تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢٤) : لا يرشدهم. وفي الآية تشديد عظيم ، وقلّ من يتخلّص منه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : لمّا أذّن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بمكّة ، أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام ، جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا : ذهبت تجارتنا ، وضاع عيالنا ، وخربت دورنا (٢). فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في ذلك : قل يا محمّد : «إن كان آباؤكم» (الآية).

وفي الحديث (٣) : لا يجد أحدكم طعم الإيمان ، حتّى يحبّ في الله ويبغض في الله.

وفي نهج البلاغة (٤) : ولقد كنّا مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نقتل (٥) آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا. ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانا وتسليما ، ومضيّا على اللّقم (٦) ، وصبرا (٧) على مضض الألم ، وجدّا على جهاد العدوّ.

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) ، يعني : مواطن الحرب ، وهي مواقعها.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : يوسف بن سخت قال : اشتكى المتوكّل شكاة شديدة.

فنذر لله ، إن شفاه الله يتصدّق بمال كثير. فعوفي من علّته. فسأل أصحابه عن ذلك ، فأعلموه أنّ أباه تصدّق بثمانية ألف ألف درهم ، وأن أراه تصدّق (٩) بخمسة ألف ألف درهم. فاستكثر ذلك.

فقال يحيى بن أبي منصور المنجّم : لو كتبت إلى ابن عمّك ـ يعني : أبا الحسن عليه السّلام ـ فيسأل.

فأمر أن يكتب له.

فكتب أبو الحسن : تصدّق بثمانين درهم.

فقالوا : هذا غلط ، سلوه من أين قال هذا؟

فكتب : قال الله لرّسوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ). والمواطن الّتي

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٢٨٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : دورا.

(٣) تفسير الصّافي ٢ / ٣٢٩.

(٤) نهج البلاغة / ٩١ ـ ٩٢.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقتل.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : الهم. ولقم الطريق : الجادّة الواضحة.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : سيروا.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٤.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : تتصدّق.

٤٢١

نصر الله رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيها ثمانون موطنا. فثمانون (١) درهما من حلّه مال كثير.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل قال : حدّثنا عليّ بن الحسين السّعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رجل نذر أن يتصدّق بمال كثير.

فقال : الكثير ثمانون فما زاد ، لقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ). وكانت ثمانين موطنا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني محمّد بن أبي عمير (٤) قال : كان المتوكّل قد اعتلّ علّة شديدة. فنذر إن عافاه الله أن يتصدّق بدنانير كثيرة. أو قال : بدراهم كثيرة.

فعوفي ، فجمع العلماء ، فسألهم عن ذلك. فاختلفوا (٥) عليه. قال أحدهم : عشرة آلاف.

وقال بعضهم : مائة ألف.

فلمّا اختلفوا ، قال له عيّادة : ابعث إلى ابن عمّك ، [عليّ بن] (٦) محمّد بن عليّ الرّضا ـ عليه السّلام ـ فاسأله.

فبعث إليه ، فسأله.

فقال : الكثير ثمانون.

فقال (٧) له : ردّ إليه الرّسول ، فقل : من أين قلت هذا (٨)؟

فقال : من قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ).

وكانت المواطن ثمانين موطنا.

وفي الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه] (١٠) عن بعض أصحابه ذكره قال : لمّا (١١)

__________________

(١) المصدر : فثمانين.

(٢) المعاني / ٢١٨.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٤) المصدر : محمد بن عمير.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فاختلفوا.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : فقالوا.

(٨) المصدر : ذلك.

(٩) الكافي ٧ / ٤٦٣ ـ ٤٦٤.

(١٠) من المصدر. (١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم.

٤٢٢

سمّ المتوكّل ، نذر إن عوفي بأن يتصدّق بمال كثير. فلمّا عوفي ، سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير. فاختلفوا عليه. فقال بعضهم : مائة ألف. وقال بعضهم : عشرة آلاف. فقالوا فيه أقاويل مختلفة. فاشتبه عليه الأمر.

فقال رجل من ندمائه يقال له : صنعان (١) : ألا تبعث إلى هذا الأسود فتسأل منه؟

فقال له المتوكّل : من تعني ، ويحك؟

فقال له ابن الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

فقال له : وهو يحسن من هذا شيئا؟

فقال له : إن أخرجك من هذا ، فلي عليك كذا وكذا. وإلّا فاضربني مائة مقرعة (٢).

فقال المتوكّل : قد رضيت. يا جعفر بن محمود ، صر إليه وأسأل (٣) عن حدّ المال الكثير.

فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن ، عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ فسأله عن حدّ المال الكثير.

