مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

______________________________________________________

ما في مصحح زرارة عن أحدهما (ع) : « إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ـ وقد أحرز الثلاث ـ قام فأضاف إليها أخرى ، ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين .. » (١) ـ الى تمام الفقرات الست أو السبع ـ فهو محمول على إضافة الركعة المنفصلة ، كما تومي اليه الفقرات الست أو السبع المذيل بها ، فإن كثرة التأكيد بذلك إنما تناسب البناء على الأكثر المخالف للعامة ، ولا تناسب البناء على الأقل الموافق لهم. وربما يومئ اليه ما في صدره : « من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين ، وقد أحرز الثنتين ، قال (ع) : يركع ركعتين وأربع سجدات ـ وهو قائم ـ بفاتحة الكتاب » (٢) بقرينة الأمر بالقيام وفاتحة الكتاب اللازمين في الركعتين المنفصلتين ، فلا بد أن يكون ما بعده كذلك. لظهور الفقرات المذيل بها في كونها تعليلا لهما معا ، فلا بد من اتفاقهما في كيفية الحكم. مع أن الفقرات المذكورة لو كانت تعليلا للبناء على الأقل في الشك بين الثلاث والأربع لنافاها ـ جداً ـ حكمه بالبناء على الأكثر في الشك بين الثنتين والأربع ، كما لا يخفى. وأما ما في مصحح ابن مسلم : « ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعاً واعتدل شكه. قال (ع) : يقوم فيتم ، ثمَّ يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (٣) فظاهره البناء على الأقل مع فعل صلاة الاحتياط. وهذا مما لا يمكن الالتزام به بوجه ، فلا بد من طرحه. وكأنه لأجل فهم البناء على الأقل من هذه الصحاح اختار ابن إدريس التخيير بين البناء على الأقل والبناء على الأكثر ، جمعا بين النصوص. وفيه : إنه على تقدير ظهور صحيح زرارة في البناء على الأقل فهو يأبى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

٤٦١

إلا أن الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس [١] ، ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام [٢].

الثالث : الشك بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال ـ فإنه يبني على الأربع [٣] ويتم صلاته ، ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام.

______________________________________________________

الجمع المذكور ، كما يظهر من ملاحظة الفقرات المذيل بها. وصحيح ابن مسلم لا مجال للاعتماد عليه ، مع ما هو عليه من الإشكال.

[١] لكثرة النصوص المتضمنة له. ولتعينه من بعض متأخري المتأخرين ـ تبعا لما عن الجعفي والعماني ـ كما حكي.

[٢] تقدم وجهه.

[٣] كما هو المشهور ، بل عن جملة ـ كالخلاف والانتصار وظاهر غيرهما ـ الإجماع عليه. وعن الأمالي : إنه من دين الإمامية. ويشهد له صحيح الحلبي : « إذا لم تدر أثنتين صليت أم أربعاً ـ ولم يذهب ووهمك إلى شي‌ء ـ فتشهد وسلم ، ثمَّ صل ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأم الكتاب ، ثمَّ تشهد وتسلم. فان كنت إنما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة » (١) ونحوه صحاح ابن أبي يعفور (٢) وزرارة (٣) ومحمد بن مسلم (٤) وقد تقدم حال ما في مصحح زرارة السابق (٥) ونحوه خبر أبي بصير (٦) وصحيح بكير المروي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦.

(٥) تقدم ذلك في الثاني من الشكوك الصحيحة.

(٦) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٨.

٤٦٢

الرابع : الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال ـ فإنه يبني على الأربع ويتم صلاته ، ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام ، وركعتين من جلوس [١] ،

______________________________________________________

عن المحاسن (١) وأما صحيح العلاء : « عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعاً. قال (ع) : يعيد الصلاة » (٢) فمحمول على ما قبل الإكمال ، أو مطروح.

[١] كما هو المشهور. وعن الانتصار والغنية : الإجماع عليه. ويشهد به مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل صلى فلم يدر أثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا. قال (ع) : يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ، ثمَّ يصلي ركعتين من جلوس ويسلم ، فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلا تمت الأربع » (٣). وكذا ما في بعض نسخ الفقيه ـ كما عن الوافي (٤) ، بل هو الموجود فيما يحضرني من نسخة الفقيه ـ من صحيح ابن الحجاج عن أبي إبراهيم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل لا يدري أثنتين صلى أم ثلاثاً أم أربعاً ، فقال (ع) : يصلي ركعتين وهو جالس » (٥). نعم يشكل على نسخة : « ركعة » بدل « الركعتين » ، كما في الوسائل ، بل قيل : إنها هي المشهورة ضبطاً. لكن يعين صحة الأولى ما ذكره الصدوق في الفقيه ، فإنه ـ بعد روايته الصحيح المذكور ، وروايته عن علي بن أبي حمزة ـ فيمن لا يدري واحدة صلى أم ثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً ـ أنه قال (ع) : « فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان ، فإنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

(٤) لاحظ الوافي الطبعة الناقصة ج ٢ صفحة ١٣٤ حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٤٦٣

والأحوط تأخير الركعتين من جلوس [١].

