مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

أحدها : أن لا يكون بين الامام والمأموم حائل يمنع عن مشاهدته [١] ،

______________________________________________________

إن شاء الله تعالى ـ كان مقتضى الأصل عدم وجوب القراءة ، وعدم قدح الزيادة ، كما هو حكم صلاة المأموم.

ولو شك المأموم بين الثلاث والأربع ـ وكان الامام حافظاً للثلاث ـ فعلى تقدير صحة الجماعة يتعين البناء على الثلاث ، وعلى تقرير فسادها يتعين البناء على الأربع. ومع عدم الحجة على أحد الأمرين يتعين الاستئناف ، للشك في صحة كل من البناءين ، ومقتضى قاعدة الاشتغال وجوب اليقين بالفراغ المتوقف على الاستئناف.

[١] إجماعا صريحا وظاهرا ، محكيا عن جماعة ، منهم الشيخ والفاضلان والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم. لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ المروي في الكافي ـ : « إن صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قد مالا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة فإن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة ، إلا من كان من حيال الباب. قال : وقال : هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس ، وإنما أحدثها الجبارون ، ليست لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة. قال : وقال أبو جعفر (ع) : ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض ، لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى ، يكون قدر ذلك : مسقط جسد الإنسان » (١). وكذا رواه في الفقيه ، بتقديم قوله « قال أبو جعفر (ع) .. » (٢) على قوله : « وإن صلى » ، مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ٢. وقد قطع الرواية صاحب

٢٢١

وكذا بين بعض [١] المأمومين مع الآخر ممن يكون واسطة في اتصاله بالإمام ، كمن في صفه من طرف الإمام أو قدامه‌

______________________________________________________

تفاوت يسير (١) لا يخل بالمراد. وأما‌ موثق أبي الجهم عن الرضا (ع) : « عن الرجل يصلي بالقوم في مكان ضيق ، ويكون بينهم وبينه ستر أيجوز أن يصلي بهم؟ قال (ع) : نعم » (٢) فلا بد من طرحه أو تأويله. ولا سيما وفي بعض نسخة : « شبر » بدل : « ستر » (٣) ـ ولعله أنسب بالصدر. فتأمل ـ فلا يكون مما نحن فيه.

[١] عند علمائنا ، كما عن الذكرى وغيرها ، بل إجماعا ، كما عن المنتهى وغيره. ويقتضيه الصحيح المتقدم ، المطابق لمقتضى الأصل في المقام نعم في الوسائل (٤) روى الصحيح بنحو يختص بما بين الامام والمأمومين فإنه (ره) رواه هكذا : « إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة .. » إلى آخر ما سبق ـ لكن الموجود في الكافي (٥) والفقيه (٦) والتهذيب (٧) يعم ما بين المأمومين أنفسهم أو يختص بذلك ، كما تقدم. فيلحظ.

__________________

الوسائل (ره) فذكر بعض فقراتها ـ مما يرتبط بالمقام ـ في باب : ٥٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١. فلاحظ.

(١) راجع التعليقة على الوسائل ج : ٥ صفحة : ٤٦٢ طبعة إيران الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) راجع الوافي باب اقامة السفوف ج : ٢ صفحة ١٦١.

(٤) تقدم ذكر الرواية في التعليقة السابقة.

(٥) لاحظ الكافي ج : ٣ صفحة : ٣٨٥ حديث : ٤ طبعة إيران الحديثة.

(٦) لاحظ الفقيه ج : ١ باب : ٥٦ الجماعة وفضلها حديث : ٥٤ صفحة : ٢٥٣ طبع النجف الأشرف.

(٧) لاحظ التهذيب ج : ٣ صفحة ٥٢ طبع النجف الأشرف.

٢٢٢

إذا لم يكن في صفه من يتصل بالإمام ، فلو كان حائل ولو في بعض أحوال [١] الصلاة ـ من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود ـ بطلت الجماعة ، من غير فرق في الحائل بين كونه جداراً أو غيره ، ولو شخص [٢] إنسان لم يكن مأموماً [٣]. نعم إنما يعتبر ذلك إذا كان المأموم رجلا. أما المرأة فلا بأس بالحائل بينها [٤] وبين الإمام أو غيره من المأمومين مع كون الامام رجلا ، بشرط أن تتمكن [٥].

______________________________________________________

[١] للإطلاق ، وإن استفيد من بعض الكلمات عدم البأس فيه ، لكنه غير ظاهر الوجه. ودعوى : انصراف النص إلى الدخول مع الحائل ـ كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره) ـ ممنوعة.

[٢] لإطلاق السترة. وعطف الجدار عليها ، إما من عطف الخاص على العام ، وإما لإرادة غير المبنية على الثبات. مع أن الأصل ـ المتقدم تحريره ـ كاف في إثبات العموم.

[٣] وإلا فلا إشكال في عدم قدح حيلولته ، ضرورة صحة الصفوف المتأخرة.

[٤] بلا خلاف ظاهر إلا من الحلي ، كما عن الرياض وغيرها ، بل عن التذكرة : نسبته إلى علمائنا. لموثق عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال (ع) : نعم ، إن كان الإمام أسفل منهن. قلت : فانّ بينهن وبينه حائطاً أو طريقاً. فقال (ع) : لا بأس » (١). ومنه يظهر ضعف ما عن الحلي.

