تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).

(فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) : في الدّين.

(بِرَحْمَةٍ مِنَّا) : عليهم.

(وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : استأصلناهم.

(وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٧٢) : تعريض بمن آمن منهم ، وتنبيه على أنّ الفارق بين من نجا وبين من هلك هو الإيمان.

نقل (١) : أنّهم كانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم هودا فكذّبوه وازدادوا عتوّا. فأمسك الله القطر عنهم ثلاث سنين ، حتّى جهدهم. وكان النّاس حينئذ مسلمهم ومشركهم إذا نزل بهم بلاء ، توجّهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج. فجهّزوا إليه قيل بن عثر (٢) ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم. وكان إذ ذاك بمكّة العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام ، وسيّدهم معاوية بن بكر.

فلمّا قدموا عليه ، وهو بظاهر مكّة ، أنزلهم وأكرمهم. وكانوا أخواله وأصهاره.

فلبثوا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان (٣) فيبشان (٤) له. فلمّا رأى ذهولهم باللهو عمّا بعثوا له ، أهمّه ذلك. واستحيا أن يكلّمهم فيه ، مخافة أن يظنّوا به ثقل مقامهم. فعلّم المغنّيتين (٥) :

ألا يا قيل ويحك قم فهينم

لعلّ الله يسقينا الغماما

فيسقي أرض عاد إنّ عادا

قد أمسوا ما يبينون الكلاما

[وفي تفسير المغنيّ بعد هذا الكلام :

من العطش الشّديد ليس يرجو

به الشّيخ الكبير ولا الغلاما

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦. وفيه «روى» بدل «نقل».

(٢) المصدر : قيل بن عنز.

(٣) أ : جاريتان. ب : الجوارتان.

(٤) كذا في المصدر. وفي ب ، ر : بنتان. وفي سائر النسخ : فيشبان.

(٥) المصدر القينتين.

١٢١

وأنّ الوحش تأتيهم جهارا

فلا تخشى لعاديّ سهاما

وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم

نهاركم وليلكم تماما

فقبّح وفدكم من وفد قوم

ولالقوا التّحيّة والسّلاما] (١)

حتّى غنّتا به. فأزعجهم ذلك.

فقال مرثد : والله ، لا تسقون بدعائكم. ولكن إن أطعتم نبيّكم وتبتم إلى الله ، سقيتم.

فقالوا لمعاوية : أحبسه عنّا ، لا يقدمنّ معنا مكّة. فإنّه قد تبع (٢) دين هود ، وترك ديننا.

ثمّ دخلوا مكّة.

فقال قيل : اللهمّ ، اسق عادا ما كنت تسقيهم.

فأنشا الله ـ سبحانه ـ سحابات ثلاثا ، بيضاء وحمراء وسوداء. ثمّ نادى مناد من السّماء : يا قيل ، اختر لنفسك ولقومك.

فاخترت السّوداء ، فإنّها أكثرهنّ ماء.

فخرجت السّحابة على عاد من وادي المغيث ، فاستبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا. فجاءتهم منها ريح عقيم ، فأهلكتهم. ونجا هود والمؤمنون معه ، فأتوا مكّة وعبدوا الله فيها حتّى ماتوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : الرّيح العقيم تخرج من تحت الأرضين السّبع. وما [خرجت منها ريح على قوم (٤) قطّ ، إلّا على قوم عاد حين غضب الله عليهم. فأمر الخزّان أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم ، فقست على الخزّان (٥)

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) المصدر : اتّبع.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٣٠.

(٤) المصدر : «يخرج منها شيء» بدل «خرجت منها ريح على قوم».

(٥) المصدر : «فعصت على الخزنة» بدل «فقست على الخزّان».

١٢٢

فخرج منها على مقدار منخر الثّور تغيّظا منها على قوم عاد. فضجّ الخزنة (١) إلى الله ـ تعالى ـ من ذلك.

فقالوا : يا ربّنا ، إنّها قد عتت عن أمرنا. ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمّار بلادك.

فبعث الله إليها جبرئيل ، فردّها بجناحه. وقال لها : اخرجي على ما أمرت به.

فخرجت على ما أمرت به ، وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم.

وفي مجمع البيان (٢) : وروى أبو حمزة الثّماليّ ، عن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ بيت ريح مقفّل عليه. لو فتح ، لأذرت (٣) ما بين السّماء والأرض. ما أرسل على قوم عاد ، إلّا قدر الخاتم.

قال : وكان هود وصالح وشعيب وإسماعيل ونبيّنا ـ عليهم السّلام ـ يتكلّمون بالعربيّة.

(وَإِلى ثَمُودَ) : قبيلة أخرى من العرب سمّوا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم (٤) بن سام.

وقيل : سمّوا به ، لقلّة مائهم. من الثّمد : وهو الماء القليل.

وقرئ (٥) ، مصروفا ، بتأويل الحيّ. أو باعتبار الأصل.

