مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

ودعوى عدم القول بالفصل ـ أي الإجماع المركّب ـ غير ثابتة.

ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ويترك للحارس العذق والعذقان والثلاثة» (١) فإنّه لا يدلّ إلّا على استثناء المئونة المتأخّرة عن زمان الخرص الذي هو بعد تعلّق الوجوب ، ولم يثبت الإجماع على عدم الفرق بينها وبين المؤن السابقة عليه.

وربّما يناقش فيه أيضا بأنّه على خلاف المطلوب أدلّ ، فإنّ تخصيص الاستثناء ـ في أخبار الخرص ـ بالعذق والعذقين والثلاثة للحارس ، من أقوى الشواهد على عدم احتساب سائر المؤن ، وأنّ ترك العذق والعذقين ـ كعدم احتساب أمّ جعرور ومعافارة ـ من باب التخفيف المستحبّ للحارس ، وإلّا لكان ينبغي أن يحتسب جميع المؤن ، وإمّا أن يؤخّر ذلك كلّه إلى ما بعد الجذاذ.

ويدفعه أنّ ظاهر بمقتضى ما فيه من التعليل من باب الاستحقاق لا التخفيف.

وأوضح من ذلك دلالة على استثناء ما يستحقّه الحارس ما في صدر هذا الحديث من التصريح بإعطاء أجر الحارس.

ففي الكافي بإسناده عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في قول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» (٢) فقالوا جميعا : قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «هذا من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة ، ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتّى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٤.

(٢) الأنعام ٦ : ١٤١.

٣٨١

يفرغ ، ويعطي الحارس أجرا معلوما ، ويترك من النخل معافارة وأمّ جعرور ، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه» (١).

ورواه الشيخ في التهذيب عن محمّد بن يعقوب نحوه ، إلّا أنّه قال :«وترك للحارس أجرا معلوما» (٢). بدل «يعطي».

وكيف كان ، فهذه الصحيحة هي عمدة ما يصحّ الاستدلال به لمذهب المشهور ، ولكنّها غير وافية بعموم المدعى إلّا بضميمة الإجماع ، كما ادّعي ، وهو غير ثابت ، فيشكل التعويل عليه.

وأمّا ما قيل من أنّ الزكاة في الغلّات تجب في النماء والفائدة ، ففيه : أنّ هذا هو عين الدعوى.

وأمّا الرضوي فليس بحجّة.

ولكن هاهنا شي‌ء وهو أنّ هذه المسألة من الفروع العامّة البلوى التي يجب معرفتها والفحص عنها على كل من يجب عليه الزكاة ، فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ عن ذلك ، وعدم الفحص عن حكمها مع شدة حاجتهم إلى معرفته ، كما أنه يستحيل عادة أن يشتهر لديهم استثناء المئونة ـ مع مخالفته لما هو المشهور بين العامة ـ من غير وصوله إليهم من أئمتهم ـ عليهم‌السلام.

وعلى تقدير عدم اشتهار الاستثناء عندهم ، يكون الحكم لديهم لا محالة على حسب ما يراه العامّة من عدم الاستثناء ، إذ المفروض عدم غفلتهم عن هذا الحكم مع عموم ابتلائهم به.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣٠٣.

٣٨٢

فهم إمّا كانوا قائلين بالاستثناء ، أو بعدمه. وعلى الأوّل : لم يكن ذلك إلّا لوصوله إليهم من الإمام عليه‌السلام ، لقضاء العادة باستحالة صدور مثل هذا الحكم المخالف لما عليه العامّة عن اجتهاد ورأي من غير مراجعة الإمام ، وعلى تقدير كونهم قائلين بعدم الاستثناء ـ كما عليه العامّة ـ امتنع عادة أن يشتهر خلافه في الأعصار المتأخّرة عنهم تعويلا على الوجوه الضعيفة التي ذكروها في مقابل إطلاقات الأدلّة ، بل إنّما يعوّل المتأخّرون على مثل هذه الأدلة ، ويعدونه دليلا بعد أن وجدوا الحكم معروفا في المذهب ولم يجدوا نصّا خاصا يدلّ عليه.