[٥] شرطية التمكن تابعة لشرطية المتابعة في الجماعة. فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٢٣

من المتابعة ، بأن تكون عالمة [١] بأحوال الإمام ، من القيام والركوع والسجود ونحوها. مع أن الأحوط فيها ـ أيضاً ـ عدم الحائل. هذا وأما إذا كان الإمام امرأة أيضاً فالحكم كما في الرجل [٢].

الثاني : أن لا يكون موقف الإمام أعلى [٣] من موقف‌

______________________________________________________

[١] كذا ذكر جماعة. لكن العلم مما لا دخل له في تحقق المتابعة ، وإنما له دخل في تحقق العلم بها ، فيمكن حال الجهل بذلك صدور الأفعال الصلاتية برجاء المتابعة. وعليه فلا خلل في الجماعة ، ولا في الامتثال على تقدير المصادفة.

[٢] عن ظاهر محكي الغرية : الإجماع. لقصور الموثق عن شمول ذلك ، فالمرجع فيه الأصل ، المقتضي لعدم المشروعية مع الحائل. أو إطلاق الصحيح ، بناء على عموم القوم والامام فيه للمرأة ، ولو لإلغاء خصوصية الذكورية فيه ، كما في كثير من المقامات. لكن قد يعارض ذلك بجريان مثله أيضاً. فتأمل.

[٣] على المشهور ، كما عن جماعة ، بل عند علمائنا ، كما عن التذكرة ونحوه ما عن غيرها. لموثق عمار ـ المروي في الفقيه والكافي ، وفي التهذيب عن الكافي ـ عن الصادق (ع) : « عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضع الذي يصلي فيه ، فقال ـ عليه‌السلام ـ : إن كان الامام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل ـ إذا كان الارتفاع منهم (١) بقدر شبر ( يسير ) فان كان أرضاً مبسوطة ، وكان‌

__________________

(١) في الكافي : « ببطن مسيل ». وكذا عن بعض نسخ التهذيب. وعن أخرى : « يقطع ميلا ». وعن ثالثة : « بقدر شبر ». وعن رابعة : « بقدر يسير ». وعن الفقيه

٢٢٤

المأمومين ، علواً معتداً به [١] ، دفعياً كالأبنية ونحوها ـ

______________________________________________________

في موضع منها ارتفاع ، فقام الإمام في الموضع المرتفع ، وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر ، قال (ع) : لا بأس » (١). ويعضده موثقه ـ المتقدم في الحائل (٢). ويؤيده بعض النصوص العامية (٣) على الظاهر.

وعن الخلاف : الكراهة ، مدعياً عليه أخبار الفرقة وإجماع الطائفة. ولعل المراد : التحريم ، بقرينة دليله ، إذ الرواية ظاهرة في التحريم. وهو مظنة الإجماع ، فضلا عن الإجماع على الكراهة. وتردد في الشرائع وظاهر النافع. ومثله غيره. ولا وجه له ظاهر. وعن المدارك : « إن الرواية ضعيف السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، فلا يسوغ التعويل عليها في حكم مخالف لأصل ». وفيه : أن الموثق حجة. ولا سيما إذا كان لعمار ، فقد حكي عن الشيخ : الإجماع على العمل برواياته. والتهافت ليس في محل الاستدلال الذي هو الصدر. والدلالة غير قاصرة. ومدلوله موافق للأصل المتقدم.

[١] كما في الشرائع والقواعد وعن اللمعة. بل هو المنسوب الى‌

__________________

« يقطع سبيلا ». وعن التذكرة : « بقدر شبر ». وعن الذكرى : « ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر فان كان .. » ـ منه مد ظله.

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١. والمذكور موافق لرواية الكافي وهناك اختلاف في المتن بين الكافي وبين التهذيب والفقيه ، فإن شئت الوقوف عليه فراجع الفقيه ج : ١ صفحة ٢٥٣ ط النجف الأشرف ، التهذيب ج : ٣ صفحة ٣٨٦ ط النجف ، الكافي ج : ٣ صفحة ٣٨٦ ط إيران الحديثة وقد أشار الى وجود هذا الاختلاف المصنف دام ظله في التعليقة الآتية.

(٢) تقدم قريبا في الكلام على الأمر الأول.

(٣) راجع الذكرى الفرع : ٦ من المسألة : ٣ من شرط اعتبار الموقف ، والجواهر ج : ١٣ صفحة : ١٦٦ ط النجف ، والحدائق ج : ١١ صفحة : ١١١ ط النجف.

