(فَمَرَّتْ بِهِ) : فاستمرّت به ، وقامت وقعدت.
وقرئ (١) : «فمرت» بالتّخفيف. و «فاستمرت» و «فمارت» من المور : وهو المجيء والذّهاب. أو من المرية ، أي : فظنّت الحمل وارتابت به.
(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) : صارت ذات ثقل بكبر في بطنها.
وقرئ (٢) ، على البناء للمفعول ، أي : أثقلها حملها.
(دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) : ولدا سويّا قد صلح بدنه.
(لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩) : لك على هذه النّعمة المجدّدة.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٩٠) (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١٩١).
قيل (٣) : لمّا حملت حوّاء ، أتاها إبليس في صورة رجل.
فقال لها : ما يدريك ما في بطنك ، لعلّه بهيمة أو كلب. وما يدريك من أين يخرج؟
فخافت من ذلك ، وذكرت لآدم ، فهمّا (٤) منه.
ثمّ عاد إليها وقال : إنّي من الله بمنزلة. فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهّل عليك خروجه ، فسمّيه عبد الحارث.
وكان اسمه حارثا بين الملائكة.
فتقبّلت (٥). فلمّا ولدت ، سمّياه عبد الحارث ، وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء.
قيل (٦) : يحتمل أن يكون الخطاب في «خلقكم» لآل قصيّ من قريش ، فإنّهم خلقوا من نفس قصيّ. وكان له زوج من جنسه عربيّة قرشيّة. وطلبا من الله الولد ، فأعطاهما أربعة بنين. فسمّياهم : عبد مناف ، وعبد شمس ، وعبد قصيّ ، وعبد الدّار.
ويكون الضّمير في «يشركون» لهما ولأعقابهما المقتدين بهما.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٠.
(٢) نفس المصدر ، والموضع.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.
(٤) أي : اغتمّا.
(٥) أ ، ب ، ر : فقبلت.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ، والعيّاشيّ (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : هما (٢) آدم وحوّاء. وإنّما كان شركهما شرك طاعة ، وليس شرك عبادة.
وزاد في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال : جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ، ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله.
ثمّ ذكر في ذلك حديثا مبسوطا رواه عن الباقر ـ عليه السّلام ـ ، موافقا لما نقلناه من قول القائل : إنّها ممّا لا يليق بالأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.
وقيل (٣) : معناه : التّسمية بعبد عزّى ، وعبد مناة ، وعبد يغوث ، وما أشبه ذلك من [أسماء] (٤) الأصنام.
ومعنى «جعلا له» : جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما. على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في الموضعين.
وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثني أبي ، عن حمران (٦) بن سليمان النّيشابوريّ ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ.
فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟
قال : بلى.
قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما)؟
قال له الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إنّ حوّاء ولدت لآدم خمسمائة بطن [في كلّ بطن] (٧) ذكر وأنثى. وأنّ آدم وحوّاء عاهدا الله ـ تعالى ـ ودعواه وقالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) من النّسل خلقا سويّا بريئا من الزّمانة
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣ ، وتفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ، ح ١٢٥.
(٢) المصدران : هو.
(٣) تفسير الصافيّ ٢ / ٢٥٩.
(٤) من المصدر.
(٥) العيون ١ / ١٩٥ ـ ١٩٧.
(٦) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٢٧٧ ، وفي النسخ : حمران.
(٧) لا يوجد في المصدر.
والعاهة ، كان ما آتاهما صنفين : صنفا ذكرانا (١) ، وصنفا إناثا. فجعل الصّنفان لله ـ سبحانه ـ (شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) ، ولم يشكراه ، كشكر أبويهما له ـ عزّ وجلّ ـ. قال الله ـ تعالى ـ : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فقال المأمون : أشهد أنّك ابن رسول الله حقّا.
وما يستفاد من هذا الخبر موافق للقول الأخير ، إلّا في شيئين : الأوّل ، أنّه لا حاجة فيه إلى تقدير المضاف في الموضعين. لأنّ «صالحا» لمّا كان صنفين ، يمكن إرجاع ضمير التّثنية في «جعلا» وفي «آتاهما» إليه ، باعتبار المعنى.
بخلاف ذلك القول ، فإنّه قدّر المضاف في الموضعين.
