مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

الأحوط إتمامها عشاء ، والإتيان بالاحتياط ثمَّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب.

______________________________________________________

المغرب ، للشك المبطل لها. نعم لو فرض قصور أدلة الترتيب عن شمول المورد ، إما بذاتها ـ إذ لا إطلاق لها يشمل المقام ، ولا إجماع على ثبوته فيه ـ أو لعموم حديث : « لا تعاد .. » ـ حيث إنه يلزم من اعتبار الترتيب وجوب الإعادة فينتفي ـ كان إتمامها عشاء في محله ، ثمَّ الإتيان بالمغرب بعد ذلك. إلا أنه لا وجه لدعوى القصور في الروايات المتضمنة أنه : « إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل. إلا أن هذه قبل هذه ». وأما عموم حديث : « لا تعاد الصلاة .. » فلا مانع من شموله لمثل المقام.

ودعوى : أن الظاهر منه خصوص صورة تحقق الفعل المشتمل على الخلل بعنوان الامتثال ، فلا يشمل صورة الاضطرار إلى وقوع الخلل قبل تحققه ـ كالمضطر في الأثناء إلى ترك جزء أو شرط مما بقي عليه من ركعاتها ـ نظير ما لو نسي الساتر وذكره في الأثناء ، فإن حديث : « لا تعاد الصلاة .. » لا يصلح لرفع شرطية الساتر بالنسبة إلى بقية الصلاة. وكذا الترتيب بالنسبة إلى الركعات اللاحقة. مندفعة : بأن ذلك يتم بالنسبة إلى الشرائط المقارنة ـ كالساتر ونحوه ـ لا بالنسبة إلى الشرائط المتقدمة ـ كصلاة الظهر فيما نحن فيه إذا تركت نسياناً ـ فإن شرطية الترتيب راجعة إلى شرطية سبق صلاة الظهر ، كما لا يخفى. ولذا يجري الحديث مع الالتفات في الأثناء إلى ترك الجزء السابق نسيانا ، مع أن الترتيب المعتبر بين الأجزاء لا يختص بالأجزاء المأتي بها قبل الالتفات ، بل يعم الأجزاء اللاحقة له أيضا. والسر فيه : أن الفوت في مثل ذلك قبل الالتفات ، بخلاف الفوت في صورة الاضطرار إلى ترك الجزء أو الشرط في الأثناء ، فإنه بعد الالتفات‌

٦٠١

( السابعة ) : إذا تذكر في أثناء العصر أنه ترك من الظهر ركعة قطعها وأتم الظهر ، [١]

______________________________________________________

فلا يشمله الحديث ، بناء على عدم شموله للخلل الاضطراري.

فإن قلت : هذا يتم بالنظر إلى أدلة الترتيب الأولية. أما بالنظر إلى أدلة وجوب العدول فلا ، إذ المستفاد منها اعتبار الترتيب بعد الالتفات في الأثناء ، فلا تسقط شرطيته بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة. وحينئذ تكون الأدلة المذكورة مخصصة لحديث : « لا تعاد .. ». قلت : إذا كانت أدلة العدول قاصرة عن شمول المورد ـ لعدم صحة المعدول إليه ـ كيف يمكن التمسك بها لاعتبار الترتيب بعد الالتفات؟ كي يخرج بها عن عموم حديث : « لا تعاد .. ».

لا يقال : الأدلة المذكورة تتضمن الأمر بالعدول بالمطابقة ، وتدل على شرطية الترتيب مع الالتفات في الأثناء بالالتزام ، وعدم القدرة على العدول إنما يوجب سقوط الدلالة المطابقية لا الالتزامية ، كما هو كذلك في عدم القدرة بالإضافة إلى التكاليف العامة. لأنه يقال : ذلك يتم في عدم القدرة الناشئ من قصور المكلف ، لا الناشئ من قصور المحل ـ كما في المقام ـ فلاحظ. ومن ذلك كله تعرف : أنه لو نسي المغرب وذكرها في الرابعة من العشاء أتمها عشاء ، كما أشرنا إليه في المسائل السابقة ، وأفتى به المحققون.

[١] إذا قلنا بأن إدخال الصلاة في الصلاة من قبيل الفعل الكثير الماحي ـ كما هو الظاهر ـ وقلنا بأن الفعل الكثير الماحي مبطل ولو كان سهوا ـ كما هو المشهور ـ فصلاة الظهر في الفرض باطلة وركعة العصر صحيحة ، إذ لا موجب لبطلانها ، لا من حيث حصول الابطال المحرم بها ولا من حيث فقد الترتيب ، لأن المفروض وقوعها سهوا ، فلا مانع من التقرب بها ، ويسقط اعتبار الترتيب. وحينئذ يتعين عليه العدول بها إلى‌

