تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(فَمَرَّتْ بِهِ) : فاستمرّت به ، وقامت وقعدت.

وقرئ (١) : «فمرت» بالتّخفيف. و «فاستمرت» و «فمارت» من المور : وهو المجيء والذّهاب. أو من المرية ، أي : فظنّت الحمل وارتابت به.

(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) : صارت ذات ثقل بكبر في بطنها.

وقرئ (٢) ، على البناء للمفعول ، أي : أثقلها حملها.

(دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) : ولدا سويّا قد صلح بدنه.

(لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩) : لك على هذه النّعمة المجدّدة.

(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٩٠) (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١٩١).

قيل (٣) : لمّا حملت حوّاء ، أتاها إبليس في صورة رجل.

فقال لها : ما يدريك ما في بطنك ، لعلّه بهيمة أو كلب. وما يدريك من أين يخرج؟

فخافت من ذلك ، وذكرت لآدم ، فهمّا (٤) منه.

ثمّ عاد إليها وقال : إنّي من الله بمنزلة. فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهّل عليك خروجه ، فسمّيه عبد الحارث.

وكان اسمه حارثا بين الملائكة.

فتقبّلت (٥). فلمّا ولدت ، سمّياه عبد الحارث ، وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء.

قيل (٦) : يحتمل أن يكون الخطاب في «خلقكم» لآل قصيّ من قريش ، فإنّهم خلقوا من نفس قصيّ. وكان له زوج من جنسه عربيّة قرشيّة. وطلبا من الله الولد ، فأعطاهما أربعة بنين. فسمّياهم : عبد مناف ، وعبد شمس ، وعبد قصيّ ، وعبد الدّار.

ويكون الضّمير في «يشركون» لهما ولأعقابهما المقتدين بهما.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٠.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.

(٤) أي : اغتمّا.

(٥) أ ، ب ، ر : فقبلت.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.

٢٦١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ، والعيّاشيّ (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : هما (٢) آدم وحوّاء. وإنّما كان شركهما شرك طاعة ، وليس شرك عبادة.

وزاد في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال : جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ، ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله.

ثمّ ذكر في ذلك حديثا مبسوطا رواه عن الباقر ـ عليه السّلام ـ ، موافقا لما نقلناه من قول القائل : إنّها ممّا لا يليق بالأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.

وقيل (٣) : معناه : التّسمية بعبد عزّى ، وعبد مناة ، وعبد يغوث ، وما أشبه ذلك من [أسماء] (٤) الأصنام.

ومعنى «جعلا له» : جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما. على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في الموضعين.

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثني أبي ، عن حمران (٦) بن سليمان النّيشابوريّ ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟

قال : بلى.

قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما)؟

قال له الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إنّ حوّاء ولدت لآدم خمسمائة بطن [في كلّ بطن] (٧) ذكر وأنثى. وأنّ آدم وحوّاء عاهدا الله ـ تعالى ـ ودعواه وقالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) من النّسل خلقا سويّا بريئا من الزّمانة

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣ ، وتفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ، ح ١٢٥.

(٢) المصدران : هو.

(٣) تفسير الصافيّ ٢ / ٢٥٩.

(٤) من المصدر.

(٥) العيون ١ / ١٩٥ ـ ١٩٧.

(٦) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٢٧٧ ، وفي النسخ : حمران.

(٧) لا يوجد في المصدر.

٢٦٢

والعاهة ، كان ما آتاهما صنفين : صنفا ذكرانا (١) ، وصنفا إناثا. فجعل الصّنفان لله ـ سبحانه ـ (شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) ، ولم يشكراه ، كشكر أبويهما له ـ عزّ وجلّ ـ. قال الله ـ تعالى ـ : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

فقال المأمون : أشهد أنّك ابن رسول الله حقّا.

وما يستفاد من هذا الخبر موافق للقول الأخير ، إلّا في شيئين : الأوّل ، أنّه لا حاجة فيه إلى تقدير المضاف في الموضعين. لأنّ «صالحا» لمّا كان صنفين ، يمكن إرجاع ضمير التّثنية في «جعلا» وفي «آتاهما» إليه ، باعتبار المعنى.

بخلاف ذلك القول ، فإنّه قدّر المضاف في الموضعين.