قيل (٦) : كانت مساكنهم الحجر ، بين الشّام والحجاز إلى وادي القرى.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٧) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل (٨) : عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل : أمّا صالح ، فإنّه أرسل إلى ثمود. وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر (٩) صغيرة.

(أَخاهُمْ صالِحاً) : صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : الخزانة.

(٢) المجمع ٢ / ٤٣٩.

(٣) أذرته الريح إذراءا : أطارته وأذهبته.

(٤) أ ، ر : آدم.

(١ و ٦) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٥٦.

(٧) كمال الدين / ٢٢٠.

(٨) المصدر ، ب : محمد بن الفضيل.

(٩) ب : «ماحل بحر» بدل «ساحل البحر».

١٢٣

(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : معجزة ظاهرة الدّلالة على صحّة نبوّتي.

(هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ) : استئناف لبيان البيّنة.

(آيَةً) : نصب على الحال ، والعامل فيها معنى الإشارة. و «لكم» بيان لمن هي له آية.

ويجوز أن تكون «ناقة الله» أن يكون (١) بدلا ، أو عطف بيان. و «لكم» خبرا عاملا في «آية».

وإضافة النّاقة إلى الله ، لتعظيمها ، ولأنّها جاءت من عنده بلا وسائط وأسباب معهودة. ولذلك كانت آية.

(فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) : العشب.

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) : نهي عن المسّ ، الّذي هو مقدّمة الإصابة بالسّوء الجامع لأنواع الأذى ، مبالغة في الأمر وإزاحة للعذر.

(فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣) : جواب للنّهي.

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً) : تبنون في سهولها. أو من سهولة الأرض بما تعملون منها ، كاللّبن والآجر.

(وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً).

وقرئ (٢) : «تنحتون» بالفتح. و «تنحاتون» بالإشباع.

وانتصاب «بيوتا» على الحال المقدّرة ، أو المفعول. على أنّ التّقدير : بيوتا من الجبال. أو «تنحتون» ، بمعنى : تتّخذون.

وفي مجمع البيان (٣) : يروى أنّهم لطول أعمارهم ، كانوا يحتاجون إلى أن ينحتوا في الجبال بيوتا ، لأنّ السّقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.

(فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٧٤) ، أي : ولا تبالغوا في الفساد.

__________________

(١) ليس في ب : أن يكون.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٦.

(٣) المجمع ٢ / ٤٤٠.

١٢٤

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، أي : عن الإيمان.

(لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) : للّذين استضعفوهم واستذلّوهم.

(لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) : بدل من «للّذين استضعفوا» بدل الكلّ ، إن كان الضّمير «لقومه». وبدل البعض ، إن كان «للّذين».

(أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) : قالوه على الاستهزاء.

(قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (٧٥) : عدلوا به عن الجواب السّويّ ، الّذي هو «نعم» ، تنبيها على أنّ إرساله أظهر من أن يشكّ فيه عاقل أو يخفى على ذي رأي.

وإنّما الكلام فيمن آمن به ومن كفر. فلذلك قال : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٧٦) : على المبالغة. ووضعوا «آمنتم به» موضع «أرسل به» ردّا لما جعلوه معلوما مسلّما.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى زيد الشّحّام : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ صالحا ـ عليه السّلام ـ غاب عن قومه زمانا. وكان يوم غاب عنهم كهلا ، مبدّح البطن (٢) ، حسن الجسم ، وافر اللّحية ، خميص البطن ، خفيف العارضين ، مجتمعا ربعة (٣) من الرّجال. فلمّا رجع إلى قومه ، لم يعرفوه بصورته. فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة لا ترجع أبدا ، وأخرى شاكّة فيه ، وأخرى على يقين.

فبدأ ـ عليه السّلام ـ حين رجع بالطّبقة الشّاكّة فقال لهم : أنا صالح. فكذّبوه وشتموه وزجروه ، وقالوا : بريء (٤) الله منك ، إنّ صالحا كان في غير صورتك.

قال : فأتى الجحّاد ، فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشدّ النّفور.

ثمّ انطلق إلى الطّبقة الثّالثة ، وهم أهل اليقين. فقال لهم : أنا صالح.

فقالوا : أخبرتنا خبرا لا نشكّ فيه معك أنّك صالح. فإنّا لا نمتري. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ ينقل ويحوّل في أيّ صورة شاء. وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء. وإنّما يصحّ عندنا إذا أتى الخبر من السّماء.

__________________

(١) كمال الدين / ١٣٦ ـ ١٣٧ ، ح ٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : مبذح البطن. والمبدّح : بمعنى الموسّع ، أو واسع البطن.

(٣) ربعة ، أي : لا بالطويل ولا بالقصير.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : نبرأ.

١٢٥

فقال لهم : أنا صالح ، الّذي أتيتكم بالنّاقة.

