مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

______________________________________________________

ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ثمانية وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وسبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة. فإن زادوا على العشرة ، فلو صارت السموات كلها قرطاسا والبحار مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة. يا محمد (ص) تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير من ستين ألف حجة وعمرة ، وخير من الدنيا وما فيها بسبعين ألف مرة. وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين. وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة » (١). وعن الصادق (ع) : « الصلاة خلف العالم بألف ركعة ، وخلف القرشي بمائة » (٢).

ولا يخفى أنه إذا تعدد جهات الفضل تضاعف الأجر فإذا كانت في مسجد السوق الذي تكون الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة يتضاعف بمقداره ، وإذا كانت في مسجد القبيلة الذي تكون الصلاة فيه بخمسة وعشرين فكذلك ، وإذا كانت‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

١٦١

______________________________________________________

في المسجد الجامع الذي تكون الصلاة فيه بمائة يتضاعف بقدره وكذا إذا كانت في مسجد الكوفة الذي بألف ، أو كانت عند علي (ع) الذي فيه بمائتي ألف ، وإذا كانت خلف العالم أو السيد فأفضل ، وان كانت خلف العالم السيد فأفضل ، وكلما كان الإمام أوثق وأورع وأفضل فأفضل ، وإذا كان المأمومون ذوي فضل فتكون أفضل ، وكلما كان المأمومون أكثر كان الأجر أزيد.

ولا يجوز تركها رغبة عنها أو استخفافا بها ، ففي الخبر : « لا صلاة لمن لا يصلي في مسجد إلا من علة ، ولا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا. ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه. وإذا دفع الى إمام المسلمين أنذره وحذره ، فان حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته ». وفي آخر : « إن أمير المؤمنين (ع) بلغه إن قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فخطب فقال : إن قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا ، فلا يؤاكلونا ، ولا يشاربونا ، ولا يشاورونا ولا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة. واني لأوشك بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال : فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا لجماعة المسلمين » (١) ـ الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٩.

١٦٢

فمقتضى الايمان عدم الترك من غير عذر. لا سيما مع الاستمرار عليه ، فإنه ـ كما ورد ـ لا يمنع الشيطان من شي‌ء من العبادات منعها ، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها ، لأن فضلها من ضروريات الدين.

( مسألة ١ ) : تجب الجماعة في الجمعة [١] ، وتشترط في صحتها. وكذا العيدين [٢] مع اجتماع شرائط [٣] الوجوب وكذا إذا ضاق الوقت عن تعلم القراءة لمن لا يحسنها مع قدرته على التعلم [٤]. وأما إذا كان عاجزا عنه أصلا.

______________________________________________________

[١] إجماعا من المسلمين كافة ـ كما عن المعتبر ـ أو العلماء كافة ـ كما عن التذكرة. والنصوص به متواترة (١). والمراد من الوجوب : الوجوب الوضعي ، أو الإرشادي ، أو الغيري. فقوله : « وتشترط في صحتها » راجع اليه أو ملزوم له.

[٢] بلا خلاف أجده فيه بل بالإجماع صرح بعضهم ، كما في الجواهر. ويدل عليه جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر : « من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه » (٢) ونحوه غيره.

[٣] فلو اختل بعضها استحبت فرادى وجماعة على المشهور. وسيأتي الكلام فيه في محله.

[٤] إن كان المراد من وجوب الائتمام حينئذ عدم صحة صلاته منفردا‌

__________________

(١) راجع الوسائل أبواب صلاة الجمعة والجماعة ، وأبواب أعداد الفرائض ، وأبواب القراءة والقنوت. فان كثيراً منها يدل على المطلوب.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة العيد حديث : ٣.

١٦٣

______________________________________________________

فهو يتوقف على عدم ثبوت مشروعيتها ـ كذلك ـ في ظرف عدم التعلم. لكن الظاهر عموم المشروعية ، لأدلة البدلية الخاصة ، مثل ما‌ في رواية ابن سنان من قول الصادق (ع) : « لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي » (١). وقريب منه غيره ، فإنها تشمل صورة القدرة على الائتمام وعدمها. بل وأدلة البدلية العامة ، مثل قاعدة الميسور ، على تقدير تمامية عموم أدلتها لمثل المقام.

