وفي قوله (١) : (بِآياتِ رَبِّهِمْ) زيادة دلالة على كفران النّعم وجحود الحقّ. وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذّنوب.
(وَكُلٌ) : من الفرق المكذّبة ، أو من غرقى القبط وقتلى قريش.
(كانُوا ظالِمِينَ) (٥٤) : أنفسهم ، بالكفر والمعاصي.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) : وأصرّوا على الكفر ورسخوا فيه.
(فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) : فلا يتوقّع منهم إيمان. ولعلّه إخبار عن قوم مطبوعين على الكفر ، بأنّهم لا يؤمنون.
و «الفاء» للعطف ، والتّنبيه على أنّ تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقّق المعطوف.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثنا جعفر بن أحمد قال : حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحيم ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) (الآية).
قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : نزلت في بني أميّة. فهم أشرّ خلق الله. هم الّذين كفروا في باطن القرآن.
وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
قال : نزلت في بني أميّة. هم شرّ خلق الله. هم الّذين كفروا في بطن القرآن ، وهم الّذين لا يؤمنون. [شرّ خلق الله] (٤).
(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) : بدل من (الَّذِينَ كَفَرُوا) بدل البعض ، للبيان والتخصيص.
قيل (٥) : وهم يهود قريظة. عاهدهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن لا يمالئوا عليه ، فأعانوا المشركين بالسّلاح وقالوا : نسينا. ثمّ عاهدهم ، فنكثوا ومالئوهم عليه يوم الخندق. وركب كعب بن الأشرف إلى مكّة ، فحالفهم.
__________________
(١) تفسير الصافي ٢ / ٣١٠.
(٢) تفسير القمي ١ / ٢٧٩.
(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٥ ، ح ٧٢.
(٤) ليس في المصدر بل يوجد في تفسير نور الثقلين.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩.
و «من» لتضمين المعاهدة معنى الأخذ.
والمراد بالمرة : مرّة المعاهدة ، أو المحاربة.
(وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦) : عاقبة الغدر. وما فيه من العار والنّار. أو لا يتّقون الله فيه. أو نصره للمؤمنين وتسليطه عليهم.
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) : فإمّا تصادفنّهم وتظفرنّ بهم.
(فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ) : ففرّق عن مناصبتك ومحاربتك ، ونكّل عنها قتلهم والنّكاية فيهم.
(مَنْ خَلْفَهُمْ) : من وراءهم من الكفرة.
و «التّشريد» تفريق على اضطراب.
وقرئ (١) : «فشرّذ» بالذّال المعجمة. فكأنّه مقلوب «شذر» ومن خلفهم. والمعنى واحد ، فإنّه إذا شرّد من ورائهم فقد فعل التشريد في الوراء.
(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) : لعلّ المشردين يتّعظون.
(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) : معاهدين.
(خِيانَةً) : نقض عهد ، بأمارات تلوح لك.
(فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) : فاطرح إليهم عهدهم.
(عَلى سَواءٍ) : على عدل ، وطريق قصد في العداوة. وذلك بأن تخبرهم بنقض العهد إخبارا ظاهرا مكشوفا ، يتبين لهم أنّك قطعت ما بينك وبينهم. ولا تناجزهم الحرب ، فإنّه يكون خيانة منك.
وقيل (٢) : أو على سواء في الخوف ، أو العلم بنقض العهد. وهو في موضع الحال من النّابذ على الوجه الأوّل ، أي : ثابتا على طريق سويّ. أو منه. أو من المنبوذ. أو منهما على غيره.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨) : تعليل للأمر بالنّبذ والنّهي عن مناجزة القتال ، المدلول عليه بالحال على طريقة الاستئناف.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : نزلت في معاوية لما خان أمير المؤمنين ـ عليه
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٩.
السلام ـ.
وفي كشف الغمّة (١) لابن طاوس ـ عليه الرّحمة ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وقدمت البصرة (٢) ، وقد ألتفت إلى (٣) الوجوه كلّها إلّا الشام.
فأحببت أن أتّخذ [الحجّة] (٤) ، وأقضي العذر. وأخذت بقول الله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ). فبعثت جرير بن عبد الله إلى معاوية معذرا إليه ، متّخذ الحجّة عليه. فردّ كتابي ، وجحد حقي ، ودفع بيعتي.