فقالوا : صدقت ، وهي الّتي نتدارس ، فما علامتها؟

فقال : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).

قالوا : آمنا بالله وبما جئتنا به.

فعند ذلك قال ـ تبارك وتعالى ـ : (أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ).

فقال أهل اليقين : (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الشّكّاك [والجحّاد] (١) (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟

فإنّ الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدلّ على الله ـ عزّ وجلّ ـ. ولقد مكث القوم بعد خروج صالح ـ عليه السّلام ـ سبعة أيّام على فترة لا يعرفون إماما ، غير أنّهم على ما في أيديهم من دين الله ـ عزّ وجلّ ـ كلمتهم واحدة. فلمّا ظهر صالح ـ عليه السّلام ـ اجتمعوا عليه. وإنّما مثل القائم ـ عليه السّلام ـ مثل صالح.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (٣).

يقول : مصدّق ومكذّب. قال الكافرون منهم : أتشهدون (أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ). قال المؤمنون : إنا بالذي أرسل به مؤمنون. قال الكافرون : (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسي ـ رحمه الله ـ روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ هذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة.

قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أعطي ما هو أفضل من ذلك. إنّ ناقة صالح لم تكلّم صالحا ولم تناطقه ولم تشهد له بالنّبوّة ،

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ١٣٢.

(٣) النمل / ٤٥.

(٤) الاحتجاج ١ / ٣١٧.

١٢٦

ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بينا نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا ثمّ رغا ، فأنطقه الله ـ عزّ وجلّ ـ. ثمّ قال : يا رسول الله ، إنّ فلانا استعملني حتّى كبرت ويريد نحري ، فأنا أستعيذ بك منه. فأرسل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى صاحبه ، فاستوهبه منه ، فوهبه له وخلّاه.

ولقد كنّا معه ، فإذا نحن بأعرابيّ معه ناقة يسوقها ، وقد استسلم للقطع لما زوّر عليه من الشّهود ، فنطقت النّاقة فقالت : يا رسول الله ، إنّ فلانا منّي بريء ، وإنّ الشّهود يشهدون عليه بالزّور ، وإنّ سارقي فلان اليهوديّ.

وفي كتاب الخصال (١) : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : خرج (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذات يوم وهو آخذ بيد عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. وهو يقول : يا معشر الأنصار ، يا معشر بني هاشم ، يا معشر بني عبد المطّلب ، أنا محمّد رسول الله. ألا إنّي خلقت من طينة مرحومة في أربعة من أهل بيتي : أنا وعليّ وحمزة وجعفر.

فقال قائل : يا رسول الله ، هؤلاء معك ركبان يوم القيامة؟

فقال : ثكلتك أمّك ، إنّه لن يركب يومئذ إلّا أربعة : أنا وعليّ وفاطمة وصالح ، نبيّ الله. فأمّا أنا ، فعلى البراق. وأمّا فاطمة ابنتي ، فعلى ناقتي العضباء. وأمّا صالح ، فعلى ناقة الله الّتي عقرت. وأمّا عليّ ، فعلى ناقة من نور (٣) زمامها من ياقوت عليه حلّتان خضراوان.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلاليّ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : بني الكفر على أربع دعائم ـ إلى أن قال ـ : ومن عتا عن أمر الله ، شكّ. ومن شكّ ، تعالى الله عليه فأذلّه بسلطانه وصغره بجلاله ، كما اغترّ بربّه الكريم وفرط في أمره.

(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) : فنحروها. أسند إلى جميعهم فعل بعضهم للملابسة ، أو لأنّه كان برضاهم.

(وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) : واستكبروا عن امتثاله. وهو ما بلّغهم صالح بقوله :

__________________

(١) الخصال / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ح ٢٠.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

(٣) المصدر : «نوق الجنّة» بدل «نور».

(٤) الكافي ٢ / ٣٩١ و ٣٩٢.

١٢٧

«فذروها».

(وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧٧)

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) : الزّلزلة.

وفي سورة هود (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (١).

وفي الحجر (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) (٢). ولعلّها كانت من مبادئها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة ، فهلكوا.

(فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٧٨) : خامدين ميّتين ، لا يتحرّكون.

يقال : النّاس جثم ، أي : قعود لا حراك بهم.

وأصل الجثوم : اللّزوم في المكان.

في روضة الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سأل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : كيف كان مهلك قوم صالح ـ عليه السّلام ـ؟

فقال : يا محمّد ، إنّ صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ستّ عشرة سنة. فلبث فيهم حتّى بلغ عشرين ومائة سنة ، لا يجيبونه إلى خير.

قال : وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله.

فلمّا رأى ذلك منهم قال : يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ستّ عشرة سنة ، وقد بلغت عشرين ومائة سنة. وأنا أعرض عليكم أمرين : إن شئتم فاسألوني ، حتّى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني السّاعة. وإن شئتم سألت آلهتكم ، فإن أجابتني بالّذي أسألها خرجت عنكم فقد سأمتكم وسأمتموني.

