تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

قال : وأيّ شيء أخاف؟ إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملكان موكّلان به ، أن يقع في بئر أو تضربه دابّة أو يتردّى من جبل حتّى يأتيه القدر. فإذا أتى القدر ، خلّوا بينه وبينه.

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) قيل (١) : شرط ذكره بحرف الشّكّ ، للتّنبيه على أنّ إتيان الرّسل أمر جائز غير واجب ، كما يظنّه أهل التّعليم.

وفيه ، أنّ الإتيان بحرف الشّكّ إنّما هو بالنّظر إلى كون الرّسل كثيرة ، كما يدلّ عليه الجمع. وكونهم منكم ، كما يدلّ عليه تقييده به. فلا تنبيه فيه على ما ادّعاه.

وضمّت إليها «ما» ، لتأكيد معنى الشّرط. ولذلك أكّد فعلها بالنّون. وجوابه (فَمَنِ اتَّقى) : التّكذيب.

(وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٥). (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٦).

والمعنى : فمن اتّقى التّكذيب وأصلح عمله منكم ، والّذين كذّبوا بآياتنا منكم.

وإدخال «الفاء» في الخبر الأوّل دون الثّاني ، للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : ممّن تقوّل على.

الله ـ تعالى ـ ما لم يقله ، أو كذّب ما قاله.

(أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) : ممّا كتب (٢) لهم من الأرزاق والآجال.

وقيل (٣) : «الكتاب» اللّوح ، أي : ما أثبت لهم فيه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، أي : ينالهم ما في كتابنا من عقوبات المعاصي.

(حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) ، أي : يتوفّون أرواحهم.

وهو حال من الرّسل.

و «حتّى» غاية نيلهم. وهي الّتي يبتدأ بعدها الكلام.

(قالُوا) : جواب «إذا».

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٧.

(٢) ب : كسبت.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٨.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٣٠.

٨١

(أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) : أين الآلهة الّتي كنتم تعبدونها؟

و «ما» وصلت «بأين» في خطّ المصحف (١) ، وحقّها الفصل. لأنّها موصولة.

(قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) : غابوا عنّا.

(وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (٣٧) : اعترفوا بأنّهم كانوا ضالّين فيما كانوا عليه.

(قالَ ادْخُلُوا) ، أي : قال الله لهم يوم القيامة. أو واحد من الملائكة.

(فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، أي : كائنين في جملة أمم مصاحبين لهم يوم القيامة.

(مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، يعني : كفّار الأمم الماضية من النّوعين.

(فِي النَّارِ) : متعلّق «بادخلوا».

(كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ) ، أي : في النّار.

(لَعَنَتْ أُخْتَها) : الّتي ضلّت بالاقتداء بها.

(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) ، أي : تداركوا وتلاقوا في النّار.

في أصول الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزّاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٣) ، يعنون : المشركون (٤) الّذين اقتدوا بهم هؤلاء ، فاتّبعوهم على شركهم. وهم قوم محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ليس فيهم من اليهود والنّصارى. وتصديق ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (٥). و (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) (٦). (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ) (٧). ليس فيهم (٨) اليهود الّذين قالوا : عزيز ابن الله. ولا النّصارى الّذين قالوا : المسيح ابن الله.

وسيدخل الله اليهود والنّصارى النّار ، ويدخل [كلّ] (٩) قوم بأعمالهم.

__________________

(١) أي المصحف الّذي هو متن أنوار التنزيل وإلّا جاءت في غيره مفصولة.

(٢) الكافي ٢ / ٣١.

(٣) الشعراء / ٩٩.

(٤) المصدر : يعني المشركين.

(٥) ص / ١٢.

(٦) الشعراء / ١٧٦.

(٧) الشعراء / ١٦٠.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : هم.

(٩) من المصدر.

٨٢

وقولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) إذ دعونا إلى سبيلهم. ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ فيهم حين جمعهم إلى النّار : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ). وقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) بريء بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا ، يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء (١) الفلج فيفلتوا (٢) من عظيم ما نزل بهم. وليس بأوان بلوى ولا اختبار (٣) ولا قبول معذرة.

ولات حين نجاة.

(قالَتْ أُخْراهُمْ) : دخولا ومنزلة.

(لِأُولاهُمْ) ، أي : لأجل أولاهم. إذ الخطاب مع الله ، لا معهم. وهم القادة والرّؤساء.

وفي مجمع البيان (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يعني : أئمّة الجور.

(رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) : سنّوا لنا الضّلال ، فاقتدينا بهم.

(فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) : مضاعفا ، لأنّهم ضلّوا وأضلّوا.

(قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) : أمّا القادة ، فبكفرهم وتضليلهم. أمّا الأتباع ، فبكفرهم وتقليدهم.

(وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٨) : ما لكم ، أو لكلّ فريق.

وقرأ (٥) عاصم برواية أبي بكر ، بالياء ، على الانفصال.

(وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) : عطفوا كلامهم على جواب الله لأخراهم ورتّبوه عليه ، أي : فقد ثبت أن لا فضل علينا ، إنّا وإيّاكم متساوون في الضّلال واستحقاق العذاب.

(فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٣٩) : من قول القادة. أو من قول الله للفريقين. أو من قول الفريقين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : قال : شماتة بهم.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وجاء.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيغلبوا.

(٣) كذا في ب والمصدر. وفي سائر النسخ : ولا اختيار.

(٤) المجمع ٢ / ٤١٧.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٨.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٢٣٠.

٨٣

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) ، أي : عن الإيمان بها.

(لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) : لأدعيتهم وأعمالهم أو لأرواحهم ، كما تفتّح لأعمال المؤمنين وأرواحهم لتتّصل بالملائكة.

وفي مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أمّا المؤمنون ، فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السّماء فتفتح لهم أبوابها. وأمّا الكافر (٢) ، فيصعد بعمله وروحه حتّى إذا بلغ السّماء نادى مناد : اهبطوا به إلى سجّين. وهو واد بحضرموت يقال له : برهوت.

و «التّاء» في «تفتّح» لتأنيث الأبواب ، والتّشديد لكثرتها.

وقرأ (٣) أبو عمرو ، بالتّخفيف. وحمزة والكسائي ، به وبالياء. لأنّ التّأنيث غير حقيقيّ ، والفعل مقدّمة.

وقرئ (٤) ، على البناء للفاعل ، ونصب «الأبواب» على أنّ الفعل «للآيات».

وبالتّاء ، على أنّ الفعل لله ـ تعالى ـ.

(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ، أي : حتّى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير ، فيما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الإبرة. وذلك ممّا لا يكون ، فكذا ما نوقف عليه.

وقرئ (٥) : «الجمّل» كالقمّل. و «الجمل» ، كالقفل. و «الجمل» ، كالنّصب. و «الجمل» ، كالحبل. وهي الحبل الغليظ من القنب. وقيل (٦) : حبل السّفينة.

و «سمّ» بالضّمّ والكسر.

و «في سمّ المخيط». وهو «الخياط» ما يخاط به ، كالحزام والمحزم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن ضريس ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في أهل الجمل (٨) ، طلحة وزبير. و «الجمل» جملهم.

__________________

(١) المجمع ٢ / ٤١٨.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الكافرون.

(١ و ٤) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٨.

(١ و ٦) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٣٠.

(٨) ليس في المصدر : أهل الجمل.

٨٤

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن منصور بن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) : نزلت في طلحة والزّبير. و «الجمل» جملهم.

وفي كتاب الخصال (٢) ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : تفتح أبواب السّماء في خمس مواقيت : عند نزول الغيث ، وعند الزّحف ، وعند الأذان ، وعند قراءة القرآن مع زوال الشّمس ، وعند طلوع الفجر.

وعن عليّ ـ عليه السّلام ـ (٣) وقد سأله بعض اليهود عن مسائل : أمّا أقفال السّموات ، فالشّرك بالله. ومفاتيحها ، قول : لا إله إلّا الله.

وفي شرح الآيات الباهرة (٤) : في بيان ذلك ، أنّ أهل الجمل هم الّذين كذّبوا بآياته ، وأعظم آياته أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ. «واستكبروا عنها» وبغوا عليها (٥).

(لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) ، أي : لأرواحهم الخبيثة وأعمالهم القبيحة. [فهي الّتي لا تفتح لها أبواب السّماء] (٦).

كما جاء في تفسير مولانا الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام ـ قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد حكى لأصحابه عن حال من يبخل بالزّكاة.

فقالوا له : ما أسوء حال هذا! فقال قال (٧) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أو لا أنبّئكم بأسوإ حالا من هذا؟

فقالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : رجل حضر الجهاد في سبيل الله ، فقتل مقبلا غير مدبر. وحور العين يطّلعن إليه ، وخزّان الجنان يتطّلعون ورود روحه عليهم ، وأملاك الأرض يتطّلعون نزول حور العين إليه والملائكة وخزّان الجنان فلا يأتونه.

فتقول ملائكة الأرض حوالي ذلك المقتول : ما بال الحور العين (٨) لا ينزلن ، وما

__________________

(١) العيّاشي ٢ / ١٧ ، ح ٤٠.

(٢) الخصال / ٣٠٣.

(٣) نفس المصدر / ٤٥٦ ، ضمن ح ١.

(٤) تأويل الآيات الباهرة / ٦٣ ـ ٦٤.