وتوهم : أنه يشكل تطبيق أدلة البدلية المذكورة مع القدرة على الصلاة جماعة ، فإنها أحد أفراد الواجب الاولي الذي يجب تعيينا عند العجز عن الفرد الأخر. وهذا الوجوب العقلي قرينة على صرف أدلة البدلية الى غير الفرض. مندفع : بأن ذلك يتم لو كان الائتمام أحد أفراد الواجب. وليس كذلك ، بل هو من قبيل المسقط لوجوب القراءة المعتبرة في الصلاة ، كما سيأتي استظهاره من النصوص. فمع عدم التمكن من القراءة لا موجب عقلا لفعل المسقط فتسقط القراءة بالعجز لا غير ، فيكون تطبيق القاعدة على ما عدا القراءة من الاجزاء والشروط في محله. نعم لو لم تتم أدلة القاعدة المذكورة ، ولم يستفد من الصحيح البدلية المطلقة كان مقتضى إطلاق دليل الجزئية بطلان الفاقد له. وحينئذ فإن كان إجماع على وجوب الصلاة كان مقتضى الدلالة الالتزامية لإطلاق دليل الجزئية تعين الائتمام ، ولا مجال للاكتفاء بالفرادى. لكنك عرفت تمامية دلالة الصحيح. نعم يمكن اختصاصه بصورة عدم تقصيره بترك التعلم ، وحينئذ فالمرجع في صورة تقصيره في ذلك أصالة الفساد.

بل تمكن دعوى : وجوب الائتمام عقلا في الفرض ، فراراً عن استحقاق العقاب على تقدير تركه وفعل الصلاة منفرداً ـ لترك القراءة الواجبة اختياراً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٦٤

فلا يجب عليه [١] حضور الجماعة وان كان أحوط. وقد تجب بالنذر [٢] والعهد واليمين ، ولكن لو خالف صحت الصلاة [٣] وإن كان متعمدا ،

______________________________________________________

باختيار ترك التعلم ـ فان ترك القراءة اختياراً ـ ولو بترك التعلم ـ موجب للعقاب على تقدير ترك الائتمام ، بخلاف ما لو صلى مأموما ، فإنه لم يترك واجبا فعليا يستحق عليه العقاب. لكن ذلك مختص بصورة ترك التعلم لا بنية الائتمام في آخر الوقت ، إذ لو تركه ناويا للائتمام في آخر الوقت لا يكون عاصيا بترك القراءة ، وفي آخر الوقت تسقط القراءة للتعذر ولا موجب لفعل المسقط.

[١] مما تقدم تعرف ان هذا يتوقف على كون الائتمام مسقطا ، بحيث لا يمنع التمكن منه من إجراء أدلة البدلية ـ العامة أو الخاصة ـ لإثبات مشروعية صلاة الفرادى بلا قراءة.

[٢] لعموم أدلة الوفاء بها.

[٣] كما استظهره في الجواهر وغيرها. لعدم صيرورتها شرطا بالنذر ثمَّ احتمل في الجواهر الفساد أيضا. ويمكن تقريب وجه الصحة : بأن أدلة الوفاء بالنذر إنما اقتضت وجوب الصلاة جماعة ، وذلك لا يقتضي بطلان الصلاة فرادى إلا بناء على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده. فتأمل.

فإن قلت : التحقيق أن مفاد قول الناذر : « لله علي أن أفعل كذا » جعل حق وضعي له سبحانه ، لان الظاهر من ( اللام ) كونها للملك ، ومن ( الظرف ) كونه مستقرا ، نظير قولك : « لزيد علي مال ». فمقتضى أدلة نفوذ النذر وصحته هو ثبوت مضمونه ، فيكون الفعل المنذور ملكا له سبحانه ، نظير ملك المستأجر الفعل الأجير. ومقتضى عموم قاعدة السلطنة في الأموال والحقوق قصور سلطنة الناذر عن كل ما ينافي المنذور ، وإذا لم‌

١٦٥

______________________________________________________

يكن للناذر سلطنة على الصلاة فرادى ـ لمنافاتها للصلاة جماعة ـ كانت الصلاة فرادى محرمة فتبطل. ولأجل ذلك نقول : ببطلان بيع منذور الصدقة ، لمنافاة بيعه للصدقة المنذورة.

قلت : السلطنة على المال والحق تتصور ـ بدأ ـ على نحوين : ( أحدهما ) : السلطنة الحقيقة في الأمور الاعتبارية ، فيكون معنى سلطنة زيد على ماله. قدرته على بيعه وهبته وإجارته ونحوها من الأمور الاعتبارية. ( وثانيهما ) : السلطنة التشريعية في الأمور الحقيقة ، فيكون معنى سلطنته على ماله : جواز أكله وشربه وإتلافه ونحوها من الأمور الحقيقة. فإن كان مفاد قاعدة السلطنة المجعولة لذي المال والحق هو السلطنة ـ بالمعنى الأول ـ اقتضت قصور سلطنة الغير ـ بالمعنى الأول ـ ، فيكون مفاد القاعدة : إثبات السلطنة ـ بالمعنى الأول ـ ونفي السلطنة لمن سواه ـ بالمعنى الأول ـ الراجع الى نفي قدرة الغير على كل تصرف اعتباري. وان كان مفادها السلطنة ـ بالمعنى الثاني ـ اقتضت قصور سلطنة الغير ـ بالمعنى الثاني ـ أيضا. والظاهر من دليل القاعدة ارادة السلطنة ـ بالمعنى الأول ـ ، فتدل على نفي السلطنة ـ بالمعنى الأول ـ عن الغير ، ونفي السلطنة ـ بالمعنى الأول ـ عن الغير لا يستتبع تحريما ، لأن إثباتها ـ بالمعنى الأول ـ للمالك لا يستتبع جوازاً تكليفياً ، ولذا نقول : لا تدل قاعدة السلطنة على جواز كل تصرف في المال جوازاً تكليفياً ، ولا يصح الرجوع إليها في الشبهة التحريمية والوجوبية. وعلى هذا فتطبيق قاعدة السلطنة في المقام لا يقتضي حرمة ما ينافي المنذور ، لتقتضي فساد الصلاة فرادى.

