مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

بصدق التمكّن من التصرّف فيه (١).

وفيه : أنّ القدرة على فكّ الرهن لا يخرج الرهن ـ ما دام كونه رهنا ـ عن كونه متعلّقا لحق مانع عن التصرّف فيه ، وقد عرفت أنّ مثله مانع عن تعلّق الزكاة به ، فالأقوى : عدم تعلّق الزكاة به مطلقا ، سواء تمكّن من فكّه أم لا ، كما هو ظاهر بعض (٢) ، وصريح بعض آخر (٣).

(و) كذا (لا) تجب الزكاة في (الوقف) بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال ، لا لمجرّد عدم التمكن من التصرّف في عينه ، وكونه متعلّقا لحق الغير ، بل لنقص ملكيّته بالذات ، وكونها منتزعة من قصر منفعته على الموقوف ، من غير أن يكون له حقّ في التصرّف في عينه ، ومثله خارج عن منصرف أدلة الزكاة جزما.

نعم ، لو كان وقفا خاصّا ، لكان في نمائه ـ إذا بلغ نصيب الموقوف عليه النصاب ـ الزكاة ، لأنّ نماء الوقف ليس بوقف ، بل هو ملك طلق للموقوف عليه ، فيجري عليه أحكامه.

(و) كذا (لا) تجب الزكاة في الحيوان (الضالّ ، ولا) في (المال المفقود) كما ظهر وجهه فيما مرّ.

وفي المسالك ، قال : ويعتبر في مدّة الضلال والفقد إطلاق الاسم ، فلو حصل لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع (٤). انتهى.

وهو جيّد ، كما اعترف به في المدارك (٥) ، إذ المدار على انقطاع يده

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٥٥ ، وانظر : البيان : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، والدروس ١ : ٢٣٠ ، والمسالك ١ : ٣٦١ ، والروضة البهية ٢ : ١٣.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ٥٥.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٥٥.

(٤) مسالك الأفهام ١ : ٣٦٢.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧.

٨١

عن ماله عرفا ، ولا يتحقّق ذلك بمجرّد الضلال والفقد ما لم تطل مدّته بمقدار يعتدّ به ، فإنّ من شردت دابّته مثلا ، أو نسي الموضع الذي دفن فيه ماله ، لا يحصل بمجرّده صدق اسم الضياع والخروج عن اليد ما لم يستقرّ ذلك ويرجو عثوره عليه.

ومن هنا قد يفرّق بينه وبين المغصوب ، حيث إنّ الغاصب إذا كانت يده قاهرة ، كالعدوّ الّذي ينهب أمواله ، أو قاطع الطريق الذي ينزع ثيابه ، فإنّه بمجرّد استيلائه على المال ينقطع سلطنة المالك عنه عرفا ، ويضعف ملكيّته كما هو واضح.

(فإن مضى عليه سنون وعاد ، زكّاه لسنة) واحدة (استحبابا).

في المدارك قال : هذا مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفا ، وأسنده العلّامة في المنتهى إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وحكى عن بعض العامّة القول بالوجوب.

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الموثّق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : «فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه ، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (١).

وما رواه الكليني بسند صحيح عن العلاء بن رزين عن سدير الصيرفي ـ وهو ممدوح ـ قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : ما تقول في

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧.

٨٢

رجل له مال ، فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه عن موضعه ، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كله ، فوقع على المال بعينه ، كيف يزكيه؟ قال : «يزكيه لسنة واحدة ، لأنّه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه» (١).

ويدلّ على أنّ الأمر للاستحباب قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود في الوديعة التي لا يصل مالكها إليها : «إذا أخذها ثمّ يحول عليه الحول يزكّي» (٢) (٣) انتهى.

ويدلّ عليه أيضا روايتا إسحاق بن عمّار المتقدّمتان الدالّتان على اعتبار بقائه عنده بعد وصوله إليه حتى يحول الحول عليه (٤) ، وغير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار بقاء النصاب تحت يده تمام الحول في وجوب الزكاة.

فما عن بعض متأخّري المتأخّرين من الميل أو القول بوجوب الزكاة لسنة واحدة (٥) ، ضعيف.

ثم إنّ مقتضى ظاهر عبارة المتن أنّ التزكية لسنة واحدة إنما تستحبّ إذا كانت مدة الضلال والفقد ثلاث سنين فصاعدا.

