مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

( مسألة ٢ ) : لا فرق في عدم السماع بين أن يكون من جهة البعد ، أو من جهة كون المأموم أصم ، أو من جهة كثرة الأصوات أو نحو ذلك [١].

( مسألة ٣ ) : إذا سمع بعض قراءة الإمام [٢]

______________________________________________________

تخصيص الأولى بالإخفاتية ـ بحملها عليها ـ تقيد بها الثانية فتحمل على الجهرية كما يحمل صحيح ابن سنان ـ المروي في المعتبر ـ على الجهرية أيضا. وعلى ما ذكرنا يرتفع التعارض بين النصوص ، ويتلخص منها : بقاء الوجوب التخييري في الإخفاتية ، وثبوت الوجوب التعييني للتسبيح في الجهرية ، كما عن ظاهر التبصرة ومجمع البرهان. لكن ينبغي تخصيص ذلك بالجهرية التي تسمع القراءة في أولييها ولو همهمة. ومنه يظهر ضعف ما عن السيد (ره) وواسطة ابن حمزة ـ وربما نسب إلى القاضي وأبي الصلاح وغيرهم ـ من الاستحباب التخييري إذ لا يظهر الوجه فيه. إلا الجمع بين مطلقات السقوط والأمر بالقراءة في النصوص ، فيحمل الأمر بها على الاستحباب. لكن المطلقات منصرفة إلى القراءة في الأوليين ، لأنهما الموظف فيهما القراءة ، كما يظهر بأدنى مراجعة في أدلة الذكر فيهما. ولم نقف على الأمر بالقراءة في أخيرتي الجهرية مع سماع القراءة في أولييها. نعم عن السرائر أنه قال : « روي : أنه لا قراءة على المأموم في الأخيرتين ولا تسبيح (١) قال : وروي : أنه يقرأ فيهما ويسبح (٢) فيجمع بينهما بالحمل على الاستحباب. لكن إرسالهما مانع عن الاعتماد عليهما. فتأمل جيداً. والله سبحانه اعلم.

[١] كما نص عليه شيخنا الأعظم. ويقتضيه إطلاق النص.

[٢] قال في الجواهر : « في إلحاقه بالمسموع تماما ، أو عدمه كذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١.

٢٦١

فالأحوط الترك مطلقاً [١].

( مسألة ٤ ) : إذا قرأ بتخيل أن المسموع غير صوت الامام ثمَّ تبين أنه صوته لا تبطل صلاته [٢]. وكذا إذا قرأ سهواً في الجهرية [٣].

( مسألة ٥ ) : إذا شك في السماع وعدمه ، أو أن المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط الترك [٤] ، وإن كان الأقوى الجواز [٥].

______________________________________________________

أو كل منهما بكل منهما وجوه ، لا يخلو أخيرها من قوة ». وكأن مبنى الوجه الأول : إطلاق النص. ومبنى الثاني : انصرافه إلى خصوص التمام. ومبنى الثالث : إطلاق السماع وتقييد القراءة بما سمع. ويكون معناه ـ على الأخير ـ : أنه إذا سمع قراءته ـ ولو آية منها ـ لم يقرأ خصوص ما سمع. وهناك وجه رابع ، وهو تقييد الحرمة بحال السماع ، مع إطلاق المقروء والمسموع. فإذا سمع الآية الأولى من الفاتحة ـ مثلا ـ حرمت عليه القراءة ما دام يسمع ، فاذا لم يسمع الآية الثانية جاز له أن يقرأ من أول الفاتحة ما دام لم يسمع ، فإذا قرأ المأموم الآية الاولى منها فسمع الآية الثالثة حرمت عليه القراءة ، فإذا خفيت عليه الرابعة قرأ الآية الثانية من الفاتحة. ولعله أقرب الوجوه.

[١] يعنى : ترك القراءة بقصد المشروعية. أما فعلها برجاء المشروعية أو بقصد القربة المطلقة فلا بأس به ، لما عرفت من أن الحرمة في المقام تشريعية لا ذاتية.

[٢] لعدم قدح زيادة القراءة سهواً.

[٣] يعني : مع السماع.

[٤] يجري فيه ما عرفت.

[٥] لأصالة عدم السماع ، فيثبت حكمه وهو المشروعية. فإن قلت :

٢٦٢

( مسألة ٦ ) : لا يجب على المأموم الطمأنينة [١] حال قراءة الامام ، وإن كان الأحوط ذلك. وكذا لا تجب المبادرة إلى القيام حال قراءته ، فيجوز أن يطيل سجوده ويقوم ، بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض الحمد.

______________________________________________________

وجود السماع معلوم ، وإنما الشك في كونه متعلقا بصوت الامام ، فأصالة عدم السماع لا مجال لها. وأصالة عدم تعلقه بصوت الامام موقوف جريانها على جريان الأصل في العدم الأزلي.