(٥) المصدر : عنها.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) ليس في المصدر : العين.

٨٥

بال خزّان الجنان لا يردون؟

فينادون من فوق السّماء السّابعة : أيّتها الملائكة ، انظروا إلى آفاق السّماء دوينها.

فينظرون ، فإذا توحيد هذا العبد وإيمانه برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصلاته وزكاته وصدقته وأعمال برّه كلّها محبوسات دوين السّماء. قد أطبقت آفاق السّماء كلّها ، كالقافلة العظيمة ، قد ملأت ما بين أقصى المشارق والمغارب ومهابّ الشّمال والجنوب.

وتنادي أملاك تلك الأفعال الحاملون لها الواردون بها : ما بالنا لا تفتّح لنا أبواب السّماء ، فندخل إليها أعمال هذا الشّهيد؟

فيأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بفتح أبواب السّماء ، فتفتّح. ثمّ ينادى هؤلاء الأملاك : ادخلوها إن قدرتم.

فلم تقلّها أجنحتهم ، ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الأعمال. فيقولون : يا ربّنا ، لا نقدر على الارتفاع بهذه الأعمال.

فيناديهم منادي ربّنا ـ عزّ وجلّ ـ : يا أيّتها الملائكة ، لستم حمّالي هذه الأثقال الصّاعدين بها. إذ حملتها الصّاعدون بها مطاياها الّتي ترفعها إلى دوين العرش ، ثمّ تقرّها في درجات الجنان.

فتقول الملائكة : يا ربّنا ، وما مطاياها؟

فيقول الله ـ تعالى ـ : وما الّذي حملتم من عنده؟

فيقولون : توحيده لك وإيمانه بنبيّك.

فيقول الله ـ تعالى ـ : فمطاياها موالاة عليّ أخ نبيّي وموالاة الأئمّة الطّاهرين.

فإن أوتيت ، فهي الحاملة الرّافعة الواضعة (١) لها في الجنان.

فينظرون ، فإذا الرّجل مع ماله من هذه الأشياء ليس له موالاة عليّ والطّيّبين من آله ومعاداة أعدائهم.

فيقول الله ـ تبارك وتعالى ـ للأملاك الّذين كانوا حامليها : اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ، ليأتيها من هو أحقّ بحملها ووضعها في موضع استحقاقها.

__________________

(١) المصدر : الواصفة.

٨٦

فتلحق تلك الأملاك بمراكزها المجعولة لها.

ثمّ ينادي منادي ربّنا ـ عزّ وجلّ ـ : يا أيّتها الزّبانية ، تناوليها وحطّيها إلى سواء الجحيم. لأنّ صاحبها لم يجعل لها [مطايا] (١) من مطايا موالاة عليّ والطّيّبين من آله.

قال : فتنادى تلك الأملاك ، ويقلب (٢) الله ـ عزّ وجلّ ـ تلك الأثقال أوزارا وبلايا على باعثها (٣) لما فارقتها مطاياها من موالاة عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. ونوديت تلك الأملاك إلى مخالفته لعليّ وموالاته لأعدائه. فيسلّطها (٤) الله ـ عزّ وجلّ ـ وهي في صورة الأسد على تلك الأعمال وهي كالقربان والقوقس (٥). فيخرج من أفواه تلك الأسد نيران تحرقها ، ولا يبقى له عمل إلّا حبط ، ويبقى عليه موالاة أعداء عليّ وجحد ولايته فيقرّ ذلك في سواء الجحيم. فإذا هو قد حبطت أعماله وعظمت أوزاره وأثقاله. فهذا أسوأ حالا من مانع الزّكاة.

(وَكَذلِكَ) : ومثل ذلك الجزاء القطيع.

(نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) (٤٠)

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) : فراش.

(وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) : أغطية.

والتّنوين فيه ، للبدل عن الإعلال ، عند سيبويه. وللصّرف ، عند غيره.

وقرئ (٦) : «غواش» على إلغاء المحذوف.

(وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٤١) : عبّر عنهم بالمجرمين تارة وبالظّالمين أخرى ، إشعارا بأنّهم بتكذيبهم الآيات اتّصفوا بهذه الأوصاف الذّميمة. وذكر الجرم مع الحرمان من الجنّة والظّلم مع التّعذيب بالنّار ، تنبيها على أنّه أعظم الإجرام.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤٢) : جرى على عادته ـ سبحانه ـ في أن يشفع الوعيد بالوعد.

و (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) اعتراض بين المبتدأ وخبره ، للتّرغيب في اكتساب النّعيم المقيم بما يسعه طاقتهم ويسهل عليهم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ب : ويقلب الأملاك ويقلب الله ـ عزّ وجلّ ـ

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : باغيها.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيسلّطهما.