فقالوا : قد أنصفت ، يا صالح.

فاتّعدوا ليوم يخرجون فيه.

فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ، ثمّ قرّبوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا. فلمّا أن فرغوا ، دعوه.

فقالوا : يا صالح ، سل.

__________________

(١) هود : ٦٧.

(٢) الحجر : ٧٣.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٣٢.

(٤) الكافي ٨ / ١٨٥ ـ ١٨٧ ، ح ٣١٣.

١٢٨

فقال لكبيرهم : ما اسم هذا؟

قالوا : فلان.

فقال له صالح : يا فلان ، أجب.

فلم يجبه.

فقال صالح : ما له لا يجيب؟

قالوا : ادع غيره.

قال : فدعاها كلّها بأسمائها ، فلم يجبه منها شيء.

فاقبلوا على أصنامهم ، فقالوا لها : ما لك لا تجيبين صالحا؟

فلم تجب.

فقالوا : تنحّ عنّا ، ودعنا وآلهتنا ساعة.

ثمّ نحّوا بسطهم وفرشهم ، ونحّوا ثيابهم ، وتمرّغوا على التّراب ، وطرحوا التّراب على رؤوسهم وقالوا لأصنامهم : لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحنّ (١) قال : ثمّ دعوه.

فقالوا : يا صالح ، ادعها.

فدعاها ، فلم تجبه.

فقال لهم : يا قوم ، قد ذهب صدر النّهار ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتّى ادعوا إلهي يجيبكم السّاعة.

فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور إليهم منهم ، فقالوا : يا صالح ، نحن نسألك. فإن أجابك ربّك ، اتّبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا.

فقال لهم صالح : سلوني ما شئتم.

فقالوا : تقدّم بنا إلى هذا الجبل.

وكان الجبل قريبا منهم. فانطلق معهم صالح. فلمّا انتهوا إلى الجبل ، قالوا : يا صالح ، ادع لنا ربّك يخرج لنا من هذا الجبل السّاعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء ، بين جبينها ميل.

فقال لهم صالح : لقد سألتموني شيئا يعظم عليّ ويهون على ربّي ـ تعالى ـ.

قال : فسأل الله ـ تعالى ـ صالح ذلك ، فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لنفضحنّ.

١٢٩

عقولهم لمّا سمعوا ذلك. ثمّ اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا ، كالمرأة إذا أخذها المخاض. ثمّ لم يفجأهم إلّا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصّدع ، فما استتمّت رقبتها حتّى اجترّت. ثمّ خرج سائر جسدها. ثمّ استوت قائمة على الأرض.

فلمّا رأوا ذلك ، قالوا : يا صالح ، ما أسرع ما أجابك ربّك! ادع لنا [ربّك] (١) يخرج لنا فصيلها.

فسأل الله ـ تعالى ـ ذلك ، فرمت به ، فدبّ حولها.

فقال لهم : يا قوم ، أبقي شيء؟

قالوا : لا ، انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك.

قال : فرجعوا. فلم يبلغ السّبعون إليهم حتّى ارتدّ منهم أربعة وستّون رجلا ، وقالوا : سحر وكذب.

قال : فانتهوا إلى الجميع ، فقال السّتّة : حقّ. وقال الجميع : سحر وكذب.

قال : فانصرفوا على ذلك. ثمّ ارتاب من السّتّة واحد ، فكان فيمن عقرها.

قال ابن محبوب : فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له : سعيد بن يزيد.

فأخبرني ، أنّه رأى الجبل الّذي منه خرجت بالشّام. قال : فرأيت جنبها قد حكّ الجبل ، فأثّر جنبها فيه. وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.

وعن الصّادق (٢) ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ). هذا فيما كذّبوا صالحا (٣). وما أهلك الله ـ تعالى ـ قطّ قوما ، حتّى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل فيحتجّوا عليهم. فبعث الله إليهم صالحا. فدعاهم إلى الله ، فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا : لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة عشراء. وكانت الصّخرة يعظّمونها ويعبدونها ، ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة ويجتمعون عندها.

فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع لنا إلهك حتّى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصّمّاء ناقة عشراء.

فأخرجها الله ، كما طلبوا منه.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٨ / ١٨٧ ـ ١٨٩ ، ح ٢١٤.

(٣) المصدر : قال : هذا كان بما كذّبوا به صالحا.

١٣٠

ثمّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليه أن يا صالح ، قل لهم : إنّ الله قد جعل لهذه النّاقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم.

فكانت النّاقة إذا كان يوم شربها ، شربت ذلك اليوم الماء. فيحلبونها ، فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومهم ذلك. فإذا كان اللّيل وأصبحوا ، غدوا (١) إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب النّاقة ذلك اليوم.

