مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

فالفرق بين النصابين عنده بدلية الخمس شياه في الأوّل دون الثاني ، فكأنّ مستنده في هذا التفصيل كون الخمس والعشرين بالخصوص موردا لتعارض حسنة الفضلاء الآتية (١) ـ التي هي مستند ابن أبي عقيل ـ وسائر الروايات الموافقة للمشهور ، الدالّة على أنّ فيها خمس شياه ، فرأى الجمع بينهما بهذا الوجه الغير الخالي من النظر.

وربما نقل الخلاف أيضا في بعض ما ذكر عن بعض.

فعن الصدوق في هدايته أنّه قال : إذا بلغت إحدى وستّين ففيها جذعة إلى ثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين (٢) ، وهو المنقول عن رسالة أبيه (٣) ، والفقه الرضوي (٤) أيضا.

وعن السيّد في الانتصار ، أنه ذهب إلى أنّه لا يتغيّر الفرض من إحدى وتسعين إلّا ببلوغ مائة وثلاثين ، بل قد يلوح من كلامه اتّفاق الإماميّة عليه ، مع أنّه حكي عنه في الناصريّة ، كالشيخ في الخلاف والحلّي في السرائر وغيرهم : دعوى الإجماع على خلافه (٥).

وكيف كان ، فهو ضعيف محجوج بما ستعرف.

ويدلّ على المشهور أخبار معتبرة مستفيضة ، منها :صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال :«في خمس قلائص (٦) شاة ، وليس فيما دون الخمس شي‌ء ، وفي عشر

__________________

(١) تأتي في صفحة ١٢٤.

(٢) المختلف ٣ : ٤٨ ، المسألة ١٥ ، وانظر : الهداية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٤.

(٣) المختلف ٣ : ٤٨ ، المسألة ١٥ ، وانظر : الهداية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٤.

(٤) نقله صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٤٨ ، وانظر ، الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ عليه‌السلام ـ :١٩٧.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ٧٩ وانظر : الانتصار : ٨١ ، والمسائل الناصرية (ضمن الجوامع الفقهية) :٢٤١ ، والخلاف ٢ : ٧ ، المسألة ٣ ، والسرائر ١ : ٤٤٩.

(٦) القلوص من النوق : الشابة. وجمع القلوص : قلص وقلائص. الصحاح ٣ : ١٠٥٤.

١٢١

شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث ، وفي عشرين أربع ، وفي خمس وعشرين خمس ، وفي ست وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين» وقال عبد الرحمن : هذا فرق بيننا وبين الناس «فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقة» (١).

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الزكاة ، قال : «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة ، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين ، فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين ، فإذا كانت خمسا. وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، وإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» (٢) الحديث.

وصحيحة زرارة المرويّة عن الفقيه عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٧ ، والكافي ٣ : ٥٣٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

١٢٢

«ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر ، فإذا كانت عشرا شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقّة ـ وإنّما سمّيت حقّة ، لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها (١) ـ إلى ستّين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون» (٢).

وعن الشيخ بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ نحوه (٣) ، بأدنى اختلاف في اللفظ.

وفي الحدائق نقل عن المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ، أنّه قال : روى أبو بصير ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، وزرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ قالا : «إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ، فإن زادت فابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت فحقة إلى ستّين ، فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت فحقّتان إلى

__________________

(١) انظر : الصحاح ٤ : ١٤٦٠.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

١٢٣

عشرين ومائة».

قال : وهذا مذهب علماء الإسلام.

«فإن زادت ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون».

قال : وبه قال علماؤنا ، ثم نقل أقوال العامة.

ثم قال صاحب الحدائق : وهذه الرواية لم يتعرّض لنقلها أحد من الأصحاب في كتب الاستدلال ، ولا من المحدّثين في كتب الحديث ، حتى صاحب الوسائل الذي جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الأربعة (١). انتهى.

أقول : الذي يغلب على الظنّ أنّه لم يقصد بهذه الرواية إلّا نقل مضمون الروايات التي سمعتها مفصّلة ، فهي على الظاهر ليست رواية مستقلّة غير تلك الأخبار ، فليتأمّل.