بل يمكن منع استتباع نفي السلطنة ـ بالمعنى الثاني ـ عن غير ذي الحق للتحريم ، فإن الأمر بالأهم وان كان يمنع من قدرة المكلف على المهم إلا أنه لا يوجب تحريمه ، فان عدم جعل الجواز أعم من جعل التحريم.

١٦٦

______________________________________________________

بل يمكن ـ أيضا ـ منع تحريم الصلاة فرادى في المقام ـ ولو بناء على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ـ فإن الصلاة فرادى والصلاة جماعة ليستا من قبيل الضدين ، بل من قبيل الفردين لماهية واحدة ، يتبادلان على مصلحة واحدة ، إذا وجد أحدهما حصلت مصلحة الطبيعة وخلى الفرد الأخر عنها ، وليستا ذات مصلحتين يلزم من حصول إحداهما فوات الأخرى.

والتحقيق أن يقال إن نذر الصلاة جماعة راجع الى تعيين ما في الذمة في صلاة الجماعة ، فاما ان يكون النذر منوطا باشتغال ذمة المكلف بالواجب ـ حدوثا وبقاء ـ بحيث يرجع محصل نذر الناذر الى نذر الصلاة جماعة على تقدير بقائها في ذمته ، فلا ينبغي التأمل حينئذ في جواز فعل الصلاة فرادى. ولا منافاة فيها للنذر بوجه ، لأن الوجوب المشروط بشي‌ء لا يقتضي حفظ شرطه. وإما أن لا يكون منوطا به إلا حدوثا ، ويكون مرجع النذر الى نذر إبقاء الواجب في الذمة وعدم الإتيان بفرد منه إلا الصلاة جماعة ، فلا ينبغي التأمل في فساد الصلاة فرادى ، لأنها تفويت للمنذور الذي هو متعلق حق الله سبحانه فيحرم ، وإذا حرمت الصلاة بطلت. وهذا التحريم ليس مستفادا من قاعدة السلطنة على الحق ـ كي يتوجه عليه ما ذكر : من أن مفاد القاعدة السلطنة الحقيقية على الأمور الاعتبارية ، لا السلطنة التشريعية في الأمور الحقيقية ، كي تستتبع تحريما لتصرف غير السلطان ـ وإنما يستفاد التحريم المذكور من دليل حرمة التصرف في مال الغير وحقه بلا إذن من صاحبه.

ومن ذلك يظهر أنه لو نذر أن يتصدق بشاة معينة لم يجز له ذبحها ولا يصح له بيعها. ( أما الأول ) : فلحرمة التصرف في موضوع حق الغير. ( وأما الثاني ) : فلقاعدة السلطنة على الحق والمال. ومن ذلك يظهر الحكم فيما لو نذر الصلاة في المسجد أو قراءة سورة معينة أو نحو‌

١٦٧

ووجبت حينئذ عليه الكفارة [١]. والظاهر وجوبها ـ أيضا ـ إذا كان ترك الوسواس [٢] موقوفا عليها ، وكذا إذا ضاق الوقت [٣] عن إدراك الركعة ، بأن كان هناك إمام في حال الركوع ، بل‌

______________________________________________________

ذلك ، فإن المخالفة في جميعها موجبة للبطلان.

هذا كله بناء على أن مفاد صيغة النذر إثبات حق لله تعالى. أما بناء على أن مفادها مجرد الالتزام بالمنذور ، بأن يكون معنى « لله علي كذا » « التزمت لله علي » ، فيكون اللام متعلقة بـ ( التزمت ) والظرف لغو ، فليس هناك ما يقتضي ثبوت حق له تعالى. فلا موجب للبطلان ، لعدم التحريم إلا بناء على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده على إشكال عرفته. وقد تقدم في مبحث القراءة بعض الكلام في المقام.

[١] هذا بناء على صحة الصلاة فرادى في محله. أما بناء على البطلان فقد يشكل لعدم المخالفة واقعا ، فيكون كما لو صلى صلاة باطلة. وفيه : أن البطلان الاتي من قبل النذر لا يمنع من صدق المخالفة للنذر ، كما هو محرر في بعض أدلة القول بالأعم في الأصول.

