مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

لكن الأحوط ـ مع ذلك ـ إعادة الصلاة.

ولو نسي الطمأنينة حال أحد الانتصابين احتمل فوت المحل وإن لم يدخل في السجدة ، كما مر نظيره. ولو نسي السجدة الواحدة أو التشهد وذكر بعد الدخول في الركوع أو بعد السلام فات محلهما [١] ، ولو ذكر قبل ذلك تداركهما. ولو نسي الطمأنينة في التشهد فالحال كما مر : من أن الأحوط الإعادة بقصد القربة والاحتياط ، والأحوط ـ مع ذلك ـ إعادة الصلاة أيضا ، لاحتمال كون التشهد زيادة عمدية حينئذ [٢] ،

______________________________________________________

لزوم التدارك بالدخول في السجود ، بل ادعى شيخنا الأعظم (ره) : اتفاقهم على ذلك. وكأنه منهم مبني على استفادة ذلك مما تقدم في نسيان الركوع حتى سجد ـ بناء على البطلان ـ فان الدخول في السجود إذا كان موجبا لتعذر تدارك الركوع فأولى أن يكون موجباً لتعذر تدارك الانتصاب لكن عرفت الإشكال في البطلان. مع أن التعدي عن مورده الى المقام محتاج الى القطع بالأولوية ، وهو مفقود.

ويحتمل أن يكون الواجب هو الانتصاب عن ركوع ، وهو مما لا يمكن تداركه. لكن لازمه فوات محله بالهوي الى السجود وإن لم يسجد ، ولذا التزم به بعض الاعلام من مشايخنا ( قده ) حيث استظهر من الأدلة : أن الواجب رفع الرأس عن الركوع حتى يعتدل قائما. وقد يشهد له ذكرهم له في واجبات الركوع. وهو غير بعيد. ومثله الكلام في الانتصاب بعد السجدة الأولى ، لاتحاد سياق دليلهما ، كما مر نظيره. ومر أن العمدة ـ في الدليل على اعتبار الطمأنينة ـ ، هو الإجماع ، ولم يثبت حال السهو.

[١] كما تقدم بيانه. وكذا ما بعده.

[٢] نظير السجود للعزيمة. لكن الاحتمال ضعيف جدا ، لأن التشهد‌

٤٢١

خصوصا إذا تذكر نسيان الطمأنينة فيه بعد القيام.

( مسألة ١٩ ) : لو كان المنسي الجهر أو الإخفات لم يجب التدارك بإعادة القراءة أو الذكر على الأقوى [١] ، وإن كان أحوط [٢] ، إذا لم يدخل في الركوع.

______________________________________________________

ذكر ، فيجوز الإتيان به بقصد القربة المرددة بين الجزء والذكر ، فإنه بالرجوع تلزم زيادة القيام عمدا احتمالا. هذا وقد تقدم في مبحث القيام : أن القيام في نفسه لا في حال القراءة ولا الذكر ـ ليس من أجزاء الصلاة بل هو من المباحات فيها ، فلا مانع من فعله فيها إذا لم يكن بقصد الجزئية.

[١] إما لأنه من قبيل الواجب في الواجب ، أو لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال (ع) : أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أولا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته » (١). فإن إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ما قبل الركوع وما بعده ، بل لا فرق فيه بين الفراغ من القراءة وعدمه ، حتى الآية والكلمة.

[٢] فقد حكي عن صريح جامع المقاصد. وكأنه لبنائه على كونه قيدا في القراءة ، وعدم إطلاق في النص بالنحو المتقدم ، نظير ما ورد في نسيان القراءة.

ولكنه كما ترى ، إذ لو لم يثبت كونه من الواجب في الواجب فالإطلاق لا مانع منه. والفرق بينه وبين قوله (ع) : « من نسي القراءة فلا شي‌ء عليه » (٢) ظاهر ، إذ لا يتحقق النسيان إلا في صورة عدم إمكان التدارك ولا يكون ذلك إلا بعد الركوع. ويكفي في صدق قوله : « جهر في موضع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٢٧ من أبواب القراءة في الصلاة.

٤٢٢

فصل في الشك

وهو : إما في أصل الصلاة ، وأنه هل أتى بها أم لا. وإما في شرائطها. وإما في أجزائها. وإما في ركعاتها.

( مسألة ١ ) : إذا شك في أنه هل صلى أم لا؟ فان كان بعد مضي الوقت لم يلتفت وبنى على أنه صلى [١] ، سواء كان الشك في صلاة واحدة أو في الصلاتين [٢].

______________________________________________________

الإخفاء » أن يقرأ جاهرا وإن لم يركع. والله سبحانه أعلم.