احتجّ ابن أبي عقيل ـ على ما نقل عنه (٢) ـ بما رواه الكليني والشيخ ـ في الحسن أو الصحيح ـ عن زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ، وبريد العجلي ، والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ قالا : «في صدقة الإبل في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، ففيها ابنة لبون ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقّة طروقة الفحل ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وسبعين ففيها ابنتا لبون ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين ، فإذا

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٥ ـ ٤٦ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٠٠.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٦.

١٢٤

بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون ، ثمّ ترجع الإبل على أسنانها ، وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية» (١) الحديث.

وقد حكي عن السيّد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ أنّه أجاب عن هذه الرواية : بحمل بنت مخاض على كونها بالقيمة (٢).

واحتمل بعض حمله على الاستحباب (٣).

وعن الشيخ أنّه أجاب عنها بأنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون المراد : وزادت واحدة ، وإنّما لم يذكر في اللفظ ، لعلمه بفهم المخاطب ذلك.

قال : ولو لم يحتمل ما ذكرناه ، لجاز لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقيّة ، لأنّها موافقة لمذهب العامّة (٤).

وأورد عليه المصنّف في محكي المعتبر ، فقال : وهذان التأويلان ضعيفان.

أمّا الإضمار : فبعيد في التأويل.

وأمّا التقيّة ، فكيف يحمل على التقيّة ما صار إليه جماعة من محقّقي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٢) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٤٧ ، وانظر : الانتصار : ٨١.

(٣) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٧.

(٤) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٧ ، وانظر : التهذيب ٤ : ٢٣ ، والاستبصار ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

١٢٥

الأصحاب ، ورواه أحمد بن محمد البزنطي؟! وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممّن اختار ذلك ، مذهب الإماميّة من غيرهم؟! والأولى أن يقال : فيه روايتان ، أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم (١). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ الأصحاب إنّما التجأوا إلى ارتكاب مثل هذه التأويلات ، وإبداء مثل هذه الاحتمالات في مقام التوجيه ، تفاديا عن طرح مثل هذه الرواية الصحيحة ، وليس الإشكال المتوجّه عليها مخصوصا بهذا الموضع ، كي يمكن أن يقال : فيه روايتان ، أشهرهما كذا ، فإنّها تدلّ بظاهرها على أنّ النصاب السادس : خمس وثلاثون وفيها ابنة لبون ، والسابع : خمس وأربعون وفيها حقة ، والثامن : ستّون وفيها جذعة ، والتاسع : خمس وسبعون وفيها ابنتا لبون ، والعاشر : تسعون وفيها حقّتان ، مع أنّه يعتبر في جميع هذه النصب زيادة واحدة باتّفاق الخاصّة والعامّة ، على ما يظهر من التذكرة وغيرها.

فمن هنا قد يشكل توجيهها بالحمل على التقيّة أيضا ، لمخالفته في سائر فقراتها لمذهب الجمهور أيضا.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ ترك ذكر اعتبار زيادة واحدة على الخمس والعشرين في إيجاب ابنة مخاض ، إنّما هو للجري مجرى التقيّة ، وتركها في سائر النصب مع اعتبارها فيها نصّا وفتوى ، للإشارة إلى كون زيادة الواحدة على الخمس والعشرين أيضا معتبرة وإن لم تكن مذكورة في اللّفظ ، كما في غيرها من النصب.

__________________

(١) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٤٧ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

١٢٦

وممّا يؤيّد الإضمار الذي ذكره الشيخ : ما ذكره في الوسائل ، فإنّه بعد أن روى هذه الرواية عن الكليني كما ذكرناه ، وعن الشيخ مثله (١) ، قال : ورواه الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله ، إلّا أنّه قال : ـ على ما في بعض النسخ الصحيحة ـ : «فإذا بلغت خمسا وعشرين ، فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض ـ إلى أن قال ـ : فإذا بلغت خمسا وثلاثين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون» ثمّ قال : «فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقّة» ثمّ قال : «فإذا بلغت ستّين وزادت واحدة ففيها جذعة» ثم قال : «فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا لبون» ثم قال : «فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقّتان» (٢) وذكر بقيّة الحديث مثله.