[٢] الظاهر أنه لا إشكال في حرمة الوسواس. وقد يستفاد من صحيح ابن سنان : « ذكرت لأبي عبد الله (ع) رجل مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت : هو رجل عاقل. فقال أبو عبد الله (ع) : وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الذي يأتيه من أي شي‌ء هو فإنه يقول لك : من عمل الشيطان » (١). وقد تقدم بعض الكلام فيه في كتاب الطهارة.

[٣] لانحصار امتثال الأمر بالصلاة في الوقت في الصلاة جماعة. لكن لو خالف صح قضاء ، لوقوع كل جزء في غير وقته. إلا إذا لم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

١٦٨

وكذا إذا كان بطيئا في القراءة في ضيق الوقت ، بل لا يبعد وجوبها بأمر أحد الوالدين [١].

______________________________________________________

يستفد من دليل القضاء إلا مشروعيته بعد خروج تمام الوقت. لكنه غير ظاهر ، إلا من جهة عدم صدق الفوت في الفرض ، لإمكان الأداء. ومنه يعلم الحكم فيما بعده.

[١] بناء على وجوب اطاعتهما مطلقاً ، كما يستفاد من جملة من النصوص. ففي رواية محمد بن مروان عن الصادق (ع) ـ في الوالدين ـ « وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان » (١) أو لأن ترك إطاعتهما عقوقا معدود في الكبائر في النصوص الكثيرة المتضمنة لتعداد الكبائر. وقد عقد لها في الوسائل باباً في كتاب الجهاد (٢). أو لأنها إحسان إليهما فيجب بظاهر قوله تعالى ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ... ) (٣).

لكن في الجواهر استقرب صحة صوم الولد مع نهي الوالد عنه ، لعدم ما يدل على وجوب اطاعتهما في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك من حيث الشفقة. وكأنه لعدم إمكان الالتزام بوجوب الإطاعة مطلقا ، فيتعين حملها على الاستحباب كما قد يومئ إليه ذيل رواية محمد بن مروان. ومنع كون تركها عقوقا مطلقا ، فان الظاهر أنه ضد البر ـ كما في القاموس ـ بل قد يظهر من صحيح عمر بن يزيد قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن إمام لا بأس به في جميع أموره غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩٢ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب جهاد النفس.

(٣) الاسراء : ٢٣.

١٦٩

( مسألة ٢ ) : لا تشرع الجماعة في شي‌ء من النوافل [١]

______________________________________________________

خلفه؟ قال (ع) : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا » (١) أن العقوق مرتبة عالية من الإساءة. بل ظاهره أن الاستمرار على إغاظتهما لا تنافي العدالة فلا تكون محرمة. وأما الآية فمفسرة ـ في صحيح أبي ولاد أو حسنه ـ بأن يحسن صحبتهما ، وان لا يكلفهما أن يسألاه شيئا مما يحتاجان اليه وان كانا مستغنين‌ (٢). ولا يمكن الالتزام بظاهره ، كما لعله ظاهر. وكأن ما التزم به في الجواهر ـ من وجوب اطاعتهما في خصوص الأمر الصادر عن الشفقة بحيث يكون تركها إيذاء لهما ـ معقد إجماع ، والا فلم أجد ما يدل عليه من النصوص (٣) بالخصوص عاجلا. وللنظر في المسألة محل آخر إن شاء الله.

[١] إجماعا محكيا عن المنتهى والذكرى وفي كنز العرفان. ويدل عليه الخبر المعتبر ـ المحكي عن العيون ـ عن الفضل عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون : « لا يجوز أن يصلي تطوع في جماعة ، لأن ذلك بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » (٤). ونحوه خبر الأعمش (٥). وما ورد في المنع عن الجماعة في نافلة شهر رمضان (٦) ، مما لا يبعد استفادة عموم الحكم منه. وما في خبر محمد بن سليمان المروي في باب استحباب زيادة ألف ركعة في شهر رمضان من الوسائل عن الرضا (ع) ـ وعن جماعة عن الصادق والكاظم (ع) ـ من قول النبي (ص) : « واعلموا أنه لا جماعة في نافلة » (٧).

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩٢ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١.

(٣) مرت الإشارة إلى مواضع أكثرها في المسألة : ٥ من فصل صلاة الاستيجار.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان.

(٧) الوسائل باب : ٧ من أبواب نافلة شهر رمضان حديث : ٦.

