مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

______________________________________________________

فقوله (ع) : « من كان .. » يكون المراد منه نفس الصف ، كما تقدم تفسيره بذلك من المدارك. وكذلك التعبير بالخلف في الفقرة اللاحقة ـ أعني : قوله (ع) : « لمن صلى خلفها .. » ـ فان الظاهر منه غير جهة الباب ، فالمستثنى منه في الفقرة المذكورة الصف الذي يكون خلف المقصورة ، لا ما يكون في جهة بابها.

هذا مضافا الى صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأساً » (١).

فإن الظاهر أن المراد منه نفي البأس بالاساطين بين الصفوف ، وأن الوجه في جواز ذلك ـ مع أن الأساطين حائلة بين المأمومين ـ هو اتصال بعضهم ببعض من الجهات الأخرى. وبعد ملاحظة هذه القرائن الداخلية والخارجية لا ينبغي التأمل في كفاية الاتصال بالإمام ولو بواسطة ، وعدم قدح الحائل من جهة إذا كان الاتصال من الجهة الأخرى.

وأما كلمات الأصحاب فظاهر بعضها وان كان ما ذكر ، إلا أن عدم تعرضهم للخلاف في هذه الجهة ، واتفاقهم على صحة صلاة جميع أهل الصفوف المتأخرة عن الصف الأول ـ مع أن الحكم ببطلان طرفي الصف الأول لعدم الاكتفاء بالمشاهدة من أحد الجانبين ، يوجب الحكم ببطلان طرفي الصف الثاني لحيلولة طرفي الصف الأول بينهم وبين الوسط الذي هو بحيال الامام ، فلا تتيسر لهم المشاهدة إلا من أحد الجانبين ، وهكذا الحال في طرفي الصف الثالث وما بعده من الصفوف ـ كل ذلك قرينة على إرادة بطلان صلاة الصف المنعقد عن يمين المحراب ويساره. ولذا حكي عن جماعة تصوير فرض صلاة الإمام في محراب داخل بما ذكر في المتن في صدر المسألة والحكم بأن ذلك ألصق بالمقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٢٤١

وإن كان الأحوط العدم. وكذا الحال إذا زادت الصفوف الى باب المسجد فاقتدى من في خارج المسجد مقابلا للباب ووقف الصف من جانبيه ، فإن الأقوى صحة صلاة الجميع وإن كان الأحوط العدم بالنسبة إلى الجانبين.

( مسألة ٩ ) : لا يصح اقتداء [١] من بين الأسطوانات مع وجود الحائل بينه وبين من تقدمه ، إلا إذا كان متصلا بمن لم تحل الأسطوانة بينهم. كما أنه يصح إذا لم يتصل بمن لا حائل له ، لكن لم يكن بينه وبين من تقدمه حائل مانع.

______________________________________________________

وبما ذكرنا يندفع ما يقال : من أن غاية ما يمكن هو التشكيك في دلالة الصحيح على المنع في محل الكلام ، لكن الأصل كاف في المنع عنه. والإجماع على خلافه غير ثابت. وصحيح الحلبي مما لا مانع من التفكيك بين مورده وبين محل الكلام ـ أعني : ما لو كان الحائل موجبا لتعدد المكان ، كالمسجد وخارجه ـ ولكن الإنصاف يقتضي البناء على حمل الصحيح على مجرد قدح الحائل المؤدي إلى انفصال المأمومين عن الإمام ، أو بعضهم عن بعض ، بقرينة ما ذكرناه. واحتمال مانع آخر ـ غير الحيلولة على النحو المذكور ـ منفي بالإجماع ، فلا مجال للأصل. ولا بد من التأمل.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في صحة الصفوف المتأخرة المنعقدة في أروقة المشاهد المشرفة ، التي تستطيل بحيث تواجه جدار الروضة المقدسة إذ ليس ذلك مما يراد من النص قطعا. مع الإجماع على عدم اعتبار أمر زائد على ما تضمنه ، ولو بملاحظة الإجماع على صحة الجماعة المستديرة على الكعبة الشريفة ، كما ستأتي إن شاء الله.

[١] الكلام في هذه المسألة يعرف مما سبق.

٢٤٢

( مسألة ١٠ ) : لو تجدد الحائل في الأثناء فالأقوى بطلان الجماعة ، ويصير منفردا [١].

( مسألة ١١ ) : لو دخل في الصلاة مع وجود الحائل جاهلا به لعمى أو نحوه ـ لم تصح جماعة [٢]. فان التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد [٣] أتم منفرداً ، والا بطلت.

( مسألة ١٢ ) : لا بأس بالحائل غير المستقر [٤] ، كمرور شخص من إنسان أو حيوان أو غير ذلك. نعم إذا اتصلت المارة لا يجوز وإن كانوا غير مستقرين ، لاستقرار المنع حينئذ.