قلت : لو سلم عدم جريان الأصل في عدم الذات ـ للعلم بالانقلاب إلى الوجود ـ فإنما هو فيما لو كان اختلاف الوصف لا يوجب اختلاف الموضوع ، وليس هناك كذلك ، فان السماع المتعلق بصوت الامام غير المتعلق بغيره ، لأن سماعة عبارة عن حضوره في القوة السامعة. والاختلاف بين حضوره وحضور غيره ، كالاختلاف بين وجود زيد وعمرو ، لا كالاختلاف بين الضرب الواقع على زيد أو عمرو لتردد موضوعه بينهما. بل التحقيق : أن العلم بوجود الضرب وتردد موضوعه بين زيد وعمرو لا يمنع من جريان أصالة عدم ضرب زيد ، لأن المعلوم إنما هو وجود الضرب مهملا ، ووجود ضرب زيد معيناً مشكوك أيضاً ، فلا مانع من استصحاب عدمه.

[١] لاختصاص دليلها بقراءة نفسه. ولا دليل على تنزيل قراءة الإمام منزلة قراءة نفسه في هذه الجهة. واعتبارها في صحة الجماعة مقطوع بعدمه. ومن هذا تعرف الحكم في القيام حال قراءة الإمام ، فإن وجوبه في الصلاة إما لأنه قيد للقراءة الواجبة ، أو واجب في حال القراءة ، فمع سقوط القراءة لا دليل على وجوبه. وضمان الإمام للقراءة لا يدل على تنزيلها منزلة قراءة نفسه من هذه الجهة. نعم لو بني على وجوب المتابعة وجب‌

٢٦٣

( مسألة ٧ ) : لا يجوز أن يتقدم المأموم [١] على الإمام في الأفعال ، بل يجب متابعته ـ بمعنى : مقارنته ـ أو تأخره عنه تأخرا غير فاحش [٢].

______________________________________________________

القيام تحقيقا لها ، لعدم اختصاص دليلها بما كان من أجزاء الصلاة ، كما سيأتي فيمن رفع رأسه قبل الامام ، وفيمن أجلسه الإمام في موضع القيام.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، ونقل الإجماع عليه محكي عن جماعة ، منهم الفاضلان والشهيدان والسيد في المدارك. وقد يستفاد من النبويين المحكيين عن مجالس الصدوق وغيرها ، المنجبرين بالاشتهار والعمل ـ كما قيل ـ ، أحدهما : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فاذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ». وثانيهما : « أما يخشى الذي يرفع رأسه والامام ساجدا أن يحول الله تعالى رأسه رأس حمار » (١).

ويمكن الخدش في الأخير ، باحتماله الكراهة. وباحتمال كونه لرغبته عن إطالة السجود مع الامام ، لا لمجرد تقدمه عليه. وأما الأول فظاهر سياقه وإن كان هو المنع عن التأخر لا المنع عن التقدم ، إلا أن قوله (ص) : « ليؤتم » وتفريع ذلك عليه ظاهر في المنع عن كل ما ينافي الائتمام اللازم من جعل الإمامة للإمام. ومنه التقدم ، فيكون ممنوعا. ويومئ للمنع عنه ما تضمن الأمر بالعود إلى الركوع أو السجود لو رفع رأسه منهما قبل الامام وما دل على وجوب الانتظار لو فرغ المأموم من القراءة قبل الامام.

[٢] كما هو ظاهر المشهور ، حيث فسروها بأن لا يتقدم الامام ، بل عن شرح الإرشاد للفخر والمفاتيح : الإجماع عليه ، إذ المستفاد من النبوي‌

__________________

(١) جاء في كنز العمال ج : ٤ صفحة : ١٢٨ أحاديث كثيرة ترجع إلى مضمون الروايتين.

وفي الوسائل : باب : ٧٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦ نقلا عن المجالس ما يستفاد منه مضمون الرواية الأولى.

٢٦٤

______________________________________________________

ـ بمقتضى التفريع ـ كون الأمر بالركوع والسجود إذا ركع الإمام أو سجد لأجل تحقق الائتمام ، الذي هو الغاية من جعل الإمامة. وهو كما يتحقق في صورة التأخر يتحقق مع المقارنة ، فمقتضى إطلاق الغاية جواز كل منهما.

ومنه يظهر أنه لا يحتاج في إثبات جواز المقارنة إلى دعوى : كون فاء الجزاء المجرد الترتب بالعلية ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ... ) (١) كي يورد عليه : بأن ذلك ممكن إذا لم يكن الجزاء أمراً ، وإلا كان الظاهر الترتب الزماني. والآية الشريفة لا تنافيه ، إذ المراد من القراءة صرف الوجود ، وهو متقدم على الاستماع ، لا مجموع القراءة لتكون مقارنة له. مع أن القرينة في الآية قائمة ، فلا مجال لقياس المقام بها. وتوضيح عدم الاحتياج الى ذلك : أنه لو سلم ظهور الجملة الشرطية في التأخير ، فلا مجال للأخذ به في المقام ، لأجل تفريعه على لزوم الائتمام وظهور العلة مقدم على ظهور المعلول. مع أن الإيراد غير ظاهر التوجه ، إذ الأمر لا يقتضي التراخي. مع أن التحقيق : أن الوجوب المشروط بشي‌ء إنما هو مشروط بوجوده العلمي ، فيكون متقدما عليه خارجا ، وان كان تأثيره مشروطا بوجود الشرط خارجا مضافا إلى إشكال تقدم صرف وجود القراءة على الاستماع. اللهم إلا أن يكون من جهة أن تأثر القوة السامعة للصوت متأخر زماناً عن وجود الصوت. فتأمل.

