاء [٥] ، بل يكفيه سجود السهو.

______________________________________________________

ادعي الإجماع في كثير من مسائله. فراجع.

[١] لعدم الاعتبار بالشك ، لأنه بعد الفراغ ، ولا بالاعتقاد ، لزواله.

اللهم إلا أن يقال : إنما لا يعتبر الشك بعد الفراغ إذا كان بعد الفراغ البنائي وهو غير حاصل فالمرجع في نفي القضاء قاعدة الشك بعد التجاوز لا غير. ومنه يظهر عدم وجوب القضاء لو انقلب اعتقاده شكاً في أثناء الصلاة.

[٢] لأصالة عدم الإتيان به.

[٣] لسقوط الأصل بقاعدة الشك بعد خروج الوقت. وهي وإن كان موردها الشك في أصل الصلاة ، إلا أن الظاهر منها عرفا كون الوجه فيها حيثية خروج الوقت. ولأجل توهم الاختصاص كان الأحوط القضاء لو شك بعد خروج الوقت.

[٤] لقاعدتي الفراغ والتجاوز بالنسبة إلى المحتمل الزائد على المتيقن.

[٥] لأن العلم الإجمالي بالفوات لا أثر له في القضاء ، لعدم التكليف‌

٥٣٥

( مسألة ١٩ ) : لو نسي قضاء السجدة أو التشهد وتذكر بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها [١] والإتيان به ، بل هو الأحوط [٢] ، بل وكذا لو دخل في فريضة [٣].

( مسألة ٢٠ ) : لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر فإن أدرك منها ركعة وجب تقديمهما [٤] وإلا وجب تقديم العصر [٥] ، ويقضي الجزء بعدها ، ولا يجب عليه إعادة [٦] الصلاة وإن كان أحوط. وكذا الحال‌

______________________________________________________

في أحد أطرافه : واحتمال فوت ما يجب قضاؤه منفي بقاعدة الفراغ. ولا تعارض بمثلها في الأخر ، لأنها لا أثر لها من حيث القضاء وكذا من حيث سجود السهو ، للعلم به على كل من التقديرين ، بناء على وجوبه للسجود ولكل نقيصة.

[١] لجواز قطع النافلة.

[٢] لاحتمال وجوب المبادرة. لكن مقتضى جزم المصنف (ره) سابقا بوجوب المبادرة الجزم بوجوب القطع هنا.

[٣] فإنه وإن حرم قطع الفريضة ، لكن ـ بناء على وجوب المبادرة ـ يجوز القطع ، لجواز قطع الفريضة للحاجة. وقد تقدم في فصل صلاة الاحتياط ما له نفع في المقام. فراجع.

[٤] لوجوب الترتيب ، فان الجزء المقتضي لا يخرج عن كونه صلاة ظهر ، وظاهر أدلة الترتيب وجوبه بلحاظ جميع الاجزاء. مضافا الى ما تقدم : من وجوب المبادرة.

[٥] لأهميتها حينئذ ، أو لاختصاص الوقت بها ، وسقوط اعتبار الترتيب.

[٦] لعدم قدح الفصل ، كما سبق.

٥٣٦

لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر ، لكن مع تقديم العصر يحتاط بإعادة الظهر أيضا ، بعد الإتيان باحتياطها [١].

فصل في موجبات سجود السهو‌

( مسألة ١ ) : يجب سجود السهو لأمور : الأول : الكلام سهواً [٢] ،

______________________________________________________

[١] لما تقدم منه من التوقف في قدح الفصل بين الصلاة الأصلية وصلاة الاحتياط.

فصل في موجبات سجود السهو‌

[٢] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل عن صريح بعض وظاهر آخر : الإجماع عليه ، لصحيح ابن الحجاج : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم فقال (ع) : يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين » (١) وما في صحيح ابن أبي يعفور ـ الوارد في الشك بين الاثنتين والأربع ـ من قول الصادق (ع) : « وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو » (٢). وموثق عمار عن الصادق (ع) : « عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدم شيئاً أو يحدث

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٥٣٧

______________________________________________________

شيئا. قال (ع) : ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشي‌ء » (١) بناء على ظهوره فيما نحن فيه. لكن من القريب أن يكون المراد حتى يسبح أو يقرأ ، مما يجب فعله في القيام. وما في صحيح الأعرج ـ المشتمل على قصة ذي الشمالين ـ من قول الصادق (ع) : « ويسجد سجدتين لمكان الكلام » (٢) فإن المحكي فيه وإن كان فعلا مجملا من حيث الوجوب والاستحباب ، إلا أن حكايته من المعصومين (ع) في مقام التشريع ظاهرة في الوجوب. نعم ما تضمن فعل النبي (ص) لهما من دون تعرض إلى أنه للكلام أو للسلام (٣) غير صالح للاستدلال به على المقام وعن الصدوقين وغيرهما : العدم. وقد يشهد لهم صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، فقال (ع) : يتم ما بقي من صلاته ـ تكلم أو لم يتكلم ـ ولا شي‌ء عليه » (٤).