٢٢٥

لا انحداريا على الأصح ، من غير فرق بين المأموم الأعمى والبصير [١]

______________________________________________________

ظاهر الأكثر ، لو كان المراد منه الرجوع الى العرف. أخذاً بإطلاق الرواية ، وإعراضا عن قوله (ع) : « وإن كان أرفع منهم .. » ، لاختلاف نسخ الكافي والفقيه والتهذيب فيه اختلافا فاحشاً. مع مخالفتها للتذكرة والذكرى ـ المروي فيهما أيضاً ـ المختلفتين في أنفسهما. وفيه : أن ذلك يوجب الرجوع الى الأصل ، لأجل الإجمال الناشئ من اقتران الكلام بما يصلح للقرينية ، وعن آخرين ـ كالدروس والموجز الحاوي والجعفرية وغيرها ـ : تقديره بما لا يتخطى ، اعتماداً على صحيح زرارة ، الاتي في التباعد. وفيه : انه ظاهر في المسافة لا العلو.

وعن جماعة : تقديره بشبر ، اعتماداً على بعض نسخ الرواية. وفيه : أنه غير ظاهر أيضاً ، إلا إذا كانت أداة الشرط الثانية غير وصلية ـ كما هي كذلك على تقدير نسخة ( الفاء ) بدل ( الواو ). وكان جزاؤها محذوفاً وهو قوله : « جاز » ـ أو موجوداً ـ وهو قوله : « لا بأس » ـ لا الشرطية الثانية ، وإلا لم تدل على جواز الارتفاع الدفعي. وذلك كله وإن كان غير بعيد ـ لأن جعل أداة الشرطية الثانية وصلية يستلزم المنع عن ارتفاع الامام التسنيمي ولو كان أقل من إصبع ، وهو خلاف الضرورة. وكذا لو جعل جزاء الشرطية الثانية قوله (ع) : « فان كان أرضاً .. » ، لأن ذلك يستلزم المنع عن الارتفاع بأقل من إصبع في غير الأرض المبسوطة ـ إلا أن ثبوت نسخة الشبر غير واضح. نعم عن التذكرة وإرشاد الجعفرية : الإجماع على اغتفار العلو اليسير. ومقتضي ما عن التذكرة ـ من أنه هل يتقدر بشبر أو بما لا يتخطى ـ : المفروغية عن جواز العلو بما دون الشبر ، فان تمَّ إجماعاً كان هو المعتمد ، وإلا فالمرجع الأصل الذي عرفته.

[١] خلافا لما عن أبي علي حيث قال : « لا يكون الإمام أعلى في‌

٢٢٦

والرجل والمرأة [١]. ولا بأس بغير المعتد به مما هو دون الشبر [٢] ، ولا بالعلو الانحداري [٣] ، حيث يكون العلو فيه تدريجياً على وجه لا ينافي صدق انبساط الأرض. وأما إذا كان مثل الجبل فالأحوط ملاحظة قدر الشبر فيه [٤]. ولا بأس بعلو المأموم [٥] على الامام ولو بكثير [٦].

______________________________________________________

مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله ، إلا أن يكون المأمومون أضراء ، فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع .. ». بل ظاهره الخلاف في مانعية العلو غير المانع عن النظر. ولا وجه له ظاهر.

[١] لقاعدة الاشتراك ، الموافقة في المقام للأصل.

[٢] قد عرفت الكلام فيه.

[٣] بلا خلاف ، كما في الرياض. ويستفاد من الشرطية الثالثة في الموثق ، ولو بناء على كونها جزاء للثانية. نعم ـ عليه ، وعلى تقدير ثبوت نسخة الشبر ـ لا إطلاق لها بنحو تشمل صورة الارتفاع بأكثر منه. وحينئذ يكون العمدة ـ في جواز ذلك في المبسوطة ـ : الإجماع.

[٤] بل لعله المتعين. للأصل.

[٥] إجماعا صريحا ـ كما عن الخلاف والتنقيح والمفاتيح وغيرها ـ وظاهرا كما عن المنتهى والمدارك والذخيرة والرياض. لما في ذيل الموثق المتقدم من قوله : « وسئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه؟ قال (ع) : لا بأس. قال : وان كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك ـ دكانا كان أم غيره ـ وكان الامام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته ، وان كان أرفع منه بشي‌ء كثير ».

[٦] كما في الموثق. وعن التذكرة والغرية : الإجماع على صحة صلاة‌

٢٢٧

الثالث : أن لا يتباعد المأموم عن الامام [١] بما يكون كثيراً في العادة [٢] ، إلا إذا كان في صف [٣] متصل بعضه ببعض حتى ينتهي إلى القريب. أو كان في صف بينه وبين‌

______________________________________________________

المأموم وان كان على شاهق. وإطلاق النص يقتضيه. وعن جماعة : تقييده بما لم يؤد الى العلو المفرط. وعن النجيبية : دعوى الإجماع عليه. ولا وجه له ، إلا أن يوجب انتفاء القدوة بحسب ارتكاز المتشرعة. فتأمل جيداً.

[١] إجماعا صريحا ـ كما عن المدارك والذخيرة والمفاتيح ـ وظاهرا ، كما عن التذكرة وغيرها. وهو الذي يقتضيه الأصل المتقدم.

[٢] عندنا ـ كما عن التذكرة ـ وكاد أن يكون إجماعا ـ كما في الرياض ـ بل عن إرشاد الجعفرية : « لا يضر البعد المفرط مع اتصال الصفوف إذا كان بين كل صفين القرب العرفي ، إجماعا ».

