تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

أبي؟ لقد جئت شيئا فريا. [أفتركتم] (١) كتاب الله [ونبذتموه] (٢) وراء ظهوركم إذ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفيه (٣) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فنحن أولى النّاس بإبراهيم ، ونحن ورثناه ، ونحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة ، ونحن آل ابراهيم.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في مرضه ، وقد أغمي عليه ، ورأسه في حجر جبرئيل ، وجبرئيل على صورة دحية الكلبيّ.

فلمّا دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ قال له جبرئيل : دونك رأس ابن عمك. فأنت أحقّ به مني ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

فجلس ـ عليه السّلام ـ وأخذ رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [في حجره] (٥) حتّى غابت الشّمس.

وأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفاق ، فرفع رأسه فنظر إلى عليّ.

فقال : يا عليّ ، أين (٦) جبرئيل؟

فقال : يا رسول الله ، ما رأيت إلّا دحية الكلبيّ رفع (٧) إليّ رأسك وقال : يا عليّ ، دونك رأس ابن عمّك فأنت أحق به مني ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فجلست وأخذت برأسك. فلم يزل (٨) في حجري ، حتّى غابت الشّمس.

__________________

(١) المصدر : أفعلى عمد تركتم.

(٢) من المصدر.

(٣) الاحتجاج ١ / ٢٣٤.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٠ ـ ٧١ ، ح ٨٢.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأيت.

(٧) المصدر : دفع.

(٨) المصدر : فلم تزل.

٣٨١

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفصلّيت العصر؟

قال : لا.

قال : فما منعك أن تصلي؟

فقال : قد أغمي عليك ، وكان رأسك في حجري وكرهت أن أشقّ عليك ، يا رسول الله ، وكرهت أن أقوم وأصلي وأضع رأسك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «اللهمّ ، إنّ عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك حتّى فاتته صلاة العصر. اللهمّ ، فردّ عليه الشّمس حتّى يصلي العصر في وقتها.

قال : فطلعت الشّمس ، فصارت في وقت العصر بيضاء نقيّة. ونظر إليها أهل المدينة ، وإنّ عليا ـ عليه السّلام ـ قام وصلّى. فلمّا انصرف ، غابت الشّمس وصلّى المغرب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : ثمّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ. وَأُولُوا)

(الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

قال : نسخت قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ). (٢)

وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قضى أمير المؤمنين في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل [مات] (٤) فقرأ هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فدفع الميراث إلى الخالة ، ولم يعط المولى.

أبو عليّ الأشعريّ (٥) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ إذا مات مولى له وترك ذات قرابة ، لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : [وروى أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٨١.

(٢) النّساء / ٣٣.

(٣) الكافي ٧ / ١٣٥ ، ح ٢.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٥.

(٦) الفقيه ٤ / ٢٢٣ ، ح ٧٠٨.

٣٨٢

عن الحسن بن الحكم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رجل ترك خالتيه ومواليه ، قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)] (١) المال بين الخالتين.

وروى أحمد بن محمّد بن أبي نصر (٢) ، عن الحسن بن موسى الخياط ، عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : لا والله ، ما ورث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العبّاس ولا عليّ ـ عليه السّلام ـ [ولا ورثته إلّا فاطمة ـ عليها السّلام ـ.

وما كان أخذ علي ـ عليه السّلام ـ] (٣) السّلاح وغيره ، إلا لأنه قضى عنه دينه.

ثمّ قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : الخال والخالة يرثان ، إذا لم يكن معهم أحد غيرهم. إنّ الله يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). إذا التقت القرابات ، فالسابق أحقّ بالميراث من قرابته.

عن زرارة (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). أنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض. لأنّ أقربهم إليه [رحما] (٦) أولى به.

