تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

قلت : جعلت فداك ، إني سألت أباك وهو نازل في هذا الموضع عن خليفته من بعده ، فدلّني عليك. وقد سألتك منذ سنين ، وليس لك ولد ، على (١) الإمامة فيمن تكون من بعدك؟ فقلت : في ولدي. وقد وهب لك ابنين ، فأيّهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟

فقال لي : هذا الّذي سألت عنه ليس هذا وقته (٢).

فقلت : جعلت فداك ، قد رأيت ما ابتلينا به في أبيك ولست آمن الأحداث.

فقال : كلّا إن شاء الله ، لو كان الّذي يخاف (٣) كان منّي في ذلك حجّة أحتجّ بها عليك وعلى غيرك. أما علمت أن الإمام ، الفرض عليه والواجب من الله إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتجّ في الإمام من بعده وبحجّة معروفة مثبتة (٤)؟ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول في كتابه : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ). فطب نفسا وطيّب نفس أصحابك ، فان الأمر يجيء على غير ما تحذرون (٥).

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عليّ بن أبي حمزة قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ أباك أخبرنا بالخلف من بعده ، فلو خبّرتنا به.

قال : فأخذ بيدي ، فهزّها.

ثمّ قال : (ما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ).

وفي كتاب التوحيد (٧) : حدثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه ، محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن الطّيار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ).

قال : حتّى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.

حدّثنا (٨) [محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) ، قال : حدثنا] (٩) محمّد بن

__________________

(١) المصدر : من (عن ـ خ ل)

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : وفيه.

(٣) المصدر : تخاف.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : والحجة معروفة مبيّنة. وفي بعض نسخ المصدر : «مبنية» «مثبتة».

(٥) المصدر : يحذرون إن شاء الله تعالى.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ١١٥ ، صدر ح ١٤٩.

(٧) التوحيد / ٤١١ ، صدر ح ٤.

(٨) نفس المصدر / ٤١٤ ، ذيل ح ١١.

(٩) من المصدر.

٥٦١

الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار (١) ، عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن حمّاد عن عبد الأعلى (٢) ، مثله.

وفي أصول الكافي (٣) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن فضّال (٤) ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن محمّد الطّيار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله سواء.

(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١١٥) : فيعلم أمرهم في الحالين.

(إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١١٦) : لمّا منعهم عن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى ، ويتضمّن ذلك وجوب التبرؤ عنهم رأسا ، بيّن لهم أنّ الله مالك كل موجود ومتولي أمره والغالب عليه ، ولا يتأتّى لهم ولاية ولا نصرة إلّا منه ليتوجّهوا بشراشرهم (٥) إليه ويتبرءوا عمّا عداه ، حتّى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ، ويذرون سواه.

(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) قيل (٦) : من إذن المنافقين في التّخلف. أو برّأهم (٧) عن علقة الذّنوب ، كقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).

وقيل (٨) : هو بعث على التّوبة. والمعنى : ما من أحد إلّا وهو محتاج إلى التّوبة ، حتّى النبي والمهاجرين والأنصار لقوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) إذ ما من أحد إلّا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه ، والترقيّ إليه توبة من تلك النّقيصة ، وإظهار لفضلها بأنّها مقام الأنبياء والصّالحين من عباده.

وفي الاحتجاج (٩) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ وفي مجمع البيان : عن الرّضا

__________________

(١) أ ، ب ، ر : إسماعيل بن مهران.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «عمّار بن عبد الأعلى» بدل «حمّاد عن عبد الأعلى».

(٣) الكافي ١ / ١٦٣ ، صدر ح ٣.

(٤) المصدر : ابن فضّال.

(٥) الشراشر : الجسم بجملته : قالوا : ألقى عليه شراشره ، أي : أعباءه وهمومه أو ألقى عليه نفسه حرصا ومحبّة.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٥.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : تبرأهم.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) المجمع ٣ / ٨٠ لم أعثر عليه في الاحتجاج ، ولكن رواه عنه في تفسير الصافي ٢ / ٣٨٣.

٥٦٢

ـ عليه السّلام ـ أنّهما قرءا : «لقد تاب الله بالنّبيّ على المهاجرين».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : هكذا نزلت.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : «لقد تاب الله بالنّبيّ على (٣) المهاجرين والأنصار».

قال أبان : فقلت له : يا ابن رسول الله ، إنّ العامّة لا تقرأ ، كما عندك.