والحاصل : أنّه يصحّ أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام ـ عليه‌السلام ـ بطريق الحدس من رأي أتباعه.

فالإنصاف : أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم ـ عليه‌السلام ـ من فتوى الأصحاب في شي‌ء من الموارد ، فهذا من أظهر مصاديقه ، فإذا انضمّ إلى ذلك ما في الصحيحة المتقدّمة ، من استثناء ما يستحقّه الحارس من الأجر والعذق والعذقين ، مع ما سمعته من دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر المؤن ، ووقوع التصريح بخروج مئونة القرية وخراج السلطان في عبارة الرضوي والهداية والمقنع وغيرها ، ممّا يغلب على الظنّ كونه تعبيرا عن متون الأخبار ، لا يبقى مجال للتشكيك فيه ، والله العالم بحقائق أحكامه.

ثمّ إنّه هل يعتبر النصاب بعد المئونة ، فلا زكاة فيما لو نقص باستثنائها عن النصاب ، أم قبلها ، فيزكّي الباقي وإن قلّ إذا كان المجموع نصابا ، أم يفصّل بين ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث فيعتبر النصاب بعده ، وما تأخّر عنه كالجذاذ والحصاد وأجر الناطور ونحوها فيعتبر قبله؟ وجوه ، بل أقوال

٣٨٣

أشهرها ، بل المشهور على ما صرح في الجواهر (١) الأوّل ، وهو الأشبه ، لأصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المئونة عن النصاب.

وربّما يشهد له أيضا عبارة الفقه الرضوي بناء على حجيّته ، فإنّ المنساق من قوله ، بعد بيان مقدار النصاب : «فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ، ومئونة العمارة والقرية ، أخرج منه العشر» (٢) ، إلى آخره : كون الظرف ، أي لفظ «بعد» متعلّقا بالفعل الواقع قبله ، لا بكلمة «أخرج» الواقعة بعده ، فلا قصور في دلالته ، ولكنّ الشأن في حجيّته ، فليتأمّل.

واستدلّ له أيضا بأنّ ظاهر أدلّة اعتبار النصاب ثبوت العشر ونصف العشر في مجموع النصاب ، فيكون الواجب عشر النصاب ، فما دلّ على استثناء المؤن لا بدّ وأن يجعل مقيّدا لأدلّة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن إبقاء للفظ «العشر ونصف العشر» على ظاهره من الإطلاق.

توضيح ذلك : أنّ المنساق من قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة :«ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ، والوسق ستّون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ، ففيه العشر» (٣) إرادة عشر مجموع الثلاثمائة صاع ، وهو ثلاثون صاعا ، فهذه الصحيحة ظاهرها أنّه إذا بلغ ما أنبتته الأرض ثلاثمائة صاع ، ثبت فيه ثلاثون صاعا ، وقد

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٣٣.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ عليه‌السلام ـ : ١٩٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

٣٨٤

علم بما دل على استثناء المئونة إجمالا أنّه إذا كان جميع ما أنبتته الأرض بالغا ثلاثمائة صاع ، لم يجب عشر جميعه ، أي : ثلاثون صاعا.

فيحتمل أن يكون المراد بقوله : «ففيه العشر» أي : فيما يبقى منه بعد إندار المئونة ، فيكون إطلاقه منزّلا على الغالب من عدم استيعاب المئونة للجميع ، وأن يكون المراد بقوله : «ما بلغ خمسة أوساق» ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلّها.

ولكن الاحتمال الثاني أوفق بظاهر قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ففيه العشر» حيث إنّ ظاهره إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق ، لا ما يبقى منه بعد إخراج المؤن ، فهذا هو الأولى ، ومقتضاه : جعل ما دلّ على استثناء المئونة مقيّدا لأدلة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن.