فعلى هذا تكون هذه الصحيحة أيضا دليلا للمشهور.

وكيف كان ، فهذه الصحيحة ممّا يجب ردّ علمها إلى أهله ، لعدم صلاحيّتها لمعارضة ما عرفت ، مع ما فيها من مخالفة الإجماع ، واختلاف المتن.

وأمّا القول المحكي عن الصدوقين ، فيمكن أن يكون مستنده :الرضوي الذي لم تثبت حجّيّته لدينا.

وربما يشهد له أيضا خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمّد في حديث شرائع الدين : «وتجب على الإبل الزكاة ، إذا بلغت خمسا ، فيكون فيها شاة ، فإذا بلغت عشرا فشاتان ، فإذا بلغت خمس عشرة فثلاث شياه ، فإذا بلغت عشرين فأربع شياه ، فإذا بلغت خمسا وعشرين

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٦.

(٢) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٧.

١٢٧

فخمس شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت واحدة ففيها ابنة لبون ، فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ، فإذا بلغت ستّين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا زادت واحدة إلى عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، فإذا كثرت الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كلّ خمسين حقّة ، ويسقط الغنم بعد ذلك ويرجع إلى أسنان الإبل» (١).

وفيه : ما لا يخفى من عدم صلاحية هذه الرواية ـ مع ما فيها من مخالفة المشهور ، أو المجمع عليه ـ لمعارضة غيرها ممّا عرفت.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : قال في المسالك في شرح قول المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : فأربعون أو خمسون أو منهما ، ما لفظه : أشار بذلك إلى أنّ النصاب بعد بلوغها ذلك يصير أمرا كليّا لا ينحصر في فرد ، وأنّ التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا ، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما ، تخير ، وإن لم يمكن بهما ، وجب اعتبار أكثرهما استيعابا ، مراعاة لحقّ الفقراء ، ولو لم يمكن إلّا بهما ، وجب الجمع ، فعلى هذا يجب تقدير أوّل هذا النصاب وهو : المائة وإحدى وعشرون بالأربعين ، والمائة وخمسين بالخمسين ، والمائة وسبعين بهما ، ويتخيّر في المائتين ، وفي الأربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما ، وبكلّ واحد منهما (٢).

__________________

(١) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٣٦٥.

١٢٨

وعن المحقّق الثاني (١) وغيره (٢) أيضا التصريح بأنّ التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير ، بل على النحو الذي ذكره في المسالك ، بل ربما نسب (٣) ذلك إلى المشهور ، خلافا للمحكي عن المحقّق الأردبيلي والشهيد الثاني في فوائد القواعد ، وغير واحد ممّن تأخّر عنهما ـ كأصحاب المدارك ، والحدائق ، والرياض ـ فقالوا بالتخيير (٤).

ففي المدارك ـ بعد نقل عبارة المسالك المتقدمة ـ قال ما لفظه : وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ أحوط ، إلّا أنّ الظاهر التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا ، كما اختاره ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد ، ونسبه إلى ظاهر الأصحاب ، لإطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة المتقدمة :«فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ، ففي كلّ خمسين حقة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون».

ويدلّ عليه صريحا اعتبار التقدير بالخمسين خاصّة في روايتي عبد الرّحمن وأبي بصير المتقدمتين ، ولو كان التقدير بالأربعين متعيّنا في المائة وإحدى وعشرين وما في معناها لما ساغ ذلك قطعا (٥). انتهى.

ويتوجّه على الاستدلال بصحيحة زرارة ونظائرها ممّا وقع به التعبير بأنّ في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون : أنّ المقصود بذلك بيان أنّ الإبل إذا كثرت وتجاوزت عن المائة والعشرين لا يتعلّق النصاب

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٨٠ ، وانظر : جامع المقاصد ٣ : ١٥.

(٢) كالشهيد الثاني كما في الجواهر ١٥ : ٨٠ ، وانظر : مسالك الأفهام ١ : ٣٦٥.