قال : وكيف تقرأ ، يا أبان.

قال : قلت : إنّها تقرأ : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ).

قال : ويلهم ، وأي ذنب كان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى تاب الله عليه منه؟ إنّما تاب الله به على أمّته. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) : في وقتها. وهي حالهم في غزوة تبوك. كانوا في عسرة من الظّهر يعتقب العشرة على بعير واحد ، والزّاد. حتّى قيل : إنّ الرّجلين كانا يقتسمان تمرة ، والماء حتّى شربوا الفظّ (٤).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وهم أبو ذرّ وأبو خيثمة وعميرة بن وهب ، الّذين تخلفوا ثمّ لحقوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وتخلّف (٦) عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قوم من أهل نيات بصائر ، لم يكن يلحقهم شكّ ولا ارتياب. ولكنّهم قالوا : فلحق (٧) برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. منهم أبو خيثمة. وكان قويا ، وكان له زوجتان وعريشتان (٨). فكانت زوجتاه قد رشتا (٩) عريشتيه ، وبرّدتا له الماء ، وهيّأتا له طعاما. فأشرف على عريشته.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٩٧.

(٢) لم أعثر عليه في الاحتجاج. ورواه عنه في تفسير الصافي ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ونور الثقلين ٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، ح ٣٨٦.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «و» بدل «على».

(٤) الفظّ : ماء الكرش يشرب عند عوز الماء في المفاوز.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٩٧.

(٦) من هنا الى آخر الحديث في نفس المصدر والموضع / ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يلحق.

(٨) العريش : كالهودج ، وما عرش للكرم ، والبيت الذي يستظلّ به.

(٩) أي طلبتا أن تتخذاهما.

٥٦٣

فلمّا نظر إليهما ، قال : لا والله ، ما هذا بإنصاف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر قد خرج في الضّحّ (١) والرّيح ، وقد حمل السّلاح يجاهد في سبيل الله ، وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشته وامرأتين حسناوين. لا والله ، ما هذا بإنصاف.

ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله ، فلحق برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر النّاس إلى راكب على الطريق ، فأخبروا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بذلك فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كن أبا خيثمة. فكان أبا خيثمة (٢).

فأقبل ، وأخبر النبي بما كان منه. فجزاه خيرا ودعا له.

وكان أبو ذرّ ـ رحمه الله ـ تخلّف عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثلاثة أيّام ، وذلك أنّ جمله كان أعجف (٣) ، فلحق بعد ثلاثة أيّام. ووقف عليه جملة في بعض الطريق ، فتركه وحمل ثيابه على ظهره. فلمّا ارتفع النّهار ، نظر المسلمون إلى شخص مقبل. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كن أبا ذرّ.

فقالوا : هو أبو ذرّ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أدركوه بالماء ، فإنّه عطشان. فأدركوه بالماء. ووافى أبو ذرّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومعه أداوة فيها ماء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أبا ذرّ ، معك ماء وعطشت؟

فقال : نعم ، يا رسول الله. بأبي أنت وأمي ، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماء ، فذقته فإذا هو عذب بارد. فقلت : لا أشربه حتّى يشربه حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أبا ذرّ ، رحمك الله ، تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنّة وحدك. يسعد بك قوم من أهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك والصّلاة عليك ودفنك.

وفي الجوامع (٤). والعسرة حالهم في غزوة تبوك. كان يعتقب العشرة على بعير

__________________

(١) الضحّ : الشمس. وقولهم : جاء فلان بالضحّ والريح ، أي : بما طلعت عليه. الشمس وما جرت عليه الريح.

(٢) ليس في المصدر : فكان أبا خيثمة.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعجب.

(٤) الجوامع / ١٨٨.

٥٦٤

واحد ، وكان زادهم الشعير السوّس والتمر المدود والإهالة (١) السّنخة (٢). وبلغت الشدّة بهم أن اقتسم التّمرة اثنان ، وربّما مصها الجماعة يشربوا الماء عليها. وكانوا في حمازة القيظ (٣) ، وفي الضيقة الشديدة من القحط وقلّة الماء.

(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) : عن الثبات على الإيمان واتّباع الرّسول. وفي «كاد» ضمير الشّأن ، أو ضمير القوم. والعائد عليه الضمير في «منهم». وقرأ (٤) حمزة وحفص : «يزيغ» بالياء ، لأنّ تأنيث القلوب غير حقيقيّ.

