تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

ربّ يسّر وتمّم بالخير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وجعله للناس بشيرا ونذيرا ، وبين فيه لاولى الألباب بينات ، وجعله تبيان كل شيء وسراجا منيرا ، أنزله بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتب ، وأنطقه بالصدق لما يعول عليه من السرب. يقضي له بصفة القدم كل شيء بجوهر ذاته ، يقضي الى الحكم بسرمديّته حدوث معلولاته وسماته فيا له من حكيم بما له من قدرته في كل ما دبر وأتقن من أفعاله ، أبت حكمته أن يرضى لخلقه السوء والفحشاء وارتفعت قدرته أن يجرى في ملكه الا ما شاء.

والصلاة والسلام والتحية من كل الأنام على خير الأنبياء ونير الأصفياء ، المدعو بحبيب الله في الأرض والسماء ، محمد المصطفى على البرية بالخلق والفضايّل المرضية ، المبعوث بكتاب أزعج بفصاحته مصاقع الخطباء ، وابكم ببلاغته شقاشق البلغاء ، وعلى الأئمة الهادين من عترته الراشدين ، صلاة تامة دائمة توازي غناءهم وتجازي عناءهم وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

١

أما بعد : فيقول الفقير الى رحمة ربه الغني ميرزا محمد المشهدي بن محمد رضا بن اسمعيل بن جمال الدين القمي : ان اولى ما صرفت في تحصيله كنوز الأعمار ، وأنفقت في نيله المهج والأفكار علم التفسير ، الذي هو رئيس العلوم الدينية ورأسها ، ومبنى قواعد الشرع وأساسها ، الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه ، الا من فاق في العلوم الدينية كلها والصناعات الادبية بأنواعها.

وقد كنت فيما مضى ، قد رقمت تعليقات على التفسير المشهور للعلامة الزمخشري ، وأجلت النظر فيه. ثم على الحاشية للعلامة النحرير والفاضل المهرير الشيخ الكامل بهاء الدين العاملي. ثم سنح لي أن أؤلف تفسيرا يحتوي على دقائق اسرار التنزيل ونكات أبكار التأويل ، مع نقل ما روى في التفسير والتأويل ، عن الائمة الأطهار والهداة الأبرار ، الا أن قصور بضاعتي ، يمنعني عن الاقدام ، ويثبطني عن الانتصاب في هذا المقام ، حتى وفقني ربي للشروع في ما قصدته ، والإتيان بما أردته. ومن نيتي أن أسميه بعد تمامه بكنز الدقائق وبحر الغرائب ليطابق اسمه ما احتواه ، ولفظه معناه : فرات بن ابراهيم الكوفي ، أستاذ المحدثين في زمانه ، قائل في تفسيره (١) : حدثنا أحمد بن موسى ، قال : حدثني الحسن بن ثابت ، قال : حدثني أبي. عن شعبة بن الحجاج ، عن الحكم ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه (٢) ـ قال : أخذ النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ يد (٣) عليّ ـ عليه السلام ـ فقال : ان القرآن أربع (٤)

__________________

(١) تفسير الفرات / ٢.

(٢) الى هنا ليس في أ.

(٣) المصدر : بيد.

(٤) المصدر : أربعة.

٢

أرباع : ربع فينا أهل البيت خاصة ، وربع في أعدائنا. وربع حلال وحرام ، وربع فرائض وأحكام. وأنزل (١) لنا كرائم القرآن.

وقال (٢) ـ أيضا : حدثنا أحمد بن [موسى ، قال : حدثنا] الحسن (٣) بن إسماعيل بن صبيح والحسن بن علي بن الحسن بن عبيدة بن عقبة (٤) بن نزار بن سالم السلولي ، قالا : حدثنا محمد بن الحسن بن مطهرة ، قال حدثنا صالح ـ يعني ابن الأسود ـ عن جميل بن عبد الله النخعي ، عن زكريا بن ميسرة ، عن أصبغ بن نباتة ، قال : قال علي بن أبي طالب ـ عليه السلام : أنزل (٥) القرآن أربع أرباع ، فربع فينا ، وربع في أعدائنا (٦) ، وربع سنن (٧) وأمثال ، وربع فرائض وأحكام. ولنا كرائم القرآن.