عن ابن سنان (٧) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اختلف علي بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وعثمان بن عفّان في الرّجل يموت وليس له عصبة يرثونه ، وله ذو قرابة يرثونه (٨) ، ليس له سهم مفروض.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : ميراثه لذوي قرابته. لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

وقال عثمان : أجعل ميراثه في بيت مال المسلمين ، ولا يرثه أحد من قرابته.

(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧٥) : من المواريث والحكمة في إناطتها. بنسبة الإسلام والمظاهرة أوّلا ، وباعتبار القرابة ثانيا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الفقيه ٤ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، ح ٦٦٠.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٣.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٢ ، ح ٨٦.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٤.

(٨) المصدر : لا يرثونه.

٣٨٣

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ لا يعطي الموالي شيئا مع ذي رحم ، سمّيت له فريضة [أم لم تسمّ له فريضة] (٢). وكان يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قد علم مكانهم. فلم يجعل لهم مع أولي الأرحام حيث قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١ ، ح ٨٥.

(٢) من الهوامش.

٣٨٤

تفسير سورة براءة

٣٨٥
٣٨٦

سورة براءة

المشهور ، أنّها مدنية.

وقيل (١) : إلّا آيتين من قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ). وهي آخر ما نزلت.

قيل : ولها أسماء اخر : التّوبة ، والمقشقشة ، والبحوث ، والمبعثرة ، والمنقرة ، والمثيرة ، والحافرة ، والمخزية (٢) ، والفاضحة ، والمنكلة ، والمشردة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب. لما فيها من التّوبة [للمؤمنين] (٣) ، : والقشقشة من النّفاق وهي التبري منه ، والبحث عن حال المنافقين وإثارتها ، والحفر (٤) عنها ، وما يخزيهم ، ويفضحهم ، وينكّلهم ، ويشرّدهم ، ويدمدم عليهم.

وآيها قيل : مائة وثلاثون. وقيل : تسع وعشرون.

وإنّما تركت التّسمية فيها ، إمّا لأنّها نزلت للأمان والرّحمة ونزلت براءة لدفع الأمان والسّيف ، وإمّا لأنّ الأنفال وبراءة واحدة.

ففي مجمع البيان (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : لم ينزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على رأس سورة براءة. لأنّ (بِسْمِ اللهِ) للأمان والرّحمة ، ونزلت براءة لدفع الأمان بالسّيف (٦).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : النحرية.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحضر.

(٥) المجمع ٣ / ٢.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لدفع الأمان

٣٨٧

وفيه (١) ، في تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : الأنفال والبراءة واحدة.

ترك البسملة في أوّلها قراءة وكتابة.

ويمكن الجمع بين الخبرين ، بأنّها سورة واحدة. ولذا لم يكتب (بِسْمِ اللهِ) على رأس براءة ، لكن لمّا كان إفرادها للبعث بمكّة بمنزلة جعلها سورة ورسالة توهّم استحباب تصديرها بها ، كما هو المتعارف في المكتوبات والرّسائل ، دفع ـ عليه السّلام ـ هذا الوهم بقوله : لأنّ (بِسْمِ اللهِ) للأمان والرّحمة ، ونزلت سورة براءة لدفع الأمان والسّيف. ويؤيّد كونها واحدة ، ما روي في أوّل الأنفال من كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة الأنفال وسورة البراءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق ابدا وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العيّاشي (٤) ، مثله. إلّا أنّه زاد قوله ـ عليه السّلام ـ : حقّا وأكل (٥) يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعة عليّ (٦) حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

وما في مجمع البيان (٧) : عن أبي بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأ الأنفال وبراءة ، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق ، واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدّنيا عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.

فإن جعل الثواب المذكور على قراءة المجموع ، يدلّ ظاهرا على أنهما واحد ، خصوصا الحديث الأخير المحذوف فيه لفظ السّورة عن البراءة.

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، أي : هذه براءة.

و «من» ابتدائية متعلّقة بمحذوف ، تقديره : واصلة من الله ورسوله.

ويجوز أن يكون «براءة» مبتدأ لتخصّصها بصفتها ، والخبر (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).

