تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (١٣٥) : جواب «لما» ، أي : فلمّا كشفنا عنهم ، فاجئوا النّكث من غير توقّف وتأمّل فيه.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) : فأردنا الانتقام.

(فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) : أي : البحر الّذي لا يدرك قعره.

وقيل (١) : لجّة البحر ، ومعظم مائه.

واشتقاقه من التّيمّم ، لأنّ المنتفعين به يقصدونه.

(بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٣٦) ، أي : كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها ، حتّى صاروا كالغافلين عنها.

وقيل (٢) : الضّمير للنّقمة ، المدلول عليها بقوله : «فانتقمنا».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، مقطوعا. ونسب حديثه في مجمع البيان (٤) إلى الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ قال : لمّا سجد السّحرة و [من] (٥) آمن به [من] (٦) النّاس ، قال هامان لفرعون : إنّ النّاس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه.

فحبس كلّ من آمن به من بني إسرائيل. فتابع الله عليهم بالآيات ، وأخذهم بالسّنين ونقص من الثّمرات.

ثمّ بعث عليهم الطّوفان ، فخرّب دورهم ومساكنهم حتّى خرجوا إلى البريّة وضربوا الخيام. وامتلأت بيوت القبط ماء ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل الماء قطرة.

وأقام الماء على وجه أرضهم لا يقدروه على أن يحرثوا. [فجاء إليه موسى] (٧).

فقال فرعون لموسى : ادع لنا ربّك ، حتّى يكشف (٨) عنّا الطّوفان ، حتّى أخلّي عن بني إسرائيل وأصحابك.

فدعا موسى ربّه ، فكشف (٩) عنهم الطّوفان. وهمّ فرعون أن يخلّي عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦ ببعض التصرّف.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ولا يخفى أنّ المؤلّف أورده خلطا من المصدرين ولكن أكثر نقلها من تفسير القمّي وما نقل من مجمع البيان فهو قليل.

(٤) المجمع ٢ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

(٥ ، ٦) ـ من تفسير القمّي.

(٧) العبارة لا توجد في المصدرين.

(٨) المصدر : يكفّ.

(٩) المصدر : كفّ.

١٦١

بني إسرائيل ، فقال له هامان : إن خلّيت عن بني إسرائيل ، غلبك موسى وأزال ملكك.

فقبل منه ، ولم يخلّ عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم في السنّة الثّانية الجراد. فجردت كلّ شيء كان لهم من النّبت (١) والشّجر ، حتّى كانت تجرد شعر لحيتهم (٢).

فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا ، وقال : يا موسى ، ادع لنا (٣) ربّك أن يكشف (٤) عنّا الجراد حتّى أخلّي عن بني إسرائيل وأصحابك.

فدعا موسى ربّه ، فكشف (٥) عنهم الجراد. فلم يدعه هامان أن يخلّي عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم في السّنة الثّالثة القمّل. فذهبت زروعهم ، فأصابتهم المجاعة.

فقال فرعون لموسى : إن دفعت عنّا القمّل ، كففت عن بني إسرائيل.

فدعا موسى ربّه حتّى ذهب عنهم القمّل.

وقال : أوّل ما خلق الله القمّل في ذلك الزّمان. فلم يخلّ عن بني إسرائيل.

فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضّفادع ، فكانت تكون في طعامهم وشرابهم.

ويقال : إنّها تخرج من أدبارهم وآذانهم وأنافهم.

فجزعوا من ذلك جزعا شديدا ، فجاءوا إلى موسى فقالوا : ادع الله أن يذهب عنّا الضّفادع ، فإنّا نؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل.

فدعا موسى ربّه. فرفع الله عنهم ذلك.

فلمّا أبوا أن يخلّوا عن بني إسرائيل ، حوّل الله ماء النّيل دما. فكان القبطيّ يراه دما والإسرائيليّ يراه ماء. فإذا شربه الإسرائيليّ ، كان ماء. وإذا شربه القبطيّ ، كان دما. فكان القبطيّ يقول للإسرائيليّ : خذ الماء في فمك وصبّه في فمي. [فكان إذا] (٦) صبّه في فم القبطيّ ، يحوّل دما.

فجزعوا [من ذلك] (٧) جزعا شديدا ، فقالوا لموسى : لئن رفع [الله] (٨) عنّا الدّم ،

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : البيت.

(٢) المصدر : شعرهم ولحيتهم.

(٣) ليس في المصدرين : لنا.

(٤) المصدر : يكفّ.

(٥) المصدر : فكفّ.

(٦) تفسير القمّي : فإذا.

(٧) ليس في المصدرين.

(٨) من تفسير القمّي.

١٦٢

لنرسلنّ معك بني إسرائيل.

فلمّا رفع الله عنهم الدّم ، غدروا ولم يخلّوا عن بني إسرائيل.