ولكن في المدارك نقل عن العلّامة في المنتهى أنّه أطلق استحباب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٩ / ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧ ـ ٣٨ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٧٥.

(٤) تقدمتا في ص ٦١ ـ ٦٢.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ٥٧.

٨٣

تزكية المغصوب والضال مع العود لسنة واحدة ، ثمّ نفى البأس عنه (١).

وهو في محله ، لأنّه أوفق بإطلاق الموثّقة المزبورة.

وأمّا خبر سدير ، فيحتمل قويّا ، بل لعلّه الظاهر منه أن يكون المراد بالسنة الواحدة ، السنة الأولى ، كما وقع التنبيه عليه في عبارة شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ المتقدّمة (٢) آنفا ، فليتأمّل.

(و) كذا (لا) تجب الزكاة في (القرض حتى يرجع إلى صاحبه) ويحول الحول عليه في يده ، لانتقاله إلى ملك المقترض بالقبض ، فتجب زكاته عليه لا على صاحب القرض ، كما عرفته فيما سبق.

ولو تبرّع المقرض بالإخراج عن المقترض ، ففي المدارك قال : الوجه الإجزاء ، سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا ، وبه قطع في المنتهى قال : لأنّه بمنزلة أداء الدين.

ويدلّ عليه صريحا ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المقترض» (٣).

واعتبر الشهيد في الدروس والبيان في الإجزاء إذن المقترض.

والرواية مطلقة (٤). انتهى ما في المدارك.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٨ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٧٥.

(٢) تقدمت العبارة في صفحة ٧٣ ـ ٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٢.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٣٨ ـ ٣٩ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٧٧ ، والدروس ١ : ٢٣١ ، والبيان : ١٧٠.

٨٤

أقول : أمّا تعليل الإجزاء بأنّه بمنزلة أداء الدين ـ كما صدر عن العلّامة وغير واحد ممّن تأخّر عنه ـ فلا يخلو من نظر ، لأنّ الدين حقّ مخصوص بمالكه يسقط بإبراء المالك أو استيفائه ذلك الحقّ من أيّ شخص يكون ، سواء رضي به المديون أم لا ، فإنّ رضا الدائن بكون ما وصل إليه عوضا عمّا يستحقّه من المديون كإبراء ذمّته ، كاف في سقوط حقّه وفراغ ذمة المديون ، من غير توقّفه على رضاه ، بل لا يبعد أن يقال :بعدم اعتبار رضا الدائن أيضا ، إذا كان المدفوع إليه من جنس ما يستحقّه ، فليس له الامتناع من قبوله فيما إذا بذله باذل تبرّعا وإن لا يخلو من تأمّل.

وهذا بخلاف الزكاة ، فإنها ليست ملكا لأحد بالخصوص ، بل المستحقّون مصرف لها ، فلا يترتّب على قبض واحد منهم وقبوله ورضاه كإبرائه وإسقاطه ، أثر ما لم يكن ذلك بتعيين من له ولاية التعيين ، أي : المالك أو من قام مقامه ، خصوصا على القول بتعلّق الزكاة بالعين ، فلا يقاس التبرّع بأداء الزكاة المتعلّق بمال «زيد» على التبرّع بوفاء الدين المتعلّق بذمّته الذي هو حقّ لخصوص الدائن لا يعقل بقاؤه بعد رضا الدائن بكون ما وصل إليه وفاء عنه ولو من غير جنسه أو بأقلّ من حقّه بأيّ حيلة يكون ولو بفعل الأجنبي.

اللهمّ إلّا أن يدلّ عليه دليل تعبّدي.

هذا ، مضافا إلى ما قد يقال بأنّ الزكاة من العبادات المتوقّف سقوط التكليف بها على مباشرة المكلّف ولو بالاستنابة أو التسبيب.

وفيه كلام يأتي في محله إن شاء الله.

وأمّا الصحيحة ، فهي بظاهرها غير قاصرة عن إفادة المدّعى.

ودعوى انصرافها إلى صورة إذن المقترض أو اشتراطه ، قابلة للمنع.

٨٥

(و) كذا (لا) تجب الزكاة في (الدين) الذي لم يكن تأخيره من قبل صاحبه (حتى يقبضه) بلا خلاف فيه على الظاهر.

ويدلّ عليه قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة ابن سنان : «لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك ، حتى يقع في يدك» (١).