______________________________________________________

[١] لإطلاق النص. ودعوى انصرافه الى الدخول مع الحائل ممنوعة وإن صدرت من شيخنا الأعظم (ره).

[٢] لفقد الشرط الواقعي بظاهر الدليل.

[٣] المراد ما ينافي صلاة المنفرد مطلقا ولو كان سهواً ، لعموم دليل منافاته. أما لو فعل ما لا ينافيها إلا عمداً ـ كترك القراءة ونحوه ـ صحت صلاته ، لعموم حديث : « لا تعاد .. » (١) ولا ينافي ذلك قوله (ع) ـ في الصحيح ـ : « فليس تلك لهم بصلاة » (٢) ونحوه ـ مما دل على بطلان الصلاة بفوات شرط الجماعة ـ لحكومة الحديث عليه أيضا ، على نحو حكومته على أدلة الشرطية والمانعية ، فيجب حمله على صورة فوات ما يقدح في الصحة فواته ولو سهوا. أو على بطلان الصلاة بعنوان كونها جماعة‌

[٤] كما نص عليه بعض. لانصراف النص عنه ، وللسيرة المستمرة عليه. فتأمل.

__________________

(١) مر الحديث المذكور في المسألة : ١٢ من فصل صلاة الجماعة.

(٢) مر ذكره في الكلام على الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

٢٤٣

( مسألة ١٣ ) : لو شك في حدوث الحائل في الأثناء بنى على عدمه [١]. وكذا لو شك قبل الدخول في الصلاة في حدوثه بعد سبق عدمه. وأما لو شك في وجوده وعدمه ـ مع عدم سبق العدم ـ فالظاهر عدم جواز الدخول [٢] ، الا مع الاطمئنان [٣] بعدمه.

( مسألة ١٤ ) : إذا كان الحائل مما لا يمنع عن المشاهدة حال القيام ، ولكن يمنع عنها حال الركوع أو حال الجلوس والمفروض زواله حال الركوع أو الجلوس ، هل يجوز معه الدخول في الصلاة؟ فيه وجهان. والأحوط كونه مانعاً من الأول. وكذا العكس ، لصدق وجود الحائل [٤] بينه وبين الإمام.

( مسألة ١٥ ) : إذا تمت صلاة الصف المتقدم وكانوا جالسين في مكانهم أشكل بالنسبة إلى الصف المتأخر ، لكونهم حينئذ حائلين [٥] غير مصلين. نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة أخرى لا يبعد بقاء [٦]

______________________________________________________

[١] للأصل.

[٢] للشك في المانع غير المحرز عدمه بالأصل. وأصالة عدم المانع لا دليل عليها ـ كلية ـ ما لم ترجع الى الاستصحاب. نعم ثبت بناء المسلمين ـ أو العقلاء ـ عليها في بعض الموارد ، غير ما نحن فيه.

[٣] بناء على حجيته ، كما هو الظاهر. وإلا أشكل البناء عليه.

[٤] والاكتفاء بمجرد المشاهدة لا دليل عليه.

[٥] وانصراف الحائل عن مثلهم ممنوع.

[٦] إذ يكون حينئذ من قبيل الحائل غير المستقر. لا أقل من الشك‌

٢٤٤

قدوة المتأخرين.

( مسألة ١٦ ) : الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز [١] معه الاقتداء.

( مسألة ١٧ ) : إذا كان أهل الصفوف اللاحقة ـ غير الصف الأول ـ متفرقين ، بأن كان بين بعضهم مع البعض فصل أزيد من الخطوة التي تملأ الفرج. فان لم يكن قدامهم من ليس بينهم وبينه البعد المانع ، ولم يكن إلى جانبهم ـ أيضاً متصلا بهم ـ من ليس بينه وبين من تقدمه البعد المانع لم يصح اقتداؤهم ، وإلا صح [٢]. وأما الصف الأول فلا بد فيه من عدم الفصل بين أهله ، فمعه لا يصح اقتداء ـ [٣] من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الامام بالبعد المانع.

( مسألة ١٨ ) : لو تجدد البعد في أثناء الصلاة بطلت الجماعة وصار منفرداً [٤]. وإن لم يلتفت وبقي على نية الاقتداء‌

______________________________________________________

في شمول إطلاق الحائل ، فيرجع الى استصحاب بقاء الإمامة. ولأجله يرتفع الإشكال ـ أيضا ـ من جهة لزوم البعد المانع لو اتفق ، لعدم ثبوت مانعية مثله أيضاً ، فإن الاستصحاب رافع للشك من هذه الجهة.

[١] للإطلاق. والاكتفاء بالمشاهدة غير ظاهر من النص ، كما تقدم‌

[٢] للاكتفاء بالقرب من إحدى الجهات ولو بتوسط المأمومين ، إجماعا ظاهراً ، كما تقدم.