وفي أصول الكافي (٥) : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ثلاث من كنّ فيه كان منافقا ، وان صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال في كتابه : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ). قال : (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٦). وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (٧).
(وَلا يَحْسَبَنَ) (٨) : خطاب للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) : مفعولاه.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ، بالياء. على أنّ الفاعل ضمير «أحد» ، أو «من خلفهم» ، أو «الّذين كفروا». والمفعول الأوّل «أنفسهم» ، فحذف للتكرار.
أو على تقدير : أن سبقوا. وهو ضعيف. لأنّ «أن» المصدرية ، كالموصول ، فلا تحذف.
أو على إيقاع الفعل على (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩) بالفتح ، على قراءة ابن عامر. وأنّ «لا» صلة. و «سبقوا» حال ، بمعنى : سابقين ، أي : مفلتين.
والأظهر أنّه تعليل للنهي ، أي : لا تحسبنّهم سبقوا ، فأفلتوا. لأنّهم لا يفوتون
__________________
(١) هكذا في النسخ. والصحيح : كشف المحجّة. راجع ص ٨٤ منه.
(٢) المصدر : فقدمت الكوفة.
(٣) المصدر : اتسقت لي.
(٤) من المصدر.
(٥) الكافي ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، ح ٨.
(٦) النّور / ٧.
(٧) مريم / ٥٤.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩ ، ولا تحسبنّ وفيه : قرأ ابن عامر وحمزة وحفص بياء.
الله ، ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم.
وكذا ان كسرت «إن» إلّا أنّه تعليل على سبيل الاستئناف. ولعل الآية إزاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو.
وقيل (١) : نزلت في من أفلت من [فلّ] (٢) المشركين.
(وَأَعِدُّوا) : أيّها المؤمنون.
(لَهُمْ) : لناقضي العهد ، أو للكفّار.
(مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) : من كلّ ما يتقوّى به في الحرب.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : السّلاح.
وفي من لا يحضره الفقيه (٤) : وقال ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
قال : منه الخضاب بالسّواد.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن محمّد بن عيسى ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
قال : سيف وترس.
وفي الكافي (٦) : عن محمّد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن الحسن بن طريف ، عن عبد الله بن المغيرة رفعه ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ). قال : الرّمي.
وفي مجمع البيان (٧) : وروي ، عن عقبة بن عامر ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنّ القوة ، الرّمي.
(وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) : اسم للخيل التي تربط في سبيل الله. فعال ، بمعنى : مفعول. أو مصدر سمي به ، يقال : ربطه ، ربطا ، ورباطا. ورابطه ، مرابطة ، ورباطا.
أو جمع ، ربيط ، كفصيل وفصال.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٠.
(٢) من المصدر. والفلّ : المنهزم. يقال للواحد والجمع.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٩.
(٤) الفقيه ١ / ٧٠ ، ح ٢٨٢.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٦ ، ح ٧٣.
(٦) الكافي ٥ / ٤٩ ـ ٥٠ ، ح ١٢.
(٧) مجمع البيان ٢ / ٥٥٥.
وقرئ : «ربط الخيل» بضمّ الباء وسكونها جمع ، رباط. وعطفها على القوّة ، كعطف جبرائيل وميكائيل على الملائكة.
وفي مجمع البيان (١) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فاربطوا الخيل. فإنّ ظهورها لكم عزّ ، وأجوافها كنز.
(تُرْهِبُونَ بِهِ) : تخوّفون به.
وعن يعقوب : «ترهّبون» بالتّشديد. والضّمير ل «ما استطعتم» ، أو للإعداد.
(عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ، يعني : كفّار مكّة.
(وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) : من غيرهم من الكفرة.
قيل (٢) : هم اليهود.
وقيل : المنافقون.
وقيل : الفرس.
(لا تَعْلَمُونَهُمُ) : لا تعرفونهم بأعيانهم.
(اللهُ يَعْلَمُهُمْ) : يعرفهم.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) : جزاؤه.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦٠) : بتضييع العمل ، أو نقص الثّواب.
(وَإِنْ جَنَحُوا) : مالوا. ومنه الجناح. وقد يعتدى ب «اللام» و «الى».