______________________________________________________

يوشك أن يذهب عنه » (١) ، وروايته عن سهل بن اليسع في ذلك ، أنه قال (ع) : « يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم » (٢) قال : « وقد روي : انه يصلي ركعة من قيام ، وركعتين من جلوس (٣) وليست هذه الأخبار مختلفة ، وصاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ منها فهو مصيب ». فان ظاهره التخيير بين المرسل وصحيح ابن الحجاج. والتخيير بين رواية ابن أبي حمزة ورواية سهل ، إذ كون المرسل في مورد رواية سهل بعيد جدا. ولا يمكن فرض التخيير بين الأوليين إلا على نسخة : « ركعتين » بدل « ركعة ».

ومن ذلك يظهر الاشكال على ما في الوسائل ، حيث جعل مورد رواية سهل هو مورد صحيح ابن الحجاج ، ثمَّ حكى المرسل المذكور. وأما ما ذكره في الفقيه : من التخيير فهو فرع الحجية ، ولم تثبت حجية المرسل المذكور (٤) ، ولا سيما مع مخالفته لفتوى المشهور ـ بل للإجماع المدعى ـ كما تقدم. وأضعف منه ما عن الغرية والمراسم والموجز : من تعين ركعة من قيام بدل الركعتين من جلوس. وكأنه اعتماد منهم على موثقات عمار (٥) وطرح لنصوص المقام. وعن المختلف والتذكرة والروضة : التخيير بينهما ، جمعا. لكن الجمع بالتقييد أقرب عرفا.

[١] بل لزوم ذلك ظاهر كل من عطف الركعتين من الجلوس على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ملحق حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٤) المراد به مرسل الصدوق (ره).

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١ ، ٣ ، ٤.

٤٦٤

الخامس : الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ـ فيبني على الأربع ويتشهد ويسلم ، ثمَّ يسجد سجدتي السهو [١].

السادس : الشك بين الأربع والخمس حال القيام ، فإنه يهدم ويجلس [٢] ويرجع شكه الى ما بين الثلاث والأربع فيتم صلاته ، ثمَّ يحتاط بركعتين من جلوس ، أو ركعة من قيام.

______________________________________________________

ركعتي القيام بـ ( ثمَّ ) التي هي للترتيب ، كما عن المفيد والسيد الحلي والنافع والدروس واللمعة والبيان وغيرها ، بل نسب الى المشهور ، كما يقتضيه ـ أيضا ـ ظاهر المرسل (١) ، وإن كان ظاهر غيرهم العدم ، لعطفهم بالواو. ولكنه خلاف مقتضى الجمود على ظاهر النص ، وإن كان أوفق بالاعتبار. وكأنه لأجله توقف المصنف (ره).

[١] كما هو المشهور ، بل عن المقاصد العلية : الإجماع عليه. لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمساً ، فاسجد سجدتي السهو ـ بعد تسليمك ـ ثمَّ سلم بعدهما » (٢) ونحوه موثق أبي بصير (٣) بل وصحيح الحلبي ، المتقدم في الخامس من الشكوك الباطلة وظاهر قوله (ع) فيها : « صليت » ـ بصيغة الماضي ـ وقوع الشك بعد إكمال الركعة. وعن الخلاف : البطلان وهو غير ظاهر ، كالمحكي عنه وعن المفيد والصدوقين وغيرهم : من عدم وجوب سجود السهو في الفرض ، إذ النصوص المذكورة حجة عليهم.

[٢] كما عن جملة من الأصحاب ، بل استظهر في الحدائق : نفي‌

__________________

(١) المراد به مرسل ابن أبي عمير.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

٤٦٥

السابع : الشك بين الثلاث والخمس حال القيام ، فإنه يهدم القيام [١] ويرجع شكه الى ما بين الاثنتين والأربع ، فيبني على الأربع ويعمل عمله.

الثامن : الشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام فيهدم القيام [٢] ويرجع شكه الى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيتم صلاته ويعمل عمله.

التاسع : الشك بين الخمس والست حال القيام ، فإنه يهدم القيام ، فيرجع شكه [٣] الى ما بين الأربع والخمس ، فيتم ويسجد سجدتي السهو مرتين إن لم يشتغل بالقراءة أو‌

______________________________________________________

الخلاف والاشكال فيه. ويقتضيه إطلاق صحيح الحلبي وغيره ـ مما تقدم في الشك بين الثلاث والأربع ـ لصدق قوله حينئذ : « لا يدري ثلاثاً صلى أم أربعاً » فيكون حكمه رفع اليد عن القيام وهدمه للحكم بزيادته ظاهراً ، ثمَّ السلام والإتيان بصلاة الاحتياط. وهذا هو المراد بالعلاج ، لا ما قد توهمه عبارة المتن : من انه يهدم فاذا هدم رجع شكه الى ما بين الثلاث والأربع إذ لو لم يرجع شكه الى ذلك قبل الهدم لم يرجع بعد الهدم ، إذ ليس الهدم إلا الجلوس ، فاذا لم يكن القيام محكوماً بزيادته قبل الجلوس لم يكن محكوماً بها بعده ، كما لا يخفى.

[١] لما سبق فيما قبله من دخوله في صحيح الحلبي وغيره ، والمتقدمين في الشك بين الاثنتين والأربع.

[٢] لما سبق من دخوله في مرسل ابن أبي عمير وغيره ، والمتقدمين في الشك بين الثنتين والثلاث والأربع. وكذا الحال في التاسع.