__________________

والسيف.

(١) كذا. والصحيح : وفي.

(٢) المجمع ٣ / ١ ، وتفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.

(٣) ثواب الأعمال / ١٣٢.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يأكل.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : مع شيعته ...

(٧) المجمع ٢ / ٥١٦.

٣٨٨

وقرئ ، بنصبها ، على تقدير : اسمعوا براءة.

والمعنى : أنّ الله ورسوله بريئان من العهد الّذي عاهدتم به المشركين.

وفي مجمع البيان (١) : إذا قيل : كيف يجوز أن ينقض النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك العهد؟

فأقول فيه : إنه يجوز أن ينقض ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك على ثلاثة أوجه : إمّا (٢) أن يكون العهد مشروطا ، بأن يبقى إلى أن يرفعه الله ـ تعالى ـ بوحي. وإمّا أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة وإما أن يكون مؤجّلا إلى مدّة.

وقد وردت الرّواية ، بأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم ما ذكرناه.

وروي ـ أيضا ـ : أنّ المشركين كانوا قد نقضوا العهد وهمّوا بذلك ، فأمره الله ـ سبحانه ـ أن ينقض عهدهم. (انتهى).

وأمهل المشركين أربعة أشهر يسيروا أين شاءوا ، فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) : خطاب للمشركين. أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم ، ثمّ يقتلون حيث وجدوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

قال : حدثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من غزوة تبوك في سنة تسع (٤) من الهجرة.

قال : وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا فتح مكّة ، لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة. وكان سنّة من العرب في الحجّ أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه ، لم يخل له إمساكها. وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف. وكان من وافى مكّة ، يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يرده. ومن لم يجد عارية ، اكترى ثيابا. ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد ، طاف بالبيت عريانا. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة ، وطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده.

فقالوا لها : إن طفت في ثيابك ، احتجت أن تتصدقي بها.

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢ ـ ٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أحدها.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

(٤) المصدر : سبع. والصحيح ما في المتن.

٣٨٩

فقالت : أتصدّق!؟ وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟! فطافت بالبيت عريانة. وأشرف عليها النّاس. فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها وقالت :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

فما بدا منه فلا أحلّه

فلمّا فرغت من الطّواف ، خطبها جماعة.

فقالت : إنّ لي زوجا.

وكانت سيرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده. وقد كان نزل عليه في ذلك من الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (١). فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة ، وأمره [الله] (٢) بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة إلى مدّة. منهم صفوان بن أميّة ، وسهيل بن عمرو. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : «براءة من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا. فهذه أشهر السّياحة ، عشرون من ذي الحجّة الحرام والمحرّم وصفر وربيع الأوّل ، وعشر (٣) من ربيع الآخر.

فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة ، دفعها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أبي بكر ، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على النّاس بمنى (٤) يوم النّحر.

فلمّا خرج أبو بكر ، نزل جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا محمّد ، لا يؤذي عنك إلّا رجل منك.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في طلبه. فلحقه بالروحاء ، فأخذ منه الآيات.

فرجع أبو بكر إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ

__________________

(١) النساء / ٨٩.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : عشرين.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يمسي.

٣٩٠

شيء؟

فقال : لا ، إنّ الله أمرني أن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل مني.

وأمّا ما رواه العيّاشيّ (١) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لا ، والله ، ما بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة. أهو كان يبعث بها [معه] (٢) ثمّ يأخذها منه؟ ولكنّه استعمله على الموسم ، وبعث بها عليا ـ عليه السّلام ـ بعد ما فصل أبو بكر عن الموسم. فقال لعليّ ـ عليه السّلام ـ حين بعثه الله (٣) : إنّه لا يؤدي عني إلّا أنا أو أنت»

فمخالف لما روي سابقا. وما روي في هذا الباب محمول على التّقية ، لأنّه وافق لما رواه العامّة في هذا الباب.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ، ليقرأها على النّاس.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ.

فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليا ـ عليه السّلام ـ فأمره أن يركب فاقته (٥) العضباء ، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على النّاس بمكّة.

فقال أبو بكر : أسخطة؟

فقال : لا ، إلّا أنه أنزل عليه : أن لا يبلّغ إلّا رجل منك.

فلما قدم عليّ ـ عليه السّلام ـ مكّة ، وكان يوم النّحر بعد الظّهر ـ وهو يوم الحجّ الأكبر ـ قام ثمّ قال : إني رسول [رسول الله] (٦) إليكم. فقرأها عليهم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) عشرين (٧) من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول ، وعشرا (٨) من شهر بيع الآخر.

وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك ، إلّا من كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فمدّته (٩) إلى هذه الأربعة أشهر.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٤.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.

(٥) المصدر : ناقة.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : وعشرا.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : عشرين. (٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : فدية.

٣٩١

وفي خبر محمد بن مسلم (١) : فقال : يا عليّ ، هل نزل في شيء منذ فارقت (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : لا ، ولكن أبي الله أن يبلّغ عن محمّد إلّا رجل منه.

فوافى (٣) الموسم ، فبلّغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النّحر عند الجمار وفي أيّام (٤) التشريق كلّها ينادي : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولا يطوفنّ بالبيت عريان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ـ أيضا ـ قال : وحدثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمرني [أن أبلّغ] (٦) عن الله ، أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام. وقرأ عليهم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فأجل الله المشركين الّذين حجّوا تلك السّنة أربعة أشهر حتّى يرجعوا (٧) إلى مأمنهم ، ثم يقتلون حيث وجدوا.

وفي مجمع البيان (٨) : وروى أصحابنا ، أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولّى عليّا الموسم. وأنه حين أخذ براءة من أبي بكر ، رجع أبو بكر.

وروى عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : خطب عليّ ـ عليه السّلام ـ [الناس] (٩) واخترط سيفه ، فقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّن البيت مشرك. ومن كانت له مدة ، فهو إلى مدّته. ومن لم تكن له مدّة ، فمدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النّحر ، فكان عشرون من ذي الحجّة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر.

وروي أنّه ـ عليه السّلام ـ قام عند جمرة العقبة وقال : أيّها الناس ، إني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ومن

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٧٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأرقب عند.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوله في.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بأيّام.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨٢.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يراجعوا.

(٨) المجمع ٣ / ٣ ـ ٤.

(٩) من المصدر.

٣٩٢

كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فله عهده إلى أربعة أشهر. ومن لا عهد له ، فله [مدّة] (١) بقية الأشهر الحرم. وقرأ عليهم براءة.

وقيل : قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أوّل براءة.

وفي الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، [عن أحمد بن محمّد] (٣) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : لأيّ شيء صار الحاج لا يكتب عليه الذّنب أربعة أشهر؟

قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أباح المشركين الحرم في أربعة أشهر ، إذ يقول : (فَسِيحُوا (فِي الْأَرْضِ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت الذّنوب أربعة أشهر.

عليّ بن إبراهيم (٤) ، بإسناده قال : أشهر الحجّ ، شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة. وأشهر السّياحة ، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر.

عدة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي أيّوب عن سعد الإسكاف قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : انّ الحاج إذا أخذ في جهازه ـ إلى قوله ـ : وكان ذا الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول [أربعة] (٦) أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السّيئات ، إلّا أن يأتي بموجبه. فإذا مضت الأربعة أشهر ، خلط بالناس.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : جعفر بن أحمد ، عن عليّ بن محمّد بن شجاع قال : روى أصحابنا [قيل] (٨) لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لم (٩) صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر؟

قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر المشركين ، فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولم يكن يقصر بوفده عن ذلك.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥.

(٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٤ / ٢٩٠.