فمكثوا بذلك ما شاء الله. ثمّ أنّهم عتوا على الله ، ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا : اعقروا هذه النّاقة واستريحوا منها. لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ، ولنا شرب يوم.

ثمّ قالوا : من الّذي يلي قتلها ، ونجعل له جعلا ما أحبّ؟

فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق [ولد زنا] (٢) ، لا يعرف له أب. يقال له : قدار.

شقيّ من الأشقياء مشؤوم عليهم. فجعلوا له جعلا.

فلمّا توجّهت النّاقة إلى الماء الّذي كانت ترده ، تركها حتّى شربت ذلك الماء وأقبلت راجعة. فقعد لها في طريقها. فضربها بالسّيف ضربة ، فلم تعمل شيئا. فضربها ضربة أخرى ، فقتلها وخرّت (٣) إلى الأرض على جنبها. وهرب فصيلها حتّى صعد إلى الجبل ، فرغا ثلاث مرّات إلى السّماء. وأقبل قوم صالح ، فلم يبق أحد منهم إلّا شركه في ضربته. واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها.

فلمّا رأى ذلك صالح ، أقبل إليهم فقال : يا قوم ، ما دعاكم إلى ما صنعتم ، أعصيتم ربّكم؟

فأوحى الله ـ تعالى ـ إلى صالح ـ عليه السّلام ـ : إنّ قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ، ولم يكن عليهم منها ضرر ، وكان لهم فيها أعظم المنفعة.

فقل لهم : إنّي مرسل إليكم (٤) عذابي إلى ثلاثة أيّام. فإن هم تابوا ورجعوا ، قبلت توبتهم وصددت عنهم. وإن هم لم يتوبوا فيها ولم يرجعوا ، بعثت عليهم عذابي في اليوم الثّالث.

__________________

(١) ب : عمدوا.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «جرت» بدل. «وخرّت».

(٤) المصدر : عليكم.

١٣١

فأتاهم صالح ـ عليه السّلام ـ. فقال لهم : يا قوم ، إنّي رسول ربّكم إليكم. وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم ، غفرت لكم وتبت عليكم.

فلمّا قال لهم ذلك ، كانوا أعتا ما كانوا وأخبث. وقالوا : يا صالح ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين.

قال : يا قوم ، إنّكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثّاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثّالث وجوهكم مسودّة.

فلمّا أن كانوا (١) أوّل يوم ، أصبحوا ووجوههم مصفرّة. فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله ، وإن كان عظيما.

فلمّا كان اليوم الثّاني ، أصبحت وجوههم محمرّة. فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : يا قوم ، قد جاءكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : لو أهلكنا جميعا ، ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا الّتي كان آباؤنا يعبدونها. ولم يتوبوا ولم يرجعوا.

فلمّا كان اليوم الثّالث ، أصبحوا ووجوههم مسودّة. فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : يا قوم ، قد أتاكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح.

فلمّا كان نصف اللّيل ، أتاهم جبرئيل ، فصرخ بهم صرخة ، خرقت تلك الصّرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم. وقد كانوا في تلك الثّلاثة الأيّام قد تحنّطوا وتكفّنوا ، وعلموا أنّ العذاب نازل بهم. فماتوا أجمعون في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم. فلم يبق لهم ثاغية (٢) ولا راغية (٣) ولا شيء إلّا أهلكه الله ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين. ثمّ أرسل الله عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصّتهم وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، ما يقرب من بعض ما في الحديثين في سورة هود.

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا

__________________

(١) المصدر : كان.

(٢) المصدر : ناعقة.

(٣) ب : باعية.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣٢.

١٣٢

تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (٧٩) : ظاهره أنّ تولّيه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين. ولعلّه خاطبهم به بعد هلاكهم ، كما خاطب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أهل قليب بدر.

وقال : إنّا (وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا). أو ذكر ذلك على سبيل التّحسّر عليهم.

(وَلُوطاً) ، أي : وأرسلنا لوطا.

(إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) : وقت قوله لهم. أو اذكر لوطا. و «إذ» بدل منه

في الكافي (١) عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ (٢) أمّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وأمّ لوط ـ عليه السّلام ـ كانتا (٣) أختين. وهما ابنتان للاحج. وكان اللّاحج نبيّا منذرا ، ولم يكن رسولا.

وفي علل الشّرائع (٤) ، وفي تفسير العيّاشي (٥) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : وكان لوطا ابن خالة إبراهيم وكانت سارة امرأة إبراهيم [اخت لوط. وكان لوط وابراهيم نبيين مرسلين منذرين.] (٦)

[وفي الكافي (٧) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ إنّ إبراهيم] (٨) خرج من بلاد نمرود ومعه لوط لا يفارقه وجاءت (٩) سارة. إلى أن نزل بأعلى الشّامات ، وخلّف لوطا بأدنى الشّامات.

(أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) : توبيخ وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح.

(ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٨٠) : ما فعلها أحد قبلكم قطّ.

و «الباء» للتّعدية. و «من» الأولى لتأكيد النّفي والاستغراق ، والثّانية للتّبعيض. والجملة استئناف مقرّرة للإنكار ، كأنّه وبّخهم أولا بإتيان الفاحشة ، ثمّ باختراعها فإنّه أسوء.

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٧٠ ، صدر ح ٥٦٠.

(٢) المصدر : «كانت» بدل «إنّ».

(٣) المصدر : «سارة وورقة ـ وفي نسخة ـ رقية» بدل «كانتا».

(٤) العلل / ٥٤٩ ، ضمن ح ٤.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٤٥ ، ضمن ح ٢٦.

(٦) من المصدرين.

(٧) الكافي ٨ / ٣٧١ و ٣٧٣ ، ح ٥٦٠.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٩) ليس في المصدر.

١٣٣

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى أبي حمزة (٢) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوم لوط : أنّ إبليس أتاهم في صورة حسنة ، فيها تأنيث ، عليه ثياب حسنة. فجاء إلى شبّان منهم ، فأمرهم أن يقعوا به. ولو طلب إليهم أن يقع بهم ، لأبوا عليه ولكن طلب إليهم أن يقعوا به. فلمّا وقعوا به ، التذّوه. ثمّ ذهب عنهم وتركهم ، وأحال بعضهم على بعض.

وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوم لوط : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ). وذكر كما في علل الشّرائع سواء.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن بريد بن ثابت (٥) قال : سأل رجل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أن يؤتى النّساء في أدبارهنّ؟

فقال : سفلت سفل الله بك. أما سمعت الله يقول : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ).

وفي عيون الأخبار (٦) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة ، حديث طويل. وفيه : وسأله عن أوّل من عمل عمل قوم لوط.

قال : إبليس ، فإنّه (٧) أمكن من نفسه.

(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) : بيان لقوله : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ). وهو أبلغ في الإنكار والتّوبيخ.

وقرأ (٨) نافع وحفص : «إنّكم» على الإخبار المستأنف. و «شهوة» مفعول له ، أو مصدر وقع موقع الحال. وفي التّقييد بها ، وصفهم بالبهيمة الصّرفة ، وتنبيه على أنّ العاقل ينبغي أن يكون الدّاعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النّوع لا قضاء الوطر.

__________________

(١) العلل / ٥٤٨ ، ح ٣. لخّص المؤلف صدر الخبر.

(٢) المصدر : أبي بصير.

(٣) الكافي ٥ / ٥٤٤ ، ح ٤.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢ ، ح ٥٥.

(٥) المصدر ، أ ، ب : يزيد بن ثابت.

(٦) العيون ١ / ٢٤٦.

(٧) المصدر : لأنّه.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٧.

١٣٤

(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (٨١) : إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن حالهم الّتي أدّت بهم إلى ارتكاب أمثالها ، وهي اعتياد الإسراف في كلّ شيء. أو عن الإنكار عليها إلى الذّم على جميع معايبهم. أو عن محذوف ، مثل لا عذر لكم فيه ، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما كتب الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وعلّة تحريم الذّكران [للذكران] (٢) والإناث للإناث ، لما ركّب في الإناث وما طبع عليه الذّكران. ولما في إتيان الذّكران [الذّكران] (٣) والإناث [الإناث] (٤) من انقطاع النّسل وفساد التّدبير وخراب الدّنيا.

وفي تفسير العيّاشي (٥) ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ذكر عنده إتيان النّساء في أدبارهنّ.

قال : ما أعلم آية في القرآن أحلّت ذلك إلّا واحدة (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) (الآية).

وفي كتاب الخصال (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : فما كان من شيعتنا ، فلا يكون فيهم ثلاثة ـ إلى قوله ـ : فلا يكون فيهم من يؤتى في دبره.

(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) ، أي : ما جاؤوا بما يكون جوابا عن كلامه ، ولكنهم قابلوا النّصيحة بالأمر بإخراجه فيمن معه من المؤمنين من قريتهم والاستهزاء بهم. فقالوا : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (٨٢) ، أي : من الفواحش.

(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) ، أي : من آمن به.

(إِلَّا امْرَأَتَهُ) : واهلة (٧). فإنّها كانت تسرّ الكفر.

(كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٨٣) : من الّذين بقوا في ديارهم ، فهلكوا. والتّذكير ، لتغليب الذّكور.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) ، أي : نوعا من المطر عجيبا. وهو مبيّن بقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ).

__________________

(١) العيون ٢ / ٩٧.

(٢) من المصدر.

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢ ، ح ٥٦.

(٦) الخصال / ١٣١ ، ح ١٣٧.

(٧) واهلة : اسم زوجة لوط.

١٣٥

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٨٤).