والثّاني ، أنّه جعل الشّرك عدم الشّكر على حدّ ما شكر أبواها. وهو أعمّ ممّا جعله هذا القائل عبارة منه.

(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) ، أي : لعبدتهم.

(وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٢) : فيدفعون عنها ما يعتريها.

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) ، أي : المشركين.

(إِلَى الْهُدى) : إلى الإسلام.

(لا يَتَّبِعُوكُمْ).

وقرأ (٢) نافع ، بالتّخفيف.

وقيل (٣) : الخطاب للمشركين. و «هم» ضمير الأصنام ، أي : إن تدعوهم إلى أن يهدوكم ، لا يتّبعوكم إلى مرادكم ، ولا يجيبوكم ، كما يجيبكم الله.

(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (١٩٣) : وإنّما لم يقل : «أم صمتّم» للمبالغة في عدم إفادة الدّعاء. من حيث أنّه مسوّى بالثّبات على الصّمات ، أو لأنّه ما كانوا يدعونها لحوائجهم. فكأنّه قيل : سواء عليكم إحداثكم دعاءكم لهم واستمراركم على الصّمات عن دعائهم.

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي : تعبدونهم ، وتسمّونهم آلهة.

(عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) : من حيث أنّها مملوكة مسخّرة.

(فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٩٤) : أنّهم آلهة.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذكرا.

(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.

٢٦٣

ويحتمل أنّهم لمّا نحتوها بصور الأناسيّ ، قال لهم : إنّ قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم ، فلا يستحقّون عبادتكم ، كما لا يستحقّ بعضكم عبادة بعض. ثمّ عاد عليه بالنّقض فقال : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) وقرئ (١) : «إن الّذين». بتخفيف «إن» ، ونصب «عباد». على أنّها نافية عملت عمل «ما» الحجازيّة ، ولم يثبت مثله. و «يبطشون» بالضّمّ ، ها هنا وفي القصص والدّخان.

(قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) : واستعينوا بهم في عداوتي.

(ثُمَّ كِيدُونِ) : فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكروهي ، أنتم وشركاؤكم.

(فَلا تُنْظِرُونِ) (١٩٥) : فلا تمهلوني. فإنّي لا أبالي بكم ، لوثوقي على ولاية الله وحفظه.

(إِنَّ وَلِيِّيَ) : حافظي وناصري.

(اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) : القرآن.

(وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) ، أي : ومن عادته ـ تعالى ـ أن يتولّى الصّالحين من عباده ، فضلا عن أنبيائه.

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٧) : من إتمام التّعليل ، لعدم مبالاته بهم.

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) : يشبهون النّاظرين إليك ، بأنّهم صوّروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه.

(خُذِ الْعَفْوَ) ، أي : خذ ما عفا لك من أفعال النّاس وتسهّل ، ولا تطلب ما يشقّ عليهم.

ونحوه قوله ـ عليه السّلام ـ : يسّروا ولا تعسّروا.

من العفو ، الّذي هو ضدّ الجهل.

أو خذ العفو من المذنبين ، أو الفضل وما يسهّل من صدقاتهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الحسن (٣) بن عليّ بن النّعمان ، عن أبيه ، عمّن سمع أبا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨١.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ، ح ٢٦.

(٣) كذا في النسخ وجامع الرواة ١ / ٢١٧ ، وفي المصدر : الحسين.

٢٦٤

عبد الله ـ عليه السّلام ـ وهو يقول : إنّ الله ـ تعالى ـ أدّب رسوله بذلك ، أي : خذ منهم ما ظهر وما تيسّر.

وقال : «العفو» الوسط.

وفي من لا يحضره الفقيه (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لرجل من ثقيف : إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديّا أو نصرانيّا في درهم خراج ، أو تبيع دابّة عمله (٢) [في درهم] (٣) فإنّا أمرنا أن نأخذ العفو.

(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) : المعروف المستحسن من الأفعال.

(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) : فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم.

وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق ، آمرة للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ باستجماعها.

في مجمع البيان (٤) : روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جبرائيل عن ذلك.

فقال : لا أدري ، حتى أسأل العالم.

ثمّ أتاه فقال : يا محمّد ، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).

وفي عيون الأخبار (٥) ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث ، مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ. قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال : سنّة من ربّه ، وسنّة من نبيّه ، وسنّة من وليّه.

