لينظروا ما حال أهل المعصية. فأتوا باب المدينة ، فإذا هو مصمت. فدقّوه ، فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حسّ أحد (١). فوضعوا سلّما على سور المدينة ، ثمّ أصعدوا رجلا منهم.
فأشرف على المدينة فنظر ، فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون ، [لها أذناب] (٢).
فقال الرّجل لأصحابه : يا قوم ، [أرى والله] (٣) عجبا.
قالوا : وما ترى؟
قالوا : أرى القوم [قد صاروا] (٤) قردة [يتعاوون لها أذناب] (٥).
فكسروا الباب ودخلوا المدينة (٦).
قال : فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة.
فقال القوم للقردة : ألم ننهكم؟
قال : فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : والله الّذي خلق الحبّة وبرأ النّسمة ، إنّي لأعرف أنسابها من هذه الأمّة. لا ينكرون ولا يغيّرون ، بل تركوا ما أمروا به فتفرّقوا. وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فقال الله : (أَنْجَيْنَا) (٧) (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن عليّ بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة. فتركوا يوم الجمعة ، وأمسكوا (٩) يوم السّبت.
عن (١٠) هارون بن [عبيد ، رفعه] (١١) إلى أحدهم قال : جاء نفر إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بالكوفة ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذه الجراري تباع في أسواقنا.
قال : فتبسّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ضاحكا. ثمّ قال : قوموا لأريكم عجبا.
ولا تقولوا في وصيّكم إلّا خيرا.
فقاموا معه ، فأتوا بشاطئ. فتفل فيه تفلة وتكلّم بكلمات ، فإذا بجرّيّة رافعة
__________________
(١) المصدر : «خبر أحد» بدل «حسّ أحد».
(٢) ليس في المصدر.
(٣ و ٤ و ٥) ـ من المصدر.
(٦) سقط من المصدر : ودخلوا المدينة.
(٧) في المصدر : «وأنجينا» والواو زائدة.
(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٣٤ ، ح ٩٤.
(٩) المصدر : فأمسكوا.
(١٠) تفسير العيّاشي ٢ / ٣٥ ، ح ٩٦.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : عبد الله.
رأسها فاتحة فاها.
فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : من أنت؟ الويل لك ولقومك.
فقال : نحن من أهل القرية الّتي كانت حاضرة البحر. إذ يقول الله في كتابه : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) (الآية). فعرض الله علينا ولايتك ، فقعدنا عنها ، فمسخنا الله. فبعضنا في البرّ ، وبعضنا في البحر. فأمّا الّذين في البحر ، فنحن الجراري.
وأمّا الّذين في البرّ ، فالضّبّ واليربوع.
قال : ثمّ التفت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ إلينا فقال : أسمعتم مقالتها؟
قلنا : اللهم ، نعم.
قال : والّذي بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، لتحيض ، كما تحيض نساؤكم.
عن طلحة بن زيد (١) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) (٢) (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) (٣).
قال : افترق القوم ثلاث فرق : فرقة نهت (٤) واعتزلت ، وفرقة أقامت ولم تقارف الذّنوب ، وفرقة قارفت الذّنوب. فلم تنج من العذاب إلّا من نهى (٥).
قال جعفر : قلت لأبي جعفر : ما صنع بالّذين أقاموا ولم يقارفوا الذّنوب؟
قال : بلغني أنّهم صاروا ذرّا.
وفي روضة الكافي (٦) : سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتمروا وأمروا ، فنجوا وصنف ائتمروا ولم يأمروا ، فمسخوا ذرّا ، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا ، فهلكوا.
وفي كتاب الخصال (٧) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ).
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٣٥ ، ح ٩٧.
(٢) هود / ٦٢.
(٣) الأعراف / ١٦٥.
(٤) المصدر : انتهت.
(٥) المصدر : انتهت.
(٦) الكافي ٨ / ١٥٨ ، ح ١٥١.
(٧) الخصال / ١٠٠ ، ح ٥٤.
قال : كانوا ثلاثة أصناف : فصنف ائتمروا وأمروا ، [فنجوا] (١) ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا ، [فمسخوا ذرّا] (٢) وصنف لم يأمروا ولم يأتمروا ، فهلكوا.
وفي مجمع البيان (٣) : وردت الرّواية عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ لم يمسخ (٤) شيئا فجعل له نسلا وعقبا.
وفي من لا يحضره الفقيه (٥) : وقد روي أنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيّام. وأنّ هذه مثلها (٦) ، فنهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عن أكلها.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) : أي : أعلم. تفعّل ، من الإيذان بمعناه ، كالتّوعّد والإيعاد.
أو عزم ، لأنّ العازم على الشّيء يؤذن نفسه بفعله. فأجري مجرى فعل القسم ، كعلم الله ، وشهد الله. ولذلك أجيب بجوابه ، وهو : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).