فأرسل الله عليهم الرّجز ، وهو الثّلج ، ولم يروه قبل ذلك. فماتوا فيه وجزعوا [جزعا شديدا] (١) ، وأصابهم ما لم يعهدوه (٢) قبله.

فقالوا : (يا مُوسَى) (٣) (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ، لَئِنْ كَشَفْتَ) (٤) (عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ).

فدعا ربه ، فكشف عنهم الثّلج ، فخلّى عن بني إسرائيل.

فلمّا خلّى عنهم ، اجتمعوا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ. وخرج موسى من مصر ، واجتمع إليه من كان هرب من فرعون. وبلغ فرعون ذلك. فقال له هامان : قد نهيتك أن تخلّي بني إسرائيل ، فقد اجتمعوا (٥) إليه. فجزع فرعون وبعث (فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٦) وخرج في طلب موسى.

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) ، أي : بالاستبعاد وذبح الأبناء من مستضعفيهم.

(مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) ، يعني : أرض الشّام. ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة ، وتمكّنوا في نواحيها.

(الَّتِي بارَكْنا فِيها) : بالخصب وسعة العيش.

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) : ومضت عليهم ، واتّصلت بالإنجاز عدته إيّاهم بالنّصرة والتّمكين. وهو قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) ـ إلى قوله ـ : (ما كانُوا يَحْذَرُونَ). (٧) وقرئ (٨) : «كلمات ربّك» لمتعدّد المواعيد.

(بِما صَبَرُوا) : بسبب صبرهم على الشّدائد.

(وَدَمَّرْنا) : وخرّبنا.

__________________

(١) من تفسير القمّي.

(٢) تفسير القمّي : لم يعهدوا.

(٣) ليس في تفسير القمّي.

(٤) تفسير القمّي : كشفت.

(٥) كذا في تفسير القمّي ، وفي النسخ : استجمعوا.

(٦) الأعراف / ١١١.

(٧) القصص / ٥ ـ ٦.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.

١٦٣

(ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) : من القصور والعمارات.

(وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (١٣٧) : من الجنّات. أو ما كانوا يرفعون من البنيان ، كصرح هامان.

وقرأ (١) ابن عامر وأبو بكر ، هنا وفي النّحل : «يعرشون» بالضّمّ.

وهذا آخر قصّة فرعون وقومه.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا حفص ، إنّه من صبر ، صبر قليلا ، إلى قوله ـ عليه السّلام ـ : ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة ووصفوا بالصّبر ، فقال ـ جل ثناؤه ـ : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٣).

فعند ذلك قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الصّبر من الإيمان ، كالرّأس من الجسد.

فشكر الله ـ عزّ وجلّ ـ ذلك له ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ). [فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) إنّه بشرى وانتقام.

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) : هذا وما بعده ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشّنيعة ، بعد أن منّ الله عليهم بالنّعم الجسام وأراهم من الآيات العظام ، تسلية لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ممّا رأى منهم بالمدينة ، وإيقاظا للمؤمنين حتّى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم.

نقل (٥) : أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه ، فصاموه شكرا.

(فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ) : فمرّوا عليهم.

(يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) : يقيمون على عبادتها.

قيل (٦) : كانت تماثيل بقر ، وذلك أوّل شأن العجل. والقوم كانوا من العمالقة

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.

(٢) الكافي ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، ح ٣.

(٣) السجدة / ٢٤.

(٤) من المصدر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.

١٦٤

الّذين أمر موسى بقتالهم.

وقيل : من لخم.

وقرأ حمزة والكسائي : «يعكفون» بالكسر.

(قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) : مثالا نعبده.

(كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) : يعبدونها.

و «ما» كافّة «للكاف».

(قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (١٣٨) : وصفهم بالجهل المطلق وأكّده لبعد ما صدر عنهم ، بعد ما رأوا من الآيات الكبرى ، عن العقل.

وفي نهج البلاغة (١) : وقال له بعض اليهود : ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه.

فقال : نرى (٢) إنّما اختلفنا عنه ، لا فيه. ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر ، حتّى قلتم لنبيّكم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ، قالَ : إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

(إِنَّ هؤُلاءِ) : إشارة إلى القوم.

(مُتَبَّرٌ) : مكسّر.

(ما هُمْ فِيهِ) ، يعني : إنّ الله يهدم دينهم الّذي هم عليه ، ويحطّم أصنامهم هذه ، ويجعلها رضاضا.

(وَباطِلٌ) : مضمحلّ.

(ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٣٩) : من عبادتها ، وإن قصدوا بها التّقرّب إلى الله ـ تعالى ـ.

وإنّما بالغ في هذا الكلام بجعل «هؤلاء» اسم «إنّ» ، والإخبار عمّا هم فيه بالتّبار وعمّا فعلوا بالبطلان ، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا «لأنّ» ، للتّنبيه على أنّ الدمار لاحق لما هم فيه لا محالة ، وأنّ الإحباط الكلّيّ لازب لما مضى عنهم ، تنفيرا وتحذيرا عمّا طلبوا.

(قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) : أطلب لكم معبودا.

(وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٤٠) : والحال أنّه خصّكم بنعم لم يعطها غيركم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٥٣١ ، الحكمة ٣١٧.

(٢) ليس في المصدر.

١٦٥

وفيه تنبيه على سوء مقابلتهم. حيث قابلوا تخصيص الله إيّاهم من أمثالهم بما لم يستحقّوه ، تفضّلا بأن قصدوا أن يشركوا به أخسّ شيء من مخلوقاته.

(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) : واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت.

وقرأ (١) ابن عامر : «أنجاكم».

(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) : استئناف لبيان ما أنجاهم. أو حال من المخاطبين. أو من آل فرعون ، أو منهما ، أي : يبغونكم ويكلّفونكم شدّة العذاب.

(يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) : بدل مبيّن منه.

وقرأ نافع : «يقتلون» بفتح الياء ، وإسكان القاف ، وضمّ التّاء ، مخفّفا.

(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (١٤١) : وفي الإنجاء أو العذاب ، نعمة أو محنة عظيمة.

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) : ذا العقدة.

وقرأ (٢) أبو عمرو ويعقوب : «ووعدنا».

(وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) : من ذي الحجّة.

وفي مجمع البيان (٣) : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) ولم يقل : أربعين [ليلة ، كما قاله في سورة البقرة لفائدة] (٤) زائدة ذكر فيها وجوه ـ إلى قوله ـ : وثالثها ، أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ قال لقومه : إنّي أتأخّر عنكم ثلاثين يوما ، ليسهّل عليكم. ثمّ زاد عليهم عشرا (٥) وليس في ذلك خلف ، لأنّه إذا تأخّر عنهم أربعين [ليلة] (٦) فقد تأخّر ثلاثين قبلها. عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن محمّد بن عليّ (٨) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ).

قال : بعشر ذي الحجّة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٧.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٤٧٣.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «عشرة» بدل «عليهم عشرا».

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥ ، ح ٦٩.

(٨) في المصدر : «الحلبيّ» بدل «بن عليّ».

١٦٦

(فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) : بالغا أربعين.

نقل (١) : أنّه ـ عليه السّلام ـ وعد بني إسرائيل بمصر ، أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله ، فيه بيان ما يؤتون وما يذرون. فلمّا هلك ، سأل ربّه. فأمره بصوم ثلاثين. فلمّا أتمّ ، أنكر خلوف (٢) فيه فتسوّك.

فقالت الملائكة : كنّا نشمّ منك رائحة المسك ، فأفسدته بالسّواك. فأمره الله أن يزيد عليها عشرا.

وقيل (٣) : أمره بتخلّي (٤) ثلاثين بالصّوم والعبادة. ثمّ أنزل الله عليه التّوراة في العشر ، وكلّمه فيها.

في أصول الكافي (٥) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الخزّاز ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن الفضيل (٦) بن يسار ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : لهذا الأمر وقت؟

فقال : كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون. كذب الوقّاتون. إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لمّا خرج وافدا إلى ربّه ، واعدهم ثلاثين يوما ، فلمّا زاده الله على الثّلاثين عشرا ، قال قومه : قد أخلفنا موسى. فضيعوا بما صنعوا (٧) فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على ما حدّثناكم [به] ، فقولوا : صدق الله [ورسوله] (٨). وإذا حدّثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدّثناكم به ، فقولوا : صدق الله. تؤجروا (٩) مرّتين.

وفي كتاب معاني الأخبار (١٠) ، بإسناده إلى [محمّد بن يعقوب بن] (١١) شعيب : عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ذو القعدة ثلاثون يوما ، لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٧.

(٢) خلف الشيء خلوفا : تغيّر وفسد. يقال :خلف الطعام ، وخلف فم الصائم. وفي الحديث «لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك».

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) المصدر : بأن يتخلّى.

(٥) الكافي ١ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، ح ٥.

(٦) المصدر : الفضل. وهو غلط.

(٧) المصدر : «فصنعوا ما صنعوا» بدل : «فضيعوا بما صنعوا».

(٨) ليس في المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : تؤجرون.

(١٠) معاني الأخبار / ٣٨٣ ، ضمن ح ١٤.

(١١) من المصدر.

١٦٧

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. في حديث طويل نحوه.

(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) : كن خليفتي فيهم.

(وَأَصْلِحْ) : ما يجب أن يصلح من أمورهم.

(وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١٤٢) : ولا تتّبع من سلك الإفساد ، ولا تطع من دعاك إليه.

