تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

عن أبي بصير (١) قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : لنا الأنفال.

قلت : وما الأنفال؟

قال : منها المعادن ، والآجام ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها.

فهو لنا.

عن أبي حمزة الثّمالي (٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول ، في الملوك الّذين يقطعون النّاس : من الفيء والأنفال وأشباه ذلك.

وفي رواية أخرى (٣) ، عن الثّماليّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).

قال : ما كان للملوك ، [فهو للإمام.

عن سماعة بن مهران (٤) قال : سألته عن الأنفال. قال : كلّ أرض خربة وأشياء كانت تكون للملوك] (٥) فذلك خاصّ للإمام. ليس للنّاس فيه سهم. قال : ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

عن داود بن فرقد (٦) قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : الأنفال؟

قال : بطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، والمعادن ، وكلّ أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب ، وكلّ أرض ميتة قد جلا أهلها ، وقطائع الملوك.

عن أبي مريم الأنصاري (٧) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

قال : سهم (٨) لله وسهم للرّسول.

قال : قلت : فلمن سهم الله؟

فقال : للمسلمين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : حدّثني أبي ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨ ، ح ١١.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨ ، ح ١٦.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨ ، ح ١٧.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨ ، ح ١٨.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩ ، ح ٢١.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩ ، ح ٢٢.

(٨) «ر» : فأسهم.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٢٨١

عثمان ، عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الأنفال.

فقال : هي القرى الّتي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي لله وللرّسول. وما كان للملوك ، فهو للإمام. وما كان من أرض خربة (١) لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن ، ومن مات وليس له مولى ، فماله من الأنفال.

وقال : نزلت يوم بدر لمّا انهزم النّاس. كان أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على ثلاث فرق : فصنف كانوا عند خيمة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وصنف أغاروا على النّهب ، وفرقة طلبت العدوّ وأسروا وغنموا.

فلمّا جمعوا الغنائم والأسارى ، تكلّمت الأنصار في الأسارى. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (٢).

فلمّا أباح الله لهم الأسارى والغنائم ، تكلّم سعد بن معاذ وكان ممّن أقام عند خيمة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، ما منعنا أن نطلب العدوّ زهادة في الجهاد ولا جبنا من العدوّ ، ولكنّا خفنا أن يغزى موضعك فتميل (٣) عليك خيل المشركين.

وقد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والأنصار ، ولم يشك أحد منهم. والنّاس كثير [يا رسول الله] (٤) والغنائم قليلة. ومتى تعطي (٥) هؤلاء ، لم يبق لأصحابك شيء.

وخاف أن يقسّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغنائم وأسلاب القتلى بين من قاتل ، ولا يعطي من تخلف على (٦) خيمة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شيئا. فاختلفوا فيما بينهم حتّى سألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقالوا : لمن هذه الغنائم؟

فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ : الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

فرجع النّاس وليس لهم في الغنيمة شيء. ثمّ أنزل الله بعد ذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) (الآية) (٧). فقسّمه (٨) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بينهم.

فقال سعد بن أبي وقّاص : يا رسول الله ، أتعطي فارس القوم الّذي يحميهم مثل ما تعطي الضّعيف؟

__________________

(١) المصدر : الجزية.

(٢) الأنفال / ٦٧.

(٣) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : فيميل.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : يعطى.

(٦) المصدر : عليه عند خيمة ....

(٧) الأنفال / ٤١.

(٨) المصدر : فقسّم.

٢٨٢

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ثكلتك أمّك ، وهل تنصرون إلّا بضعفائكم؟

قال : فلم يخمّس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ببدر ، وقسّم بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر ، [فأنزل الله قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) بعد انقضاء حرب بدر. وقد كتب ذلك في أوّل السّورة ، وكتب بعده خروج النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الحرب] (١).

(فَاتَّقُوا اللهَ) : في الاختلاف والمشاجرة.

(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) : الحالة الّتي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله ، وتسليم أمره إلى الله والرّسول.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) : فيه.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) : فإنّ الإيمان يقتضي ذلك. أو أن كنتم كاملي الإيمان ، فإنّ كمال الإيمان بهذه الثّلاثة : طاعة الأوامر ، والاتّقاء عن المعاصي ، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان.

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) ، أي : الكاملون في الإيمان.

(الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) : فزعت لذكره ، استعظاما له ، وتهيّبا من جلاله.

وقيل (٢) : هو الرّجل يهمّ بمعصية ، فيقال له : اتّق الله. فينزع عنها خوفا من عقابه.

وقرئ (٣) : «وجلت» بالفتح. وهي لغة. و «فرقت» ، أي : خافت.

(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) : لزيادة المؤمن به. أو لأطمئنان النّفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلّة ، بناء على أنّ اليقين يقيل التّشكيك. أو بالعمل بموجبها ، وهو قول من قال : الإيمان يزيد بالطّاعة وينقص ، بالمعصية ، بناء على أنّ العمل داخل فيه.