ويرد عليه : أنّ هذا ليس بأولى من العكس بجعل ما دلّ على استثناء المئونة مقيّدا لإطلاق «فيه العشر» بما بعد وضع المؤن ، إبقاء لظاهر ما دلّ على اعتبار النصاب على ظاهره من الإطلاق ، حيث إنّ ظاهره إذا بلغ مجموع ما أنبتت الأرض خمسة أوسق ، لا الباقي منه بعد إخراج المؤن ، فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر ، فالاحتمالان متكافئان ، والمرجع حينئذ الأصول العمليّة ، وهي براءة الذمّة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المئونة عنه ، وكفى بهذا دليلا على المطلوب.

لا يقال : إن مقتضى عمومات ثبوت الزكاة في الغلّات من مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فيما سقته السماء العشر» ثبوت الزكاة في مطلق ما أنبتت الأرض ، قليلا كان أو كثيرا ، وقد تخصّص ذلك بما دلّ على اعتبار النصاب ، ولكنّه لم يعلم المراد من أدلّة النصاب من أنّه هل أريد اعتباره بعد إخراج المئونة أم قبله؟ فهو من قبيل المخصّص بالمجمل المردّد بين

٣٨٥

الأقلّ والأكثر ، فمقتضى القاعدة في مثل المقام الاقتصار في رفع اليد عن العموم ، على القدر المعلوم إرادته من المخصّص ، وهو ما يبلغ مجموعه خمسة أوسق ، وأمّا ما بلغ مجموعه بعد استثناء المئونة ذلك الحدّ ، فلم يعلم إرادته من المخصّص ، فالمرجع فيه أصالة العموم ، لا الأصول العمليّة.

لأنّا نقول : إنّ المقام ليس من قبيل التخصيص بالمجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر ، فإنّ ما دلّ على استثناء المئونة بنفسه مخصّص لتلك العمومات ، سواء كان هناك دليل آخر يدلّ على اعتبار النصاب فيما يجب فيه الزكاة ، أم لم يكن ، فإنّه يدلّ على أنّه ليس فيما سقته السماء ممّا قابل المئونة ، العشر ، وإنّما مورد هذا الحكم بعد وضع المئونة ، وقد علم بدليل اعتبار النصاب أنّه لا يجب عشر ما زاد على المئونة على الإطلاق ، بل بشرط بلوغ النصاب.

ولكنّه لم يعلم من دليل الاشتراط أنّه هل اعتبر هذا الشرط ـ أي :بلوغ النصاب ـ في نفس ما يجب فيه العشر ، أي ما بقي بعد المئونة ، أو بانضمامه إلى ما قابل المئونة أي : مجموع ما أنبتت الأرض ، إذا المفروض كون لفظ الدليل محتملا للأمرين من غير مرجّح لأحدهما على الآخر ، فلا بد في مورد الإجمال من الرجوع إلى الأصول العمليّة ، لا العموم الذي علم إجمالا بعدم إرادة ظاهره منه.

فالفرق بين ما نحن فيه وبين العامّ المخصّص بالمجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر ، هو : أنّ العام له ظهور في إرادة كلّ فرد فرد ، فلا يرفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى المشكوك : لرجوع الشكّ فيه لدى التحليل إلى الشكّ في أصل التخصيص بالنسبة إلى هذا الفرد.

وأمّا فيما نحن فيه ، فقد علم في مورد الشك أيضا بعدم كون العام باقيا على ظاهره من الإطلاق ، أي : عدم كون الوجوب المتعلّق به وجوبا

٣٨٦

مطلقا ، بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقّق ، فلا مسرح للرجوع إلى أصالة العموم ، أو الإطلاق بعد العلم بعدم كون العموم أو الإطلاق مرادا بالنسبة إلى فاقد هذا الشرط الذي لم يعلم بتحقّقه ، بل الأصول العملية وهي براءة الذمّة عن التكليف ، من غير فرق في ذلك بين كون الشك ناشئا عن إجمال مفهوم الشرط ، أو اشتباه مصاديقه ، أو غير ذلك من أسباب الاشتباه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربما يؤيّد أيضا اعتبار النصاب بعد المئونة إشعار الصحيح (١) الدالّ على استثناء اجرة الحارس ، والعذق والعذقين له ، كترك المعافارة وأمّ جعرور قبل الخرص ، وعدم ملاحظتها في النصاب ، فليتأمّل.

