أبي؟ لقد جئت شيئا فريا. [أفتركتم] (١) كتاب الله [ونبذتموه] (٢) وراء ظهوركم إذ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفيه (٣) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فنحن أولى النّاس بإبراهيم ، ونحن ورثناه ، ونحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة ، ونحن آل ابراهيم.
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في مرضه ، وقد أغمي عليه ، ورأسه في حجر جبرئيل ، وجبرئيل على صورة دحية الكلبيّ.
فلمّا دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ قال له جبرئيل : دونك رأس ابن عمك. فأنت أحقّ به مني ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
فجلس ـ عليه السّلام ـ وأخذ رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [في حجره] (٥) حتّى غابت الشّمس.
وأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفاق ، فرفع رأسه فنظر إلى عليّ.
فقال : يا عليّ ، أين (٦) جبرئيل؟
فقال : يا رسول الله ، ما رأيت إلّا دحية الكلبيّ رفع (٧) إليّ رأسك وقال : يا عليّ ، دونك رأس ابن عمّك فأنت أحق به مني ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فجلست وأخذت برأسك. فلم يزل (٨) في حجري ، حتّى غابت الشّمس.
__________________
(١) المصدر : أفعلى عمد تركتم.
(٢) من المصدر.
(٣) الاحتجاج ١ / ٢٣٤.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٠ ـ ٧١ ، ح ٨٢.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأيت.
(٧) المصدر : دفع.
(٨) المصدر : فلم تزل.
فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفصلّيت العصر؟
قال : لا.
قال : فما منعك أن تصلي؟
فقال : قد أغمي عليك ، وكان رأسك في حجري وكرهت أن أشقّ عليك ، يا رسول الله ، وكرهت أن أقوم وأصلي وأضع رأسك.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «اللهمّ ، إنّ عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك حتّى فاتته صلاة العصر. اللهمّ ، فردّ عليه الشّمس حتّى يصلي العصر في وقتها.
قال : فطلعت الشّمس ، فصارت في وقت العصر بيضاء نقيّة. ونظر إليها أهل المدينة ، وإنّ عليا ـ عليه السّلام ـ قام وصلّى. فلمّا انصرف ، غابت الشّمس وصلّى المغرب.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : ثمّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ. وَأُولُوا)
(الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
قال : نسخت قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ). (٢)
وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قضى أمير المؤمنين في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل [مات] (٤) فقرأ هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فدفع الميراث إلى الخالة ، ولم يعط المولى.
أبو عليّ الأشعريّ (٥) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ إذا مات مولى له وترك ذات قرابة ، لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : [وروى أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ٢٨١.
(٢) النّساء / ٣٣.
(٣) الكافي ٧ / ١٣٥ ، ح ٢.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٥.
(٦) الفقيه ٤ / ٢٢٣ ، ح ٧٠٨.
عن الحسن بن الحكم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رجل ترك خالتيه ومواليه ، قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)] (١) المال بين الخالتين.
وروى أحمد بن محمّد بن أبي نصر (٢) ، عن الحسن بن موسى الخياط ، عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : لا والله ، ما ورث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العبّاس ولا عليّ ـ عليه السّلام ـ [ولا ورثته إلّا فاطمة ـ عليها السّلام ـ.
وما كان أخذ علي ـ عليه السّلام ـ] (٣) السّلاح وغيره ، إلا لأنه قضى عنه دينه.
ثمّ قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : الخال والخالة يرثان ، إذا لم يكن معهم أحد غيرهم. إنّ الله يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). إذا التقت القرابات ، فالسابق أحقّ بالميراث من قرابته.
عن زرارة (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). أنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض. لأنّ أقربهم إليه [رحما] (٦) أولى به.
عن ابن سنان (٧) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اختلف علي بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وعثمان بن عفّان في الرّجل يموت وليس له عصبة يرثونه ، وله ذو قرابة يرثونه (٨) ، ليس له سهم مفروض.
فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : ميراثه لذوي قرابته. لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
وقال عثمان : أجعل ميراثه في بيت مال المسلمين ، ولا يرثه أحد من قرابته.
(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧٥) : من المواريث والحكمة في إناطتها. بنسبة الإسلام والمظاهرة أوّلا ، وباعتبار القرابة ثانيا.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الفقيه ٤ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، ح ٦٦٠.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٣.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٢ ، ح ٨٦.
(٦) من المصدر.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٤.
(٨) المصدر : لا يرثونه.
وفي تفسير العيّاشي (١) : عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ لا يعطي الموالي شيئا مع ذي رحم ، سمّيت له فريضة [أم لم تسمّ له فريضة] (٢). وكان يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قد علم مكانهم. فلم يجعل لهم مع أولي الأرحام حيث قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٥.
(٢) من الهوامش.
تفسير سورة براءة
سورة براءة
المشهور ، أنّها مدنية.
وقيل (١) : إلّا آيتين من قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ). وهي آخر ما نزلت.
قيل : ولها أسماء اخر : التّوبة ، والمقشقشة ، والبحوث ، والمبعثرة ، والمنقرة ، والمثيرة ، والحافرة ، والمخزية (٢) ، والفاضحة ، والمنكلة ، والمشردة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب. لما فيها من التّوبة [للمؤمنين] (٣) ، : والقشقشة من النّفاق وهي التبري منه ، والبحث عن حال المنافقين وإثارتها ، والحفر (٤) عنها ، وما يخزيهم ، ويفضحهم ، وينكّلهم ، ويشرّدهم ، ويدمدم عليهم.
وآيها قيل : مائة وثلاثون. وقيل : تسع وعشرون.
وإنّما تركت التّسمية فيها ، إمّا لأنّها نزلت للأمان والرّحمة ونزلت براءة لدفع الأمان والسّيف ، وإمّا لأنّ الأنفال وبراءة واحدة.
ففي مجمع البيان (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : لم ينزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على رأس سورة براءة. لأنّ (بِسْمِ اللهِ) للأمان والرّحمة ، ونزلت براءة لدفع الأمان بالسّيف (٦).
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٤.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : النحرية.
(٣) من المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحضر.
(٥) المجمع ٣ / ٢.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لدفع الأمان
وفيه (١) ، في تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : الأنفال والبراءة واحدة.
ترك البسملة في أوّلها قراءة وكتابة.
ويمكن الجمع بين الخبرين ، بأنّها سورة واحدة. ولذا لم يكتب (بِسْمِ اللهِ) على رأس براءة ، لكن لمّا كان إفرادها للبعث بمكّة بمنزلة جعلها سورة ورسالة توهّم استحباب تصديرها بها ، كما هو المتعارف في المكتوبات والرّسائل ، دفع ـ عليه السّلام ـ هذا الوهم بقوله : لأنّ (بِسْمِ اللهِ) للأمان والرّحمة ، ونزلت سورة براءة لدفع الأمان والسّيف. ويؤيّد كونها واحدة ، ما روي في أوّل الأنفال من كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة الأنفال وسورة البراءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق ابدا وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
وفي تفسير العيّاشي (٤) ، مثله. إلّا أنّه زاد قوله ـ عليه السّلام ـ : حقّا وأكل (٥) يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعة عليّ (٦) حتّى يفرغ النّاس من الحساب.
وما في مجمع البيان (٧) : عن أبي بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأ الأنفال وبراءة ، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق ، واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدّنيا عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.
فإن جعل الثواب المذكور على قراءة المجموع ، يدلّ ظاهرا على أنهما واحد ، خصوصا الحديث الأخير المحذوف فيه لفظ السّورة عن البراءة.
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، أي : هذه براءة.
و «من» ابتدائية متعلّقة بمحذوف ، تقديره : واصلة من الله ورسوله.
ويجوز أن يكون «براءة» مبتدأ لتخصّصها بصفتها ، والخبر (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).
__________________
والسيف.