فقال له : الكثير ثمانون.

فقال له جعفر : يا سيّدي ، إنّه يسألني عن العلّة فيه.

فقال له أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ). فعدّدنا المواطن ، فكانت ثمانين.

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) : وموطن يوم حنين.

ويجوز أن يقدر : في أيّام مواطن. أو يفسر الموطن بالوقت ، كمقتل الحسين ـ عليه السّلام ـ.

ولا يمنع إبدال قوله : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) منه أن يعطف على موضع في «مواطن». فإنّه لا يقتضي تشاركهما فيما أضيف إليه المعطوف ، حتّى يقتضي كثرتهم وإعجابها إيّاهم في جميع المواطن.

و «حنين» واد بين مكّة والطّائف ، حارب فيه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ

__________________

(١) المصدر : صفعان.

(٢) المقرعة : السوط.

(٣) المصدر : سله.

٤٢٣

والمسلمون.

(فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ) ، أي : الكثرة.

(شَيْئاً) : من الإغناء ، أو أمر العدوّ.

(وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) : برحبها ، أي : سعتها. لا تجدون فيها مفرّا تطمئنّ إليه نفوسكم من شدّة الرّعب ، أو لا تثبتون فيها ، كمن لا يسعه مكانه.

(ثُمَّ وَلَّيْتُمْ) : الكفّار ظهوركم.

(مُدْبِرِينَ) (٢٥) منهزمين.

و «الإدبار» الذّهاب إلى خلف ، خلاف الإقبال.

(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) : رحمته الّتي سكنوا بها وأمنوا.

(عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : الّذين انهزموا. وإعادة الجارّ ، للتّنبيه على اختلاف حاليهما.

وقيل (١) : هم الّذين ثبتوا مع الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولم يفرّوا.

(وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) : بأعينكم من الملائكة. وكانوا خمسة آلاف ، أو ثمانية ، أو سبعة عشر على اختلاف الأقوال.

(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : بالقتل والأسر والسّبي.

(وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢٦) ، أي : ما فعل بهم إلّا جزاء كفرهم في الدّنيا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : كان سبب غزوة حنين ، أنّه لمّا خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فتح مكّة ، أظهر أنّه يريد هوازن. فبلغ الخبر (٣) هوازن ، فتهيّأوا وجمعوا الجموع والسّلاح ، واجتمعوا. [واجتمع] (٤) رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النّضريّ ، فرأسّوه عليهم. وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريّهم ، ومرّوا حتّى نزلوا بأوطاس (٥). وكان دريد بن الصّمّة الجشميّ (٦) في القوم (٧) ، وكان رئيس جشم (٨) ، وكان

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١١.

(٢) تفسير القميّ ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٨.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلى.

(٤) لا يوجد في المصدر.

(٥) أوطاس : واد في ديار هوازن كانت فيه وقعة حنين. وفيها قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ الآن حمي الوطيس. وذلك حين استعرت الحرب. وهي من الكلم الّتي لم يسبق النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إليها.

(٦) كذا في المصدر. وفي ح : الجثمي. وفي أ ، ب ، ر : الخيثمي.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : القوّة.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : جثم.

٤٢٤

شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر.

فلمس الأرض بيده ، فقال : في أيّ واد أنتم؟

قالوا : بوادي أوطاس.

قال : نعم مجال خيل ، لا حزن (١) ضرس ولا سهل دهس (٢). وقال : ما لي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير (٣) وخوار البقر وثغاء (٤) الشّاة وبكاء الصّبيّ؟

فقالوا له : إنّ مالك بن عوف ساق مع النّاس أموالهم ونساءهم وذراريّهم ، ليقاتل كلّ امرئ عن نفسه وماله وأهله.

فقال دريد : راعي ضأن ، وربّ الكعبة. ما له وللحرب.

ثمّ قال : ادعوا (٥) لي مالكا.

فلمّا جاء ، قال : يا مالك ، ما فعلت!؟

قال : سقت مع النّاس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، ليجعل كلّ رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشدّ لحربه.

فقال : يا مالك ، إنك أصبحت رئيس قومك وإنّك تقاتل رجلا كريما. وهذا اليوم لما بعده ، ولم تضع في تقدّمة (٦) بيضة هوازن (٧) إلى نحور الخيل شيئا. ويحك ، وهل يلوي المنهزم على شيء؟ اردد بيضة هوازن إلى علياء بلادهم وممتنع محالّهم ، وأبق (٨) الرّجال على متون الخيل. فإنّه لا ينفعك إلّا رجل بسيفه ودرعه وفرسه. فإن (٩) كانت لك ، لحق (١٠) من ورائك. وإن كانت عليك ، لا تكون (١١) قد فضحت في أهلك وعيالك.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلا حزف.