واستدلّ للقول الثاني بظهور الأدلّة في سببيّة بلوغ ما أنبتت الأرض خمسة أوسق في وجوب العشر بالنسبة إلى كل جزء من أجزاء النصاب ، وقد علم بما دلّ على استثناء المئونة عدم وجوبه في جميع أجزاء النصاب ، فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المئونة ، ويعمل فيما بقي على حسب ما تقتضيه سببيّة النصاب للوجوب.

وفيه : ما عرفت من معارضة هذا الظاهر بظهور قوله ـ عليه‌السلام ـ :«ففيه العشر» في إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق ، لا في الجملة ، أي :خصوص ما يبقى بعد المئونة ، فلاحظ.

واستدلّ للقول بالتفصيل بين المؤن السابقة على الوجوب ، والمتأخّرة عنه بإطلاق الحكم بوجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق ، حيث إنّ ظاهر قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ففيه العشر» إرادة عشر جميع الخمسة أوسق ، فإنّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٤.

٣٨٧

مقتضاه الحكم بسببيّة بلوغ النصاب لوجوب إخراج عشرة مطلقا ، وحيث علم أنّه لا تجب الزكاة فيما قابل المئونة ، اقتضى إبقاء ذلك الحكم على ظاهره : تقييد بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر واجرة الحرث وغيرهما من المؤن السابقة على الوجوب ، وأمّا المؤن اللاحقة ـ كالحصاد ونحوه ـ فليس إخراجه من الوسط منافيا لاعتبار النصاب قبله ، بل هو من مقتضيات قاعدة الشركة التي اقتضاها إطلاق قوله : «ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر» كما لا يخفى على المتأمّل.

وفيه : ما عرفته فيما سبق من ضعف القول بالشركة الحقيقة ، وعدم الالتزام بشي‌ء من لوازمها ، فلا يصحّ الالتزام بأنّ الحقّ الثابت للفقير في هذا المال عند تعلّق الوجوب ، هو ثلاثون صاعا ، ولكنّه صرف في حفظه وإصلاحه كذا ، فلا يجب إلّا دفع ما بقي منه بعد مئونته إلى الفقير.

فالحقّ ما هو المشهور من عدم الفرق بين المؤن السابقة واللاحقة في اعتبار النصاب [بعدها] (١) كما ربما يؤيّده ، بل يشهد له أخبار الخرص ، بالتقريب الذي تقدّمت الإشارة إليه.

ثمّ إنّ المراد بالمئونة هو معناها العرفي ، وهو ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة من مثل البذر واجرة الأرض والحرث وشبهها.

قال في المسالك : والمراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرّر كل سنة عادة وإن كان قبل عامه ، كأجرة الفلاحة والحرث والسقي ، وأجرة الأرض وإن كانت غصبا ولم ينو إعطاء مالكها أجرتها ، ومئونة الأجير ، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل ، حتّى ثياب المالك

__________________

(١) على الظاهر.

٣٨٨

ونحوها.

ولو كان النقص مشتركا بينها وبين غيرها ، وزّع.

وعين البذر إن كان [من] (١) ماله المزكّى.

ولو اشتراه ، تخير بين استثناء ثمنه وعينه.

وكذا مئونة العامل المثليّة ، وأمّا القيمية فقيمتها يوم التلف.

ولو عمل معه متبرّع ، لم يحتسب أجرته ، إذ لا تعدّ المنّة مئونة عرفا.