نعم يمكن الاستشكال في تحقق الائتمام بالاقتران ، إذ الإمامية والمأمومية لا تكونان بعناية الترتب بالعلية مطلقا ، بحيث يكون فعل الامام داعيا الى فعل المأموم ، إذ عليه يجوز التقدم كالتأخر ، بل تكونان بعناية ذلك مع الترتب الزماني ، وهو لا يكون إلا مع التأخر. وكأنه لذلك فسرت المتابعة بالتأخر ، كما عن إرشاد الجعفرية. وربما مال إليه في الحدائق. اللهم إلا أن يستفاد جواز المقارنة مما عن قرب الاسناد « في الرجل يصلي ، أله أن‌

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٤‌

٢٦٥

ولا يجوز التأخر الفاحش [١].

( مسألة ٨ ) : وجوب المتابعة تعبدي [٢] وليس شرطاً‌

______________________________________________________

يكبر قبل الامام؟ قال (ع) : لا يكبر إلا مع الإمام » (١) بضميمة عدم الفصل بين جوازها في التكبير وجوازها في الأفعال. لكن مجرد عدم القول بذلك لا يثبت الملازمة بينهما. ولا سيما بملاحظة الفرق بينهما ، من جهة أن التكبير شرط في انعقاد الصلاة ، فيكون شرطا في انعقاد الجماعة ، بخلاف بقية الأجزاء. وان التكبير من الأقوال التي لا يعتبر فيها المتابعة ، كما سيأتي.

[١] لمنافاته عرفا للائتمام ، كما تقدم ، بل عرفت كون النبوي مسوقا للمنع عنه. وقد يشعر بذلك ـ أو يدل عليه ـ بعض النصوص ، كصحيح معاوية عن الصادق (ع) : « عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام ـ وهي أول صلاة الرجل ـ فلا يمهله حتى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال (ع) : نعم » (٢) وما في صحيح زرارة ـ الوارد في المسبوق ـ من قول الباقر (ع) : « قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأه أم الكتاب » (٣).

[٢] كما عن المشهور ، بل عن جماعة : نسبته إلى الأصحاب. لا شرطي للجماعة ، بحيث يكون ترك المتابعة موجبا لبطلان الجماعة وارتفاع أحكامها ولا شرطي للصلاة كذلك.

وتوضيح ذلك : أنك عرفت الإشارة الى أن المستفاد من النبوي الأول أن الإمامة من الاعتبارات المجعولة للإمام ، يجعلها له المأموم بلحاظ الأفعال الصلاتية ـ من قيام وقعود وركوع وسجود ـ كسائر الأمور الاعتبارية ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

٢٦٦

______________________________________________________

مثل القضاوة والوكالة والولاية المجعولة للقاضي والوكيل والولي. فإذا جعل المأموم الإمام إماماً له في الركوع ـ مثلا ـ كان مقتضى إمامته له فيه متابعته له فيه. وهذه المتابعة هي المعبر عنها بالائتمام ، إذا لائتمام هو الجري على مقتضى الإمامة ـ وهو المتابعة ـ فلو لم يتابعه فيه كان جاريا على خلاف إمامته ، ولم يكن مؤتماً به. فاذا كان جعل الإمامة بيد المأموم ، وكان نافذاً صحيحا ، لم يكن معنى لصحته ونفوذه إلا وجوب المتابعة له ، فاذا لم تجب المتابعة لم يكن معنى لصحته ، كما في سائر الإنشائيات المجعولة. ولا سيما مع ظهور التسالم عليه بل في المدارك : أنه مجمع عليه بين الأصحاب. وفي الذكرى : « أن المأموم إذا ركع قبل الامام وبعد تمام القراءة أثم. وفي بطلان صلاته قولان ». فإن الإثم من لوازم الوجوب التكليفي النفسي. وقريب منه ما ذكره (ره) في الدروس. فراجع. نعم ظاهر المحكي عن كشف الالتباس : أن المتابعة شرط في بقاء الإمامة ، فإذا تركها المأموم بطلت إمامة إمامه ، وصار هو منفرداً ، مع صحة صلاته ، لكن في محكي الذكرى : « ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن أو أكثر ، عندنا ». وفي محكي التذكرة : « التوقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن. وأن المروي : بقاء القدوة ، رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن (ع) فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود » (١). وكيف كان فعدم بطلان الإمامة بترك المتابعة هو الذي يقتضيه أصالة بقاء الإمامة ، للشك في ارتفاعها بمجرد ترك المتابعة. نعم ترك المتابعة في فعل ترك للائتمام فيه ، لكن ترك الائتمام فيه لا يلازم بطلان الإمامة ، بل الأصل يقتضي بقاءها ، بل ظاهر النبوي : كون الائتمام غاية للإمامة ، فلا يكون شرطاً لها ليلزم من عدمه عدمها.

وأما دعوى : شرطية المتابعة لصحة الصلاة ، بحيث يكون تركها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٦٧

في الصحة ، فلو تقدم أو تأخر فاحشاً عمداً أثم ، ولكن صلاته صحيحة ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة [١] ،

______________________________________________________

موجبا لبطلانها ، فنسب إلى الشيخ (ره) في المبسوط لقوله فيه : « ومن فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته » ، وإلى الصدوق (ره) لقوله : « إن من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ». وربما نسب الى ابن إدريس أيضا ، ولم يعرف لأحد ـ غيرهم ـ من القدماء والمتأخرين.