والمعنى : وإذ أوجب ربّك على نفسه ليسلطنّ على اليهود.
(مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) : كالإذلال وضرب الجزية.
بعث الله (٧) عليهم بعد سليمان ـ عليه السّلام ـ بخت نصّر. فقتل مقاتليهم ، وخرّب ديارهم ، وسبى نساءهم وذراريّهم ، وضرب الجزية على من بقي منهم. وكانوا يؤدّونها إلى المجوس حتّى بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ ففعل ما فعل بهم ، ثمّ ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدّهر.
وفي مجمع البيان (٨) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إنّ المعنيّ بهم : أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) : عاقبهم في الدّنيا.
(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٧) : لمن تاب وآمن.
(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) : وفرّقناهم فيها ، بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمّة لأدبارهم حتّى لا يكون لهم شوكة قطّ.
و «أمما» مفعول ثان ، أو حال.
__________________
(١ و ٢) ـ من المصدر.
(٣) مجمع البيان ٢ / ٤٩٣.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لم ينسخ.
(٥) الفقيه ٣ / ٢١٣ ، ح ٩٨٩.
(٦) المصدر : مثل لها.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٥.
(٨) مجمع البيان ٢ / ٤٩٤.
(مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) : صفة ، أو بدل منه. وهم الّذين آمنوا بالمدينة ، ونظراؤهم.
(وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) :
تقديره : ومنهم ناس دون ذلك منحطّون عن الصّلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم.
(وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) : بالنّعم والنّقم.
(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٦٨) : ينتهون ، فيرجعون عمّا كانوا عليه.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) : من بعد المذكورين.
(خَلْفٌ) : بدل سوء. مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع.
وقيل (١) : جمع. وهو ، بالتّسكين ، شائع في الشّرّ. وبالفتح في الخير. والمراد به : الّذين كانوا في عصر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(وَرِثُوا الْكِتابَ) : التّوراة من أسلافهم ، يقرءونها ويقفون على ما فيها.
(يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) : حطام هذا الشّيء الأدنى ، يعني : الدّنيا. وهو من الدّنو ، أو الدّناءة.
قيل (٢) : هو ما كانوا يأخذون من الرّشا في الحكومة ، وعلى تحريف الكلم.
[للتّسهيل على العامّة] (٣) والجملة حال من «الواو».
(وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) ، أي : لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه.
وهو يحتمل العطف والحال على تقدير المبتدأ ، أي : وهم يقولون. والفعل مسند إلى الجارّ والمجرور ، أو مصدر «يأخذون».
(وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) : حال من الضّمير في «لنا» ، أي : يرجون المغفرة ، مصرّين على الذّنب ، عائدين إلى مثله ، غير تائبين عنه.
(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) ، أي : في الكتاب.
(أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) : عطف بيان «للميثاق». أو متعلّق به ، أي : بأن لا يقولوا.
والمراد : توبيخهم على البتّ بالمغفرة مع عدم التّوبة ، والدّلالة على أنّه افتراء
__________________
(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٧٥.
(٣) ليس في المصدر.
على الله وخروج عن ميثاق الكتاب.
(وَدَرَسُوا ما فِيهِ) : عطف على «ألم يؤخذ» من حيث المعنى ، فإنّه تقرير. أو على «ورثوا» وهو اعتراض.
وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس [بن عبد الرحمن] (٢) ، عن أبي يعقوب ، إسحاق بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله خصّ عباده بآيتين من كتابه. أن لا يقولوا حتّى يعلموا ولا يردّوا ما لم يعلموا. قال ـ عزّ وجلّ ـ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ). وقال : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) (٣).
وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن إسحاق بن عبد العزيز قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : خصّ الله هذه الأمّة بآيتين من كتابه ، أن لا يقولوا ما لا يعلمون [وألّا يردّوا ما لا يعلمون] (٥). ثمّ قرأ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) (الآية). وقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ـ الى قوله ـ : (الظَّالِمِينَ).
عن أبي السفاتج (٦) قال (٧) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : آيتان (٨) في كتاب الله خصّ الله النّاس ، ألّا يقولوا ما لا يعلمون. قول الله : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ). وقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ).
وفي نهج البلاغة (٩) : ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي [نقضه ، ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الّذي نبذه] (١٠) فالتمسوا ذلك عند أهله ، فإنّهم عيش العلم وموت الجهل. هم الّذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدّين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صدق وصامت ناطق.
(وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) : محارم الله ممّا يأخذ هؤلاء.
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٣ ، ح ٨.
(٢) من المصدر.
(٣) يونس / ٤٠.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٢٣ ، ح ٢٢.
(٥) من المصدر.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أبي الفاتح.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ١٢٢ ، ح ٢١.
(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : آيتين.
(٩) نهج البلاغة / ٢٠٦. (١٠) من المصدر. وفي النسخ : «بعده» بدل هذه العبارة.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦٩) : فيعلموا ذلك ، ولا يستبدلوا الأدنى الدّنيء المؤدّي إلى العقاب بالنّعيم المخلّد.