والحزن : المرتفع من الأرض. والضرس : الّذي فيه حجارة محدّدة.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الدهش.

والدهس : اللّبن الكثير التراب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحمار.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثناء.

(٥) المصدر : ادعوهم.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : مقدمه.

(٧) أي جماعتهم.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : والوا.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذا.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحق.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تكن.

٤٢٥

فقال له مالك : إنّك قد كبرت وذهب (١) علمك [وعقلك] (٢).

فلم يقبل من دريد.

فقال دريد : ما فعلت كعب وكلاب؟

قالوا : لم يحضر منهم أحد.

قال : غاب الجدّ والحزم. لو كان يوم علاء وسعادة ، ما كانت تغيب كعب ولا كلاب.

[قال :] (٣) فمن حضرها من هوازن؟

قالوا : عمرو بن عامر وعوف بن عامر.

قال : ذانك (٤) الجذعان (٥) ، لا ينفعان ولا يضرّان.

ثمّ تنفّس دريد ، وقال : حرب عوان (٦). ليتني فيها جذع أخبّ فيها وأضع أقود وطفاء الزّمع كأنّها شاة صدع.

وبلغ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اجتماع هوازن بأوطاس. فجمع القبائل ورغّبهم في الجهاد ووعدهم النّصر ، وأنّ الله قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريّهم. فرغب النّاس ، وخرجوا على راياتهم. وعقد اللّواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وكلّ من دخل مكّة براية ، أمره أن يحملها. وخرج في اثني عشر ألف رجل ، عشرة آلاف ممّن كانوا معه.

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وكان معه من بني سليم ألف رجل ، رئيسهم عبّاس بن مرداس السّلميّ. ومن مزينة ألف رجل.

رجع الحديث إلى عليّ بن إبراهيم ، قال : فمضوا حتّى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة.

قال : وقال مالك بن عوف لقومه : ليصيّر كلّ رجل منكم أهله وماله خلف ظهره ، واكسروا جفون سيوفكم ، واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشّجر. فإذا كان في

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : كبر.

(١ و ٣) ـ من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذينك.

(٥) الجذع من البهائم : الشابّ الحدث. يريد أنّهما ضعيفان في الحرب بمنزلة الجذع في سنّه.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : هوان.

والحرب العوان : أشدّ الحروب.

٤٢٦

غلس الصّبح ، فاحملوا حملة رجل واحد وهدّوا (١) القوم. فإنّ محمّدا لم يلق أحدا يحسن الحرب.

قال : فلمّا صلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغداة ، انحدر في وادي حنين ، وهو واد له انحدار بعيد. وكانت بنو سليم على مقدّمته ، فخرج عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية ، فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ، ولم يبق أحد إلّا انهزم. وبقي أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقاتلهم في نفر قليل. ومرّ المنهزمون برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يلوون على شيء. وكان العبّاس أخذ بلجام بغلة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره.

فأقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينادي : يا معشر الأنصار ، إلى أين المفرّ؟

إليّ (٢) أنا رسول الله. فلم يلو أحد عليه.

وكانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو في وجوه المنهزمين التّراب ، وتقول : إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله؟ ومرّ بها عمر ، فقالت له : ويلك ما هذا الّذي صنعت؟

فقال لها : هذا أمر الله.

فلمّا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الهزيمة ، ركض يحوم على بغلته وقد شهر سيفه. فقال : يا عبّاس ، اصعد هذا الظّرب (٣) وناد : يا أصحاب البقرة ، ويا أصحاب الشّجرة ، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ثمّ رفع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يده فقال : اللهمّ ، لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان.

فنزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا رسول الله ، دعوت بما دعا به موسى حين (٤) فلق الله له البحر ونجّاه من فرعون.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأبي سفيان بن الحارث : ناولني كفّا من حصى.

فناوله ، فرماه في وجوه المشركين. ثمّ قال : شاهت الوجوه. ثمّ رفع رأسه إلى

__________________

(١) هدّ الشيء : كسره.

(٢) المصدر : ألا.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الطرف.

والظّرب : التلّ من الرمل.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : حيث.

٤٢٧

السّماء وقال : اللهم ، إن تهلك هذه العصابة ، لم تعبد. وإن شئت أن لا تعبد ، لا تعبد.

فلمّا سمعت الأنصار نداء العبّاس ، عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون : لبّيك. ومرّوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالرّاية.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس : من هؤلاء ، يا أبا الفضل؟

فقال : يا رسول الله ، هؤلاء الأنصار.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الآن حمي الوطيس.