وقال (٨) ـ أيضا : حدثنا أبو الخير مقداد بن علي الحجازي المدني ، قال : حدثنا أبو القسم عبد الرحمن العلوي الحسيني ، قال : حدثنا «الفاضل أستاذ المحدثين في زمانه ، فرات بن ابراهيم الكوفي رحمة الله عليه ، قال : حدثني» (٩) محمد بن سعيد بن وخيم (١٠) الهمداني ومحمد بن عيسى بن زكريا ، قال :

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) تفسير الفرات / ٢.

(٣) النسخ : حدثنا أحمد بن الحسن.

(٤) المصدر : عتبة.

(٥) المصدر : نزل.

(٦) المصدر : عدونا.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) تفسير الفرات / ١.

(٩) يوجد في المصدر.

(١٠) المصدر : رحيم.

٣

حدثنا عبد الرحمن بن سراج ، قال : حدثنا حماد بن أعين ، عن الحسن (١) بن عبد الرحمن ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين (٢) علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ قال : القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في أعدائنا (٣) ، وربع فرائض وأحكام ، وربع حلال وحرام. ولنا كرائم القرآن.

واعلم ان للقرآن بطنا وللبطن بطن ، وله ظهر. وللظهر ظهر. فإذا جاءك عنهم ـ صلوات الله عليهم ـ شيء وله باطن ، فلا تنكره ، لأنهم أعلم به.

يدل على هذا ، ما رواه صاحب شرح الآيات الباهرة (٤) ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن الفضل (٥) ، عن شريس ، عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن شيء من تفسير القرآن ، فأجابني. ثم سألته ثانية ، فأجابني بجواب آخر.

فقلت : جعلت فداك ، أجبتني (٦) في هذه المسألة بجواب غير هذا.

فقال لي : يا جابر! ان للقرآن بطنا. وللبطن بطن ، وله ظهر وللظهر ظهر.

وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن.

وان الاية ينزل أولها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل ، يتصرف عن وجوه.

ويؤيده ما رواه (٧) ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، بإسناده الى الفضل بن

__________________

(١) المصدر : الحسين.

(٢) المصدر : على أمير المؤمنين.

(٣) المصدر : عدونا.

(٤) تأويل الآيات الباهرة / ٢.

(٥) المصدر : الفضيل.

(٦) المصدر : كنت أجبتنى.

(٧) نفس المصدر / ٣ ـ ٢.

٤

شاذان ، عن داود بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام : أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل؟ وأنتم الزكاة؟ [وأنتم الصيام؟] (١) وأنتم الحج؟.

فقال : يا داود! نحن الصلاة في كتاب الله ـ عز وجل. ونحن الزكاة. ونحن الصيام. ونحن الحج. «ونحن الشهر الحرام» (٢). ونحن البلد الحرام. ونحن كعبة الله.

ونحن قبلة الله. ونحن وجه الله ، قال الله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٣).

ونحن الآيات. ونحن البينات. وعدونا في كتاب الله ، الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير.

يا داود! ان الله خلقنا ، فأكرم خلقنا. وفضلنا. وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض. وجعل لنا أضدادا وأعداء. فسمانا في كتابه وكنى عن (٤) أسمائنا بأحسن الأسماء ، وأحبها اليه ، تكنية عن العدد. وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه. وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال (٥) في كتابه ، في أبغض الأشياء (٦) اليه والى عباده المتقين.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) البقرة / ١١٥.

(٤) المصدر : في.

(٥) المصدر : الأسماء مثال.

(٦) المصدر : الأسماء.

٥

سورة فاتحة الكتاب

في مجمع البيان (١) : روى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن النبي صلّى الله عليه وآله [انه قال] (٢) : لما أراد الله ـ عز وجل ـ أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك ـ الى قوله ـ بغير حساب ، تعلقن بالعرش ـ وليس بينهن وبين الله حجاب ـ وقلن : يا رب! تهبطنا الى دار الذنوب والى من يعصيك؟ ونحن معلقات بالطهور والقدس (٣).