... إلى قوله : وأمّا السّنّة من نبيّه ، فمداراة النّاس. [فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمداراة النّاس] (٦) فقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).

وفي جوامع الجامع (٧) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أمر الله نبيّه ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) الفقيه ٢ / ١٣.

(٢) المصدر : عمل.

(٣) من المصدر.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥١٢.

(٥) العيون ١ / ٢٥٦.

(٦) من المصدر.

(٧) جوامع الجامع / ١٦٣.

٢٦٥

وآله ـ [بمكارم الأخلاق. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها] (١).

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) : ينخسنّك منه نخس ، أي : وسوسة ، نحملك على خلاف ما أمرت به ، كاعتراض غضب.

و «النّزغ» و «النّسغ» و «النّخس» الغرز. شبّه وسوسته للنّاس ، إغراء لهم على المعاصي وإزعاجا ، بغرز السّائق وما يسوقه.

وفي الجوامع : لمّا نزلت الآية السّابقة ، قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كيف ، يا ربّ ، والغضب؟ فنزلت.

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ) : يسمع استعاذتك.

(عَلِيمٌ) (٢٠٠) : يعلم ما فيه صلاح أمرك ، فيحملك عليه. أو سميع بأقوال من آذاك ، عليم بأفعاله ، فيجازيه عليها مغنيا إيّاك عن الانتقام ومتابعة الشّيطان.

والمراد بالنّزغ ومتابعة الشّيطان : ما ظاهر صورته ذلك ، كالغضب. فإنّ غضب الشّيء ، وإن لم يكن نزغة ومتابعة ، لكن ظاهر صورته ذلك. ولهذا أمره بالاستعاذة يدلّ عليه الآية.

ويحتمل أن يكون الخطاب له ـ عليه السّلام ـ. والمراد الأمّة ، كما في أكثر القرآن.

وفي كتاب الخصال (٢) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إذا وسوس الشّيطان لأحدكم ، فليستعد (٣) بالله ، وليقل : آمنت بالله وبرسوله مخلصا له الدّين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ).

قال : إن عرض في قلبك منه شيء ووسوسة (٥) ، (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) : لمّة (٦) منه. وهو اسم فاعل من : طاف يطوف. كأنّها طافت بهم ودارت حولهم ، فلم تقدر أن تؤثّر فيهم. أو من :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بمدارة النّاس فقال : «خذ العفو» ـ إلى آخر الآية ـ. والظاهر أنّ الخطأ نشأ عند نقل الحديث من تفسير الصافي. فليراجع.

(٢) الخصال / ٦٢٤.

(٣) المصدر : إلى أحدكم ، فليتعوّذ.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : وسوس.

(٦) اللمّة : الهمّة والخطرة تقع في القلب.

٢٦٦

طاف به الخيال ، يطيف طيفا.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ ويعقوب : «طيف» على إنّه مصدر. أو تخفيف طيّف ، كليّن وهيّن.

والمراد بالشّيطان : الجنس. ولذلك جمع ضمير «إخوانهم».

(تَذَكَّرُوا) : ما أمر الله به ونهى عنه.

(فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢٠١) : بسبب التّذكّر مواقع الخطأ ومكائد الشّيطان ، فيحترزون عنها ولا يتبعونه فيها.

والآية تأكيد وتقرير لما قبلها.

وفي روضة الكافي (١) ، كلام لعليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في الوعظ والزّهد في الدّنيا. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : واحذروا ، أيّها النّاس ، من الذّنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذّركموها في كتابه الصّادق والبيان النّاطق. فلا تأمنوا مكر الله وتحذيره عند ما يدعوكم الشّيطان اللّعين إليه ، من عاجل الشّهوات واللّذات في هذه الدّنيا.

فإن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ). فأشعروا [قلوبكم خوف] (٢) الله ، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوّفكم من شديد العقاب.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ثلاث من أشدّ ما عمل العباد : إنصاف المؤمن من نفسه ، ومواساة [المرء أخاه] (٤) ، وذكر الله على كلّ حال. وهو أن يذكر الله عند المعصية [يهمّ بها ، فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية] (٥). وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

وفي أصول الكافي (٦) : أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال :

__________________

(١) الكافي ٨ / ٧٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قلوبكم الله أنتم خوف.