(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٢) : يفوّضون إليه أمورهم ، ولا يخشون ولا يرجون إلّا إيّاه.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٤.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٢٨٣

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) : لأنّهم حقّقوا إيمانهم ، بأن ضمّوا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص. والتوكّل ، ومحاسن أفعال الجوارح الّتي هي العيار عليها من الصّلاة والصّدقة.

و «حقّا» صفة مصدر محذوف ، أي : إيمانا حقّا. أو مصدر مؤكّد ، كقوله : هو عبد الله حقّا.

(لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : كرامة وعلوّ منزلة.

وقيل : درجات الجنّة يرتقونها بأعمالهم (١).

(وَمَغْفِرَةٌ) : لما فرط منهم.

(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤) : اعدّ لهم في الجنّة ، لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، وأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد.

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزّيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله ، وبالنّقصان دخل المفرطون النّار.

ويأتي صدر الحديث في أواخر سورة التّوبة إن شاء الله.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) : خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذه الحال في كراهتهم إيّاها ، كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له.

أو صفة مصدر للفعل المقدّر في قوله : «لله والرّسول» ، أي : الأنفال ثبتت لله والرّسول ، مع كراهتهم ، ثباتا ، مثل ثبات إخراجك ربّك من بيتك ، يعني المدينة. لأنّها مهاجره ومسكنه. أو بيّته فيها مع كراهتهم.

(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥) : في موقع الحال.

قيل (٤) : يعني : حالهم هذه في كراهة ما حكم الله في الأنفال ، مثل حالهم في

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٤.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٥٥.

(٣) الكافي ٢ / ٣٧ ، ح ١.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٦٩.

٢٨٤

كراهة خروجك من بيتك للحرب.

وفي مجمع البيان (١) : في حديث أبي حمزة : فالله ناصرك ، كما أخرجك من بيتك.

(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) : في إيثارك الجهاد ، إظهارا للحقّ لإيثارهم تلقّي العير عليه.

(بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) : أنّهم ينصرون أينما توجّهوا بإعلام الرّسول.

(كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (٦) ، أي : يكرهون القتال كراهة من يساق الى الموت وهو يشاهد أسبابه. وكان ذلك لقلّة عددهم ، وعدم تأهّبهم.

إذ نقل : أنّهم كانوا رجّالة ، وما كان فيهم إلّا فارسان. وفيه إيماء إلى أنّ مجادلتهم إنّما كانت لفرط فزعهم ورعبهم (٢).

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) : على إضمار «اذكر».

و «إحدى» ثاني مفعولي «يعدكم». وقد أبدل عنهما.

(أَنَّها لَكُمْ) : بدل الاشتمال.

(وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ، يعني : العير. فإنّه لم يكن فيها إلّا أربعون فارسا. ولذلك يتمنّونها ويكرهون ملاقاة النّفير ، لكثرة عددهم وعدّتهم.

و «الشّوكة» الحدّة. مستعارة من حدّة الشّوك.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن محمّد بن يحيى الخثعميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : «ذات (٤) الشّوكة» الّتي فيها القتال.

(وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) : أن يثبته ويغلبه.

(بِكَلِماتِهِ) : الموحى بها في هذه الحال. أو بأوامره للملائكة بالإمداد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : «الكلمات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

وقرئ (٦) : «بكلمته».

(وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٧) : ويستأصلهم.

والمعنى : أنّكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها ، والله يريد إعلاء الدّين

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٥٢١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ، ح ٢٣.

(٤) المصدر : فقال : الشوكة ...

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٧٠.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

٢٨٥

وإظهار الحقّ وما يحصل لكم فوز الدّارين.

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ، أي : فعل ما فعل. وليس بتكرير. لأنّ الأوّل لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التّفاوت ، والثّاني لبيان الدّاعي إلى حمل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على اختيار ذات الشّوكة ونصره عليها.

(وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨) : ذلك.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن جابر قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن تفسير هذه الآية في قول الله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : تفسيرها في الباطن (يُرِيدُ اللهُ) ، فإنّه شيء يريده (٢) ولم يفعله بعد. وأمّا قوله : (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ، فإنّه يعني : يحقّ حقّ آل محمّد. وأمّا قوله ـ سبحانه ـ : «بكلماته» قال : بكلماته (٣) في الباطن عليّ ، هو كلمة الله في الباطن.

وأمّا قوله : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) فهو (٤) بنو أميّة ، هم الكافرون ، يقطع الله دابرهم.