[٣] ظاهره ترتب الرجوع على الهدم. وقد عرفت ما فيه.

٤٦٦

التسبيحات ، وإلا فثلاث مرات. وإن قال : « بحول الله » [١] فأربع مرات ، مرة للشك بين الأربع والخمس ، وثلاث مرات لكل من الزيادات ، من قوله : « بحول الله » ، والقيام [٢] ، والقراءة أو التسبيحات. والأحوط في الأربعة المتأخرة ـ بعد البناء‌

______________________________________________________

[١] لو قيل بوجوب السجود لكل زيادة يشكل وجوبه لفعل المستحبات في غير محلها ، لعدم الإتيان بها بقصد الجزئية ، كما نبهنا عليه في أول مبحث الخلل‌

[٢] لزيادته على كل من تقديري كون السابقة رابعة أو خامسة. ولم يتعرض له في صور الهدم السابقة ، لاحتمال كون القيام فيها في محله وليس زيادة. لكن هذا بالإضافة الى حال صدوره. أما بالإضافة الى حال حدوث الشك فلا يبعد الحكم بزيادته ، إذ بعد الشك يحكم بكون ما قبله رابعة فيكون زيادة عليها ، لأن الظاهر من الزيادة ـ المأخوذة موضوعا للأحكام ـ الزيادة على الموظف ، فاذا ثبت وجود الموظف ظاهرا ثبتت الزيادة الظاهرية. ولذا لا يظن الالتزام بأن من شك بين الثلاث والأربع ـ مثلا ـ وصار حكمه البناء على الأربع ، فإذا غفل عن ذلك وقام لم يكن قيامه المذكور زيادة. وسيجي‌ء في الأربعين من مسائل الختام : ان الأوجه البطلان لو شك بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ثمَّ أتى بركعة أخرى سهواً. اللهم إلا أن يفرق بينهما : بأن القيام والركعة المذكورين ـ حال صدورهما ـ محكومان بكونهما زيادة ، ولا كذلك المقام. لكن الفرق المذكور إنما يجدي فارقا لو لم يكن إطلاق لدليل قاعدة البناء على الأكثر يشمل هذه الصورة ، وإلا فدليل القاعدة أيضا يثبت كون القيام حال صدوره محكوماً بالزيادة. والظاهر ثبوت الإطلاق المذكور ، فإنه لا فرق ـ في كون مفادها زيادة القيام ـ بين الواقع والذي يقع.

نعم يمكن الفرق بين ما وقع وما يقع : بأن الثاني يعلم كونه صادرا‌

٤٦٧

وعمل الشك ـ إعادة الصلاة أيضا [١]. كما أن الأحوط ـ في الشك بين الاثنتين والأربع والخمس ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس ـ العمل بموجب الشكين [٢] ، ثمَّ الاستئناف.

______________________________________________________

عن سهو ، وإنما الشك في كونه زيادة ، فإذا ثبت بالقاعدة كونه زيادة ترتب حكم الزيادة السهوية. والأول لو ثبت بالقاعدة كونه زيادة فلا يثبت كونه صادراً عن سهو. إلا بناء على الأصل المثبت ، فلا يمكن ترتيب أثر الزيادة السهوية. اللهم إلا أن يقال : لا دخل للسهو في وجوب سجود السهو ، وإنما تمام موضوعه الزيادة أو النقيصة في ظرف صحة الصلاة. واعتبار السهو كان من باب الطريقية إلى الصحة ، لأن العمد يوجب البطلان ويشير الى ذلك تطبيق قاعدة التجاوز على الشك في القراءة بعد الركوع ، إذ لو لا ذلك لم يكن لتطبيقها أثر عملي ، لأن أصالة عدم القراءة أيضا لا تثبت كونه عن سهو. إلا بناء على الأصل المثبت. فتأمل جيدا. ثمَّ إن وجوب تكرير السجود لكل من المذكورات موقوف على كونها زيادات متعددة. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ إمكان دعوى كون الجميع زيادة واحدة وأن المناط في الوحدة والتعدد وحدة السهو وتعدده.

[١] لاحتمال عدم دخولها في الشكوك المنصوصة ، فيكون الحكم فيها البطلان لأصالة البطلان في الشكوك. أو لأن الهدم والتسليم جاريان على خلاف مقتضى أصالة عدم الزيادة ـ كما في الثلاثة الأول من الأربعة الأخيرة ـ إذ مقتضاها المضي وعدم الاعتناء باحتمال الزيادة على المتيقن.

[٢] وهما في الفرض الأول : الشك بين الاثنتين والأربع ، والشك بين الأربع والخمس. وفي الفرض الثاني : الشك بين الثلاث والأربع ، وبين الأربع والخمس. وقد جزم في الحدائق بوجوب العمل بموجب الشكين في الفرض الأول ، بالبناء على الأربع ، والاحتياط بركعتين قائما ، ثمَّ‌

٤٦٨

______________________________________________________

السجود للسهو. وفي الفرض الثاني بالبناء على الأربع ، والاحتياط بركعة قائما ـ أو ركعتين جالساً ـ ثمَّ السجود للسهو. وربما نسب ذلك الى المشهور بين من تعرض للشكوك المركبة ، بل عن العلامة الطباطبائي ( قده ) : « الإجماع على عدم تأثير الهيئة الاجتماعية في الشكوك بالنسبة إلى الصحة والبطلان ، فالشك المركب تابع لبسائطه فيهما ، وفي البناء على الأقل والأكثر وكيفية الاحتياط .. ».