والثّاني ، أنّه جعل الشّرك عدم الشّكر على حدّ ما شكر أبواها. وهو أعمّ ممّا جعله هذا القائل عبارة منه.
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) ، أي : لعبدتهم.
(وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٢) : فيدفعون عنها ما يعتريها.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) ، أي : المشركين.
(إِلَى الْهُدى) : إلى الإسلام.
(لا يَتَّبِعُوكُمْ).
وقرأ (٢) نافع ، بالتّخفيف.
وقيل (٣) : الخطاب للمشركين. و «هم» ضمير الأصنام ، أي : إن تدعوهم إلى أن يهدوكم ، لا يتّبعوكم إلى مرادكم ، ولا يجيبوكم ، كما يجيبكم الله.
(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (١٩٣) : وإنّما لم يقل : «أم صمتّم» للمبالغة في عدم إفادة الدّعاء. من حيث أنّه مسوّى بالثّبات على الصّمات ، أو لأنّه ما كانوا يدعونها لحوائجهم. فكأنّه قيل : سواء عليكم إحداثكم دعاءكم لهم واستمراركم على الصّمات عن دعائهم.
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي : تعبدونهم ، وتسمّونهم آلهة.
(عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) : من حيث أنّها مملوكة مسخّرة.
(فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٩٤) : أنّهم آلهة.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذكرا.
(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.
ويحتمل أنّهم لمّا نحتوها بصور الأناسيّ ، قال لهم : إنّ قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم ، فلا يستحقّون عبادتكم ، كما لا يستحقّ بعضكم عبادة بعض. ثمّ عاد عليه بالنّقض فقال : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) وقرئ (١) : «إن الّذين». بتخفيف «إن» ، ونصب «عباد». على أنّها نافية عملت عمل «ما» الحجازيّة ، ولم يثبت مثله. و «يبطشون» بالضّمّ ، ها هنا وفي القصص والدّخان.
(قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) : واستعينوا بهم في عداوتي.
(ثُمَّ كِيدُونِ) : فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكروهي ، أنتم وشركاؤكم.
(فَلا تُنْظِرُونِ) (١٩٥) : فلا تمهلوني. فإنّي لا أبالي بكم ، لوثوقي على ولاية الله وحفظه.
(إِنَّ وَلِيِّيَ) : حافظي وناصري.
(اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) : القرآن.
(وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) ، أي : ومن عادته ـ تعالى ـ أن يتولّى الصّالحين من عباده ، فضلا عن أنبيائه.
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٧) : من إتمام التّعليل ، لعدم مبالاته بهم.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) : يشبهون النّاظرين إليك ، بأنّهم صوّروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه.
(خُذِ الْعَفْوَ) ، أي : خذ ما عفا لك من أفعال النّاس وتسهّل ، ولا تطلب ما يشقّ عليهم.
ونحوه قوله ـ عليه السّلام ـ : يسّروا ولا تعسّروا.
من العفو ، الّذي هو ضدّ الجهل.
أو خذ العفو من المذنبين ، أو الفضل وما يسهّل من صدقاتهم.
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الحسن (٣) بن عليّ بن النّعمان ، عن أبيه ، عمّن سمع أبا
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ، ح ٢٦.
(٣) كذا في النسخ وجامع الرواة ١ / ٢١٧ ، وفي المصدر : الحسين.
عبد الله ـ عليه السّلام ـ وهو يقول : إنّ الله ـ تعالى ـ أدّب رسوله بذلك ، أي : خذ منهم ما ظهر وما تيسّر.
وقال : «العفو» الوسط.
وفي من لا يحضره الفقيه (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لرجل من ثقيف : إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديّا أو نصرانيّا في درهم خراج ، أو تبيع دابّة عمله (٢) [في درهم] (٣) فإنّا أمرنا أن نأخذ العفو.
(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) : المعروف المستحسن من الأفعال.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) : فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم.
وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق ، آمرة للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ باستجماعها.
في مجمع البيان (٤) : روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جبرائيل عن ذلك.
فقال : لا أدري ، حتى أسأل العالم.
ثمّ أتاه فقال : يا محمّد ، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
وفي عيون الأخبار (٥) ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث ، مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ. قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال : سنّة من ربّه ، وسنّة من نبيّه ، وسنّة من وليّه.