نقل (١) : أنّ لوط بن هاران بن تارخ لما هاجر مع عمّه إبراهيم إلى الشّام ، نزل بالأردنّ. فأرسله الله إلى أهل سدوم ، ليدعوهم إلى الله وينهاهم عمّا اخترعوه من الفاحشة. ولم ينتهوا عنها. فأمطر الله عليهم الحجارة ، فهلكوا.

وقيل (٢) : خسف الله بالمقيمين منهم ، وأمطرت الحجارة على مسافريهم.

وفي مجمع البيان (٣) ، قصّة لوط ـ عليه السّلام ـ على ما روي ، عن أبي حمزة الثّماليّ وأبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة ، وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم ، يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الفواحش ويحثّهم على الطّاعة. فلم يجيبوه ، ولم يطيعوه. وكانوا لا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطّعام ، فأعقبهم البخل الدّاء الّذي لا دواء له في فروجهم. وذلك لأنّهم على طريق السّيّارة إلى الشّام ومصر ، وكان ينزل بهم الضّيفان. فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف ، فضحوه. وإنّما فعلوا ذلك ، لينكل النّازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك. فأوردهم البخل هذا الدّاء ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه الجعل. وكان لوط سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به. [فنهوه عن ذلك وقالوا : لا تقرينّ ضيفا جاء ينزل بك ، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك. فكان لوط إذا نزل به] (٤) الضيف كتم أمره ، مخافة أن يفضحه قومه وذلك أنه لم يكن للوط عشيرة فيهم.

وفي علل الشرايع (٥) ، وتفسير العيّاشي (٦) ، عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، أي : وأرسلنا إليهم. وهم أولاد مدين بن إبراهيم [بن شعيب بن ميكيل بن بشخر بن مدين. وكان يقال له : خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعته قومه. وكان شعيب منهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) :] (٨) قال : بعث الله شعيبا إلى مدين ، وهي قرية على طريق الشّام ، فلم يؤمنوا به.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٨.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) المجمع ٢ / ٤٤٥.

(٤) من المصدر.

(٥) العلل / ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ، ضمن ح ٤.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ضمن ح ٢٦

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٣٧.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في ب.

١٣٦

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل (٢) : عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول في آخره : وإنّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة. أمّا شعيب ، فإنّه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل (٣) أربعين بيتا.

(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : يريد المعجزة الّتي كانت له ، وليس في القرآن أنّها ما هي. وما روي من محاربة عصا موسى التّنين حين دفع إليه غنمه ، وولادة الغنم الّتي دفعها إليه ، الدّرع خاصّة وكانت الموعودة له من أولادها ، ووقوع عصا آدم على يده في المرّات السّبع ، متأخّر عن هذه المقاولة. ويحتمل أن تكون كرامة لموسى ، أو إرهاصا لنبوّته.

(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) ، أي : آلة الكيل على الإضمار. أو إطلاق الكيل على المكيال ، كالعيش على المعاش لقوله : (وَالْمِيزانَ). أو الكيل ووزن الميزان.

ويجوز أن يكون «الميزان» مصدرا ، كالميعاد.

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) : ولا تنقصوهم حقوقهم. وإنّما قال : «أشياءهم» ، للتّعميم. تنبيها على أنّهم كانوا يبخسون الجليل والحقير ، والقليل والكثير.

وقيل (٤) : كانوا مكّاسين ، لا يدعون شيئا إلّا مكسوة.

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : بالكفر والحيف.

(بَعْدَ إِصْلاحِها) : بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بالشّرائع وأصلحوا فيها. والإضافة إليها ، كالإضافة في (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ).

(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨٥) : إشارة على العمل ، بما أمرهم به ونهاهم عنه.

ومعنى الخيريّة : إمّا الزّيادة مطلقا ، أو في الإنسانيّة وحسن الأحدوثة وجمع المال.

(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) : بكلّ طريق من طريق الدّين ، كالشّيطان.

وصراط الحقّ وإن كان واحدا ، لكنّه يتشعّب إلى معارف وحدود وأحكام

__________________

(١) كمال الدين ٢١٩ و ٢٢٠ ، ح ١.

(٢) أ : محمد بن الفضل.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : هؤلاء يكمل.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٨.

١٣٧

وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها ، منعوه.

وقيل (١) : كانوا يجلسون على المراصد ، فيقولون لمن يريد شعيبا : إنّه كذّاب ، فلا يفتننّك عن دينك. ويوعدون من آمن به.

وقيل (٢) : كانوا يقطعون الطّريق.

(وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، يعني : الّذي قعدوا عليه.

وضع الظّاهر موضع المضمر ، بيانا لكلّ صراط ، ودلالة على عظم ما يصدّون عنه ، وتقبيحا لما كانوا عليه. أو الإيمان ، أي : بالله.

(مَنْ آمَنَ بِهِ) ، أي : بالله. أو بكلّ صراط ، على الأوّل.