[٣] لأن البعد بين أبعاض الصف الأول مانع من الاقتداء ـ كالبعد بين الصفوف ـ إجماعا ، وإن لم يف به النص.

[٤] لإطلاق دليل الشرطية ، الموجب لعدم الفرق بين الحدوث‌

٢٤٥

فان أتى بما ينافي صلاة المنفرد ـ من زيادة ركوع ـ مثلا ـ للمتابعة أو نحو ذلك ـ بطلت صلاته. وإلا صحت [١].

( مسألة ١٩ ) : إذا انتهت صلاة الصف المتقدم ـ من جهة كونهم مقصرين ، أو عدلوا الى الانفراد ـ فالأقوى بطلان اقتداء المتأخر ، للبعد [٢]. إلا إذا عاد [٣] المتقدم إلى الجماعة بلا فصل. كما أن الأمر كذلك من جهة الحيلولة أيضاً ، على ما مر.

( مسألة ٢٠ ) : الفصل ـ لعدم [٤] دخول الصف المتقدم في الصلاة ـ لا يضر بعد كونهم متهيئين للجماعة ، فيجوز لأهل الصف المتأخر الإحرام قبل إحرام المتقدم ، وإن كان الأحوط خلافه. كما أن الأمر كذلك من حيث الحيلولة على ما سبق.

( مسألة ٢١ ) : إذا علم بطلان صلاة الصف المتقدم تبطل جماعة المتأخر من جهة الفصل أو الحيلولة ، وإن كانوا غير ملتفتين للبطلان. نعم مع الجهل بحالهم تحمل على الصحة ،

______________________________________________________

والبقاء ، كما سبق نظيره في المسألة العاشرة.

[١] كما عرفت الكلام في نظيره.

[٢] هذا مع انصرافهم عن مواضعهم. وإلا فالبطلان ـ للحائل أيضاً ـ كما تقدم.

[٣] قد عرفت الكلام في نظيره.

[٤] تقدم الكلام في مثله في المسألة السادسة.

٢٤٦

ولا يضر. كما لا يضر فصلهم إذا كانت صلاتهم صحيحة [١] بحسب تقليدهم ، وان كانت باطلة بحسب تقليد الصف المتأخر.

( مسألة ٢٢ ) : لا يضر الفصل بالصبي المميز [٢] ما لم يعلم بطلان صلاته.

( مسألة ٢٣ ) : إذا شك في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه [٣] ، وإن شك في تحققه من الأول وجب إحراز عدمه [٤]. إلا أن يكون مسبوقا بالقرب ، كما إذا كان‌

______________________________________________________

[١] قد يشكل ذلك بناء على عدم الاجزاء ـ لتحقق البعد والحائل ومجرد الصحة في نظر المصلي الموجب لمحض المعذورية العقلية لا يرفع القادحية بل وكذا لو قيل بالاجزاء ، للشك الموجب للرجوع إلى أصالة عدم المشروعية. لكن الظاهر : المفروغية عن صحة الاقتداء ـ حينئذ ـ إذا كان الأجزاء للصحة الواقعية ولو في حال الجهل ، كما سيأتي ذلك فيما لو اختلف الامام والمأموم اجتهادا أو تقليدا ، إذ المسألتان من باب واحد.

اللهم إلا أن يقال : دليل مانعية البعد والحائل منصرف عن مثل ذلك. واحتمال اشتراط اتفاق المأمومين في صحة الصلاة واقعا وإن كان يوجب الرجوع إلى الأصل المتقدم ، إلا أنه مندفع بالإجماع على خلافه. لكنه لا يخلو من تأمل ظاهر.

[٢] الكلام فيه كالكلام فيما قبله. ولا ينبغي الإشكال في جواز الفصل به ـ على تقدير مشروعية عباداته ، بل مطلقا ـ لو أمكن الاعتماد على خبر أبي البختري المتقدم في المسألة الثامنة من أول المبحث. فتأمل.

[٣] لاستصحاب عدمه ، الجاري في عامة الموانع المسبوقة بالعدم.

[٤] يعني : بعلم أو علمي. أما الأصل فلا مجال له مع الجهل بالحال‌

٢٤٧

قريبا من الامام الذي يريد أن يأتم به ، فشك في أنه تقدم عن مكانه أم لا.

( مسألة ٢٤ ) : إذا تقدم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة سهوا أو جهلا أو اضطرارا ـ صار منفرداً [١] ، ولا يجوز له تجديد الاقتداء [٢]. نعم لو عاد بلا فصل لا يبعد بقاء قدوته [٣].

( مسألة ٢٥ ) : يجوز ـ على الأقوى ـ الجماعة بالاستدارة حول الكعبة [٤].

______________________________________________________

السابقة. وأصالة عدم المانع ـ كلية. قد عرفت أنها غير ثابتة. أما مع كونه مسبوقا بالبعد فالمرجع استصحابه المانع من صحة الائتمام.