هذا والذي يظهر ـ من عبارة المتن ونحوها ـ : عدم قادحية البعد ، وانما القادح كثرة البعد ، ويظهر من عبارة إرشاد الجعفرية ونحوها : أن القادح نفس البعد ، فيعتبر في انعقاد الجماعة القرب. والفرق بينهما ظاهر.

ثمَّ إن الظاهر من مرجعية العرف كونه مرجعاً في تحديد المفهوم من البعد أو الكثرة ، فالموضوع للمانعية هو ما يفهم منه عندهم ، سواء أكان له مطابق خارجي أم لا. والظاهر من مرجعية العادة كون موضوع المانعية ما جرت عادة المتشرعة على تركه. والفرق بينهما أيضاً ظاهر. مع أن حمل العادة على ذلك يستلزم كون التحديد بذلك أضيق من التحديد بما لا يتخطى ، مع أن ظاهرهم خلافه إلا أن يكون المراد من العادة العادة في التفاهم عند استعمال اللفظ ، فترجع حينئذ إلى العرف. فتأمل.

[٣] إذ من المعلوم بالضرورة ـ كما في الجواهر ـ عدم اعتبار القرب بين الامام وكل واحد من المأمومين.

٢٢٨

الصف المتقدم البعد المزبور ـ وهكذا ـ حتى ينتهي إلى القريب والأحوط ـ احتياطاً لا يترك ـ أن لا [١] يكون‌

______________________________________________________

[١] إذ عن الغنية : « لا يجوز أن يكون بين الامام والمأمومين ، ولا بين الصفين ما لا يتخطى ، من مسافة أو بناء أو نهر » ، ثمَّ ادعى الإجماع عليه. فان ذكر البناء والنهر قرينة على إرادة مالا يتخطى بين مسجد المأموم وموقف الامام. وعن أبي الصلاح وجماعة من متأخري المتأخرين : موافقته في ذلك ، بل لعله ظاهر السيد (ره) ، بل ربما نسب الى ظاهر الكليني والصدوق. لصحيح زرارة ـ المتقدم ـ (١) عن أبي جعفر (ع) : « إن صلى قوم بينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس ذلك ـ كما في التهذيب ـ لهم بصلاة ( الى أن قال ) : وأيما امرأة صلت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة » ودلالة الفقرات الثلاث على الوجوب لا مجال لإنكارها. ولا سيما بملاحظة اقترانها بحكم الحائل. ودعوى : قوة الظن بإرادة الفضيلة منها ، لا تجدي في قبال الظاهر.

ومثلها : دعوى : استفادة الفضيلة مما روي متقدما عليه ـ كما في الفقيه ـ أو متأخراً عنه ـ كما في الكافي والتهذيب ـ من قوله (ع) : « ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض ، ولا يكون بين الصفين ما لا يتخطى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد » (٢) فإنها ممنوعة ، إذ لو سلم ظهور « ينبغي » في الاستحباب ، فلا معين لعطف « لا يكون » على مدخولها ، بل من الجائز عطفه على « ينبغي » ، كما يشهد‌

__________________

(١) تقدم ذلك في الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٢٩

______________________________________________________

به ترك حرف المصدر. وكما ان الظاهر من « تواصل الصفوف » تواصلها بلحاظ حال السجود ، يكون الظاهر من « بين الصفين » ذلك الحال. وحمل التواصل على حال القيام ، وقوله (ع) : « ولا يكون بين .. » على أن يكون تفسيراً له. بعيد عن الظاهر ، لا موجب للمصير اليه. وعلى هذا تكون الصحيحة دليلا لما عن الغنية وغيرها. ولو سلم ظهوره في التفسير ـ كما هو الظاهر على تقدير عدم « الواو » في قوله (ع) : « ولا يكون » كما في نسختي الكافي والتهذيب ـ يمكن رفع اليد عنه بقرينة ما سبق. ورجوع اسم الإشارة في قوله (ع) : « قدر ذلك » الى « بين » ـ ليكون الكلام إثباتاً بمنزلة الإضراب ـ لا ينافي ذلك ، إذا كان المراد منه تقدير البعد الجائز بذلك. مع أن الأظهر رجوعه الى الموصول ، لأنه أقرب. بل هو المتعين لكون مسقط جسد الإنسان مما لا يتخطى. اللهم إلا أن يحمل على ما هو نظير الاستخدام ، بأن يراد من الصفين ـ الملحوظين في هذا الكلام ـ الموقفان ودعوى ظهور : « ما لا يتخطى » ـ في الفقرات الثلاث ـ فيما بين الموقفين ـ فيتعين حمله على الفضيلة ، للقطع بجواز البعد أكثر من ذلك ـ ممنوعة كدعوى : كون ذلك مقتضى إطلاق النص ، لامتناع ثبوت الإطلاق الشامل للقليل والكثير في التحديدات ، كما هو ظاهر بالتأمل. بل هو في نفسه محتمل له ولما بين المسجد والموقف. ويتعين حمله على الأخير بقرينة قوله (ع) : « فليس ذلك الإمام .. » بضميمة القطع بجواز الفصل بأكثر من ذلك فيما بين الموقفين.