(٣) الخصال / ١٣١ ، ح ٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : المؤاخاة.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، ح ٧.

٢٦٧

سألته] (١) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

قال : هو العبد يهمّ بالذّنب ثمّ يتّذكر ، فيمسك ، فذلك قوله : (تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن عبد الأعلى (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

قال : هو الذّنب يهمّ به العبد ، فيتذكّر ، فيدعه.

عن عليّ بن أبي حمزة (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

ما ذلك [الطائف] (٥)؟

فقال : هو السيّئ (٦) يهمّ به العبد ، ثمّ يذكر الله ، فيبصر ويقصر.

أبو بصير (٧) ، عنه قال : هو الرّجل يهمّ بالذّنب ثمّ يتذكّر فيدعه (٨).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : قال : إذا ذكّرهم الشّيطان المعاصي وحملهم عليها ، يذكرون اسم الله (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).

(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ) ، أي : وإخوان الشّياطين الّذين لم يتّقوا يمدّهم الشّياطين.

(فِي الغَيِ) : بالتّزيين ، والحمل عليه.

وقرئ (١٠) : «يمدّونهم». من أمدّ.

وقرئ (١١) : «يمادّونهم» ، كأنّهم يعينونهم بالتّسهيل والإغواء ، وهؤلاء يعينونهم

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ، ح ١٢٨.

(٣) المصدر : زيد بن أبي اسامة.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٤٤ ، ح ١٢٩.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : شيء.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٠.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيه ويقصر.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٥٣.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٢.

(١١) نفس المصدر ، والموضع.

٢٦٨

بالاتّباع والامتثال.

(ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (٢٠٢) : لا يمسكون عن إغوائهم حتّى يردّوهم.

ويجوز أن يكون الضّمير «للإخوان» ، أي : لا يكفّون عن الغيّ ولا يقصرون ، كالمتّقين.

ويجوز أن يراد «بالإخوان» : الشّياطين. ويرجع الضّمير إلى الجاهلين ، فيكون الخبر جاريا على ما هو له.

(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) : من القرآن ، أو ممّا اقترحوه.

(قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) : هلا جمعتها تقوّلا من نفسك ، كسائر ما تقرأه. أو هلّا طلبتها من الله.

(قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) : لست بمختلق للآيات ، أو لست بمقترح لها.

(هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) : هذا القرآن بصائر للقلوب ، بها تبصر الحقّ وتدرك الصّواب.

(وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣) : سبق تفسيره.

(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٠٤).

قيل (١) : نزلت في الصّلاة كانوا يتكلّمون فيها ، فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات له.

وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن بريد بن معاوية ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في خطبة يوم الجمعة الخطبة الأولى : الحمد لله نحمده ونستعينه ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ : إنّ كتاب الله أصدق الحديث وأحسن القصص. وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). [فاستمعوا طاعته] (٣) ، وأنصتوا ابتغاء رحمته.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣.

(٢) الكافي ٣ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(٣) المصدر : فاسمعوا طاعة [أ] لله.

٢٦٩

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : إذا كنت خلف [الإمام تأتمّ] (٢) به ، فأنصت ، وسبّح في نفسك.

وعن الصّادق (٣) ـ عليه السّلام ـ : يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي غيرها.

وإذا قرئ عندك القرآن ، وجب عليك الإنصات والاستماع.

وفي مجمع البيان (٤) : وروى زرارة ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : معناه : إذا كنت خلف إمام تأتمّ به ، فأنصت وسبّح في نفسك فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة.

وفي من لا يحضره الفقيه (٥) : وفي رواية زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وإن كنت خلف إمام ، فلا تقرأنّ شيئا في الأوّلتين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول للمؤمنين : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) ، يعني : في الفريضة خلف الإمام. (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). والأخيرتان تبعا للأوّلتين (٦).

وفي تهذيب الأحكام (٧) ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه سئل عن القراءة (٨) خلف الإمام.

فقال : إذا [كنت خلف إمام تتولّاه] (٩) وتثق به ، فإنّه يجزيك قراءته. وإن أحببت أن تقرأ ، فاقرأ فيما يخافت به. فإذا جهر ، فأنصت. قال الله ـ تعالى ـ : (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

الحسين بن سعيد (١٠) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الرّجل يؤمّ القوم ، وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة.