وموثّقة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : ليس في الدين زكاة؟ قال : «لا» (٢).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ :الدين عليه زكاة؟ قال : «لا ، حتى يقبضه» قلت : فإذا قبضه ، أيزكيه؟قال : «حتى يحول عليه الحول في يده» (٣).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا ، فتحلّ عليه الزكاة ، قال : «يزكّي العين ، ويدع الدين» قلت : فإنّه اقتضاه بعد ستّة أشهر ، قال : «يزكيه حين اقتضاه» (٤).

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متن تجب عليه الزكاة؟ قال : «إذا أخذهما ، ثم يحول عليه الحول ، يزكّي» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٧٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

٨٦

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس ، تجب فيه الزكاة؟ قال : «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه ، فإذا قبضه فعليه الزكاة. وإن هو طال حبسه على الناس ، حتى يمرّ لذلك سنون ، فليس عليه زكاة حتى يخرج ، فإذا هو خرج زكّاه لعامه ذلك» (١).

الحديث ، إلى غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

ويؤيّده أيضا الأخبار الدالّة على أنّ كلّ ما لا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه (٢).

وربّما يستفاد من خبر عبد الحميد بن سعد الاستحباب في المؤجّل على المليّ الثقة بعد القبض لكلّ ما مرّ به من السنين ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه وماله في ثقة ، يزكّي ذلك المال في كل سنة تمرّ به ، أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال : «لا ، بل يزكّيه إذا أخذه» قلت له : لكم يزكّيه؟ قال :قال : «لثلاث سنين» (٣) وهو محمول على الاستحباب بشهادة غيره ممّا عرفت.

ويحتمل قويّا : أن يكون المقصود بالزكاة في هذه الرواية : زكاة مال التجارة ، لا زكاة النقدين من حيث هي ، والله العالم.

(فإن كان تأخيره من جهة صاحبه) فـ (قيل) كما عن السيد والشيخين في المقنعة والخلاف والمبسوط (٤) : (تجب الزكاة على مالكه)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٩ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٦.

(٢) انظر : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢١ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٨.

(٤) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٤ ، والجواهر ١٥ : ٥٩ ، وانظر : جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف) ٣ : ٧٤ ، والمقنعة : ٢٣٩ ، والخلاف ٢ : ٨٠ ، المسألة ٩٦ ، والمبسوط ١ : ٢١١.

٨٧

واختار في الحدائق أيضا ذلك (١).

(وقيل : لا) وهذا القول على ما ادّعاه في الجواهر هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عليه إجماع المتأخّرين (٢) ، وهو الأظهر (و) إن كان (الأوّل أحوط).

واستدلّ في الحدائق للقول بالوجوب بموثّقة زرارة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال :«فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا ، وهو يقدر على أخذه ، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (٣).

وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس في الدين زكاة إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» (٤).

وخبر عبد العزيز ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يكون له دين ، قال : «كلّ دين يدعه ، وهو إذا أراد أخذه ، فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه ، فليس عليه زكاة» (٥).

وصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٤.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٩ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٥ ، وانظر : الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٣ ـ ٣٤.

٨٨

الرجل ينسى أو (يعير) (١) فلا يزال ماله دينا ، كيف يصنع في زكاته؟فقال : «يزكّيه ، ولا يزكّي ما عليه من الدين ، إنما الزكاة على صاحب المال (٢).

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : «وإن غاب عنك مالك فليس عليك الزكاة ، إلّا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك ، إلّا أن يكون مالك على رجل متى أردت أخذت منه فعليك زكاته» (٣).

ولا يعارضها الأخبار المتقدمة (٤) الدالّة على أنّه لا صدقة على الدين ، فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين تلك الأخبار ارتكاب التقييد في تلك الأخبار بتخصيصها بما إذا لم يكن التأخير من قبل المالك كما هو الغالب.

ويرد على الاستدلال بموثّقة زرارة أنّها بظاهرها أجنبيّة عن المدّعى.

وأمّا خبر الكناني ، فهو بظاهره معارض للمعتبرة المصرّحة بأنه لا صدقة على الدين ، ولا يصحّ تخصيصه بالدين الذي يكون تأخيره من قبل صاحبه ، لأنّ مورده النسيئة ، الظاهرة في المؤجّل الذي لا سلطنة للمالك على استيفائه مهما أراد ، ولا أقلّ من كون المؤجّل من أظهر موارده الذي يكون صرف الرواية عنه أبعد من حملها على الاستحباب ، مع أنّ الغالب على الظنّ أنّ المراد بالزكاة في هذه الرواية ككثير من أخبار الباب ، هي زكاة مال التجارة التي سيأتي الكلام فيها إن شاء الله.