ومن هذا كله يظهر لك عدم ثبوت الاعراض الموجب لوهن الصحيح لجواز أن يكون الوجه فيه بعض ما ذكر ، مما عرفت دفعه ، كما ربما يشهد به ما عن المحقق (ره) : من أن اشتراط ذلك مستبعد فيحمل على الأفضل أو احتمال إرادة الحائل مما لا يتخطى ، كما عن المختلف. أو غير ذلك.

٢٣٠

بين موقف الامام ومسجد المأموم ، أو بين موقف السابق ومسجد اللاحق أزيد من مقدار الخطوة التي تملأ الفرج [١] ،

______________________________________________________

ومعاوضة الفقرة الثالثة بموثق عمار ـ المتقدم في ائتمام المرأة مع الحائل (١) ـ بل الفقرات الثلاث ، لعدم القول بالفصل بين الرجل والمرأة ، وحينئذ فحمل الصحيح على الفضل أولى من التصرف في الموثق مندفعة : بأن حمل الصحيح على الفضل وإن كان أولى من تقييد الطريق بما يتخطى لنارة ذلك ، إلا أن حمل السؤال في الموثق على كونه سؤالا من حيث كون الطريق طريقاً ومعتبراً للمترددين ، لا من حيث المسافة ـ كما قد يقتضيه اقترانه بالحائل ـ أولى من حمل الصحيح على ما ذكر.

هذا والانصاف أن هذا الحمل بعيد جداً ، بل لعل أبعد من حمل الطريق على ما يتخطى ، فيشكل بذلك الأخذ بظاهر الصحيح ، ولا سيما بناء على نسختي الكافي والتهذيب الخاليتين من ذكر ( الواو ) في قوله (ع) : « لا يكون بين .. » فان ذلك يعين حمل الكلام على كونه تفسيراً للتواصل المستحب ، وتكون الفقرات كلها بمعنى واحد. والمظنون أن هذا هو الوجه في عدم تحديد المشهور للبعد المانع بذلك ، بل عن الخلاف : الإجماع على جواز البعد بنحو الطريق. وحمله على ارادة الطريق الذي يتخطى غير ممكن في كلامه وإن أمكن في النص ، كما يظهر بالتأمل. ثمَّ إن مقتضى ترك الاستفصال في الموثق عدم الفرق في البعد بالطريق بين الواسع وغيره كما لا يبعد ـ أيضا ـ أن يكون البعد غير الكثير ـ الجائز عند المشهور ـ شامل لذلك أيضا. ولا يبعد أن المعيار في الجائز ما ينافي اتحاد الجماعة عرفا ومع الشك في شي‌ء من مراتب البعد يرجع الى أصالة عدم الانعقاد التي عرفتها. والله سبحانه أعلم.

[١] كما هو الظاهر من قوله (ع) : « ما لا يتخطى ».

__________________

(١) لاحظ الرواية في الكلام على الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

٢٣١

وأحوط من ذلك مراعاة الخطوة المتعارفة. والأفضل [١] ـ بل الأحوط [٢] أيضاً ـ أن لا يكون بين الموقفين أزيد من مقدار جسد الإنسان إذا سجد ، بأن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل.

الرابع : أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف [٣] فلو تقدم في الابتداء أو الأثناء بطلت صلاته [٤] إن بقي على‌

______________________________________________________

[١] كما هو مقتضي ( التواصل ) الذي ينبغي.

[٢] لاحتمال كونه المراد من النصوص. فتأمل.

[٣] إجماعا صريحا وظاهراً حكاه جماعة ، منهم الفاضلان والشهيد والمحقق الثاني. ويكفي فيه ـ مضافاً إلى ذلك ـ الأصل.

[٤] إجماعا ، كما عن التذكرة والذكرى والغرية ، سواء أكان عند التحريمة أم في أثناء الصلاة ، كما صرح به في معاقد الإجماعات. لكن عن الذكرى : « لو تقدم عمداً على الامام فالظاهر أنه يصير منفرداً .. » ـ يعني : تصح صلاته وتبطل جماعته. ولعل هذا قرينة على إرادة البطلان من حيث المأمومية ، كما استظهره شيخنا الأعظم (ره). ويقتضيه حديث : « لا تعاد .. » لو كان التقدم سهواً ـ فتأمل ـ بل أصالة البراءة ـ أيضا ولو كان عمداً. ودليل الشرطية والمانعية ـ في أمثال المقام لو تمَّ ـ فهو ظاهر في الشرطية والمانعية في الجماعة لا في نفس الصلاة.

ويحتمل أن يكون مرادهم ما لو بقي على نية الائتمام ، كما يظهر من حكمهم بالبطلان فيما لو تقدمت سفينة المأموم واستصحب المأموم نية الائتمام لكنه ينافي الإجماع ـ حينئذ ـ ما عن الخلاف : « من عدم البطلان في ذلك لعدم الدليل ». ومنه يظهر الإشكال في حكم المصنف (ره) بالبطلان‌

٢٣٢

نية الائتمام ، والأحوط تأخره عنه ، وإن كان الأقوى جواز المساواة [١]. ولا بأس. بعد تقدم الإمام في الموقف أو‌

______________________________________________________

ولو مع بقاء نية الائتمام. نعم لو أدى ذلك إلى ما يوجب بطلان صلاة المنفرد كان القول بالبطلان في محله. ولعله مراد الجماعة أيضاً.