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٢) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ في غزوة تبوك : اخلفني في أهلي.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : يا رسول الله ، إنّي أكره أن تقول العرب : خذل ابن عمّه وتخلّف عنه.

فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟

قال : بلى.

قال : فاخلفني.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ. وذكر حديثا طويلا فيه ذكر موسى وهارون ـ عليهما السّلام ـ. وفيه : فقلت له : أخبرني عن الأحكام والقضايا (٤) والأمر والنّهي ، [أ] (٥) كان ذلك إليهما؟

قال : كان موسى الّذي يناجي ربّه ويكتب العلم ويقضي بين بني إسرائيل ، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٦) ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في

__________________

(١) الكافي ٤ / ٧٩ ، ضمن ح ٢.

(٢) أمالي الطوسي ١ / ٢٦٧.

(٣) تفسير القمّي ٢ / ١٣٧.

(٤) المصدر : القضاء.

(٥) من المصدر.

(٦) كمال الدين / ٢٧٨ ، ضمن ح ٢٥.

١٦٨

المسجد أيّام خلافة عثمان : أنشدكم بالله (١) ، أتعلمون أنّي قلت لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في غزوة تبوك : لم خلّفتني [مع الصبيان والنساء] (٢)؟

فقال : إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك. وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟

قالوا : اللهم ، نعم.

وفي روضة الكافي (٣) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وهي خطبة الوسيلة.

يقول ـ عليه السّلام ـ فيها بعد أن ذكر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : واختصّني بوصيّته ، واصطفاني بخلافته في أمّته. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد حشده المهاجرون والأنصار وانعصّت بهم المحافل : أيّها النّاس ، إنّ عليّا منّي ، كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. فعقل المؤمنون عن الله نطق الرّسول. إذ عرفوني أنّي لست بأخيه لأبيه وأمّه ، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمّه. ولا كنت نبيّا ، فاقتضى نبوّة. ولكن كان ذلك منه استخلافا لي ، كما استخلف موسى هارون ـ عليه السّلام ـ حيث يقول : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).

(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) : لوقتنا الّذي وقّتناه.

و «اللّام» للاختصاص ، أي : اختصّ بميقاتنا.

(وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) : من غير وسط ، كما يكلّم الملائكة.

(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) : بأن تمكّنني من رؤيتك. أو تتجلّى لي ، فأنظر إليك وأراك.

(قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) : لمّا تجلّيت عليه.

(فَسَوْفَ تَرانِي) : استدراك ، يريد أن يبيّن به أنّه لا يطيقه.

واستدلّت الأشاعرة بهذه الآية على جواز الرّؤية من وجهين : الأوّل ، أنّ موسى طلب الرّؤية. وطلب المستحيل من الأنبياء محال ، خصوصا ما يقتضي الجهل بالله.

والثّاني ، أنّه ـ تعالى ـ علّق الرّؤية باستقرار الجبل ، وهو ممكن. والمعلّق على

__________________

(١) المصدر : الله.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٨ / ٢٦ ـ ٢٧.

١٦٩

الممكن ، يكون ممكنا.

وردّ الأوّل ، بأنّ سؤال موسى لقومه ، وإتمام الحجّة عليهم فإنّهم اقترحوا منه أن يسأل الرّؤية ، فسأل لتمام الحجّة ، كما قال في الخبر.

والثّاني ، بأن المعلّق عليه استقرار الجبل بعد التّجلّي. وكونه ممكنا ، غير ممكن.

(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) : ظهر له عظمته ، وتصدّى له اقتداره وأمره.

وفي مجمع البيان (١) : وقيل : إنّ «تجلّى» بمعنى : جلّى ، كقولهم : حدّث وتحدّث.

في تقديره : جلّى ربّه أمره للجبل ، أي : أبرزه من (٢) ملكوته للجبل ما تدكدكه به. ويؤيّده ما جاء في الخبر : أنّ الله ـ تعالى ـ أبرز من العرش مقدار الخنصر (٣) ، فتدكدك به الجبل.

وفي علل الشرائع (٤) ، بإسناده إلى إسحاق بن غالب : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ كلام طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى ، وهو يرى.

(جَعَلَهُ دَكًّا) : مدكوكا مفتّتا.

والدّكّ والدّق أخوان ، كالشّكّ والشّقّ.

وقرأ (٥) حمزة والكسائي : «دكّا» ، أي : أرضا مستوية. ومنه : ناقة دكّاء ، للّتي لا سنام لها.

وقرئ : «دكّا» أي : قطعا. و «دكّا» جمع ، دكّاء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن حفص بن غياث قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول في قوله : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً).

قال : ساخ الجبل في البحر ، فهو يهوي حتّى السّاعة.

وفي مجمع البيان (٧) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : صار الجبل ستّة أجبل.

وقعت ثلاثة بالمدينة ، وهي أحد ورقان (٨) ورضوى. وثلاثة بمكّة ، وهي ثور وثبير وحراء.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٤٧٥.