وأمّا قوله : «ليحقّ الحقّ» فإنّه يعني حقّ آل محمّد حين يقوم القائم ـ عليه السّلام ـ. وأمّا قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ، يعني القائم. فإذا قام يبطل بني أميّة (٥). وذلك [قوله] (٦) (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) : بدل من «إذ يعدكم». أو متعلّق بقوله : «ليحقّ الحقّ». أو على إضمار «اذكر». واستغاثتهم لمّا علموا أنّ لا محيص من القتال.

وفي مجمع البيان (٧) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين ، استقبل القبلة وقال : اللهمّ ، أنجز لي ما وعدتني. اللهمّ ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف به (٨) ، مادّا يديه ، حتّى سقط رداؤه عن منكبه. فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) (الآية).

(فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ) : بأنّي ممدّكم. فحذف الجارّ ، وسلط عليه

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠ ، ح ٢٤.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فإنّه يريد و....

(٣) المصدر : كلماته.

(٤) المصدر : فهم.

(٥) المصدر : «باطل بني اميّة» بدل «بني اميّة».

(٦) من المصدر.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٥٢٥. (٨) المصدر : ربّه.

٢٨٦

الفعل.

وقرأ (١) أبو عمرو ، بالكسر ، على إرادة القول. أو إجراء «استجاب» مجرى «قال» ، لأنّ الاستجابة من القول.

(بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) : متبعين المؤمنين ، أو بعضهم بعضا. من أردفته : إذا جئت بعده. أو متّبعين بعضهم بعض المؤمنين ، أو أنفسهم المؤمنين. من أردفته إيّاه ، فردفه.

وقرأ (٢) نافع ويعقوب ، بفتح الدّال ، أي : متّبعين ، أو متّبعين. بمعنى : أنّهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم.

وقرئ (٣) : «مردفين» بكسر الرّاء ، وضمّها. وأصله ، مرتدفين بمعنى : مترادفين.

فأدغمت التّاء في الدّال ، فالتقى ساكنان ، فحرّكت الرّاء بالكسر على الأصل أو بالضّمّ على الإتباع.

وقرئ (٤) : «بآلاف» ليوافق ما في سورة آل عمران. ووجه التّوفيق بينه وبين المشهور ، أنّ المراد بالألف الّذين كانوا على المقدّمة ، أو السّاقة ، أو وجوههم وأعيانهم ، أو من قاتل منهم.

(وَما جَعَلَهُ اللهُ) ، أي : الإمداد.

(إِلَّا بُشْرى) ، أي : إلّا بشارة لكم بالنّصر.

(وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) : فيزول ما بها من الوجل ، لقلّتكم وذلّتكم.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١٠) : وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوها وسائط لا تأثير لها. فلا تحسبوا النّصر منها ، ولا تيأسوا منه بفقدها.

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) : بدل ثان من «إذ يعدكم» ، لإظهار نعمة ثالثة. أو متعلّق «بالنّصر». أو بما في «عند الله» من معنى الفعل. أو «بجعل» ، أو بإضمار «اذكر».

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) نفس المصدر ، والموضع.

٢٨٧

وقرأ (١) نافع ، بالتّخفيف. من أغشيته الشّيء : إذا غشيته إيّاه. والفاعل على القراءتين ، هو الله ـ تعالى ـ.

وقرأ (٢) ابن كثير وأبو عمرو : «يغشاكم النّعاس» بالرّفع.

(أَمَنَةً مِنْهُ) : أمنا من الله. وهو مفعول له ، باعتبار المعنى. فإنّ قوله : (يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) يتضمّن معنى : تنعسون. ويغشاكم بمعناه.

و «الأمنة» فعل لفاعله. ويجوز أن يراد بها الإيمان ، فيكون فعل المغشيّ. وأن تجعل على القراءة الأخيرة فعل النّعاس على المجاز. لأنّها لأصحابه ، أو لأنّه كان من حقّه أن لا يغشاهم لشدّة الخوف. فلمّا غشيهم فكأنّه حصلت لهم أمنة من الله ، لولاها لم يغشيهم ، كقوله : يهاب النّوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفّار شرور.

وقرئ (٣) : «أمنة» ، كرحمة. وهي لغة.

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) : من الحدث والجنابة.

وفي الكافي (٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ [قال : قال أمير المؤمنين] (٥) اشربوا ماء السّماء ، فإنّه يطهّر البدن ، ويدفع الأقسام. ثمّ تلا هذه الآية.

ومثله في كتاب الخصال (٦).

(وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) ، يعني : الجنابة. لأنّها من تخييله ، أو وسوسته وتخويفه إيّاهم من العطش.