فقال : وعزتي وجلالي! ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة (٤) ، الا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه. ونظرت اليه (٥) بعيني المكنونة ، في كل يوم سبعين نظرة. والا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة ، أدناها المغفرة. والا أعذته من كل عدو ، ونصرته عليه. ولا يمنعه من دخول الجنة الا الموت (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٢٦.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر : بالعرش.

(٤) المصدر : صلاة مكتوبة.

(٥) المصدر : والا نظرت اليه.

(٦) المصدر : أن يموت.

٦

وفي كتاب ثواب الأعمال (١) ـ بإسناده : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام : اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب.

وفي كتاب الخصال (٢). عن أبى عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : رنّ إبليس أربع رنات : أولهن يوم لعن ، وحين أهبط الى الأرض ، وحين بعث محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ على حين فترة من الرسل ، وحين أنزلت أم الكتاب.

وعن الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ في حديث طويل (٣) : قال : جاء نفر من اليهود الى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فسأله أعلمهم عن أشياء ، فكان فيما سأله : أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم.

فقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله : أعطاني الله فاتحة الكتاب ـ الى قوله ـ صدقت يا محمد! فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله تعالى بعدد كل آية نزلت من السماء ، ثواب تلاوتها.

وعن جابر ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ حديث طويل (٤) ـ يقول فيه ـ عليه السلام ـ حاكيا عن الله تعالى : وأعطيت أمتك كنزاً من كنوز عرشي ، فاتحة الكتاب.

وفي أصول الكافي (٥) : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن اسمعيل بن بزيع ، عن عبد الله بن الفضل النوفلي ـ رفعه ـ قال : ما قرأت الحمد على وجع ، سبعين مرة ، الا سكن.

__________________

(١) ثواب الاعمال / ١٣٢.

(٢) الخصال / ٢٦٣ ، ح ١٤١ وله تتمة.

(٣) نفس المصدر / ٣٥٥ ، ضمن ح ٣٦.

(٤) نفس المصدر / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ضمن ح ١.

(٥) الكافي ٢ / ٦٢٣ ، ح ١٥.

٧

محمد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن سلمة بن محرز قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول : من لم يبرئه الحمد ، لم يبرئه شيء.

علي بن ابراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : لو قرأت الحمد على ميت ، سبعين مرة ، ثم ردت فيه الروح ، ما كان عجبا (٣).

وفي عيون الأخبار (٤) : حدثنا محمد بن القسم ، المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد ابن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، علي بن محمد ، عن أبيه ، محمد بن علي ، عن أبيه الرضا عن آبائه ، عن علي ـ عليهم السلام ـ انه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول : ان الله ـ تبارك وتعالى ـ قال لي : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٥) ، فأفرد «عليّ الامتنان» (٦) بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم. وان فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش. وان الله ـ عز وجل ـ خص (٧) محمدا وشرفه بها ، ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ، ما خلا سليمان ـ عليه السلام فانه أعطاه منها «بسم الله الرحمن

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٢٦ ، ح ٢٢.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٢٣ ، ح ١٦.

(٣) المصدر : ذلك عجبا.

(٤) عيون الاخبار ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢. مع اختصار في السند وإسقاط في صدر الحديث.

(٥) الحجر / ٨٧.

(٦) المصدر : الامتنان على.

(٧) ر : شرف.

٨

الرحيم». «ألا ترى» (١) يحكي عن بلقيس ، حين قالت : «(اني) (٢) ألقي إليّ كتاب كريم. (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٣)؟ ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وآله الطيبين ، منقادا لأمرهما (٤) ، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما ، أعطاه الله تعالى بكل حرف منها حسنة ، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها ، من أصناف أموالها وخيراتها.

ومن استمع الى قارئ يقرأها ، كان له قدر (٥) ما للقارئ. فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم ، فانه غنيمة لا يذهبن أو انه. (فيبقى في قلوبكم) (٦) الحسرة.