فصل في الشك‌

[١] ويظهر من كلام جماعة من الأعاظم ـ في مسألة ما لو ترددت الفائتة بين الأقل والأكثر ـ كونه من المسلمات ، منهم شيخنا في الجواهر وشيخنا الأعظم في مبحث الشبهة الوجوبية الموضوعية من رسالة البراءة. لمصحح زرارة والفضيل عن أبي جعفر (ع) : « متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلحا أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت ـ وقد دخل حائل ـ فلا إعادة عليك من شي‌ء حتى تستيقن ، فان استيقنتها فعليك أن تصليها في أي حالة كنت » (١).

[٢] للإطلاق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٤٢٣

وإن كان في الوقت وجب الإتيان [١] بهما ، كأن شك في أنه صلى صلاة الصبح أم لا ، أو هل صلى الظهرين أم لا؟ أو هل صلى العصر ـ بعد العلم بأنه صلى الظهر ـ أم لا؟

ولو علم أنه صلى العصر ولم يدر أنه صلي الظهر أم لا فيحتمل جواز البناء على أنه صلاها [٢] ، لكن الأحوط الإتيان بها ، بل لا يخلو عن قوة ، بل وكذلك لو لم يبق إلا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنه أتى بها وشك في أنه أتى بالظهر أيضا أم لا فإن الأحوط الإتيان بها ، وإن كان احتمال البناء على الإتيان بها ، وإجزاء حكم الشك بعد مضي الوقت هنا‌

______________________________________________________

[١] للنص المتقدم المطابق لقاعدة الاشتغال.

[٢] ينشأ : مما عن مستطرفات السرائر ، عن كتاب حريز ، عن زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا جاء يقين بعد حائل قضاء ومضى على اليقين ويقضي الحائل والشك جميعا ، فان شك في الظهر فيما بينه وبين أن يصلي العصر قضاها ، وإن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت. إلا أن يستيقن ، لأن العصر حائل فيما بينه وبين الظهر ، فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلا بيقين » (١) ولا مجال لمعارضته بمثل مصحح الفضيل وزرارة المتقدم ـ الدال على وجوب الفعل مع الشك في الوقت ـ وإن كان بينهما عموم من وجه ، لأن ظاهر الثاني كون الحكم لحيثية الشك في الوقت ، وظاهر الأول كون الحكم لحيثية الشك بعد فعل الحائل ، وهما لا يتنافيان ، لأن الأول من قبيل اللامقتضي ، والثاني من قبيل المقتضي. ولكن لم أجد عاجلا من تعرض لذلك. ويمكن ـ أيضا ـ إثبات وجود صلاة الظهر بقاعدة التجاوز.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٤٢٤

______________________________________________________

ودعوى : أن قاعدة التجاوز إنما تثبت وجود المشكوك بلحاظ صحة الفعل المتجاوز اليه لا غير ، ولا تعرض فيها لإثبات آثار وجوده من غير هذه الجهة.

مدفوعة فإن التحقيق : أن ظاهر دليلها جواز البناء على وجود المشكوك بلحاظ سائر آثاره ، لا خصوص البناء على صحة الجزء الذي دخل فيه ، وإلا لم يكن وجه لتطبيق القاعدة ـ في صدر صحيح زرارة الاتي ـ على الشك في القراءة وقد ركع ، إذا لا شك في صحة الركوع في الفرض ، وإنما الشك في وجود القراءة بلحاظ الاثار العملية كسجود السهو ، فتطبيق القاعدة إنما هو بهذا اللحاظ. ومثله تطبيقها على الشك في الأذان وهو في الإقامة فإنه لا شك في صحة الإقامة ، فلا بد أن يكون التطبيق بلحاظ استحباب الأذان. ولا جل ما ذكرنا جاز تطبيقها على الشك في القراءة وهو في القنوت ـ كما لعله المشهور ـ فان القنوت عمل خارج عن الصلاة يستحب فيها فلو كان الملحوظ في دليل القاعدة مجرد تصحيح ما دخل فيه لم يكن وجه لرفع اليد عن قاعدة الاشتغال بالقراءة بالإضافة إلى الصلاة. ومثله ما لو شك في التسليم وهو في التعقيب ، فإنهم بنوا على جريان القاعدة لإثبات التسليم ، فإذا بني على رفع اليد عن قاعدة الاشتغال الجارية في القراءة والتسليم ، فليكن الحال فيما لو شك في الظهر وهو في العصر كذلك ، لعدم الفرق بين المقامين.