إذ نقل (٧) : أنّهم نزلوا في كثيب أعفر ، تسوخ فيه الأقدام على غير ماء. وناموا ، فاحتلم أكثرهم. وقد غلب المشركون على الماء. فوسوس إليهم الشّيطان ، وقال : كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء ، وأنتم تصلون محدثين مجنبين ، وتزعمون أنّكم أولياء الله ، وفيكم رسوله؟ فأشفقوا. فأنزل الله المطر ، فمطروا [ليلا] (٨) حتّى جرى الوادي. واتّخذوا الحياض على عدوته ، وسقوا الرّكاب ، واغتسلوا ، وتوضّئوا. وتلبّد الرّمل الّذي بينهم

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٤) الكافي ٦ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، ح ٢.

(٥) من المصدر.

(٦) الخصال / ٦٣٦ ـ ٦٣٧.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٨) من المصدر.

٢٨٨

وبين العدوّ ، حتّى ثبتت عليه الأقدام وزالت [وسوسة الشّيطان] (١).

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ).

قال : لا يدخلنا ما يدخل النّاس من الشّكّ.

(وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) : بالوثوق على لطف الله بكم.

(وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١١) ، أي : بالمطر ، حتّى لا تسوخ في الرّمل. أو بالرّبط على القلوب ، حتّى يثبت في المعركة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن جابر ، عن أبي [عبد الله] (٤) جعفر [بن محمّد] (٥) ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية في البطن [وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام] (٦).

قال : «فالسّماء» في الباطن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و «الماء» عليّ.

جعل الله عليّا من رسول الله. فذلك قوله : (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ). فذلك عليّ يطهّر الله به قلب من والاه. وأمّا قوله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) من والى عليّا ، يذهب الرجز عنه ويقوى عليه. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فإنّه يعني : عليّا. من والى عليّا ، يربط الله على قلبه بعليّ ، فيثبت على ولايته.

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ) : بدل ثالث. أو متعلّق «بيثبّت».

(إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) : في إعانتهم وتثبيتهم. وهو مفعول «يوحي».

وقرئ (٧) بالكسر ، على إرادة القول. أو إجراء الوحي مجراه.

(فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) : بالبشارة ، أو بتكثير سوادهم ، أو بمحاربة أعدائهم.

فيكون قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) كالتفسير لقوله : «أنّي معكم فثبّتوا». وفيه دليل على أنّهم قاتلوا.

ومن منع ذلك ، جعل الخطاب فيه مع المؤمنين. إمّا على تغيير الخطاب ، أو على أنّ قوله : «سألقي» إلى قوله : «كلّ بنان» تلقين للملائكة ما يثبّتون المؤمنين به ، كأنّه

__________________

(١) المصدر : الوسوسة.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠ ، ح ٢٧.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠ ، ح ٢٥.

(١ و ٥) ـ من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

٢٨٩

قال : قولوا لهم قولي هذا.

(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) : أعاليها ، الّتي هي المذابح والرّؤوس.

(وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (١٢) ، أي : الأصابع ، أي : جزّوا رقابهم ، واقطعوا أطرافهم.

(ذلِكَ) : إشارة إلى الضّرب ، أو الأمر به. والخطاب للرّسول ، أو لكلّ أحد من المخاطبين.

(بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) : بسبب مشاقّتهم لهما.

واشتقاقه من الشّقّ ، لأنّ كلا من المتعاندين في شقّ خلاف شقّ الآخر ، كالمعاداة ، من العدوّ. والمخاصمة ، من الخصم. وهو الجانب.

(وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١٣) : تقرير للتّعليل. أو وعيد بما أعدّ لهم في الآخرة ، بعد ما حاق بهم في الدّنيا.

(ذلِكُمْ) : الخطاب فيه مع الكفرة ، على طريقة الالتفات.

ومحلّه الرّفع ، أي : الأمر ذلكم ، أو «ذلكم» واقع. أو نصب بفعل دلّ عليه (فَذُوقُوهُ) أو غيره ، مثل باشروا. أو عليكم ، لتكون الفاء عاطفة.

(وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (١٤) : عطف على «ذلكم». أو نصب على المفعول معه.

والمعنى : ذوقوا ما عجّل لكم ، مع ما أعدّ لكم في الآخرة.

ووضع الظّاهر فيه موضع المضمر ، للدّلالة على أنّ الكفر سبب العذاب الآجل ، أو الجمع بينهما.

وقرئ (١) : «إنّ» بالكسر ، على الاستئناف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : كان سبب نزول (٣) ذلك ، أنّ عيرا لقريش خرجت إلى الشّام فيها خزائنهم. فأمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بالخروج ، ليأخذوها فأخبرهم أنّ الله قد وعده إحدى الطّائفتين : إمّا العير ، أو قريش إن ظفر (٤) بهم. فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٥٦ ـ ٢٧٠.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : أظفر.

٢٩٠

فلمّا قارب بدرا (١) ، كان أبو سفيان في العير. فلمّا بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد خرج يتعرّض العير ، خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشّام.