(لِلسَّلْمِ) : للصّلح ، أو الاستسلام.
وقرأ (٣) أبو بكر ، بالكسر.
(فَاجْنَحْ لَها) : وعاهد معهم.
وتأنيث الضّمير لحمل «السّلم» على نقيضها فيه. قال :
السّلم تأخذ منها ما رضيت به |
|
والحرب يكفيك من أنفاسها جرع |
وقرئ (٤) : «فاجنح» بالضّمّ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها).
__________________
(١) مجمع البيان ٢ / ٥٥٥.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٠.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٠.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٠.
قال : هي منسوخة بقوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ).
وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها). قلت : ما السّلم؟
قال : الدّخول في أمرنا.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) : ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه. فإنّ الله يعصمك من مكرهم ، ويحيقه بهم.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) : لأقوالهم.
(الْعَلِيمُ) : (٦١) : بنيّاتهم.
قيل (٢) : الآية مخصوصة بأهل الكتاب ، لاتصالها بقصّتهم.
وقيل (٣) : عامّة ، نسختها آية السّيف.
وفي تفسير علي بن إبراهيم (٤) : أنّها منسوخة بقوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) (٥).
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) : فإنّ محسبك الله وكافيك.
قال جرير :
إني وجدت من المكارم حسبكم |
|
أن تلبسوا حرّ الثّياب وتشبعوا. |
(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (٦٢) : جميعا.
وفي شرح الآيات الباهرة (٦) : وتأويله ما ذكره أبو نعيم في كتابه ، حلية الأولياء ، بإسناده إلى محمّد بن السّائب الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : مكتوب على العرش : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، محمّد عبدي ورسولي ، أيّدته بعليّ بن أبي طالب. وذلك قوله : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، يعني : عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
__________________
(١) الكافي ١ / ٤١٥ ، ح ١٦.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٠.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) تفسير القمي ١ / ٢٧٩.
(٥) محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ / ٣٥.
(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٧٢.
ويؤيده ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسيّ ـ رحمه الله ـ عن رجاله قال : أخبرنا الشّريف أبو نصر ، محمّد بن محمّد الريسيّ (١) ، بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي النّجم ، خادم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : لمّا أسري بي إلى السماء ، رأيت على ساق العرش : مكتوب لا إله إلا الله ، محمّد رسولي وصفيي من خلقي ، أيّدته بعليّ ونصرته به.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) : مع ما فيهم من العصبيّة والضّغينة في أدنى شيء ، والتّهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتّى صاروا كنفس واحدة. وهذا من معجزاته ـ عليه السّلام ـ.
وفي مجمع البيان (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّه أراد بالمؤمنين : الأنصار. وهم الأوس والخزرج.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : كان بين الأوس والخزرج حرب شديدة وعداوة في الجاهلية ، فألّف الله بين قلوبهم ونصرهم بنبيّه (٤) ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وفي أمالي شيخ الطّائفة (٥) ، بإسناده إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : المؤمن غر (٦) كريم ، والفاجر خبث (٧) لئيم. وخير المؤمنين من كان تألّفه للمؤمنين. ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : شرار النّاس من يبغض المؤمنين ، وتبغضه قلوبهم. المشاءون (٨) بالنّميمة ، المفرّقون بين الأحبة ، الباغون للنّاس العيب. أولئك لا ينظر الله إليهم ، ولا يزكّيهم يوم القيامة. ثمّ تلا ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
__________________
(١) المصدر : محمّد بن محمد بن عليّ الزينبيّ.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٥٦.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٩.
(٤) المصدر : ونصر بهم نبيّه.
(٥) أمالي الطوسي ٢ / ٧٨.
(٦) المصدر : عز.
(٧) المصدر : خبّ.
(٨) المصدر : وسحقا وبعدا للمشائين بالنميمة ، المفرّقين بين الأحبّة ، الباغين ...
وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : وبلّغ برسالة ربّه. فلم [الله] (٢) به الصدع ، ورتق به الفتق ، وألف [به الشمل] (٣) بين ذوي الأرحام بعد العداوة الواغرة في الصدور دون الضّغائن القارحة في القلوب.
(لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) : تناهي عداوتهم على حدّ ، لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح.
(وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) : بقدرته البالغة. فإنّه المالك للقلوب ، يقلّبها كيف يشاء.
(إِنَّهُ عَزِيزٌ) : تامّ القدرة والغلبة ، لا يعصي عليه ما يريده.
(حَكِيمٌ) (٦٣) : يعلم أنّه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) : كافيك.
(وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤) : إمّا في محلّ النّصب على المفعول معه ، كقوله :
إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا |
|
فحسبك والضّحاك سيف مهنّد |
أو الجرّ ، عطفا على المكنى ، عند الكوفيّين.
أو الرّفع ، عطفا على اسم الله ، أي : كفاك الله والمؤمنون.
قيل (٤) : والآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر.
وقيل : أسلم مع النّبيّ ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة ، ثمّ أسلم عمر ، فنزلت.
فذلك قال ابن عبّاس : نزلت في إسلامه.
وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء ، بطريقه وإسناده عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وهو المعنيّ بقوله : «المؤمنين».
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) : بالغ في حثّهم عليه.
__________________
(١) نهج البلاغة / ٣٥٣ ، الخطبة ٢٣١.
(١ و ٣) ـ من المصدر.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٥) تأويل الآيات الباهرة / ٧٢.
وأصله : الحرض. وهو أن ينهكه المرض ، حتّى يشفى على الموت.
وقرئ (١) : «حرّص» ، من الحرص.
(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : شرط في معنى الأمر ، بمصابرة الواحد للعشرة. والوعد بأنّهم إن صبروا ، غلبوا بعون الله وتأييده.
وقرأ (٢) ابن كثير ونافع وابن عامر : «تكن» بالتّاء في الآيتين. ووافقهم البصريّان في «وإن تكن منكم مائة».
(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦٥) : بسبب أنّهم جهلة بالله واليوم الآخر. لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثّواب وعوالي الدّرجات قتلوا أو قتلوا ، ولا يستحقّون من الله إلّا الهوان والخذلان.
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) : لمّا أوجب الله على الواحد مقاومة العشرة والثّبات لهم ، وثقل ذلك عليهم ، خفّف عنهم.
وقيل (٣). كان فيهم قلّة ، أوّلا فأمروا بذلك. ثمّ لمّا كثروا ، خفّف عنهم.
وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة ، للدّلالة على أنّ حكم القليل والكثير واحد.
والضّعف ، ضعف البدن. وقيل : ضعيف البصيرة ، وكانوا متفاوتين فيها. وفيه لغتان : الفتح ، وهو قراءة حمزة وعاصم. والضّمّ ، وهو قراءة الباقين.
وفي الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه : اعلم (٥) أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرّجل منهم عشرة من المشركين ، ليس له أن يولّي وجهه عنهم. ومن ولّاهم يومئذ دبره ، فقد تبوأ مقعده من النّار. ثمّ حولهم [عن حالهم] (٦) رحمة منهم لهم ، فصار الرّجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٤) الكافي ٥ / ٦٩.
(٥) المصدر : أما علمتم.
(٦) من المصدر.
الله ـ عزّ وجلّ ـ للمؤمنين فنسخ الرّجلان العشرة.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول في آخره وقد اكره على بيعة أبي بكر مغضبا : اللهم ، إنّك تعلم أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم. وهو قولك في كتابك : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ).
قال : وسمعته يقول : اللهمّ ، فإنّهم لا يتمّوا (٢) عشرين. حتّى قالها ثلاثا ، ثمّ انصرف.
عن فرات بن أحنف (٣) ، عن بعض أصحابه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : ما نزل بالنّاس أزمة قطّ ، إلّا كان شيعتي فيها أحسن حالا. وهو قول الله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً).
عن الحسين بن صالح (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : كان عليّ ـ صلوات الله عليه ـ يقول : من فرّ من رجلين في القتال من الزّحف ، فقد فرّ من الزّحف.
ومن فر من ثلاثة رجال في القتال ، فلم يفرّ.
في تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، يقرب من معنى الحديثين.
(وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦) : بالنّصر والمعونة ، فلا محالة يغلبون.
(ما كانَ لِنَبِيٍ) وقرئ (٦) : «للنبيّ» على العهد.
(أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى).