١٧٠

الأصلية وان وجبت بالعارض ، بنذر أو نحوه [١] ، حتى صلاة الغدير على الأقوى [٢] ،

______________________________________________________

وعن المدارك والذخيرة : الميل الى الجواز. لصحيح هشام : عن المرأة تؤم النساء؟ قال (ع) : تؤمهن في النافلة ، فأما المكتوبة فلا » (١) ونحوه صحيحا الحلبي وسليمان بن خالد (٢). ولصحيح عبد الرحمن : « صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة ، فإني أفعله » (٣). والأول لا إطلاق لها ـ والصحيح الأخير مخالف لصريح الصحاح الدالة على كون الاجتماع في نافلة شهر رمضان بدعة ، التي يجب تقديمهما عليه. مع قرب دعوى : إرادة الصلاة في بيته لا في المسجد.

[١] لما تقدم. مضافا الى أن وجوب الوفاء بالنذر لا يصلح لتبدل حكم المنذور. فاذا كانت النافلة غير مشروعة جماعة ولا راجحة ، امتنع شمول إطلاق المنذور لها ، فلا يكون الإتيان بها جماعة وفاء للنذر.

[٢] كما هو ظاهر المشهور. للإطلاق المتقدم. وعن جماعة كثيرة : المشروعية فيها ، لمرسل أبي الصلاح. أو لأن عمل الشيعة على ذلك ـ كما عن إيضاح النافع. لكن الإطلاق لا قصور فيه. والعمل غير ثابت. والمرسل لا يصح الاعتماد عليه في مثل المقام. وأما قاعدة : ( التسامح في أدلة السنن ) فغير ثابتة. بل الظاهر من أخبارها أن ترتب الثواب على مجرد الانقياد ، فلا طريق لإثبات المشروعية. ولو سلم ثبوتها فإنما تجري حيث لا دليل على نفي المشروعية ، أو على الحرمة الذاتية ، وحينئذ فإطلاق المنع ـ المتقدم ـ وارد عليها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩ ، ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٣.

١٧١

______________________________________________________

ولو أغمض النظر عن ذلك فإطلاق أدلة الأحكام الأولية لصلاة ـ مثل « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » ـ يدل أيضا على عدم المشروعية ، لوجوب الرجوع الى العام عند الشك في المخصص للشبهة المفهومية ـ ومنه المقام. ولو سلم جريانها وعدم ورود دليل المنع عليها ، فإنما تجدي لو كانت أحكام الجماعة ـ من سقوط القراءة وغيره ـ أحكاما لاستحباب الجماعة مطلقا. أما لو كانت من أحكام استحبابها الذاتي ، فثبوت الأحكام المذكورة يتوقف على كون مفاد القاعدة حجية الخبر الضعيف ، إذ حينئذ يكون مرسل أبي الصلاح حجة على استحبابها الذاتي ، فتترتب عليه الاحكام أما لو كان مفادها هو الاستحباب العارضي ـ لعنوان البلوغ الذي هو عنوان ثانوي لم تجد في ترتب الاحكام.

كما أنه لو كانت الأحكام المذكورة أحكاما لذات الجماعة في عرض الاستحباب ، بنحو تكون ملازمة له. فان كان مفاد القاعدة حجية الخبر الضعيف ، فحيث أنها تدل على حجيته في خصوص الاستحباب ، دون سائر مداليله المطابقية والالتزامية ، كان إطلاق أدلة الأحكام الأولية ـ مثل : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » ـ معارضا للخبر الضعيف في ثبوت الاستحباب ، لأن ذلك الإطلاق يدل بالالتزام على نفي الاستحباب. وهو حجة فيه. ولا يكون المرسل معارضا للإطلاق في ثبوت مؤداه ـ من وجوب القراءة ـ لعدم حجية المرسل في ذلك وان كان مدلولا التزاميا ، لعدم دلالة القاعدة على حجيته في المدلول الالتزامي ، وإنما تدل على حجيته في خصوص الاستحباب. فتختص المعارضة بينهما في ثبوت الاستحباب لا غير ، وبعد التساقط يرجع الى أصالة عدم المشروعية في الجماعة ، ويحكم بوجوب القراءة وغيرها من الأحكام الأولية ، للإطلاق من دون معارض.

نعم لو كان مفادها نفس الاستحباب العارضي كانت معارضة للإطلاق‌

١٧٢

إلا في صلاة الاستسقاء [١]. نعم لا بأس بها فيما صار نفلا بالعارض ، كصلاة العيدين [٢] مع عدم اجتماع شرائط الوجوب والصلاة المعادة جماعة [٣] ، والفريضة المتبرع [٤] بها عن الغير ، والمأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي.

______________________________________________________

المذكور ، لدلالة أحدهما على أحد المتلازمين والآخر على نفيه ، فيتحقق بينهما التكاذب الذي هو قوام التعارض. وحيث أن بينهما عموما من وجه فالمرجع الأصل في كل واحد من الاحكام ، كأصالة البراءة من وجوب القراءة ، ومن مانعية الزيادة الركنية ، بل مطلق الزيادة العمدية.