والوجه فيه ـ كما في الحدائق ـ دعوى : إطلاق أدلة أحكام الشكوك الشامل لحالتي الانفراد والاجتماع. لكن استشكل فيه ـ في الجواهر وغيرها ـ بمنع الإطلاق المذكور ، بل ظاهر تلك الأدلة الاختصاص بحالة الانفراد لا غير. وهو في محله ، فإنه مقتضى وضع الهيئة التركيبية ، كما أوضحنا ذلك في حاشية الكفاية في مبحث : أن إطلاق الأمر يقتضي الوجوب العيني التعييني. مع أن تسليمه لا يجدي في جواز الاكتفاء بموجب الشكين في الفرضين ، لانضمام شك ثالث إليهما باطل وهو في الفرض الأول : الشك بين الاثنتين والخمس ، وفي الثاني : الشك بين الثلاث والخمس ـ لأن محل كلامهم في الفرضين صورة ما إذا حدث الشك بعد تمام الركعة. وكأن معقد إجماع العلامة الطباطبائي (ره) ما لا يشمل الفرضين ، كما يشهد به قوله (ره) في محكي كلامه : « فلو بطلت البسائط ـ كلا أو بعضاً ـ بطل المركب ». وعلى ما ذكره ( قده ) ينبغي أن يكون البطلان في الفرضين المذكورين داخلا في معقد الإجماع الذي حكاه ، لان الشك البسيط الثالث باطل فيهما ، فيبطل المركب منه ، وإن كان ينافيه ما في محكي الألفية للشهيد : من احتمال الاكتفاء في الفرض الأول بركعتين قائما وسجود السهو ، وفي الثاني بالاحتياط بركعة قائما. فتأمل.

هذا وفي المستند : اختار البناء على الأقل ـ ونسب فيه وفي غيره إلى‌

٤٦٩

( مسألة ٣ ) : الشك في الركعات ـ ما عدا هذه الصور التسع ـ موجب للبطلان ، كما عرفت [١] ، لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقل صحيحا والأكثر باطلا ـ كالثلاث والخمس [٢] ، والأربع والست ، ونحو ذلك ـ البناء على الأقل [٣] والإتمام ، ثمَّ الإعادة. وفي مثل الشك بين الثلاث والأربع والست يجوز البناء على الأكثر الصحيح ـ وهو الأربع ـ والإتمام ، وعمل الشك بين الثلاث والأربع ، ثمَّ الإعادة ، أو البناء على الأقل ـ وهو الثلاث ـ ثمَّ الإتمام ، ثمَّ الإعادة.

( مسألة ٤ ) : لا يجوز العمل بحكم الشك ـ من البطلان أو البناء ـ بمجرد حدوثه ، بل لا بد من التروي [٤] والتأمل‌

______________________________________________________

الذخيرة ـ عملا بما دل على البناء على الأقل ، مما عرفت حاله. نعم لو جرت أصالة عدم الزائد كان في محله. لكنه محل التأمل ، كما عرفت. وكأنه ـ لذلك كله ـ توقف في المتن. ولعل الاولى الاحتياط بالبناء على الأقل والإتمام ثمَّ الاستئناف أخذاً باحتمال جريان أصالة عدم الزائد ، الذي هو أقوى من احتمال البناء على الأكثر. فلاحظ.

[١] كأنه يريد ما تقدم من حصر الصحيحة في التسعة. لكن تقدم منه : حصر الباطلة في ثمانية. ثمَّ إنك قد عرفت : أن مبنى البطلان ـ في غير المنصوص ـ امتناع الرجوع الى عموم البناء على الأقل ، أو أصالة عدم الزائد.

[٢] يعني : بعد الركوع.

[٣] قد عرفت : أنه لا يبعد أن يكون هذا أولى مما قبله.

[٤] المراد به : التأمل فيما في خزانة فكره وغيره لعله يترجح له أحد الطرفين ، مع جزمه بتساويهما فعلا. قال في الجواهر : « وفي وجوبه‌

٤٧٠

حتى يحصل له ترجيح أحد الطرفين ، أو يستقر الشك ، بل الأحوط ـ في الشكوك غير الصحيحة ـ التروي الى أن تنمحي صورة الصلاة ، أو يحصل اليأس من العلم أو الظن ، وإن كان الأقوى جواز الابطال بعد استقرار الشك.

______________________________________________________

وعدمه قولان ، يقتضي بثانيهما : الأصل ، وإطلاق الأدلة ».