ثمَّ إن مقتضى تطبيق القاعدة على الشك في القراءة وقد ركع هو الاكتفاء بالترتب الشرعي ولو بالجعل الاولي ، وإن كان ساقطا فعلا لفرض الغفلة وحينئذ فلا مانع من إجراء قاعدة التجاوز في الظهر وإن كان الشك بعد الفراغ من العصر. وسقوط الترتب حينئذ لا ينافي جريانها. ومن ذلك تعرف أن الاحتمال المذكور في المتن أقوى. نعم ما ذكرنا يختص بقاعدة التجاوز‌

٤٢٥

أقوى من السابق [١]. نعم لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر ، وعلم بعدم الإتيان بها أو شك فيه ـ وكان شاكا في الإتيان بالظهر ـ وجب الإتيان بالعصر [٢] ، ويجري حكم الشك بعد الوقت [٣] بالنسبة إلى الظهر ، لكن الأحوط قضاء الظهر أيضا.

______________________________________________________

ولا يجري في قاعدة الفراغ ـ بناء على كونهما قاعدتين متباينتين كما هو ظاهر الأصحاب ، واختاره جماعة من تلامذة شيخنا الأعظم واتباعهم ـ لاختصاص دليل الثانية بإثبات صحة العمل المفروغ عنه ، ولا تعرض فيه لإثبات وجود المشكوك مطلقا ، كما في قاعدة التجاوز. نعم بناء على إرجاع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ ، وجعل نصوص البابين من باب واحد ، وهو قاعدة الفراغ ـ كما عليه شيخنا الأعظم (ره) في رسائله ، وتبعه عليه غيره ـ تكون قاعدة الفراغ أيضا دالة على ذلك. لكنه خلاف التحقيق ، فان مفاد مجموع النصوص مفهومان ، أحدهما : إلغاء الشك في الوجود ، والأخر إلغاء الشك في صحة الموجود. وشرط الأول : الدخول في جزء مترتب على المشكوك. وشرط الثاني : مجرد الفراغ البنائي. ويختلفان أثرا في الجهة التي ذكرناها : من أن قاعدة الفراغ لا تعرض فيها إلا لصحة الموجود ، وقاعدة التجاوز تثبت وجود المشكوك مطلقا.

[١] لاختصاصه باحتمال كونه من الشك بعد خروج الوقت.

[٢] للعلم ، أو لقاعدة الشك في الوقت.

[٣] إذ بناء على الاختصاص يكون من الشك بعد خروج الوقت. وإنما لم يجزم بذلك في الفرض السابق ، لأن الاختصاص ـ على تقدير القول به ـ يختص بصورة عدم فعل الفريضة ذات الوقت ، كالعصر في الفرض‌

٤٢٦

( مسألة ٢ ) : إذا شك في فعل الصلاة ـ وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزل منزلة تمام الوقت أو لا؟ وجهان [١] ، أقواهما الأول. أما لو بقي أقل من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج [٢].

( مسألة ٣ ) : لو ظن فعل الصلاة فالظاهر أن حكمه حكم الشك [٣] في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه وكذا لو ظن عدم فعلها.

( مسألة ٤ ) : إذا شك في بقاء الوقت وعدمه يلحقه‌

______________________________________________________

أما مع فعلها ـ كما في الفرض السابق ـ فلا اختصاص ، بل يكون آخر الوقت وقتاً للفريضة السابقة ، كما تقدم من المصنف في أوائل فصل الأوقات. فراجع.

هذا ولو بني على الاشتراك في الوقت ، لم يكن فرق بين الصور الثلاث في لزوم إعمال قاعدة الشك في الوقت بالنسبة إلى الظهر ـ لو لا النص المتقدم الجاري في الصورتين الأوليين ـ لو لا ما عرفت من إمكان إجراء قاعدة التجاوز.

[١] مبنيان على إطلاق قوله (ص) : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (١) بنحو يشمل حيثية الشك وعدمه. والأول أوفق بإطلاق التنزيل ، ولذا كان أقوى عند المصنف (ره).

[٢] لصدق الشك بعد خروج الوقت ، الذي هو موضوع لعدم وجوب الفعل في النص المتقدم. اللهم إلا أن يكون المراد منه الشك بعد خروج تمام الوقت. لكنه غير ظاهر.

[٣] بل هو منه ، إذ الشك خلاف اليقين ، إما لأنه معناه حقيقة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

٤٢٧

حكم البقاء [١].

( مسألة ٥ ) : لو شك في أثناء صلاة العصر في أنه صلى الظهر أم لا؟ فان كان في الوقت المختص بالعصر بنى على الإتيان بها [٢] ، وإن كان في الوقت المشترك عدل الى الظهر [٣] ، بعد البناء على عدم الإتيان بها.

______________________________________________________

أو لكونه المراد منه بالنص ، بقرينة باليقين. وكذا الحال في ظن العدم.

[١] لاستصحاب بقاء الوقت ، إذ الظاهر من الشك في وقت الفريضة ـ بقرينة المقابلة بالشك بعد ما خرج الوقت ـ هو الشك ما دام وقت الفريضة. فتأمل.