لكن يشكل الرجوع الى الأصل كلية ، من جهة العلم الإجمالي بوجوب المتابعة ـ بناء على وجوبها النفسي ـ أو القراءة مثلا. بل قد يدور الأمر بين الوجوب والحرمة في خصوص بعض الموارد ـ كما في الصلاة الجهرية ـ بناء على حرمة القراءة ذاتا ، ولو شك بين الثلاث والأربع ـ وقد حفظ الإمام أنها ثلاث ـ فإنه يدور أمره بين التسليم والإتيان بركعة منفصلة ، وبين ترك التسليم والإتيان بركعة متصلة الى غير ذلك.

[١] إجماعا ونصوصا.

[٢] كما يأتي إن شاء الله تعالى.

[٣] فإنها لا تشرع إلا جماعة ، نظير صلاة الاستسقاء. ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ دليل ذلك.

[٤] فان موضوع النفل هو حيثية التبرع لا نفس الصلاة ، لما تقدم في مبحث القضاء من أن المتبرع يقصد امتثال الأمر الوجوبي المتوجه الى الميت ولذا يشكل استثناؤها من عدم مشروعية الجماعة في النافلة. ولا مجال للتوقف في مشروعيتها جماعة لأجل أنها نافلة. نعم لو كان التوقف في ذلك لأجل التوقف في إطلاق دليل مشروعية الجماعة كان له وجه.

١٧٣

( مسألة ٣ ) : يجوز الاقتداء في كل من الصلوات اليومية بمن يصلي الأخرى أيا منها كانت [١] ،

______________________________________________________

لكن الأوجه خلافه ، إذ لا وجه له ظاهر. ولا سيما أن دليل التبرع ـ كدليل القضاء ـ إنما يقتضي استحباب الإتيان بما على الميت بما له من الاحكام التي منها صحة الإتيان به جماعة. ومثلها المأتي بها احتياطا استحبابيا ، فان الباعث هو الأمر الوجوبي المحتمل تعلقه بها بما لها من الكيفية ولو جماعة. وحينئذ يصح أن يقتدي فيها بمن يصلي الفرض ، وبمن يعيد احتياطا استحبابا مع الاتفاق في الجهة ، بل ومع الاختلاف إذا كان برجاء مطابقة احتياط الامام للواقع لا مطلقا ، لاحتمال مخالفته للواقع ، فلا تكون صلاة صحيحة. أو تكون نافلة لو كان قد قصد الإمام القربة المطلقة.

[١] بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عن المنتهى والتذكرة والمعتبر : « لو صلى الظهر مع من يصلي العصر صح. ذهب إليه علماؤنا ». وعن الأول زيادة : ( أجمع ). ويدل عليه خبر عبد الرحمن البصري عن الصادق عليه‌السلام ـ في من نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى قال (ع) : « وان ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثمَّ صلى المغرب ثمَّ صلى العتمة بعدها » (١). وصحيح حماد عن الصادق (ع) : « عن رجل إمام قوم فصلى العصر وهي لهم الظهر ، فقال (ع) : أجزأت عنه وأجزأت عنهم » (٢). وصحيح ابن مسلم في المسافر : « قال (ع) : وان صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر » (٣) الى غير ذلك .. وعن الصدوق (ره) : « لا بأس أن يصلي الرجل الظهر خلف من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

١٧٤

______________________________________________________

وان اختلفا في الجهر والإخفات ، والأداء والقضاء [١] ، والقصر والتمام [٢].

يصلي العصر. ولا يصلي العصر خلف من يصلي الظهر ، إلا أن يتوهمها العصر ». ويستدل له بصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال (ع) : لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها » (١). وهي ـ كما ترى ـ على خلاف مدعاه ، للأمر فيها بالإعادة في صورة توهم العصر. وقد أفتى هو فيها بالصحة. ولعل الأمر بالإعادة لأجل محاذاة الإمام. أو لتقدمها على الرجال ، مع موافقة الصحيح لأشهر مذاهب العامة ، كما في الوسائل.

[١] ويدل عليه خبر عبد الرحمن المتقدم ، وإطلاق رواية إسحاق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : « تقام الصلاة وقد صليت ، فقال (ع) : صل واجعلها لما فات » (٢).

[٢] مطلقا على المشهور. وعن علي ابن بابويه : المنع من اقتداء كل من الحاضر والمسافر بالآخر ويشهد له صحيح الفضل عن الصادق (ع) : « لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأم قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلم » (٣). ولكنه غير ظاهر في المنع ، فضلا عن صلاحية معارضته للنصوص الصحيحة الظاهرة في الجواز كصحيح ابن مسلم المتقدم ، وصحيح حماد : « عن المسافر يصلي خلف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

١٧٥

بل والوجوب والندب ، فيجوز اقتداء مصلي الصبح أو المغرب [١] أو العشاء بمصلي الظهر أو العصر ، وكذا العكس ويجوز اقتداء المؤدي بالقاضي والعكس ، والمسافر بالحاضر والعكس ، والمعيد صلاته بمن لم يصل والعكس ، والذي يعيد صلاته احتياطاً ـ استحبابياً أو وجوبيا ـ بمن يصلي وجوبا. نعم يشكل اقتداء [٢] من يصلي وجوبا بمن يعيد احتياطا ولو كان وجوبياً. بل يشكل اقتداء [٣] المحتاط بالمحتاط ، إلا إذا كان احتياطهما من جهة واحدة.