ولو زرع مع الزكوي غيره ، قسّط ذلك عليهما.

ولو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي ، لم يحتسب الزائد.

ولو كانا مقصودين ابتداء ، وزّع عليهما ما يقصد لهما ، واختصّ أحدهما بما يقصد له.

ولو كان المقصود بالذات غير الزكوي ، ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل ، لم يحتسب من المؤن.

ولو اشترى الزرع ، احتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه.

وحصّة السلطان من المؤن اللاحقة لبدوّ الصلاح ، فاعتبار النصاب قبلها (٢). انتهى.

فكأنّه أراد بهذا الكلام التنبيه على مصاديقها العرفية ، فالأولى إيكالها إلى العرف ، فإنّ ما ذكره بعضه لا يخلو من تأمّل. فما يعدّ عرفا من مصارف هذه الزراعة بحيث لو سئل عن مقدار ما صرفه في تحصيلها ، لأجاب بكذا وكذا ، فهو مئونتها.

__________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٣٩٣.

٣٨٩

وما في صدر العبارة من تقييد موضوع المئونة بما يتكرّر في كلّ سنة ، لعلّه للاحتراز عن مثل حفر الآبار وكري الأنهار ونحوها ، ممّا يعدّ عرفا من أسباب عمارة الأرض ، فهي كثمن الأرض التي يشتريها لا يعدّ عرفا من مئونة أشخاص الزراعات الحاصلة فيها ، وإن كان لدى التحليل لم يقصد بأصل شراء الأرض أو إجراء النهر إلّا الانتفاع بالزرع الحاصل ، كما لا يخفى على من راجع العرف.

فما في كلمات بعض من بسط مثل هذه المؤن على السنين المتكررة بمقدار قابليّتها للبقاء لا يخلو من مناقشة.

نعم ، لو دعاه إلى حفر بئر أو قناة خصوص زراعة ، لعدّت عرفا من مئونتها ، كما أنّه لو اشترى أرضا لذلك ، لكان ذلك أيضا كذلك ، فليتأمّل.

ولكن هذا بالنسبة إلى زراعة هذه السنة التي بملاحظتها حفرت هذه البئر ، أو كري هذا النهر ، دون سائر السنين الآتية التي يكون حال البئر والقناة بالمقايسة إليها ، حال الأرض التي ملكها في السنين السابقة بشراء ونحوه في عدم كون ما صرفه في تحصيلها معدودا من مئونتها.

وكيف كان ، فقد عرفت أنّه لم يرد في شي‌ء من النصوص الواصلة إلينا التصريح باستثناء المئونة ، عدا ما وقع في عبارة الفقه الرضوي من التعبير بلفظ «المئونة» من غير إضافتها إلى الزرع أو الغلّة ، كما هو المدّعى ، بل إلى القرية. وإنما التزمنا باستثنائها بدعوى استكشافه من الشهرة المعتضدة بالإجماعات المحكية ، وعدم القول بالفصل بين بعض المؤن التي دلّت الأدلّة على استثنائه ، كأجر الحارس ، والعذق والعذقين له.

فإن بنينا على أنّ ما استكشفناه بهذا الدليل ، هو : كون لفظ

٣٩٠

«المئونة» الواقعة في كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة بمنزلة كونها واردة في نصّ معتبر في وجوب الرجوع إلى العرف في تشخيص مفهومها ـ كما ليس بالبعيد ـ فنقول : إنّ هذه الكلمة ، وكذا لفظ «النفقة» وشبهها من الألفاظ التي يؤدّي مؤدّاها لا تخلو من إجمال ، والقدر المتيقّن من ذلك : ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر ، واجرة الحرث ، وإجارة الأرض في تلك المدة ، وتسطيح الأرض ، وتنقية النهر ، ممّا لا يبقى له بإزائه مال بعد استيفاء الحاصل.