وفي تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري (٧) ـ عليه وعلى آبائه السلام : قال : ألا فمن قرأها ـ الى آخر ما نقلنا عن العيون ـ بأدنى تغيير.

وفي تفسير العياشي (٨) : عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال :قال أبو عبد الله ـ عليه السلام : اسم الله الأعظم ، مقطع في أم الكتاب.

عن محمد بن سنان (٩) ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ قال : قال لأبي حنيفة : ما سورة أولها تحميد وأوسطها اخلاص وآخرها دعاء؟

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) النمل / ٣٠.

(٤) المصدر : لأمرها.

(٥) المصدر : بقدر.

(٦) المصدر : فيبقى قلوبكم في.

(٧) تفسير العسكري / ١٣.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٩.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١٩.

٩

فبقى متحيّرا ، ثم قال : لا أدري.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام : السورة التي أولها تحميد وأوسطها اخلاص وآخرها دعاء ، سورة الحمد.

عن إسماعيل بن أبان (١) ، يرفعه الى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لجابر بن عبد الله : يا جابر! ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟

قال : فقال جابر : بلى ـ بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ، علّمنيها.

قال : فعلّمه الحمد لله ، أم الكتاب.

قال : ثم قال (٢) : يا جابر ، ألا أخبرك عنها؟

قال : بلى ـ بأبى أنت وأمي ـ فأخبرني.

قال : هي شفاء من كل داء الا السلام ، يعني الموت عن أبي بكر الحضرمي ، [قال :] (٣) قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ (٤) : إذا كانت لك حاجة فأقرأ المثاني وسورة أخرى ، وصل ركعتين ، وأدع الله.

قلت : أصلحك الله وما المثاني؟

قال : فاتحه الكتاب.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) مكية قيل (٥) ، ومدنية ايضا. لأنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ، وبالمدينة لما حولت القبلة اليها.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٠.

(٢) المصدر : قال له.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢١.

(٥) البيضاوي ، أنوار التنزيل / ٥١.

١٠

سبع آيات ـ بالاتفاق.

الا أن بعضهم عد (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية ، دون (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، وهم الامامية وقرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما وابن المبارك والشافعي. ومنهم من عكس ، وعليه قرّاء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها ومالك والأوزاعي (١).

واستدلت الامامية

بما روي في تفسير أبي محمد العسكري ـ عليه السلام (٢) ـ عنه ، عن آبائه ، عن علي ـ عليهم السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : ان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات ، تمامها ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣).

وفي تفسير العياشي (٤) : عن يونس بن عبد الرحمن ، عمن رفعه ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن قول الله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ). قال : هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات ، منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وانما سميت «المثاني» ، لأنها تثنّى في الركعتين.

وعن أبي حمزة (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : سرقوا أكرم آية في كتاب الله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

وفي تهذيب الأحكام (٦) : محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن محمد ابن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٧) ، هي الفاتحة؟

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨ أنوار التنزيل ١ / ٥.

(٢) تفسير العسكري / ١٣.

(٣) كذا في المصدر وفي النسخ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٩.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٩.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٨٩ ، ح ١١٥٧.

(٧) الحجر / ٨٧.

١١

قال : نعم.

قلت : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من السبع المثاني (١)؟ قال : نعم ، هي أفضلهن.

وفي عيون الأخبار (٢) ـ بإسناده الى امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ حديث طويل وفيه : قيل لأمير المؤمنين ـ عليه السلام : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أهي آية من فاتحة الكتاب؟

فقال : نعم. كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقرأها ، ويعدّها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.

وبإسناده (٣) عن الرضا ـ عليه السلام ـ عن آبائه ـ عليهم السلام ـ عن علي ـ عليه السلام ـ أنه قال : ان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، آية من فاتحة الكتاب.

وهي سبع آيات تمامها «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

وفيه (٤) : عن الرضا ـ عليه السلام ـ قال : والإجهار «ببسم الله الرحمن الرحيم» في جميع الصلوات ، سنّة.