( مسألة ٤ ) : يجوز الاقتداء في اليومية أيام منها كانت أداء أو قضاء بصلاة الطواف [٤] كما يجوز العكس.

______________________________________________________

المقيم. قال (ع) : يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء » (١). ونحوهما غيرهما. وان كان مورد الجميع ائتمام المسافر بالحاضر.

[١] العمدة ـ في عموم الحكم هنا وفيما بعده ـ : التسالم عليه عند الأصحاب وإلغاء خصوصية الموارد المنصوص عليها في النصوص المشار إليها.

[٢] لعدم إحراز كون الامام مصليا.

[٣] إلا أن يكون الاحتياط استحبابيا ، وكان الاقتداء برجاء المطابقة للواقع ، كما تقدم.

[٤] لا دليل عليه ظاهر إذ الإطلاق في الأدلة ممنوع. وقاعدة التسامح قد عرفت حالها. نعم لا تبعد دعوى : استفادته من إطلاق معقد الإجماع على عدم اعتبار تساوي الفرضين ، مع عدم تنصيصهم على المنع في المقام. بل مع تنصيص بعض على الجواز ، من دون تعرض لخلاف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

١٧٦

( مسألة ٥ ) : لا يجوز الاقتداء في اليومية بصلاة الاحتياط في الشكوك. والأحوط ترك العكس ـ أيضا ـ وإن كان لا يبعد الجواز [١]. بل الأحوط ترك الاقتداء فيها ولو بمثلها من صلاة الاحتياط حتى إذا كان جهة الاحتياط متحدة ، وان كان لا يبعد الجواز في خصوص صورة الاتحاد كما إذا كان الشك الموجب للاحتياط مشتركا بين الامام والمأموم.

( مسألة ٦ ) : لا يجوز اقتداء [٢] مصلي اليومية أو الطواف بمصلي الآيات أو العيدين أو صلاة الأموات. وكذا لا يجوز العكس ، كما أنه لا يجوز اقتداء كل من الثلاثة بالآخر.

( مسألة ٧ ) : الأحوط عدم اقتداء [٣] مصلي العيدين‌

______________________________________________________

فيه. ولا بد من التأمل في كلماتهم. وكذا الحال في المنذورة ـ بناء على مشروعية الجماعة فيها ـ إذ لا يظن من أحد تخصيص مشروعية الائتمام بمصلي المنذورة لا غير.

[١] لأن عدم مشروعية الجماعة في النافلة إنما يقتضي بطلانها على تقدير كونها نافلة ، لا على تقدير كونها فريضة. ودعوى : أن الاجتزاء بها موقوف على الإتيان بها صحيحة على كل من التقديرين. غير ظاهرة. نعم ليس للإمام ترتيب أحكام الجماعة ، للشك في انعقادها. ومنه يظهر عدم جواز الاقتداء فيها بمثلها ، فلا يجوز لكل من الامام والمأموم ترتيب أحكام الجماعة في غير الاحتياط المشترك.

[٢] هو من بديهيات المذهب أو الدين ـ كما قيل ـ لعدم الدليل عليه ، بناء على ما عرفت من عدم إطلاق يرجع إليه في نفي الشك في اعتبار شرطية شي‌ء في الجماعة.

[٣] ينبغي أن يكون الحكم هنا هو الحكم في صلاة الطواف. لكن‌

١٧٧

بمصلي الاستسقاء وكذا العكس وان اتفقا في النظم.

( مسألة ٨ ) : أقل عدد تنعقد به الجماعة ـ في غير الجمعة والعيدين ـ اثنان ، أحدهما الإمام [١] ، سواء كان المأموم رجلا أو امرأة [٢] ، بل وصبياً مميزاً [٣]

______________________________________________________

الظاهر من الفتاوى ونصوص صلاتي العيدين والاستسقاء هو مشروعية الجماعة فيها مع الاتفاق بين الامام والمأمومين فيها.

[١] إجماعا حكاه جماعة كثيرة : والنصوص به مستفيضة ، كحسن زرارة أو صحيحه : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجلان يكونان جماعة؟ قال (ع) : نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الامام » (١) ونحوه غيره. وما عن الصدوق (ره) : من أن الواحد جماعة. محمول. كبعض النصوص (٢) على إرادة الفضل لو كان قد أراد الجماعة فلم تتيسر له : أو إذا أقام للصلاة فإنه يصلي خلفه صف من الملائكة.