وقد يستشكل في كونه مقتضى الأصل : بأن الشك ليس في وجوب التروي نفسياً أو غيريا للصلاة ـ كي يرجع الى أصالة البراءة ـ بل الشك في أن الشك المأخوذ موضوعا للبطلان ـ أو للبناء على الأكثر ـ مطلق الشك ، أو خصوص ما كان بعد التروي ، وليس أحدهما موافقاً للأصل. بل لو قلنا إن الشك المبطل في الأوليين مبطل بنفسه ـ كالحدث ـ فالأصل ـ حينئذ يوافق وجوب التروي ، لأصالة البراءة من مبطلية الشك قبل التروي. وأما دعوى الإطلاق فهي وإن كانت متينة ، وعليها بناؤهم في سائر موارد الشك المأخوذ موضوعا للأحكام الظاهرية الشرعية. إلا أنه يمكن الخدش فيها في المقام : بانصراف مثل قولهم (ع) : « لا يدري » و « لم يقع وهمه على شي‌ء » و « اعتدل الوهم » ونحو ذلك الى خصوص ما كان بعد التروي. لكن مانع الانصراف مستظهر. مع أن إخراج حدوث الشك قبل التروي عن موضوع الأحكام يقتضي جواز المضي عليه إذا كان مبطلا. مع أن ظاهر من أوجبه وجوبه قبل المضي على الشك ، فالأوفق بالقواعد الأخذ بإطلاق الأدلة.

نعم بناء على ما يأتي ـ إن شاء الله ـ من أن إبطال الشك المبطل يراد به المنع من المضي عليه مع صحة العمل ، لا أنه مبطل بنفسه ، فلو احتمل تبدله بالظن على تقدير التروي كان رفع اليد عن العمل قبل التروي إبطالا له مع الشك في القدرة على إتمامه ، وهو محرم ـ فافهم ـ ولازمه وجوب‌

٤٧١

______________________________________________________

الانتظار ما دام يحتمل تبدل الشك بالعلم أو العلمي ، ولو بسبب خارج عن الاختيار. ولا يكفي في جواز الابطال مجرد قصور المكلف بنفسه عن تحصيل الحجة ، بل يحرم الإبطال حينئذ أيضا إذا كان يحتمل القدرة على الإتمام. ولا مجال للتمسك بإطلاق الأمر بالإعادة في جواز الابطال بعد التروي ، المؤدي إلى قصوره عن تحصيل الحجة ، إذ مبنى الكلام حمل الأمر بالإعادة على صورة الدوران بينهما وبين المضي على الشك ، وإلا فلو بني على إطلاقه جاز الابطال بلا ترو أصلا. نعم لو بلغ التروي حداً دار الأمر فيه بين انمحاء الصورة أو الإبطال بأمر آخر أو المضي على الشك جاز الابطال بذلك الأمر الأخر ، لعدم المعين للإبطال بالأول ، بل الظاهر تحقق البطلان حينئذ بلا حاجة الى فعل شي‌ء ، لامتناع انطباق المأمور به على المقدار المأتي به ، ومثله : ما لو علم بعدم تبدل الشك فتأمل جيدا.

فالمتحصل : أنه على تقدير الأخذ بإطلاق الأمر بالإعادة ، الموجب لكون الشك مبطلا ـ كالحدث ـ لا يجب التروي ، إلا إذا ثبت انصراف الشك الى الشك المستقر. وحد التروي ـ على هذا ـ استقرار الشك لا غير كما في المتن. وعلى تقدير عدم الأخذ بإطلاقه ، وأن مرجعه الى عدم جواز المضي على الشك ، يجب التروي الى أن يحصل اليأس من تبدل الشك ، أو ينتهي التروي إلى حد لو زاد عليه انمحت الصورة ، لتحقق البطلان حينئذ. ولا فرق في ذلك بين ثبوت الانصراف الى الشك المستقر وعدمه ومنه يظهر أن ما في المتن مبني على ثبوت الانصراف ، وعلى مبطلية الشك ـ أو جواز الابطال ـ مع الشك في القدرة. فلاحظ.

هذا كله في الشك في الأوليين المبطل. وأما الشك في الأخيرتين فلا موجب للفحص والتروي فيه ، بل يعمل على مقتضى الأدلة المثبتة لحكمه ، أخذا بإطلاقها. وكأنه لذلك لم يذكر أحد فيه وجوب التروي ، كما في الجواهر. لكن الذي يظهر من كلامهم المذكور في مفتاح الكرامة عدم‌

٤٧٢

( مسألة ٥ ) : المراد بالشك في الركعات تساوي الطرفين ، لا ما يشمل الظن ، فإنه في الركعات بحكم اليقين ، سواء كان في الركعتين الأولتين [١].

______________________________________________________

الفرق بين الشك في الأوليين والأخيرتين. فلاحظ.

[١] كما هو المشهور ، ونسب إلى الأصحاب إلا ابن إدريس ، ونفى فيه الخلاف إلا منه ، بل صدر محكي كلامه ـ من قوله (ره) : « لا حكم لهما يعني : الشك والسهو مع غلبة الظن ، لان غلبة الظن تقوم مقام العلم في وجوب العمل عليه ، مع فقد دليل العلم » ظاهر في الوفاق. والعمدة فيه : مصحح صفوان عن أبي الحسن (ع) : « إن كنت لا تدري كم صليت ، ولم يقع وهمك على شي‌ء ، فأعد الصلاة » (١) فإن الأمر بالإعادة يختص بالأولتين ، فيدل بالمفهوم على جواز العمل بالوهم فيهما ، ورفع اليد عن المفهوم عمل بخلاف الظاهر. ومعارضته بما دل على وجوب حفظ الأولتين واليقين بهما ـ كما في الحدائق ـ موقوفة على اعتبار اليقين بنحو الصفة الخاصة ، إذ لو كان على نحو الطريقة ـ كما هو الظاهر ـ كان المصحح حاكما عليه ، لأنه يجعل الوهم الغالب يقيناً تنزيلا. كما أن تخصيصه بصورة تكثر المحتملات ـ التي هي عنوان آخر ـ غير عنوان الشك في الأوليين ولذا ذكر ـ في النص والفتوى ـ في قبال الشك في الأوليين. فيه : أنه لو سلم فيمكن إثبات الحكم في الأوليين بعدم القول بالفصل ، فإنه إذا كان الظن في الأوليين حجة مع تكثر المحتملات ، كان حجة مع قلتها بطريق أولى ، مؤيدا ذلك بالنبوي العامي ـ المروي في الذكرى ـ : « إذا شك أحدكم في الصلاة ، فلينظر أحرى ذلك الى الصواب فليبن عليه » (٢). وأما صحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل يسهو فيبني على ما ظن كيف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) لاحظ الذكرى المسألة : ١ من المطلب الثالث في الشك من الركن الثاني في الخلل.