وعن الرضا ـ عليه السلام (٥) ـ أنه كان يجهر «ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» في جميع صلواته بالليل والنهار.

وفي الكافي (٦) : علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام : إذا قمت للصلاة ، أقرأ

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) عيون الاخبار ١ / ٣٠١ ، ذيل ح ٥٩.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٠٣ ، صدر ح ٦٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ١٢٣.

(٥) نفس المصدر ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٦) الكافي ٣ / ٣١٢ ، ح ١.

١٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة الكتاب؟ (١).

قال : نعم.

قلت : فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع السورة؟

قال : نعم.

محمد بن يحيى (٢) ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، عن يحيى ابن أبي عمران الهمداني ، قال : كتبت الى أبي جعفر ـ عليه السلام : جعلت فداك ، ما تقول في رجل ابتدأ ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في صلاته ، وحده في أمّ الكتاب ، فلما صار الى غير أمّ الكتاب من السورة ، تركها؟

فقال العباسي : ليس بذلك بأس.

فكتب بخطه ، يعيدها مرتين ، على رغم أنفه ، يعنى : العباسي.

محمد بن يحيى (٣) ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القسم (٤) ابن محمد ، عن صفوان الجمال ، قال : صليت خلف أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أياما. فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها ، جهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وكان يجهر في السورتين ، جميعا.

وفي تفسير علي بن ابراهيم (٥) : عن ابن أذينة قال : قال ابو عبد الله ـ عليه السلام ـ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أحق ما أجهر به. وهي الاية التي قال الله ـ عز وجل : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٦).

__________________

(١) المصدر : فاتحة القرآن.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٣١٣ ، ح ٢.

(٣) نفس المصدر ٣ / ٣١٥ ، ح ٢٠.

(٤) المصدر : القاسم.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨.

(٦) الاسراء / ٤٦.

١٣

وفي مجمع البيان (١) : عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : ان الله تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من (٢) كنز الجنة فيها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الاية التي يقول الله (تعالى) (٣) : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤).

وفي تفسير العياشي (٥) : عن أبي بصير (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يجهر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). ويرفع بها صوته. فإذا سمعها المشركون ولوا مدبرين. فأنزل الله (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٧).

وفيه (٨) : عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ـ عليه السلام ـ قال : ان أناسا ينزعون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فقال : هي آية من كتاب الله ، أنساهم إياها الشيطان.

عن خالد بن المختار (٩) ، قال : سمعت جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ يقول : ما لهم ـ قاتلهم الله ـ (و) (١٠) عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله ، فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها ، وهي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)».

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣١.

(٢) النسخ : فيها من.

(٣) المصدر : الله فيها.

(٤) الاسراء / ٤٦.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٢٠ ، ح ٦.

(٦) المصدر : أبى حمزة.

(٧) الاسراء / ٤٦.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٢١ ، ح ١٢.

(٩) تفسير العياشي ١ / ٢١ ، ح ١٦.

(١٠) ليس في المصدر.

١٤

وفي كتاب الخصال (١) : عن الأعمش ، عن جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ انه قال : والإجهار ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة ، واجب.

واعلم : ان بعض تلك الأخبار يدل على أنها آية. وبعضها يؤيده.

وأما فضلها :

ففي تفسير العياشي (٢) : عن صفوان الجمّال ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ ما أنزل الله من السماء كتابا الا وفاتحته (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وانما كان يعرف انقضاء السورة ، بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» ابتداء للأخرى.

وفي الكافي (٣) : محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسين بن علي ، عن عباد ابن يعقوب ، عن عمرو بن مصعب ، عن فرات بن أخصف (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : سمعته يقول : أول كل كتاب نزل من السماء ، (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) «فلا تبال أن لا» (٥) تستعيذ.

وإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) سترتك فيما بين السماء والأرض.

ويمكن الجمع بين هذين الخبرين. وخبر سليمان السابق ، أن غير سليمان أعطي البسملة ، بغير العربية. وسليمان ، أعطيها بالعربية.

وفي أصول الكافي (٦) : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام : لا تدع (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وان كان بعده شعر.