ولو بني على كونه ظاهرا في الشك في وقت هو وقت الفريضة ـ بنحو مفاد كان الناقصة ـ امتنع جريان استصحاب الوقت ، فإنه لا يثبت كون وقت الشك هو وقت الفريضة ، إلا بناء على الأصل المثبت. ومثله : استصحاب وجوب الفعل في الوقت. بل المرجع قاعدة الاشتغال ، للشك في تحقق الامتثال. أو استصحاب وجوب الفعل من دون أخذ الوقت قيدا له ، كما تقدم تحقيقه في مبحث قضاء الصلوات.

[٢] لأنه من الشك بعد خروج الوقت ـ بناء على الاختصاص ـ كما تقدم.

[٣] كأنه لاحتمال أن النص المتقدم ـ المروي عن المستطرفات (١) ـ مورده الشك بعد خروج الوقت ، لكن لا يبعد التعدي عن مورده الى المقام لصدق قوله (ع) : « فقد دخل حائل ». وأما قاعدة التجاوز فهي جارية هنا إذا كانت تجري هناك. وكذلك قاعدة الفراغ ـ بناء على صحة جريانها في الأثناء بلحاظ ما مضى من الاجزاء ، كما هو الظاهر ـ لإطلاق الدليل.

__________________

(١) تقدم ذكره في أوائل المسألة : ١ من هذا فصل.

٤٢٨

( مسألة ٦ ) : إذا علم أنه صلى إحدى الصلاتين ـ من الظهر أو العصر ولم يدر المعين منها يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة [١] ، سواء كان في الوقت أو في خارجه. نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء على أن ما أتى به هو الظهر ، فينوي فيما يأتي به العصر [٢] ولو علم أنه صلي إحدى العشاءين ولم يدر المعين منهما وجب الإتيان بهما [٣] ، سواء كان في الوقت أو في خارجه. وهنا ـ أيضا ـ لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بنى على أن‌

______________________________________________________

[١] لحصول العلم بالفراغ بذلك ، لكفاية نية الظهرية والعصرية إجمالا إجماعا. ويقتضيه النص المتقدم في الفائتة المرددة.

[٢] لأن الشك في الظهر شك بعد خروج الوقت ، وفي العصر شك في الوقت ، فيترتب في كل أثره ، فيبنى على الإتيان بالظاهر وعدم الإتيان بالعصر. إلا أن يقال : إن الشك في الظهر إنما يكون بعد خروج الوقت لو لم يكن ما صلاة عصرا واقعا. أما لو كان عصراً فالشك في الظهر شك في الوقت. وإذ أن المفروض هو الشك فيما صلاة فلم يحرز كون الشك في الظهر شكا بعد الوقت ، فقاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم فعلها ـ محكم كالعصر. ولازمه : وجوب الإتيان بأربع مرددة.

نعم يمكن إثبات الاختصاص بالعصر بأصالة عدم فعلها. ولا يعارض بأصالة عدم فعل الظهر ، لأنه لا ينفي ذلك ـ أعني : الاختصاص بالعصر ـ بل إذا ثبت اختصاص الوقت بالعصر كانت قاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر حاكمة على أصالة عدم الإتيان بها ، فيمتنع التعارض بينهما.

[٣] لتوقف العلم بالفراغ ـ الواجب عقلا ـ عليه.

٤٢٩

ما أتى به هو المغرب ، وأن الباقي هو العشاء [١].

( مسألة ٧ ) : إذا شك في الصلاة في أثناء الوقت ونسي الإتيان بها وجب عليه القضاء [٢] إذا تذكر خارج الوقت. وكذا إذا شك واعتقد أنه خارج الوقت ثمَّ تبين أن شكه كان في أثناء الوقت [٣]. وأما إذا شك واعتقد أنه في الوقت فترك الإتيان بها ـ عمداً أو سهواً ـ ثمَّ تبين أن شكه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء.

( مسألة ٨ ) : حكم كثير الشك في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره ، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه [٤]. وأما الوسواسي فالظاهر أنه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت.

______________________________________________________

[١] للوجه المتقدم في نظيره.

[٢] لأصالة عدم الإتيان بالفعل الذي هو موضوع وجوب القضاء. ولا مجال لإجراء قاعدة الشك بعد خروج الوقت ، لاختصاصها بالشك الحادث بعد الوقت ، نظير ما قيل في قاعدة الفراغ.

[٣] إذ المدار في الحكم على الموضوع الواقعي ، لا الخيالي الخطئي. وكذا الحال فيما بعده.