(٢) المصدر : في.

(٣) هكذا في المصدر. وفي أوب ور : الخصف.

(٤) علل الشرائع / ١١٩ ، ضمن ح ١ ، وعنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٦٦ ح ٢٥١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٨.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧ ، ح ٧٥.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٤٧٥.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قار.

١٧٠

وفي علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى عمر بن عليّ : عن أبيه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. أنّه سئل : ممّا خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ الذّرّ الّذي يدخل في كوّة البيت؟

فقال : إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لمّا (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : إن استقرّ الجبل لنوري ، فإنّك ستقوى (٢) على أن تنظر إليّ. وإن لم يستقرّ ، فلا تطيق إبصاري لضعفك. فلمّا تجلّى الله للجبل تقطّع ثلاث قطع : قطعة ارتفعت في السّماء ، وقطعة ساخت في (٣) تحت الأرض ، وقطعة تفتّت (٤). فهذا الذرّ من ذاك الغبار ، غبار الجبل.

ويأتي ، أنّه تقطّع فصار رميما.

(وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) : مغشيا عليه من هول ما رأى.

(فَلَمَّا أَفاقَ قالَ) : تعظيما لما رأى.

(سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) : من الجرأة ، والإقدام على مثل هذا السّؤال.

(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) : بأنّك لا ترى.

وفي مجمع البيان (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : معناه : أنا أوّل من آمن بك (٦) ، وصدّق بأنّك لا ترى.

وفي عيون الأخبار (٧) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ : حدّثنا الحسين بن عبد الله القرشيّ (٨) قال : حدّثني أبي ، عن أحمد (٩) بن سليمان النّيشابوريّ ، عن عليّ [بن محمد] (١٠) بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟

قال : بلى.

قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى أن قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) علل الشرائع / ٤٩٧ ، ح ١.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : تقوى.

(٣) المصدر : غاصت في.

(٤) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : بقيت.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٤٧٩.

(٦) ليس في المصدر : يك.

(٧) عيون الأخبار ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ضمن ح ١.

(٨) المصدر ، جامع الرواة ١ / ١٣٣ : تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ.

(٩) المصدر : حمدان.

(١٠) من المصدر.

١٧١

(وَلَمَّا) (١) (جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (الآية).

كيف يجوز أن يكون كليم الله ، موسى بن عمران أن (٢) لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا يجوز عليه الرّؤية حتّى يسأله هذا السّؤال؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ كليم الله ، موسى بن عمران علم أنّ الله منزّه عن أن يرى بالأبصار. ولكنّه لمّا كلّمه الله ـ عزّ وجلّ ـ وقرّبه نجيّا ، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه.

فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه ، كما سمعته.

وكان القوم سبعمائة ألف رجل. فاختار منهم سبعين ألفا ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثمّ اختار منهم سبعمائة ، ثمّ اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربّه.

فخرج بهم إلى طور سيناء ، فأقامهم في سفح الجبل. وصعد موسى ـ عليه السّلام ـ إلى الطّور ، وسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يكلّمه ويسمعهم كلامه. فكلّمه (٣) الله ، وسمعوا كلامه من فوق ومن (٤) أسفل ويمين وشمال ووراء وأمام. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أحدثه في الشّجرة ، ثمّ (٥) جعله منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا : لن نؤمن بأنّ هذا الّذي سمعناه كلام الله ، حتّى نرى الله جهرة.

فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عليهم صاعقة.

فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم ، فماتوا.

فقال موسى : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم ، لأنّك لم تك صادقا فيما ادّعيت من مناجاة الله ـ عزّ وجلّ ـ إيّاك؟

فأحياهم وبعثهم معه.

فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك تنظر (٦) إليه ، لأجابك. فتخبرنا (٧) كيف هو ، ونعرفه حقّ معرفته.

فقال موسى : يا قوم ، إنّ الله لا يرى بالأبصار ، ولا كيفيّة له. وإنّما يعرف

__________________

(١) هكذا في المصحف أيضا ، ولكن في المصدر :فلمّا.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : وكلّمهم.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : و.

(٦) المصدر : ننظر.

(٧) المصدر : وكنت تخبرنا.

١٧٢

بآياته ، ويعلم بأعلامه.

فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله.

فقال موسى : يا ربّ ، إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم.

فأوحى الله إليه : يا موسى ، سلني ما سألوك ، فلن أؤاخذك بجهلهم.

فعند ذلك قال موسى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) (١) (فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ، فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنّك لا ترى.

قال المأمون : لله درك ، يا أبا الحسن.

وفي كتاب التّوحيد (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه ، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات : وسأل موسى ـ عليه السّلام ـ وجرى على لسانه من حمد الله ـ عزّ وجلّ ـ (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما ، فعوقب.

فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَنْ تَرانِي) في الدّنيا حتّى تموت فتراني في الآخرة.

ولكن إن أردت أن تراني في الّدنيا ، فانظر (إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي).

فأبدى الله ـ سبحانه ـ بعض آياته ، وتجلّى ربّنا للجبل ، فتقطّع الجبل فصار رميما. (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) [يعني ميّتا ، فكان عقوبته الموت] (٣) ثمّ أحياه الله وبعثه [وتاب عليه] (٤). فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، يعني : أوّل من آمن بك منهم أنّه لن يراك.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ موسى بن عمران لمّا سأل ربّه النّظر إليه ، وعده الله أن يقعد في موضع. ثمّ أمر

__________________

(١) هنا يوجد زيادة في المصدر هكذا : «وهو يهوي».

(٢) التوحيد / ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧ ، ح ٧٤.

١٧٣

الملائكة أن تمرّ عليه موكبا موكبا ، بالبرق والرّعد والرّيح والصّواعق. فكلّما مرّ به موكب من المواكب ، ارتعدت فرائصه. فيرفع رأسه ، فيسأل : أفيكم ربّي؟

فيجاب : هو آت ، وقد سألت عظيما ، يا ابن عمران.

عن أبي بصير (١) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قال : لمّا سأل موسى ربّه ـ تبارك وتعالى ـ : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي).

فلمّا صعد موسى على (٢) الجبل ، فتحت أبواب السّماء ، وأقبلت الملائكة أفواجا في أيديهم العمد ، وفي رأسها النّور ، يمرّون به فوجا بعد فوج. يقولون : يا ابن عمران ، أثبت فقد سألت أمرا عظيما.

قال : فلم يزل موسى واقفا حتّى تجلّى ربّنا ـ جلّ جلاله ـ. فجعل الجبل (دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً). فلمّا أن ردّ الله إليه روحه و (أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).

وفي رواية (٣) : أنّ النّار أحاطت بموسى ، لئلّا يهرب لهول ما رأى.

وقال : لمّا (خَرَّ مُوسى صَعِقاً) مات. فلمّا أن ردّ الله إليه روحه ، أفاق فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : في قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ).

قال : فرفع الله الحجاب ونظر إلى الجبل ، فساخ الجبل في البحر. فهو يهوي حتّى السّاعة. ونزلت الملائكة ، وفتحت أبواب السّماء.

فأوحى الله إلى الملائكة : أدركوا موسى لا يهرب.

فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى ، وقالت تب (٥) ، يا ابن عمران ، فقد سألت الله عظيما.

فلمّا نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت ، وقع على وجهه. فمات من خشية الله ، وهول ما رأى. فردّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه روحه. فرفع رأسه وأفاق و

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٦ ـ ٢٧ ، ح ٧٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلى.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٧ ، ح ٧٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أتيت.

١٧٤

(قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، أي : أوّل من صدّق أنّك لا ترى.

وفي بصائر الدّرجات (١) : بعض أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد السّياريّ قال : وقد سمعت أنا من أحمد بن محمّد قال : حدّثني أبو محمّد ، عبيد بن أبي عبد الله القاري أو (٢) غيره ، رفعوه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الكرّوبين قوم من شيعتنا من الخلق الأوّل ، جعلهم الله خلف العرش. لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض ، لكفاهم.

ثمّ قال : إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لمّا سأل ربّه ما سأل ، أمر واحدا من الكروبيّين فتجلّى للجبل فجعله دكّا.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ مجيبا لبعض الزّنادقة ، وقد قال : وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بتهجينه موسى حيث (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (الآية) : وأما هفوات الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ وما بيّنه الله في كتابه ، فإنّ ذلك من أدلّ (٤) الدلائل على حكمته ـ عزّ وجلّ ـ الباهرة وقدرته القاهرة وعزّته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ تكبر في صدور أممهم ، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها ، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذلك دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي انفرد به ـ عزّ وجلّ ـ.

قال في الجوامع : وقيل (٥) : في الآية وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) : عرّفني نفسك تعريفا واضحا جليّا ، بإظهار بعض الآيات الأخر الّتي تضطرّ الخلق إلى معرفتك. «أنظر إليك» : أعرفك معرفة ضروريّة ، كأنّي أنظر إليك ، كما جاء في الحديث : سترون ربّكم ، كما ترون القمر ليلة البدر ، بمعنى : ستعرفونه معرفة جليّة.

وهي في الجلاء ، مثل إبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى بدرا. (قالَ لَنْ تَرانِي) : لن تطيق معرفتي على هذه الطّريقة ، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية. (لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) فإنّي أورد عليه آية من تلك الآيات. فإن ثبتت (٦) لتجلّيها واستقرّ مكانه ، فسوف تثبت

__________________

(١) بصائر الدرجات / ٨٩ ، ح ٢.