[١] لإطلاق دليل مانعية البعد.

[٢] لما سبق.

[٣] تقدم الكلام في نظيره.

[٤] كما عن الإسكافي والشهيدين والمحقق الثاني وشيخه ابن هلال وغيرهم. وعن الذكرى : الإجماع عليه عملا في الأعصار السابقة. وهو العمدة ، إذ لولاه لكان الشك في المشروعية كذلك كافيا في البطلان ، لأصالة عدمها ، فضلا عما دل على اعتبار تقدم الإمام أو عدم تأخره ، فإن ظاهره التقدم في الجهة ، وهو غير حاصل في الفرض. وحمله على إرادة التقدم بلحاظ الكعبة الشريفة ، أو الدائرة المفروض حولها ـ التي يكون مركزها وسط الكعبة ـ خلاف الظاهر. مع أنه لازمه عدم مشروعية الجماعة داخل الكعبة ، لامتناع فرض التقدم وعدمه حينئذ.

وأشكل منه : تقييد الدليل بصورة يكون استقبال الامام والمأمومين‌

٢٤٨

والأحوط عدم تقدم المأموم [١] على الامام ـ بحسب الدائرة ـ

______________________________________________________

إلى جهة واحدة ، إذ مع أنه خلاف الإطلاق ـ لازمه جواز الجماعة في داخل الكعبة على التعاكس ، بأن يكون وجه كل منهما إلى الأخر ، أوقفها كل منهما اليه ، وهو مما لا مجال للالتزام به. فالعمدة ـ إذا ـ الإجماع المذكور ، لو تمَّ. ولا يخلو من تأمل. كيف! وفي القواعد ومحكي المنتهى : المنع واستشكله في نهاية الأحكام والمدارك والذخيرة ، لعدم تقدم الإمام. أو مساواته. لكن الظاهر ثبوت السيرة عليه في عصر المعصومين (ع) ، من دون نكير منهم (ع) ـ كما أشار إليه في محكي الذكرى ـ فيكون دليلا على الصحة في قبال ما ذكر.

[١] هذا الاحتياط ـ بتمامه ـ ذكره في الجواهر. ومنشؤه : التوقف عن الجزم بقدح التقدم المذكور ، لاحتمال اختصاص قدح التقدم بصورة التوجه إلى جهة واحدة ، بل ظاهر الجواهر : الجزم به ، وكون الاحتياط المذكور استحبابيا.

أقول : ظاهر من جوز الفرض : المفروغية عن قدح التقدم فيه أيضاً وإنما الإشكال في معيار التقدم ، وأنه الكعبة الشريفة ، أو الدائرة الوهمية التي يكون مركزها وسط الكعبة. فالأول صريح محكي جامع القاصد وغيره. وظاهر مفتاح الكرامة : حكايته عن الشهيدين والمحقق الثاني وشيخه وأبي علي الإسكافي. وظاهر آخرين : الثاني. وبين الأمرين عموم من وجه لأن البيت الشريف لما كان مربعا ، فان وقف الامام مستقبلا أحد أضلاعه واستقبل المأموم إحدى زواياه جاز أن يكون الامام متقدما ـ بحسب الدائرة ـ متأخرا بحسب البنية الشريفة. وفي العكس تنعكس الحال. وإذ عرفت أن الأصل في المقام يقتضي عدم المشروعية ، ولا إجماع على الجواز مطلقا ، بل الجواز ـ كذلك ـ مظنة الإجماع فاللازم الحكم بقدح تقدم‌

٢٤٩

وأحوط منه عدم أقربيته مع ذلك الى الكعبة ، وأحوط من ذلك [١] تقدم الامام ـ بحسب الدائرة ـ وأقربيته مع ذلك الى الكعبة.

فصل في أحكام الجماعة‌

( مسألة ١ ) : الأحوط ترك المأموم القراءة [٢] في الركعتين الأوليين من الإخفاتية إذا كان فيهما مع الامام ، وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة [٣].

______________________________________________________

المأموم بلحاظ كل منهما. ولا وجه ظاهر للجزم بالجواز مطلقا ، ولا للتوقف فيه.

[١] الظاهر ابتناء جواز المساواة ـ بحسب البنية أو الدائرة وعدمه ـ على جواز مساواة المأموم للإمام في الموقف ، فمن جوزها اكتفى هنا بعدم تقدم المأموم على الامام بلحاظ أحد الأمرين ، ومن منعها منعها هنا. والله سبحانه أعلم.

فصل في أحكام الجماعة‌

[٢] خروجاً عن شبهة القول بالتحريم ، كما سيأتي.

[٣] كما عن جماعة ، بل عن المعتبر والدروس : نسبته إلى الأشهر ، جمعا بين ما دل على التحريم ـ كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى تفرغ ، وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين » (١) وصحيح ابن

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩.