فقال : إذا سمعت كتاب الله يتلى ، فأنصت له.

قيل : فإنّه يشهد عليّ بالشّرك.

قال : إن عصى الله ، فأطع الله. فرددت عليه ، فأبى أن يرخّص لي.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٤.

(٢) المصدر : إمام فأتم.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥١٥.

(٥) الفقيه ١ / ٢٥٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : للأوّليين.

(٧) التهذيب ٣ / ٣٣.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : القرآن.

(٩) من المصدر ، وفي النسخ : كان الإمام تولّاه.

(١٠) التهذيب ٣ / ٣٥ ـ ٣٦.

٢٧٠

قيل : أصليّ إذن في بيتي ، ثمّ أخرج إليه.

فقال : أنت وذاك.

وقال : إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان في صلاة الصّبح. فقرأ ابن الكواء وهو خلفه : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية. ثمّ عاد في قراءته. ثمّ أعاد ابن الكواء الآية. فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ أيضا. ثمّ قرأ ، فأعاد ابن الكواء. فأنصت عليّ ـ عليه السّلام ـ ثمّ قال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٢) ثمّ أتمّ السّورة ، ثمّ ركع.

قيل (٣) : هذان الحديثان وما في معناهما ، ممّا يوافق ظاهر القرآن من عموم وجوب الاستماع والإنصات ، محمول عند أصحابنا وعامّة الفقهاء على الاستحباب وتأكّده. بل قد ورد الأمر بالقراءة خلف المخالف ، وإن سمعت قراءته ، إذا لم تكن هناك تقيّة.

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) : عامّ في الأذكار ، من القراءة والدّعاء وغيرهما.

(تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) : متضرّعا وخائفا.

(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) : متكلّما كلاما فوق السّرّ ، ودون الجهر. فإنّه أدخل في الخشوع والإخلاص.

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) : أوقات الغدوّ والعشيّات.

وقرئ : «الإيصال». وهو مصدر آصل : إذا دخل في الأصيل. مطابق للغدوّ.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : لا يكتب الملك إلّا ما سمع. وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً). فلا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس الرّجل غير الله ـ عزّ وجلّ ـ لعظمته.

وبإسناده (٥) إلى أبي بصير : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في آخر حديث : ودعاء التّضرّع ، أن تحرّك إصبعك السّبّابة مما يلي وجهك. وهو دعاء الخيفة.

__________________

(١) الزمر / ٦٥.

(٢) الروم / ٦٠.

(٣) تفسير الصّافي ٢ / ٢٦٣.

(٤) الكافي ٢ / ٥٠٢.

(٥) الكافي ٢ / ٤٨١.

٢٧١

عدّة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، رفعه قال : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لعيسى ـ عليه السّلام ـ : اذكرني في نفسك ، [أذكرك في نفسي] (٢) واذكرني في ملئك ، أذكرك (٣) في ملأ خير من ملأ الآدميّين.

وبإسناده (٤) إلى أبي المغرا الخصّاف ، رفعه قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : من ذكر الله في السّرّ ، فقد ذكر الله كثيرا. إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانيّة ، ولا يذكرونه في السّرّ. فقال الله ـ تعالى ـ : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (٥).

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن إبراهيم بن عبد الحميد ، رفعه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، يعني : مستكينا. «وخيفة» ، يعني :

خوفا من عذابه. (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ، يعني : دون الجهر من القراءة (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [يعني : بالغداة] (٧) بالغدوّ والعشيّ.

عن الحسين بن المختار (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).

قال : تقول عند المساء : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، ويميت ويحيي ، وهو على كلّ شيء قدير (٩).

قلت : بيده الخير.

[قال : إنّ بيده الخير] (١٠) ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات. وأعوذ بالله السّميع العليم من همزات الشّياطين (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) إن الله هو السميع العليم. [عشر مرّات حين تطلع الشمس وعشر مرّات حين تغرب.

عن محمّد بن مروان (١١) عن بعض أصحابه قال : قال جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ : قل : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله أن يحضرون. إن الله

__________________

(١) الكافي ٢ / ٥٠٢.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : واذكرني.

(٤) الكافي ٢ / ٥٠١.