وأمّا مثل ثمن الأرض ، أو العوامل التي يشتريها للزراعة ، أو الآلات التي يستعملها فيها مما يبقى عينها في ملكه بعد استيفاء الحاصل ، فهي خارجة عن ذلك ، بل لا يعدّ شي‌ء من مثل ذلك نفقة الزراعة ، بل الزراعة تعد عرفا من فوائد تلك الأشياء التي تملّكها لتحصيل الزرع.

والحاصل : أنّ نفقة الشي‌ء ما يصرف فيه ، لا ما ينفق في تحصيل الأشياء التي يتوقّف الزرع على تحصيلها.

نعم ، لاحتساب ما يرد على الآلات والأدوات ، أو ثياب العامل ، أو الأرض التي حصل فيها الزرع من النقص من المؤن وجه.

ولكنّ الأوجه انصراف إطلاق المئونة عنها ، ولا أقلّ من خروج مثلها عن القدر المتيقن الذي يمكن الالتزام باستثنائه ، ففي مواضع الشكّ يجب الأخذ بعمومات أدلّة الزكاة.

نعم ، بناء على ما صرّح به غير واحد من موافقة القول باستثناء المئونة للأصل ، وأنّه ليس في الأدلّة السمعيّة ما يدلّ بإطلاقه أو عمومه على ثبوت الزكاة فيما يقابل المئونة ، اتّجه الرجوع في موارد الشكّ إلى أصالة البراءة ، ولكنّ المبنى ضعيف ، كما عرفت.

٣٩١

(وأمّا اللواحق فمسائل :)

(الاولى : كلّ ما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا فيه العشر ، وما سقي بالدوالي والنواضح فيه نصف العشر) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة.

منها : صحيحة زرارة وبكير ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال في الزكاة : «ما كان يعالج بالرشاء والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعمل أو سماء ففيه العشر كاملا» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد تقدم بعضها في طيّ المباحث السابقة ، وسيأتي أيضا بعض آخر ، ولا حاجة إلى استقصائها بعد وضوح الحكم ، وكونه مورد اتّفاق النصّ والفتوى.

والمدار في وجوب العشر ونصف العشر ـ على ما يظهر من النصوص والفتاوى ، كما صرّح به في الجواهر (٢) ـ على احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه ، وعدمه ، فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مئونتها.

والتعبير بالترقية ، للجري مجرى الغالب ، وإلّا فربّما يكون الماء في مكان عال ، ولكن يحتاج إيصاله إلى الزرع إلى نقله من ذلك المكان بآلة من دلو وشبهه ، ولذا جعل بعض المعيار في ذلك احتياج أصل إيصال

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦ / ٤٠ ، الإستبصار ٢ : ١٥ / ٤٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٣٧.

٣٩٢

الماء إلى الزرع إلى العلاج واستغنائه عنه (١).

بل عن المناهل : أنّ ظاهرهم الاتّفاق على هذا الضابط وإن اختلفت عباراتهم (٢).

بل عن المنتهى ، بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المئونة وعدمه : أنّ عليه فقهاء الإسلام (٣).

ولكنّك خبير بقصور هذه العبائر جميعها عن إفادة المراد ، إذ المراد بها على الظاهر ، هو بيان إناطة العشر بجري الماء ووصوله إلى الزرع على حسب ما يقتضيه طبع الماء عند تخلية سبيله ، بعد جعله معدّا للجري على تلك المزرعة ولو بسدّ سبيله المتعارف الموجب لترقيته واستعلائه عليها وإعداد المحل لوصول الماء إليه وإصلاح مجراه وإزالة موانعه وسدّ ثغوره ، وغير ذلك من الشرائط المعتبرة في تحقّق الإيصال وحصول السقي ، ممّا يتوقّف في العادة على المئونة والعلاج ، ويمتنع حصول السقي بدونه ، وإناطة نصف العشر ، بعدم كون وصوله إليه بمقتضى طبعه ، بل بنقله إليه بآلة من دولاب وشبهه ، فمرادهم بافتقار السقي أو الإيصال إلى المئونة ما كان من القسم الأخير وإن صدق على الأوّل أيضا أنه مفتقر إلى المئونة ، لامتناع حصوله بدونها ، وكيف كان فلا مشاحة في التعبير بعد وضوح المراد.