لكن في النسبة المذكورة تأملا ، بل جزم في مفتاح الكرامة بخلافها ولا سيما بالنسبة إلى الشيخ (ره) وابن إدريس (ره) ، لقول الأول في المبسوط والنهاية : « فإن فعل ذلك ـ يعني : رفع رأسه من الركوع قبل الامام ـ متعمداً لم يجز له العود إليه أصلا ، بل يقف حتى يلحقه الامام ». ونحوه كلام الثاني. وعليه فصحة الصلاة حينئذ مظنة الإجماع ، بل الإجماع ظاهر التذكرة ونهاية الاحكام. وكأن ما تقدم في الذكرى : من وجود القول بالبطلان ناشئ من فهم ذلك من عبارة المبسوط المتقدمة ، كما يستفاد ذلك من ملاحظة عبارة الدروس. وكيف كان فالبطلان على خلاف أصالة البراءة بل على خلاف النصوص الاتية ، فإنها ـ على اختلافها ـ متصادقة على صحة الائتمام. نعم يتم القول بالبطلان ـ بناء على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ـ لمضادة الفعل الجاري على خلاف المتابعة للفعل الواجب الذي تكون به المتابعة ، فحرمته توجب بطلان الصلاة. لكن المحقق في محله بطلان المبنى. مع أنه لا يجدي فيما لو تقدم على الإمام في مقدمات الافعال ـ كالرفع من الركوع أو السجود ـ ولم يصل الى حد القيام أو الجلوس ، وكالهوي إليهما ، بناء على كون المذكورات مقدمات للواجب ، إذ حرمتها لا توجب فساد الصلاة. فلاحظ.

[١] خروجا عن شبهة الخلاف.

٢٦٨

خصوصاً إذا كان التخلف في ركنين [١] ، بل في ركن. نعم لو تقدم أو تأخر على وجه تذهب به هيئة الجماعة [٢] بطلت جماعته.

( مسألة ٩ ) : إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام ـ سهواً ، أو لزم رفع الإمام رأسه ـ وجب عليه العود والمتابعة [٣].

______________________________________________________

[١] لم تنضح خصوصية للتخلف في ركنين ، إذ لم أعثر على قول بالبطلان في خصوص هذه الصورة. نعم عن العلامة (ره) في التذكرة : التوقف في بطلان القدوة بالتأخير بركن ، كما سبق.

[٢] يعني : في ارتكاز المتشرعة ، الكاشف عن ذهابها شرعا ، كما تقدم في نظيره.

[٣] على المشهور ، كما عن جماعة. للنصوص الإمرة به ، كصحيحة ابن يقطين : « سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يركع مع الامام يقتدى به ثمَّ يرفع رأسه. قال (ع) : يعيد ركوعه » (١) ونحوها رواية سهل الأشعري (٢) وكصحيحة ربعي والفضيل عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل صلى مع إمام يأتم به ، ثمَّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود. قال (ع) : فليسجد » (٣) ونحوها رواية محمد بن علي بن فضال (٤) نعم روى غياث بن إبراهيم : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

٢٦٩

ولا يضر زيادة الركن حينئذ ، لأنها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك. وإن لم يعد أثم وصحت صلاته [١] ، لكن الأحوط إعادتها [٢]

______________________________________________________

ويرفع رأسه معه؟ قال (ع) : لا » (١) وحمل الأولى على السهو والثانية على العمد ـ كما عن الشيخ (ره) وغيره ـ تقييد للدليلين من غير شاهد عليه ، بل الجمع العرفي يقتضي حمل الاولى على الفضل ، والثانية على نفي الوجوب. ولأجله اختار في محكي التذكرة ونهاية الاحكام : استحباب الإعادة ومال إليه في المدارك ، على تقدير صحة الرواية. ولا بأس به.

وتوهم : أن الجمع يتوقف على حجية رواية غياث ، وهي موهونة باعراض المشهور. مندفع : بعدم ثبوت الاعراض القادح في الحجية ، بعد حملهم لها على العمد. مع احتمال اعتقادهم للتعارض والترجيح ، فاذا ظهر لنا إمكان الجمع العرفي بينها ـ بالحمل على الفضيلة والرخصة ـ كان هو المتعين.

[١] كما عن الهلالية والميسية والروضة. لما عرفت من كون وجوب المتابعة نفسياً. لا غيريا لصحة الإمامة ، ولا لصحة الصلاة ، فلا يقتضي ترك العود إلا المخالفة الموجبة للإثم ، ولا يوجب بطلان الإمامة ولا بطلان الصلاة.

[٢] وعن المدارك : أنها أظهر. وعن حواشي الشهيد وغيرها : حكاية ذلك قولا. وكأنه لدعوى : ظهور الأمر بالعود في الإرشاد إلى الجزئية. لكنها ممنوعة ، ولو تمت اقتضت القضاء أيضا. فما عن الذخيرة والكفاية : « من وجوب الإعادة في الوقت. وفي القضاء نظر » لا يخلو من نظر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

٢٧٠

بعد الإتمام ، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع ، مع الفرصة لها [١]. ولو ترك المتابعة حينئذ ـ سهواً ، أو لزعم عدم الفرصة ـ لا يجب الإعادة ، وإن كان الرفع قبل الذكر [٢].