[١] على المشهور. وفي الرياض : « لا خلاف فيه إلا من الحلي ».

وعن التذكرة : الإجماع عليه. وربما يستدل له بإطلاق الأمر بوقوف المأموم الواحد عن يمين الامام (١). والاذن بالوقوف حذاء الإمام إذا لم يجد مكاناً في الصف (٢). والأمر بقيام المرأة وسطاً لو أمت النساء (٣). وبالنهي عن أن يبدو بهم إمام إذا دخلوا المسجد قبل أن يتفرق جميع من فيه وأرادوا أن يصلوا جماعة (٤).

ونوقش في الجميع : بأنه لا إطلاق فيه. فيه مع أنه في موارد خاصة. ومثله ما ورد في اختلاف المصلين في الإمامية والمأمومية. ومجرد امتناع الفرض حينئذ إلا مع اعتقاد كل منهم التقدم ـ وهو بعيد ـ لا ينافي ذلك لإمكان السؤال وإن بعد الفرض ، وإذ أن السؤال عن حيثية الاختلاف فالجواب يكون عنها لا غير. ومثله يقال فيه بالإضافة إلى اعتبار التقدم في الأفعال أيضاً. فلاحظ.

نعم روى الحميري : « أنه كتب الى الفقيه (ع) يسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (ع) ، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٣٣

المساواة معه ـ بزيادة المأموم على [١] الإمام في ركوعه‌

______________________________________________________

عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت ـ التوقيع ومنه نسخت ـ : أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدم ، ويصلي عن يمينه وشماله » (١). فان الظاهر من الجملة الأخيرة كونها استئنافا لا معطوفة على « يصلي » ولا على « يتقدم ». وظاهرها اختصاص التقدم على الامام بالمنع دون المساواة له.

لكن رواها في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان ( عجل الله تعالى فرجه ) ـ هكذا ـ : « ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوى » (٢). والظاهر اتحاد الرواية والمروي عنه. لكن القاعدة في مثل ذلك إجراء أحكام التعارض أيضاً. ومقتضاه ترجيح الأولى ، لاعتبار طريقها وإرسال الثانية لكن الخروج بها عن الأصل ، وعما دل على وجوب تقدم الامام ـ من الاخبار الكثيرة المتفرقة في أبواب الجماعة ـ لا يخلو من إشكال. ولا سيما مع عدم ظهور الامام فيها في إمام الجماعة. فتأمل جيداً. وقد تقدم في مكان المصلي ـ في مسألة التقدم على قبر المعصوم ـ ما له نفع في المقام.

[١] كما عن نهاية الاحكام التصريح به ، بل لعله ظاهر كل من جعل الممنوع تقدم الإمام في الموقف. وعن الروضة : « المعتبر فيه العقب قائماً ، والمقعد ـ وهو الألية ـ جالساً ، والجنب نائماً ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي ملحق حديث : ١.

٢٣٤

وسجوده لطول قامته ونحوه ، وان كان الأحوط مراعاة [١] عدم التقدم في جميع الأحوال ، حتى في الركوع والسجود والجلوس. والمدار على الصدق العرفي [٢].

( مسألة ١ ) : لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع من المشاهدة [٣] في أحوال الصلاة وإن كان مانعاً منها حال السجود [٤] ، كمقدار الشبر ، بل أزيد أيضاً. نعم إذا كان مانعاً حال الجلوس فيه اشكال ، لا يترك معه الاحتياط.

______________________________________________________

[١] بل لعله المتعين ، كما يقتضيه إطلاق المنع من التقدم ، ومن لم يتقدم بعقبة وتقدم برأسه في الركوع والسجود ـ لطول فأمته. فهو متقدم في الجملة. والأصل كاف في المنع عنه. وما عن المدارك : من نسبة الاكتفاء بالتساوي في الموقف بالعقب وإن تقدم المأموم بالأصابع إلى الأصحاب ، غير بالغ درجة الحجية. ولذا حكي عن نهاية الاحكام وغيرها : اعتبار الأصابع والعقب معاً. وهو الذي يقتضيه الأصل المذكور.

[٢] كما عن الذخيرة والرياض. والمراد : أن المعيار في التقدم والتساوي هو نظر العرف لا نظر العقل ومداقته ، لأن ذلك منصرف النص وكلماتهم. فتأمل.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. لعدم كونه من الجدار والسترة المذكورين في النص. واحتمال كونه مانعاً مستقلا مقطوع بخلافه.

[٤] بلا خلاف يعرف. نعم حكي في مفتاح الكرامة عن المصابيح « أن الصحة لا تخلو عن إشكال ، لإطلاق لفظ السترة والجدار ». وفيه : أنه لو سلم صدقهما فهما منصرفان عن مثله. مع أن المحكي في الجواهر ـ عنه ـ : الاستشكال في خصوص ما لو منع حال الجلوس. ونسب‌

٢٣٥

( مسألة ٢ ) : إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه مثلا ـ أو حال القيام ـ لثقب في أعلاه ـ أو حال الهوي إلى السجود ـ لثقب في أسفله ـ فالأحوط والأقوى فيه عدم الجواز ، بل وكذا لو كان في الجميع ، لصدق الحائل [١] معه أيضاً.