(٥) المصدر : القرقيس.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

٨٧

وقرئ (١) : «لا تكلّف نفس».

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) ، أي : نخرج من قلوبهم أسباب الغلّ. أو يطهّروا منه ، حتّى لا يكون بينهم إلّا التّوادّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : العداوة تنزع منهم ، أي : من المؤمنين في الجنّة.

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) : زيادة في لذّتهم وسرورهم.

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) : لما جزاؤه هذا.

(وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) : لو لا هداية الله وتوفيقه.

و «اللّام» لتأكيد النّفي. وجواب «لولا» محذوف دلّ عليه ما قبله.

وقرأ ابن عامر : «ما كنّا» بغير واو ، على أنّها مبيّنة للأولى.

وفي أصول الكافي (٣) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي الصّباح (٤) ، عن أبي يعقوب (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : إذا كان يوم القيامة دعي بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وبالأئمّة من ولده ـ عليهم السّلام ـ فينصبون للنّاس. فإذا رأتهم شيعتهم (قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا) (الآية) ، يعني : هدانا الله ـ تعالى ـ في ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من ولده ـ عليهم السّلام ـ.

وفي كتاب الاحتجاج (٦) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل في خطبة الغدير. وفيها : معاشر النّاس ، سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، وقولوا (٧) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ).

وفي مجمع البيان (٨) : عن عاصم بن ضمرة (٩) ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه ذكر أهل الجنّة ، فقال : يجيئون ويدخلون ، فإذا أساس بيوتهم من جندل الّلؤلؤ وسرر مرفوعة

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٣١.

(٣) الكافي ١ / ٤١٨ ، ح ٣٣.

(٤) المصدر : أبي السفاتج.

(٥) المصدر : أبي بصير.

(٦) الاحتجاج ١ / ٨٣.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوله.

(٨) المجمع ٥ / ٤٨٠.

(٩) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٤٢٦. وفي النسخ : عاصم بن حمزة.

٨٨

وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة. ولو لا أنّ الله قدّرها لهم ، لالتمعت أبصارهم بما يرون. يعانقون الأزواج ويقعدون على السّرر ، ويقولون : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا).

وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن الدّهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قال إذا ركب الدّابّة : بسم الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) (الآية) سبحان الله (٢) (سُبْحانَ) (٣) (الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (٤) ، إلّا (٥) حفظت له دابّته ونفسه [حتّى ينزل] (٦).

(لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) : فاهتدينا بإرشادهم. يقولون ذلك اغتباطا وتبجّحا ، بأنّ ما علموه يقينا في الدّنيا صار لهم عين اليقين في الآخرة.

(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) : إذا رأوها من بعيد ، أو بعد دخولها والمنادى له بالذّات.

(أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣).

قيل (٧) : أي : أعطيتموها بسبب أعمالكم.

وفي مجمع البيان (٨) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما من أحد إلّا وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار. فأمّا الكافر ، فيرث المؤمن منزله في النّار. والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة. فذلك قوله : (أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

وهو حال من «الجنّة» ، والعامل فيها معنى الإشارة. أو خبر ، والجملة صفة «تلكم». و «أن» في المواقع الخمسة هي المخفّفة ، أو المفسّرة. لأنّ المناداة والتّأذين من القول.

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) : إنّما قالوه ، تبجّحا بحالهم وشماتة بأصحاب النّار وتحسيرا

__________________

(١) الكافي ٦ / ٥٤٠ ، ذيل ح ١٧.

(٢) المصدر : «و» بدل «سبحان الله».

(٣) ليس في ب.

(٤) الزخرف / ١٣.

(٥) ليس في المصدر : إلّا.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

(٨) المجمع ٢ / ٤٢٠.

٨٩

لهم. وإنّما لم يقل : ما وعدكم ، كما قال : «ما وعدنا» ، لأنّ ما ساءهم من الموعود لم يكن بأسره مخصوصا وعده بهم ، كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنّة لأهلها.

(قالُوا نَعَمْ).

وقرأ (١) الكسائيّ حيث وقع ، بكسر العين. وهما لغتان.

(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ).

قيل (٢) : هو صاحب الصّور.

وفي أصول الكافي (٣) : الحسن بن محمّد (٤) ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عمر (٥) الحلّال قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).

قال : «المؤذن» أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (٦) : روى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ ، بإسناده ، عن محمّد بن الحنفيّة ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : أنا ذلك المؤذّن.

وفي كتاب معاني الأخبار (٧) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم. وأنا المؤذّن في الدّنيا والاخرة. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). أنا ذلك المؤذن. وقال الله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٨) فأنا ذلك الأذان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضل (١٠) ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ وفي تفسير العياشي (١١). عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : المؤذن (١٢)

__________________

(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٦ ، ح ٧٠.