٢٥٠

______________________________________________________

الحجاج ، قال (ع) فيه : « أما الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل اليه ، فلا تقرأ خلفه » (١) وغيرهما وبين ما دل على الجواز ، كخبر المرافقي والبصري : « سئل عن القراءة خلف الامام ، فقال (ع) : إذا كنت خلف الامام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته ، وان أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه .. » (٢) وصحيح علي بن يقطين : « عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام ، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال (ع) : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس » (٣) بناء على أن المراد من الصمت الإخفات ، كما هو الظاهر. وحكاه في الوسائل عن جماعة من الأصحاب.

وقد يشهد بالكراهة صحيح سليمان بن خالد : « أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال (ع) : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله الى الامام » (٤) وإن كان محل تأمل ، لأن مورده صورة الشك في قراءة الإمام ـ لعدم سماعها ، من جهة كون الصلاة إخفاتية ـ بقرينة تخصيص السؤال بالأولى والعصر. اللهم إلا أن يستفاد حكم صورة العلم بالقراءة بالأولوية. أو يدعى : أن المراد من قوله : « لا يعلم أنه يقرأ » أنه لا يسمع القراءة ، لبعد فرض الشك في القراءة. ويشير اليه قوله (ع) ـ في الجواب ـ : « يكله الى الامام » ، لأن المراد منه الاجتزاء بقراءته ، لا مجرد إيكال أمر القراءة اليه وإن لم يقرأ. وضعف رواية المرافقي منجبر بالشهرة فتأمل. وتفسير الصمت في صحيح ابن يقطين بترك القراءة ـ كما عن الوافي ـ غير ظاهر ، فان الصمت وإن كان هو السكوت ، لكن مع تعذر إرادته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨.

٢٥١

ويستحب ـ مع الترك ـ أن يشتغل بالتسبيح [١] ، والتحميد ، والصلاة على محمد وآله.

وأما في الأوليين من الجهرية ، فإن سمع صوت الامام ـ ولو همهمة ـ وجب عليه ترك القراءة [٢] ،

______________________________________________________

فأقرب المجازات اليه الإخفات. ولأجل ذلك يضعف : احتمال حملهما على الأخيرتين ، لأن الإخفات والجهر ـ حيث أطلقا ـ يراد منهما ما يكون في الأوليتين. مع أن قوله (ع) : « إن سكت فلا بأس » ينافي ذلك ، إذ السكوت إنما يشرع في الأولتين. ومنه يظهر : ضعف ما حكي عن ظاهر المقنع والغنية والتحرير والتبصرة والمسالك وجماعة من متأخري المتأخرين : من المنع عن القراءة.

[١] ففي صحيح ابن جعفر (ع) : « عن رجل صلى خلف إمام يقتدي به في الظهر والعصر يقرأ؟ قال (ع) : لا ، ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلي على نبيه (ص) (١) وفي صحيح بكر بن محمد : « إني لأكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار. قلت : جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال (ع) : يسبح » (٢) وفي خبر أبي خديجة : الأمر بالتسبيحة الكبرى ، من دون تقييد في الصلاة الإخفاتية (٣).

[٢] أما السقوط فقد حكى الإجماع عليه عن جماعة ، كالتذكرة وغاية المراد والتنقيح والروض والروضة والنجيبية وغيرها. وأما التحريم فهو المحكي عن السيدين والشيخ ـ في النهاية ـ وظاهر المبسوط ، وعن المقنع والفقيه والقاضي والحلبي وابن حمزة والعلامة ـ في جملة من كتبه ـ وكشف الرموز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

٢٥٢

______________________________________________________

والمدارك والذخيرة وغيرهم. للنهي في كثير من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وإن كنت خلف امام فلا تقرأن شيئاً في الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين ، فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ـ يعني : في الفريضة خلف الامام ـ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (١) فالأخيرتان تبع للأولتين » (٢) وصحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل يكون خلف الامام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به ، هل له أن يقرأ من خلفه؟ (ع) : لا ، ولكن ينصت للقرآن » (٣) وفي الصحيح ـ أو الحسن ـ عن قتيبة عن الصادق (ع) : « وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (٤). ونحوه ما في خبر عبيد بن زرارة (٥) ونحوها غيرها.

وعن جماعة : الكراهة ، بل عن الدروس وغاية المراد وظاهر الروضة : نسبته الى المشهور ، لتعليل النهي عن القراءة بالإنصات في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ، وصحيحه الآخر ـ أو حسنه ـ عن أحدهما (ع) : « إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك » (٦) وخبر المرافقي قال (ع) ـ بعد ما تقدم في المسألة السابقة ـ : « فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى ( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) » (٧) وصحيح ابن الحجاج ، قال (ع) فيه ـ بعد ما سبق ـ « وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فان سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » (٨).

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٤.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ١٦.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٧) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٥.