هذا ولو رفع رأسه عامداً لم يجز له المتابعة [٣]. وإن‌

______________________________________________________

[١] تحصيلا للذكر الواجب. لكن في الجواهر : « لا ريب في عدم البطلان ». وكأنه لوضوح كون الذكر واجبا في الركوع يفوت برفع الرأس منه. فلو قيل بوجوب الذكر في الركوع الثاني ـ على تقدير العود اليه ـ لم يكن تداركا لذكر الركوع الفائت ـ بل هو واجب آخر في قبال الفائت. نعم لو كان الذكر واجباً قيداً في الركوع تمَّ ما ذكر. إلا أنا لا نقول به. ولذا لا يجب العود لتدارك الذكر مع عدم الفرصة ، بأن رفع الإمام رأسه.

[٢] إذ يكون حينئذ كما لو تابع في الرفع وقد نسي الذكر ، فإنه لا مجال لاحتمال وجوب العود اليه ، لتجب الإعادة بتركه.

[٣] وعن جماعة : نسبته الى المشهور. وعن المدارك : إنه مذهب الأصحاب. لموثق غياث المتقدم ، بناء على تخصيصه بالعمد. وحمل نصوص الأمر بالعود على خصوص السهو ، كما تقدم عن المشهور أو لقصور النصوص أجمع عن شمول العمد ، لأنه خلاف ظاهر حال المأموم القاصد للائتمام ، فيجب الرجوع فيه إلى أدلة قدح الزيادة العمدية ، فإن تلك الأدلة دالة على بطلان الصلاة ، فيحرم لحرمة إبطالها. وفيه : أن الأول قد عرفت حاله. وقصور النصوص عن شمول المقام ممنوع. وظهور حال المأموم لا يصلح لصرفها ، مع معارضته ـ كما قبل ـ بظهور حال العاقل‌

٢٧١

تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية [١]. ولو تابع سهوا فكذلك إذا كان ركوعا [٢] ، أو في كل من السجدتين وأما في السجدة الواحدة فلا [٣].

( مسألة ١٠ ) : لو رفع رأسه من الركوع قبل الامام سهوا ثمَّ عاد إليه للمتابعة ، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلي حد الركوع فالظاهر بطلان الصلاة ، لزيادة الركن ، من غير أن يكون للمتابعة ، واغتفار مثله غير معلوم [٤]. وأما‌

______________________________________________________

في العمد (١). ولأجل ذلك قيل : باستحباب العود هنا ـ كما في الفرض السابق ـ جمعاً بين النصوص. وربما قيل : بوجوبه ، ونسب الى المفيد في المقنعة. وكأنه لإطلاق نصوص العود ، وطرح لرواية غياث. وهو غير واضح.

[١] بل لو لم تقدح الزيادة العمدية أمكن القول بالبطلان ، للنهي في رواية غياث. نعم لو كان مفاد النهي مجرد نفي المشروعية أو نفي وجوب العود ـ كما عرفت ـ انحصر وجه البطلان بالزيادة العمدية.

[٢] لعموم قدح زيادة الركن.

[٣] لعدم قدح زيادتها. والنهي لو فرض شموله للسجود ـ من جهة عدم القول بالفصل ـ فمحكوم ، لما دل على عدم قدح زيادة السجدة سهوا.

[٤] لقصور نصوص المقام عن مشروعية مثله ، وإنما تضمنت مشروعية الركوع ثانيا مع الإمام. إلا أن يقال : الركوع المأتي به للمتابعة لم يقصد به الجزئية ، وإنما قصد به المتابعة لا غير ، فلا يكون زيادة في الصلاة ،

__________________

(١) العمد ـ الذي يقتضيه ظهور حال العاقل ـ مقابل السهو في نفس الفعل ، لا مقابل السهو مطلقا حتى في مقدماته ، فاذا رفع رأسه ـ لتوهم أن الامام رفع رأسه ـ لا يكون مثل هذا السهو على خلاف ظهور حال العاقل. ( منه مد ظله ).

٢٧٢

في السجدة الواحدة إذا عاد إليها ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان ، لعدم كونه زيادة ركن ولا عمدية ، لكن الأحوط الإعادة [١] بعد الإتمام.

( مسألة ١١ ) : لو رفع رأسه من السجود ، فرأى الإمام في السجدة فتخيل أنها الأولى ، فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية حسبت ثانية [٢]. وإن تخيل أنها الثانية ، فسجد أخرى بقصد الثانية ، فبان أنها الأولى حسبت متابعة.

والأحوط إعادة الصلاة في الصورتين بعد الإتمام.

( مسألة ١٢ ) : إذا ركع أو سجد قبل الامام عمداً لا يجوز له المتابعة [٣] ، لاستلزامه الزيادة العمدية [٤].

______________________________________________________

كي تبطل به. اللهم إلا أن يستفاد من الصحيح ـ الوارد في المنع عن قراءة العزيمة ، معللا بأن السجود زيادة في المكتوبة ـ قدح مثل ذلك. مضافا إلى ظهور التسالم عليه.