______________________________________________________

الى غيره : عدم المنع حينئذ ، لإطلاق أدلة الجماعة. وعدم إرادة ما يشمله من السترة والجدار. لكن الأول ممنوع. والثاني خلاف إطلاقهما. والعلم بعدم إرادته منهما غير حاصل ، فإشكاله في ذلك في محله فتأمل.

[١] لفظ الحائل غير مذكور في النص. نعم ذكر في كلماتهم مقيداً بما يمنع المشاهدة ، وإنما المذكور في النص : السترة والجدار (١). وكما يحتمل أن يكون المراد منهما مطلق الساتر المانع عن المشاهدة ، يحتمل أن يكون مطلق الحائل وإن لم يمنع عنها. وإذ أن الثاني أظهر ، إذ يساعده ـ مضافا إلى إطلاق الجدار الشامل للجدار المخرم ـ قرينة المناسبة بين الحكم والموضوع ، فان الظاهر منها كون المانع هو انفصال المصلين بعضهم عن بعض بنحو لا يكونون مجتمعين في الصلاة ، سواء أكانت مشاهدة أم لم تكن. وهذا هو المدار في الحائل. فإذا لم يكن منافياً للاجتماع ، ولا موجباً للتفرق ، لم يكن قادحاً وإن كان مانعاً عن المشاهدة. وإذا كان مانعاً عن الاجتماع وموجباً للتفرق كان قادحا في الجماعة وإن لم يكن مانعاً عن المشاهدة. ومن هنا كان اللازم الحكم بالمنع في الفرض الثاني ، فضلا عن الأول. مع أنه لو فرض تساوي الاحتمالين فالأصل كاف في المنع. ومنه يظهر وجه الحكم في المسألة الثالثة والخامسة.

__________________

(١) مر ذلك في الكلام على الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

٢٣٦

( مسألة ٣ ) : إذا كان الحائل زجاجاً يحكي من ورائه فالأقوى عدم جوازه [١]. للصدق.

( مسألة ٤ ) : لا بأس بالظلمة [٢] والغبار ونحوهما ، ولا تعد من الحائل. وكذا النهر والطريق [٣] ، إذا لم يكن فيهما بعد ممنوع في الجماعة.

( مسألة ٥ ) : الشباك لا يعد من الحائل [٤] ، وإن كان‌

______________________________________________________

[١] وعن كشف الغطاء : جوازه ، لتحقق المشاهدة فيه ، المعتبر عدمها في ظاهر النص وصريح الفتوى. لكن عرفت حال النص. وأما الفتوى فمن المحتمل كون المراد منها إخراج الحائل القصير. مع أن في كون المراد من المشاهدة فيها ما يعم المشاهدة في الزجاج تأملا ، أو منعاً.

[٢] قطعاً ، كما في الجواهر ، بل لعله من الضروريات غير المحتاجة إلى الاستدلال عليها ببعض النصوص الدالة عليها.

[٣] وعن المنتهى : نسبته إلى الأكثر. وعن الذخيرة : نسبته الى المشهور. لعدم كونهما من السترة والجدار. واحتمال كونهما مانعاً عن انعقاد الجماعة مستقلا مقطوع بخلافه. بل قد عرفت : دلالة موثق عمار على عدم منع الثاني في المرأة. وعن أبي الصلاح وابن زهرة : المنع في الأول ، وعن الثاني : نقل الإجماع عليه. وفيه : ما عرفت. والإجماع ممنوع. نعم في المدارك : « إنه جيد جداً إذا كان مما لا يتخطى » ، لإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة (١). لكن عرفت الإشكال في حجية الصحيحة. ولو تمت فليس المنع للحائل بل للبعد.

[٤] يعني : المانع من الاقتداء ، على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم‌

__________________

(١) مر ذلك في الكلام على الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

٢٣٧

الأحوط الاجتناب معه ، خصوصاً مع ضيق الثقب ، بل المنع في هذه الصورة لا يخلو عن قوة ، لصدق الحائل معه.

( مسألة ٦ ) : لا يقدح حيلولة [١] المأمومين بعضهم لبعض ، وإن كان أهل الصف المتقدم الحائل لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيئين [٢] لها.

( مسألة ٧ ) : لا يقدح عدم مشاهدة [٣] بعض أهل الصف الأول ـ أو أكثره ـ للإمام إذا كان ذلك من جهة استطالة الصف ، ولا أطولية الصف الثاني ـ مثلا ـ من الأول.

( مسألة ٨ ) : لو كان الإمام في محراب داخل في‌

______________________________________________________

يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخ (ره) وابن زهرة والحلبي ، بل محكي كلام الأخيرين غير ظاهر في الخلاف. وعن الأول : الاستدلال عليه بالإجماع وصريح الصحيح المتقدم. وفيه : أن الإجماع ممنوع. والصحيح قد عرفت اختصاص دلالته على المنع بصورة حصول التفرق وعدم الاجتماع ، فلا يمنع عنه في غير ذلك. نعم مع الشك في ذلك يكون المرجع أصالة عدم انعقاد الجماعة. كما أنه المرجع ـ أيضا ـ لو بني على إجمال الدليل ، لما عرفت من عدم الإطلاق الصالح للمرجعية في نفي الشك في الشرطية والمانعية.