[٤] لإطلاق أدلة القواعد المذكورة. ولا دليل يقتضي الخروج عنها سوى ما في مصحح زرارة وأبي بصير ـ الوارد في كثير الشك في الصلاة ـ من قوله (ع) : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم بعد اليه الشك .. » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٤٣٠

( مسألة ٩ ) : إذا شك في بعض شرائط الصلاة ، فاما أن يكون قبل الشروع فيها ، أو في أثنائها ، أو بعد الفراغ منها. فان كان قبل الشروع فلا بد من إحراز ذلك الشرط [١] ولو بالاستصحاب ونحوه من الأصول ـ وكذا إذا كان في الأثناء ـ وإن كان بعد الفراغ منها حكم بصحتها [٢] ، وإن‌

______________________________________________________

وقد اعتمد عليه في المستند فبنى على عدم الالتفات الى الشك في الفرض. وحكاه عن بعض مشايخه المحققين. لكنه يتوقف على إحراز كون كثرة الشك هنا من الشيطان ، وهو غير ظاهر مطلقا. وكونه من الشيطان إذ كان يؤدي الى نقض الصلاة لا يلزم كونه كذلك في غيره. نعم لا إشكال في عدم الالتفات إليه إذا كان من الوسواس ، لحرمة العمل عليه إجماعا.

[١] لقاعدة الاشتغال ، الجارية في التكليف بالمشروط ، الموجبة لتحصيل اليقين به وبشرطه. وكذا الحال في الشك في الأثناء.

[٢] لقاعدة الصحة المعول عليها عند العقلاء ، سواء أكان الشك في فعل الإنسان نفسه ، أو في فعل غيره ، أم في عين خارجية ، بل ادعى بعض الاعلام عليها ـ في الجملة ـ : الإجماع ، وسيرة المتشرعة. ويشهد لها ـ في المقام وغيره ـ جملة من النصوص ، كصحيحة محمد بن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة. قال (ع) : يمضي على صلاته ولا يعيد » (١) ، وصحيحته عن أبي جعفر (ع) : « كل ما شككت فيه ـ بعد ما تفرغ من صلاتك ـ فامض ولا تعد » (٢) ، وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته ، قال : فقال (ع) : لا يعيد ولا شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢‌

٤٣١

______________________________________________________

عليه » (١) ، وصحيحته الأخرى عنه (ع) : « إذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعا؟ وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصلاة ، وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك » (٢) وموثقته : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة عليك فيه » (٣) ، وموثقته الأخرى عن أبي جعفر (ع) : « كل ما شككت فيه ـ مما قد مضي ـ فامضه كما هو » (٤) ، وموثق ابن أبي يعفور : « إنما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (٥) ـ بناء على حمله على قاعدة الفراغ ـ كما تقدم في الوضوء.

ويمكن الاستدلال على الصحة في المقام بما دل على قاعدة التجاوز من النصوص الاتية. لكنه يختص بما إذا كان الشك في الصحة ناشئاً من الشك في وجود الشرط المقارن ، أو وجود الجزء الأخير ولما يدخل في أمر مترتب على المشكوك ، لعدم جريان قاعدة التجاوز في مثل ذلك ، لاعتبار حدوث الشك فيها بعد الدخول فيما هو مرتب على المشكوك. وبذلك افترقت عن قاعدة الفراغ ، لعدم اعتبار ذلك فيها. كما افترقتا ـ أيضا ـ بأن مفاد قاعدة التجاوز : إثبات الوجود ـ بنحو مفاد كان التامة ـ ومفاد قاعدة الصحة أو الفراغ : إثبات تمامية الموجود ـ بنحو مفاد كان الناقصة ـ فلا مجال لإرجاع إحداهما إلى الأخرى ، كما أشرنا الى ذلك آنفا ، بل الأولى ـ لو جرت ـ فهي حاكمة على الثانية. ولذا كانت مغنية عنها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٤٣٢

كان يجب إحرازه للصلاة الأخرى [١]. وقد مر التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة.

( مسألة ١٠ ) : إذا شك في شي‌ء من أفعال الصلاة فاما أن يكون قبل الدخول في الغير المرتب عليه ، وإما أن يكون بعده. فان كان قبله وجب الإتيان [٢] ، كما إذا شك في الركوع‌

______________________________________________________

[١] لقصور الأدلة المتقدمة عن إثبات المشكوك مطلقا حتى بلحاظ مشروط آخر ، إذ النصوص مختصة بعدم وجوب الإعادة. وبناء العقلاء لم يثبت عمومه لغيره من الاثار.

[٢] بلا خلاف ـ كما عن جماعة ـ لقاعدة الاشتغال ، أو استصحاب عدم المشكوك. ويقتضيه مفهوم الشرط في النصوص الاتية ـ فتأمل ـ وجملة من النصوص الخاصة ، كصحيح عمران الحلبي : « في الرجل يشك وهو قائم فلا يدري ركع أم لا. قال (ع) : فليركع » (١) ونحوه صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٢) ومصحح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل رفع رأسه من السجود فشك ـ قبل أن يستوي جالساً ـ فلم يدر أسجد أم لم يسجد. قال (ع) يسجد .. » (٣) وعليه ينزل إطلاق صحيح أبي بصير والحلبي : « في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع؟ قال (ع) : يركع » (٤) ومصحح الحلبي : « عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين. قال (ع) : يسجد أخرى » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الركوع حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الركوع حديث : ١.