... إلى قوله : وأمّا السّنّة من نبيّه ، فمداراة النّاس. [فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمداراة النّاس] (٦) فقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
وفي جوامع الجامع (٧) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أمر الله نبيّه ـ صلّى الله عليه
__________________
(١) الفقيه ٢ / ١٣.
(٢) المصدر : عمل.
(٣) من المصدر.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٥١٢.
(٥) العيون ١ / ٢٥٦.
(٦) من المصدر.
(٧) جوامع الجامع / ١٦٣.
وآله ـ [بمكارم الأخلاق. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها] (١).
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) : ينخسنّك منه نخس ، أي : وسوسة ، نحملك على خلاف ما أمرت به ، كاعتراض غضب.
و «النّزغ» و «النّسغ» و «النّخس» الغرز. شبّه وسوسته للنّاس ، إغراء لهم على المعاصي وإزعاجا ، بغرز السّائق وما يسوقه.
وفي الجوامع : لمّا نزلت الآية السّابقة ، قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كيف ، يا ربّ ، والغضب؟ فنزلت.
(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ) : يسمع استعاذتك.
(عَلِيمٌ) (٢٠٠) : يعلم ما فيه صلاح أمرك ، فيحملك عليه. أو سميع بأقوال من آذاك ، عليم بأفعاله ، فيجازيه عليها مغنيا إيّاك عن الانتقام ومتابعة الشّيطان.
والمراد بالنّزغ ومتابعة الشّيطان : ما ظاهر صورته ذلك ، كالغضب. فإنّ غضب الشّيء ، وإن لم يكن نزغة ومتابعة ، لكن ظاهر صورته ذلك. ولهذا أمره بالاستعاذة يدلّ عليه الآية.
ويحتمل أن يكون الخطاب له ـ عليه السّلام ـ. والمراد الأمّة ، كما في أكثر القرآن.
وفي كتاب الخصال (٢) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إذا وسوس الشّيطان لأحدكم ، فليستعد (٣) بالله ، وليقل : آمنت بالله وبرسوله مخلصا له الدّين.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ).
قال : إن عرض في قلبك منه شيء ووسوسة (٥) ، (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) : لمّة (٦) منه. وهو اسم فاعل من : طاف يطوف. كأنّها طافت بهم ودارت حولهم ، فلم تقدر أن تؤثّر فيهم. أو من :
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بمدارة النّاس فقال : «خذ العفو» ـ إلى آخر الآية ـ. والظاهر أنّ الخطأ نشأ عند نقل الحديث من تفسير الصافي. فليراجع.
(٢) الخصال / ٦٢٤.
(٣) المصدر : إلى أحدكم ، فليتعوّذ.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : وسوس.
(٦) اللمّة : الهمّة والخطرة تقع في القلب.
طاف به الخيال ، يطيف طيفا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ ويعقوب : «طيف» على إنّه مصدر. أو تخفيف طيّف ، كليّن وهيّن.
والمراد بالشّيطان : الجنس. ولذلك جمع ضمير «إخوانهم».
(تَذَكَّرُوا) : ما أمر الله به ونهى عنه.
(فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢٠١) : بسبب التّذكّر مواقع الخطأ ومكائد الشّيطان ، فيحترزون عنها ولا يتبعونه فيها.
والآية تأكيد وتقرير لما قبلها.
وفي روضة الكافي (١) ، كلام لعليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في الوعظ والزّهد في الدّنيا. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : واحذروا ، أيّها النّاس ، من الذّنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذّركموها في كتابه الصّادق والبيان النّاطق. فلا تأمنوا مكر الله وتحذيره عند ما يدعوكم الشّيطان اللّعين إليه ، من عاجل الشّهوات واللّذات في هذه الدّنيا.
فإن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ). فأشعروا [قلوبكم خوف] (٢) الله ، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوّفكم من شديد العقاب.
وفي كتاب الخصال (٣) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ثلاث من أشدّ ما عمل العباد : إنصاف المؤمن من نفسه ، ومواساة [المرء أخاه] (٤) ، وذكر الله على كلّ حال. وهو أن يذكر الله عند المعصية [يهمّ بها ، فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية] (٥). وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
وفي أصول الكافي (٦) : أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال :
__________________
(١) الكافي ٨ / ٧٤.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قلوبكم الله أنتم خوف.
(٣) الخصال / ١٣١ ، ح ٨.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : المؤاخاة.