و «من» مفعول «تصدّون» ، على إعمال الأقرب. ولو كان مفعول «توعدون» لقال : وتصدّونهم وتوعدون ، بما عطف عليه في موقع الحال من الضّمير في «لا تقعدوا».

(وَتَبْغُونَها عِوَجاً) : وتطلبون لسبيل الله عوجا بإلقاء الشّبهة. أو وصفها للنّاس بأنّها معوجّة.

(وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) : عددكم.

(فَكَثَّرَكُمْ) : بالبركة في النّسل والمال.

قيل (٣) : إنّ مدين بن إبراهيم الخليل تزوّج بنت لوط ، فولدت له. فرمى الله في نسلها بالبركة والنّماء (٤) والبقاء ، فكثروا.

(وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٨٦) : من الأمم قبلكم ، كقوم نوح وهود وصالح ولوط ، وكانوا قريبي العهد بهم.

(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا) : فتربّصوا.

(حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) ، أي : بين الفريقين بنصر المحقّين على المبطلين. فهو وعد للمؤمنين ، ووعيد للكافرين.

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (٨٧) : إذ لا معقّب لحكمه ، ولا حيف فيه.

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ

__________________

(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٥٨.

(٣) تفسير الصافي ٢ / ٢١٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «والبقاء» بدل «والنماء».

١٣٨

مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ، أي : ليكوننّ أحد الأمرين : إمّا إخراجكم عن القرية ، أو عودكم في الكفر.

وشعيب لم يكن في ملّتهم قطّ ، لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقا. لكن غلّبوا الجماعة على الواحد ، فخوطب هو وقومه بخطابهم. وعلى ذلك أجري الجواب في قوله : (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٨٨) ، أي : وكيف نعود فيها ونحن كارهون لها ، أو أتعيدوننا في حال كراهتنا؟

(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) : قد اختلقنا عليه.

(إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) : شرط جوابه محذوف ، دل عليه «قد افترينا». وهو بمعنى المستقبل ، لأنّه لم يقع. لكنّه جعل كالواقع ، للمبالغة. وأدخل عليه «قد» ، ليقرّبه من الحال ، أي : قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها ، حيث نزعم أنّ لله ندّا. وأنّه قد بيّن لنا أنّ ما كنّا عليه باطل ، وما أنتم عليه حقّ.

وقيل (١) : إنّه جواب قسم ، تقديره : والله لقد افترينا.

(وَما يَكُونُ لَنا) : وما يصحّ لنا.

(أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) : خذلاننا ومنعنا الإلطاف ، بأن يعلم أنّه لا ينفع فينا. أو أراد به حسم طمعهم في العود ، بالتّعليق على ما لا يكون.

(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ، أي : أحاط علمه بكلّ شيء ممّا كان وما يكون منّا ومنكم.

(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) : في أن يثبّتنا على الإيمان ، ويخلّصنا من الأشرار.

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) : أحكم بيننا. والفتّاح ، القاضي.

والفتّاحة ، الحكومة. أو أظهر أمرنا حتّى ينكشف ما بيننا وبينهم ، وتمييز المحقّ من المبطل. من فتح المشكل : إذا بيّنه.

(وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩) : على المعنيين.

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) : وتركتم دينكم.

(إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٩٠) : لاستبدالكم ضلالته بهداكم. أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتّطفيف. وهو سادّ مسدّ جواب الشّرط ، والقسم الموطّأ باللّام.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٩.

١٣٩

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) : الزّلزلة.

وفي سورة الحجر (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ). ولعلّها كانت من مبادئها.

في مجمع البيان (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : بعث الله عليهم صيحة واحدة ، فماتوا.

وقد سبق نظيره.

(فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٩١) ، أي : في مدينتهم.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) : مبتدأ خبره (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) ، أي : استؤصلوا ، كأن لم يقيموا.

والمغني : المنزل.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) (٩٢) : دينا ودنيا. لا الّذين صدّقوه واتّبعوه ، كما زعموا ، فإنّهم الرّابحون في الدّارين. وللتّنبيه على هذا والمبالغة فيه ، كرّر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميّتين.

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) : قاله تأسّفا بهم ، لشدّة حزنه عليهم.

ثمّ أنكر على نفسه فقال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٩٣) : ليسوا أهل حزن ، لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم. وقاله اعتذارا عن عدم شدّة حزنه عليهم.

والمعنى : لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النّصح والإشفاق ، فلم تصدّقوا قولي «فكيف آسى» عليكم.

وقرئ (٢) : «فكيف آيسي» بإمالتين.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) : بالبؤس والضّرّ.

(لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (٩٤) : كي يتضرّعوا ويتذلّلوا.

(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) ، أي : أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الشّدّة السّلامة والسّعة ، ابتلاء لهم بالأمرين.

(حَتَّى عَفَوْا) : كثروا عددا ، فلم ينتقلوا عمّا كانوا عليه.

__________________

(١) المجمع ٢ / ٤٥٠.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٠.

١٤٠