(٣) الناسب هو صاحب الحدائق الناضرة فيها ١٢ : ٥٠.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ٨١ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٩٨ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٥٠ ، ورياض المسائل ١ : ٢٦٥.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ٥٨.

١٢٩

بخصوص عدد الجموع ، بل يلاحظ العدد خمسين خمسين ، وأربعين أربعين ، فيخرج الفريضة منه على ما يقتضيه ذلك العدد بهذه الملاحظة ، فالنصاب حينئذ كلّ خمسين وكلّ أربعين ، فكلّ جزء يفرض منه بالغا حدّ الأربعين فهو موجب لثبوت ابنة لبون فيه للفقير ، وكلّ ما يفرض بالغا حد الخمسين فهو سبب لثبوت حقّة فيه ، ولكن لا على سبيل الاجتماع ، بل على سبيل التبادل ، إذ المال الواحد لا يزكّى مرّتين.

فالمراد بهذه العبارة أنّ الزكاة الواجبة في هذا المال هي ما إذا قيست إلى كلّ أربعين أربعين تقع ابنة لبون في كلّ أربعين مصداقا لها ، بمعنى أنّه يحصل بدفعها إلى المستحقّ الخروج عن عهدة ما في كلّ أربعين من هذا العدد ، وإذا قيست إلى كلّ خمسين خمسين فدفع حقّة عن كل منها كذلك ، فهو مخيّر في إخراج أيّهما شاء ، إذا أمكن الخروج عن عهدة جميع ما ثبت في هذا المال بأي من العددين ـ كما إذا كان كل من العددين عادّا للجميع كما في المائتين والأربعمائة ـ وإلّا تعيّن عليه الأخذ بما يحصل به الاستيعاب إن كان ، وإلّا فالأكثر استيعابا ، لأنّا إذا فرضنا المجموع مائة وخمسين ، فقد تعلّقت الزكاة بمجموعها ، لأنّ المجموع ثلاث مصاديق للخمسين ، وقد دلّت الأدلّة بأسرها على أنّ في كلّ خمسين حقّة ، فلا عفو في هذا العدد ، فلو عمل فيه بعموم قوله : «في كلّ أربعين ابنة لبون» لزم بقاء ثلاثين منه غير مزكّى ، مع كونها جزءا من النصاب الآخر ، لأنّ هذا العموم لا يقتضي إلّا كون ثلاث بنات لبون مجزية عمّا في هذا العدد من الأربعينات الثلاث.

وأمّا كون الثلاثين ـ الزائدة عليها ـ عفوا مع كونها جزءا من النصاب الآخر فليس من مقتضيات هذا العموم ، فيجب في مثل الفرض ـ مقدمة للخروج عن عهدة الزكاة الثابتة في الجميع ـ احتسابها خمسين خمسين.

١٣٠

ومن هنا يظهر الحال في الفرض الذي حصل الاستيعاب بهما معا ، أو كان أحدهما أكثر استيعابا ، فإنّ مقتضى إطلاق سببيّة كل من الأربعين والخمسين لثبوت موجبه عدم الخروج عن عهدة الزكاة المفروضة في مجموع هذا المال ، إلّا بالأخذ بما يحصل به الاستيعاب مع الإمكان ، وإلّا فالأكثر استيعابا.

ولعلّ هذا المعنى هو المقصود بقوله ـ عليه‌السلام ـ في ذيل صحيحة الفضلاء ـ بعد أن ذكر النصاب الكلّي ـ : «ثمّ ترجع الإبل على أسنانها» وفي خبر الأعمش : «ويرجع إلى أسنان الإبل» بمعنى أنّه بعد أن كثرت الإبل لا يبقى لفريضتها حدّ مضبوط ، بل تجعل الإبل منطبقا على الأسنان التي يتحقّق بها تزكية الجميع ، وهذا ممّا يختلف باختلاف الموارد ، ففي مورد هي : ثلاث بنات لبون ، وفي آخر : بنتا لبون وحقّة ، وفي ثالث :عكسه ، وفي رابع : ثلاث حقق ، وهكذا.