٦٠٢

______________________________________________________

الظهر. وإن قلنا انه لا يبطل إذا وقع سهوا تكون كل من الصلاتين صحيحة ولأجل أنه لا مجال للعدول ـ لكون المفروض صحة صلاة الظهر فلا مجال للعدول بركعة العصر إليها ـ كان جريان حديث : « لا تعاد .. » لرفع شرطية الترتيب بالإضافة إلى بقية ركعات العصر في محله. وعليه فمقتضى صحة الظهر وجوب إتمامها ، فتبطل ركعة العصر لا دخل الظهر فيها عمدا ، كما أن مقتضى صحة ركعة العصر وجوب إتمامها ، فتبطل الظهر لما سبق. ولما لم يكن ترجيح لأحد الحكمين يتخير بين الأمرين ، فإن شاء أتم الظهر وإن بطلت العصر ، أو أتم العصر وإن بطلت الظهر. اللهم إلا أن يقال : إنه يمتنع إتمام العصر ، لأنه إن شرع في البقية بطلت الظهر ، لأنه أدخل فيها العصر عمدا ، وإذا بطلت وجب العدول بالعصر إليها ، فدليل قاطعية إدخال الصلاة في الصلاة ودليل العدول حاكمان على دليل وجوب الإتمام ورافعان لموضوعه ، لما عرفت : من أنه بلحاظهما لا يكون الإتمام ممكناً ، فيتعين حينئذ إتمام الظهر لا غير. وإن قلنا بأن إدخال الصلاة في الصلاة من قبيل ما يوجب فوات الموالاة ، فإن قلنا بوجوبها عمدا ـ لا سهواً ـ كان الكلام في الفرض على نحو ما سبق ، إذ حينئذ تكون كلتا الصلاتين صحيحة ، لكن إتمام إحداهما مبطل للأخرى لوقوعه عمدا ، فيجري فيه ما سبق من الترجيح والتخيير ، وان قلنا بعدم وجوب الموالاة ـ كما استظهرناه سابقا ـ فإتمام كل من الصلاتين لا يبطل الأخرى. ولأجل أن الترتيب سقط ـ لأجل أن الدخول في الثانية كان سهوا ـ فله إتمام كل منهما ثمَّ إتمام الأخرى ، من دون حاجة إلى الاستئناف. نعم لا يبعد أن يستفاد مما دل على مخرجية التسليم : أن التسليم لا حدي الصلاتين مخرج عنهما معا ، فتبطل الظهر لو كان قد أتم العصر ، كما أنه تبطل العصر لو كان قد أتم الظهر. فراجع وتأمل.

٦٠٣

ثمَّ أعاد الصلاتين. ويحتمل العدول [١] إلى الظهر ، وبجعل ما بيده رابعة لها ، إذا لم يدخل في ركوع الثانية ، ثمَّ إعادة الصلاتين. وكذا إذا تذكر في أثناء العشاء أنه ترك من المغرب ركعة [٢].

( الثامنة ) : إذا صلى صلاتين ثمَّ علم نقصان ركعة أو‌

______________________________________________________

[١] هذا الاحتمال لا وجه له ظاهرا ، إذ العدول ـ مع أنه خلاف الأصل ـ إنما يصح مع اتفاق المعدول عنها والمعدول إليها ، لا كما في المقام نعم قد يشهد له التوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (ع) : « كتب إليه يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلما صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (ع) : إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك » (١). لكن يمكن حمله على إرادة جعل الركعتين الأخيرتين للعصر اللتين لم يصلهما للظهر ، لا العدول بالركعتين الأولتين للعصر اللتين صلاهما. وأما احتمال أن يكون المراد : أن الظهر باطلة ويعدل بالعصر إليها ، ويتم العصر بعنوان الظهر ، فينافيه جدا قوله (ع) : « إن أحدث .. » وكيف كان فمع قرب المعنى الذي ذكرناه لا مجال للاعتماد عليه فيما ذكره. ولا سيما مع ظهور هجره عند الأصحاب ، وكونه مرسلا. فتأمل.

[٢] فإنه يجري فيه ما سبق بعينه ، حتى احتمال العدول ، لإمكان دعوى : إلغاء خصوصية مورد التوقيع.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٦٠٤

ركعتين من إحداهما من غير تعيين ، فان كان قبل الإتيان [١] بالمنافي ضم إلى الثانية ما يحتمل من النقص ، ثمَّ أعاد الأولى فقط ، بعد الإتيان بسجدتي السهو لأجل السلام احتياطاً. وإن كان بعد الإتيان بالمنافي ، فإن اختلفتا في العدد أعادهما ، وإلا أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة.

______________________________________________________

[١] الصور المتصورة في الفرض أربع ، فإنه تارة : يقع منه المنافي سهواً بين الصلاتين وبعدهما ، وأخرى : يقع بينهما ، لا بعدهما ، وثالثة : يقع بعدهما ، لا بينهما ، ورابعة : لا بينهما ، ولا بعدهما. وفي الجميع يرجع إلى أصالة عدم الإتيان بالركعة في كل من الصلاتين ، بعد تعارض القواعد المفرغة فيهما كقاعدتي الفراغ والتجاوز. ومقتضاها في الصورة الأولى إعادة الصلاتين ، لوقوع المنافي في الأثناء. ومقتضاها في الصورة الثانية في الصلاة الأولى. لزوم الإعادة لوقوع المنافي ، وفي الصلاة الثانية ضم ركعة متصلة الذي هو حكم من سلم على النقص. ولا مجال لاحتمال العدول في الثانية إلى الاولى لو كانتا مترتبتين ، للعلم بسقوط الترتيب ، إما لتمام الاولى فيكون الترتيب حاصلا ، أو لتمام الثانية فيسقط اعتباره بعد الفراغ لحديث : « لا تعاد الصلاة .. » مع أنه لا مجال للعدول بعد الفراغ. ومقتضاها في الصورة الثالثة : وجوب إعادتهما ، أما الصلاة الثانية فلوقوع المنافي في أثنائها وأما الصلاة الأولى فلبطلانها بفعل الثانية في أثنائها ـ بناء على قدح ذلك في الصحة ـ أو لوقوع المنافي في أثنائها ـ بناء على عدم قدح ذلك فيها ـ فإن الأولى إذا بقيت صحيحة إلى ما بعد السلام على الثانية كان المنافي ـ الواقع بعد الثانية ـ واقعا في أثنائها فتبطل لذلك. أما مقتضاها في الصورة الرابعة : فهو ضم ركعة متصلة إلى الثانية ـ الذي هو حكم من سلم على نقص ـ ووجوب إعادة الاولى ، لبطلانها بفعل الثانية في أثنائها. نعم بناء على عدم‌

٦٠٥

( التاسعة ) : إذا شك بين الاثنتين والثلاث ـ أو غيره من الشكوك الصحيحة ـ ثمَّ شك في أن الركعة التي بيده آخر صلاته أو أولى صلاة الاحتياط جعلها آخر صلاته [١] وأتم ، ثمَّ أعاد الصلاة [٢] ـ احتياطاً ـ بعد الإتيان بصلاة الاحتياط.