ونزل النّصر من السّماء ، وانهزمت هوازن ، وكانوا يسمعون قعقعة السّلاح في الجوّ ، وانهزموا في كلّ وجه. وغنّم الله رسوله أموالهم ونساءهم وذراريّهم. وهو قول الله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ).

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن عجلان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) ـ إلى قوله ـ : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).

فقال : أبو فلان.

عن الحسن بن عليّ بن فضّال (٢) قال : قال أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ للحسن بن أحمد : أيّ شيء السّكينة عندكم؟ قال : لا أدري ، جعلت فداك ، أيّ شيء هو؟

فقال : ريح من الجنّة (٣) ، تخرج طيّبة. لها صورة ، كصورة وجه الإنسان ، فتكون مع الأنبياء.

وفي الكافيّ (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن أسباط ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره : قال عليّ بن أسباط : وسألته فقلت : جعلت فداك ، ما السّكينة؟

قال : ريح من الجنّة. لها وجه ، كوجه الإنسان. ريحها أطيب من المسك. وهي الّتي أنزلها الله على رسوله بحنين ، فهزم (٥) المشركين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وفي رواية أبي الجارود : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهو القتل.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٤٨.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٨٤.

(٣) المصدر : الله.

(٤) الكافي ٥ / ٢٥٧.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فهزموا.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٨٨.

٤٢٨

(وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ).

قال : وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له : شجرة بن ربيعة ، للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق ، والرّجال عليهم الثّياب البيض؟ فإنّما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنّا نراكم فيهم إلّا ، كهيئة الشّامة (١) قالوا : تلك الملائكة.

(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) : منهم بالتّوفيق للإسلام.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧) يتجاوز عنهم ، ويتفضّل عليهم.

نقل (٢) : أنّ ناسا منهم جاؤوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأسلموا ، وقالوا : يا رسول الله ، أنت خير النّاس وأبرّهم. وقد سبي أهلونا وأولادنا ، وأخذت أموالنا.

وقد سبي يومئذ ستّة آلاف نفس ، وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى.

فقال ـ عليه السّلام ـ : اختاروا إمّا سباياكم ، وإمّا أموالكم.

فقالوا : ما كنّا نعدل بالأحساب شيئا.

فقام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين ، وإنّا خيّرناهم بين الذّراريّ والأموال ، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا. فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يردّه ، فشأنه. ومن لا ، فليعطنا وليكن قرضا علينا متى نصيب شيئا فنعطيه مكانه.

فقالوا : رضينا وسلّمنا.

فقال : إنّي لا أدري ، لعلّ فيكم من لا يرضى. فمروا عرفاءكم ، فليرفعوا.

إلينا فرفعوا إليهم قد رضوا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) :

ظاهره ، أن أعيانهم نجسة. ويؤيّده قوله : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ).

وظاهره ، أنّ النّجاسة مطلقة لا تدخل المسجد الحرام.

وكذا قيل في سائر المساجد. وبعضهم خصّ المنع بالنّجاسة المتعدّية.

قيل (٣) : لخبث باطنهم. أو لأنّه يجب أن يجتنب عنهم ، كما يجتنب عن الأنجاس.

__________________

(١) الشّامة : الخال.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤١١.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٤٢٩

أو لأنّهم لا يتطهّرون ولا يجتنبون عن النجاسات ، فهم لابسون لها غالبا.

وقرئ : «نجس» بالسّكون وكسر النّون. وهو ككبد في كبد. وأكثر ما جاء تابعا لرجس.

(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) : لنجاستهم. وإنّما نهي عن الاقتراب ، للمبالغة ، أو للمنع عن دخول الحرم.

وقيل (١) : المراد به النّهي عن الحجّ والعمرة ، لا عن الدّخول مطلقا.

(بَعْدَ عامِهِمْ هذا) : بعد سنة براءة ، وهي التّاسعة.

وقيل (٢) : سنة حجّة الوداع.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) : فقرا. بسبب منعهم من الحرم ، وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والأرزاق.

(فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : من عطائه ، أو تفضّله بوجه آخر. وقد أنجز وعده بأن أرسل السّماء عليهم مدرارا ، ووفّق أهل تبالة وجرش فأسلموا وامتاروهم. ثمّ فتح عليهم البلاد والغنائم ، وتوجّه إليهم النّاس من أقطار الأرض.

وقرى : «عائلة». على أنّها مصدر ، كالعافية. أو حال.

(إِنْ شاءَ) : قيّده بالمشيئة ، لتنقطع الآمال إلى الله ، ولينبّه على أنّه متفضّل في ذلك. وأنّ الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض ، وفي عام دون عام.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) : بأحوالكم.