(٨) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

٢٥٣

______________________________________________________

والإنصات مندوب إجماعا إلا من ابن حمزة ، كما عن ظاهر التنقيح والنجيبية. ويشهد به عدم تعرضهم لوجوبه في واجبات الجماعة. والسيرة المستمرة على تركه ـ كما قيل ـ بل قد يشهد به ما في ذيل الآية من قوله تعالى ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ، فان تعريض النفس للرحمة ليس بواجب وإن وجب تعريضها للغفران ودفع العذاب. لكن دعوى ذلك في الأول غير ظاهرة ، إذ تطبيق آية الإنصات فيه يمكن أن يكون بلحاظ الأمر به ، لا بلحاظ النهي عن القراءة. ودعواه في الثاني أشكل ، لعدم تضمنه النهي عن القراءة ، فضلا عن تعليله بالإنصات. نعم يفهم من الأمر بالإنصات فيه والتسبيح المفروغية عن سقوط القراءة. وهو أجنبي عن المدعى. ومنه يظهر : ما في الاستشهاد بحديث المرافقي. والتعليل في الرابع إنما كان لأمر الإمام بالجهر ـ الذي هو واجب عليه جزما ـ لا للنهي عن القراءة. وحينئذ لو فرض كون المراد من الإنصات ترك القراءة كان دالا على حرمتها ، لأن علة الواجب واجبة. ولو أريد منه الإصغاء كانت الرواية دالة على المفروغية عن ترك القراءة ، من دون تعرض لحرمتها أو كراهتها.

وبالجملة : رفع اليد عن ظاهر النهي بمجرد ذلك غير ظاهر. ولا سيما وبعض نصوصه آب عن الحمل على الكراهة ، كالصحيح المتضمن : « من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة » (١) بعد تخصيصه بإخراج الإخفاتية أو الجهرية في صورة عدم السماع. فلاحظ.

وقد يستشهد للكراهة بجمع الجهرية والإخفاتية في النهي عن القراءة فيهما ـ بتقريب ـ : أن قيام القرينة على إرادة الكراهة من النهي بالإضافة إلى الإخفاتية ، يقتضي حمله عليها بالإضافة إلى الجهرية أيضا ، فإن ذلك أولى من حمله على عموم المجاز. وفيه : أنه مبني على كون استعمال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

٢٥٤

بل الأحوط والأولى الإنصات [١] ، وإن كان الأقوى جواز الاشتغال بالذكر [٢] ونحوه.

______________________________________________________

النهي في الكراهة مجازا. والمحقق في محله خلافه. مع أن مقتضي الجمع ـ بين ما تضمن النهي عن القراءة في خصوص الجهرية ، وبين ما دل على كراهتها في الإخفاتية ـ حمل النهي عن القراءة فيهما معا على عموم المجاز ، أخذا بمقتضى الدليلين معا.

وعن الشيخ (ره) ـ في النهاية والمبسوط ـ وابن حمزة ـ في الواسطة ـ : التفصيل بين سماع القراءة فتحرم ، وسماع الهمهمة فالمأموم بالخيار. ولا وجه له ظاهر ، غير ما في موثق سماعة : « عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، فقال (ع) : إذا سمع صوته فهو يجزئه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه » (١). وفيه : أن مقتضى إطلاق إجزاء ما وقع عدم المشروعية. لا أقل من وجوب حمله على ذلك بقرينة الشرطية الثانية ، إذ لو حمل الاجزاء على جواز الاكتفاء بالسماع ، لكان مفاد الشرطية الثانية عدم الاكتفاء بقراءة الامام ووجوب القراءة عليه ، مع أنه لا تجب القراءة مع عدم السماع ، كما سيأتي.

[١] كما يقتضيه الأمر في الآية الشريفة ، وفي النصوص التي منها صحيح زرارة وخبر المرافقي المتقدمان (٢).

[٢] ففي صحيح أبي المعزى : « كنت عند أبي عبد الله (ع) فسأله حفص الكلبي ، فقال : إني أكون خلف الامام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ. قال (ع) : نعم فادع » (٣). وحمله على صورة عدم السماع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٠.

(٢) تقدم ذكرهما في التعليقة السابقة.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٢٥٥

وأما إذا لم يسمع ـ حتى الهمهمة ـ جاز له القراءة [١] بل الاستحباب قوي [٢].

______________________________________________________

ـ ولو للهمهمة ـ بعيد. و‌في حسن زرارة أو صحيحه : « فأنصت وسبح في نفسك » (١). وظاهره : عدم منافاة التسبيح في النفس للانصات وكأن المراد من التسبيح في النفس التسبيح الخفي. وعليه فلا منافاة بين صحيح أبي المعزى والأمر بالإنصات. ويشهد به ما عن الثعلبي في تفسيره : « من أنه قد يسمى الرجل منصتاً ـ وهو قارئ أو مسبح ـ إذا لم يكن جاهرا به. ألا ترى أنه قيل للنبي (ص) : ما تقول في إنصاتك؟ قال (ص) أقول اللهم اغسلني من خطاياي ». فتأمل.