(٤) المصدر : الحسين.

(٥) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٥٧. وفي النسخ : عبد الله بن عمر.

(٦) المجمع ٢ / ٤٢٢.

(٧) المعاني / ٥٩.

(٨) التوبة / ٣.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٣١.

(١٠) المصدر : محمّد بن الفضيل.

(١١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٧ ، ح ٤١.

(١٢) كذا في المصدر وتفسير القمّي. وفي النسخ : الأذان.

٩٠

أمير المؤمنين. يؤذّن أذانا يسمع الخلائق.

وفي مجمع البيان (١) ـ أيضا ـ بإسناده : عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّه قال : لعليّ ـ عليه السّلام ـ في كتاب الله أسماء لا يعرفونها النّاس. قوله ـ تعالى ـ : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ). وهو المؤذّن أن لعنة الله على الظّالمين (٢).

(بَيْنَهُمْ) : بين الفريقين.

(أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤).

وقرأ (٣) ابن كثير ، برواية البزّيّ ، وابن عامر وحمزة والكسائيّ : «أنّ لعنة الله» بالتّشديد والنّصب.

وقرئ (٤) ، بالكسر ، على إرادة القول. أو أجراء «أذّن» مجرى قال.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : صفة للظّالمين مقرّرة. أو ذمّ مرفوع أو منصوب.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) : زيغا وميلا عمّا هو عليه.

و «العوج» بالكسر ، في المعاني والأعيان ، ما لم تكن منتصبة. وبالفتح في المنتصبة ، كالحائط والرّمح.

(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (٤٥) (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) ، أي : بين الفريقين ، لقوله ـ تعالى ـ : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ). أو بين الجنّة والنّار ، ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الاخرى.

(وَعَلَى الْأَعْرافِ) ، أي : على أعراف الحجاب ، أي : أعاليه. وهو السّور المضروب بينهما. جمع ، عرف. مستعار من عرف الفرس.

وقيل (٥) : العرف ، ما ارتفع من الشّيء. فإنّه يكون بظهوره أعرف من غيره.

(رِجالٌ) : من الموحّدين العارفين المعروفين ، كالأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين.

وقيل (٦) : طائفة من الموحّدين قصّروا في العمل ، فيحبسون بين الجنّة والنّار حتّى

__________________

(١) المجمع ٢ / ٤٢٢.

(٢) المصدر : فهو المؤذن بينهم ، يقول ألا لعنة الله على الّذين كذّبوا بولايتي واستخفّوا بحقّي.

(١ و ٤) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٩.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٠.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٩١

يقضي الله فيهم ما يشاء.

وقيل (١) : أو ملائكة يرون في صورة الرّجال.

(يَعْرِفُونَ كُلًّا) : من أهل الجنّة والنّار.

(بِسِيماهُمْ) : بعلامتهم الّتي أعلمهم الله بها. لأنّهم من المتوسّمين أهل الفراسة.

في كتاب معاني الأخبار (٢) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : ونحن أصحاب الأعراف ، أنا وعمّي وأخي وابن عمّي. والله فالق الحبّ والنّوى ، لا يلج النّار لنا محبّ ولا يدخل الجنّة لنا مبغض.

لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ).

وفي مصباح الشّريعة (٣) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ولأهل التّواضع سيماء يعرفه أهل السّماء من الملائكة ، وأهل الأرض من العارفين. قال الله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ).

وفي مجمع البيان (٤) والجوامع (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار. فمن نصرنا ، عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة. ومن أبغضنا ، عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار.

وفيهما (٦) ، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «الأعراف» كثبان بين الجنّة والنّار. و «الرّجال» الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ. ويأتي تمام الحديث.

وفي الكافي (٨) ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : نحن على الأعراف ، نعرف أنصارنا بسيماهم. ونحن الأعراف الّذين لا يعرف الله ـ عزّ وجلّ ـ إلّا بسبيل معرفتنا. ونحن الأعراف يوقفنا (٩) الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة على الصّراط. فلا يدخل الجنّة

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المعاني / ٥٩.

(٣) مصباح الشريعة / ٣٢٣.

(٤) المجمع ٢ / ٤٢٣.

(٥) جوامع الجامع / ١٤٦.

(٦) المجمع ٢ / ٤٢٣ ، وجوامع الجامع / ١٤٦.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٣١.

(٨) الكافي ١ / ١٨٤ ، ح ٩.

(٩) المصدر : يعرّفنا.

٩٢

إلّا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه.

ومثله في بصائر الدّرجات (١).