وقرأ (٧) البصريان ، بالتّاء.
(حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) : يكثر القتل ويبالغ فيه. حتّى يذلّ الكفر ، ويقلّ حزبه ، ويعزّ الإسلام ويستولي أهله.
من أثخنه المرض : إذا أثقله. وأصله : الثّخانة.
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٨ ، ح ٧٦.
(٢) المصدر : وإنّهم لم يتموا.
(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٨ ، ح ٧٧.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٨ ، ح ٧٨.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٧) نفس المصدر ، والموضع.
وقرئ (١) : «يثخّن» بالتّشديد ، للمبالغة.
(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) : حطامها ، بأخذكم الفداء.
(وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) : والله يريد لكم ثواب الآخرة. أو سبب نيل ثواب الآخرة ، من إعزاز دينه وقمح أعدائه.
وقرئ بجرّ «الآخرة» ، على إضمار المضاف ، كقوله :
أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقد باللّيل نارا |
(وَاللهُ عَزِيزٌ) : يغلب أولياءه على أعدائه.
(حَكِيمٌ) (٦٧) : يعلم ما يليق بكلّ حال ويخصّه بها ، كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين ، وخيّر بينه وبين المنّ لمّا تحوّلت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. وقد سبق لهذه الآية وما بعدها بيان في قصّة بدر.
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) : لو لا حكم من الله سبق إثباته في اللّوح المحفوظ بإباحة الغنائم لكم.
(لَمَسَّكُمْ) : لنالكم.
(فِيما أَخَذْتُمْ) : من الفدية.
(عَذابٌ عَظِيمٌ) (٦٨) (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) : من الفدية. فإنّه من جملة الغنائم.
وقيل (٢) : أمسكوا عن الغنائم ، فنزلت.
و «الفاء» للتسبب. والسّبب محذوف ، تقديره : أبحت لكم الغنائم ، فكلوا.
(حَلالاً) : حال من المغنوم. أو صفة للمصدر ، أي : أكلا حلالا.
وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة. ولذلك وصفه بقوله : (طَيِّباً).
(وَاتَّقُوا اللهَ) : في مخالفته.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) : غفر لكم ذنبكم.
(رَحِيمٌ) (٦٩) : أباح لكم ما أخذتم.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى)
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٢.
وقرأ (١) أبو عمرو : «من الأسارى».
(إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) : خلوص عقيدة ، وصحّة نيّة في الإيمان.
(يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) : من الفداء.
(وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧٠) :
قد مضى لهذه الآية بيان في قصّة بدر.
وفي روضة الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول في هذه الآية : إنّها نزلت في العبّاس وعقيل ونوفل.
وقال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم. فأسروا. فأرسل عليّا ـ عليه السّلام ـ. فقال : انظر من ها هنا من بني هاشم.
قال : فمرّ علي ـ عليه السّلام ـ على عقيل بن أبي طالب ، فحاد عنه.
فقال له عقيل : يا ابن أمّ ، عليّ. أما والله ، لقد رأيت مكاني.
قال : فرجع إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : هذا أبو الفضل في يد فلان ، وهذا عقيل في يد فلان ، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان.
فقام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى انتهى إلى عقيل ، فقال له : يا أبا يزيد ، قتل أبو جهل.
فقال : إذا لا تنازعوا في تهامة. فقال : إن كنتم أثخنتم القوم ، وإلّا فاركبوا أكتافهم.
قال : فجيء بالعبّاس ، فقيل له : أفد نفسك وأفد ابني أخيك.
فقال : يا محمّد ، تتركني أسأل قريشا في كفي!؟
فقال : أعط ممّا خلّفت عند أمّ الفضل ، وقلت لها : إن أصابني في وجهي هذا شيء ، فأنفقيه على ولدك ونفسك.
فقال له : يا ابن أخي ، من أخبرك بهذا؟
فقال : أتاني به جبرئيل ـ عليه السّلام ـ من عند الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٢.
(٢) الكافي ٨ / ٢٠٢ ، ح ٢٤٤.
فقال : [ممّا محلوفه] (١) ما علم بهذا أحد إلّا أنا وهي. وأشهد أنّك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
قال : فرجع الأسرى كلّهم مشركين ، إلا عبّاس وعقيل ونوفل. وفيهم نزلت هذه الآية (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) (الآية).