وممّا يؤيّده أيضا : قوله ـ عليه‌السلام ـ في الصحيحة المزبورة بعد هذه الفقرة : «وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء» فإنّه مشعر باختصاص العفو بالنيّف الذي هو اسم لما بين العقدين دون نفس العقود ، وهذا إنّما يتمّ لو جعلنا المرجع أسنان الإبل بالمعنى الذي ذكرناه ، إذ لا عقد من العقود إلّا ويطابقه أحد النصابين ، أو كل منهما أو كلاهما معا ، كما لا يخفى على المتأمّل.

والمراد بقوله : «ليس على النيّف شي‌ء» على الظاهر إنّما هو في النصاب الأخير ، أي : بعد أن كثرت الإبل ، لا مطلقا ، كي ينافيه ثبوته في مثل ستّ وعشرين ، وغيرها من النصب التي وقع التصريح بحكمها مفصلا قبل هذه الفقرة ، فلا مقتضي لحمل (النيّف) على إرادة ما بين

١٣١

النصابين ، كما قيل (١).

وممّا يؤيّد أيضا اعتبار الأخذ بما يحصل معه الاستيعاب ولو من مجموع النصاب وروده كذلك في زكاة البقر في الصحيحة المزبورة.

وأجيب عن الاستدلال بروايتي عبد الرحمن وأبي بصير بأنّ هاتين الروايتين ظاهر هما انحصار النصاب الأخير في الخمسين ، والفريضة الأخيرة في الحقّة.

وهذا الظاهر غير مراد جزما ، لمخالفته للإجماع ، والنصوص المتقدمة ، فيجب حملهما على بيان أحد النصابين ، وهو وإن استلزم تأخير البيان بالنسبة إلى الموارد التي لا يمكن العدّ بخمسين ، ولكن عن وقت الخطاب لا الحاجة (٢). ولا محذور فيه.

وببيان أوفى : أنّ ظهور قوله ـ عليه‌السلام ـ في الخبرين : «فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» في انحصار النصاب الأخير في الخمسين ، والفريضة الأخيرة في الحقّة ، ليس إلّا من باب السكوت في مقام البيان ، فهو لا يصلح معارضا للنصوص المصرحة بعدم الانحصار ووجود نصاب آخر وهو : كلّ أربعين ، وأنّ في كل ابنة لبون.

وقضيّة سببيّة كل من النصابين لثبوت مقتضاه على الإطلاق عدم تحقق العفو ، إلّا في النيّف الخارج عن موضوع كل من النصابين ، كما عرفت.

وقد اندفع بما أشرنا إليه ـ من أن المقصود بمثل قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ، ففي كلّ خمسين

__________________

(١) قال به صاحب المدارك فيها ٥ : ٦٤.

(٢) المجيب هو : الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٧٧.

١٣٢

حقة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون» بيان صيرورة النصاب كلّيا عند صيرورة العدد كثيرا وتجاوزه عن المائة والعشرين ، لا في خصوص ما إذا زادت واحدة ـ ما قد يقال : من أنّ الأدلّة واردة في مقام بيان الحكم عند زيادة واحدة على العشرين والمائة ، فكيف يمكن الحكم بعدم جواز احتسابها بخمسين في خصوص هذا المورد!؟

توضيح الاندفاع : أنّه لم يقصد بهذا الكلام بيان الحكم في خصوص هذا المورد ، بل صيرورة النصاب كليّا من هذا الحدّ ، مع أنّا لم نقل بخروج هذا المورد عن موضوع هذا الحكم رأسا ، بل ارتكبنا فيه مخالفة ظاهر ، وقلنا : بعدم كفاية دفع حقتين في الخروج عن عهدة جميع الزكاة الواجبة في مجموع هذا العدد الثابتة بعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ من سائر الأخبار : «وفي كلّ أربعين ابنة لبون» فلاحظ وتدبر.

الثاني : هل التخيير في مثل المائتين والأربعمائة ، أو مطلقا لو قلنا به ، فهل هو للمالك أو الساعي؟ وجهان ، أوجههما : الأوّل ، إذ ليس للساعي إلّا إلزامه بدفع ما ألزمه الشارع بدفعه ، فإذا كان مفاد حكم الشارع : أنّ ما وجب في ماله ما يقع في كلّ أربعين ابنة لبون مصداقا له ، وفي كلّ خمسين حقة ، ولم يعيّن عليه أحدهما ، فليس للساعي الامتناع من قبوله.