(حَكِيمٌ) (٢٨) : فيما يعطي ويمنع.

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، أي : لا يؤمنون بهما على ما ينبغي ، كما بيّنّاه في أوّل البقرة. فإيمانهم كلا إيمان.

(وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) : ما ثبت تحريمه بالكتاب والسّنّة.

وقيل (٣) : «رسوله» هو الّذي يزعمون اتّباعه.

والمعنى : أنّهم يخالفون أصل دينهم ، المنسوخ اعتقادا وعملا.

(وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) : الثّابت ، الّذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها.

(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : بيان «الّذين لا يؤمنون».

__________________

(١ و ٢) ـ نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٤٣٠

(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) : ما تقرّر عليهم أن يعطوه. مشتقّ من جزى دينه : إذا قضاه.

(عَنْ يَدٍ) : حال من الضّمير ، أي : عن يد مؤاتية ، بمعنى : منقادين. أو عن يدهم ، بمعنى : مسلّمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم. ولذلك منع من التّوكيل فيه.

وقيل (١) : أو عن غنى ، ولذلك قيل : لا تؤخذ من الفقير. أو عن يد قاهرة عليهم ، بمعنى : عاجزين أذلّاء. أو عن إنعام عليهم ، فإنّ إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة. أو من الجزية ، بمعنى : نقدا مسلمة عن يد إلى يد.

(وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) : أذلّاء ، يعني : يؤخذ منهم على الصّغار والذّل.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن الفصيل بن عيّاض. إلى أن قال : وبإسناده ، عن المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال : سأل رجل أبي ـ صلوات الله عليه ـ] (٣) عن حروب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وكان السّائل من محبّينا.

فقال له أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتّى تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها ، آمن النّاس كلّهم ذلك اليوم (٤).

إلى قوله ـ عليه السّلام ـ : والسّيف الثّاني على أهل الذّمّة. قال الله ـ تعالى ـ : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٥). [نزلت هذه الآية في أهل الذّمّة] (٦) ثم نسخها قوله ـ تعالى ـ : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) (الآية). فمن كان منهم في دار الإسلام ، فلن يقبّل منهم إلّا الجزية أو القتل ، وما لهم فيء وذراريهم سبي. فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم ، حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحتهم. ومن كان

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٤١٢.

(٢) الكافي ٥ / ٩ ـ ١١.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذلك كلّهم اليوم.

(٥) البقرة / ٨٣.

(٦) من المصدر.

٤٣١

منهم في دار الحرب ، حلّ لنا سبيهم [وأموالهم] (١) ، ولم تحلّ لنا مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلّا الدّخول في الإسلام (٢) أو الجزية أو القتل.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي يحيى الواسطيّ ، عن بعض أصحابنا قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن المجوس : أكان لهم نبيّ؟

فقال : نعم. فقال : أما بلغك كتاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أهل مكّة أن أسلموا وإلّا فأذنوا بحرب من الله (٤).

فكتبوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أن خذ منّا الجزية ، ودعنا على عبادة الأوثان.

فكتب إليهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب.

فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب ، ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر.

فكتب إليهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه ، وكتاب أحرقوه. أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى الزّهريّ : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن النّساء : كيف سقطت الجزية ورفعت عنهنّ؟

فقال : لأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن قتل النّساء والولدان في دار الحرب ، إلّا أن تقاتل. وإن قاتلت ـ أيضا ـ فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا. فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب ، كان ذلك في دار الإسلام [أولى. ولو امتنعت] (٦) أن تؤدّي الجزية ، لم يمكنها قتلها. [فلمّا لم يمكن قتلها ، رفعت] (٧) الجزية عنها. ولو منع الرّجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم وقتلهم. لأنّ قتل الرّجال مباح في

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : دار الإسلام.

(٣) الكافي ٣ / ٥٦٧ ـ ٥٦٨.

(٤) المصدر : وإلّا نابذتكم بحرب.

(٥) العلل / ٣٧٦.

(٦) من المصدر. وفي النسخ : أو إلى.

(٧) من المصدر. وفي النسخ : وقعت.

٤٣٢

دار الشّرك ، وكذلك المقعد من أهل الشّرك [والذمّة] (١) والأعمى والشّيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض [الحرب] (٢) فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية.

وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن (٤) محمّد ، عن محمّد بن يحيى جميعا ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جرت السّنّة ألّا تؤخذ الجزية من المعتوه ، ولا من المغلوب على عقله.

عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما حدّ الجزية على أهل الكتاب ، وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوزوا إلى غيره؟

فقال : ذلك إلى الإمام ، يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله بما يطيق. إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا. فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به ، حتّى يسلموا. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ). فكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه ، حتّى لا تجد ذلّا لما أخذ منه ، فيألم لذلك ، فيسلم.

قال ابن مسلم : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أرأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية ويأخذ من الدّهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم في ذلك شيء موظّف؟

فقال : كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شيء. وإن شاء فعلى أموالهم ، وليس على رؤوسهم شيء.

فقلت : فهذا الخمس؟

فقال : إنّما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

محمّد بن يحيى (٦) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن

__________________

(١ و ٢) ـ من المصدر.

(٣) الكافي ٣ / ٥٦٧.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٣ / ٥٦٦ ـ ٥٦٧.

(٦) الكافي ٣ / ٥٦٨.

٤٣٣

محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في أهل الجزية ، يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟

قال : لا.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) قيل (١) : إنّما قاله بعض من متقدّميهم ، أو ممّن كانوا (٢) بالمدينة. وإنّما قالوا ذلك ، لأنّه لم يبق فيهم بعد وقعة بخت نصر من يحفظ التّوراة. وهو لمّا أحياه الله بعد مائة عام ، أملى عليهم التّوراة حفظا. فتعجّبوا من ذلك ، وقالوا : ما هذا إلّا لأنّه ابن الله. والدّليل على أنّ هذا القول كان فيهم ، أنّ الآية قرئت عليهم فلم يكذّبوا مع تهالكهم على التّكذيب.

وقرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب : «عزير» بالتّنوين. على أنّه عربيّ مخبر عنه «بابن» غير موصوف به. وحذفه في القراءة الأخرى إمّا لمنع صرفه للعجمة والتّعريف ، أو لالتقاء السّاكنين تشبيها للنّون بحرف اللّين ، أو لأنّ «الابن» وصف والخبر محذوف ، مثل معبودنا أو صاحبنا. وهو مزّيف ، لأنّه يؤدّي إلى تسليم النّسب وإنكار الخبر المقدّر.

(وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) : هو ـ أيضا ـ قول بعضهم. وإنّما قالوه استحالة ، لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : قال أبو محمّد العسكريّ : ـ عليه السّلام ـ : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ولقد حدّثني أبي ، عن جدّي ، عليّ بن الحسين زين العابدين ، عن الحسين بن عليّ سيد الشّهداء ، عن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ : أنّه اجتمع يوما عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أهل خمسة أديان ، اليهود والنّصارى والدّهريّة والثّنويّة ومشركوا العرب.

فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن الله. وقد جئناك ، يا محمّد ، لننظر ما تقول.

فإن اتّبعتنا ، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا ، خصمناك (٤).

وقالت النّصارى : نحن نقول : المسيح ابن الله اتّحد به. وقد جئناك لننظر ما تقول. فإن اتّبعتنا ، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا ، خصمناك.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٢) المصدر : كان.

(٣) الاحتجاج ١ / ١٦ ـ ٢٠.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : أخصمناك.

٤٣٤

ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟

قالوا : لا.

قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيز ابن الله؟

قالوا : لأنّه أحيا لبني إسرائيل التّوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى ، وهو الّذي جاءهم بالتّوراة ورأوا منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه من إحياء التّوراة ، فلقد كان موسى بالنّبوّة أحقّ وأولى. ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه ، فأضعاف هذه كرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النّبوّة. لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالنّبوّة الدّلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمّهات الأولاد بوطئ آبائهم لهنّ ، فقد كفرتم بالله وشبّهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين. ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا : لسنا نعني هذا. فإنّ هذا كفر كما ذكرت. ولكنّا نعني أنّه ابنه ، على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره : يا بنيّ ، وأنّه ابني. لا على إثبات ولادته منه. ولأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ ، لا نسب له بينه وبينه. وكذلك لمّا فعل الله بعزير ما فعل ، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فهذا ما قلته لكم ، أنّه إن أوجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه. فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى. وأنّ الله يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلب عليه حجّته ، لأنّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو أكبر (١) ممّا ذكرته لكم.

لأنّكم قلتم : إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه : يا بنيّ ، وهذا ابني. لا على طريق الولادة. فقد تجدون ـ أيضا ـ هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي. ولآخر : هذا شيخي ، وأبي. ولآخر : هذا سيّدي ، ويا سيّدي. على سبيل الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول. فإذا يجوز عندكم أن يكون

__________________

(١) المصدر : أكثر.