وقرئ (٥) : «من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم» ، يعني : المتخلفين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وكان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بتبوك رجل يقال له : المضرب ، لكثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأحد.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : عدّ لي أهل العسكر.

فعدّدهم ، فقال : هم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد (٧) والتّبّاع.

فقال : عدّ لي المؤمنين. [فعدّدهم] (٨).

فقال : هم خمسة وعشرون رجل.

(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) : تكرير للتأكيد ، وتنبيه على أنّه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة. أو المراد ، أنه تاب عليهم لكيدودتهم.

(إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١١٧) : تداركهم برأفته ورحمته.

(وَعَلَى الثَّلاثَةِ) :

وتاب على الثّلاثة ، كعب بن مالك ، وهلال (٩) بن أميّة ، ومرارة بن ربيع. على ما رواه العياشي (١٠). عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

(الَّذِينَ خُلِّفُوا) : تخلّفوا عن الغزو. أو خلف أمرهم ، فإنّهم المرجون.

وفي مجمع البيان (١١) : وقراءة عليّ بن الحسين بن زين العابدين ، وأبي جعفر ، محمد بن

__________________

(١) الإهالة : الشحم ، أو الزيت ، أو كلّ ما يؤتدم به.

(٢) السنخة : الريح النتنة. وفي المصدر : «الزنخة» بدل «السنخة».

(٣) حمازة القيظ : شدّته.

(١ و ٥) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٣٥.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٩٦.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : العبد.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : هلاك.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ١١٥ ، ح ١٥١.

(١١) المجمع ٣ / ٧٨.

٥٦٥

عليّ الباقر ، وجعفر بن محمّد الصّادق : «خالفوا» (١).

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن فيض بن المختار قال : أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كيف تقرأ هذه الآية في التّوبة (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ)؟

قال : قلت : «خلّفوا».

قال : لو خلّفوا ، لكانوا في حالة طاعة (٣).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال العالم ـ عليه السّلام ـ : إنّما نزل وعلى الثلاثة الذين خالفوا. ولو خلّفوا ، لم يكن عليهم عيب.

(حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) ، أي : برحبها ، لإعراض النّاس عنهم بالكليّة. وهو مثل لشدة الحيرة.

(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) : قلوبهم ، من فرط الوحشة والغمّ ، بحيث لا يسعها انس ولا سرور.

(وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) : من سخطه.

(إِلَّا إِلَيْهِ) ، أي : استغفاره.

(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) : بالتّوفيق للتّوبة.

وفي معاني الأخبار (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : هي الإقالة.

(لِيَتُوبُوا) : وأنزل قبول توبتهم ، ليعدّوا في جملة التّوابين. أو رجع عليهم بالقبول والرّحمة مرّة بعد أخرى ، ليستقيموا على توبتهم.

وفي تفسير العياشيّ (٦) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا).

قال : أقالهم ، فو الله ، ما تابوا.

(إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) : لمن تاب ، ولو عاد في اليوم مائة مرّة.

(الرَّحِيمُ) (١١٨) : المتفضّل عليهم بالنّعم.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : خالفوه.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ١١٥ ، صدر ح ١٥٢.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : طاعته.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٥) المعاني / ٢١٥ ، ح ١.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١١٦ ، ح ١٥٤.

٥٦٦

وفي تفسير علي بن إبراهيم (١) ، في قصة غزوة تبوك : وقد كان تخلّف عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قوم من المنافقين ، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق ، منهم كعب بن مالك الشّاعر ، ومرارة (٢) بن (٣) الرّبيع ، وهلال بن أميّة الواقفيّ.

فلمّا تاب الله عليهم ، قال كعب : ما كنت قطّ أقوى مني من ذلك الوقت الّذي خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى تبوك. وما اجتمعت لي راحلتان قط ، إلّا في ذلك اليوم. فكنت أقول : أخرج غدا ، أخرج بعد غد فاني قويّ (٤). وتوانيت ، وبقيت بعد خروج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أياما أدخل السوق ولا أقضي حاجة.

فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الرّبيع ، وقد كانا تخلّفا ـ أيضا ـ. فتوافقنا أن نبّكر إلى السّوق ولم نقض حاجة. فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد ، حتّى بلغنا إقبال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فندمنا.