[١] لم تظهر خصوصية في المقام تقتضي الاحتياط المذكور ، فلعله من الاحتياط بالإعادة في مطلق زيادة السجدة.

[٢] لأنه من الجهل بالتطبيق غير المنافي للامتثال. وكذا الحال فيما بعده. لكن يشكل : بأن سجود المتابعة لم يقصد به الجزئية ، فلا يغني عن السجود الجزء ، ولا ينطبق أحدهما على الأخر.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة.

[٤] يعني : التي هي قادحة في صحة الصلاة. لكن لو تمَّ عدم الفصل بين الهوي والرفع ـ كما يظهر من جماعة ـ جرى في المقام ما تقدم في الرفع من أن مقتضى الجمع بين إطلاق رواية غياث وغيرها هو الحكم باستحباب‌

٢٧٣

______________________________________________________

وأما إذا كانت سهواً وجبت المتابعة [١] ، بالعود إلى القيام أو المتابعة أيضا. لكن في تمامية عدم الفصل تأمل أو منع ، كما عن ظاهر المنتهى وغيره ، فالاقتصار في النصوص على خصوص موردها ـ وهو الرفع ـ والرجوع في المقام إلى القواعد المقتضية للمنع عن المتابعة ـ من جهة لزوم الزيادة المبطلة على تقدير المتابعة ، بناء على البطلان بها وإن لم يقصد بها الجزئية ، على ما تقدم في المسألة العاشرة ـ أو المقتضية للجواز ، لأصالة البراءة عن القدح بمثل ذلك متعين.

[١] ولزوم الزيادة العمدية غير مبطل للصلاة في المقام. لموثق ابن فضال : « كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) في الرجل كان خلف إمام يأتم به ، فركع قبل أن يركع الامام ، وهو يظن أن الامام قد ركع ، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثمَّ أعاد ركوعه مع الامام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز الركعة؟ فكتب (ع) : تتم صلاته بما صنع ، ولا تفسد صلاته » (١). ومورده وإن كان الظان ، إلا أنه يمكن إلحاق مطلق المعذور به ، لإلغاء خصوصيته عرفا. كما أن مورده وإن كان هو الركوع إلا أنه يمكن التعدي عنه إلى السجود بالأولوية ، وعدم القول بالفصل ، كما اعترف به غير واحد ، وان حكي عن الذخيرة : التشكيك فيه. لكن الظاهر أنه مجرد شبهة لا مجال لها.

ثمَّ إن الموثق لا تعرض فيه لوجوب المتابعة ، ولا لاستحبابها ، فالحكم بوجوبها مبني إما على ما تقدم من وجوب المتابعة في السهو في الرفع ، بناء على عدم الفصل بينه وبين الهوي ، مما عرفت اشكاله. أو على عموم وجوب المتابعة ، الذي هو غير ظاهر ، لاختصاصه بالافعال الصلاتية ، فلا يصلح لتشريع كون الركوع المأتي به ثانياً صلاتياً ، كي تجب المتابعة فيه. إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

٢٧٤

الجلوس ، ثمَّ الركوع أو السجود معه.

والأحوط الإتيان بالذكر في كل من الركوعين [١] أو السجودين بأن يأتي بالذكر ثمَّ يتابع ، وبعد المتابعة ـ أيضاً ـ يأتي به.

ولو ترك المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته ، وإن أثم في صورة العمد [٢]. نعم لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته فالأحوط البطلان [٣]

______________________________________________________

يقال : قوله (ع) : « تتم صلاته .. » ظاهر في أن ما صنع متمم لصلاته ولأجل البناء على صحة الصلاة بدونه يتعين حمله على الاستحباب ، فإنه أقرب من حمله على صحة الصلاة معه ، بدون فائدة له أصلا.

[١] بل هو متعين في الأول ، لما دل على وجوبه في ركوع الصلاة المنطبق عليه لا غير ، لأن الركوع الصلاتي ملحوظ بنوح صرف الوجود الذي لا ينطبق إلا على الوجود الأول. ودعوى : كون الثاني مع الأول بمنزلة ركوع واحد يكفي الذكر في أيهما شاء. غير ثابتة ، بل ممنوعة. وأما وجوبه في الثاني فيتوقف على ظهور دليل فعله ثانيا في لزوم فعله كركوع الصلاة ، نظير دليل القضاء الظاهر في فعله كالأداء. لكنه غير ثابت ، إذ المقصود منه مجرد المتابعة ، والأصل البراءة من وجوب الذكر فيه.

[٢] كما تقدم.

[٣] وعن التذكرة ونهاية الاحكام : « أطلق أصحابنا الاستقرار مع العمد والوجه التفصيل : وهو أن المأموم إن سبق إلى الركوع بعد فراغ الامام من القراءة استمر. وإن كان قبل فراغه ولم يقرأ المأموم ، أو قرأ ولكن منعناه منها ، أو قلنا إن الندب لا يجزئ عن الواجب بطلت صلاته وإلا فلا ». وعن جماعة موافقته ، منهم الشهيد في الذكرى والبيان والدروس‌

٢٧٥

مع ترك المتابعة [١]. كما أنه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الامام عمدا في حال قراءته [٢] ، لكن البطلان حينئذ إنما هو من جهة ترك القراءة [٣] ، وترك بدلها ، وهو قراءة الإمام. كما أنه لو رفع رأسه عامداً قبل الامام ، وقبل الذكر الواجب بطلت صلاته ، من جهة ترك الذكر.