(٥) من المصدر.
(٦) الكافي ٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، ح ٧.
سألته] (١) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
قال : هو العبد يهمّ بالذّنب ثمّ يتّذكر ، فيمسك ، فذلك قوله : (تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن عبد الأعلى (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
قال : هو الذّنب يهمّ به العبد ، فيتذكّر ، فيدعه.
عن عليّ بن أبي حمزة (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
ما ذلك [الطائف] (٥)؟
فقال : هو السيّئ (٦) يهمّ به العبد ، ثمّ يذكر الله ، فيبصر ويقصر.
أبو بصير (٧) ، عنه قال : هو الرّجل يهمّ بالذّنب ثمّ يتذكّر فيدعه (٨).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : قال : إذا ذكّرهم الشّيطان المعاصي وحملهم عليها ، يذكرون اسم الله (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ) ، أي : وإخوان الشّياطين الّذين لم يتّقوا يمدّهم الشّياطين.
(فِي الغَيِ) : بالتّزيين ، والحمل عليه.
وقرئ (١٠) : «يمدّونهم». من أمدّ.
وقرئ (١١) : «يمادّونهم» ، كأنّهم يعينونهم بالتّسهيل والإغواء ، وهؤلاء يعينونهم
__________________
(١) من المصدر.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ، ح ١٢٨.
(٣) المصدر : زيد بن أبي اسامة.
(٤) نفس المصدر ٢ / ٤٤ ، ح ١٢٩.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : شيء.
(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٠.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيه ويقصر.
(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣.
(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٢.
(١١) نفس المصدر ، والموضع.
بالاتّباع والامتثال.
(ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (٢٠٢) : لا يمسكون عن إغوائهم حتّى يردّوهم.
ويجوز أن يكون الضّمير «للإخوان» ، أي : لا يكفّون عن الغيّ ولا يقصرون ، كالمتّقين.
ويجوز أن يراد «بالإخوان» : الشّياطين. ويرجع الضّمير إلى الجاهلين ، فيكون الخبر جاريا على ما هو له.
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) : من القرآن ، أو ممّا اقترحوه.
(قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) : هلا جمعتها تقوّلا من نفسك ، كسائر ما تقرأه. أو هلّا طلبتها من الله.
(قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) : لست بمختلق للآيات ، أو لست بمقترح لها.
(هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) : هذا القرآن بصائر للقلوب ، بها تبصر الحقّ وتدرك الصّواب.
(وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣) : سبق تفسيره.
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٠٤).
قيل (١) : نزلت في الصّلاة كانوا يتكلّمون فيها ، فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات له.
وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن بريد بن معاوية ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في خطبة يوم الجمعة الخطبة الأولى : الحمد لله نحمده ونستعينه ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ : إنّ كتاب الله أصدق الحديث وأحسن القصص. وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). [فاستمعوا طاعته] (٣) ، وأنصتوا ابتغاء رحمته.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣.
(٢) الكافي ٣ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.
(٣) المصدر : فاسمعوا طاعة [أ] لله.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : إذا كنت خلف [الإمام تأتمّ] (٢) به ، فأنصت ، وسبّح في نفسك.
وعن الصّادق (٣) ـ عليه السّلام ـ : يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي غيرها.
وإذا قرئ عندك القرآن ، وجب عليك الإنصات والاستماع.
وفي مجمع البيان (٤) : وروى زرارة ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : معناه : إذا كنت خلف إمام تأتمّ به ، فأنصت وسبّح في نفسك فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة.
وفي من لا يحضره الفقيه (٥) : وفي رواية زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وإن كنت خلف إمام ، فلا تقرأنّ شيئا في الأوّلتين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول للمؤمنين : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) ، يعني : في الفريضة خلف الإمام. (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). والأخيرتان تبعا للأوّلتين (٦).
وفي تهذيب الأحكام (٧) ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه سئل عن القراءة (٨) خلف الإمام.
فقال : إذا [كنت خلف إمام تتولّاه] (٩) وتثق به ، فإنّه يجزيك قراءته. وإن أحببت أن تقرأ ، فاقرأ فيما يخافت به. فإذا جهر ، فأنصت. قال الله ـ تعالى ـ : (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
الحسين بن سعيد (١٠) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الرّجل يؤمّ القوم ، وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة.