(٥) الكافي ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٥.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : إنّه.

٣٩٣

عن زرارة (١) وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ).

قال : عشرون من ذي الحجّة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل ، وعشر من شهر ربيع الآخر.

وعن داود بن سرحان (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كان الفتح في سنة ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجّة الوداع في سنة عشر.

وفي كتاب علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى جميع بن عمّار قال : صليت في المسجد الجامع ، فرأيت ابن عمر جالسا. فجلست إليه ، فقلت : حدثني عن عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فقال : بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة. فلمّا أتى بها ذا الحليفة ، اتبعه عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.

فقال أبو بكر : يا عليّ ، مالي ، أنزل فيّ شيء؟ قال : لا ، ولكن [رسول الله قال :] (٤) لا يؤدي عني إلّا [أنا أو رجل] (٥) من أهل بيتي.

قال : فرجع إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، ولكن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي.

قال كثير : قلت لجميع : أتشهد على ابن عمر بهذا هذا.

قال : نعم ـ ثلاثا ـ.

وبإسناده (٦) إلى ابن عباس : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر ببراءة ، ثمّ اتبعه عليا ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.

فقال أبو بكر : يا رسول الله ، خيف فيّ شيء؟

قال : لا ، إلّا أنه لا يؤدي عني إلّا أنا أو عليّ.

وكان الّذي بعث به عليّ ـ عليه السّلام ـ : لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة (٧) ، ولا

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٧٣.

(٣) العلل / ١٨٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يودّي قل.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : رجل أنا أو.

(٦) العلل / ١٩٠.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : نفس مؤمن مسلمة.

٣٩٤

يحجّ بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عهد ، فهو إلى مدّته.

وبإسناده (١) إلى الحارث بن مالك قال : خرجت إلى مكة ، فلقيت سعد بن مالك. فقلت له : هل سمعت لعلي ـ عليه السّلام ـ منقبة؟

قال : قد شهدت له أربع ، لئن تكون لي إحداهنّ أحبّ إليّ من الدّنيا أعمر فيها عمر نوح ـ عليه السّلام ـ أحدها ، أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش ، فسار بها يوما وليلة. ثمّ قال لعلي : اتبع أبا بكر فبلّغها.

وردّ أبا بكر ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، إلّا أنّه لا يبلغ عني إلّا أنا أو رجل مني.

وبإسناده (٢) إلى أنس بن مالك ، أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر. فبعث عليا ـ عليه السّلام ـ وقال : لا يبلّغها إلّا رجل من أهل بيتي.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن الحارث بن ثعلبة قال : قلت لسعد (٤) : أشهدت شيئا من مناقب عليّ ـ عليه السّلام ـ؟

قال : نعم ، شهدت له أربع مناقب والخامسة شهدتها. لئن يكون لي منهنّ واحدة ، أحبّ إليّ من حمر النّعم. بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة ، ثمّ أرسل عليا ـ عليه السّلام ـ فأخذها منه.

فرجع أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، إلّا أنه لا يبلغ عني إلّا رجل مني.

وفي احتجاج عليّ (٥) ـ عليه السّلام ـ يوم الشورى على النّاس ، قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ رسوله أن يبعث ببراءة بها مع أبي بكر ، فأتاه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعثني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخذتها من أبي بكر. فمضيت بها فأدّيتها عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأثبت الله على لسان رسول الله أني منه ، غيري؟

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) الخصال / ٣١١.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لو.

(٥) الخصال / ٥٥٨.

٣٩٥

قالوا : [اللهمّ] (١) لا.

وفي مناقب أمير المؤمنين (٢) ـ عليه السّلام ـ وتعدادها ، قال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا الخمسون ، فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث ببراءة مع أبي بكر. فلمّا مضى ، أتى جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فوجّهني على ناقته العضباء ، فلحقته بذي الحليفة ، فأخذتها منه. فخصّني الله بذلك.