( العاشرة ) : إذا شك في أن الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أنه سلم على الثلاث وهذه أولى العشاء ، فان كان بعد الركوع بطلت ووجب عليه إعادة المغرب [٣] ،

______________________________________________________

اقتضاء ذلك البطلان فمقتضى أصالة عدم الركعة ـ الجاري في كل من الصلاتين ـ وجوب ركعتين ، إحداهما للثانية ، وثانيتهما للأولى. وحينئذ إن جاء بها للأولى بطلت الثانية ، لأنه أدخل صلاة في أخرى عمدا ، وإن جاء بها للثانية بطلت الاولى لذلك أيضا ، فيتخير بين الأمرين عقلا. نعم له أن يكتفي بالإتيان بركعة بقصد ما في الذمة المرددة بين ركعة الاولى والثانية ، فيجب عليه ذلك فراراً من لزوم الابطال المحتمل. كما أنه مهما وجب إعادة الصلاتين في هذه الصور يكتفي بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة مع الاتفاق في الكيفية. أما مع الاختلاف فلا بد من إعادتهما معاً.

[١] لعين الوجه المتقدم في المسألة الخامسة.

[٢] لاحتمال الفصل بينها وبين صلاة الاحتياط بالركعة المشكوكة ، الذي قد عرفت : احتمال قدحه في الصلاة الأصلية. لكن مقتضى أصالة عدم الإتيان بالمنافي عدم الاعتناء باحتمال الفصل.

[٣] أما البطلان فلانه لا يمكن أن يتمها عشاء ، لعدم إحراز نيتها ـ كما تقدم في المسألة الثانية ـ ولا مغربا ، لامتناع الرابعة في المغرب. ولا سيما مع احتمال نيتها عشاء. وأما وجوب إعادة المغرب فلقاعدة الاشتغال‌

٦٠٦

وإن كان قبله يجعلها من المغرب [١] ويجلس ويتشهد ويسلم ، ثمَّ يسجد سجدتي السهو لكل زيادة : من قوله : « بحول الله وللقيام وللتسبيحات احتياطاً [٢] ، وإن كان في وجوبها إشكال‌

______________________________________________________

بالتشهد والتسليم ، أو أصالة عدم الإتيان بهما ، ولا يمكن تداركهما حينئذ للعلم بأنه لا أثر لفعلهما ، إما لفعلهما ـ أولا قبل الركعة ـ على تقدير نيتها عشاء ـ أو لبطلان المغرب بزيادة الركوع ، على تقدير نيتها مغربا ، ومع العلم بالبطلان لا مجال لتدارك الجزء. والبناء على تصحيح المغرب تامة بقاعدة التجاوز الجارية لإثبات التشهد والتسليم. فيه : أن صدق التجاوز عن محلهما موقوف على الترتب بينهما وبين الركعة الرابعة المذكورة في الفرض وذلك موقوف على نيتها عشاء ، إذ لو كان قد نواها مغربا فلا ترتب بينهما وبينها فإن الركعة الزائدة لا ترتب بينها وبين الأجزاء الأصلية ، ومجرد كون الركعة من المنافيات للصلاة لا يقتضي ذلك ، كما تقدمت الإشارة إليه في فصل الشك.

[١] يعني : يبني على احتمال كونها زيادة في المغرب فيهدم ويجلس ويتشهد ، فإنه حينئذ يقطع بحصول المغرب تامة له ، إما قبل الدخول في الركعة ـ على تقدير نيتها عشاء ـ أو بعد التشهد والتسليم ، على تقدير نيتها مغربا. ثمَّ إنه حيث يعلم المكلف أنه في حال كونه مشغولا بالركعة هو في صلاة صحيحة ـ لأنه إما في مغرب أو في عشاء ـ ويعلم حينئذ بحرمة ابطالها لكن في كل من إتمامها مغربا وإتمامها عشاء موافقة احتمالية ومخالفة احتمالية فيجوز كل منهما ، لعدم الترجيح. وحينئذ لزوم جعلها مغربا ليس حكما إلزامياً ، بل هو إرشادي الى ما به تحصيل الموافقة القطعية لأمر صلاة المغرب وإلا فيجوز جعلها عشاء رجاء وإتمامها ، ثمَّ إعادة المغرب والعشاء معا احتياطاً كما تقدم في المسألة الخامسة.

[٢] هذا مبني على تحقق زيادات في المقام ، وعلى أن فعل الأجزاء‌

٦٠٧

من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب [١].

( الحادية عشرة ) : إذا شك ـ وهو جالس بعد السجدتين ـ بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهد في هذه الصلاة فلا إشكال في أنه يجب عليه أن يبني على الثلاث [٢] لكن هل عليه أن يتشهد أم لا؟ وجهان. لا يبعد عدم الوجوب بل وجوب قضائه بعد الفراغ إما لأنه مقتضى البناء على الثلاث [٣]

______________________________________________________

المستحبة في غير محلها زيادة. وقد عرفت المناقشة في كل منهما.

[١] وقد عرفت : أنه لا بد في صدق الزيادة من قصد الجزئية. ومع الشك فيه يشك فيه. فان قلت : يلزم من عدم التشهد والتسليم قصد الجزئية بالركعة الرابعة ، فأصالة عدمها يقتضي ثبوته. قلت : اللزوم المذكور ليس شرعيا ، فإثبات القصد المذكور بالأصل المزبور موقوف على القول بالأصل المثبت.

[٢] لما دل على لزوم البناء على الأكثر الشامل للفرض.