وقرأ (١) نافع وابن عامر وحفص ويعقوب ، بالتّاء ، على التّلوين.
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) : عطف على «الّذين يتّقون».
وقوله : «أفلا تعقلون» اعتراض ، أو مبتدأ خبره (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (١٧٠) ، على تقدير منهم. أو وضع الظّاهر موضع المضمر ، تنبيها على أنّ الإصلاح ، كالمانع من التّضييع.
وقرأ (٢) أبو بكر : «يمسكون» بالتّخفيف. وإفراد الإقامة ، لأنافتها على سائر أنواع التّمسّكات.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : نزلت في آل محمّد وأشياعهم.
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) ، أي : قلعناه ورفعناه فوقهم.
وأصل النّتق : الجذب.
(كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) : سقيفة. وهي كلّ ما أظلّك.
(وَظَنُّوا) : وتيقّنوا.
(أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) : ساقط عليهم. لأنّ الجبل لا يثبت في الجوّ ، ولأنّهم كانوا يوعدون به.
وإنّما أطلق الظّنّ ، لأنّه لم يقع متعلّقه. وذلك أنّهم أبوا أن يقبلوا أحكام التّوراة لثقلها ، فرفع الله الطّور فوقهم. وقيل لهم : إن قبلتم ما فيها وإلّا ليقعنّ عليكم.
(خُذُوا) : على إضمار القول ، وقلنا : خذوا. أو قائلين : خذوا.
(ما آتَيْناكُمْ) : من الكتاب.
(بِقُوَّةٍ) : بجدّ وعزم على تحمّل مشاقّه. وهو حال من «الواو».
وفي تفسير العيّاشي (٤) : وفي رواية إسحاق بن عمّار ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية : أقوّة في الأبدان أم قوّة في القلوب؟
__________________
(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٧٦.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٤٦.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ٣٧ ، ح ١٠.
قال : فيهما جميعا.
عن محمّد بن أبي حمزة (١) ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ).
قال : السّجود ، ووضع [اليدين على] (٢) الركبتين في الصّلاة.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) : بالعمل به ، ولا تتركوه ، كالمنسيّ.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧١) : قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : لمّا أنزل الله التّوراة على بني إسرائيل ، لم يقبلوه. فرفع الله عليهم جبل طور سيناء ، فقال لهم موسى ـ عليه السّلام ـ : إن لم تقبلوا ، وقع عليكم الجبل. فقبلوه وطأطئوا (٤) رؤوسهم.
وفي كتاب الاحتجاج (٥) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أبي عبد الله (٦) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال السّائل : أخبرني عن طائر طار مرّة ولم يطر قبلها ولا بعدها ذكره الله في القرآن ، ما هو؟
فقال : طور سيناء ، أطاره الله ـ عزّ وجلّ ـ على بني إسرائيل حين أظلّهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتّى قبلوا التّوراة. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (الآية).
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) قيل (٧) : أي : أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن.
و «من ظهورهم» بدل من «بني آدم» بدل البعض.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب : «ذرّيّاتهم».
(وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ).
قيل (٨) : أي : نصب لهم دلائل ربوبيّته وركّب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها ، حتّى صاروا بمنزلة من قيل لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). فنزّل تمكينهم من العلم
__________________
(١) نفس المصدر والموضع ، ح ١٠٢.
(٢) من المصدر.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٤٦.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ طأطأ.
(٥) الاحتجاج ٢ / ٦٥.
(٦) المصدر عن الباقر.
(١ و ٨) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٧٦.
بها وتمكنّهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التّمثيل. ويدلّ عليه (قالُوا بَلى شَهِدْنا).
وقيل (١) : لا يبعد أن يكون ذلك النّطق باللّسان الملكوتيّ في العالم المثاليّ ، الّذي دون عالم العقل. فإنّ لكلّ شيء ملكوتا في ذلك العالم ، كما أشير إليه بقوله ـ سبحانه ـ : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ). والملكوت باطن الملك ، وهو كلّه حياة. ولكلّ ذرّة لسان ملكوتي ناطق بالتّسبيح والتّمجيد والتّوحيد والتّحميد. وبهذا اللّسان نطق الحصى في كفّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وبه تنطق الأرض يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ، وبه تنطق الجوارح. أنطقنا الله ، الّذي أنطق كلّ شيء.
(أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : كراهة أن تقولوا.
(إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (١٧٢) : لم ننبّه عليه.
(أَوْ تَقُولُوا) : عطف على «أن تقولوا».
وقرأ أبو عمرو (٢) كليهما ، بالياء. لأنّ أوّل الكلام على الغيبة.
(إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) : فاقتدينا بهم. لأنّ التّقليد عند قيام الدّليل والتّمكّن من العلم به لا يصلح عذرا.
(أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١٧٣) ، يعني : آباءهم المبطلين بتأسيس الشّرك.
وقيل (٣) : لمّا خلق الله آدم ، أخرج من ظهره ذرّيّة ، كالذّرّ. وأحياهم وجعل لهم العقل والنّطق ، وألهمهم ذلك.
وعلى هذا تدلّ صريحا الأحاديث الإماميّة.
والمقصود من إيراد هذا الكلام ـ ها هنا ـ إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العامّ بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم ، والاحتجاج عليهم بالحجج السّمعيّة والعقليّة ، ومنعهم عن التّقليد ، وحملهم على النّظر والاستدلال ، كما قال : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٧٤) : عن التّقليد واتّباع الباطل.
وفي كتاب التّوحيد (٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم
__________________
(١) تفسير الصافي ٢ / ٢٥١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٦.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.
(٤) التوحيد / ٣٣٠ ـ ٣٣١.
بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية.
فقال : أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة ، فخرجوا ، كالذّرّ. فعرّفهم نفسه ، وأراهم صنعه. ولو لا ذلك ، لم يعرف أحد ربّه.
أبي (١) ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أصلحك الله ، قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
قال : فطرهم على التّوحيد عند الميثاق ، وعلى معرفة (٢) أنّه ربّهم.
قلت : وخاطبوه؟
قال : فطأطأ رأسه. ثمّ قال : لولا ذلك ، لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم.
وفيه (٣) ، بإسناده إلى أبي بصير : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : أخبرني عن الله ـ عزّ وجلّ ـ هل يراه المؤمنون (٤) يوم القيامة؟
قال : نعم ، وقد رأوه (٥) قبل يوم القيامة.
فقلت متى؟
قال : حين قال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).
ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال : وإنّ المؤمنين ليرونه في الدّنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا!؟
قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك ، فأحدّث بهذا عنك؟
فقال : لا. فإنّك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ، ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه ، كفر. وليست الرّؤية بالقلب كالرّؤية بالعين. تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون والملحدون.
وفي أصول الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة : أنّ رجلا سأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.
__________________
(١) التّوحيد / ٣٣٠ ، ح ٧.
(٢) المصدر : معرفته.
(٣) التوحيد / ١١٧ ، ح ٢٠.
(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : المؤمن.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : رآه.
(٦) الكافي ٢ / ٧ ، ح ٢.
فقال ، وأبوه يسمع : حدّثني أبي ، أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قبض قبضة من تراب التربة الّتي خلق منها آدم ـ عليه السّلام ـ. فصبّ عليها الماء العذب الفرات ، ثمّ تركها أربعين صباحا. ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج ، فتركها أربعين صباحا. فلمّا اختمرت الطّينة أخذها فعركها عركا شديدا. فخرجوا ، كالذّرّ من يمينه وشماله. وأمرهم جميعا أن يقعوا في النّار. فدخل أصحاب اليمين ، فصارت عليهم بردا وسلاما. وأبى أصحاب الشّمال أن يدخلوها.
عليّ بن إبراهيم (١) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كيف أجابوا وهم ذرّ؟
فقال : جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ، يعني : في الميثاق.
محمّد بن الحسن (٢) ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن داود الرّقيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : لمّا أراد الله أن يخلق الخلق ، نثرهم (٣) بين يديه.
فقال لهم : من ربّكم؟
فأول من نطق رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ، فقالوا : أنت ربّنا.
فحمّلهم العلم والدّين.
ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي ، وأمنائي في خلقي ، وهم المسئولون.
ثمّ قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبيّة (٤) ، ولهؤلاء النّفر بالولاية والطّاعة.
فقالوا : نعم ، ربّنا ، أقررنا.
فقال الله للملائكة : اشهدوا.
قال الملائكة : شهدنا.
قال : على أن لا يقولوا غدا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا) (الآية).
__________________
(١) الكافي ٢ / ١٢ ، ح ١.
(٢) الكافي ١ / ١٣٣.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : نشرهم.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أقرّوا بالله بالعبوديّة.
يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق.
محمّد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا ، وهم ذرّ ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ. بالإقرار له بالرّبوبيّة ، ولمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوّة. وعرض الله ـ عزّ وجلّ ـ على محمّد أمّته في الطّين ، وهم أظلّة. وخلقهم من الطّينة الّتي خلق منها آدم. وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليهم (٢) ، وعرّفهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وعرّفهم عليّا. ونحن نعرفهم في لحن القول.
عدّة من أصحابنا (٣) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ بعض قريش قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بأيّ شيء سبقت الأنبياء ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟
قال : إنّي كنت أوّل من آمن بربّي ، وأوّل من أجاب حين أخذ الله ميثاق.
النّبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). فكنت أنا أوّل نبيّ قال : بلى. فسبقتهم بالإقرار بالله.