[١] إجماعا ، بل ضرورة.

[٢] والعمدة في الصحة حينئذ : هي السيرة القطعية التي ادعاها في الجواهر وغيرها ، وإلا ـ فلو فرض قصور أدلة قدح البعد والحائل عن شمول الصف المتقدم ـ فاحتمال اعتبار توالي الافتتاح في صحة الاقتداء يوجب الرجوع الى الأصل ، الموجب لإجراء حكم المنفرد. فتأمل.

[٣] فإنه من القطعيات.

٢٣٨

جدار ونحوه لا يصح اقتداء من على اليمين أو اليسار [١] ممن يحول الحائط بينه وبين الامام ، ويصح اقتداء من يكون مقابلا للباب [٢] ، لعدم الحائل بالنسبة إليه ، بل وكذا من على جانبيه ممن لا يرى الامام ، لكن مع اتصال الصف على الأقوى [٣] ،

______________________________________________________

[١] فإنه المتيقن من الصحيح المتقدم ، ومن معاقد الإجماعات على قدح الحائل.

[٢] كما صُرح به في النص.

[٣] بل هو المنسوب الى الشيخ (ره) ومن تبعه. وفي الكفاية : « لم أجد من حكم بخلافه » وفي الرياض : « لا يكاد يوجد فيه خلاف إلا من بعض من تأخر ، حيث أنه ـ بعد ما نقل ما في المنتهى عن الشيخ ومن تبعه ـ استشكله ، فقال : « وهو متجه إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا ، وإلا كان في الحكم المذكور إشكال ، نظراً الى قوله (ع) : « إلا من كان بحيال الباب » فان ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافياً بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب ويساره. وفيه عدول عن الظاهر يحتاج الى دليل » ـ انتهى. وهو حسن » ـ انتهى ما في الرياض. ومراده من « بعض من تأخر » : صاحب الذخيرة. ومراد الذخيرة من « بعضهم » : صاحب المدارك. وعن المصابيح : تخصيص الحكم المذكور في المتن بالمنتهى والمدارك ومن تبعهما. وأنه مخالف لظاهر النص وفتوى الأصحاب ، حيث صرحوا بأن الصحيح صلاة من يقابل الباب. واستند في ذلك الى عبارة الشرائع والقواعد والتحرير ونحوها ، قال في الشرائع : « إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية ، دون صلاة من الى جانبيه إذا لم يشاهدوه. وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف‌

٢٣٩

______________________________________________________

الأول ، لأنهم يشاهدون من يشاهده ». وقال في القواعد : « لو صلى الإمام في محراب داخل صحت صلاة من يشاهده ». وقريب منهما غيرهما.

هذا ولكن دلالة الصحيح (١) على ما ذكره غير ظاهرة ، إذ ما يقصد التمسك به منه إن كان ما تضمن النهي عن الصلاة خلف المقاصير. ففيه ـ مع إجمال ( المقاصير ) ، وعدم العلم بكيفيتها ـ : لا يكون ظاهراً فيما ادعي ، بل ظاهر قوله (ع) : « ليست لمن صلى خلفها .. » عدم الاتصال أصلا بين المأمومين وبين إمامهم الذي يصلي فيها. وإن كان قوله (ع) : « وان كان بينهم سترة أو جدار .. » فيتوقف على كون المستثنى هو خصوص الشخص المصلي بحيال الباب ، في قبال جانبيه ممن كان على يمينه ويساره. وهو ـ مع أنه يقتضي بطلان صلاة جميع الصفوف المتأخرة إلا من كان منها بحيال الباب ، كما اعترف به في ظاهر حاشية المدارك. وهو خلاف المصرح به في العبارات السابقة ، بل الظاهر عدم القائل به ، إذ ما يتوهم من تلك العبارات هو بطلان صلاة أهل الصف الأول ممن كان على جانبي المحاذي للباب لا غير ـ غير ظاهر ، بل لا يبعد ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ إرادة قدح الحائل الموجب لانفصال المأمومين عن الإمام ، أو انفصال بعضهم عن بعض بنحو لا يتصل بالإمام ولو بواسطة ، كالصفوف التي تكون جناحاً للمقصورة أو خلفها. ولذا يستفاد منه قدح الحائل بين أهل الصف الأول في صحة صلاة من ينفصل عن الامام ، دون من يتصل به ، مع أنه غير مورد الصحيح. إذ ليس الوجه في هذه الاستفادة إلا ما ذكرناه من كون الصحيح في مقام اعتبار الاتصال. بالإمام ولو بواسطة ، ويشير إلى ذلك ـ أيضاً ـ أن موضوع الحكم ـ في الفقرة السابقة على الفقرة المذكورة ـ الصف ،

__________________

(١) مر ذكره في الكلام على الأمر الأول من الأمور المعتبرة في الجماعة.

٢٤٠