__________________

(١) في المصدر : يعين.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢١ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ عليه‌السلام ـ : ١٩٨.

(٤) تقدمت في ص ٨٦ ـ ٨٧.

٨٩

وأمّا خبرا عمر بن يزيد وعبد العزيز ، فقد أجيب عنهما بضعف السند ، كعبارة الرضوي.

والأولى الجواب عنهما بالحمل على الاستحباب ، جمعا بينهما وبين خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه وكتاب قرب الإسناد للحميري ، أنه سأل أخاه عن الدّين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه ، هل عليه زكاة؟ قال : «لا ، حتى يقبضه ويحول عليه الحول» (١).

وهذه الرواية كما تراها ، نصّ في عدم الوجوب. وقضيّة الجمع بينها وبين الخبرين المتقدّمين ، وكذا عبارة الرضوي وغيرها ، بعد تسليم سندها أو دلالتها : إنّما هو حمل تلك الأخبار على الاستحباب ، أو زكاة مال التجارة ، أو غيرها من المحامل.

هذا ، مع أن ارتكاب التأويل في تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب في حدّ ذاته ، أهون من ارتكاب التخصيص والتأويل في العمومات النافية للزكاة على الدّين ، وغيرها من الروايات الظاهرة في اختصاص موجبات الزكاة بالأعيان الخارجيّة المندرجة تحت مسمّيات الأجناس الزكويّة حقيقة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربّما يؤيّد الاستحباب أيضا رواية عليّ بن جعفر ـ الأخرى ـ عن أخيه موسى ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس على الدّين زكاة ، إلّا أن يشاء رب الدّين أن يزكّيه» (٢).

ثمّ إنّا لو أوجبنا الزكاة في الدّين ، لاتّجه تخصيصه بما إذا كان من جنس النقدين ، دون ما إذا كان الدّين نعما ، لانصراف ما دلّ على

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١٥.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١٤.

٩٠

ثبوت الزكاة في الدّين عن مثله ، ولأنّ السوم شرط ، وحصوله ممّا في الذمّة متعذّر ، لا بمعنى أنّ ما في الذمّة لا يصحّ أن يوصف بكونه سائما ، كي يتوجّه عليه أنّ السائمة والمعلوفة قسمان من الحيوان ، فكما يجوز أن يثبت نفس الحيوان في الذمّة ، يجوز أن يثبت كلّ من قسميه فيها ، فإنّ (١) شرط تعلّق الزكاة بالأنعام صدور وصف السوم منها في تمام الحول ، لا اتّصافها بكونها سائمة ولو في الذمّة ، كما لا يخفى.

(والكافر يجب عليه الزكاة) كغيرها من التكاليف الفرعيّة التي استفيض نقل الإجماع في كتب الأصول والفروع على كونه مكلّفا بها ، لعموم أدلّتها ، وخصوص قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٢) وغيره ، وقد تقدّم في مبحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة مزيد توضيح وتحقيق لذلك ، فراجع (٣).

(لكن لا يصحّ منه أداؤها) لكونها من العبادات المشترطة بالقربة ، التي قد يظهر من كلماتهم التسالم على اشتراطها بالإيمان ، كما ربّما يشهد له النصوص المستفيضة ـ إن لم تكن متواترة ـ الدالّة على اشتراط قبول الأعمال بالولاية (٤) ، وأنّ من لم يوال الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ فتكون اعماله بدلالتهم ، لم يكن له على الله شي‌ء (٥) ، فيلزمه بطلان عمله ، وإلّا يلزم استحقاق الأجر عليه ، وهو خلاف صريح الأخبار ،

__________________

(١) الظاهر : بل لأنّ. هامش الطبع الحجري.

(٢) سورة فصّلت ٤١ : ٦ و ٧.

(٣) راجع كتاب الطهارة : ٢٢٧ (الطبع الحجري).

(٤) انظر على سبيل المثال : الكافي ١ : ١٨٣ / ٨ ، والوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٢ : ١٨ ـ ١٩ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٢.

٩١

فليتأمّل.

وعلّله في محكي المعتبر وغيره : بأنّ نية القربة معتبرة فيها ، وهي لا تصحّ من الكافر (١).