فلمّا وافى النّقرة (٢) ، اكترى ضمضم بن عمرو الحرّاعي (٣) بعشرة دنانير ، وأعطاه قلوصا (٤) ، وقال له : امض إلى قريش ، وأخبرهم أنّ محمّدا والصّباة (٥) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم ، فأدركوا العير. وأوصاه أن يخرم ناقته ويقطع أذنها حتّى يسيل الدّم ، ويشقّ ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مكّة ولّى وجهه إلى ذنب البعير ، وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب (٦) ، اللّطيمة اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم.

فخرج ضمضم يبادر إلى مكّة.

ورأت عاتكة بنت عبد المطّلب ، قبل قدوم ضمضم ، في منامها بثلاثة أيّام كأنّ راكبا قد دخل مكّة ينادي : يا آل عذر يا آل فهر (٧) ، أغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث. ثمّ وافى بحمله على أبي قبيس ، فأخذ حجرا فدهدهه (٨) من الجبل ، فما ترك دارا (٩) من دور قريش إلّا أصابه منه فلذة. وكأنّ وادي مكّة قد سال من أسفله دما.

فانتبهت ذعرة. فأخبرت العبّاس بذلك. فأخبر العبّاس عتبة بن ربيعة.

فقال عتبة : هذه (١٠) مصيبة تحدث في قريش.

وفشت الرّؤيا في قريش. فبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : ما رأت عاتكة هذه الرّؤيا ، وهذه نبيّة ثانية في بني عبد المطّلب! واللّات والعزّى ، لننظرنّ (١١) ثلاثة أيّام ، فإن كان ما رأت حقّا فهو ، كما رأت. وإن كان غير ذلك ، لنكتبنّ بيننا كتابا ، أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم.

__________________

(١) المصدر : بدر.

(٢) النّقرة : موضع في طريق مكّة. كما قاله الحموي. وفي المصدر : «البهرة». قال الفيروزآبادي : البهرة : موضع بنواحي المدينة.

(٣) المصدر : ضمضم الخزاعي.

(٤) القلوص من الإبل : الشابّة.

(٥) الصّباة : جمع الصابي ، وهو : الّذي خرج من دين إلى دين آخر.

(٦) المكرّر ليس في المصدر.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عذر.

(٨) المصدر : فدهده.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) المصدر : لننتظر.

٢٩١

فلمّا مضى يوم ، قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى. فلمّا كان اليوم الثّاني ، قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا. فلمّا كان اليوم الثّالث ، وافى ضمضم ينادي في الوادي : يا آل غالب يا آل غالب ، اللّطيمة اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم الّتي فيها خزائنكم.

فتصايح النّاس بمكّة ، وتهيّؤوا للخروج. وقام سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أميّة ، وأبو البختريّ بن هشام ، ومنبّه ونبيه ، ابنا الحجّاج ، ونوفل بن خويلد ، فقالوا (١) : يا معشر قريش ، والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه. أن يطمع محمّد والصّباة من (٢) أهل يثرب ، أن يتعرّضوا لعيركم الّتي فيها خزائنكم. فو الله ، ما قرشيّ ولا قرشيّة إلّا ولهما (٣) في هذا العير نشّ (٤) فصاعدا. وإنّه للذّل والصّغار أن يطمع محمّد في أموالكم ، فيفرق بينكم وبين متجركم ، فاخرجوا.

وأخرج صفوان بن أميّة خمسمائة دينار ، وجهّز بها. وأخرج سهيل بن عمرو [خمسمائة] (٥) وما بقي أحد من عظماء قريش ، إلّا أخرجوا مالا وحملوا وقودا (٦). وخرجوا على الصّعب والذّلول لا يملكون أنفسهم ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٧).

وخرج معهم العبّاس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.

وأخرجوا معهم المغنّيات ، يشربون الخمر ويضربون بالدّفوف. وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

فلمّا كان بقرب بدر على ليلة منها ، بعث بشير بن أبي الرّغباء (٨) ومحمّد بن عمير (٩) يتجسّسان خبر العير. فأتيا ماء بدر ، فأناخا راحلتيهما ، واستعذبا من الماء. وسمعا جاريتين ، قد تشبّثت إحداهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها. فقالت : عير

__________________

(١) المصدر : قال.

(٢) المصدر : عن.

(٣) المصدر : لها.

(٤) النشّ : نصف الأوقية. وفي المصدر : شيء

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : وقووا.

(٧) الأنفال / ٤٧.

(٨) المصدر : الرعبا (الدعناء ـ خ ل)

(٩) المصدر : مجد بن عمرو.

٢٩٢

قريش نزلت أمس في موضع كذا ، وهي تنزل غدا ها هنا وأنا أعمل لهم وأقضيك.

فرجعا ، فأخبراه بما سمعا.

فأقبل أبو سفيان بالعير. فلمّا شارف بدرا ، تقدّم العير وأقبل وحده حتّى انتهى إلى ماء بدر. وكان بها رجل من جهينة (١) يقال له : كسب الجهنيّ.