٤٣٣

وهو قائم ، أو شك في السجدتين ـ أو السجدة الواحدة ـ ولم يدخل في القيام أو التشهد. وهكذا لو شك في تكبيرة الإحرام ولم يدخل فيما بعدها ، أو شك في الحمد ولم يدخل في السورة أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت. وإن كان بعده لم يلتفت [١]

______________________________________________________

ونحوهما خبرا زيد الشحام (١) وأبي بصير (٢) جمعا بينها وبين النصوص الاتية. وأما مصحح الفضيل : « أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال (ع) : بلى قد ركعت ، فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان » (٣) فالظاهر من الاستتمام قائما القيام من الركوع ، ويكون الشك وسواساً محضاً.

[١] إجماعا ـ في الجملة ـ كما عن الذخيرة والرياض والدرة وبلا خلاف ، كما عن مجمع البرهان. ويدل عليه صحيح زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة. قال (ع) : يمضي. قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر. قال (ع) : يمضي. قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ. قال (ع) : يمضي. قلت : شك في القراءة وقد ركع. قال (ع) : يمضي. قلت : شك في الركوع وقد سجد. قال (ع) : يمضي على صلاته ، ثمَّ قال (ع) : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٤) وصحيح إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث قال (ع) : « إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٤٣٤

وبنى على أنه أتى به ، من غير فرق بين الأولتين والأخيرتين على الأصح [١].

______________________________________________________

كل شي‌ء شك فيه ـ مما قد جاوزه ودخل في غيره ـ فليمض عليه » (١) وصحيح حماد بن عثمان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا. قال (ع) : أمضه » (٢) ومصحح عبد الرحمن « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال (ع) : قد ركع » (٣) ومن الأولين يستفاد قاعدة كلية ، وهي : عدم الاعتناء بالشك في الشي‌ء بعد الدخول فيما بعده ، المعبر عنه ـ عند الفقهاء ـ بقاعدة التجاوز ، المقابلة لقاعدة الفراغ ، المستفادة من النصوص المتقدمة في المسألة التاسعة. وقد عرفت اختلاف القاعدتين مفهوما ، وشرطاً وأثراً ، ودليلا ، ورتبة.

[١] كما هو المشهور ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخين وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في التذكرة ـ كما في الجواهر ـ على إشكال في الجملة في كيفية خلافهم. وكيف كان قد يستدل لهم : بما تضمن الأمر بالإعادة عند الشك في الركعتين ، أو في الركعتين الأولتين ، أو إذا لم تحفظ الركعات ، أو في الفجر والجمعة والسفر ونحوه. وقد عقد له في الوسائل بابين طويلين (٤) لكن هذه النصوص لو لم تكن ظاهرة في الشك في عدد الركعات فهي محمولة عليه ، جمعا بينها وبين ما عرفت مما هو صريح في الأولتين ، كصحيح زرارة ، أو قد يأبى الحمل على الأخيرتين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١ ، ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٤٣٥

والمراد بالغير مطلق الغير المترتب على الأول [١] ، كالسورة بالنسبة إلى الفاتحة.

______________________________________________________

[١] كما هو مختار جماعة من الأساطين. لإطلاق الغير في الصحيحين وفي المسالك : « المفهوم من الموضع محل يصلح لإيقاع الفعل المشكوك فيه كالقيام بالنسبة إلى الشك في القراءة وأبعاضها وصفاتها والشك في الركوع وكالجلوس بالنسبة إلى الشك في السجود والتشهد .. » وفيه : أنه خلاف صحيح زرارة ، فإن من شك في الأذان وهو في الإقامة قد حصل له الشك المذكور في موضع يمكن فيه فعل الأذان. وكذا الحال فيمن شك في الأذان والإقامة وقد كبر ، وفيمن شك في التكبير وقد قرأ. مع أن لفظ الموضع لم يذكر في النصوص ليتكلف في تعيين المراد منه ، بل المذكور : « التجاوز عن الشي‌ء » و « الدخول في الغير ». وحمله على ما ذكر غير ظاهر.