وفي مجمع البيان (٢) : وعن ابن عبّاس قال : لما أمسى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم بدر والنّاس محبوسون بالوثاق ، بات ساهرا أوّل اللّيل.
فقال له أصحابه : ما لك لا تنام؟
فقال : سمعت أنين (٣) عمي العبّاس في وثاقه.
فأطلقوه ، فسكت. فنام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وروى عبيدة السّلمانيّ ، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال لأصحابه يوم بدر في الأسارى : إن شئتم ، قتلتموهم. وإن شئتم ، فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم.
وكانت الأسارى سبعين.
فقالوا : نأخذ الفداء ونتمتع به ، ونتقوي به على عدوّنا ويستشهد منّا بعدّتهم.
ثمّ قال عبيدة : طلبوا الخيرتين كلتيهما ، فقتل منهم يوم أحد سبعون.
وقال أبو جعفر الباقر (٤) ـ عليه السّلام ـ : كان الفداء يوم بدر عن كلّ رجل من المشركين بأربعين أوقيّة. والأوقيّة أربعون مثقالا ، إلّا العبّاس فإنّ فداءه مائة أوقيّة.
وكان أخذ منه حين أسر عشرون أوقية ذهبا.
فقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ذلك غنيمة ، ففاد نفسك وابني أخيك نوفلا وعقيلا.
فقال : أين الذّهب فقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أسلمته إلى أمّ الفضل ، وقلت لها : إن حدث في حدث ، فهو لك وللفضل ولعبد الله؟
فقال : من أخبرك هذا؟
قال : الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) المصدر : «ومحلوفه». أي : أقسم بالّذي تقسم به في شرع محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٥٩.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ابن.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠.
فقال : أشهد أنّك رسول الله. [والله] (١) ما اطّلع على هذا أحد إلّا الله ـ تعالى ـ.
وفي قرب الإسناد للحميريّ (٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر (٣) : عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال : أوتي النبيّ بمال دراهم.
فقال : يا عبّاس ، أبسط رداءك وخذ من هذا المال طرفا.
فبسط رداءه ، فأخذ منه طائفة.
ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذا من الّذي قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ) (الآية).
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ مثله.
(وَإِنْ يُرِيدُوا) ، يعني : الأسرى.
(خِيانَتَكَ) : نقض عهدك.
(فَقَدْ خانُوا اللهَ) : بالكفر ، ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل.
(مِنْ قَبْلُ).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) في عليّ (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) فيك ، كما مضى في قصّة بدر.
(فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) ، أي : أمكنك منهم يوم بدر. فإن أعادوا الخيانة ، فسيمكّنك منهم.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا) : هم المهاجرون.
هاجروا أوطانهم ، حبّا لله ولرسوله.
(وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ) : صرفوها في الكراع والسّلاح ، وأنفقوها على المحاويج.
(وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : بمباشرة القتال.
(وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) : هم الأنصار ، آووا المهاجرين إلى ديارهم ، ونصروهم على أعدائهم.
(أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) : في الميراث.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) قرب الإسناد / ١٢.
(٣) المصدر : إلى جعفر.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ٦٩ ، ح ٨٠.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٦٩.
قيل (١) : كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنّصرة دون الأقارب ، حتّى نسخ بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). أو بالنصرة والمظاهرة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : لمّا هاجر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المدينة ، آخى بين [المهاجرين والمهاجرين وبين الأنصار والأنصار وبين] (٣) المهاجرين والأنصار. وكان إذا مات الرّجل ، يرثه أخوه في الدين ويأخذ المال و [كان له] (٤) ما ترك دون ورثته. فلمّا كان بعد بدر ، أنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فنسخت آية الأخوة [بقوله : (أُولُوا الْأَرْحامِ] (٥) بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).
وفي مجمع البيان (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إنّهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ، أي : من تولّيهم في الميراث.
وقرأ (٧) حمزة : «ولايتهم» بالكسر. تشبيها لها بالعمل والصّناعة ، كالكتابة والإمارة ، كأنّه بتولّيه صاحبه يزاول عملا.