(٢) المصدر : أبي عبد الله الفارسي و.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٦٤ و ٣٦٥ و ٣٧٠.

(٤) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : أوّل.

(٥) جوامع الجامع / ١٥٦.

(٦) المصدر : ثبتّ.

١٧٥

بها (١) وتطيقها. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) : فلمّا ظهرت للجبل آية من آيات ربّه ، (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) لعظم ما رأى. (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) ممّا اقترحت.

(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بعظمتك وجلالك.

وعن أمير المؤمنين (٢) ـ عليه السّلام ـ : لم تره العيون بمشاهدة الأبصار (٣) ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواسّ ، ولا يشبه بالنّاس.

موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات.

وقال (٤) ـ عليه السّلام ـ : لم أعبد (٥) ربّا لم أره.

وفي كتاب التّوحيد (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الله ـ عزّ وجلّ ـ : هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟

قال : نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقيل : متى؟

قال : حين قال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى).

ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال : وإنّ المؤمنين ليرونه في الدّنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا؟

قيل : فأحدّث بهذا عنك؟

فقال : لا. فإنّك إذا حدّثت به ، فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه ، كفر. وليست الرّؤية بالقلب كالرّؤية بالعين. تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون والملحدون.

أقول : ومن هذا ظهر معنى قوله ـ عليه السّلام ـ في الحديث المنقول عنه ـ عليه السّلام ـ من كتاب التّوحيد : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ، أي : ما تراني بنهاية عظمتي في الدّنيا ، ممّا يمكنك أن تراني به في الآخرة.

(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) : اخترتك.

__________________

(١) المصدر : لها.

(٢) التوحيد / ١٠٨ ، ح ٥. والظاهر أنّ المؤلّف نقل هذا الحديث وما بعده من تفسير الصافي ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

(٣) المصدر : العيان.

(٤) التوحيد / ١٠٩.

(٥) المصدر : ما كنت أعبد.

(٦) التوحيد / ١١٧ ، ح ٢٠.

١٧٦

(عَلَى النَّاسِ) ، أي : الموجودين في زمانك. وهارون ، وإن كان نبيّا ، كان مأمورا باتّباعه. ولم يكن كليما ، ولا صاحب شرع.

(بِرِسالاتِي) ، يعني : أسفار التّوراة.

وقرأ (١) ابن كثير ونافع : «برسالتي».

(وَبِكَلامِي) : إيّاك.

(فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) : أعطيتك من الرّسالة.

(وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١١٤) : على النّعمة فيه.

نقل (٢) : أنّ سؤال الرّؤية كان يوم عرفة ، وإعطاء التّوراة يوم النّحر.

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن يقطين ، عن زرارة (٤) ، عن أبي عبد الّله ـ عليه السّلام ـ قال : أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى موسى : أن ، يا موسى ، أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟

قال : يا ربّ ، ولم ذاك؟

قال : فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليه : يا موسى ، إنّي قلّبت عبادي ظهرا لبطن ، فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك. يا موسى ، إنّك إذا صلّيت وضعت حدّك على التّراب. أو قال : على الأرض.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى محمّد بن سنان : عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الّله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحا.

قال : فصعد على جبل بالشّام ، يقال له : أريحا.

فقال : يا ربّ ، إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك لذنوب بني إسرائيل ، فغفرانك القديم.

قال : فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه أن : يا موسى بن عمران ، أتدري لم اصطفيتك لوحيي وكلامي دون خلقي؟

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٨.

(٣) الكافي ٢ / ١٢٢.

(٤) المصدر : عمن رواه بدل زرارة.

(٥) علل الشرائع / ٥٦ ـ ٥٧ ، ح ٢ ، وعنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٦٧ ح ٢٥٥.

١٧٧

فقال : لا علم لي ، يا ربّ.

فقال : يا موسى ، إنّي اطّلعت إلى خلقي اطّلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك ، فمن ثمّ خصصتك بوحيي وكلامي من بين خلقي.

قال : وكان موسى ـ عليه السّلام ـ إذا صلّى ، لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر.

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : ممّا يحتاجون إليه في أمر الدّين.

(مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) : بدل من الجار والمجرور ، أي : كتبنا كلّ شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام.

واختلف في أنّ الألواح كانت عشرة ، أو سبعة. وكانت من زمرّد ، أو زبرجد ، أو ياقوت أحمر ، أو صخرة صمّاء لينّها الله لموسى فقطعها بيده أو شقّها بأصابعه وكان فيها التّوراة ، أو غيرها.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّها كانت زبرجدة من الجنّة.

وفي بصائر الدّرجات (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أنّها كانت [ألواح موسى] (٣) من زمرّد أخضر.

ويمكن الجمع بين الرّوايتين ، بأنّهما واحدة. أو كان بعضها من زبرجدة ، وبعضها من زمرّد.