٤٧٣

والأخيرتين [١].

______________________________________________________

يصنع ، أيفتح الصلاة ، أم يقوم فيكبر ويقرأ؟ وهل عليه أذان وإقامة؟ وان كان قد سها في الركعتين الأخراوين ـ وقد فرغ من قراءته ـ هل عليه أن يسبح أو يكبر؟ قال (ع) : يبني على ما كان صلى إن كان فرغ من القراءة .. » (١) فلا يخلو من إجمال مانع من الاعتماد عليه. ومن ذلك يظهر ضعف ما نسب إلى الحلي ـ وكذا ما يتراءى من عبارات جمع عداه ـ من عدم العمل بالظن. فلا حظ.

[١] بلا خلاف ، كما عن جماعة. وعن المجمع والكفاية : نسبته إلى الأصحاب ، وعن ظاهر الخلاف ـ أو صريحه ـ الإجماع عليه ، بل في الرياض : حكاية الإجماع عن جماعة.

وتشهد به جملة من النصوص ، كصحيح عبد الرحمن بن سيابة والبقباق عن أبي عبد الله (ع) : « إذا لم تدر ثلاثاً صليت أو أربعا ، ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع » (٢). وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إن كنت لا تدري ثلاثاً صليت أم أربعا .. ( إلى أن قال ) : وإن ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ، ولا تسجد سجدتي السهو ، وإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ، ثمَّ اسجد سجدتي السهو » (٣). ونحوهما غيرهما ، المتمم دلالتهما على عموم الدعوى بعدم القول بالفصل. نعم في صحيح ابن مسلم ـ الوارد فيمن لا يدري ثلاثاً صلى أم أربعاً ـ قال (ع) : « فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ، ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥.

٤٧٤

( مسألة ٦ ) : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين ـ كالشك بين الاثنتين والثلاث ، والشك بين الاثنتين والأربع والشك بين الاثنتين والثلاث والأربع ـ إذا شك مع ذلك في إتيان السجدتين أو إحداهما وعدمه إن كان ذلك حال الجلوس ـ قبل الدخول في القيام أو التشهد ـ بطلت الصلاة ، لأنه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال [١].

______________________________________________________

ثمَّ قرأ وسجد سجدتين وتشهد وسلم » (١). وفي موثق أبي بصير : « أن رأى أنه في الثالثة ـ وفي قلبه من الرابعة شي‌ء ـ سلم بينه وبين نفسه ، ثمَّ صلى ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب » (٢). وعن المقنع عن أبي بصير : « إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصل ركعتين وأربع سجدات جالساً ، فان كنت صليت ثلاثاً كانتا هاتان تمام صلاتك. وإن كنت صليت أربعاً كانتا هاتان نافلة لك » (٣). لكنها معارضة بما سبق فتحمل على الاستحباب إن أمكن ، أو تطرح. نعم قد يشكل الحكم فيما لو شك بين الأربع والخمس وظن أنها خمس فان حجية هذا الظن غير ظاهر من الأدلة المتقدمة لاختصاصها بغيره فعموم أدلة البناء على الأربع محكم.

[١] لأن المراد ـ من كونه قبل الإكمال ـ تحقق الشك ولم يسجد فيكون من قبيل الموضوع المركب من جزءين ، أحدهما وجودي يحرز بالوجدان وهو الشك ـ والأخر عدمي يحرز بالأصل ـ وهو عدم السجدتين ـ فيترتب الأثر. لكن هذا التقرير يتوقف على كون الموضوع المستفاد من الأدلة ذلك ، وهو غير ظاهر ، بل المستفاد منها : اعتبار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٨.

٤٧٥

وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهد لم تبطل ، لأنه محكوم بالإتيان شرعاً فيكون بعد الإكمال. ولا فرق بين مقارنة حدوث الشكين أو تقدم أحدهما على الأخر [١]. والأحوط الإتمام والإعادة ، خصوصاً مع المقارنة ، أو تقدم الشك في الركعة [٢].