فما عن الشافعي من تخيير الساعي ، نظرا إلى تحقّق سبب الفريضتين ، فليس للمالك الامتناع عنه (١) ، ضعيف.

الثالث : هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين شرط في وجوب الفريضة ، أو جزء من النصاب الذي هو موردها؟ وجهان : من ظهور

__________________

(١) كما في تذكرة الفقهاء ٥ : ٦٣.

١٣٣

قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في كلّ أربعين ابنة لبون» أنّ مورد الحقّ الذي يثبت في المائة وإحدى وعشرين ثلاث أربعينات ، فالواحدة خارجة منها.

ومن أنّ هذا الكلام مسوق لبيان ما يجب إخراجه في زكاة الإبل المتجاوز عددها عن المائة والعشرين ، وإلّا فمتعلّق الحقّ هو مجموع المال لا خصوص الأربعينات. والأوّل أوفق بما يقتضيه الجمود على ظاهر كلمة «في» فليتأمّل.

وربما فرّعوا على هذا النزاع احتساب جزء منه على الفقير لو تلف بلا تفريط.

وفيه بحث سيأتي تحقيقه في محلّه إن شاء الله تعالى.

(وفي البقر نصابان : ثلاثون وأربعون دائما) بالغا ما بلغت ، وقضيّة ذلك على ما عرفته آنفا وجوب الرجوع إلى ما يحصل به الاستيعاب من كلّ من العددين ، أو منهما معا.

ويدلّ عليه ما رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ، وبريد العجلي ، والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما قالا : «وفي البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حوليّ ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة مسنّة ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنّة ، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء ، فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة إلى الثمانين ، فإذا بلغت الثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليّات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة ، ثمّ ترجع البقر على أسنانها ، وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ،

١٣٤

ولا على العوامل شي‌ء ، إنما الصدقة ، على السائمة الراعية» (١) الحديث.

وفي خبر الأعمش المروي عن الخصال : «وتجب على البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة تبعية حولية ، فيكون فيها تبيع حوليّ إلى أن تبلغ أربعين بقرة ، ثمّ تكون فيها مسنّة إلى ستّين ، ثمّ تكون فيها مسنّتان إلى تسعين ، ثمّ يكون فيها ثلاث تبائع ، ثمّ بعد ذلك تكون في كلّ ثلاثين بقرة تبيع ، وفي كلّ أربعين مسنّة» (٢).

(وفي الغنم خمسة نصب) أوّلها : (أربعون وفيها شاة ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، ثمّ مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه) بلا نقل خلاف في شي‌ء من ذلك ، إلّا من الصدوقين في النصاب الأوّل ، فاعتبرا فيه زيادة واحدة على الأربعين (٣).

وهو ضعيف ، كما ستعرف. ولعلّه لذلك لم يعتدّ غير واحد بمخالفتهما ، وادّعوا صريحا أو ظاهرا ـ على ما حكي (٤) عنهم ـ الإجماع على هذه النصب الثلاثة.

(ثمّ ثلاثمائة وواحدة) وهو النصاب الرابع.

(فإذا بلغت ذلك قيل : يؤخذ من كلّ مائة شاة) وقد نصب هذا القول في المدارك (٥) وغيره (٦) إلى جملة من الأجلّاء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤ ذيل الحديث ٣٦ ، وحكى قولهما أيضا العلامة الحلّي في المختلف ١ : ٥٤ ـ ٥٥ ، المسألة ٢١.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٨٣.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ٦٠ ـ ٦١.

(٦) كالحدائق الناضرة ١٢ : ٥٨.

١٣٥

كالشيخ المفيد ، والمرتضى ، والصدوق ، وابن أبي عقيل ، وسلّار ، وابن حمزة ، وابن إدريس (١). وعلى هذا فتكون النصب أربعة.