(١) كذا. والصحيح : وفي.
(٢) المجمع ٣ / ١ ، وتفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.
(٣) ثواب الأعمال / ١٣٢.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يأكل.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : مع شيعته ...
(٧) المجمع ٢ / ٥١٦.
وقرئ ، بنصبها ، على تقدير : اسمعوا براءة.
والمعنى : أنّ الله ورسوله بريئان من العهد الّذي عاهدتم به المشركين.
وفي مجمع البيان (١) : إذا قيل : كيف يجوز أن ينقض النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك العهد؟
فأقول فيه : إنه يجوز أن ينقض ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك على ثلاثة أوجه : إمّا (٢) أن يكون العهد مشروطا ، بأن يبقى إلى أن يرفعه الله ـ تعالى ـ بوحي. وإمّا أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة وإما أن يكون مؤجّلا إلى مدّة.
وقد وردت الرّواية ، بأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم ما ذكرناه.
وروي ـ أيضا ـ : أنّ المشركين كانوا قد نقضوا العهد وهمّوا بذلك ، فأمره الله ـ سبحانه ـ أن ينقض عهدهم. (انتهى).
وأمهل المشركين أربعة أشهر يسيروا أين شاءوا ، فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) : خطاب للمشركين. أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم ، ثمّ يقتلون حيث وجدوا.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قال : حدثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من غزوة تبوك في سنة تسع (٤) من الهجرة.
قال : وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا فتح مكّة ، لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة. وكان سنّة من العرب في الحجّ أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه ، لم يخل له إمساكها. وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف. وكان من وافى مكّة ، يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يرده. ومن لم يجد عارية ، اكترى ثيابا. ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد ، طاف بالبيت عريانا. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة ، وطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده.
فقالوا لها : إن طفت في ثيابك ، احتجت أن تتصدقي بها.
__________________
(١) المجمع ٣ / ٢ ـ ٣.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أحدها.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٤) المصدر : سبع. والصحيح ما في المتن.
فقالت : أتصدّق!؟ وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟! فطافت بالبيت عريانة. وأشرف عليها النّاس. فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها وقالت :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
فما بدا منه فلا أحلّه |
فلمّا فرغت من الطّواف ، خطبها جماعة.
فقالت : إنّ لي زوجا.
وكانت سيرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده. وقد كان نزل عليه في ذلك من الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (١). فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة ، وأمره [الله] (٢) بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة إلى مدّة. منهم صفوان بن أميّة ، وسهيل بن عمرو. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : «براءة من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا. فهذه أشهر السّياحة ، عشرون من ذي الحجّة الحرام والمحرّم وصفر وربيع الأوّل ، وعشر (٣) من ربيع الآخر.
فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة ، دفعها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أبي بكر ، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على النّاس بمنى (٤) يوم النّحر.
فلمّا خرج أبو بكر ، نزل جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا محمّد ، لا يؤذي عنك إلّا رجل منك.
فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في طلبه. فلحقه بالروحاء ، فأخذ منه الآيات.
فرجع أبو بكر إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ
__________________
(١) النساء / ٨٩.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : عشرين.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يمسي.
شيء؟
فقال : لا ، إنّ الله أمرني أن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل مني.
وأمّا ما رواه العيّاشيّ (١) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لا ، والله ، ما بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة. أهو كان يبعث بها [معه] (٢) ثمّ يأخذها منه؟ ولكنّه استعمله على الموسم ، وبعث بها عليا ـ عليه السّلام ـ بعد ما فصل أبو بكر عن الموسم. فقال لعليّ ـ عليه السّلام ـ حين بعثه الله (٣) : إنّه لا يؤدي عني إلّا أنا أو أنت»
فمخالف لما روي سابقا. وما روي في هذا الباب محمول على التّقية ، لأنّه وافق لما رواه العامّة في هذا الباب.
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ، ليقرأها على النّاس.
فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ.
فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليا ـ عليه السّلام ـ فأمره أن يركب فاقته (٥) العضباء ، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على النّاس بمكّة.
فقال أبو بكر : أسخطة؟
فقال : لا ، إلّا أنه أنزل عليه : أن لا يبلّغ إلّا رجل منك.
فلما قدم عليّ ـ عليه السّلام ـ مكّة ، وكان يوم النّحر بعد الظّهر ـ وهو يوم الحجّ الأكبر ـ قام ثمّ قال : إني رسول [رسول الله] (٦) إليكم. فقرأها عليهم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) عشرين (٧) من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول ، وعشرا (٨) من شهر بيع الآخر.
وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك ، إلّا من كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فمدّته (٩) إلى هذه الأربعة أشهر.
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٤.
(٢) من المصدر.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.
(٥) المصدر : ناقة.
(٦) من المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : وعشرا.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : عشرين. (٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : فدية.
وفي خبر محمد بن مسلم (١) : فقال : يا عليّ ، هل نزل في شيء منذ فارقت (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟
قال : لا ، ولكن أبي الله أن يبلّغ عن محمّد إلّا رجل منه.
فوافى (٣) الموسم ، فبلّغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النّحر عند الجمار وفي أيّام (٤) التشريق كلّها ينادي : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولا يطوفنّ بالبيت عريان.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ـ أيضا ـ قال : وحدثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمرني [أن أبلّغ] (٦) عن الله ، أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام. وقرأ عليهم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فأجل الله المشركين الّذين حجّوا تلك السّنة أربعة أشهر حتّى يرجعوا (٧) إلى مأمنهم ، ثم يقتلون حيث وجدوا.
وفي مجمع البيان (٨) : وروى أصحابنا ، أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولّى عليّا الموسم. وأنه حين أخذ براءة من أبي بكر ، رجع أبو بكر.
وروى عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : خطب عليّ ـ عليه السّلام ـ [الناس] (٩) واخترط سيفه ، فقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّن البيت مشرك. ومن كانت له مدة ، فهو إلى مدّته. ومن لم تكن له مدّة ، فمدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النّحر ، فكان عشرون من ذي الحجّة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر.
وروي أنّه ـ عليه السّلام ـ قام عند جمرة العقبة وقال : أيّها الناس ، إني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ومن
__________________
(١) نفس المصدر ٢ / ٧٤.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأرقب عند.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوله في.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بأيّام.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨٢.
(٦) من المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يراجعوا.
(٨) المجمع ٣ / ٣ ـ ٤.
(٩) من المصدر.
كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فله عهده إلى أربعة أشهر. ومن لا عهد له ، فله [مدّة] (١) بقية الأشهر الحرم. وقرأ عليهم براءة.
وقيل : قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أوّل براءة.
وفي الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، [عن أحمد بن محمّد] (٣) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : لأيّ شيء صار الحاج لا يكتب عليه الذّنب أربعة أشهر؟
قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أباح المشركين الحرم في أربعة أشهر ، إذ يقول : (فَسِيحُوا (فِي الْأَرْضِ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت الذّنوب أربعة أشهر.
عليّ بن إبراهيم (٤) ، بإسناده قال : أشهر الحجّ ، شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة. وأشهر السّياحة ، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر.
عدة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي أيّوب عن سعد الإسكاف قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : انّ الحاج إذا أخذ في جهازه ـ إلى قوله ـ : وكان ذا الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول [أربعة] (٦) أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السّيئات ، إلّا أن يأتي بموجبه. فإذا مضت الأربعة أشهر ، خلط بالناس.
وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : جعفر بن أحمد ، عن عليّ بن محمّد بن شجاع قال : روى أصحابنا [قيل] (٨) لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لم (٩) صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر؟
قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر المشركين ، فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولم يكن يقصر بوفده عن ذلك.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥.
(٣) من المصدر.
(٤) الكافي ٤ / ٢٩٠.