وفي كتاب الاحتجاج (٢) ، إلّا أنّه قال : نوقف (٣) يوم القيامة بين الجنّة والنّار. فلا يدخل الجنّة (الحديث). وزاد في آخره : وذلك بأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لو شاء ، عرّف للنّاس نفسه حتّى يعرفوه وحده (٤) ويأتوه من بابه. ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي (٥) يؤتى منه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : أنا يعسوب المؤمنين. وأنا أوّل السّابقين ، وخليفة رسول الله ربّ العالمين. وأنا قسيم الجنّة والنّار. وأنا صاحب الأعراف.

عن هشام (٧) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) ما يعني بقوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ).

قال : ألستم تعرفون عليكم عرفاء على قبائلكم ، لتعرفون من فيها من صالح أو طالح؟

قلت : بلى.

قال : فنحن أولئك الرّجال الّذين يعرفون كلّا بسيماهم.

عن زاذان (٨) ، عن سلمان قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لعليّ ـ عليه السّلام ـ أكثر من عشر مرّات : يا عليّ ، إنّك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنّة والنّار. ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم وعرفتموه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكركم وأنكرتموه.

عن سعد بن طريف (٩) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية

__________________

(١) البصائر / ٥١٧ ، ضمن ح ٨.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٣٨.

(٣) المصدر : «ونحن الاعراف» بدل «نوقف»

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : حتى يعرفوا جده.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الذين.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٧ ـ ١٨ ، ح ٤٢.

(٧) نفس المصدر والمجلد / ١٨ ، ح ٤٣ ، وفيه : «هلقام» بدل «هشام».

(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٨ ، ح ٤٤.

(٩) نفس المصدر والصفحة ، ح ٤٥.

٩٣

(وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ).

قال : يا سعد ، هم آل محمّد. لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرهم وأنكروه.

وعن الثّماليّ (١) قال : سئل أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ).

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : نحن على (٢) الأعراف الّذين لا يعرف الله إلّا بسبب معرفتنا. ونحن الأعراف الّذين لا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه. وذلك بأنّ الله لو شاء أن يعرّف النّاس نفسه ، لعرّفهم.

ولكن جعلنا سببه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

وفي بصائر الدّرجات (٣) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : «الرّجال» هم الأئمّة من آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و «الأعراف» صراط بين الجنّة والنّار. فمن شفع له الأئمّة منّا من المؤمنين المذنبين ، نجا. ومن لم يشفعوا له ، هوى.

وعنه (٤) ـ عليه السّلام ـ قال : نحن أولئك الرّجال. الأئمّة منّا يعرفون من يدخل الجنّة ومن يدخل النّار ، كما تعرفون في قبائلكم. الرّجل منكم يعرف من فيها من صالح أو طالح.

والأخبار في هذا المعنى كثيرة. وزاد في بعضها (٥) : لأنّهم عرفاء العباد ، عرّفهم الله إيّاهم عند أخذ المواثيق عليهم بالطّاعة لهم. فوصفهم في كتابة فقال : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ). وهم الشّهداء على النّاس ، والنّبيّون شهداء لهم بأخذهم (٦) لهم مواثيق العباد بالطّاعة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها ، ويعرف الأئمّة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم. وهو قوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ). فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم ، فيمرّون إلى الجنّة بلا

__________________

(١) نفس المصدر / ١٩ ، ح ٤٨.

(٢) ليس في المصدر : على.

(٣) البصائر / ٥١٦ ، ذيل ح ٥.

(٤) نفس المصدر / ٥١٥ ـ ٥١٦ ، ح ١.

(٥) نفس المصدر / ٥١٨ ، ضمن ح ٩. وكشف المحجّة / ١٩٠ ـ ١٩١.

(٦) المصدر : بأخذه.

(٧) تفسير القمّي ٢ / ٣٨٤.

٩٤

حساب. ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم ، فيمرّون إلى النّار بلا حساب.

وروى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ (١) ، عن رجاله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وقد سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ).

فقال : سور بين الجنّة والنّار قائم عليه محمّد وعليّ والحسن والحسين وفاطمة وخديجة ـ عليهم السّلام ـ فينادون : أين محبّونا ، وأين شيعتنا؟ فيقبلون إليهم ، فيعرفونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. وذلك قوله : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ). فيأخذون بأيديهم ، فيجوزون بهم على الصّراط ويدخلونهم الجنّة.

وفي بصائر الدّرجات ، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن أصحاب الأعراف.

فقال : إنّهم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فقصرت بهم الأعمال. وإنّهم لكما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي الكافي (٣) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عنهم.

فقال : قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم. فإن أدخلهم النّار ، فبذنوبهم. وإن أدخلهم الجنّة ، فبرحمته.

وفي رواية العيّاشي (٤) : فإن أدخلهم الله الجنّة ، فبرحمته. وإن عذّبهم ، لم يظلمهم.