[١] وعن الرياض : « أطبق الكل على الجواز بالمعنى الأعم ». وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده بين الأصحاب ، ولا حكي عن أحد منهم عد الحلي » ، مع أنه لا صراحة في عبارته في السرائر ولا ظهور. ولا يبعد أنه وهم من الحاكي.

[٢] وعن الروض والروضة : أنه المشهور. وعن الدروس والغرية : أنه الأشهر. للأمر بها في النصوص ، ففي صحيح الحلبي ـ بعد النهي عن القراءة ـ قال (ع) : « إلا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ » (٢). وفي صحيح ابن الحجاج ـ في الصلاة الجهرية ـ قال (ع) : « وإن لم تسمع فاقرأ » (٣). وفي موثق سماعة ـ المتقدم ـ قال (ع) : « وإذا لم يسمع قرأ لنفسه » (٤). وفي خبر قتيبة : « إذا‌

__________________

(١) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) تقدم ذكره في أوائل الكلام من هذا الفصل.

(٤) تقدم ذكره قريباً.

٢٥٦

لكن الأحوط القراءة بقصد القربة [١] المطلقة لا بنية الجزئية ، وإن كان الأقوى الجواز بقصد الجزئية أيضا.

وأما في الأخيرتين من الإخفاتية أو الجهرية فهو كالمنفرد‌

______________________________________________________

كنت خلف إمام ترضى به ، في صلاة يجهر فيها بالقراءة ، فلم تسمع قراءته ، فاقرأ أنت لنفسك » (١) المحمول على الاستحباب ، بقرينة صحيح علي بن يقطين : « سألت أبا الحسن الأول (ع) عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به ، في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة. قال (ع) : لا بأس ، إن صمت وإن قرأ » (٢). ومنه يظهر : ضعف المحكي عن ظاهر المبسوط والتهذيب والنهاية والواسطة والإشارة والغنية وغيرها : من وجوب القراءة ، أخذاً بظاهر الأمر.

نعم قد يشكل القول بالاستحباب ، بأنه يمكن الجمع بين النصوص بحمل الأمر بالقراءة على الرخصة ، لوروده مورد توهم المنع ، بناء على ما عرفت : من المنع عن القراءة مع السماع. ولا ينافيه ما في موثق سماعة المتقدم ، من قوله (ع) : « إذا سمع صوته فهو يجزئه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه » ، لأن المراد من قوله (ع) ـ فيه ـ : « يجزيه » على نحو العزيمة. وكأنه لذلك كان ما نسب إلى الراوندي وابن نما والقاضي : من القول بالإباحة.

[١] خروجاً عن شبهة الخلاف في المشروعية المنسوب إلى الحلي. ولا ينافيه قصد القربة المطلقة ، لأن خلافه إن ثبت ـ فهو في مشروعيتها بنحو الجزئية ، على نحو مشروعيتها في سائر الموارد.

وربما يتوهم : أن الاحتياط المذكور للخروج عن شبهة القول بالإباحة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١.

٢٥٧

في وجوب القراءة أو التسبيحات مخيرا بينهما [١] ، سواء قرأ الإمام فيهما أو أتى بالتسبيحات ، سمع قراءته أو لم يسمع.

______________________________________________________

في مقابل القول بالوجوب أو الاستحباب ، كما تقدم. وفيه : أنه إنما يتم لو كانت عند القائلين بالإباحة من قبيل الأفعال المباحة المقارنة للصلاة لكنه خلاف المقطوع به منهم ، بل المراد من إباحة القراءة : أنها جزء من الصلاة ، لا توجب أفضلية الفرد المشتمل عليها من الفرد الخالي عنها. كما أن المراد من استحبابها : أنها جزء يوجب أفضلية الفرد المشتمل عليه من الفرد الخالي عنه ، لا مثل استحباب القنوت. كما أن المراد من كراهتها ـ كما تقدم في الإخفاتية. أنها جزء يوجب مرجوحية الفرد المشتمل عليه للفرد الخالي عنه ، نظير كراهة السورة الثانية ـ بناء على كراهة القرآن لا مثل كراهة العبث. كما أن المراد من الحرمة : نفي الجزئية ، لا مثل قراءة الجنب للعزائم. ومنه يظهر : أنه بناء على مشروعيتها ـ ولو على القول بالإباحة ـ لا مانع من الإتيان بها بقصد الجزئية والوجوب ، فإنها وإن لم تكن جزءاً من الماهية الواجبة ، لكنها جزء من الفرد الذي تنطبق الماهية الواجبة عليه بتمام أجزائه التي منها القراءة ، نظير انطباق الماهية التشكيكية على المرتبة القوية ، فتتصف القراءة بالوجوب بعين اتصاف سائر أجزاء الصلاة به. فتأمل جيداً.