ومثله : ما ذكر جماعة ـ تبعا لما يظهر من الروضة ـ من كون المراد من ( الشي‌ء ) و ( الغير ) الأفعال المفردة بالتبويب ، كالتكبير ، والقراءة والركوع ، والسجود ، والتشهد ، فلو شك في الفاتحة وهو في السورة التفت لعدم كون إحداهما غيراً بالإضافة إلى الأخرى ، وكذا لو شك في أول الفاتحة وهو في آخرها. والوجه فيه : انصراف ( الشي‌ء ) و ( الغير ) الى ذلك. ولا سيما في صحيح إسماعيل ، المشتمل على التمثيل بالشك في الركوع بعد ما سجد ، والشك في السجود بعد ما قام ، الظاهر في كون ذلك توطئة وتمهيداً للقاعدة المذكورة في ذيله ، فيكون تحديدا للغير بذلك. ولو كان المراد منه مطلق الغير كان المناسب التمثيل بالشك في الركوع بعد ما هوى للسجود ، وبالشك في السجود بعد ما نهض ، بل في صحيح زرارة أيضا لاشتماله على العطف بـ ( ثمَّ ) الظاهرة في التراخي وعدم الاكتفاء بمجرد الفصل القصير. وفيه : منع الانصراف جداً ، ولا سيما بملاحظة الارتكاز‌

٤٣٦

______________________________________________________

العرفي. والتوطئة والتمثيل في صحيح إسماعيل لا يقتضيه ، إذ هو خلاف فرض عمومه للمثال ولغيره. كيف ولو اقتضاه أمكن التشكيك في عمومه لغير الأركان أيضا ، ولا يلتزم به القائل المذكور. وأما عدم التمثيل بالهوي والنهوض فيمكن أن يكون لندرة الشك حالهما ، بل لا بد من حمله على ذلك بالنسبة إلى الشك في الركوع حال الهوي ، لما تقدم في مصحح عبد الرحمن. والعطف بـ ( ثمَّ ) لا بد أن يحمل على غير التراخي ، بقرينة ما ذكر في صدر الصحيح الأول. إلا أن يحمل الشك في الأذان ـ وقد دخل في الإقامة ـ على إرادة الشك في الأجزاء ، كالجزء الأول من الأذان ، وكذا في بقية الفروض. وهو ـ كما ترى ـ مما يمتنع حمل النص عليه.

نعم قد يقال في تقريب هذا القول ـ : إن المغايرة بين ( الشي‌ء ) المشكوك ، ( والغير ) إنما كانت بلحاظ كل في قبال الأخر ، وإلا فلو لوحظ مجموعهما شيئاً واحدا في قبال أمر ثالث لم تكن بينهما مغايرة ، بل كانت المغايرة بين مجموعهما وبين ذلك الأمر الثالث. وحينئذ فاما أن يكون الملحوظ ـ في نظر الجاعل ـ كل واحد من الأجزاء المفردة بالتبويب في قبال غيره مما كان منهما ، فتختص القاعدة بالشك في واحد منها عند الدخول في الأخر ـ كالشك في القراءة عند الدخول في الركوع ـ ولا تجري في الشك في جزء الجزء عند الدخول في الجزء الأخر من ذلك الجزء ، كالشك في آية من الفاتحة عند الدخول في آية أخرى منها. أو يكون الملحوظ كل واحد من أجزاء الأجزاء في قبال غيره ، فتجري في الفرض الثاني ، ولا تجري في الفرض الأول ، إلا بلحاظ أجزاء الأجزاء. ولا يمكن لحاظ الجامع بينهما ، للزوم التدافع بين منطوق الدليل ومفهومه فيما لو شك في آية من الفاتحة وقد دخل في آية أخرى ، إذ بلحاظ نفس الأجزاء ـ كالقراءة ـ بصدق أنه شك قبل الدخول في الغير. ومقتضاه الالتفات الى الشك.

٤٣٧

______________________________________________________

وبلحاظ أجزاء الأجزاء يصدق الشك بعد الدخول في الغير ، ومقتضاه المضي وعدم الالتفات ، فاذا امتنع لحاظ الجامع ، وتردد الأمر بين الفردين كان اللازم الحكم بالإجمال. إلا أن قرينة السؤال توجب حمل الكلام على كونه بلحاظ نفس الأجزاء ، لا أجزائها.

فإن قلت : لازم ذلك عدم جريان القاعدة عند الشك في آية من الفاتحة وهو في الركوع. قلت : نعم لا تجري القاعدة بلحاظ الشك في الاية ، وإنما تجري بلحاظ الشك في القراءة ، لأن الشك في الجزء عين الشك في الكل ، لأن عدم الجزء عين عدم الكل. هذا ولكن التدافع في الفرض المذكور مبني على أن يكون المراد من الشك في الشي‌ء ما يعم الشك في الكل ـ للشك في جزئه ـ وهو غير ظاهر. ومجرد كون عدم الجزء عين عدم الكل ، فيكون الشك فيه عين الشك في الكل لا يصحح دعوى استظهاره من الكلام ، بل الظاهر من إطلاق الشك في الشي‌ء الشك في وجوده ، لا ما يعم الشك في تمامه ، ففي الفرض المتقدم يصدق أنه شك بعد الدخول في الغير ، ولا يصدق عليه أنه شك قبله. ولو سلم عدم ظهوره في ذلك فلا أقل من وجوب حمل الكلام عليه ، دفعا لمحذور التدافع المذكور. وأما قرينة السؤال فغير ظاهرة ، إذا الحكم في مورد السؤال يوافق كلا من القولين ، فكيف يصلح قرينة على تعيين أحدهما؟.