( مسألة ١٣ ) : لا يجب تأخر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال ،

______________________________________________________

وحواشيه على القواعد ، وأبو العباس ـ في الموجز ـ والصيمري ـ في كشفه ـ والمحقق الثاني وشيخه ابن هلال وغيرهم. وفيه : أن الركوع المذكور إن وقع صحيحاً مجزئاً عن ركوع الصلاة فلا موجب للبطلان بترك المتابعة ، بعد ما عرفت من عدم اقتضائها البطلان. وإن كان باطلا غير مجزي عن ركوع الصلاة كان مبطلا لها ، من دون فرق بين ترك المتابعة والرجوع الى المتابعة. وإذ أن مقتضى حديث : « لا تعاد الصلاة .. » صحة الركوع وفوات محل القراءة ـ لوقوع الركوع سهواً ـ يتعين القول بالصحة وان ترك المتابعة ، بل لا تجدي المتابعة في تدارك القراءة ـ ولو ببدلها ـ لما عرفت من فوات محلها بالركوع الصحيح.

[١] يعني : المتابعة بعد الركوع.

[٢] يعني : قراءة الإمام.

[٣] فيكون الركوع واقعا في غير محله ، لكون محله بعد القراءة أو بدلها والمفروض حصوله قبل ذلك ، فيكون زيادة عمدية مبطلة. نعم لو كان دليل سقوط القراءة عن المأموم غير ظاهر إلا في السقوط فقط ، بلا جعل لقراءة الإمام بدلا عن قراءة المأموم ، كان اللازم القول بالصحة ، لوقوع الركوع في محله. لكنه خلاف ظاهر الدليل.

٢٧٦

الامام في الاقوال ، فلا تجب فيها المتابعة [١].

______________________________________________________

[١] كما عن الأكثر. لا وجوبا نفسياً ، ولا شرطاً في صحة الصلاة ، ولا شرطا في بقاء القدوة. أما انتفاء الأخيرين فلما عرفت في المتابعة في الأفعال. وأما انتفاء الأول : فلأن العمدة في إثباته في الأفعال هو الإجماع وكونها من شئون الإمامة. وانتفاء الأول هنا ظاهر. وأما الثاني : فلعدم ثبوت كون الإمامة المجعولة للإمام بلحاظ الأقوال كالأفعال ، بل لعل المرتكز في أذهان المتشرعة عدمه. كيف! ولا يجب إسماع الإمام المأمومين فيها ـ بل لا يمكن في كثير من الموارد ـ ولا تجب موافقتهم له في خصوصيات الأقوال ، فكيف يمكن أن تكون الإمامة مجعولة بلحاظها؟ ومع الشك يكفي أصل البراءة في نفيه.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الدروس والبيان والجعفرية وإرشادها وكشف الالتباس : من وجوب المتابعة فيها أيضا ، كضعف الاستدلال له بإطلاق معقد الإجماع على وجوبها المحكي عن بعضهم. وبالنبوي (١) حيث ذكر فيه التكبير الذي هو من قبيل الأقوال ، فيكون ذكره من باب المثال كذكر الركوع والسجود مثالا للافعال إذ لا مجال للتمسك بإطلاق معقد الإجماع ، مع ذهاب الأكثر إلى خلافه. والنبوي لما كان ذكر التكبير فيه ـ كذكر الركوع والسجود ـ تفريعا على الائتمام الذي هو من مقتضيات الإمامة فإذا كانت الإمامة مجعولة بلحاظ الافعال ، يتعين حمل ذكر التكبير فيه على كونه لو حظ مرآة للدخول في الصلاة ، فكأنه (ص) قال : فاذا دخل في الصلاة فادخلوا معه وتابعوه ، لا أنه ملحوظ من حيث كونه قولا في قبال الفعل. مضافا الى أن وجوب المتابعة في التكبير ـ بمعنى : عدم جواز التأخر الفاحش كما هو ظاهر النبوي ـ لعله خلاف الإجماع. ومن هنا لا يبعد حمل كلام‌

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة : ٧ من هذا الفصل.

٢٧٧

سواء الواجب منها والمندوب ، والمسموع منها من الامام وغير المسموع [١] ، وإن كان الأحوط التأخر [٢] ، خصوصاً مع السماع [٣] ، وخصوصاً في التسليم [٤]. وعلى أي حال لو تعمد فسلم قبل الامام لم تبطل صلاته. ولو كان سهواً لا تجب إعادته [٥] بعد تسليم الامام.

هذا كله في غير تكبيرة الإحرام. وأما فيها فلا يجوز‌

______________________________________________________

من أطلق وجوب المتابعة على المتابعة في الأفعال خاصة. ولا سيما بقرينة دعوى الإجماع من بعضهم عليه ، وتفريع خصوص الرفع والهوي قبل الامام عليه أيضا.

[١] لعدم الفرق بينها في جريان الأصول المذكورة. نعم لو قيل بالوجوب ، ـ أخذاً بإطلاق معقد الإجماع على وجوب المتابعة ، أو بظاهر النبوي ـ أمكن التفصيل بينها ، لانصراف الدليل إلى الواجب أو المسموع دون غيره.