٤٣٥

موسى أخا لله أو شيخا أو أبا أو سيّدا. لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير ، كما أنّ من زاد رجلا في الإكرام فقال له : يا سيّدي ، ويا شيخي ، ويا عمّي ، ويا رئيسي. على طريق الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول. أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله ، أو شيخا ، أو عمّا ، أو رئيسا ، أو سيّدا ، أو أميرا. لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له : يا شيخي ، أو يا سيّدي ، أو يا عمّي (١) ، أو يا رئيسي [أو يا أميري] (٢)

قال : فبهت القوم وتحيّروا ، وقالوا : يا محمّد ، أجّلنا نتفكّر فيما قد قلته لنا.

فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف ، يهدكم الله.

ثمّ أقبل ـ صلّى الله عليه وآله ـ على النّصارى ، فقال : وأنتم قلتم : إنّ القديم ـ عزّ وجلّ ـ اتّحد بالمسيح (٣) ـ عليه السّلام ـ ابنه. فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم (٤) أنّ القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الّذي هو عيسى ، أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديما لوجود (٥) القديم الّذي هو الله ، أو معنى قولكم : أنّه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإنّ أردتم أنّ القديم صار محدثا ، فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا. وإن أردتم أنّ المحدث صار قديما ، فقد أحلتم (٦) ، لأنّ المحدث ـ أيضا ـ محال أن يصير قديما. وإن أردتم أنّه اتّحد به بان اختصه واصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد من أجله. لأنّه إذا كان عيسى محدثا وكان الله قد اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين. وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

فقالت النّصارى : يا محمّد ، إنّ الله لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة (٧) ما أظهر ، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه.

ثمّ أعاد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك كلّه. فسكتوا ، إلّا رجلا واحدا منهم قال

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يا أميري.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : اتّخذ المسيح.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : إن أردتم.

(٥) في المصدر : كوجود.

(٦) كذا في المصدر. وفي أو ب : أبطلتم. وفي ج : أحلهم. وفي ر : احليم.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : القبيحة.

٤٣٦

له : يا محمّد ، أو لستم تقولون : إنّ إبراهيم خليل الله؟

قال : قد قلنا ذلك.

فقال : إذا قلتم ذلك ، فلم منعتمونا من أن نقول : إنّ عيسى ابن الله؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّهما [لن يشتبها] (١). لأنّ قولنا : إنّ إبراهيم خليل الله ، فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. والخلّة إنّما معناها : الفقر والفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. وذلك لمّا أريد قذفه في النّار ، فرمي به في المنجنيق ، فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له : أدرك عبدي.

فجاءه فلقيه في الهواء ، فقال : كلّفني ما بدا لك ، فقد بعثني الله لنصرتك.

فقال : بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه.

فسمّاه خليله ، أي : فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه.

وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة (٢) ـ وهو أنّه قد تخلّل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ـ كان [الخليل] (٣) معناه : العالم به وبأموره. ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وإنّ من يلده الرّجل ـ وإن أهانه وأقصاه ـ لم يخرج عن أن يكون ولده. لأنّ معنى الولادة قائم به. ثمّ [إن وجب لأنّه قال لإبراهيم : خليلي ، أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأنّ] (٤) عيسى ابنه ، وجب ـ أيضا ـ [كذلك أن تقولوا لموسى : إنّه ابنه. فإنّ] (٥) الّذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى. فقولوا : إنّ موسى ـ أيضا ـ ابنه. وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره ، كما ذكرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض : وفي الكتب المنزلة ، أنّ عيسى قال : أذهب إلى أبي [وأبيكم] (٦).

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون ، فإنّ فيه :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يشبها.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الخلّة والعالم.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر. وفي النسخ : انّ من أوجب أن يقول على قول إبراهيم خليله أن يقسوا أنتم كذلك فتقولون : إنّ.

(٥) من المصدر. وفي النسخ : قال.

(٦) من المصدر.

٤٣٧

أذهب إلى أبي وأبيكم. فقولوا : إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله ، كما كان عيسى ابنه ، من الوجه الّذي كان عيسى ابنه. ثمّ إنّ ما (١) في هذا الكتاب يبطل (٢) عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له. لأنّكم قلتم : إنّما قلنا : إنّه ابنه ، لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره. وأنتم تعلمون أنّ الّذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم. فبطل أن يكون الاختصاص بعيسى ، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى. وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها (٣) ، لأنّه إذا قال : [أذهب إلى] (٤) أبي وأبيكم ، فقد أراد غير ما ذهبتم إليه وتخيلتموه. وما يدريكم لعلّه عنى : أذهب إلى آدم (٥) أو إلى نوح ـ عليه السّلام ـ. لأنّ الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم ، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح. بل ما أراد غير هذا.