فقال : إذا سمعت كتاب الله يتلى ، فأنصت له.
قيل : فإنّه يشهد عليّ بالشّرك.
قال : إن عصى الله ، فأطع الله. فرددت عليه ، فأبى أن يرخّص لي.
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٤.
(٢) المصدر : إمام فأتم.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٥١٥.
(٥) الفقيه ١ / ٢٥٦.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : للأوّليين.
(٧) التهذيب ٣ / ٣٣.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : القرآن.
(٩) من المصدر ، وفي النسخ : كان الإمام تولّاه.
(١٠) التهذيب ٣ / ٣٥ ـ ٣٦.
قيل : أصليّ إذن في بيتي ، ثمّ أخرج إليه.
فقال : أنت وذاك.
وقال : إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان في صلاة الصّبح. فقرأ ابن الكواء وهو خلفه : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية. ثمّ عاد في قراءته. ثمّ أعاد ابن الكواء الآية. فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ أيضا. ثمّ قرأ ، فأعاد ابن الكواء. فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ ثمّ قال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٢) ثمّ أتمّ السّورة ، ثمّ ركع.
قيل (٣) : هذان الحديثان وما في معناهما ، ممّا يوافق ظاهر القرآن من عموم وجوب الاستماع والإنصات ، محمول عند أصحابنا وعامّة الفقهاء على الاستحباب وتأكّده. بل قد ورد الأمر بالقراءة خلف المخالف ، وإن سمعت قراءته ، إذا لم تكن هناك تقيّة.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) : عامّ في الأذكار ، من القراءة والدّعاء وغيرهما.
(تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) : متضرّعا وخائفا.
(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) : متكلّما كلاما فوق السّرّ ، ودون الجهر. فإنّه أدخل في الخشوع والإخلاص.
(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) : أوقات الغدوّ والعشيّات.
وقرئ : «الإيصال». وهو مصدر آصل : إذا دخل في الأصيل. مطابق للغدوّ.
وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : لا يكتب الملك إلّا ما سمع. وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً). فلا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس الرّجل غير الله ـ عزّ وجلّ ـ لعظمته.
وبإسناده (٥) إلى أبي بصير : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في آخر حديث : ودعاء التّضرّع ، أن تحرّك إصبعك السّبّابة مما يلي وجهك. وهو دعاء الخيفة.
__________________
(١) الزمر / ٦٥.
(٢) الروم / ٦٠.
(٣) تفسير الصّافي ٢ / ٢٦٣.
(٤) الكافي ٢ / ٥٠٢.
(٥) الكافي ٢ / ٤٨١.
عدّة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، رفعه قال : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لعيسى ـ عليه السّلام ـ : اذكرني في نفسك ، [أذكرك في نفسي] (٢) واذكرني في ملئك ، أذكرك (٣) في ملأ خير من ملأ الآدميّين.
وبإسناده (٤) إلى أبي المغرا الخصّاف ، رفعه قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : من ذكر الله في السّرّ ، فقد ذكر الله كثيرا. إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانيّة ، ولا يذكرونه في السّرّ. فقال الله ـ تعالى ـ : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (٥).
وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن إبراهيم بن عبد الحميد ، رفعه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، يعني : مستكينا. «وخيفة» ، يعني :
خوفا من عذابه. (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ، يعني : دون الجهر من القراءة (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [يعني : بالغداة] (٧) بالغدوّ والعشيّ.
عن الحسين بن المختار (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).
قال : تقول عند المساء : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، ويميت ويحيي ، وهو على كلّ شيء قدير (٩).
قلت : بيده الخير.
[قال : إنّ بيده الخير] (١٠) ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات. وأعوذ بالله السّميع العليم من همزات الشّياطين (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) إن الله هو السميع العليم. [عشر مرّات حين تطلع الشمس وعشر مرّات حين تغرب.
عن محمّد بن مروان (١١) عن بعض أصحابه قال : قال جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ : قل : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله أن يحضرون. إن الله
__________________
(١) الكافي ٢ / ٥٠٢.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : واذكرني.
(٤) الكافي ٢ / ٥٠١.
(٥) النساء / ١٤٢.
(٦) تفسير العياشي ٢ / ٤٤. (٧) من المصدر. وفي النسخ : بالغدو. (٨) نفس المصدر ٢ / ٤٥ ، ح ١٣٦.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ قبل العبارة الأخيرة هذه الزيادة : وهو حي لا يموت بيده الخير.