محمّد بن يحيى (٤) ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان بن مسلم ، عن صالح بن سهيل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بأيّ شيء سبقت ولد آدم؟
قال : إنّني أوّل من أقرّ بربّي. إنّ الله أخذ ميثاق النّبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). فكنت أوّل من أجاب.
محمّد بن يحيى (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن داود العجليّ ، عن زرارة ، عن حمران ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث خلق الخلق ، خلق ماء عذبا وماء مالحا [أجاجا] (٦) ، فامتزج الماءان. فأخذ طينا من أديم الأرض ، فعركه عركا شديدا.
فقال لأصحاب اليمين ، وهم كالذّرّ يدبّون : إلى الجنّة بسلام. وقال لأصحاب
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ، ح ٩.
(٢) المصدر : عليه.
(٣) الكافي ١ / ٤٤١ ، ح ٦.
(٤) الكافي ٢ / ١٢ ، ح ٣.
(٥) الكافي ٢ / ٨ ، ح ١.
(٦) من المصدر.
الشّمال : إلى النّار. ولا أبالي.
ثمّ قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى شَهِدْنا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).
ثمّ أخذ الميثاق على النّبيّين فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ، وأنّ (١) هذا محمّد رسولي ، وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟
(قالُوا بَلى).
فثبتت لهم النّبوّة. وأخذ الميثاق على أولي العزم ، إنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ أمير المؤمنين. وأوصياؤه من بعده ولاة أمري ، وخزّان علمي ـ عليهم السّلام ـ. وأنّ المهديّ أنتصر به لديني ، وأظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، وأعبد به طوعا وكرها.
قالوا : أقررنا به ، يا ربّ ، وشهدنا.
ولم يجحد آدم ولم يعزم (٢) ، فثبت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ. ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به ، وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٣).
قال : إنّما هو فترك.
ثمّ أمر نارا فأجّجت ، فقال لأصحاب الشّمال : ادخلوها.
فهابوها.
فقال لأصحاب اليمين : ادخلوها.
فدخلوها ، فكانت عليهم بردا وسلاما.
فقال أصحاب الشّمال : يا ربّ ، أقلنا.
فقال : قد أقلتكم ، اذهبوا فادخلوها.
فهابوها. فثمّ (٤) ثبتت الطّاعة والولاية والمعصية.
عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فان.
(٢) المصدر : لم يقر.
(٣) طه / ١١٥.
(٤) ثم : هناك.
(٥) الكافي ٢ / ١٢ ، ح ٢.
(فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها). ما تلك الفطرة؟
قال : هي الإسلام. فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التّوحيد ، قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ). وفيه المؤمن والكافر.
محمّد بن يحيى ، (١) عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ رجلا جاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهو مع أصحابه ، فسلّم عليهم. ثمّ قال له : أنا ، والله ، أحبّك وأتولّاك.
[فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كذبت. قال : بلى ، والله إني أحبّك وأتولّاك. فكرّر ثلاثا.] (٢) فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كذبت ، ما أنت كما قلت. إنّ الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام. ثمّ عرض علينا المحبّ لنا. فو الله ، ما رأيت روحك فيمن عرض. فأين كنت!؟ فسكت الرّجل عند ذلك ، ولم يراجعه.
وفي رواية أخرى : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كان في النّار.
وفي كتاب علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى حبيب قال : حدّثني الثّقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أخذ ميثاق العباد وهم أظلّة قبل الميلاد. فما تعارف من الأرواح ، ائتلف. وما تناكر منها ، اختلف.
وبإسناده (٤) إلى حبيب ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما تقول في [الأرواح] (٥) أنّها جنود مجنّدة. فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف.
اختلف.
قال : فقلت : إنّا نقول ذلك.
قال (٦) : فإنّه كذلك. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أخذ من العباد ميثاقهم ، وهم أظلّة قبل الميلاد. وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) (إلى آخر الآية).
قال : فمن أقرّ به يومئذ ، جاءت إلفته (٧) ها هنا. ومن أنكره يومئذ [جاء] (٨) خلافه
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٣٨ ، ح ١.
(٢) من المصدر.
(٣) العلل / ٨٤ ، ح ١.
(٤) العلل / ٨٤ ـ ٨٥ ، ح ٢.
(٥) من المصدر.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المصدر : الألفة.
(٨) من المصدر.
ها هنا.
أبي (١) ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).
قال : ثبتت المعرفة ونسوا الوقت (٢) ، وسيذكرونه يوما. ولولا ذلك ، لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه.
وفي أمالي (٣) شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى جابر : عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لعليّ ـ عليه السّلام ـ : أنت الّذي احتجّ الله بك في ابتدائه الخلق ، حيث أقامهم أشباحا.
فقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟
(قالُوا بَلى).
قال ومحمّد رسولي؟
قالوا : بلى.