قيل (٥) : لا منافاة بين هاتين الرّوايتين وبين ما تقدّمهما من الأخبار ، كما زعمه الأكثرون. لأنّ هؤلاء القوم يكونون مع الرّجال الّذين على الأعراف ، وكلاهما أصحاب الأعراف. يدلّ على ما قلناه صريحا حديث الجوامع.

(وَنادَوْا) ، يعني : ونادى أصحاب الأعراف. أريد بهم من كان مع الأئمّة على الأعراف من مذنبي شيعتهم ، الّذين استوت حسناتهم وسيّئاتهم.

(أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، أي : إذا نظروا عليهم ، سلّموا عليهم.

(لَمْ يَدْخُلُوها) : استئناف لا محلّ له. كأنّ سائلا سأل عن دخولهم الجنّة.

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة / ٦٥.

(٢) تفسير الصافي ٢ / ١٩٩ عنهما.

(٣) الكافي ٢ / ٣٨١ ، ذيل ح ١.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٨ ، ذيل ح ٤٦.

(٥) تفسير الصافي ٢ / ٢٠٠.

٩٥

فقيل : «لم يدخلوها».

(وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (٤٦) : حال من «الواو» ، أو من «الأصحاب».

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن كرام قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إذا كان يوم القيامة ، أقبل سبع قباب من نور يواقيت خضر وبيض. في كلّ قبّة إمام دهره ، قد أحفّ (٢) به أهل دهره برّها وفاجرها حتّى يقفون بباب الجنّة (٣). فيطّلع أوّلها [صاحب] (٤) قبّة اطّلاعة ، فيميّز أهل ولايته من عدوّه. ثمّ يقبل على عدوّه فيقول : أنتم (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ) اليوم. [يقوله] (٥) لأصحابه ، فتسوّد وجوه الظّالمين. فيصير (٦) أصحابه إلى الجنّة ، وهم يقولون : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

فإذا نظر أهل القبّة الثّانية إلى قلّة من يدخل الجنّة وكثرة من يدخل النّار ، خافوا أن لا يدخلوها. وذلك قوله : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ).

(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا) : تعوّذا بالله.

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧) ، أي : في النّار.

وفي مجمع البيان (٧) : أنّ في قراءة الصّادق ـ عليه السّلام ـ : قالوا ربنا عائذا بك أن لا (٨) تجعلنا مع القوم الظالمين.

(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ) ، أي : الأئمّة منهم. والإسناد ، كما في قولهم : بنو تميم قتلوا زيدا. وإنّما قتلوه بعضهم.

(رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) : من رؤساء الكفرة.

(قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) : كثرتكم ، أو جمع المال.

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٤٨) : عن الحقّ ، أو على الخلق.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٨ ـ ١٩ ، ح ٤٧.

(٢) المصدر : احتفّ.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : حتّى تغيب عن باب الجنّة.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(٦) المصدر : فيسودّ وجه الظالم فيميز أصحابه إلى الجنّة.

(٧) المجمع ٢ / ٤٢٤.

(٨) ليس في المصدر : لا.

٩٦

وقرئ (١) : «تستكثرون» من الكثرة.

(أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) : من تتمّة قولهم للرّجال.

والإشارة إلى شيعتهم الّذين كانوا معهم على الأعراف ، الّذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدّنيا ويحلفون أنّ الله لا يدخلهم الجنّة.

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٩) ، أي : فالتفتوا إلى أصحاب الجنّة وقالوا لهم : «ادخلوا». وهو أوفق.

وقيل (٢) : فقيل لأصحاب الأعراف : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) بفضل الله ، بعد أن حبسوا حتّى أبصروا الفريقين وعرفوهم وقالوا لهم ما قالوا.

وقيل (٣) : لمّا عيّروا أصحاب النّار ، أقسموا أنّ أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنّة. فقال الله أو بعض الملائكة : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ).

وقرئ (٤) : «ادخلوا» أو «دخلوا» على الاستئناف وتقديره : دخلوا الجنّة مقولا لهم : «لا خوف عليكم».

في الجوامع (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «الأعراف» كثبان بين الجنّة والنّار.

يوقف عليها كلّ نبيّ وكلّ خليفة نبيّ مع المذنبين من أهل زمانه ، كما يقف صاحب الجيش مع الضّعفاء من جنده ، وقد سبق المحسنون إلى الجنّة.

فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه : انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا (٦) إلى الجنّة.

فيسلّم عليهم المذنبون. وذلك قوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ).