__________________

(١) الخصال / ٦٠٤ ، ضمن ح ٩.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩ ، ح ٥.

(٣) الكافي ٣ / ٣١٣ ، ح ٣.

(٤) المصدر : أخنف.

(٥) المصدر : فلا تبالي الا.

(٦) الكافي ٢ / ٦٧٣ ، ح ١.

١٥

عدة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن علي ، عن يوسف بن عبد السلام ، عن سيف بن هرون ، مولى آل جعدة ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام : أكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من أجود كتابك. ولا تمد الباء حتى ترفع السين.

عنه (٢) : عن علي بن الحكم ، عن الحسن بن السري ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : تكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لفلان. ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

عدة من أصحابنا (٣) ، عن سهل بن زياد ، عن إدريس الحارثي ، عن محمد ابن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام : احتجبوا (٤) من الناس كلهم ، «ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» و «بقل هو الله أحد» ، اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا دخلت على سلطان جائر ، فاقرأها حين تنظر اليه ، ثلاث مرات. واعقد بيدك اليسرى.

ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده.

وفي كتاب التوحيد (٥) : بإسناده الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حديث طويل وفيه : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : من حزنه أمر يتعاطاه (٦) فقال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو يخلص (٧) لله ويقبل بقلبه اليه ، لم ينفك من احدى اثنتين اما بلوغ حاجته في الدنيا ، واما يعد له عند ربه ، ويدخر لديه. وما عند الله خير

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢ ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢ ، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦٢٤ ، ح ٢٠.

(٤) نفس المصدر : يا مفضل ، احتجز.

(٥) التوحيد / ٢٣٣ ، ذيل ح ٥.

(٦) المصدر : تعاطاه.

(٧) المصدر : مخلص.

١٦

وأبقى للمؤمنين.

وفيه (١) : عن الصادق ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ وفيه : ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فيمتحنه الله ـ عز وجل ـ بمكروه لينبّهه على شكر الله ـ تبارك وتعالى ـ والثناء عليه ، ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

وفي تهذيب الأحكام (٢) : محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن حماد بن زيد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أقرب الى اسم الله الأعظم من ناظر العين الى بياضها.

وفي مهج الدعوات (٣) : بإسناده الى محمد بن الحسن الصفار ، من كتاب فضل الدعاء ، بإسناده الى معاوية بن عمار ، عن الصادق ـ عليه السلام ـ انه قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، اسم الله الأكبر. أو قال : الأعظم.

وبرواية ابن عباس (٤) : قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) اسم من أسماء الله الأكبر. وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، الا كما بين سواد العين وبياضها.

وفي عيون الأخبار (٥) : بإسناده الى محمد بن سنان ، عن الرضا (٦) ـ عليه السلام قال : ان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أقرب الى اسم الله الأعظم من سواد العين الى بياضها.

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣١ ، ضمن ح ٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٨٩ ، ح ١١٥٩.

(٣) مهج الدعوات / ٣١٦.

(٤) مهج الدعوات / ٣١٩.

(٥) عيون الاخبار ٢ / ٥.

(٦) المصدر : الرضا ، على بن موسى.

١٧

وفي كتاب علل الشرائع (١) : بإسناده الى الصادق ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ يقول فيه ـ عليه السلام ـ بعد أن حكى عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما رأى ، إذ عرج به وعلة الأذان والافتتاح : فلما فرغ من التكبير والافتتاح قال الله ـ عز وجل : الآن وصلت الي. فسمّ باسمي! فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)».

فمن ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أول السورة (٢).

ثم قال له : أحمدني.

فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)».

وقال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في نفسه : شكرا.

فقال الله : يا محمد! قطعت حمدي. فسم باسمي.

فمن (٣) ذلك جعل في (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مرتين.

فلما بلغ (وَلَا الضَّالِّينَ) ، قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، شكرا.

فقال العزيز الجبار : قطعت ذكري. فسم باسمي.

[فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»] (٤).

فمن [أجل] (٥) ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، بعد الحمد ، في استقبال السورة الأخرى.