(فَخُذْها) : على إضمار القول عطفا على «كتبنا». أو بدل من قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ). و «الهاء» للألواح ، أو لكلّ شيء. فإنّه بمعنى : الأشياء. أو للرّسالات.

(بِقُوَّةٍ) : بجد وعزيمة ، أي : قوّة القلب.

(وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) ، أي : بأحسن ما فيها ، كالصّبر والعفو.

بالإضافة إلى الانتصار والاقتصاص ، على طريقة النّدب والحثّ على الأفضل ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ). أو بواجباتها ، فإنّ الواجب أحسن من غيره.

ويجوز أن يراد بالأحسن : البالغ في الحسن مطلقا ، لا بالإضافة. وهو المأمور به ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨ ، ح ٧٧.

(٢) بصائر الدرجات / ١٦١ ، ضمن ح ٦.

(٣) من المصدر.

١٧٨

كقولهم : الصّيف أحرّ من الشّتاء.

(سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥) : دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها. أو منازل عاد وثمود وأضرابهم ، لتعتبروا ولا تفسقوا. أو دارهم في الآخرة ، وهي جهنّم.

وقرئ (١) : «سأريكم» ، بمعنى : سأبيّن لكم. من : أوريت الزّند.

و «سأورثكم». ويؤيّده قوله : «وأورثنا القوم».

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال] (٣) في الجفر ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا أنزل الألواح على موسى ـ عليه السّلام ـ أنزلها عليه وفيها تبيان كلّ شيء كان ، أو هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.

فلمّا انقضت أيّام موسى ـ عليه السّلام ـ ، أوحى الله إليه : أن استودع الألواح ، وهي زبرجدة من الجنّة ، جبلا يقال له : زينة.

فأتى موسى الجبل ، فانشقّ له الجبل ، فجعل فيه الألواح ملفوفة. فلمّا جعلها فيه ، انطبق الجبل عليها. فلم تزل في الجبل حتّى بعث الله نبيّه محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فأقبل ركب من اليمن يريدون الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا انتهوا إلى الجبل ، انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة ، كما وضعها موسى ـ عليه السّلام ـ.

فأخذها القوم. فلمّا وقعت في أيديهم ، ألقى [الله] (٤) في قلوبهم [الرعب] (٥) أن لا ينظروا إليها وهابوها حتّى يأتوا بها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأنزل جبرئيل على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخبره بأمر القوم وبالّذي أصابوه.

فلمّا قدموا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [وسلّموا عليه] (٦) ابتدأهم فسألهم عمّا وجدوا.

فقالوا : وما علمك بما وجدنا؟

قال : أخبرني به ربّي ، وهو الألواح.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٩.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٨ ، ح ٧٧.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر ويوجد فيه بين المعقوفتين أيضا.

(٦) ليس في المصدر.

١٧٩

قالوا : نشهد أنّك لرسول الله.

فأخرجوها ، فوضعوها إليه. فنظر إليها وقرأها ، وكانت بالعبرانيّ. ثمّ دعا أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال : دونك هذه ، ففيها علم الأوّلين والآخرين. وهي ألواح موسى. وقد أمرني ربّي أن أدفعها إليك.

فقال : [يا رسول الله] (١) لست أحسن قراءتها.

فقال : إنّ جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه. فإنّك تصبح وقد علمت قراءتها.

فقال : فجعلها تحت رأسه. فأصبح وقد علّمه الله كلّ شيء فيها. فأمره رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بنسخها في جلد [شاة] (٢). وهو الجفر. وفيه علم الأوّلين والآخرين.

وهو عندنا ، والألواح عندنا ، وعصا موسى عندنا. ونحن ورثنا النّبيّين ـ صلّى الله عليهم أجمعين ـ.

قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : تلك الصّخرة الّتي حفظت ألواح موسى تحت شجرة في واد ، يعرف بكذا.

وفي بصائر الدّرجات (٣) : أنّ الباقر ـ عليه السّلام ـ عرّف تلك الصّخرة ليمانيّ دخل عليه.

وفيه (٤) : محمّد بن عيسى بن عبيد (٥) ، عن محمّد بن عمرو (٦) ، عن عبد الله بن الوليد السّمان (٧) قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا عبد الله ما تقول الشّيعة في عليّ وموسى وعيسى؟

قلت : جعلت فداك ، وعن أيّ حالات تسألني؟

قال : سألتك عن العلم. [فامّا الفضل ، فهم سواء.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) بصائر الدرجات / ١٥٧ ، ح ٧.

(٤) بصائر الدرجات / ٢٤٨ ، ح ٣.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : جعفر بن محمد بن عيسى بن عبيد.

(٦) المصدر : عمر.

(٧) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٥١٥ ، وفي النسخ : السمانيّ.

١٨٠