قال : وعليّ أمير المؤمنين (٤) فأبى الخلق جميعا إلّا استكبارا ، وعتوّا عن ولايتك إلّا نفر قليل. وهم أقلّ القليل. وهم أصحاب اليمين.
وفي عوالي اللئالي (٥) : وقال ـ عليه السّلام ـ أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان (٦) ، يعني : عرفه. فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّة ذرأها ، فنشرهم بين يديه كالذّرّ. ثمّ كلّمهم.
وتلا : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى).
وفي تهذيب الأحكام (٧) ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ومننت علينا بشهادة الإخلاص لك بموالاة أوليائك الهداة المهديّين (٨) من بعد
__________________
(١) العلل / ١١٧ ـ ١١٨ ، ح ٢.
(٢) المصدر : الموقت ، وفي نسخة : «الموقف» كما في البحار ٥ / ٢٤٣.
(٣) أمالي الطوسي ١ / ٢٣٨.
(٤) المصدر : وعليّ بن أبي طالب وصيّي؟
(٥) عوالي اللئالي ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، ح ٢٤٧.
(٦) قال الجوهريّ في الصحاح : نعمان ـ بالفتح ـ : واد في طريق الطائف ، يخرج إلى عرفات.
(٧) التهذيب ٣ / ١٤٦.
(٨) ليس في المصدر.
النّذير المنذر والسّراج المنير ، وأكملت الدّين بموالاتهم والبراءة من عدوّهم ، وأتممت علينا النّعمة الّتي جدّدت لنا عهدك وذكّرتنا ميثاقك المأخوذ منّا في مبدأ خلقك إيّانا ، وجعلتنا من أهل الإجابة ، وذكّرتنا العهد والميثاق ولم تنسنا ذكرك. فإنّك قلت : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى) (١) (شَهِدْنا) بمنّك ولطفك ، بأنّك أنت الله لا إله إلّا أنت ربّنا ، ومحمّد عبدك ورسولك نبيّنا ، وعليّ أمير المؤمنين والحجّة العظمى وآيتك الكبرى والنّبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون.
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن جابر قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا جابر ، لو يعلم الجهّال متى سمّي أمير المؤمنين عليّ لم ينكروا حقّه.
قال : قلت : جعلت فداك ، متى سمّي؟
فقال لي : قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) أنّي (٣) (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ، وأنّ محمّدا (٤) رسول الله ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين.
قال : ثمّ قال لي : يا جابر ، هكذا والله جاء بها محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
عن ابن مسكان (٥) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ أمّتي عرضت عليّ في الميثاق. فكان أوّل من آمن بي عليّ ، وهو أوّل من صدّقني حين بعثت. وهو الصّدّيق الأكبر والفاروق ، يفرق بين الحقّ والباطل.
عن أبي بصير (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). قالوا بألسنتهم؟
قال : نعم ، وقالوا بقلوبهم.
فقلت : وأيّ شيء كانوا يومئذ؟
قال : صنع منهم ما اكتفى به.
__________________
(١) المصدر : بلى ، اللهم بلى ....
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤١ ، ح ١١٤.
(٣) المصدر : إلى.
(٤) المصدر : محمّدا [نبيّكم].
(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ١١٥.
(٦) نفس المصدر ٢ / ٤٠ ، ح ١١٠.
عن جابر (١) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : من (٢) سمّي أمير المؤمنين [أمير المؤمنين] (٣)؟
قال : قال : الله (٤) ، أنزلت هذه الآية على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وأن محمدا رسول الله (٥) وأن عليا أمير المؤمنين.
فسمّاه الله ـ والله ـ أمير المؤمنين.
عن الأصبغ بن نباتة (٦) ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : أتاه ابن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الله ـ تبارك وتعالى ـ. هل كلّم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟
فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : قد كلّم الله جميع خلقه ، برّهم وفاجرهم ، وردّوا عليه الجواب.
فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه ، فقال له : كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟
فقال له : أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول (٧) لنبيّه : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)؟ فقد أسمعهم كلامه.
وردّوا عليه الجواب ، كما تسمع في قول الله ـ يا ابن الكواء ـ (قالُوا بَلى). فقال لهم : إنّي أنا الله. لا إله إلّا أنا. وأنا الرّحمن [الرحيم] (٨). فأقرّوا له بالطّاعة والرّبوبيّة. وميّز الرّسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم ، وأقرّوا بذلك في الميثاق (٩). فقالت الملائكة عند إقرارهم [بذلك] (١٠) : شهدنا عليكم يا بني آدم (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).
عن رفاعة (١١) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).
__________________
(١) نفس المصدر ٢ / ٤١ ، ح ١١٣.
(٢) المصدر : متى. والصحيح ما في المتن بقرينة الجواب.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر : والله.
(٥) المصدر : رسول الله [نبيّكم].