وفيه : أنّه إن تمّ ففي غير مثل النواصب والخوارج وغيرهم من الفرق المحكوم بكفرهم ، لإنكار بعض الضروريّات ، مع اعترافهم بالله تعالى وبوجوب الزكاة.

وكيف كان ، فإذا أسلم الكافر سقطت الزكاة عنه ، كما نصّ عليه غير واحد (٢) ، بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد.

نعم ، قد يلوح من المدارك الميل أو القول بالخلاف ، فإنّه بعد أن نقل عن المصنّف في المعتبر والعلّامة في جملة من كتبه التصريح بأنّ الزكاة تسقط عن الكافر بالإسلام وإن كان النصاب موجودا ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ : (الإسلام يجبّ ما قبله) (٣) قال ما لفظه : ويجب التوقّف في هذا الحكم ، لضعف الرواية المتضمّنة للسقوط سندا ومتنا.

ولما روى في عدّة أخبار صحيحة من أنّ المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة ، فإنه لا بدّ أن يؤدّيها (٤) ، ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر.

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤١ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٢) منهم : المصنف في المعتبر ٢ : ٤٩٠ ، والعلامة في قواعد الأحكام ١ : ٥٢ ، وتحرير الأحكام ١ : ٥٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٧٦ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٤٠ ، المسألة ٢٧.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ / ١٤٥ ، واسد الغابة ٥ : ٥٤ ، ومسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٥ بتفاوت يسير في الموضعين.

(٤) انظر : الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمة العبادات ، والباب ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

٩٢

وبالجملة ، فالوجوب على الكافر متحقّق ، فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال ، أو يقوم على السقوط بالإسلام دليل يعتدّ به.

على أنّه ربّما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر ، كما في قضاء العبادات ، لامتناع أدائها في حال الكفر ، وسقوطها بالإسلام ، إلّا أن يقال : إن متعلّق الوجوب إيصالها إلى الساعي وما في معناه في حال الكفر ، وينبغي التأمل في ذلك (١). انتهى.

أقول : أما المناقشة في سند مثل هذه الرواية المشهورة ، المتسالم على العمل بها بين الأصحاب ، فممّا لا ينبغي الالتفات إليها ، بل وكذا في دلالتها ، فإنّ مثل الزكاة والخمس والكفّارات وأشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقّن منها ، كما يؤيّد ذلك ، بل يدلّ على أصل المدّعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ القائمين مقامه ، على عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشي‌ء من هذه الحقوق بالنسبة إلى الأزمنة الماضية.

وأمّا المخالف الذي استبصر ، فهو خارج عن مورد هذا الحكم ، فيجب عليه تدارك جميع ما فاته من التكاليف الثابتة في الإسلام ماليّة كان أم بدنيّة ، لكن ما أتى به منها على وفق مذهبه قبل استبصاره ممضى شرعا ، منّة عليه فيما عدا الزكاة المصروفة في غير مصرفها على ما نطق به الأخبار ، فهذا ممّا لا ربط له بالمقام.

ودعوى أنّ التفرقة بين الزكاة وغيرها في المخالف إنّما هي باعتبار كونها متعلّقة لحقّ الناس ، كما وقع في الأخبار التصريح به ، فهذا يكشف عن أنّ الزكاة أيضا كسائر الحقوق الماليّة للغير ، الثابتة على

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٤٢ ، وانظر : المصادر في الهامش ٢ من صفحة ٩٢.

٩٣

الكافر ، التي قد يتأمّل أو يمنع عن كونها مشمولة لحديث الجبّ ، مدفوعة بأنّ الحقوق الماليّة القابلة للتأمّل أو المنع عن كونها مشمولة للنص ، إنّما هي الحقوق الثابتة عليه لا بشرع الإسلام ، كردّ الأمانات ، والديون المستقرّة في ذمّته ، وإلّا فقد أشرنا إلى أن الخمس والزكاة والكفّارات ونظائرها ، من الحقوق الماليّة الناشئة من التكاليف المقرّرة في دين الإسلام ، من أظهر موارد الحديث.

وأمّا ما ذكره من استلزام هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر ، فهو إشكال يتوجّه على سائر التكاليف المشروطة التي يتوقّف الخروج عن عهدتها على مقدّمة متقدّمة على زمان حصول شرطها وحضور وقتها ، بحيث لو أخلّ بها امتنع توجّه الخطاب بفعلها بعد حصول شرطه ، وقد حقّقنا في أوّل كتاب الطهارة (١) ، لدى البحث عن وجوب الغسل في الليل لصوم الغد ما يندفع به هذا الإشكال.