(٥) الكافي ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٦) من المصدر.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٥.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : إنّه.
عن زرارة (١) وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ).
قال : عشرون من ذي الحجّة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل ، وعشر من شهر ربيع الآخر.
وعن داود بن سرحان (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كان الفتح في سنة ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجّة الوداع في سنة عشر.
وفي كتاب علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى جميع بن عمّار قال : صليت في المسجد الجامع ، فرأيت ابن عمر جالسا. فجلست إليه ، فقلت : حدثني عن عليّ ـ عليه السّلام ـ.
فقال : بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة. فلمّا أتى بها ذا الحليفة ، اتبعه عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.
فقال أبو بكر : يا عليّ ، مالي ، أنزل فيّ شيء؟ قال : لا ، ولكن [رسول الله قال :] (٤) لا يؤدي عني إلّا [أنا أو رجل] (٥) من أهل بيتي.
قال : فرجع إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، ولكن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي.
قال كثير : قلت لجميع : أتشهد على ابن عمر بهذا هذا.
قال : نعم ـ ثلاثا ـ.
وبإسناده (٦) إلى ابن عباس : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر ببراءة ، ثمّ اتبعه عليا ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، خيف فيّ شيء؟
قال : لا ، إلّا أنه لا يؤدي عني إلّا أنا أو عليّ.
وكان الّذي بعث به عليّ ـ عليه السّلام ـ : لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة (٧) ، ولا
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) نفس المصدر ٢ / ٧٣.
(٣) العلل / ١٨٩.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يودّي قل.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : رجل أنا أو.
(٦) العلل / ١٩٠.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : نفس مؤمن مسلمة.
يحجّ بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عهد ، فهو إلى مدّته.
وبإسناده (١) إلى الحارث بن مالك قال : خرجت إلى مكة ، فلقيت سعد بن مالك. فقلت له : هل سمعت لعلي ـ عليه السّلام ـ منقبة؟
قال : قد شهدت له أربع ، لئن تكون لي إحداهنّ أحبّ إليّ من الدّنيا أعمر فيها عمر نوح ـ عليه السّلام ـ أحدها ، أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش ، فسار بها يوما وليلة. ثمّ قال لعلي : اتبع أبا بكر فبلّغها.
وردّ أبا بكر ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، إلّا أنّه لا يبلغ عني إلّا أنا أو رجل مني.
وبإسناده (٢) إلى أنس بن مالك ، أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر. فبعث عليا ـ عليه السّلام ـ وقال : لا يبلّغها إلّا رجل من أهل بيتي.
وفي كتاب الخصال (٣) : عن الحارث بن ثعلبة قال : قلت لسعد (٤) : أشهدت شيئا من مناقب عليّ ـ عليه السّلام ـ؟
قال : نعم ، شهدت له أربع مناقب والخامسة شهدتها. لئن يكون لي منهنّ واحدة ، أحبّ إليّ من حمر النّعم. بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة ، ثمّ أرسل عليا ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.
فرجع أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، إلّا أنه لا يبلغ عني إلّا رجل مني.
وفي احتجاج عليّ (٥) ـ عليه السّلام ـ يوم الشورى على النّاس ، قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ رسوله أن يبعث ببراءة بها مع أبي بكر ، فأتاه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعثني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخذتها من أبي بكر. فمضيت بها فأدّيتها عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأثبت الله على لسان رسول الله أني منه ، غيري؟
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) الخصال / ٣١١.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لو.
(٥) الخصال / ٥٥٨.
قالوا : [اللهمّ] (١) لا.
وفي مناقب أمير المؤمنين (٢) ـ عليه السّلام ـ وتعدادها ، قال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا الخمسون ، فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث ببراءة مع أبي بكر. فلمّا مضى ، أتى جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فوجّهني على ناقته العضباء ، فلحقته بذي الحليفة ، فأخذتها منه. فخصّني الله بذلك.