عن جابر الجعفيّ (٣) ، عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وقد سأله رأس اليهود : ولم تمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم؟

قال : يا أخا اليهود ، إنّ الله ـ تعالى ـ امتحنني في حياة نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سبعة مواطن. فوجدني فيها ـ من غير تزكية لنفسي بنعمة الله ـ له مطيعا.

قال : فيم وفيم ، يا أمير المؤمنين؟

قال : أمّا أوّلهنّ ـ إلى أن قال ـ : وأما السّابعة ـ يا أخا اليهود ـ فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا توجّه لفتح مكّة ، أحبّ أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله آخرا (٤) ، كما دعاهم أولا. فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه ، وينذرهم عذاب ربّهم ، ويعدهم الصفح ، [يمنّيهم مغفرة ربّهم] (٥). ونسخ لهم في آخره سورة براءة ، لتقرأ عليهم. ثمّ عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم فكلّ منهم يرى التّثاقل فيه. فلمّا رأى ذلك ، ندب منهم رجلا فوجهه به.

فأتاه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

فأنبأني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بذلك ، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكّة. فأتيت مكّة ، وأهلها من قدم عرفتم ، ليس منهم أحد إلّا ولو قدر أن يضع على كلّ جبل مني إربا لفعل ولو أن يبذل في ذلك نفسه وماله وأهله وولده. فبلّغتهم رسالة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقرأت عليهم كتابه. فكلّ تلقاني بالتّهديد (٦) والوعيد ، ويبدي لي

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الخصال / ٥٧٨.

(٣) الخصال / ٣٦٥ و ٣٦٦ ، و ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٤) كذا في المصدر وفي روح : أخرى. وفي أو ب : احدى.

(٥) من المصدر. وفي النسخ : ينذرهم.

(٦) المصدر : بالتهدد.

٣٩٦

البغضاء ، ويظهر لي الشّحناء ، من رجالهم ونسائهم. فكان مني في ذلك ما قد رأيتم. ثمّ التفت إلى أصحابه ، فقال : أليس كذلك؟

فقالوا : بلى ، يا أمير المؤمنين.

(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) : لا تفوتونه وإن أمهلكم.

(وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢) : بالأسر والقتل في الدّنيا ، والعذاب في الآخرة.

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) ، أي : إيذان وإعلام. فعال ، بمعنى : الإفعال ، كالأمان والعطاء ، بمعنى : الإيمان والإعطاء. ورفعه ، كرفع براءة على الوجهين.

(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).

قيل (١) : يوم العيد. لأنّ فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ، ولأنّ الإعلام كان فيه.

ولما نقل : أنه ـ عليه السّلام ـ وقف يوم النّحر عند الجمرات في حجّة الوداع فقال : هذا يوم الحجّ الأكبر.

وقيل : يوم عرفة ، لقوله ـ عليه السّلام ـ : الحج عرفة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : يوم الحجّ الأكبر ، يوم النّحر. قال : ولو كان [الحج الأكبر] (٣) يوم عرفة ، لكان أربعة أشهر ويوما.

وقيل (٤) : وصف الحجّ بالأكبر. لأنّ العمرة تسمّى بالحجّ الأصغر ، أو لأن المراد بالحجّ : ما يقع في ذلك اليوم من أعماله ، فإنّه أكبر من باقي الأعمال ، أو لأنّ ذلك الحجّ اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب ، أو لأنّه ظهر فيه عزّ المسلمين وذلّ الكافرين (٥).

وسيأتي بعض تلك الوجوه في الأخبار.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن حكيم بن جبير ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في قوله :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٧٧.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٥.

(٥) المصدر : المشركين.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٨٢.

٣٩٧

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ).

قال : «الأذان» أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي حديث آخر : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كنت أنا الأذان في النّاس.

وفي أمالي شيخ الطائفة (١) ـ قدس سرّه ـ ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل : أنت الّذي أنزل الله فيه (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).