[٣] فإن إطلاق دليله يقتضي معاملة الركعة الثالثة البنائية معاملة الركعة الثالثة الواقعية ، حتى من حيث عدم كونها محلا للتشهد وأن الدخول فيها تجاوز عن محل التدارك. وتخصيصه بخصوص حيثية العدد لا غير خلاف إطلاق الدليل. مع أنه لو بني عليه كان اللازم الالتزام بوجوب التشهد لو شك بين الاثنتين والثلاث ـ وعلم أنه على تقدير الثلاث قد تشهد في الثانية ، وعلى تقدير الثنتين لم يتشهد ـ فإنه لو اختص نظر دليل البناء على الثنتين بخصوص حيثية العدد ، ولم يكن ناظرا إلى إثبات التشهد تعبدا كان مقتضى أصالة عدم الإتيان به ـ أو قاعدة الاشتغال ـ وجوب فعله ، ولا يظن الالتزام به من أحد. اللهم إلا أن يكون بناؤهم على ذلك إنما هو‌

٦٠٨

وإما لأنه لا يعلم بقاء محل التشهد من حيث أن محله الركعة الثانية [١] وكونه فيها مشكوك ، بل محكوم بالعدم [٢]. وأما لو شك وهو قائم بين الثلاث والأربع ـ مع علمه بعدم الإتيان بالتشهد في الثانية ـ فحكمه المضي والقضاء بعد السلام ، لأن الشك بعد تجاوز محله [٣].

______________________________________________________

من جهة ما يأتي ، لا لبنائهم على إطلاق دليل البناء على الأكثر.

[١] قد تقدم ـ في تقريب أصالة البطلان في الشكوك غير المنصوصة ـ تقريب كون محل التشهد الثانية والرابعة ، وظهور بعض النصوص في ذلك والمناقشة في ما هنالك.

[٢] يعني : أصالة عدم كون الركعة هي ، من قبيل استصحاب العدم الأزلي‌

[٣] إن كان المراد أن الشك في التشهد شك بعد التجاوز ـ فلا يلتفت إليه لقاعدة التجاوز ـ فالتشهد ليس مشكوكا وإنما هو معلوم الانتفاء. وإن كان المراد أن الشك بين الثلاث والأربع شك بعد تجاوز المحل فليس له معنى محصل ـ لا صغرى ، ولا كبرى ـ كما هو ظاهر. فالذي ينبغي : هو إلحاق الفرض المذكور بالفرض السابق في أن مقتضى قاعدة البناء على الأكثر هو المضي والقضاء ، وأن مقتضى استصحاب المحل هو التدارك ولو بالهدم وأنه لو غض النظر عنهما يكون في التدارك احتمال الزيادة وفي عدمه احتمال النقيصة. نعم يمكن في الأول الاحتياط بالإتيان بالتشهد بنية القربة المطلقة وفي الثاني لا يمكن ، إذ ليس القيام مما هو محبوب مطلقاً. نعم يمكن الاحتياط فيه أيضا ـ بناء على أن الإتيان بالجزء لا بقصد الجزئية بل برجاء المطلوبية لا يوجب صدق الزيادة ـ كما عرفت. وعليه يظهر أنه لا فرق بينهما أيضا في أن مقتضى العلم الإجمالي بوجوب التدارك أو القضاء هو الجمع بينهما. نعم بناء على صدق الزيادة بمجرد الإتيان بالفعل ـ ولو برجاء المطلوبية ـ

٦٠٩

( الثانية عشرة ) : إذا شك في أنه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثاني ، لأنه شاك بين الثلاث والأربع ، ويجب عليه الركوع ، لأنه شاك فيه مع بقاء محله [١]. وأيضا هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة. وأما لو انعكس ـ بان كان شاكا في أنه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة ـ فيحتمل وجوب البناء على‌

______________________________________________________

يشكل الاحتياط بالتدارك ، لاحتمال الزيادة. إلا أن يرجع الى أصالة عدمها فلا مانع من العمل بقاعدة الاشتغال. ولو لا ذلك أشكل تصحيح الصلاة من جهة الدوران بين المحذورين المذكورين ، فيجب الاستئناف.

[١] إلا أن العمل على هذه القاعدة يوجب العلم بعدم الحاجة إلى ركعة الاحتياط ، لأن الصلاة إما باطلة بزيادة الركوع ـ على تقدير كونها ثلاثا ، أو تامة على تقدير كونها أربعاً. ودعوى : أن تمام موضوع وجوب صلاة الاحتياط هو الشك بين الأقل والأكثر ، وإن علم بعدم الاحتياج إليها غير ظاهرة ، وإن صدرت من بعض الأعاظم ـ بحمل ما في النصوص ـ من كونها متممة للنقص ـ على أنه من قبيل علة التشريع ، التي لا يلزم اطرادها ، وأن الواقع بمجرد الشك ينقلب إلى الوظيفة المجعولة للشاك ـ فان ذلك إن لم يكن خلاف المقطوع به من النصوص ، فلا أقل من كونه خلاف الظاهر. مع أن لازمه أن لو شك بين الثلاث والأربع فغفل عن الشك وضم ركعة متصلة بطلت صلاته ، وإن علم بعد ذلك أنها ثلاث ، وأن ضم الركعة كان في محله. وهو كما ترى. فتأمل جيداً. فاذا امتنع الجمع بين العمل بقاعدة الشك في المحل وصلاة الاحتياط ، فقد امتنع الجمع بينها وبين قاعدة البناء على الأكثر ، لامتناع التفكيك في قاعدة البناء على الأكثر بين التسليم‌

٦١٠

الأربع بعد الركوع ، فلا يركع بل يسجد ويتم. وذلك لان مقتضى البناء على الأكثر البناء عليه من حيث أنه أحد طرفي شكه وطرف الشك الأربع بعد الركوع [١] ، لكن لا يبعد‌

______________________________________________________

على الأكثر وصلاة الاحتياط ، إذ لا تفي به الأدلة.