(١٠) من المصدر. (١١) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٧.
هو السميع العليم. و] (١) قل : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، وهو على كلّ شيء قدير.
فقال له الرّجل : مفروض هو؟
قال : نعم ، مفروض هو محدود. تقوله قبل طلوع الشّمس ، وقبل الغروب عشر مرّات. فإن فاتك شيء منها ، فاقضه من اللّيل والنّهار.
وفي كتاب الخصال (٢) : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زبيرة القطّان ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدّثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) (٣).
فقال ـ عليه السّلام ـ : فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشّمس عشر مرّات : [وقبل غروبها عشر مرّات] (٤) لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير.
قال : فقلت : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي.
فقال : [يا] (٥) هذا ، لا شكّ في أنّ الله يحيي ويميت ويميت ويحيي. ولكن قل كما أقول (٦).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) قال : في الظّهر والعصر. (دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) قال : بالغداة والعشيّ (٨).
(وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) (٢٠٥) : عن ذكر الله.
وفي الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أيّما مؤمن حافظ على الصلوات
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الخصال / ٤٥٢.
(٣) طه / ١٣٠.
(٤) من المصدر.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قلت.
(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : نصف النهار.
(٩) الكافي ٣ / ٢٧٠.
المفروضة فصلّاها لوقتها ، فليس هذا من الغافلين.
محمّد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من كان معه كفنه في بيته ، لم يكتب من الغافلين. وكان مأجورا كلّما نظر إليه.
وفي كتاب الخصال (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ ، لكلّ شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها ـ إلى أن قال ـ : وللغافل ثلاث علامات : اللهو ، والسّهو ، والنّسيان.
وفي كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأ عشر آيات في ليلة ، لم يكتب من الغافلين.
وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ذاكر الله في الغافلين ، كالمقاتل عن الفارّين. والمقاتل عن الفارّين له الجنّة.
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) قيل : يعني : الملائكة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، يعني : الأنبياء والرّسل والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.
(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ) : وينزّهونه.
(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢٠٦) : ويخصّونه بالعبادة والتّذلّل ، لا يشركون به غيره. هذا أول سجدات القرآن.
وفي الحديث (٦) : إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد ، اعتزل الشّيطان يبكي ويقول : يا ويله ، امر هذا بالسّجود فسجد ، فله الجنّة. وأمرت بالسّجود فعصيت ، فلي النّار.
__________________
(١) الكافي ٣ / ٢٥٦.
(٢) الخصال / ١٢١ ـ ١٢٢.
(٣) ثواب الأعمال / ١٢٩.
(٤) الكافي ٢ / ٥٠٢.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣.
تفسير سورة الانفال
سورة الأنفال
وهي مكّيّة (١). وهي ستّ وسبعون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ [حقّا] (٣) ويأكل (٤) يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته ، حتّى يفرغ النّاس من الحساب.
وفي كتاب ثواب الأعمال (٥) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
وفي مجمع البيان (٦) : أبيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من
__________________
(١) بل مدنيّة. كما قال البيضاوي في أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣ ، والطبرسي في مجمع البيان ٢ / ٥١٦.
وذكر في المجمع : «غير سبع آيات نزلت بمكّة : «وإذ يمكر بك الّذين كفروا» ـ إلى آخرهنّ». وكذلك في تفسير الصّافي ٢ / ٢٦٦.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٦ ، ح ١.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر : أكل.
(٥) ثواب الأعمال / ١٣٢ ، ح ١.
(٦) مجمع البيان ٢ / ٥١٦.
قرأ سورة الأنفال وبراءة ، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق. واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في [دار] (١) الدّنيا عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات [ورفع له عشر درجات] (٢). وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) ، أي : الغنائم ، يعني : حكمها.
وإنّما سمّيت الغنيمة نقلا ، لأنّها عطيّة من الله ـ تعالى ـ وفضل ، كما سمّي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر : عطيّة له ، وزيادة على سهمه.
وفي مجمع البيان (٣) : قرأ السّجاد والباقر والصّادق ـ عليهم السّلام ـ : «يسألونك الأنفال».
يعني : أن يعطيهم.