ونحوه صحيح ابن مسلم عنه (ع) : « في رجل صلى ركعتين من المكتوبة ، فسلم ـ وهو يرى أنه قد أتم الصلاة ـ وتكلم ، ثمَّ ذكر أنه لم يصل غير ركعتين ، فقال (ع) : يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (٥) فان حملهما على نفي الإثم بعيد ، إذ لا مجال لتوهمه مع السهو.

وعلى نفي الإعادة يوجب كونه تأكيداً لقوله (ع) : « أتم .. » والحمل على التأسيس أولى. وحينئذ فحمل الأمر في الأولين على الاستحباب أولى من حمل : « لا شي‌ء عليه » على ما ذكر. ولأجل ذلك اختار بعض المحققين من المتأخرين. الاستحباب ، فالمسألة لا تخلو من اشكال.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٩.

٥٣٨

بغير قرآن ودعاء وذكر [١]. ويتحقق بحرفين أو بحرف واحد مفهم في أي لغة كان. ولو تكلم جاهلا بكونه كلاما بل يتخيل أنه قرآن أو ذكر أو دعاء لم يوجب سجدة السهو ، لأنه ليس بسهو [٢]. ولو تكلم عامداً بزعم أنه خارج عن الصلاة يكون موجباً ، لأنه باعتبار السهو عن كونه في الصلاة يعد سهواً. وأما سبق اللسان فلا يعد سهواً. وأما الحرف الخارج ـ من التنحنح والتأوه والأنين الذي عمده لا يضر ـ فسهوه ـ أيضا ـ لا يوجب السجود [٣].

______________________________________________________

[١] لأن ظاهر الأدلة في المقام : أن الكلام الموجب لسجود السهو هو الذي لا يجوز فعله عمداً ، فينبغي في تحققه الرجوع الى ما تقدم في مبطلية الكلام.

[٢] لاختصاصه بالغفلة عما هو معلوم ، لا مجرد الغفلة عن الواقع والخطأ فيه. والنصوص ـ كصحيح ابن أبي يعفور وموثق عمار ـ ظاهرة في اختصاص الحكم بالسهو ، إما للبناء على عدم الدخول فيها ، أو على الخروج عنها. والظاهر أن الأول مورد صحيح ابن الحجاج ، والثاني مورد صحيح الأعرج ، فلا تشمل مطلق الخطأ ولو كان جهلا. لكن لا يبعد أن يقال : إن المتفاهم عرفا من النصوص هو سببية الكلام الواقع لا عن عمد ، فالسهو فيها بمعنى عدم العمد ، لا لخصوصية فيه. ولأجل ذلك نقول : إنه لو علم بعد الصلاة أنه تكلم ـ ولم يعلم أنه كان عمداً أو سهوا ـ كانت أصالة عدم كونه عن عمد ـ بناء على جريان الأصل في العدم الأزلي ـ كافية في إثبات صحة الصلاة ووجوب سجود السهو. ومنه يظهر وجوب السجود لسبق اللسان اللهم إلا أن يدعى : اختصاص الأدلة بما كان عن قصد في الجملة.

[٣] كما عرفت.

٥٣٩

الثاني : السلام في غير موقعه [١] ساهيا ، سواء كان‌

______________________________________________________

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جماعة : الإجماع عليه ، لأنه من الكلام ، ولأنه زيادة في الصلاة ـ بناء على عموم وجوبها لكل زيادة ـ ولموثق عمار عن الصادق (ع) : « عن رجل صلى ثلاث ركعات ـ وهو يظن أنها أربع ـ فلما سلم ذكر أنها ثلاث. قال (ع) : يبني على صلاته متى ذكر ، ويصلى ركعة ، ويتشهد ، ويسلم ، ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته » (١) وصحيح العيص عنه (ع) : « عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع. قال (ع) : يقوم فيركع ويسجد سجدتين » (٢) لكن الأول : ممنوع ، فان ظاهر أدلته الكلام الأجنبي عن الصلاة ، فلا يشمل مثل التسليم ، بل هو ـ أيضا ـ ظاهر القائلين بالوجوب في المقام ، لعدهم السلام في مقابل الكلام. والثاني : وإن سلم لكن في مبناه إشكال يأتي ، ولا يناسب عده في قباله. والثالث : ـ مع أن مورده السهو في التشهد والتسليم معا ـ غير ظاهر في كونه لأجل السلام ، بل من المحتمل أن يكون من جهة الزيادة ، فلو ثبت استحبابه لكل زيادة دار الأمر بين حمله على الاستحباب في المقام وبين تخصيص ذلك.

ولعل الأول في المقام أولى. والرابع : غير ظاهر في سجود السهو ، بل من المحتمل قريباً إرادة سجدتي الصلاة المقابلتين للركوع ، فعلى هذا لا دليل على وجوب سجود السهو في المقام ، إلا إذا قيل بوجوبه لكل زيادة ، بل ما في صحيح الأعرج ـ من قوله (ع) : « وسجد لمكان الكلام » (٣) من دون تعرض للتسليم ـ ظاهر في عدم الوجوب لأجله ، فلو ثبت الوجوب لكل زيادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١٤.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٨.

(٣) تقدم ذلك كله في الأمر الأول من موجبات سجود السهو.

٥٤٠