(٥) النساء / ١٤٢.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٤٤. (٧) من المصدر. وفي النسخ : بالغدو. (٨) نفس المصدر ٢ / ٤٥ ، ح ١٣٦.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ قبل العبارة الأخيرة هذه الزيادة : وهو حي لا يموت بيده الخير.

(١٠) من المصدر. (١١) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٧.

٢٧٢

هو السميع العليم. و] (١) قل : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، وهو على كلّ شيء قدير.

فقال له الرّجل : مفروض هو؟

قال : نعم ، مفروض هو محدود. تقوله قبل طلوع الشّمس ، وقبل الغروب عشر مرّات. فإن فاتك شيء منها ، فاقضه من اللّيل والنّهار.

وفي كتاب الخصال (٢) : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زبيرة القطّان ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدّثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) (٣).

فقال ـ عليه السّلام ـ : فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشّمس عشر مرّات : [وقبل غروبها عشر مرّات] (٤) لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير.

قال : فقلت : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي.

فقال : [يا] (٥) هذا ، لا شكّ في أنّ الله يحيي ويميت ويميت ويحيي. ولكن قل كما أقول (٦).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) قال : في الظّهر والعصر. (دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) قال : بالغداة والعشيّ (٨).

(وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) (٢٠٥) : عن ذكر الله.

وفي الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أيّما مؤمن حافظ على الصلوات

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الخصال / ٤٥٢.

(٣) طه / ١٣٠.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قلت.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : نصف النهار.

(٩) الكافي ٣ / ٢٧٠.

٢٧٣

المفروضة فصلّاها لوقتها ، فليس هذا من الغافلين.

محمّد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من كان معه كفنه في بيته ، لم يكتب من الغافلين. وكان مأجورا كلّما نظر إليه.

وفي كتاب الخصال (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ ، لكلّ شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها ـ إلى أن قال ـ : وللغافل ثلاث علامات : اللهو ، والسّهو ، والنّسيان.

وفي كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأ عشر آيات في ليلة ، لم يكتب من الغافلين.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ذاكر الله في الغافلين ، كالمقاتل عن الفارّين. والمقاتل عن الفارّين له الجنّة.

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) قيل : يعني : الملائكة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، يعني : الأنبياء والرّسل والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ) : وينزّهونه.

(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢٠٦) : ويخصّونه بالعبادة والتّذلّل ، لا يشركون به غيره. هذا أول سجدات القرآن.

وفي الحديث (٦) : إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد ، اعتزل الشّيطان يبكي ويقول : يا ويله ، امر هذا بالسّجود فسجد ، فله الجنّة. وأمرت بالسّجود فعصيت ، فلي النّار.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٥٦.

(٢) الخصال / ١٢١ ـ ١٢٢.

(٣) ثواب الأعمال / ١٢٩.

(٤) الكافي ٢ / ٥٠٢.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣.

٢٧٤

تفسير سورة الانفال

٢٧٥
٢٧٦

سورة الأنفال

وهي مكّيّة (١). وهي ستّ وسبعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

في تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ [حقّا] (٣) ويأكل (٤) يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته ، حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

وفي كتاب ثواب الأعمال (٥) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (٦) : أبيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من

__________________

(١) بل مدنيّة. كما قال البيضاوي في أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣ ، والطبرسي في مجمع البيان ٢ / ٥١٦.

وذكر في المجمع : «غير سبع آيات نزلت بمكّة : «وإذ يمكر بك الّذين كفروا» ـ إلى آخرهنّ». وكذلك في تفسير الصّافي ٢ / ٢٦٦.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٦ ، ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : أكل.

(٥) ثواب الأعمال / ١٣٢ ، ح ١.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٥١٦.

٢٧٧

قرأ سورة الأنفال وبراءة ، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق. واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في [دار] (١) الدّنيا عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات [ورفع له عشر درجات] (٢). وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) ، أي : الغنائم ، يعني : حكمها.

وإنّما سمّيت الغنيمة نقلا ، لأنّها عطيّة من الله ـ تعالى ـ وفضل ، كما سمّي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر : عطيّة له ، وزيادة على سهمه.

وفي مجمع البيان (٣) : قرأ السّجاد والباقر والصّادق ـ عليهم السّلام ـ : «يسألونك الأنفال».

يعني : أن يعطيهم.