وقرئ : «يسألونك علنفال» بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على اللّام ، وإدغام نون «عن» فيها.
(قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) : مختصّة بهما يضعانها حيث شاءا.
وفي التّهذيب (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «الفيء والأنفال» ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم (٥) ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة (٦) أو بطون أودية. فهو كلّه من الفيء والأنفال (٧). فهذا كلّه لله ولرسوله. فما كان لله ، فهو لرسوله يضعه حيث شاء. وهو للإمام بعد الرّسول.
وفيه (٨) : محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد قال : حدّثنا بعض أصحابنا ، رفع الحديث فقال : «الخمس» من خمسة أشياء : من الكنوز ، والمعدن (٩) ، والغوص ، والمغنم الّذي يقاتل عليه ولم يحفظ عليه الخامس ، وما كان من فتح لم يقاتل عليه ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب إلّا أنّ أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه ، فكيف ما عاملهم ، عليه النّصف أو الثّلث أو الرّبع ، أو ما كان يسهم له خاصّة وليس لأحد فيه شيء إلّا ما أعطاه هو منه. وبطون الأودية ورؤوس الجبال والموات كلّها هي له. وهو قوله ـ تعالى ـ :
__________________
(١ و ٢) ـ من المصدر.
(٣) مجمع البيان ٢ / ٥١٦ و ٥١٧.
(٤) التهذيب ٤ / ١٣٤.
(٥) المصدر : الدماء.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) التهذيب ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧.
(٩) المصدر : المعادن.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) أن تعطيهم منه. قال : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ). وليس هو (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) (١). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة (٣) أو بطون الأودية.
فهو لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.
عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن رفاعة ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في الرّجل يموت ولا وارث له ولا موالي (٥).
قال : هو من أهل هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).
[عدّة من أصحابنا (٦) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : «الأنفال» هو النّفل. وفي سورة الأنفال يقال جدع الأنف (٧).
عليّ بن إبراهيم (٨) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي الصّباح قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : نحن قوم فرض الله طاعتنا. لنا الأنفال ولنا صفو المال] (٩).
وفي الجوامع (١٠) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «الأنفال» كلّما أخذ من دار
__________________
(١) قال الفيض ـ رحمه الله ـ : يعني : ليس المعنى : يسألونك عن حقيقة الأنفال. وإنّما المعنى : يسألونك أن تعطيهم من الأنفال.
(٢) الكافي ١ / ٥٣٩ ، ح ٣.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.
(٤) الكافي ١ / ٥٤٦ ، ح ١٨.
(٥) المصدر : مولى.
(٦) الكافي ١ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤ ، ح ٦.
(٧) جدعه : قطع أنفه. ولعلّ الوجه في كلامه ـ عليه السّلام ـ هو اشتمال السورة على ذكر الخمس لذوي القربى ، فهذا قطع أنف المخالفين الجاحدين لحقوقهم ـ عليهم السّلام ـ.
(٨) الكافي ١ / ٥٤٦ ، ح ١٧.
(٩) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.
(١٠) جوامع الجامع / ١٦٤.
الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ـ أيضا ـ وسمّاها الفقهاء : فيئا ـ [والأرضون الموات] (١) ، والآجام ، وبطون الأودية ، وقطائع الملوك ، وميراث من لا وارث له. وهي لله وللرّسول ولمن قام مقامه بعده.
وفي الكافي (٢) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).
قال : من مات وليس له موالي (٣) ، فما له من الأنفال.
عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من مات وليس له موالي ، فما له من الأنفال.
عدّة من أصحابنا (٥) ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن العلا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.
قال : من مات وليس له وارث من قرابة (٦) ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته ، فما له من الأنفال.
وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
عن عبد الله بن سنان (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الأنفال.
قال : هي القرى الّتي قد جلا أهلها وهلكوا ، فخربت. فهي لله وللرّسول.
عن أبي أسامة بن زيد (٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الأنفال.
فقال : هو كلّ أرض خربة (١٠) ، وكلّ أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الكافي ٧ / ١٦٩ ، ح ٤.
(٣) المصدر : مولى.
(٤) الكافي ٧ / ١٦٨ ، ح ١.
(٥) الكافي ٧ / ١٦٩ ، ح ١.
(٦) المصدر : قرابته.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ٥.
(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ٦.
(٩) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ١٠.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.