(٦) نفس المصدر ٢ / ٤١ ـ ٤٢ ، ح ١١٦.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : وقال.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذلك.
(١٠) من المصدر.
(١١) نفس المصدر ٢ / ٣٧ ، ح ١٠٣.
قال : نعم (١) ، لله الحجّة على جميع خلقه يوم الميثاق هكذا. وقبض يده.
وفي الكافي (٢) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرّحمن الحذّاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ لا يرى بالعزل بأسا. فقرأ (٣) هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). فكلّ شيء أخذ الله منه الميثاق ، فهو خارج ، وإن كان على صخرة صمّاء.
محمّد بن يحيى (٤) وغيره ، عن أحمد ، عن موسى بن عمر ، عن ابن سنان ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن بكير بن أعين قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لأيّ علّة وضع (٥) الحجر في الرّكن الّذي هو فيه ولم يوضع في غيره ، ولأيّ علّة يقبّل (٦) ، ولأيّ علّة أخرج من الجنّة ، و [لأيّ علّة] (٧) وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره ، وكيف السّبب في ذلك؟ تخبرني ، جعلني الله فداك. فإنّ تفكّري فيه لعجب (٨).
قال : فقال : سألت وأعضلت في المسألة (٩) واستقصيت ، فافهم الجواب ، وفرّغ قلبك ، وأصغ سمعك ، أخبرك إن شاء الله. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ وضع الحجر الأسود ، وهي جوهرة ، أخرجت من الجنّة إلى آدم ـ عليه السّلام ـ فوضعت في ذلك الرّكن لعلّة الميثاق. وذلك أنّه لمّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم ، حين أخذ الله عليهم الميثاق ، في ذلك المكان. [وفي ذلك المكان] (١٠) تراءى لهم. وفي (١١) ذلك المكان يهبط الطّير على القائم ـ عليه السّلام ـ. فأوّل من يبايعه ذلك الطّير. وهو ـ والله ـ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ. وإلى ذلك المكان يسند القائم ظهره. وهو الحجّة والدّليل على القائم. وهو الشّاهد لمن وافى (١٢) في ذلك المكان ، والشّاهد على من أدّى إليه الميثاق والعهد الّذي أخذ الله ـ عزّ وجلّ ـ على العباد.
__________________
(١) المصدر : أخذ.
(٢) الكافي ٥ / ٥٠٤ ، ح ٤.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أتقرأ.
(٤) الكافي ٤ / ١٨٤ ـ ١٨٦ ، ح ٣.
(٥) المصدر : وضع الله الحجر ...
(٦) المصدر : تقبّل.
(٧) من المصدر.
(٨) ب : لعجيب.
(٩) أي جئت بمسألة معضلة مشكلة.
(١٠) من المصدر.
(١١) المصدر : من.
(١٢) المصدر : وافا [ه].
فأمّا القبلة والالتماس ، فلعلّة العهد ، تجديدا لذلك العهد والميثاق ، وتجديدا للبيعة ، ليؤدّوا إليه العهد الّذي أخذ الله عليهم في الميثاق ، فيأتوه في كلّ سنة ويؤدّوا إليه ذلك العهد والأمانة اللّذين أخذ الله عليهم. ألا ترى أنّك تقول : أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة. والله ، ما يؤدّي ذلك أحد غير شيعتنا. ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا. وإنّهم ليأتوه ، فيعرفهم [ويصدّقهم] (١). ويأتيه غيرهم ، فينكرهم ويكذّبهم. وذلك أنّه لم يحفظ ذلك غيركم. فلكم ـ والله ـ يشهد ، وعليهم ـ والله ـ يشهد بالخفر (٢) والجحود والكفر.
وهو الحجّة البالغة من الله عليهم يوم القيامة. يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الأولى ، يعرفه الخلق ولا ينكره. يشهد لمن وافاه ، وجدّد العهد والميثاق عنده ، بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة. ويشهد على كلّ من أنكر وجحد ونسى الميثاق ، بالكفر والإنكار.
فأمّا علّة ما أخرجه الله من الجنّة ، فهل تدري ما كان الحجر؟
قلت : لا.
قال : كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله. فلمّا أخذ الله من الملائكة الميثاق ، كان أوّل من آمن به ، وأقرّ ذلك الملك. فاتّخذه الله أمينا على جميع خلقه. فألقمه الميثاق وأودعه عنده ، واستعبد (٣) الخلق أن يجدّدوا عنده في كلّ سنة الإقرار بالميثاق والعهد الّذي خذ الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. ثمّ جعله الله مع آدم في الجنّة يذكّره الميثاق ، ويجدّد عنده الإقرار في كلّ سنة.
فلمّا عصى آدم وأخرج من الجنّة ، أنساه الله العهد والميثاق الّذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولوصيّه ـ عليه السّلام ـ ، وجعله تائها حيرانا.