[١] أما في الأخيرتين من الإخفاتية فهو المحكي عن جماعة ، منهم السيد ابن زهرة ـ في الغنية ـ والحلبي ـ في ظاهر الإشارة ـ والأردبيلي ـ في ظاهر مجمع البرهان. لأدلة التخيير الشاملة للمقام. وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى تفرغ ، وكان الرجل مأمونا على القرآن ، فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال (ع) : يجزيك التسبيح في الأخيرتين. قلت : أي شي‌ء‌

٢٥٨

______________________________________________________

تقول أنت؟ قال (ع) : أقرأ فاتحة الكتاب » (١). وإجمال ذيله ـ لاحتمال إرادة السؤال عما يقوله (ع) حينما يكون إمام الجماعة ، أو لإرادة السؤال عما يقوله (ع) حينما يكون مأموماً بمن لا تصح إمامته ، أو لإرادة السؤال عن الأرجح من الأمرين ، القراءة والتسبيح ـ لا يمنع من دلالة قوله (ع) : « يجزيك » على عدم تعينه ، فيدل على التخيير بينهما.

وعن جماعة ، منهم السيد ـ في ظاهر كلامه ـ وأبناء إدريس وحمزة وسعيد والعلامة ـ في المنتهى ـ : عدم وجوبهما معاً ، يعني : القراءة والتسبيح ويستدل له بما عن المعتبر : « روى ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) إذا كان مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين » (٢). وبصحيح زرارة : « وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين .. ( إلى أن قال ) (ع) : فالأخيرتان تبعان للأولتين » (٣). وبصحيح ابن خالد المتقدم في أول الفصل ، بناء على أن المراد من قوله في السؤال : « وهو لا يعلم » أنه لا يدري أنه يقرأ أو يسبح. وبصحيح ابن يقطين المتقدم هناك أيضا ، بناء على أن المراد من الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام الأخيرتان.

لكن الأول ـ مع أن المظنون كما في الجواهر أنه عين صحيح ابن سنان المتقدم (٤) ، ويكون السهو من المحقق في روايته كذلك. وأن مقتضى الجمع بينهما حمله على الصحيح ، لإطلاقه وتقييد الصحيح بالإخفاتية. أو حمل النهي على الرخصة في الترك ، لكونه مظنة الحرمة ، كما يشعر به التعرض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٣) مر ذكر الرواية في أوائل الكلام من هذه المسألة.

(٤) تقدم ذكره في أول المسألة.

٢٥٩

______________________________________________________

لاجزاء التسبيح في الصحيح المتقدم ، ومعارضته بما في ذيل خبر أبي خديجة من قوله (ع) : « فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذي خلفه أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الامام أن يسبح .. » (١) إنما يدل على حرمة القراءة ، فيكون مقيداً لأدلة التخيير بينها وبين التسبيح. وعدم القول بالفصل بين حرمة القراءة وحرمة التسبيح لا يجدي ، ما لم يكن إجماعا على عدم الفصل. ولو تمَّ اقتضى ذلك حرمتهما معا ـ كما ذهب إليه الحلي ـ لا عدم وجوبهما ، كما هو المدعى.

والثاني مورده الجهرية ، بقرينة ذكر الإنصات ، فالتعدي منها إلى الإخفاتية غير ظاهر الوجه. وأما صحيح ابن خالد فلا يبعد أن يكون المراد من قوله : « لا يعلم » أنه لا يسمع ، لكون الصلاة إخفاتية فلا يعلم. وأما صحيح ابن يقطين ـ فبعد حمل الصمت فيه على الإخفات ـ يتعين حمله على الأولتين في الإخفات ، لأن إطلاق الجهر والإخفات منصرف إلى الجهر والإخفات في الأوليين. وبذلك سميت الصلاة جهرية وإخفاتية ، كما سبق. ومما ذكرنا يظهر وجه ما عن الحلي : من سقوطهما حتما في أخيرتي الجهرية كما يظهر ضعفه أيضا. نعم لا بأس بدعوى : لزوم ترك القراءة فيهما وتعين التسبيح ، لصحيح زرارة المذكور ، بناء على حرمة القراءة في الأولتين ، إذ لا معارض له معتد به. أما رواية أبي خديجة فيمكن حملها على الإخفاتية لإطلاقها ، واختصاص الصحيح بالجهرية. ومنه يظهر : وجه الجمع بين رواية أبي خديجة وصحيحة معاوية بن عمار : « عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين. قال (ع) : الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبح ، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما ، وإن شئت فسبح » (٢) إذ بعد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢. ورواها أيضا في باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥ إلى قوله (ع) : « يسبح ».

٢٦٠