أن يدخلهم الله إيّاها بشفاعة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والإمام. وينظر هؤلاء إلى أهل النّار فيقولون : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وينادي «أصحاب الأعراف» وهم الأنبياء والخلفاء. «رجالا» من أهل النّار ورؤساء الكفّار ، يقولون لهم مقرّعين : (ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) واستكباركم. (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ). إشارة إلى أهل الجنّة الّذين كان الرّؤساء

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٠.

(١ و ٣) ـ نفس المصدر والموضع.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) جوامع الجامع / ١٤٦.

(٦) المصدر : سيقوا.

٩٧

يستضعفونهم ويحتقرونهم بفقرهم ، ويستطيلون عليهم بدنياهم ، ويقسمون أنّ الله لا يدخلهم الجنّة. (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) يقول أصحاب الأعراف لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله ـ عزّ وجلّ ـ لهم بذلك : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ، أي : لا خائفين ولا محزونين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، [عن أبي أيوب] (٢) عن بريد (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : «الأعراف» كثبان (٤) بين الجنّة والنّار. و «الرّجال» الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ يقفون على الأعراف مع شيعتهم ، وقد سبق (٥) المؤمنون إلى الجنّة. [بلا حساب] (٦) فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذّنوب : انظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سبقوا (٧) إليها بلا حساب. وهو قول الله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ).

ثمّ يقال لهم : انظروا إلى أعدائكم في النّار. وهو قوله : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) في النّار. (قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) في الدّنيا. (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ).

ثمّ يقولون لمن في النّار من أعدائهم : هؤلاء شيعتي وإخواني الّذين كنتم أنتم تحلفون في الدّنيا (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ).

ثمّ يقول الأئمّة لشيعتهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).

(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا) ، أي : صبّوا. وهو دليل على أنّ الجنّة فوق النّار.

(مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) : من سائر الأشربة ، ليلائم الإفاضة. أو من المطاعم ، كقوله :

علفتها تبنا وماء باردا

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٢) من المصدر.

(٣) ب : يزيد.

(٤) ب : كثيبان.

(٥) المصدر : سيق.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : سيقوا.

٩٨

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّ أهل النّار يموتون عطاشا [، ويدخلون قبورهم عطاشا (، ويحشرون عطاشا)] (٢) ويدخلون جهنّم عطاشا. فيرفع لهم قراباتهم من الجنّة ، فيقولون : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).

عن الزّهريّ (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يوم التّناد ، يوم ينادي أهل النّار أهل الجنّة (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ).

وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن عبد الرّحمن بن عبد الله الزّهريّ قال : حجّ هشام بن عبد الملك. فدخل المسجد الحرام متّكئا على يد سالم مولاه ، ومحمّد بن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ جالس في المسجد.

فقال له سالم : يا أمير المؤمنين هذا محمّد بن عليّ بن الحسين.

فقال هشام : المفتون به أهل العراق؟

فقال : نعم.

قال : اذهب إليه فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : ما الّذي يأكل النّاس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يحشر النّاس على مثل قرصة البرّ النّقي (٥) ، فيها أنهار مفجّرة ، يأكلون ويشربون حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

قال : فرأى هشام أنه ظفر به ، فقال : الله أكبر ، اذهب (٦) إليه فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشّرب يومئذ! فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : هم في النّار أشغل [ولم يشغلوا] (٧) عن أن قالوا : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).

فسكت هشام لا يرجع كلاما.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٩ ، ح ٤٩.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر والصفحة ، ح ٥٠.

(٤) الاحتجاج ٢ / ٥٧.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «نقيّ» بدل «البرّ النقيّ».

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ادخل.

(٧) من المصدر.

٩٩

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١). حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي الربيع قال : سأل نافع مولى عمر بن الخطّاب أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فقال : يا أبا جعفر ، أخبرني عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ). أي أرض تبدّل؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : بخبزة (٢) بيضاء ، يأكلون منها حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق.

فقال نافع : إنّهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أهم حينئذ أشغل أم هم في النّار؟

فقال نافع : بل وهم في النّار.

قال : فقد قال الله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ). ما شغلهم إذ دعوا الطّعام ، فأطعموا الزّقّوم. ودعوا الشّراب ، فسقوا الحميم.

فقال : صدقت ، يا ابن رسول الله.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠) : منعهما عنهم ، منع المحرّم عن المكلّف.

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) :

و «اللهو» صرف الهمّ بما لا يحسن أن يصرف به. و «اللّعب» طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به.

(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) : نفعل بهم فعل النّاسين ، فنتركهم في النّار.

(كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) : فلم يخطروه ببالهم ، ولم يستعدّوا له.

في عيون الأخبار (٣) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وإنّما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم (٤) أنفسهم ، كما قال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٥.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : بحر بيضاء.

(٣) العيون ١ / ١٢٥ ، ضمن ح ١٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ينسيه.

١٠٠