فلمّا وافى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ استقبلناه نهنّئه (٥) بالسّلامة. فسلّمنا عليه ، فلم يردّ علينا السّلام ، وأعرض عنا. وسلّمنا على إخواننا ، فلم يردّوا علينا السلام. فبلغ ذلك أهلينا ، فقطعوا كلامنا. وكنّا نحضر المسجد ، فلا يسلّم علينا أحد ولا يكلّمنا.

فجاءت (٦) نساؤنا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقلن : قد بلغنا سخطك على أزواجنا ، أفنعتزلهم؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تعتزلنّهم (٧) ، ولكن لا يقربوكنّ.

فلمّا رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حلّ بهم ، [قالوا] (٨) ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلّمنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولا إخواننا ولا أهلونا. فهلموا [نخرج] (٩) إلى هذا الجبل ، فلا نزال فيه حتّى يتوب الله علينا أو نموت.

فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة. فكانوا يصومون ، وكان أهلوهم يأتونهم بالطّعام فيضعونه ناحية ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم. فبقوا على هذه الحالة أيّاما كثيرة ، يبكون

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

(٢) المصدر : مرادة.

(٣) ليس في ر : بن.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مقوي.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : تهنئة.

(٦) المصدر : فجئن.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تعتزلهم.

(١ و ٩) ـ من المصدر.

٥٦٧

باللّيل والنّهار ، ويدعون الله أن يغفر لهم.

فلمّا طال عليهم الأمر ، قال لهم كعب : يا قوم ، قد سخط الله علينا ، ورسوله قد سخط علينا ، وإخواننا سخطوا علينا ، [وأهلونا سخطوا علينا] (١) ، فلا يكلّمنا أحد. فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟

فتفرّقوا في اللّيل ، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب الله عليهم. فبقوا على هذه ثلاثة أيّام ، كلّ واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه. فلمّا كان في الليلة الثّالثة ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بيت أمّ سلمة ، نزلت توبتهم على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) حيث لم يكلّمهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولا إخوانهم ولا أهلوهم. فضاقت المدينة عليهم حتّى خرجوا منها ، وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضا ، فتفرّقوا وتاب الله عليهم لمّا عرف صدق نيّاتهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) : فيما لا يرضاه.

(وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩) : في إيمانهم وعهودهم. أو في دين الله ، نيّة وقولا وعملا.

وقرئ (٢) : «من الصّادقين» ، أي : في توبتهم وإنابتهم ، فيكون المراد : هؤلاء الثّلاثة وأضرابهم.

وفي مجمع البيان (٣) : في مصحف عبد الله وقراءة ابن عبّاس : «من الصّادقين».

وروي ذلك ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٤) : الحسين بن محمّد ، عن معليّ بن محمّد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية العجليّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

قال : إيّانا عنى.

محمّد بن يحيى (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي بصير ، عن أبي الحسن الرّضا

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المجمع ٣ / ٨٠.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) الكافي ١ / ٢٠٨ ، ح ١.

(٥) الكافي ١ / ٢٠٨ ، ح ٢.

٥٦٨

ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

قال : «الصّادقون» هم الأئمة. و «الصّديقون» بطاعتهم.

وفي كتاب الاحتجاج (١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض طاعتهم بقوله : «و (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : هم الأئمة ـ عليهم السّلام ـ.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النّعمة (٣) ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : أسألكم بالله ، أتعلمون أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا أنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـ إلى قوله ـ مَعَ الصَّادِقِينَ) فقال سلمان : يا رسول الله ، عامة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أمّا المأمورون ، فعامّة المؤمنين أمروا بذلك. وأمّا الصّادقون ، فخاصة لأخي عليّ وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة؟

قالوا : اللهم ، نعم.

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) ، خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها ، فتضلّوا في دينكم. يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : إنّ الله مع الصادقين. أنا ذلك مع الصّادق (٥)

وفي أمالي شيخ الطائفة (٦) ـ قدس سرّه ـ ، بإسناده إلى جابر : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

قال : مع عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وفي تهذيب الأحكام (٧) ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق ـ عليه

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٦٩.

(٢) تفسير القمي ١ / ٣٠٧.

(٣) كمال الدين / ٢٧٨.

(٤) المعاني / ٥٩.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : إنّما ذلك مع الصادق.

(٦) أمالي الطوسي ١ / ٢٦١.