( مسألة ٧ ) : في الشك بين الثلاث والأربع ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس ـ إذا علم ـ حال القيام ـ أنه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة السابقة بطلت الصلاة ،

______________________________________________________

إحراز الأوليين وامتناع المضي على الشك فيهما ، ومع جريان أصالة عدم الإتيان بالسجدتين ـ أو قاعدة الاشتغال بهما المؤديتين الى وجوب فعلهما ينتفي إحرازهما ، ويلزم المضي على الشك فيهما فتبطل الصلاة. كما أنه لو فرض الشك بعد تجاوز المحل لم يجب فعلهما لما أحرز وجودهما ، ولا يلزم المضي على الشك في أجزاء الركعتين ، فلا موجب للبطلان.

[١] لاطراد الوجه المتقدم في الجميع.

[٢] إذ في صورة تقدم الشك في السجدتين يحكم بالفراغ منهما قبل الشك في الركعات ، فيكون الشك بعد إكمال السجدتين تعبداً. أما مع المقارنة ـ أو تقدم الشك في الركعات ـ فلا يكون الحكم بالإكمال متقدماً ، بل هو إما مقارن أو متأخر ، فتكون الصورة الأولى أوضح في البطلان في المسألة الأولى ، وأوضح في الصحة في المسألة الثانية. ولذا كان الإتمام في المسألة الأولى ـ في الصورتين الأخيرتين ـ أولى. كما أن الإعادة فيهما في المسألة الثانية أولى منها في الصورة الأولى.

هذا ولكن العبرة بتقدم نفس الإكمال على الشك في الركعات ، فلا‌

٤٧٦

لأنه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسية ، فيرجع شكه الى ما قبل الإكمال [١]. ولا فرق بين أن يكون تذكره للنسيان قبل البناء على الأربع ، أو بعده.

( مسألة ٨ ) : إذا شك بين الثلاث والأربع ـ مثلا ـ فبنى على الأربع ، ثمَّ بعد ذلك انقلب شكه الى الظن بالثلاث بنى عليه [٢]. ولو ظن الثلاث ثمَّ انقلب شكا عمل بمقتضى الشك. ولو انقلب شكه الى شك آخر عمل بالأخير ، فلو شك ـ وهو قائم ـ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ، فلما رفع رأسه من السجود شك بين الاثنتين والأربع عمل عمل الشك الثاني. وكذا العكس فإنه يعمل بالأخير.

( مسألة ٩ ) : لو تردد في أن الحاصل له ظن أو شك [٣]

______________________________________________________

يقدح تأخر الحكم به عنه أو مقارنته له. بل الظاهر أنه لا يعتبر تقدم نفس الإكمال على الشك في الركعات ، فيصح لو كانا مقترنين. إلا أن هذا المقدار من توهم البطلان كاف في أولوية الاحتياط في المسألتين.

[١] بل شكه قبل الهدم شك قبل الإكمال ، إذ لا عبرة بالقيام في غير محله ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في نظيره.

[٢] بلا إشكال فيه ظاهر. ويظهر من بعض أنه من المسلمات. وتقتضيه النصوص المتقدمة ، فإنها ظاهرة في أن الحكم المجعول للشك أو الظن منوط به حدوثاً وبقاء ، فيهما انقلب الشك الى ظن أو شك آخر انقلب الحكم ، وكان العمل على الأخير.

[٣] فإن الشك والظن وإن كانا من الأمور الوجدانية التي يعلم بها بمجرد التوجه إليها. إلا أنه ربما تنكمش النفس عن التوجه ـ لبعض العوارض ـ

٤٧٧

كما يتفق كثيراً لبعض الناس ـ كان ذلك شكا [١]. وكذا لو‌

______________________________________________________

فلا يعلم أن ما حصل لها شك أو ظن ، أو لخفاء ما به الامتياز بين الحالين فيصعب على النفس تمييزه.

[١] لا يخلو عن إشكال ، لأن كلا من الشك والظن على خلاف الأصل ، فلا يمكن إثبات أحدهما بعينه بالأصل ، بل الواجب الرجوع الى قواعد العلم الإجمالي. اللهم إلا أن يكون المراد من الشك ـ المأخوذ موضوعاً في النصوص ـ خلاف اليقين ـ كما لعله معناه لغة ، ويساعده مقابلته باليقين والحفظ ونحوهما في النصوص ـ فيكون محرزاً بالوجدان. غاية الأمر انه إذا حصل الظن كان طريقاً إلى مؤداة ، فإذا شك فيه كان الأصل عدمه.

فان قلت : قد ذكر في صحيح عبد الرحمن والبقباق (١) ـ وفي مرسل جميل ـ (٢) اعتدال الوهم موضوعاً للبناء على الأكثر ، فيكون مقيداً لإطلاق الشك المذكور في النصوص على تقدير تسليمه ، فمع الشك في اعتدال الوهم أو ترجيح أحد الطرفين لا مجال للأصل في تعيين أحدهما ، لمخالفة وجود كل منهما للأصل. قلت : كما ذكر الاعتدال في النصوص المذكورة قيداً لموضوع قاعدة البناء على الأكثر ذكر أيضاً عدم ذهاب الوهم قيداً ، كما في صحيح الحلبي (٣). ولأجل أنه يمتنع أخذ كل منهما قيداً في الموضوع فإنه خلاف الظاهر ، فلا بد من إرجاع أحدهما إلى الأخر. والذي يساعد عليه الارتكاز العرفي إرجاع الاعتدال الى عدم الظن ، لا العكس.