وقرئ : «يسألونك علنفال» بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على اللّام ، وإدغام نون «عن» فيها.

(قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) : مختصّة بهما يضعانها حيث شاءا.

وفي التّهذيب (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «الفيء والأنفال» ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم (٥) ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة (٦) أو بطون أودية. فهو كلّه من الفيء والأنفال (٧). فهذا كلّه لله ولرسوله. فما كان لله ، فهو لرسوله يضعه حيث شاء. وهو للإمام بعد الرّسول.

وفيه (٨) : محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد قال : حدّثنا بعض أصحابنا ، رفع الحديث فقال : «الخمس» من خمسة أشياء : من الكنوز ، والمعدن (٩) ، والغوص ، والمغنم الّذي يقاتل عليه ولم يحفظ عليه الخامس ، وما كان من فتح لم يقاتل عليه ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب إلّا أنّ أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه ، فكيف ما عاملهم ، عليه النّصف أو الثّلث أو الرّبع ، أو ما كان يسهم له خاصّة وليس لأحد فيه شيء إلّا ما أعطاه هو منه. وبطون الأودية ورؤوس الجبال والموات كلّها هي له. وهو قوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١ و ٢) ـ من المصدر.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥١٦ و ٥١٧.

(٤) التهذيب ٤ / ١٣٤.

(٥) المصدر : الدماء.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) التهذيب ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٩) المصدر : المعادن.

٢٧٨

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) أن تعطيهم منه. قال : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ). وليس هو (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) (١). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة (٣) أو بطون الأودية.

فهو لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.

عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن رفاعة ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في الرّجل يموت ولا وارث له ولا موالي (٥).

قال : هو من أهل هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).

[عدّة من أصحابنا (٦) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : «الأنفال» هو النّفل. وفي سورة الأنفال يقال جدع الأنف (٧).

عليّ بن إبراهيم (٨) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي الصّباح قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : نحن قوم فرض الله طاعتنا. لنا الأنفال ولنا صفو المال] (٩).

وفي الجوامع (١٠) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «الأنفال» كلّما أخذ من دار

__________________

(١) قال الفيض ـ رحمه الله ـ : يعني : ليس المعنى : يسألونك عن حقيقة الأنفال. وإنّما المعنى : يسألونك أن تعطيهم من الأنفال.

(٢) الكافي ١ / ٥٣٩ ، ح ٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.

(٤) الكافي ١ / ٥٤٦ ، ح ١٨.

(٥) المصدر : مولى.

(٦) الكافي ١ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤ ، ح ٦.

(٧) جدعه : قطع أنفه. ولعلّ الوجه في كلامه ـ عليه السّلام ـ هو اشتمال السورة على ذكر الخمس لذوي القربى ، فهذا قطع أنف المخالفين الجاحدين لحقوقهم ـ عليهم السّلام ـ.

(٨) الكافي ١ / ٥٤٦ ، ح ١٧.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.

(١٠) جوامع الجامع / ١٦٤.

٢٧٩

الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ـ أيضا ـ وسمّاها الفقهاء : فيئا ـ [والأرضون الموات] (١) ، والآجام ، وبطون الأودية ، وقطائع الملوك ، وميراث من لا وارث له. وهي لله وللرّسول ولمن قام مقامه بعده.

وفي الكافي (٢) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).

قال : من مات وليس له موالي (٣) ، فما له من الأنفال.

عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من مات وليس له موالي ، فما له من الأنفال.

عدّة من أصحابنا (٥) ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن العلا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

قال : من مات وليس له وارث من قرابة (٦) ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته ، فما له من الأنفال.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.

عن عبد الله بن سنان (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الأنفال.

قال : هي القرى الّتي قد جلا أهلها وهلكوا ، فخربت. فهي لله وللرّسول.

عن أبي أسامة بن زيد (٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الأنفال.

فقال : هو كلّ أرض خربة (١٠) ، وكلّ أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٧ / ١٦٩ ، ح ٤.

(٣) المصدر : مولى.

(٤) الكافي ٧ / ١٦٨ ، ح ١.

(٥) الكافي ٧ / ١٦٩ ، ح ١.

(٦) المصدر : قرابته.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ٥.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ٦.

(٩) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧ ، ح ١٠.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جزية.

٢٨٠