كما أنه يمتنع العمل بقاعدة البناء على الأكثر وحدها. أولا : من جهة أنه طرح لدليل قاعدة الشك في المحل بلا وجه. وثانيا : من جهة أن ظاهر أدلة قاعدة البناء على الأكثر كونها حكماً في ظرف احتمال الموافقة ، وهو غير حاصل في الفرض ، للعلم بأن التسليم على الرابعة البنائية غير مشروع ، إما لكونه تسليما عن الثلاث ، أو لكون الصلاة باطلة بترك الركوع. ومجرد الحكم بالاجزاء على تقدير المخالفة لا يوجب ظهور أدلتها فيما يعم الفرض ، كما عرفت آنفاً. ومن ذلك يظهر ضعف الدعوى المتقدمة التي ادعيت في المقام أيضا. كما أنه يمتنع أيضا العمل بقاعدة الشك وحدها بالبناء على الأقل أولا : من جهة الإشكالات المتقدمة في جواز البناء على الأقل في الشكوك غير المنصوصة. وثانياً : من جهة العلم ببطلان الصلاة ، إما لزيادة الركوع على تقدير كونها ثلاثا ، أو لزيادة ركعة ، على تقدير كونها أربعاً. ومن ذلك يظهر : أن الحكم بالبطلان في الفرض أظهر.

[١] هذا مسلم. إلا أن ظاهر أدلة البناء على الأكثر هو التعرض لثبوت الأكثر فقط ، من دون تعرض لقيده. ولذا لا يظن الالتزام ـ فيما إذا علم أنه على تقدير الأربع قد فات منه ركوع ـ أن أدلة البناء على الأكثر تثبت فوت الركوع. وسر ذلك : أن قاعدة البناء على الأكثر من قبيل الأصول الموضوعية التي تقصر عن إثبات اللوازم الاتفاقية ، بناء على التحقيق من بطلان الأصل المثبت. والفرق بين المثالين : بأن الأربع في الأول : أخذت مقيدة بما بعد الركوع ، وفي الثاني : أخذت مرسلة‌

٦١١

بطلان صلاته ، لأنه شاك في الركوع من هذه الركعة ، ومحله باق فيجب عليه أن يركع ، ومعه يعلم إجمالا أنه إما زاد ركوعا أو نقص ركعة ، فلا يمكن إتمام الصلاة [١] مع البناء على الأربع والإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي.

( الثالثة عشرة ) : إذا كان قائما ـ وهو في الركعة الثانية من الصلاة ـ وعلم أنه أتى في هذه الصلاة بركوعين ولا يدري أنه أتى بكليهما في الركعة الأولى ـ حتى تكون الصلاة باطلة ـ أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة فالظاهر بطلان الصلاة ، لأنه شاك في ركوع هذه الركعة ومحله باق فيجب‌

______________________________________________________

غير ظاهر ، لان التقييد والإرسال تابعان لكيفية العلم الجمالي الوجداني ، وكما أن العلم في الأول : قائم بين الثلاث التي لم يركع لها والأربع التي ركع لها ، كذلك في الثاني : قائم بين الثلاث التي لم يفت فيها ركوع والأربع التي فات فيها الركوع. وكون الركوع في الفرض من مقومات الرابعة وليس كذلك في المثال لا يجدي فارقا فيما نحن فيه ، لأنه لا يخرج فوت الركوع في المثال عن كونه قيداً للأربع أو للرابعة ، ولو بلحاظ ما قبلها. مع أنه يمكن التمثيل بالقيود التي في الرابعة ـ مثل الرابعة التي وفى فيها دينه ، أو وكل فيها في طلاق زوجته أو نحو ذلك ـ وقاعدة البناء على الأكثر لا تثبت ذلك بوجه أصلا ضرورة.

[١] لما عرفت آنفا في عكس الفرض. هذا حال الجمع بين القاعدتين. أما الأخذ بواحدة منهما فقط فهو طرح لدليل الأخرى بلا وجه. نعم يمكن أن يقال : إن أدلة البناء على الأكثر لما كانت إرفاقية تسقط ، حيث يلزم من إعمالها البطلان ولو بضميمة قاعدة أخرى ، فتسقط في المقام ، ويعمل‌

٦١٢

عليه أن يركع [١]. مع أنه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته ، ولا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محله ، فلا يمكنه تصحيح الصلاة.

( الرابعة عشرة ) : إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنه ترك سجدتين ولكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين [٢]

______________________________________________________

على أصالة الأقل ، وقاعدة الشك في المحل. لكنه مبني على إمكان الرجوع الى أصالة الأقل في الشكوك غير المنصوصة. وقد تقدم الكلام فيه في محله‌

[١] قد يقال : بأن أصالة الصحة في الصلاة تقتضي ثبوت الركوع لهذه الركعة ، وهي مقدمة على قاعدة الشك في المحل ، كما في سائر المقامات. وفيه : أن صحة الصلاة عبارة أخرى عن عدم زيادة الركوع في الركعة الاولى ، وهو يلازم كون الركوع الثاني في الثانية ، فإثباته له يتوقف على القول بالأصل المثبت. أو يقال : بأن مقتضى أصالة صحة الركوع الثاني كونه واقعا في الركعة الثانية ، إذ الركوع الثاني في كل صلاة إنما يكون صحيحاً إذا وقع في محله ، وهو الركعة الثانية. وفيه ـ أيضا ـ ما عرفت : من أن وجود الركوع لهذه الركعة لازم لصحة الركوع الثاني ، فلا يمكن إثباته بالأصل الجاري فيها. أو يقال : بأن قاعدة الشك في المحل يعلم بسقوطها عن الحجية ـ إما للإتيان بالركوع ، أو لبطلان الصلاة ـ فإذا بني على عدم الاعتناء باحتمال بطلان الصلاة لقاعدة الصحة لم يكن مانع من وجوب المضي فيها والإتمام. وفيه : أن قاعدة الصحة إنما تجري بالإضافة الى ما مضى من الافعال ولا تعرض فيها للفعل المشكوك فيه في محله ، فلا تصلح للحكومة على قاعدة الاشتغال بالركوع الثاني المأمور به بالأمر الضمني لتسقط عن الحجية ، ومقتضاها الاستئناف.