فقال له : يا كسب ، هل لك علم بمحمّد وأصحابه؟

قال : لا.

قال : واللّات والعزّى ، لئن كتمتنا أمر محمّد ، لا تزال لك قريش معادية آخر الدّهر. فإنّه ليس أحد من قريش ، إلّا وله في هذه العير النش (٢) فصاعدا. فلا تكتمني.

فقال : والله ، مالي علم بمحمّد [وما بال محمّد] (٣) وأصحابه بالتّجّار؟ إلّا أنّي رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا ، فاستعذبا من الماء ، وأناخا راحلتيهما ورجعا. فلا أدري من هما.

فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ، ففتّ أبعار الإبل بيده ، فوجد فيها النّوى. فقال : هذه علائف يثرب ، هؤلاء ـ والله (٤) ـ عيون محمّد. فرجع مسرعا ، وأمر بالعير ، فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين.

ونزل جبرائيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأخبره أنّ العير قد أفلتت ، وأنّ قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها. وأمره بالقتال ، ووعده النّصر. وكان نازلا ماء بالصّفراء (٥). فأحبّ أن يبلو الأنصار ، لأنّهم إنّما وعدوه أن ينصروه في الدّار. فأخبرهم أنّ العير قد جازت ، وأنّ قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأنّ الله قد أمرني بمحاربتهم.

فجزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من ذلك. وخافوا خوفا شديدا. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أشيروا عليّ.

فقام أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها. ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت ، ولم نخرج على هيئة الحرب.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ له : اجلس.

__________________

(١) المصدر : جهينيّة.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : نشر.

(٣) من المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) قرية بين جبلين.

٢٩٣

فجلس.

فقال : أشيروا عليّ.

فقام عمر ، فقال مثل مقالة أبي بكر.

فقال : اجلس.

ثمّ قام المقداد ، فقال : يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها.

وإنّا قد آمنّا بك ، وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (١) وشوك الهراس (٢) ، لخضنا معك. ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٣). ولكنّا نقول : اذهب أنت وربّك فقاتلا ، إنّا معكما مقاتلون.

فجزاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خيرا. ثمّ جلس.

ثمّ قال : أشيروا عليّ.

فقام سعد بن معاذ ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله ، كأنّك أردتنا؟

قال : نعم.

قال : فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟ [قال : نعم] (٤).

قال : بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله ، إنّنا قد آمنا بك وصدّقناك و (٥) شهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منه ما شئت. والّذي أخذت منه أحبّ إليّ من الّذي [تركت منه] (٦). والله ، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. [فجزاه خيرا] (٧).

ثمّ قال [سعد] (٨) : بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله ، [والله] (٩) ما خضت هذا الطّريق قطّ وما لي به علم. وقد خلّفنا بالمدينة قوما ، ليس نحن بأشدّ جهادا لك منهم.

__________________

(١) الغضاة : شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب. وهو حسن النار ، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ.

(٢) الهراس : شجر كثير الشوك طويلة. وفي المصدر : الهراش.

(٣) المائدة / ٢٤.

(٤) من المصدر.

(٥) من هنا ليس في «أ» إلى موضع سيأتي.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تركته.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر.

(٩) من المصدر.

٢٩٤

ولو علموا أنّه الحرب ، لما تخلّفوا. ولكن نعدّ لك الرّواحل ، ونلقى عدوّنا. فإنّا صبر (١) عند اللّقاء ، أنجاد في الحرب. وإنّا لنرجو أن يقرّ الله عينيك بنا. فإنّ يك ما تحبّ ، فهو ذاك.

وإن يكن غير ذلك ، قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو يحدث الله غير ذلك؟ كأنّي بمصرع فلان ها هنا ، وبمصرع فلان ها هنا ، وبمصرع أبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنبّه ونبيه ، ابني الحجّاج. فإنّ الله قد وعدني إحدى الطّائفتين ، ولن يخلف الله الميعاد.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذه الآية (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) ـ إلى قوله ـ : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرّحيل حتّى نزل عشاء على ماء بدر ، وهي العدوة الشّامية.

وأقبلت قريش ، ونزلت بالعدوة اليمانيّة. وبعثت عبيدها تستعذب من الماء ، فأخذهم أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وحبسوهم.

فقالوا لهم : من أنتم؟

قالوا : نحن عبيد قريش.

قالوا : فأين العير؟

قالوا : لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصلي.

فانفتل من صلاته فقال : إن صدقوكم ، ضربتموهم. وإن كذبوكم ، تركتموهم. عليّ بهم.

فأتوا بهم.

فقال لهم : من أنتم؟

قالوا : يا محمّد ، نحن عبيد قريش.