[٢] خروجا عن شبهة الخلاف.

[٣] وكذا في الواجب. لتأكد شبهة الخلاف فيهما.

[٤] لاحتمال اختصاصه بوجوب المتابعة ، وان لم نقل به في غيره من الأقوال ، كما يومئ إليه تقييد جماعة جواز التسليم قبل الامام بالعذر أو بقصد الانفراد. وإن كان مندفعا بصحيح أبي المعزى : « في الرجل يصلي خلف إمام فسلم قبل الامام. قال (ع) : ليس بذلك بأس » (١) ونحوه صحيح الحلبي في الإمام يطيل التشهد (٢). وحملها على صورة قصد الانفراد خلاف إطلاقهما.

[٥] كما يقتضيه الأصل ، ويستفاد من النص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢٧٨

التقدم على الامام [١] ، بل الأحوط تأخره عنه [٢] ،

______________________________________________________

[١] إجماعا صريحا ، كما عن الروض والحدائق ، وبلا خلاف ، كما عن الذخيرة والكفاية. لامتناع تحقق الاقتداء بلا مقتدى به. وللمروي في قرب الاسناد في أحكام صلاة الأموات ـ عن الكاظم (ع) : « في الرجل يصلي أله أن يكبر قبل الامام؟ قال (ع) : لا يكبر إلا مع الإمام ، فإن كبر قبله أعاد » (١). مع أن الشك كاف في الحكم بالعدم ، لأصالة عدم الإمامة.

[٢] وعن المدارك والذخيرة وغيرهما : تعينه. وعن الرياض : نسبته إلى فتوى الأصحاب. للأصل المتقدم ، والنبوي المشهور. لكن الأصل لا مجال له مع الدليل. ودلالة المروي عن قرب الاسناد لا مجال للإشكال فيها. وظهوره في تعين المقارنة ـ الذي هو خلاف الإجماع ـ لا يقدح في حجيته ، لإمكان حمله على الحصر الإضافي ، ولا بأس به. والنبوي قد عرفت قرب دعوى : ظهوره في المنع عن التأخر المنافي للائتمام ، لا في مقام إيجاب التأخر. مع أنه لو سلم أنه في هذا المقام وجب حمله على الأول ، جمعاً بينه وبين المروي عن قرب الاسناد. وحمل الثاني على مجرد نفي المتقدم مجاز لا يصار اليه بلا قرينة عليه. ومثله حمله على التقية ، فالقول بجواز المقارنة فيها ـ كما عن المبسوط والذكرى ـ أنسب بقواعد العمل بالأدلة.

اللهم إلا أن يستشكل في خبر قرب الاسناد ، للمناقشة في سنده. لأن فيه : ( عبد الله بن الحسن ) العلوي المجهول ، لإهمال ذكره في كتب الرجال. وفي دلالته باحتمال إرادة التكبير المستحب ، بقرينة فرض كون الرجل مصليا ، وأمره (ع) بالإعادة مطلقا. ولو أريد تكبيرة الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

٢٧٩

بمعنى أن لا يشرع [١] فيها إلا بعد فراغ الامام منها ، وإن كان في وجوبه تأمل [٢].

( مسألة ١٤ ) : لو أحرم قبل الامام سهواً أو بزعم أنه كبر كان منفرداً [٣] ،

______________________________________________________

كانت الإعادة مبطلة. وحمله على أن الإعادة التكبير بعد إبطال الصلاة بفعل المبطل المحرم في نفسه خلاف الظاهر. فلاحظ.

[١] هذا أحد معاني التأخر. والمعنى الثاني : أن يتأخر عنه في الشروع في التكبير والفراغ عنه. والثالث : أن يتأخر عنه في الشروع فيه وإن فرغ معه أو قبله. وهذا المعاني مترتبة في الاحتياط. والأول منها قوله في الجواهر ، « لإمكان منع صدق الاقتداء بالمصلي عرفا قبل الائتمام ، لا أقل من عدم انصراف الإطلاق إليه ».

لكن الأقوى الثالث ، لأنه أوفق بالمرتكز العرفي من معنى الإمامة والقدوة ـ بناء على اقتضائه التأخر كما سبق ـ إذ يكفي في التأخر التأخر في الشروع لأن التكبير جزء من الصلاة ، فالشروع فيه شروع في الصلاة ، ولا يتوقف صدق المصلي على الفراغ منه. بل هو أوفق بالنبوي أيضا ، بقرينة سياقه مساق الركوع والسجود ، إذ المراد فيهما التأخر في الشروع ، كما هو ظاهر.

[٢] قد عرفت وجهه. ثمَّ إني لم أقف على من تعرض لعدم جواز التأخر الفاحش في التكبير. ومقتضى أصالة عدم انعقاد القدوة إلا به جوازه لأصالة البراءة من حرمته. لكن ظاهر النبوي انعقاد الإمامة للإمام قبل التكبير والشروع في الصلاة. وحينئذ تجب المتابعة له في ذلك ، كما تجب المتابعة له في الركوع والسجود ولا مانع من الأخذ به. إلا أن ينعقد إجماع على خلافه ، كما لعله الظاهر. فراجع.

[٣] وحينئذ فإن كانت صلاته مما تصح منفرداً صحت كذلك ،

٢٨٠