وملخّصه : أن المدار في صحّة التكليف ، وحسن المؤاخذة على مخالفته ، إنّما هو على تمكّن المكلّف من الخروج عن عهدته ولو بترتيب مقدّماته من قبل عشرين سنة ، لا القدرة المقيّدة بحصولها بعد حضور وقت الفعل أو حصول شرطه ، ولكن يجب عند توقّفه على مقدّمة متقدّمة أن يوجّه إليه التكليف من حين قدرته عليه ، فيصحّ أن يكلّف كلّ أحد من أوّل بلوغه بأن يسلم ويؤدّي زكاة أمواله في كلّ سنة ما دام حيّا ، وأن يأتي بالفرائض اليوميّة في أوقاتها ، ويقضيها في خارج الوقت لدى فوتها في الوقت ، فإذا كلّفه بذلك في أوّل بلوغه ، صحّت مؤاخذته على مخالفة الجميع وإن كانت صحة الجميع مشروطة بإسلامه في اليوم الأوّل

__________________

(١) راجع ص ٤ (الطبع الحجري).

٩٤

من بلوغه.

ولا ينافي ذلك سقوطها عنه بحدوث الإسلام له حين حصول شرطها أو حضور وقتها ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وحيث لا يصحّ من الكافر أداء الزكاة (فإذا تلفت) منه (لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل) على ما صرّح به في المتن وغيره (١) ، لأنّه غير متمكّن حينئذ من الأداء ، ولا يكون التلف مع عدم التمكّن من الأداء مقتضيا للضمان.

ولكن قد يشكل ذلك بأنّ عدم تمكّنه من الأداء إذا كان مسبّبا عن اختياره بقاءه على الكافر ، لا يصلح أن يكون مانعا عن الضمان الذي هو من مقتضيات اليد ما لم يدلّ دليل على خلافه ، فالقول بتحقّق الضمان ـ كما ربّما يستشعر من كلمات غير واحد (٢) من المتأخّرين ـ لعلّه أقوى.

ولكن البحث عنه ـ كالبحث عن وجوب أصل الزكاة على الكافر بعد الالتزام بسقوطها عنه بالإسلام ـ قليل الفائدة.

وما يقال (٣) : من أنّ ثمرة وجوبها تظهر لجواز القهر عليه ، كما في غيره من الممتنعين من أداء الزكاة ، فهو لا يخلو من إشكال.

أمّا بالنسبة إلى الذمّي والمعاهد ، فإن كان أخذ الزكاة منهم داخلا فيما شرط عليهم ، فلا كلام فيه ، وإلّا فإلزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الإسلام مشكل ، لأنّه ينافي تقريرهم على ما هم

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٤٢ ، والشهيد في البيان : ١٦٨ ، والعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٢٠٥.

(٢) كالسيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤٢.

(٣) انظر : المسالك ١ : ٣٦٣ ، وجواهر الكلام ١٥ : ٦٣ ـ ٦٤.

٩٥

عليه ، لأنّ قضيّة ذلك عدم مزاحمتهم فيما يرونه ملكا لهم بسبب أو نسب ، أو معاملة فاسدة ، بل ترتيب أثر الملكيّة الصحيحة على ما يرونه في مذهبهم ملكا لهم ، كما في ثمن الخمر والخنزير ، وميراث العصبة ، وإلّا لكان وجوب إخراج الزكاة من أموالهم لدى انتقالها إلى مسلم بهبة أو بيع أو إرث ونحوه من أظهر الثمرات ، ولكنّ الظاهر عدم التزام أحد بها.

وأمّا بالنسبة إلى الحربي ، فإنّه وإن جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا ، ولكن إلزامه بدفع الزكاة أو أخذ شي‌ء منه بهذا العنوان ، بحيث يترتّب عليه أثره ، بأن يتعيّن صرفه إلى مصرفها المعيّن ، فلا يخلو من إشكال ، فليتأمّل.

(والمسلم إذا لم يتمكّن من إخراجها وتلفت لم يضمن) للأصل وغيره.

(ولو تمكّن أو (١) فرّط ، ضمن) كما يدلّ عليه روايات مستفيضة :

منها : قول أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، في حسنة محمّد بن مسلم : «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها ، فهو لها ضامن حتى يدفعها» (٢) وغير ذلك ممّا تعرفه إن شاء الله.