قال : كم القوم؟

قالوا له : لا علم لنا بعددهم.

قال : كم ينحرون في كلّ يوم جزورا.

قالوا : تسعة إلى (٢) عشرة.

__________________

(١) المصدر : نصبر.

(٢) المصدر : أو.

٢٩٥

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : القوم (١) تسعمائة إلى (٢) ألف. [ثمّ] (٣).

قال : فمن فيهم من بني هاشم؟

فقالوا (٤) : العباس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهم فحبسوا (٥). وبلغ قريشا ذلك ، فخافوا خوفا شديدا.

ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختريّ بن هشام ، فقال له : أما ترى هذا البغي ، والله ، ما أبصر موضع قدمي. خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت ، فجئنا بغيا وعدوانا. والله ، ما أفلح قوم قطّ بغوا. ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كلّه ، ولم نسر هذا المسير.

فقال له أبو البختريّ : إنّك سيّد من سادات قريش. [فسر في الناس و] (٦) نحمل العير الّتي أصابها محمّد وأصحابه بنخلة ، ودم ابن الحضرميّ فإنّه حليفك.

فقال عتبة : أنت تشير (٧) عليّ بذلك (٨). وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظليّة (٩) ، يعني : أبا جهل. فسر (١٠) إليه ، وأعلمه أنّي قد تحمّلت العير الّتي [قد] (١١) أصابها محمّد بنخلة (١٢) ودم ابن الحضرميّ.

فقال أبو البختري : فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعا له.

فقلت له : إنّ أبا الوليد بعثني إليك برسالة.

فغضب ، ثمّ قال : أما وجد عتبة رسولا غيرك؟

فقلت : أما ، والله ، لو غيره أرسلني ما جئت. ولكن أبا الوليد سيّد العشيرة.

فغضب [أشدّ من الأولى] (١٣) غضبة أخرى ، فقال : تقول : سيّد العشيرة!

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : أو.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : قال.

(٥) المصدر : فحبسوهم.

(٦) ليس في المصدر ، ر ، ب.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) أي : قد فعلت ، وأنت الشاهد على ذلك.

(٩) المصدر : حنظلة بدل الحنظليّة.

(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فصر.

(١١) من المصدر.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : غضبة أخرى.

٢٩٦

فقلت : أنا أقوله ، وقريش كلّها تقوله. إنّه قد تحمّل العير ودم ابن الحضرميّ.

فقال : إنّ عتبة أطول النّاس لسانا ، وأبلغهم في الكلام ، ويتعصّب لمحمّد. فإنّه من بني عبد مناف ، وابنه معه ، ويريد أن يخذله (١) بين النّاس. لا ، واللّات والعزّى ، حتّى نقتحم عليهم بيثرب ، ونأخذهم أسارى. فندخلهم مكّة ، وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.

وبلغ أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثرة قريش ، ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا. فأنزل الله على رسوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

فلمّا أمسى (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجنّه اللّيل ، ألقى الله على أصحابه النّعاس حتّى ناموا. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم السّماء (٣) ، وكان نزول (٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في موضع لا يثبت فيه القدم ، فأنزل الله عليهم السّماء [ولبّد الأرض] (٥) حتى تثبت الأقدام. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ). وذلك أنّ بعض أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ احتلم. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ).

وكان المطر على قريش ، مثل العزالي (٦). وكان على أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رذاذا (٧) بقدر ما يلبّد الأرض. وخافت قريش خوفا شديدا ، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود ، فقال : ادخلا في القوم واتياني (٨) بأخبارهم.

__________________

(١) المصدر : يحذر (يخذل ـ خ)

(٢) المصدر : مشى.

(٣) المصدر : الماء ، والسماء هنا بمعنى المطر.

(٤) المصدر : نزل.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) العزالي : جمع العزلاء : مصب الماء من الراوية. ومنه قولهم : أرخت السّماء عزاليها.

(٧) الرذاذ : المطر الضعيف.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ائتونا.

٢٩٧

فكانا يجولان في عسكرهم. لا يرون إلّا خائفا ذعرا ، إذا سمعوا (١) سهل الفرس وثبوا (٢) على جحفلته. فسمعوا منبّه بن الحجّاج يقول : لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بدّ أن نموت أو نميتا.

قال : قد والله ، كانوا شباعا ، ولكنّهم من الخوف قالوا هذا.

وألقى الله في (٣) قلوبهم الرّعب ، كما قال الله ـ تعالى ـ : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) (٤).

فلمّا أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. عبّأ أصحابه. وكان في عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرسان : فرس للزّبير بن العوّام ، وفرس للمقداد بن أسود.

وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ على جمل يتعاقبون عليه ، والجمل لمرثد. وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس. فعبّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بين يديه ، وقال : غضّوا أبصاركم ، ولا تبدأوهم بالقتال ، ولا يتكلّمنّ أحد.