(وقيل : بل تجب) في الثلاثمائة وواحدة (أربع شياه حتّى تبلغ أربعمائة) فحينئذ يصير النصاب كلّيا ، ويسقط هذا الحساب ، وتعدّ الغنم مائة مائة (فيؤخذ من كلّ مائة شاة بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر) بل المشهور ، كما في الجواهر (٢) ، بل عن الخلاف ، وظاهر الغنية : دعوى الإجماع عليه (٣).

واستدلّ للقول الأوّل بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ، ففي كلّ مائة شاة» (٤) إذ المنساق من قوله ـ عليه‌السلام ـ :«فإذا كثرت الغنم» بقرينة سابقه إرادة تجاوز عددها عن الحدّ المذكور قبله ، أي : الثلاثمائة ، كما ورد نظيره في نصاب الإبل في عدة روايات.

ويدلّ عليه أيضا خبر الأعمش الآتي (٥) بالتقريب المزبور.

__________________

(١) انظر : المقنعة : ٢٣٨ ، جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٧٧ ، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية) : ١٤ ، المراسم : ١٣١ ، الوسيلة : ١٢٦ ، السرائر ١ : ٤٣٦ ، وحكى قول ابن أبي عقيل ، العلّامة الحلّي في المختلف ٣ : ٥٣ ، المسألة ٢٠.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٨٤.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٨٤ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٥) يأتي في صفحة ١٤١.

١٣٦

وفي المدارك نقل عن العلّامة في المنتهى : أنه استدل على هذا القول أيضا بما رواه ابن بابويه ـ في الصحيح ـ عن زرارة ، عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله ، وأخرج من كلّ مائة شاة».

ثمّ قال : أقول : إنّ هذا المعنى موجود في (من لا يحضره الفقيه) بعد رواية زرارة ، والظاهر أنّه ليس من جملة الرواية ، كما يدلّ عليه أوّل الكلام وآخره ، ولهذا لم ينقلها العلّامة في غير هذا الكتاب ، ولا تعرّض لها أحد فيما أعلم (١).

أقول : ما في الفقيه على ما نقلها في الحدائق صورته هكذا : روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : في الجواميس شي‌ء؟ قال : «مثل ما في البقر ، وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة وزادت واحدة ففيها شاة» إلى آخر العبارة (٢).

وسوقها يشهد بكونها من كلام الصدوق ، كما يؤيّد ذلك عدم ذكره في الكافي (٣) بعد تلك الرواية ، فلاحظ.

حجّة القول المشهور صحيحة الفضلاء ، المتقدم ذكر جملة منها في المقامين المتقدمين ، وفيها : «وفي الشاة في كلّ أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٦٢ وانظر : المنتهى ١ : ٤٨٩.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٣ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١٤.

(٣) انظر : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ٢.

١٣٧

بلغت مائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثمّ ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا تمّت أربعمائة ، كان على كلّ مائة شاة ، وسقط الأمر الأوّل ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء ، وليس في النيّف شي‌ء» (١) الحديث.

وفي المدارك بعد ذكر مستند القولين ، قال : والمسألة قويّة الإشكال ، لأنّ الروايتين معتبرتا الإسناد ، والجمع بينهما مشكل جدّا ، ومن ثمّ أوردهما المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر من غير ترجيح. واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ، ونسبة القول الثاني إلى الشهرة.

وقال العلامة في المنتهى : إنّ طريق الحديث الأوّل أوضح من الثاني ، واعتضد بالأصل ، فيتعيّن العمل به.

وهو غير بعيد ، مع أنّ الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني ، وذلك ممّا يضعّف الحديث.

ولو كانا متكافئين في السند والمتن ، لأمكن حمل الرواية الأولى على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة ، أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة ، ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا في الرواية (٢).

انتهى.

أقول : ما ذكره من أنّ الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب ، فهو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٦٣ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٠٣ ، والمنتهى ١ : ٤٨٩.

١٣٨

مبنيّ على ما رواه عن الشيخ ، من أنّه قال : «وليس فيما دون الأربعين شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، ففيها شاتان» (١) الحديث.

وهي بهذا المتن مرويّة عن التهذيب (٢) ، وهو بحسب الظاهر من سهو قلم النسّاخ أو الشيخ في هذا الكتاب (٣).