وفي عيون الأخبار (٨) ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ مع هارون الرشيد ، ومع موسى المهديّ ، حديث طويل بينه وبين هارون. وفيه : قال : فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. والعمّ يحجب ابن العمّ. وقبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد توفيّ أبو طالب قبله ، والعبّاس عمّه حيّ؟
فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ، ويسألني عن كلّ باب سواه يريده.
فقال : لا ، أو تجيب.
فقلت : فآمني.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٢.
(٢) تفسير القمي ١ / ٢٨٠.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) من المصدر.
(٦) مجمع البيان ٢ / ٥٦١.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٣.
(٨) عيون الأخبار ١ / ٨٢ ـ ٨٣.
قال : آمنتك قبل الكلام.
فقلت : إنّ في قول عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : إنّه ليس مع ولد الصّلب ، ذكرا كان أو أنثى ، لأحد سهم للأبوين والزّوج والزّوجة. ولم يثبت للعمّ مع ولد الصّلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب. إلّا أنّ تيما وعديا وبني امية قالوا : العمّ والد.
رأيا منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
إلى أن قال : زد لي يا موسى.
قلت : المجالس بالأمانات ، وخاصّة مجلسك.
فقال : لا بأس عليك.
فقلت : إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت لهم ولاية حتّى يهاجروا.
فقال : ما حجّتك فيه؟
فقلت : قول الله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا). وإنّ عمي العبّاس لم يهاجر.
فقال : أسألك ، يا موسى ، هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟
فقلت : اللهمّ ، لا. وما سألني عنها إلّا أمير المؤمنين.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالوا : سألناهما عن قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا). قالا : إنّ أهل مكّة لا يولّون أهل المدينة.
(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) : فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين.
(إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) : عهد. فإنّه لا ينقض عهدهم ، لنصرهم عليهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ... وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ). فإنّها نزلت في
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٠ ، ح ٨١.
(٢) تفسير القمي ١ / ٢٨٠.
الأعراب. وذلك أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولم يهاجروا إلى المدينة ، وعلى أنه إذا أرادهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ غزا بهم ، وليس لهم في الغنيمة شيء. وأوجبوا على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إن أرادهم الأعراب من غيرهم أو دعاهم دهم من عدوّهم ، أن ينصرهم إلّا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدّة.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٧٢) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) : في الميراث ، أو المؤازرة. وهو بمفهومه يدلّ على منع التّوارث ، أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين.
(إِلَّا تَفْعَلُوهُ) : إلّا تفعلوا ما أمرتم به من التّواصل بينكم ، وتولي لبعض حتّى في التّوارث ، وقطع العلائق بينكم وبين الكفّار.
(تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) : تحصل فتنة فيها عظيمة. وهي ضعف الإيمان ، وظهور الكفر.
(وَفَسادٌ كَبِيرٌ) (٧٣) : في الدّين.
وقرئ (١) : «كثير».
وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وروى محمّد بن الوليد ، عن الحسين بن بشّار قال : كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في رجل خطب إليّ.
فكتب : من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته ، كائن من كان ، فزوّجوه.
و (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) : لمّا قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام ، بيّن أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحقّ.
ووعد لهم موعده الكريم فقال : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٧٤) : لا تبعة له ولا منّة فيه.
ثمّ ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتّسم بسمتهم ، فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) ، أي : من جملتكم ، أيّها
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٣.
(٢) الفقيه ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، ح ١١٨١.
المهاجرون والأنصار.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) : في التّوارث من الأجانب.
(فِي كِتابِ اللهِ) : في حكمه ، أو في اللّوح ، أو في القرآن. وفيه دلالة على أنّ من كان أقرب إلى المسبب في النّسب ، كان أولى بالميراث.
وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : الخال والخالة يرثان ، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما. إنّ الله يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).
حميد بن زياد (٢) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهب (٣) ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : الخال والخالة يرثان ، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما ، إنّ الله يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين [أبدا] (٥). إنّما جرت من عليّ بن الحسين ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فلا تكون بعد علي بن الحسين ، إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : كان الحسن أولى بها لكبره. فلمّا توفي ، لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فيجعلها في ولده.