(٧) التهذيب ٣ / ١٤٧.

٥٦٩

السّلام ـ : ربنّا ، إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك وأمرتنا أن نكون مع الصادقين ، فقلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) وقلت : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). فسمعنا وأطعنا. ربّنا ، فثبّت أقدامنا وتوفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك و (لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : أصلحك الله ، أيّ شيء إذا عملته استكملت حقيقة الإيمان؟

قال : توالي [أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله.

قال : قلت : ومن أولياء الله ومن أعداء الله.

فقال :] (٣) أولياء الله ، محمّد رسول الله ، وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين. ثمّ انتهى الأمر إلينا. ثمّ ابني جعفر ، وأومأ إلى جعفر وهو جالس. فمن والى هؤلاء ، فقد والى أولياء الله (٤) وكان مع الصادقين ، كما أمره الله.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) : نهي عبّر عنه بصيغة النفي ، للمبالغة.

(وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) : لا يصونوا أنفسهم ، بل عليهم أن يصحبوه على البأساء والضّرّاء ويكابدوا معه الشّدائد برغبة ونشاط ، كما فعله أبو ذرّ وأبو خيثمة.

وفي «لا يرغبوا» يجوز النّصب والجزم.

(ذلِكَ) : إشارة إلى ما دلّ عليه قوله : «ما كان» من النهي عن التّخلف ، أو وجوب المشايعة.

(بِأَنَّهُمْ) : بسبب أنّهم.

(لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) : شيء من العطش.

(وَلا نَصَبٌ) : تعب.

(وَلا مَخْمَصَةٌ) : مجاعة.

__________________

(١) النساء / ٥٩.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ١١٦ ، ضمن ح ١٥٥.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : فقد والى الله.

٥٧٠

(فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) : ولا يدوسون مكانا.

(يَغِيظُ الْكُفَّارَ) : يغضبهم وطؤه.

(وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) ، كالقتل والأسر والنّهب.

(إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) : استوجبوا به الثّواب ، وذلك ممّا يوجب المشايعة.

(إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١٢٠) : على إحسانهم. وهو تعليل «لكتب». وتنبيه على أنّ الجهاد إحسان ، أمّا في حقّ الكفّار فلأنّه سعي في تكميلهم بأقصى ما يمكن ، كضرب المداوي للمجنون. وأما في حقّ المؤمنين ، فلأنّه صيانة لهم عن سطوة الكفّار واستيلائهم.

(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) : ولو علاقة.

(وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) : في مسيرهم. وهو كلّ منعرج ينفذ فيه السّيل. اسم فاعل ، من ودي : إذا سال. فشاع بمعنى : الأرض.

(إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) : أثبت لهم ذلك.

(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) : بذلك.

(أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢١) : جزاء أحسن أعمالهم ، أو أحسن جزاء أعمالهم.

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) : وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو أو طلب علم ، كما لا يستقيم لهم أن يثبطوا جميعا ، فإنّه يخلّ بأمر المعاش.

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) : فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة ، كقبيلة وأهل بلدة ، جماعة قليلة.

(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) : ليتكلّفوا الفقاهة فيه ، ويتجشّموا مشاقّ تحصيلها.

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) : وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم. وتخصيصه بالذكر ، لأنّه أهم. وفيه دليل على أنّ التّفقّه والتّذكير من فروض الكفاية ، فإنه ينبغي أن يكون غرض المتعلّم فيه أن يستقيم ويقيم لا التّرفع على النّاس والتّبسط في البلاد.

(لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١٢٢) : إرادة أن يحذروا عمّا ينذرون منه.

٥٧١

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : تفقّهوا في الدين. فانّه من لم يتفقّه منكم في الدّين ، فهو أعرابيّ. إنّ الله يقول في كتابه : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

محمّد بن يحيى (٢) ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب قال : [قلت] (٣) لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إذا حدث على الإمام حدث ، كيف يصنع النّاس؟

قال : أين قول الله ـ عزّ وجلّ ـ ، (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)؟ قال : هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الّذين ينتظرونهم في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم.

عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرّحمن قال : حدثنا حمّاد ، عن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول العامة : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.

قال : الحق ، والله.