عن جابر الجعفيّ (٣) ، عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وقد سأله رأس اليهود : ولم تمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم؟
قال : يا أخا اليهود ، إنّ الله ـ تعالى ـ امتحنني في حياة نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سبعة مواطن. فوجدني فيها ـ من غير تزكية لنفسي بنعمة الله ـ له مطيعا.
قال : فيم وفيم ، يا أمير المؤمنين؟
قال : أمّا أوّلهنّ ـ إلى أن قال ـ : وأما السّابعة ـ يا أخا اليهود ـ فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا توجّه لفتح مكّة ، أحبّ أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله آخرا (٤) ، كما دعاهم أولا. فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه ، وينذرهم عذاب ربّهم ، ويعدهم الصفح ، [يمنّيهم مغفرة ربّهم] (٥). ونسخ لهم في آخره سورة براءة ، لتقرأ عليهم. ثمّ عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم فكلّ منهم يرى التّثاقل فيه. فلمّا رأى ذلك ، ندب منهم رجلا فوجهه به.
فأتاه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك.
فأنبأني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بذلك ، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكّة. فأتيت مكّة ، وأهلها من قدم عرفتم ، ليس منهم أحد إلّا ولو قدر أن يضع على كلّ جبل مني إربا لفعل ولو أن يبذل في ذلك نفسه وماله وأهله وولده. فبلّغتهم رسالة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقرأت عليهم كتابه. فكلّ تلقاني بالتّهديد (٦) والوعيد ، ويبدي لي
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الخصال / ٥٧٨.
(٣) الخصال / ٣٦٥ و ٣٦٦ ، و ٣٦٩ ـ ٣٧٠.
(٤) كذا في المصدر وفي روح : أخرى. وفي أو ب : احدى.
(٥) من المصدر. وفي النسخ : ينذرهم.
(٦) المصدر : بالتهدد.
البغضاء ، ويظهر لي الشّحناء ، من رجالهم ونسائهم. فكان مني في ذلك ما قد رأيتم. ثمّ التفت إلى أصحابه ، فقال : أليس كذلك؟
فقالوا : بلى ، يا أمير المؤمنين.
(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) : لا تفوتونه وإن أمهلكم.
(وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢) : بالأسر والقتل في الدّنيا ، والعذاب في الآخرة.
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) ، أي : إيذان وإعلام. فعال ، بمعنى : الإفعال ، كالأمان والعطاء ، بمعنى : الإيمان والإعطاء. ورفعه ، كرفع براءة على الوجهين.
(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).
قيل (١) : يوم العيد. لأنّ فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ، ولأنّ الإعلام كان فيه.
ولما نقل : أنه ـ عليه السّلام ـ وقف يوم النّحر عند الجمرات في حجّة الوداع فقال : هذا يوم الحجّ الأكبر.
وقيل : يوم عرفة ، لقوله ـ عليه السّلام ـ : الحج عرفة.
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : يوم الحجّ الأكبر ، يوم النّحر. قال : ولو كان [الحج الأكبر] (٣) يوم عرفة ، لكان أربعة أشهر ويوما.
وقيل (٤) : وصف الحجّ بالأكبر. لأنّ العمرة تسمّى بالحجّ الأصغر ، أو لأن المراد بالحجّ : ما يقع في ذلك اليوم من أعماله ، فإنّه أكبر من باقي الأعمال ، أو لأنّ ذلك الحجّ اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب ، أو لأنّه ظهر فيه عزّ المسلمين وذلّ الكافرين (٥).
وسيأتي بعض تلك الوجوه في الأخبار.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن حكيم بن جبير ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في قوله :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٥.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ٧٧.
(٣) من المصدر.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٥.
(٥) المصدر : المشركين.
(٦) تفسير القمي ١ / ٢٨٢.
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ).
قال : «الأذان» أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
وفي حديث آخر : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كنت أنا الأذان في النّاس.
وفي أمالي شيخ الطائفة (١) ـ قدس سرّه ـ ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل : أنت الّذي أنزل الله فيه (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).