إذا لقال الحسين ـ عليه السّلام ـ : أمر الله بطاعتي ، كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك. وبلّغ في رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، كما بلّغ فيك وفي أبيك. وأذهب الله عني الرّجس ، كما أذهب عنك وعن أبيك.
فلما صار إلى الحسين ، لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه ، كما
__________________
(١) الكافي ٧ / ١١٩ ، ح ٢.
(٢) نفس المصدر والموضع. ح ٣.
(٣) المصدر : وهيب.
(٤) الكافي ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، ح ١.
(٥) من المصدر.
(٦) الكافي ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، ح ١.
كان هو يدّعي على أخيه وعلى أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ، ولم يكونا ليفعلا. ثمّ صارت حتّى أفضت إلى الحسين ـ عليه السّلام ـ. فجرى تأويل هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). ثمّ صارت [من بعد [الحسين لعليّ بن الحسين. ثمّ صارت] (١). عليّ بن الحسين إلى محمد بن عليّ.
وقال : «الرّجس» هو الشّكّ. والله ، لا نشك بربّنا (٢) أبدا.
محمد (٣) بن] (٤) الحسين (٥) ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن صباح الأزرق ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ رجلا من المختاريّة لقيني ، فزعم أنّ محمد بن الحنفية إمام.
فغضب أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : أفلا قلت له؟
قال : قلت : لا والله ، ما دريت ما أقول.
قال : أفلا قلت له : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أوصى إلى عليّ والحسن والحسين. فلمّا مضى علي ـ عليه السّلام ـ أوصى إلى الحسن والحسين. ولو ذهب يزويها عنهما ، لقالا له : نحن وصيان مثلك. ولم يكن ليفعل ذلك. وأوصى [الحسن] (٦) إلى الحسين. ولو ذهب يزويها عنه ، لقال له : أنا وصيّ مثلك من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن أبي. ولم يكن ليفعل ذلك. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ). هي فينا وفي أبنائنا.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٧) ، بإسناده إلى محمد بن قيس : عن ثابت الثّماليّ ، عن عليّ بن الحسين ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : فينا نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وفي كتاب علل الشّرائع (٨) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما عنى الله ـ عزّ وجلّ ـ بقوله ـ تعالى ـ :
__________________
(١) من المصدر.
(٢) المصدر : في ربنا.
(٣) الكافي ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، ح ٧.
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في «ب».
(٥) المصدر : محمد بن الحسن.
(٦) من المصدر.
(٧) كمال الدين / ٣٢٣ ، ح ٨.
(٨) علل الشرائع / ٢٠٥ ، ح ٢.
(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١).
قال : نزلت هذه الآية في النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة ـ عليهم السّلام ـ. فلمّا قبض الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ـ عليهم السّلام ـ. ثمّ وقع تأويل هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وكان عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ [اماما] (٢). ثمّ جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ـ عليهم السّلام ـ.
فطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ـ عزّ وجلّ ـ.
[وبإسناده إلى عبد الأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ] (٣) خصّ عليا ـ عليه السّلام ـ بوصيّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما يصيبه له ، فأقرّ الحسن والحسين له بذلك. ثمّ وصيّته للحسن وتسليم الحسين للمحسن ذلك. حتّى أقضى الأمر للحسين (٤) لا ينازعه فيه أحد ، ليس له (٥) من السّابقة مثل ماله. واستحقّها عليّ بن الحسين بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فلا تكون بعد عليّ بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
وفي نهج البلاغة (٦). من كتاب له ـ عليه السّلام ـ إلى معاوية : وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا. وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وقوله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة.
وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : وروى عبد الله بن الحسن بإسناده ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ : أنّه لمّا أجمع أبو بكر [وعمر] (٨) على منع فاطمة فدكا وبلغها ذلك ، جاءت إليه وقالت : يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث (٩)
__________________
(١) الأحزاب / ٣٣.
(٢) من المصدر.
(٣) ما بين المعقوفتين من نور الثقلين وليس في المصدر.
(٤) المصدر : إلى الحسين.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لاحد.
(٦) نهج البلاغة / ٣٨٧ ضمن كتاب ٢٨.
(٧) الاحتجاج ١ / ١٣١ و ١٣٨ بتصرّف هاهنا.
(٨) من المصدر. (٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : نرث.