قلت : فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه ، لم يسعه ذلك؟

قال : لا يسعه. إنّ الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيّه [على] (٥) من هو معه في البلدة ، وحقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى (٦) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أصلحك الله ، بلغنا شكواك وأشفقنا ، فلو أعلمتنا [أو علّمتنا] (٧)

__________________

(١) الكافي ١ / ٣١ ، ح ٦.

(٢) نفس المصدر والمجلّد / ٣٧٨ ، ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع ، صدر ح ٢.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، ح ٣.

(٧) من المصدر.

٥٧٢

من؟

فقال : إنّ عليّا كان عالما ، والعلم يتوارث. فلم يهلك أحد (١) عالم إلّا بقي من بعده من يعلم ، مثل علمه أو ما شاء الله.

قلت : أفيسع النّاس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الّذي بعده؟

فقال : أمّا أهل هذه البلدة فلا ، يعني : المدينة. وأمّا غيرها من البلدان ، فبقدر مسيرهم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي عيون الأخبار (٢) ، في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فإن قال : فلم أمر بالحجّ؟

قيل : لعلّة الوفادة.

إلى أن قال : مع ما فيه من التّفقه ، ونقل أخبار الأئمة ـ عليهم السّلام ـ إلى كلّ صقع وناحية ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) إلى قوله : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) (٣).

وفي كتاب علل الشّرائع (٤) ، عليّ بن أحمد ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ ، عن أبي الخير ، صالح بن أبي حمّاد (٥) ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المؤمن (٦) الأنصاريّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ قوما يروون أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : اختلاف أمّتي رحمة.

فقال : صدقوا.

فقلت : إن كان اختلافهم رحمة ، فاجتماعهم عذاب.

قال : ليس حيث تذهب (٧) وذهبوا ، إنّما أراد قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ليس في المصدر : أحد.

(٢) العيون ٢ / ١١٩.

(٣) الحجّ / ٢٨.

(٤) العلل / ٨٥ ، ح ٤.

(٥) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٤٠٤. وفي النسخ : صالح بن حماد.

(٦) المصدر : «عبد المؤمن» بدل «عبد الله بن المؤمن».

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : تذهبوا.

٥٧٣

وآله ـ ويختلفوا إليه فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. إنّما أراد اختلافهم (١) من البلدان ، لا اختلافا في دين الله. إنّما الدّين واحد [إنّما الدين واحد] (٢).

وبإسناده إلى [محمّد بن] (٣) عبد الجبّار (٤) : عمّن ذكره ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي الحسن (٥) ـ عليه السّلام ـ : إن بلغنا وفاة الإمام كيف نصنع؟

قال : عليكم النّفير (٦).

قلت : [النّفير] (٧) جميعا.

قال : إنّ الله يقول : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) (الآية).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : إذا حدث للإمام حدث ، كيف يصنع النّاس؟

قال : يكونون ، كما قال الله : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

قال : قلت : فما أحالهم؟

قال : هم في عذر.

وعنه (٩) ـ أيضا ـ في رواية أخرى : ما تقول في قوم هلك إمامهم ، كيف يصنعون؟

قال : فقال لي : أما تقرأ كتاب الله (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)؟

قلت : جعلت فداك ، ما حال المنتظرين حتّى يرجع المتفقّهون؟

قال : فقال لي : رحمك الله ، أما علمت أنّه كان بين محمّد وعيسى ـ صلّى الله عليه وآله ـ خمسون ومائتا سنة ، فمات (١٠) قوم على دين عيسى انتظار الدين محمّد ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : اختلافا.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) العلل / ٥٩١ ، صدر ح ٤٢.

(٥) المصدر : لأبي عبد الله.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : النفر.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ١١٧ ، ح ١٥٩.

(٩) نفس المصدر والموضع ، ح ١٥٩.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فأمّا» بدل

٥٧٤

وآله ـ ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين؟

عن أحمد بن محمّد (١) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : كتب إليّ : انّما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا. فإذا خفنا ، خاف. وإذا أمنا ، أمن. قال الله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (الآية). فقد فرضت عليكم المسألة والرّدّ إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب.

عن عبد الأعلى (٢) قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : بلغنا وفاة الإمام؟

قال : عليكم النّفر.

قلت : جميعا؟

قال : إنّ الله يقول : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) (الآية).