(والمجنون والطفل لا يضمنان) ما يتلف (إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في الغلّات والمواشي) لعدم المقتضي له ، وإنّما الكلام في ضمان الولي.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي الشرائع : «و» بدل «أو».

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١ ، وفيها : عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ وعن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في المدارك ٥ : ٤٣.

٩٦

ففي المدارك وغيره : لا يبعد تضمينه ، لأنه مخاطب بالإخراج ، فيجري مجرى المالك (١).

أقول : وهو على إطلاقه ما لم يندرج تحت ضمان اليد أو الإتلاف ، لا يخلو من إشكال ، والله العالم.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٤٤ ، جواهر الكلام ١٥ : ٦٤.

٩٧

(النظر الثاني في بيان ما تجب فيه ، وما تستحبّ)

(تجب الزكاة في الأنعام : الإبل ، والبقر ، والغنم ، وفي الذهب ، والفضّة ، والغلات الأربع : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.

ولا تجب فيما عدا ذلك.)

أمّا وجوبها في التسعة المزبورة ، فممّا لا شبهة ، بل لا خلاف فيه ، نصّا وفتوى.

قال العلامة في التذكرة : وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضّة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا فيما عدا ذلك (١). انتهى.

وأمّا عدم وجوبها فيما عدا ذلك ، ففي محكي المعتبر : أنه مذهب الأصحاب ، عدا ابن الجنيد (٢).

ونقل عن ابن الجنيد أنّه قال : تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كلّ ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرّة وعدس وسلت

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ٤٣ وفيه «فيما زاد على ذلك».

(٢) حكاه السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤٥ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٩٣.

٩٨

وسائر الحبوب (١) ، وفاقا للمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأبي يوسف (٢).

ويدلّ على انحصار وجوب الزكاة في التسعة المزبورة أخبار متظافرة.

منها : صحيح الفضلاء ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ ، قالا : «فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنّها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، في تسعة أشياء ، وعفا عمّا سواهنّ في الذهب ، والفضّة ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير والتمر ، والزبيب ، وعفا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، عمّا سوى ذلك (٣).

وفي الموثّق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن صدقات الأموال ، فقال : «في تسعة أشياء ، ليس في غيرها شي‌ء في الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية» (٤) الحديث.

وفي الموثّق أيضا عن زرارة ، وبكير ابني أعين عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس في شي‌ء ممّا أنبتت الأرض من الأرز ، والذرّة ، والحمّص ، والعدس ، وسائر الحبوب والفواكه شي‌ء غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه ، إلّا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضّة تكنزه ، ثمّ يحول عليه الحول» (٥) الحديث.

__________________

(١) حكاه العلّامة في المختلف ٣ : ٧ ، المسألة ٤٥.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ١٠٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٣ / ٥ ، الإستبصار ٢ : ٣ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الإستبصار ٢ : ٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٦ / ١٢ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

٩٩

وفي الموثّق عن عبد الله بن بكير ، عن محمّد بن الطيّار ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عمّا يجب فيه الزكاة ، فقال : «في تسعة أشياء :الذهب ، والفضّة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، وعفا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عمّا سوى ذلك» فقلت : أصلحك الله ، فإنّ عندنا حبّا كثيرا. قال : فقال : «وما هو؟» قلت : الأرز. قال : «نعم ، ما أكثره» فقلت : فيه الزكاة؟ قال : «فزبرني» ثم قال : «أقول لك : إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عفا عمّا سوى ذلك ، وتقول لي : إنّ عندنا حبّا كثيرا ، أفيه الزكاة؟» (١).

وفي مرسل القمّاط ، أنّه سئل أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الزكاة ، فقال : وضع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الزكاة على تسعة ، وعفا عمّا سوى ذلك : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والذهب ، والفضّة ، والبقر ، والغنم ، والإبل» فقال السائل : فالذرة؟ فغضب عليه‌السلام ، ثم قال : «كان والله على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ السماسم والذرّة والدخن وجميع ذلك» فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وإنّما وضع في تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب فقال : كذبوا ، فهل يكون العفو إلّا عن شي‌ء قد كان؟ ولا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (٢). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة البالغة حدّ التواتر ، الحاصرة للزكاة في التسعة المزبورة ، لا حاجة إلى استقصائها.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤ / ٩ ، الإستبصار ٢ : ٤ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١٢.

(٢) الخصال ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ١٩ ، معاني الأخبار : ١٥٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

١٠٠