[٢] العلم الإجمالي بفوات سجدتين ، تارة : تكون أطرافه ثلاثة ـ كأن‌

٦١٣

______________________________________________________

لا يدري أنهما من ركعتين ، أو من ركعة سابقة ، أو من ركعة لاحقة كما فرض في المتن. واخرى : يكون له طرفان ـ كأن لا يدري أنهما من الركعة السابقة ، أو من الركعة اللاحقة ـ وكيف كان فاما أن يحصل العلم في المحل بالنسبة الى بعض أطرافه ، أو بعد التجاوز ، أو بعد الدخول في ركن ، أو بعد الفراغ ، فالصور ثمان ، نتعرض لحكمها هنا على سبيل الإجمال.

الصورة الاولى : أن تكون أطراف العلم ثلاثة وقد حصل في المحل كما لو علم ـ وهو جالس في الثانية ـ بالفوات ولم يدر أنهما من الأولى أو من الثانية ، أو واحدة من الاولى والأخرى من الثانية ، فمقتضى جريان الأصول المفرغة بالنسبة إلى سجدتي الاولى ـ كقاعدة التجاوز ـ هو الحكم بتحقق السجدتين فيها. ولا تعارضها مثلها في سجدتي الثانية ، لعدم جريانها مع الشك في المحل ، بل يمتنع جريانها في الثانية منهما ، للعلم بعدم سقوط أمرها ـ إما للبطلان على تقدير تركهما من الأولى ، أو لعدم الإتيان بها على تقدير المحتملين الآخرين ـ إذ مع العلم المذكور يمتنع التعبد بالوجود ، بل المرجع ـ في أولى سجدتي الثانية ـ قاعدة الشك في المحل الموجبة للتدارك ، ومقتضى العلم بعدم سقوط أمر الأخرى هو ذلك أيضا ، فيتداركهما معا في المحل ، ويتم صلاته ويكتفي بها.

الصورة الثانية : أن تكون أطراف العلم ثلاثة وقد حصل بعد تجاوز المحل ، كما لو حصل له العلم السابق وهو في التشهد فنقول : أما السجدة الثانية من الركعة الثانية فيعلم بعدم سقوط أمرها ـ كما سبق ـ فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها. وأما السجدة الاولى من الركعة الأولى فتجري فيها قاعدة التجاوز بلا معارض ، لان مفادها صحة الصلاة. وما يتوهم المعارضة لها هو قاعدة التجاوز في الثانية من الاولى والاولى من الثانية ، ومفادها في كل منهما هو التمام لا الصحة ـ على تقدير جريانها ، والأصل المتمم‌

٦١٤

______________________________________________________

لا يصلح لمعارضة الأصل المصحح ، للعلم بمخالفة المتمم للواقع المانع من التعبد به. نعم إذا تعدد مجرى الأصل المتمم ـ كما في المقام ـ وكما لو علم إجمالا بفوات الركوع أو السجدة أو التشهد ، فإن الأصل المتمم الجاري في كل من السجدة والتشهد مما لا يعلم بمخالفته للواقع تفصيلا ، إلا أنه يعلم بمخالفته للواقع إجمالا ، وهذا العلم الإجمالي مانع من جريانه في مورديه ، للتعارض ، فيسقط فيهما فقط ، ويبقى الأصل المصحح بلا معارض ، فان العلم الإجمالي المذكور في المثال وان كان ثلاثي الأطراف ـ أعني : الركوع والسجدة والتشهد ـ لكن لما كان الأخيران غير ركتين يكون بينهما علم إجمالي ثنائي الأطراف ، إذا يعلم باشتغال الذمة إما بالسجود أو بالتشهد ، فينحل العلم الأول به ، فيخرج الركوع عن كونه طرفا لعلم إجمالي منجز ، فلا مانع من جريان الأصل فيه ، ويختص المنع بالأصل الجاري في السجدة والتشهد لا غير ، وكذلك الكلام في المقام ، فإن السجدة الثانية من الاولى والاولى من الثانية ليس تركها موجباً للبطلان ، كالسجدة والتشهد في المثال. والسجدة الاولى من الاولى كالركوع ، ومن ذلك يظهر : أن الأصل المصحح لا يصلح لمعارضته بالأصل المتمم ، سواء اتحد مجراه أم تعدد. غاية الأمر أنه مع الاتحاد لا يجري للعلم التفصيلي بالاشتغال بمورده ، ومع التعدد لا يجري للعلم الإجمالي بذلك ، الموجب لانحلال العلم الإجمالي الواسع الدائرة.

هذا هو الكلام في السجدة الاولى من الاولى. وأما الثانية من الاولى والاولى من الثانية. فإن قلنا : بتحقق التجاوز بالإضافة إلى الاولى من الثانية بفعل التشهد جرت قاعدة التجاوز لإثباتها ، وبعد معارضتها بمثلها في الثانية من الاولى ـ كما عرفت ـ تسقطان ويرجع إلى أصالة عدم الإتيان بهما. ولا تتعارضان من جهة العلم الإجمالي بكذب إحداهما ، لعدم كونه منجزا ،

٦١٥

______________________________________________________

بناء على التحقيق : من أن المانع من جريان الأصول في الأطراف هو نفس العلم المنجز ، لا مطلقاً. ولازمه تدارك سجدتي الثانية معا ، إحداهما لأصالة عدم الإتيان بها ، والثانية للعلم بعدم سقوط أمرها ، ثمَّ إتمام الصلاة ، وقضاء السجدة الثانية من الركعة الأولى لأصالة عدم الإتيان بها. وان لم نقل بتحقق التجاوز بفعل التشهد للعلم بلغويته ـ إما للبطلان ، أو لوجوب الرجوع والتدارك ـ تعين جريان قاعدة التجاوز في الثانية من الاولى ، بلا معارض لها في الاولى من الثانية ، لوجوب الرجوع فيها إلى قاعدة الشك في المحل. وحينئذ ليس عليه إلا تدارك سجدتي الثانية والإتمام ، فيكون حكم هذه الصورة هو حكم الصورة الأولى.