قال : نفرنا ، فمات بعضنا في الطّريق؟

قال : فقال : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ـ) إلى قوله ـ : (أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٣).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عن أبي بصير (٤) قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : تفقّهوا. فإنه من لم يتفقّه منكم ، فإنّه أعرابي. إنّ الله يقول في كتابه : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ـ إلى قوله ـ يَحْذَرُونَ).

وفي أصول الكافي (٥) : الحسين بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن الرّبيع ، عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : عليكم بالتّفقه في دين الله ، ولا تكونوا أعرابا. فإنّ من لم يتفقّه في دين الله ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا.

محمّد بن إسماعيل (٦) ، عن الفضل بن شاذان ، عن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسّياط ، حتّى يتفقّهوا.

__________________

«فمات».

(١) نفس المصدر والموضع ح ١٦٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١١٨ ، صدر ح ١٦١.

(٣) النساء / ١٠٠.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١١٨ ، ح ١٦٢.

(٥) الكافي ١ / ٣١ ، ح ٧.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٨.

٥٧٥

عليّ بن محمّد (١) ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال له رجل : جعلت فداك ، رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرّف إلى أحد من إخوانه.

قال : وكيف يتفقّه هذا في دينه؟

محمّد بن يحيى (٢) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان النيشابوريّ جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ من علامات الفقه ، الحلم والصّمت.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن موسى بن أكيل النميري (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يكون الرّجل فقيها ، حتّى لا يبالي أي ثوبيه أبتذله (٥) وبما سدّ فورة (٦) الجوع.

عن الحارث الأعور (٧) قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : ثلاث بهنّ يكمل المسلم : التّفقه في الدّين ، والتّقدير في المعيشة ، والصّبر على النّوائب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) : أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب ، كما أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أوّلا بإنذار عشيرته. فإنّ الأقرب أحقّ بالشّفقة والاستصلاح.

وقيل (٨) : هم يهود حوالي المدينة ، كقريظة والنّضير وخيبر.

وقيل (٩) : الرّوم. فإنّهم كانوا يسكنون الشّام ، وهو قريب من المدينة.

وفي الكافي (١٠) ، وفي تفسير العيّاشي (١١) : قال : الدّيلم.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٩.

(٢) نفس المصدر والمجلّد / ٣٦ ، ح ٤.

(٣) الخصال / ٤٠ ، ح ٢٧.

(٤) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٢٧١. وفي أ ، ب ، ر : اكير التمري وفي سائر النسخ : اكيد النميريّ.

(٥) المصدر : ابتذل.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قدرة.

(٧) نفس المصدر / ١٢٤ ، ح ١٢٠.

(١ و ٩) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٣٧.

(١٠) بل في التهذيب ٦ / ١٧٤ ، ح ٣٤٥ ويدلّ على ذلك ما في مفتاح الكتب الأربعة ومعجم رجال الحديث.

(١١) تفسير العيّاشي ٢ / ١١٨ ، ح ١٦٣.

٥٧٦

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : يجب على كلّ قوم أن يقاتلوا من يليهم ممّن يقرب من الإمام (٢) ، ولا يجوزوا ذلك الموضع.

(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) : شدّة وصبرا على القتال.

وقرئ (٣) ، بفتح الغين وضمّها. وهما لغتان فيها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، اي ، غلّظوا لهم القول والقتل.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٢٣) : بالحراسة والإعانة.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ) : فمن المنافقين.

(مَنْ يَقُولُ) : إنكارا واستهزاء.

(أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) : السّورة.

(إِيماناً).

وقرئ (٥) : «أيّكم» بالنّصب ، على إضمار فعل يفسّره «زادته».

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) : بزيادة العلم الحاصل من تدبّر السّورة ، وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم.

(وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١٢٤) : بنزولها ، لأنه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وهو ردّ على من يزعم ، أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد (٨) قال : حدثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا. وفيه بعد أن قال ـ عليه السّلام ـ : انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرقه فيها وبيّن ـ عليه السّلام ـ ذلك.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠٧.

(٢) المصدر : «بلادهم من الكفّار» بدل «الإمام».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٧.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣٠٧.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٧.

(٦) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

(٧) الكافي ٢ / ٣٤ و ٣٧.

(٨) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ١٥. وفي النسخ : القاسم بن يزيد.

٥٧٧

قيل : قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته؟

قال : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) (الآية). قال : (وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١). ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان ، لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ولاستوت النّعم فيه ولاستوى (٢) النّاس وبطل التّفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزّيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله ، وبالنّقصان دخل المفرطون النّار.