[٢] بلا إشكال ظاهر. وفي رواية الصيقل : « كم أقل ما تكون الجماعة؟ قال (ع) : رجل وامرأة » (٣).

[٣] كما عن جماعة كثيرة من الأساطين. ويشهد له خبر أبي البختري : « إن عليا (ع) قال : الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصف جماعة » (٤) ومقتضاه عدم الفرق بين القول بكون عباداته شرعية أو تمرينية لكنه ضعيف ولم تثبت شهرة جابرة له ، وان كان لا يبعد اعتبار الحديث بلا حاجة الى جابر. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨.

١٧٨

على الأقوى. وأما في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلا بخمسة [١] أحدهم الإمام.

( مسألة ٩ ) : لا يشترط في انعقاد الجماعة ـ في غير الجمعة والعيدين ـ نية الإمام الجماعة والإمامة [٢] ، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحققت الجماعة ، سواء كان الامام ملتفتاً لاقتداء الغير به أم لا. نعم حصول الثواب في حقه موقوف على نية الإمامة [٣]. وأما المأموم فلا بد له من نية الائتمام [٤] فلو لم ينوه لم تتحقق الجماعة في حقه وان تابعه في‌

______________________________________________________

[١] أو سبعة. والكلام فيه في محله.

[٢] بلا خلاف. بل الإجماع عليه محكي ـ صريحا وظاهراً ـ عن جماعة. بل عن التذكرة : « لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا ». وهذا هو العمدة فيه ، إذ لا إطلاق يقتضي الصحة وكون الإمامة من قبيل الإيقاع الذي يكون وظيفة للمأموم ـ فإنه الذي يجعل الإمام إماماً ، لا أن الامام هو الذي يجعل نفسه إماما ـ لا يمنع من احتمال اعتبار قصده للإمامة المجعولة له ، كما في الجماعة الواجبة.

[٣] فإن ظاهر أخبار الثواب كونه مستحقاً بالإطاعة ، المتوقفة على القصد والاختيار ، لا مطلقا ، فلا يثبت بدونهما. ومنه يظهر : أنه لا يكفي في ترتب الثواب مجرد الالتفات إلى إمامته ، بل لا بد من قصد التسبيب ، بأن يهي‌ء نفسه للإمامة.

[٤] إجماعا مستفيض النقل. وهو الذي يقتضيه : أصالة عدم انعقاد الجماعة بدون نية ، إذ لا إطلاق يرجع إليه في نفي اعتبارها. بل اعتبار الإمامية والمأمومية في انعقاد الجماعة من القطعيات التي تستفاد من النصوص ، كما‌

١٧٩

الأقوال والافعال. وحينئذ فان أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحت صلاته [١] وإلا فلا. وكذا يجب وحدة الامام [٢] ، فلو نوى الاقتداء باثنين ولو كانا متقارنين [٣] في الأقوال والافعال لم تصح جماعة ، وتصح فرادى إن أتى بما يجب على المنفرد ، ولم يقصد التشريع [٤].

______________________________________________________

يظهر بأدنى ملاحظة لها. وفي النبوي المشهور : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به .. ». ومنه ومن غيره يظهر : أن المراد من نية الائتمام ، جعل المأموم الإمامة للإمام ، ونية متابعته بعنوان كونه إماماً ، لا مجرد نية المتابعة له في الأفعال مثلا.

[١] ولعله لا خلاف فيه ، إذ لا دليل على كون مجرد المقارنة بين فعله وفعل الامام قادحا في صحة صلاته. والأصل البراءة. وما في القواعد : « من أنه لو تابع من غير نية بطلت صلاته » لا بد أن يكون محمولا على ما لو أدت المتابعة إلى ترك ما يجب على المنفرد زيادة أو نقيصة. أو على إرادة أن يعمل عمل المأموم ، كترك القراءة ، وإلا كان غير ظاهر.

[٢] وكأنه إجماع ، كما عن مجمع البرهان. ويقتضيه الأصل المتقدم.

[٣] كما نص عليه جماعة.

[٤] وإلا بطلت ، سواء أكان التشريع راجعا الى التشريع في أمر الصلاة ـ بأن لا يقصد امتثال أمرها ، بل يقصد امتثال أمر آخر يشرعه هو ، وهو الأمر المتعلق بالصلاة التي يشرع فيها الائتمام باثنين ـ فان بطلان الصلاة حينئذ ظاهر ، إذ الأمر الواقعي لم يقصد امتثاله ، وما قصد امتثاله ليس بواقعي بل تشريعي. أم كان التشريع في أمر الائتمام باثنين ، فيكون الائتمام بهما صادرا عن ذلك الأمر التشريعي ، ونفس الصلاة صادرة عن أمرها الحقيقي‌

١٨٠