الصورة الثالثة : أن تكون أطراف العلم ثلاثة وقد حصل بعد الدخول في الركن ، كما لو حصل له العلم المذكور وهو راكع في الثالثة فنقول : أما السجدة الثانية من كل من الركعتين فيعلم بعدم سقوط أمرها ، إما لبطلان الصلاة ، أو لعدم الإتيان بها. وأما الاولى من كل منهما فهي مجرى لقاعدة التجاوز بلا معارض ، إذ لا علم بكذب إحداهما ، لاحتمال فوت الثانية فقط من كل من الركعتين ، ولازم ذلك إتمام الصلاة وقضاء سجدتين.

فان قلت : وجوب قضاء السجدة حكم لعدم الإتيان بها ، لا لمجرد عدم سقوط أمرها ولو لبطلان الصلاة ، فكيف يكون العلم بعدم سقوط أمر السجدتين موجبا لقضائها؟ قلت : قد تقدم في المسألة الثالثة : أن المستفاد من أدلة وجوب قضاء والسجدة أن مجرد عدم الامتثال أمرها في صلاة صحيحة موجب القضاء ، وعدم الامتثال محرز بالوجدان ، وكون الصلاة صحيحة محرز بالأصل ، فيجب العمل على الحكم. ولو سلم كفى أصالة عدم الإتيان في إثبات وجوب القضاء ، كما سنشير إليه في المسألة اللاحقة ، وإلى بعض ما له نفع في المقام.

٦١٦

______________________________________________________

الصورة الرابعة. أن تكون أطراف العلم ثلاثة مع حصوله بعد الفراغ فان كان قبل فعل المنافي وكان احد الطرفين الركعة الأخيرة وقلنا بمخرجية التسليم فالحكم كما في الصورة الثالثة ، لأن السلام حينئذ يكون كالركن مانعا من التدارك. وكذا لو لم نقل بمخرجيته وكان الطرفان غير الركعة الأخيرة ـ بل هو في الحقيقة راجع الى الصورة الثالثة ـ ولو لم نقل بمخرجيته وكان أحد الطرفين الركعة الأخيرة فالحكم كما في الصورة الثانية. وإن كان بعد فعل المنافي ، فإن قلنا بقدح الفصل بالمنافي بين الصلاة وقضاء الأجزاء المنسية فالحكم البطلان ـ إما لفوات الركن ، أو للفصل ـ وإن لم نقل بالقدح فكما لو كان قبل فعل المنافي.

الصورة الخامسة : أن يكون للعلم طرفان وقد حصل في المحل ، كما لو علم ـ وهو جالس في الثانية ـ بفوات سجدتين لا يدري أنهما من الأولى أو من الثانية. وحكمه تدارك سجدتي الثانية والإتمام فقط ، لأنه يعلم بعدم امتثال أمر سجدتي الثانية ـ إما للبطلان ، أو لعدم الإتيان ـ فلا يمكن جريان الأصول المفرغة فيهما. مضافا الى قصورها ذاتا ، لكون الشك في المحل ، لا بعد التجاوز ، ولا بعد الفراغ. وعليه فتجري في سجدتي الأولى بلا معارض.

فان قلت : مجرد عدم سقوط أمر السجدتين من الثانية لا يوجب التدارك ، بل الموجب للتدارك هو عدم سقوط أمرهما لعدم الإتيان ، أما عدم سقوط أمرهما لأجل البطلان فإنما يوجب الإعادة ، لا التدارك. قلت : لا ريب في أن عدم سقوط أمر السجدتين يوجب امتثاله بفعلهما ، غاية الأمر أنه إن كان عدم سقوط أمرهما ملازماً اتفاقا ـ لعدم سقوط الأمر بما قبلهما من الاجزاء ـ كما في صورة البطلان ـ اقتضى وجوب فعلهما وفعل ما قبلهما من الاجزاء الذي هو معنى الإعادة ، وإن كان عدم سقوط أمرهما ملازماً لسقوط الأمر بما قبلهما اكتفي بفعلهما فقط بلا إعادة. فاذا ثبت سقوط الأمر بما قبلهما من‌

٦١٧

______________________________________________________

الاجزاء بمقتضى الأصول المفرغة الجارية فيما قبلهما اكتفي عقلا بفعلهما فقط كما لو علم بعدم الإتيان بالسجدتين من الثانية وشك في سجدتي الاولى. مع أنه لو فرض أن التدارك من لوازم خصوص عدم الإتيان أمكن إثباته بأصالة العدم ، كما أشرنا إلى ذلك آنفا. ويأتي أيضا.

الصورة السادسة : أن يحصل له العلم المذكور بعد التشهد في الثانية. والحكم فيها كما في الخامسة ، للعلم بعدم امتثال أمر السجدتين من الثانية أيضا فلا مجال لإجراء قاعدة التجاوز فيهما ، فتجري في سجدتي الأولى بلا معارض. وهنا شبهات تعرضنا لذكرها ودفعها فيما كتبناه في سالف الزمان شرحا لمسائل هذا الختام ، مما استفدناه في مجلس درس ، أو تدريس ، أو مذاكرة مع إخواننا الفضلاء ، أو في عزلة وتفكر. وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وستأتي الإشارة الى بعض ذلك في المسائل الاتية.

الصورة السابعة : أن يحصل له العلم المذكور وقد دخل في ركوع الثالثة. ولا ريب في البطلان حينئذ ، لنقص الركن غير الممكن التدارك.