قال : فسكت النّصارى. وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك ، وسننظر في أمورنا. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وتتمّته ، وهي الرّدّ على الفرق الثّلاثة الباقية ، مضى في أوّل سورة الأنعام.

وفي آخر الحديث قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : فو الّذي بعثه بالحقّ نبيّا ، ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأسلموا.

وكانوا خمسة وعشرين رجلا ، من كلّ فرقة خمسة. وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك ، يا محمّد ، نشهد أنّك رسول الله.

وفي عيون الأخبار (٦) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ : عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا سأل عليّ بن أبي طالب ، فقال : أخبرني عمّا ليس عند الله ، وعمّا لا يعلمه الله ، وعمّا ليس لله.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : أمّا ما لا يعلمه الله ، فذاك قولكم ، يا معشر اليهود : إنّ عزير ابن الله ، والله لا يعلم له ولدا (٧). وأمّا قولك : ما ليس عند الله ، فليس عند الله ظلم

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : مبطل.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : نعمها.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : آدم أبي وأبيكم.

(٦) العيون ٢ / ٤٦.

(٧) المصدر : ابنا.

٤٣٨

للعباد. فأمّا قولك : ما ليس لله ، فليس لله شريك.

فقال اليهوديّ : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن إسحاق بن الهيثم ، عن سعد بن طريف (٢) ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ الشّجر لم يزل حصيدا كلّه ، حتّى دعي للرّحمن ولد. عزّ الرّحمن وجلّ أن يكون له ولد. [فكادت السموات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هدّا] (٣). فعند ذلك اقشعرّ الشّجر وصار له شوك ، حذرا أن ينزل به العذاب.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن عطيّة العوفيّ ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا : عزير ابن الله.

واشتدّ غضب الله على النّصارى حين قالوا : المسيح ابن الله. واشتدّ غضب الله على من أراق دمي ، وآذاني في عترتي.

عن يزيد (٥) بن عبد الملك (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : لم (٧) يغضب لله شيء كغضب الطّلح والسّدر. إنّ الطّلح كانت كالأترج (٨) ، والسّدر كالبطّيخ. فلمّا قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) تقبّض (٩) حملها فصغر ، فصار له عجم واشتدّ العجم (١٠). فلمّا أن قالت النّصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [اذعرّتا فخرج لهما هذا الشّوك] (١١) وتقبّض (١٢) حملهما ، وصار النّبق (١٣) إلى هذا الحمل. وذهب حمل الطّلح فلا يحمل حتّى يقوم قائمنا.

ثمّ قال : من سقى طلحة أو سدرة ، فكأنّما سقى مؤمنا من ظمأ (١٤).

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٢) المصدر : ظريف.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٦.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بريد.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر : لن.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : كان كالأتروج.

(٩) المصدر : نقّصا.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : عجز فاشتدّ العجز.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : خرج لها الشّوك.

(١٢) المصدر : نقّصتا.

(١٣) المصدر : الشوك. والنبق : حمل شجر السدر.

(١٤) المصدر : ظمان.

٤٣٩

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) : إمّا تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها ، أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الّذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان.

(يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي : يضاهي قولهم قول الّذين كفروا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

(مِنْ قَبْلُ) : من قبلهم. والمراد : قدماؤهم. على معنى أنّ الكفر قديم فيهم. أو المشركون الّذين قالوا : الملائكة بنات الله. أو اليهود ، على أنّ الضّمير للنّصارى.

و «المضاهاة» المشابهة. والهمزة لغة فيه.

وقد قرأ به عاصم. ومنه قولهم : امرأة ضهياء ، على فعلاء ، للتي شابهت الرّجال في أنّها لا تحيض.

(قاتَلَهُمُ اللهُ).

قيل (١) : دعاء عليهم بالإهلاك. فإنّ من قاتله الله ، هلك. أو تعجّب من شناعة قولهم.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل ، أي : لعنهم الله [أنّى يؤفكون] (٣). فسمى اللّعنة : قتالا.

(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٣٠) : كيف يصرفون عن الحقّ إلى الباطل.

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) : بأن أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله ، وتحليل ما حرّم الله.

قيل (٤) : أو بالسّجود لهم.

وفي مجمع البيان (٥) : وروي الثّعلبيّ ، بإسناده : عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وفي عنقي صليب.

فقال لي : يا عديّ ، اطرح هذا الوثن من عنقك.

قال : فطرحته. ثمّ أتيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الآية :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٥) المجمع ٢ / ٢٣ ـ ٢٤.

٤٤٠