__________________

(١) علل الشرائع / ٣١٥.

(٢) المصدر : كل سورة.

(٣) المصدر : فمن أجل.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) يوجد في المصدر.

١٨

وفي تفسير العياشي (١) : قال الحسن بن خرزاد ، وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : إذا أم الرجل القوم ، جاء شيطان الى الشيطان الذي هو قريب الامام ، فيقول : هل ذكر الله؟ يعني : [هل] (٢) قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»؟

فان قال : نعم. هرب منه ، وان قال : لا. ركب عنق الامام ، ودلى رجليه في صدره.

فلم يزل الشيطان أمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم.

وفي الكافي : (٣) علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ـ جميعا ـ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل «(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، بسم الله والله أكبر».

(بِسْمِ اللهِ)».

«الباء» ، متعلقة بمحذوف. تقديره ، بسم الله أقرأ ، لان الذي يتلوه مقروء.

وكذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية ، مبدءا له ، دون أبدء لعدم ما يطابقه ، أو ابتدائي ، لزيادة إضمار فيه.

وتقديم المفعول هنا ، كما في (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (٤). لأنه أهم.

لكونه أدل على الاختصاص ، وأدخل في التعظيم ، وأوفق للوجود.

فان اسمه تعالى ، متقدم على القراءة ، من حيث أنه جعل آلة لها ، من أجل أن الفعل لا يتم ولا يعتد به شرعا ، ما لم يصدر باسمه تعالى (٥).

«فالباء» للاستعانة. وقيل (٦) : للمصاحبة. والمعنى : متبركا باسم الله أقرأ.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٠.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) الكافي ٤ / ٢٨٥ ، ضمن ح ٢.

(٤) هود / ٤١.

(٥) أنور التنزيل ١ / ٥.

(٦) نفس المصدر.

١٩

وهو أحسن ، لرعاية الأدب. ولم يزد في هذا المقام على هذين الاحتمالين.

وهذا وما بعده ، مقول على ألسنة العباد ، ليعلموا كيف يتبرك باسمه ، ويحمد على نعمه.

ويحتمل أنه تعالى ، صدر كتابه به للاشعار بأن التصدير به في كل فعل ، وتأليف أمر ، واجب. وان كان مؤلفه هو الله سبحانه.

والتعبير بلفظ الغائب ، للتعظيم. كقول بعض الخلفاء : الأمير ، يأمرك بكذا.

وكسر الباء ولام الامر ولام الاضافة ، داخلا على المظهر. وحق الحروف المفردة ، الفتح ، لاختصاصها بلزوم الجر والامتياز عن لام الابتداء. وانما كان حقها ذلك. لأنه أخت السكون في الخفّة.

والاسم عند أهل البصرة ، من الأسماء المحذوفة الأعجاز ، لكثرة الاستعمال المبنية أوائلها على السكون. وهي عشرة : اسم واست وابن وابنة وابن واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وأيمن في القسم عند البصرية ، أدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل. لان من دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك ويقفوا على الساكن.

ومنهم : من ابتدأ بتحريك الساكن ، فقال : سم وسم. فقال : «بسم» الذي في كل سورة ، سمه. واشتقاقه من السموّ ، لأنه رفعة للمسمى ، واشارة اليه.

ويدل عليه تصريفه على أسماء وأسامي وسمى وسميت. ومجيء سمى كهدى. قال :

والله أسماك سمى مباركا

آثرك الله به تباركا

ومن المقلوبة الأوائل عند الكوفيين أصله «وسم» ، قلبت واوه همزة.

وقيل (١) : حذفت واوه ، وعوضت عنها همزة الوصل ، ليقل إعلاله.

ورد بأن الهمزة لم يعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم.

ورد بأن كلمة «أنصر» قد حذفت منها التاء وأدخلت عليها الهمزة. ورد ذلك بأن غير المعهود ، ما حذف صدره ، وأدخلت عليه الهمزة وهو ليس كذلك. وأجيب

__________________

(١) البيضاوي ، أنوار التنزيل ١ / ٦.

٢٠