فالمتحصل : أن الظاهر من الشي‌ء المشكوك هو المشكوك الوجود ، الملحوظ في قبال معلوم الوجود ، المنطبق تارة : على جزء الجزء ، وأخرى : على تمام الجزء ، وثالثة : على مجموع الجزءين. ويشير اليه ما في صدر الصحيح من تطبيقه تارة : في الأذان الملحوظ في قبال الإقامة ، وأخرى : في الأذان والإقامة في قبال التكبير. فلاحظ. وأضعف من ذلك ما عن بعض : من اختصاص الغير بالأركان. وكأنه ناشئ عن إهمال أدلة القاعدة‌

٤٣٨

فلا يلتفت الى الشك فيها وهو آخذ في السورة [١] ، بل ولا إلى أول الفاتحة ـ أو السورة ـ وهو في آخرهما ، بل ولا الى الاية وهو في الآية المتأخرة ، بل ولا إلى أول الآية وهو في آخرها. ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءاً واجبا أو مستحباً [٢] ، كالقنوت بالنسبة إلى الشك في السورة ، والاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام ، والاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربع ، فلو شك في شي‌ء من المذكورات ـ بعد الدخول في أحد المذكورات ـ لم يلتفت. كما أنه لا فرق في المشكوك فيه ـ أيضا ـ بين الواجب والمستحب [٣].

والظاهر عدم الفرق بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء‌

______________________________________________________

والرجوع الى أصالة عدم الإتيان بالمشكوك ، فيكون الحكم فيه حكم النسيان وفيه : أنه لا وجه لإهمال أدلة القاعدة مع صحة إسنادها ، وصراحة دلالتها واعتماد الأصحاب عليها ، فاذاً ما ذكر في المتن هو المتعين.

[١] كما عن ظاهر المعتبر وصريح السرائر ، حاكياً له عن رسالة المفيد الى ولده ، ناسباً له إلى أصول المذهب. لما عرفت. وعن المشهور والشيخ : وجوب التلافي.

[٢] كما عن المدارك ومجمع البرهان والذخيرة والكفاية والرياض وغيرها. وعن الذكرى وإرشاد الجعفرية والروض والروضة : لزوم التدارك في المستحب وإن احتمل في جملة منها عدم الالتفات. لكن عرفت أنه متعين بمقتضى الإطلاق. وكذا الحال في غيره من المستحبات.

[٣] كما يقتضيه صدر صحيح زرارة (١).

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في أوائل هذه المسألة.

٤٣٩

أو مقدماتها [١] ، فلو شك في الركوع أو الانتصاب منه ـ بعد الهوي للسجود ـ لم يلتفت [٢]. نعم لو شك في السجود ـ وهو آخذ في القيام ـ وجب عليه العود [٣]. وفي إلحاق التشهد به في ذلك وجه [٤] ، إلا أن الأقوى خلافه ، فلو شك فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت ، والفارق النص الدال على العود في السجود ، فيقتصر على مورده ، ويعمل بالقاعدة في غيره.

______________________________________________________

[١] للإطلاق المتقدم.

[٢] ويقتضيه في الركوع مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدم (١) ومنه يظهر ضعف ما عن الذكرى والمسالك والروض والروضة والرياض : من وجوب العود.

[٣] وفي الجواهر : « إني لم أعثر على مخالف هنا في وجوب الرجوع نعم ظاهر الإشارة : عدم الرجوع ». لمصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « قلت : فرجل نهض من سجوده فشك ـ قبل أن يستوي قائماً ـ فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال (ع) : يسجد » (٢).

[٤] مبني على ظهور الرواية في كون الرجوع فيها لعدم تحقق التجاوز ، فيكون الحكم بالرجوع من التخصص لا التخصيص. وكأنه لكون النهوض ليس من أفعال الصلاة ، بل هو مقدمة للقيام فلا يكون غيراً. وفيه : أن إطلاق الغير يشمله كما عرفت ـ فجعل الرواية مخصصة للقاعدة ـ التي لا مانع من تخصيصها عقلا ـ أوفق بقواعد الجمع بين الأدلة. وعليه فلا وجه للتعدي إلى التشهد.

__________________

(١) تقدم ذكره في أوائل الكلام من هذه المسألة.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السجود حديث : ٦.

٤٤٠