وأمّا على ما قدمناه ، وهو رواية الكليني في الكافي ، والشيخ في الاستبصار ، على ما اعترف به في الحدائق (٤) ، فهو موافق لما عليه الأصحاب ، فلا اعتداد بما نقل عن التهذيب ، بعد شهادة مضمون الرواية وسوقها ، مضافا إلى القرائن الخارجيّة بوقوع السقط فيه.

ولعلّه لذا لم يعتدّ صاحب الوسائل بهذا الاختلاف ، فإنّه بعد أن رواها عن محمّد بن يعقوب كما قدمناه ، قال : محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله (٥). فلم يعتدّ بما في التهذيب ، لمعلوميّة السهو فيه ، أو كانت النسخة الموجودة عنده مهذّبة عن ذلك.

وكيف كان ، فهو لا يصلح لمعارضة الكافي الذي هو الأصل في نقله ، مع أنّ مخالفة هذه الفقرة لما عليه الأصحاب لا توهن مثل هذا الحديث الذي هو المعوّل عليه في كثير من الفروع التي ستسمعها.

وأمّا ما قيل : من أنّ طريق الحديث الأوّل أوضح من الثاني ، فكأنّه أشير بذلك إلى ما في طريق الخبر الثاني من اشتماله على إبراهيم بن هاشم الذي قد يناقش في توصيف حديثه بالصحّة ، حيث إنّ أهل

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٦٢.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٦٢ ، وفي التهذيب المطبوع ٤ : ٢٥ / ٥٨ ما يخالف هذا المتن.

(٣) أي : تهذيب الأحكام.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٠.

(٥) الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، ذيل الحديث ١.

١٣٩

الرجال لم ينصّوا بتوثيقه.

وهذا ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، فإنّ إبراهيم بن هاشم باعتبار جلالة شأنه ، وكثرة رواياته ، واعتماد ابنه والكليني والشيخ وسائر العلماء والمحدّثين ، غنيّ عن التوثيق ، بل هو أوثق في النفس من أغلب الموثّقين الذين لم تثبت وثاقتهم إلّا بظنون اجتهاديّة غير ثابتة الاعتبار.

والحاصل : أنّ الخدشة في روايات إبراهيم في غير محلّها ، خصوصا في هذا الحديث الذي هو من أوثق الروايات المعتبرة لدى الأصحاب المعمول بها في جلّ فقراتها ، حتّى أنّ مثل السيد الذي لا يعمل بأخبار الآحاد ، ارتكب البعيد في تأويلها بالنسبة إلى نصب الإبل التي هي بظاهرها مخالفة للمشهور ، أو المجمع عليه.

فالحقّ : مكافئة الخبرين من حيث السند ، وقصور الأوّل عن المكافئة من حيث الدلالة ، وجهة الصدور ، كما أشير إليه في عبارة المدارك ، فإنّ استفادة حكم ثلاثمائة وواحدة من إطلاق قوله : «فإذا كثرت الغنم» مع أنه لا أثر يعتدّ به في اتّصافها بهذه الصفة ، لو لم تكن موصوفة بها قبل هذه الزيادة ، إنّما هي المناسبة المقام وسوق الكلام لبيان حكم الغنم على الإطلاق ، الكاشف عن أنّ المقصود بهذا العموم ، هو : بيان حكم الغنم عند تجاوزه عن هذا الحدّ ، وهذا غايته الظهور ، فلا يصلح معارضا للنصّ الصريح : بأنّه إذا زادت على الثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه ، خصوصا مع موافقته للتقيّة ، فإنّه مذهب الفقهاء الأربعة (١) على ما

__________________

(١) وهم : أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، تولّد سنة ٨٠ ومات ببغداد سنة ١٥٠ ، ومالك بن أنس ، تولّد سنة ٩٥ ومات سنة ١٧٩ ، ومحمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، تولّد سنة ١٥٠ ومات سنة ٢٠٤ ، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، تولّد سنة ١٦٤ ، ومات في رجب سنة ٢٤١ ، طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي : ٦٧ و ٧١ و ٨٦ و ٩١.

١٤٠