الصورة الثامنة : أن يحصل له العلم بعد الفراغ ، فان كان طرفاه غير الأخيرة ، فالحكم كما في السابعة ـ بل هو منها ـ وإن كان أحد طرفيه الأخيرة فإن قلنا بمخرجية السلام لحقه حكم السابعة أيضا ، لنقص الركن ، مع امتناع التدارك. وإن لم نقل بمخرجيته لحقه حكم السادسة ـ من وجوب الرجوع والتدارك ثمَّ التشهد والتسليم ـ لما تقدم : من العلم بعدم امتثال أمر سجدتي الأخيرة ، وجريان قاعدة التجاوز في سجدتي ما قبلها. هذا إذا كان قبل المنافي ، وإن كان بعده بطلت على كل حال ، إما لنقص الركن ، أو لوقوع المنافي في الأثناء.

ثمَّ إنه يمكن تصوير العلم الثنائي الأطراف صوراً أخرى : بأن يعلم بفوات سجدتين ، إما من ركعة معينة ، أو منها ومن غيرها. وصورة ثمان‌

٦١٨

______________________________________________________

أيضا ، لأن الركعة المعينة أما اللاحقة أو السابقة ، وكل منهما تجي‌ء فيها الصور الأربع السابقة. ولا بأس بالإشارة إلى حكمها إجمالا فنقول.

الصورة الاولى : أن يعلم ـ وهو جالس في الثانية ـ أنه إما فاتته سجدتا الثانية أو سجدة منها وسجدة من الاولى ، فالسجدة الثانية من الثانية يعلم بعدم امتثال أمرها ، والسجدة الثانية ـ المعلوم إجمالا فواتها ـ مرددة بين السجدة الاولى من الثانية والثانية من الاولى ، وينحل العلم الإجمالي المذكور بجريان قاعدة الشك في المحل بالنسبة إلى الاولى من الثانية ، ويرجع في الثانية من الاولى الى قاعدة التجاوز ، ومقتضى ذلك وجوب فعل سجدتين للثانية ، إحداهما : للعلم ، والأخرى : لقاعدة الشك في المحل ، ويتم صلاته.

الصورة الثانية : أن يحصل له العلم المذكور بعد التشهد والتجاوز عن المحل. وحينئذ فالسجدة الثانية من الثانية لا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها للعلم بعدم امتثال أمرها. وأما السجدة الاولى من الثانية فإن قلنا بتحقق التجاوز بالإضافة إليها بمجرد فعل التشهد المحكوم بلغويته جرت قاعدة التجاوز فيها ، وتتعارض بمثلها ـ الجارية في الثانية من الاولى ـ للعلم بكذب إحداهما للعلم بترك إحدى السجدتين ، وبعد تساقط القاعدة فيهما للمعارضة يرجع إلى أصالة عدم الإتيان بهما. ولازم ذلك : وجوب تدارك سجدتي الثانية معا إحداهما : للعلم بعدم امتثال أمرها ، والأخرى : لأصالة عدم الإتيان ، ثمَّ إتمام الصلاة ، وقضاء السجدة الثانية من الأولى لأصالة عدم الإتيان بها وإن لم نقل بتحقق التجاوز به ـ للعلم بلغويته ـ فالحكم كما في المسألة الأولى.

الصورة الثالثة : أن يحصل العلم المذكور بعد ركوع الثالثة. وحينئذ يعلم بعدم سقوط أمر السجدة الثانية من الركعة الثانية ، إما لعدم الإتيان بها على تقدير فوات سجدة من كل من الركعتين ، أو لبطلان الصلاة على تقدير فواتهما معاً من الثانية ، فلا مجال للأصول المفرغة فيها ـ ومثلها الثانية‌

٦١٩

______________________________________________________

من الأولى ـ فينحصر الشك في امتثال أمر السجدة الاولى من الثانية فقط فتجري فيها الأصول المفرغة ، فتثبت بذلك صحة الصلاة ، لأن السجدة الأولى من الركعة الأولى معلومة التحقق وجدانا ، ومن الركعة الثانية تعبداً فلم يبق إلا العلم بعدم امتثال أمر كل من السجدتين الثانيتين من الركعتين فيتم صلاته ويقضيهما معا للعلم المذكور ، كما سبق.

الصورة الرابعة : أن يحصل العلم المذكور بعد الفراغ ، فان كان قبل فعل المنافي ، وكانت الركعتان غير الأخيرة ـ أو قلنا بمخرجية التسليم ـ فالحكم كما في الصورة الثالثة. وان كانت إحدى الركعتين الأخيرة ، وقلنا بعدم مخرجية التسليم فالحكم كما في الصورة الثانية. وإن كان بعد فعل المنافي فإن قلنا بقدح الفصل بالمنافي بين الصلاة والأجزاء المنسية فالحكم البطلان ـ اما لنقص الركن ، أو للفصل بالمنافي ـ وإن قلنا بعدم قدح الفصل به فالحكم كما لو كان قبل المنافي ، على اختلاف صوره.

الصورة الخامسة : أن يعلم ـ وهو جالس في الثانية ـ أنه إما ترك سجدتي الأولى أو الثانية منها والثانية من الثانية ، فهو يعلم تفصيلا بعدم الإتيان بالثانية من الاولى. كما يعلم أيضا بعدم امتثال أمر الثانية من الثانية إما للبطلان ، أو لعدم الإتيان. كما يعلم أيضا بوجود الاولى من الثانية ، وإنما يشك في وجود الاولى من الاولى فقط ، فتجري فيها قاعدة التجاوز بلا معارض ، وتثبت بها صحة الصلاة. وعليه فيسجد سجدة في المحل ـ لتكون سجدة ثانية للثانية ـ ويتم صلاته ، ثمَّ يقتضي السجدة الثانية من الأولى ، للعلم بفواتها وجدانا في صلاة صحيحة تعبدا.

الصورة السادسة : أن يحصل له العلم المذكور بعد التجاوز عن المحل والدخول في التشهد ـ مثلا ـ وحكمه كما سبق ، لما سبق من العلم بترك الثانية من الأولى وعدم امتثال أمر الثانية ، والعلم بوجود الاولى منها والشك‌

٦٢٠