فيكون المستفاد من مجموع النصوص : أن من لا يدري ثلاثاً صلى أو أربعاً ـ مثلا ـ إن قام عنده طريق الى أحد الأمرين عول عليه ، وإلا بنى على الأكثر ، فيكون تمام الموضوع لقاعدة البناء على الأكثر هو عدم الطريق الى الواقع المجهول ، فمع الجهل بالواقع ، واحتمال وجود الطريق عليه يرجع‌

__________________

(١) تقدم ذكر الروايات في الثاني من أقسام الشكوك الصحيحة.

(٢) تقدم ذكر الروايات في الثاني من أقسام الشكوك الصحيحة.

(٣) تقدم ذكر الروايات في الثاني من أقسام الشكوك الصحيحة.

٤٧٨

حصل له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنه كان شكا أو ظناً بنى على أنه كان شكاً إن كان فعلا شاكاً ، وبنى على أنه كان ظناً إن كان فعلا ظاناً [١] : مثلا لو علم أنه تردد بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ، ولم‌

______________________________________________________

إلى أصالة عدمه. ومن هذا يظهر : أنه لا موجب للتروي في المقام الى أن يحصل له تمييز الحال الحاصلة ، لعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية إجماعا. ولا يمنع من جريان أصالة العدم إلا الطريق الواصل الى المكلف. كما أنه ظهر : أن البناء على كون الحاصل شكاً إنما هو إذا لم تكن حالته قبل طروء الحال المشكوكة هو الظن ، وإلا استصحب الظن.

[١] إذ العبرة بالحال الحاضرة ـ من ظن أو شك ـ ولا أثر لما كان. نعم إذا حدث الحال قبل السجدتين ، ثمَّ بعد إكمالهما شك ـ في أنها شك لتبطل صلاته من جهة المضي على الشك ، المؤدي إلى زيادة الركن وإن حصل الظن بعد ذلك ـ أو أنها ظن ـ لتصح صلاته وإن حدث الشك ـ أشكل الحكم المذكور. مع إمكان دفعه ـ أيضاً ـ بإجراء قاعدة التجاوز أو الفراغ في السجدتين ، لرفع احتمال المضي على الشك فيهما. وهذا ظاهر في صورة حصول الظن له فعلا. أما في صورة حصول الشك له فعلا فقد يشكل : من جهة أن القاعدة المتقدمة إنما تثبت صحة فعل السجدتين ، ولا تصلح لإثبات كون الشك حادثاً بعد إكمالهما. إلا بناء على القول بالأصل المثبت. وإذا لم تثبت ذلك. واحتمل كون الشك حادثاً قبل الإكمال كان باطلا ، إذ لم ينص عليه بحكم. وكونه بعد الإكمال شكاً بين الاثنتين والثلاث لا يجدي في دخوله في الشكوك المنصوص على صحتها ، إذ العبرة في الدخول في المنصوص حال الحدوث لا حال البقاء. ولذا جاز التفكيك في كيفية الاحتياط بين الشك بين الاثنتين والثلاث وبين الشك بين الثلاث والأربع ، مع أن‌

٤٧٩

يدر أنه حصل له الظن بالثلاث فبنى عليه ، أو بنى عليه من باب الشك يبني على الحالة الفعلية. وإن علم ـ بعد الفراغ من الصلاة ـ أنه طرأ له حالة تردد بين الاثنتين والثلاث وأنه بنى على الثلاث ، وشك في أنه حصل له الظن به ، أو‌

______________________________________________________

الشاك ـ بالشك الأول ـ إذا فعل الرابعة البنائية يكون شاكاً بين الثلاث والأربع. ولو كانت العبرة بما يعم حال البقاء لوجب إثبات حكم الشك بين الثلاث والأربع له ، وامتنع التفكيك بين الشكين في الحكم.

وإن شئت قلت : إذا شك المصلي بين الثنتين والثلاث لزمه شك تقديري ـ وهو شك بين الثلاث والأربع ـ ، على تقدير ضم ركعة أخرى فإذا فعل الركعة الأخرى انقلب الشك التقديري إلى شك فعلي ، مع بقاء الشك الأول المتعلق بما عدا الركعة المأتي بها بحاله ، غاية الأمر انه كان موضوعه تمام ما صلى ، وبعد فعل الركعة يكون موضوعه بعض ما صلى ، فيكون هنا شكوك متعددة متلازمة ، موضوع الحكم منها واحد بعينه ، وهو الشك الفعلي المتعلق بتمام ما صلى ، دون ما يلزمه من الشك التقديري وإن صار فعلياً ، فما لم يحرز في المقام كون الشك الحاصل فعلا متعلقاً حين حدوثه بالثنتين والثلاث ، لم يحرز كونه من الشكوك الصحيحة. وأصالة عدم حدوث هذا الشك قبل إكمال السجدتين لا يثبت كونه من الشك الصحيح فعلى هذا يكون المرجع في الشك المذكور الأصل المقتضي للبطلان ـ بناء على ما هو المشهور ـ كما تقدم.

ومثل ذلك ما لو شك بين الثلاث والأربع ، واحتمل حدوث هذا الشك قبل الركعة التي فرغ منها ، فيكون من الشك بين الثنتين والثلاث ـ بناء على اختلاف حكم الشكين ـ فإنه إذا تعذر إثبات كونه من الشك بين الثلاث والأربع تكون الوظيفة مرددة بين الوظيفتين.

٤٨٠