وفي نهج البلاغة (٣) ، ومن حديثه ـ عليه السّلام ـ : انّ الإيمان يبدو لمظة (٤) في القلب.

كلما ازداد الإيمان ، ازدادت اللمظة.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : كفر.

(فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) : كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، وفي تفسير العياشيّ (٦) : عن زرارة بن أعين ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ يقول : شكّا إلى شكّهم.

(وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) : واستحكم ذلك فيهم حتّى ماتوا عليه.

(أَوَلا يَرَوْنَ) ، يعني : المنافقين.

وقرأ (٧) حمزة ويعقوب ، بالتّاء.

(أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ).

قيل (٨) : يبتلون بأصناف البليّات ، أو بالجهاد مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : يمرضون.

(فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) : لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم.

(وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦) : ولا يعتبرون.

__________________

(١) الكهف / ١٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولا استوت النعم فيه ولا استوى.

(٣) نهج البلاغة / ٥١٨ قسم غريب كلامه رقم ٥.

(٤) اللمظة : النقطة من البياض.

(٥) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١١٨ ، ح ١٦٤.

(١ و ٨) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٣٧.

(٩) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

٥٧٨

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) : تغامزوا بالعيون إنكارا لها وسخرية ، أو غيظا لما فيها من عيوبهم.

(هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) ، أي : يقولون : هل يراكم أحد إن قمتم من حضرة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟ فإن لم يرهم أحد ، قاموا. وإن يرهم أحد ، أقاموا.

(ثُمَّ انْصَرَفُوا) : تفرقوا عن حضرته ، مخافة الفضيحة.

(صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : عن الإيمان ، والانشراح به بالخذلان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن الحقّ إلى الباطل ، باختيارهم الباطل على الحقّ.

قيل (٢) : ويحتمل [الاخبار و] (٣) الدّعاء.

(بِأَنَّهُمْ) : بسبب أنّهم.

(قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٢٧) : لسوء فهمهم وعدم تدبّرهم.

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : من جنسكم ، عربيّ ، مثلكم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، مثلكم في الخلقة.

قال : ويقرأ «من أنفسكم» ، أي : من أشرفكم.

وفي الجوامع (٥) : قيل : هو قراءة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفاطمة ـ عليها السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (٦) : قيل : معناه : أنّه من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهليّة.

عن الصادق ـ عليه السّلام ـ.

(عَزِيزٌ عَلَيْهِ) : شديد شاقّ.

(ما عَنِتُّمْ) : محنتكم ولقاؤكم المكروه.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ، أي : على إيمانكم وصلاح شأنكم.

(بِالْمُؤْمِنِينَ) : منكم ومن غيركم.

(رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٢٨) : قدّم الأبلغ منهما ، وهو الرّؤوف. لأنّ الرّأفة شدّة

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٨.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

(٥) الجوامع / ١٨٩.

(٦) المجمع ٣ / ٨٦.

٥٧٩

الرّحمة ، محافظة على الفواصل.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) : عن الإيمان بك.

(فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) ، فإنّه يكفيك معرّتهم ، ويعينك عليهم.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، كالدّليل عليه.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) : فلا أرجو ولا أخاف إلّا منه.

(وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩) : الملك العظيم. أو الجسم الأعظم المحيط ، الّذي تنزل منه الأحكام والمقادير.

وقرئ (١) : «العظيم» بالرّفع.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن ثعلبة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) قال : فينا. (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [قال : فينا] (٣) (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) قال : فينا. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قال : شركنا المؤمنون في هذه الرّابعة ، وثلاثة لنا.

عن عبد الله بن سليمان (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : تلا هذه الآية (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) قال : [من] (٥) أنفسنا. قال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) قال : ما عنتنا (٦). قال : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) قال علينا. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [قال : بشيعتنا رؤوف رحيم] (٧) فلنا ثلاثة أرباعها ، ولشيعتنا ربعها.

في روضة الكافي (٨) : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : هكذا أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٨.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١١٨ ، ح ١٦٥.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في تفسير العياشي ٢ / ١١٨ ، ح ١٦٦ ، وجامع الرواة ١ / ٤٨٦. وفي النسخ : عبد الله بن سلمان.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما عندنا.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ٨ / ٣٧٨ ، ح ٥٧٠.

٥٨٠