فلمّا تاب الله على آدم ، حوّل ذلك الملك في صورة درّة بيضاء. فرماه من الجنّة إلى آدم ، وهو بأرض الهند. فلمّا نظر إليه ، أنس إليه. وهو لا يعرفه بأكثر من أنّه جوهرة.
وأنطقه الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال له : يا آدم ، أتعرفني؟
قال : لا.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الخفر : نقض العهد ، والغدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : استقيد.
قال : أجل ، استحوذ عليك الشّيطان ، فأنساك ذكر ربّك.
ثمّ تحوّل إلى صورته الّتي كان مع آدم في الجنّة ، فقال لآدم : أين العهد والميثاق؟
فوثب آدم إليه ، وذكر الميثاق ، وبكى وخضع وقبّله ، وجدّد الإقرار بالعهد والميثاق. ثمّ حولّه الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جوهرة الحجر ، درّة بيضاء صافية تضيء. فحمله آدم ـ عليه السّلام ـ على عاتقه ، إجلالا له وتعظيما. فكان إذا أعيا ، حمله عنه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ حتّى وافى به مكّة. فما زال يأنس به بمكّة ، ويجدّد الإقرار له كلّ يوم وليلة.
ثمّ إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا بنى الكعبة ، وضع الحجر في ذلك المكان. لأنّه ـ تبارك وتعالى ـ حين أخذ الميثاق من ولد آدم ، أخذه في ذلك المكان. وفي ذلك [المكان] (١) ألقم الله الملك الميثاق ، ولذلك وضع في ذلك الرّكن. ونحّى (٢) آدم من مكان البيت إلى الصّفا ، وحوّاء إلى المروة ووضع الحجر في ذلك الرّكن.
فلمّا نظر آدم من الصّفا ، وقد وضع الحجر في الرّكن ، كبّر الله وهلّله ومجّده.
فلذلك جرت السّنّة بالتّكبير واستقبال الرّكن الّذي فيه الحجر من الصّفا. فإنّ الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا أخذ الميثاق له بالرّبوبيّة ، ولمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوّة ، ولعليّ ـ عليه السّلام ـ بالوصيّة ، اصطكّت (٣) فرائص (٤) الملائكة. فأوّل من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك ، ولم يكن فيهم أشدّ حبّا لمحمّد وآل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ منه. فلذلك اختاره الله من بينهم ، وألقمه الميثاق. وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ، ليشهد لكلّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق.
محمّد بن يحيى (٥) ، عن محمّد بن موسى ، عن العبّاس بن معروف ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال له رجل : كيف سمّيت الجمعة؟
قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جمع فيها خلقه لولاية محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ووصيّه في الميثاق. فسمّاه يوم الجمعة ، لجمعه فيه خلقه.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يجيء.
(٣) أي : ارتعدت.
(٤) جمع فريصة : لحمة بين الجنب والكتف.
(٥) الكافي ٣ / ٤١٥ ، ح ٧.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن ابن سنان قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أوّل من سبق (٢) إلى «بلى» رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ. وكان بالمكان الّذي قال له جبرئيل ـ عليه السّلام ـ لمّا أسري به إلى السّماء : تقدّم ، يا محمّد. فقد وطئت موطنا لم يطأه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. ولولا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان ، لما قدر أن يبلغه. فكان من الله ـ عزّ وجلّ ـ ، كما قال : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) ، أي : بل أدنى.
وحدّثني (٣) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية. قلت : معاينة كان هذا؟
قال : نعم فثبتت المعرفة ونسوا الموقف ، وسيذكرونه. ولو لا ذلك ، لم يدر أحد من خالقه ورازقه. فمنهم من أقرّ بلسانه في الذّر ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٤).
وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : وفي تفسير عليّ بن إبراهيم قال : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله أخذ الميثاق على النّاس لله (٦) بالرّبوبيّة ، ولرسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوّة ، ولعليّ أمير المؤمنين (٧) والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ بالإمامة. ثمّ قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ومحمّد نبيّكم وعليّ أميركم والأئمّة الهادون أولياؤكم؟ (قالُوا بَلى). فمنهم من أقرّ باللّسان ، ومنهم من أقرّ بالقلب (٨).
وروى (٩) من طريق العامّة ، في كتاب الفردوس لابن شيرويه حديثا ، يرفعه إلى حذيفة اليمانيّ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو يعلم النّاس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين ، ما أنكروا فضله. سمّي أمير المؤمنين ، وآدم بين الرّوح والجسد. [وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(٢) المصدر : سبق من الرسل ....
(٣) نفس المصدر ١ / ٢٤٨.
(٤) الأعراف / ١٠١.
(٥) تأويل الآيات الباهرة / ٦٧ ـ ٦٩.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المصدر : ولأمير المؤمنين ....
(٨) المصدر : فمنهم إقرار باللسان ، ومنهم تصديق بالقلب.
(٩) المصدر : ورد.