فلمّا نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، قال أبو جهل : ما هم إلّا أكلة رأس. ولو بعثنا إليهم عبيدنا ، لأخذوهم أخذا باليد.

فقال عتبة بن ربيعة : أترى لهم كمينا ومددا؟

فبعثوا عمرو بن وهب الجمحيّ. وكان فارسا شجاعا. فجال بفرسه حتى طاف على (٥) عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ صعد في (٦) الوادي ، وصوّت. ثمّ رجع إلى قريش ، فقال : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت النّاقع. أما ترونهم خرسا لا يتكلّمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي. ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم. وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا (٧) ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم. فارتئوا رأيكم.

فقال له أبو جهل : كذبت وجبنت ، وانتفخ سحرك (٨) حين نظرت إلى سيوف

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : وثب.

(٣) المصدر : على.

(٤) الأنفال / ١٢.

(٥) المصدر : إلى.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : يقتلون.

(٨) السحر : الرئة. وانتفاخ السحر كناية عن الجبن. وفي المصدر : منخرك.

٢٩٨

أهل (١) يثرب.

وفزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم. فأنزل الله على رسوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢). وقد علم الله أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السّلم ، وإنّما أراد بذلك ليطيّب قلوب أصحاب النّبيّ.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأ (٣) بكم. فخلّوني والعرب. فإن أك صادقا ، فأنتم أعلى بي عينا. وإن أك كاذبا ، كفتكم ذؤبان العرب أمري. فارجعوا.

فقال عتبة : والله ، ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.

ثمّ ركب جملا له أحمر.

فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن عند أحد خير ، فعند صاحب الجمل الأحمر. إن يطيعوه ، يرشدوا.

فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش ، اجتمعوا واسمعوا (٤). ثمّ خطبهم ، فقال : يمن مع رحب ، ورحب مع يمن. يا معشر قريش ، أطيعوني اليوم وأعصوني الدّهر. وارجعوا إلى مكّة ، واشربوا الخمور وعانقوا الحور. فإنّ محمّدا له إلّ وذمّة. وهو ابن عمّكم. فارجعوا ، ولا تردّوا (٥) رأيي. وإنّما تطالبون بالعير الّتي أخذها محمّد بنخلة (٦) ، ودم ابن الحضرميّ ، وهو حليفي وعليّ عقله.

فلمّا سمع أبو جهل ذلك ، غاظه (٧) وقال : إنّ عتبة أطول النّاس لسانا ، وأبلغهم في الكلام. ولئن رجعت قريش بقوله ، ليكوننّ سيّد قريش آخر الدّهر.

ثمّ قال : يا عتبة ، نظرت إلى سيوف بني عبد المطّلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر النّاس بالرّجوع ، وقد رأينا [ثأرنا] (٨) بأعيننا.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) الأنفال / ٦١.

(٣) المصدر : «إليّ ممّن بدأ» بدل : «إليّ من أن أبدأ».

(٤) المصدر : استمعوا.

(٥) لا تنبذوا.

(٦) المصدر : بنخيلة.

(٧) هامش المصدر : أي أداره في فيه.

(٨) من المصدر.

٢٩٩

فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس ، فأخذ بشعره.

فقال النّاس : يقتله.

فعرقب فرسه وقال : أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أيّنا الأم وأجبن (١) ، وأيّنا المفسد لقومه. لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثمّ قال : هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.

ثمّ أخذ بشعره يجرّه.

فاجتمع إليه النّاس ، فقالوا : يا أبا الوليد ، الله الله ، لا تفتّ في أعضاد النّاس.

تنهى عن شيء وتكون أوّله.

فخلّصوا أبا جهل من يده.

فنظر عتبة إلى أخيه شيبه ونظر إلى ابنه الوليد ، فقال : قم ، يا بنيّ.

فقام. ثمّ لبس درعه. وطلبوا له بيضة يتسع (٢) رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته.

فاعتمّ بعمامتين. ثمّ أخذ سيفه ، وتقدّم هو وأخوه وابنه ونادى : يا محمّد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار ، عوذ ومعوّذ (٣) وعوف من بني عفراء.

فقال عتبة : من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقالوا : نحن بنو عفراء ، أنصار الله وأنصار رسوله.

فقالوا : ارجعوا ، فإنّا لسنا إيّاكم نريد. إنّما نريد الأكفاء من قريش.

فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ارجعوا ، فرجعوا. وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم.

ثمّ نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب ، وكان له سبعون سنة ، فقال له : قم يا عبيدة.

فقام بين يديه بالسّيف.

ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب ، فقال له : قم ، يا عمّ.

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الأليم والأجبن.

(٢) المصدر ور وب : تسع.

(٣) المصدر : عود ومعود.

٣٠٠