وفي شرح الآيات الباهرة (٢) : روي الحسن الدّيلميّ ، بإسناده عن رجاله إلى عبد الله بن سنان قال : قال الصادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أسماء لا يعلمها إلّا العالمون ، وأنّ منها «الأذان» من الله ورسوله. وهو الأذان.

وفي كتاب الخصال (٣) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على أبي بكر قال : فأنشدك بالله ، أنا الأذان من الله ورسوله لأهل الموسم ولجميع الأمّة بسورة براءة أم أنت؟

قال : بل أنت.

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم. أنا المؤذّن في الدّنيا والآخرة. قال الله ـ تعالى ـ : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٥). أنا ذلك المؤذن. وقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ [إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ]) (٦) وأنا ذلك الأذان.

حدّثنا (٧) محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن الحارث بن المغيرة النضري ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).

فقال : اسم نحله الله ـ عزّ وجلّ ـ عليا ـ عليه السّلام ـ من السّماء ، لأنّه هو الذي

__________________

(١) الامالي ١ / ٣٦١.

(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٧٤.

(٣) الخصال / ٥٤٩.

(٤) المعاني / ٥٩.

(٥) الأعراف / ٤٣.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المعاني / ٢٩٨.

٣٩٨

أدّى عن رسوله براءة. وقد كان بعث بها مع أبي بكر أوّلا ، فنزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقول لك : لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عند ذلك عليا ـ عليه السّلام ـ فلحق أبا بكر وأخذ الصّحيفة من يده ، ومضى بها إلى مكة. فسمّاه الله ـ تعالى ـ : وأذان من الله. إنّه اسم نحله الله ـ تعالى ـ من السّماء لعليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي عيون الأخبار (١) ، بإسناده : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ). [فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله.

في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى حفص بن غياث النخعي القاضي قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)].

فقال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : كنت أنا الأذان في الناس.

قلت : فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟

قال : إنّما سمي «الأكبر» لأنها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن جابر ، عن جعفر بن محمّد وأبي جعفر ـ عليهما السلام ـ في قول الله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).

قال : خروج القائم. و «أذان» دعوته إلى نفسه.

عن حريز (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في الأذان : هو اسم في كتاب الله ، لا يعلم ذلك أحد غيري.

عن عبد الرّحمن (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «يوم الحج الأكبر» يوم النحر. و «الحجّ الأصغر» العمرة.

وفي رواية ابن سرحان (٥) ، عنه ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم عرفة ،

__________________

(١) العيون ٢ / ١٠.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٦.

(٣ و ٤ و ٥) ـ نفس المصدر والموضع.

٣٩٩

والجمع ، ورمى الجمار بمنى. و «الحجّ الأصغر» بمعنى العمرة.

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن فضيل بن عيّاض (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الحجّ [الأكبر] (٣).

فقال : أعندك فيه شيء؟

فقلت : نعم.

كان ابن عبّاس يقول : «الحجّ الأكبر» يوم عرفة ، يعني : أنه من أدرك يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر ، فقد أدرك الحجّ. ومن فاته ذلك ، فاته الحجّ. فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها. والدّليل على ذلك أنّ من أدرك ليلة النّحر إلى طلوع الفجر ، فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه من عرفة.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قال أمير المؤمنين : الحج الأكبر يوم النحر.

واحتجّ بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ). فهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وربيع الأوّل ، وعشر من شهر ربيع الآخر. ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة ، لكان [السّيح] (٤) أربعة أشهر ويوما. واحتجّ بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، وكنت أنا الأذان في النّاس.

فقلت له : فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟

فقال : إنّما سمي «الأكبر» لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.

أبي (٥) ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن ذريح المحاربيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم النّحر.

حدّثنا (٦) محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) المعاني / ٢٩٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : غياث.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) المعاني / ٢٩٥.

(٦) المعاني / ٢٩٥.

٤٠٠