وفي شرح الآيات الباهرة (٢) : روي الحسن الدّيلميّ ، بإسناده عن رجاله إلى عبد الله بن سنان قال : قال الصادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أسماء لا يعلمها إلّا العالمون ، وأنّ منها «الأذان» من الله ورسوله. وهو الأذان.
وفي كتاب الخصال (٣) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على أبي بكر قال : فأنشدك بالله ، أنا الأذان من الله ورسوله لأهل الموسم ولجميع الأمّة بسورة براءة أم أنت؟
قال : بل أنت.
وفي كتاب معاني الأخبار (٤) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم. أنا المؤذّن في الدّنيا والآخرة. قال الله ـ تعالى ـ : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٥). أنا ذلك المؤذن. وقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ [إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ]) (٦) وأنا ذلك الأذان.
حدّثنا (٧) محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن الحارث بن المغيرة النضري ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).
فقال : اسم نحله الله ـ عزّ وجلّ ـ عليا ـ عليه السّلام ـ من السّماء ، لأنّه هو الذي
__________________
(١) الامالي ١ / ٣٦١.
(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٧٤.
(٣) الخصال / ٥٤٩.
(٤) المعاني / ٥٩.
(٥) الأعراف / ٤٣.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المعاني / ٢٩٨.
أدّى عن رسوله براءة. وقد كان بعث بها مع أبي بكر أوّلا ، فنزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقول لك : لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عند ذلك عليا ـ عليه السّلام ـ فلحق أبا بكر وأخذ الصّحيفة من يده ، ومضى بها إلى مكة. فسمّاه الله ـ تعالى ـ : وأذان من الله. إنّه اسم نحله الله ـ تعالى ـ من السّماء لعليّ ـ عليه السّلام ـ.
وفي عيون الأخبار (١) ، بإسناده : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ). [فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله.
في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى حفص بن غياث النخعي القاضي قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)].
فقال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كنت أنا الأذان في الناس.
قلت : فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟
قال : إنّما سمي «الأكبر» لأنها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن جابر ، عن جعفر بن محمّد وأبي جعفر ـ عليهما السلام ـ في قول الله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).
قال : خروج القائم. و «أذان» دعوته إلى نفسه.
عن حريز (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في الأذان : هو اسم في كتاب الله ، لا يعلم ذلك أحد غيري.
عن عبد الرّحمن (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «يوم الحج الأكبر» يوم النحر. و «الحجّ الأصغر» العمرة.
وفي رواية ابن سرحان (٥) ، عنه ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم عرفة ،
__________________
(١) العيون ٢ / ١٠.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٦.
(٣ و ٤ و ٥) ـ نفس المصدر والموضع.
والجمع ، ورمى الجمار بمنى. و «الحجّ الأصغر» بمعنى العمرة.
وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن فضيل بن عيّاض (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الحجّ [الأكبر] (٣).
فقال : أعندك فيه شيء؟
فقلت : نعم.
كان ابن عبّاس يقول : «الحجّ الأكبر» يوم عرفة ، يعني : أنه من أدرك يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر ، فقد أدرك الحجّ. ومن فاته ذلك ، فاته الحجّ. فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها. والدّليل على ذلك أنّ من أدرك ليلة النّحر إلى طلوع الفجر ، فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه من عرفة.
فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قال أمير المؤمنين : الحج الأكبر يوم النحر.
واحتجّ بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ). فهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وربيع الأوّل ، وعشر من شهر ربيع الآخر. ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة ، لكان [السّيح] (٤) أربعة أشهر ويوما. واحتجّ بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، وكنت أنا الأذان في النّاس.
فقلت له : فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟
فقال : إنّما سمي «الأكبر» لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.
أبي (٥) ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن ذريح المحاربيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم النّحر.
حدّثنا (٦) محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله
__________________
(١) المعاني / ٢٩٦.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : غياث.
(٣) من المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) المعاني / ٢٩٥.
(٦) المعاني / ٢٩٥.