ولكن قد يشكل الأمر في بعض الموارد من أنّه هل هو ملحق بالقسم الأوّل أو الثاني؟ كما لو حصر ماء البئر بوضع شي‌ء ثقيل عليه وانبوبة في

__________________

(١) كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٩١.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٩١.

(٣) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٩١ ، وحكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٤٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٩٨.

٣٩٣

وسطه بحيث أثّر الثقل في فوران ماء البئر من الانبوبة وجريه على الأرض ، فهل هو يعدّ من السقي بالسيح ، أو يلحق بالنواضح والدوالي ، أم يفصّل بين ما لو كان إحداث هذا العلاج موجبا لجري مائها على وجه الأرض دائما من غير حاجة إلى إعمال عمل آخر حال السقي ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، بأن كان خروج الماء منها لدى السقي محتاجا إلى استعمال معالجات أخر كتحريك الانبوبة أو النفخ فيها وشبهه ، فيلحق الأوّل بالأوّل ، والثاني بالثاني؟ وجوه ، ولعلّ الأخير أوجهها ، وعلى تقدير الشكّ ، فالمرجع أصالة براءة الذمّة عمّا زاد عن نصف العشر ، والله العالم.

(وإن اجتمع الأمران) في مورد (كان الحكم للأكثر) بلا نقل خلاف فيه ، بل عن الغنية وظاهر التذكرة ، وغيرهما ، دعوى الإجماع عليه (١).

(وإن تساويا أخذ من نصفه العشر ، ومن نصفه نصف العشر) بلا نقل خلاف فيه أيضا ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع.[عليه] (٢).

ويدلّ عليه وعلى سابقه مضافا إلى الإجماع ، حسنة معاوية بن شريح ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر ، وأمّا ما سقت السواني (٣) والدوالي فنصف العشر» فقلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ، ثمّ يزيد الماء فتسقى سيحا ،

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٣٨ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٥١ ، المسألة ٨٨ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٢٠١.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) السواني جمع السانية : الناضحة ، وهي الناقة التي يستقى عليها. الصحاح ٦ : ٢٣٨٤.

٣٩٤

فقال إنّ «ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت : نعم ، قال : «النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر» فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قال : «وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟» قلت : في ثلاثين ليلة ، أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر ، سبعة أشهر ، قال : «نصف العشر» (١).

وهل الاعتبار في الأكثرية بالأكثرية عددا ، أو زمانا ، أو نموّا ، أو نفعا؟ وجوه ، بل أقوال.

واستدلّ للأوّل : بأنّه هو المنساق إلى الذهن من النصّ والفتوى ، ولا ينافيه ما في الرواية من أنه ـ عليه‌السلام ـ استفصل عن زمان تحقّق السقية والسقيتين ، لا عن عدد السقيات بالدوالي ، لإمكان جريه مجرى العادة من كون أكثريّة الزمان علامة أكثريّة العدد ، فاستفصاله في الحقيقة يؤول إلى الاستفصال عن عدد السقيات بالدوالي.

ويحتمل أن يكون المقصود بالاستفصال استكشاف حال السقية والسقيتين من حيث الكيفيّة ووفور الماء ، إذ ربّ سقية كاملة تحصل بالسيح تقوم مقام عدّة سقيات بالدوالي ، وهذا يستكشف من طول مدّة السقية والسقيتين وقصره ، فيكون المدار على هذا أيضا على أكثريّة العدد ، ولكن أعمّ من الحقيقة والحكميّة ، لا الزمان من حيث هو.

ولعلّ القائل باعتبار الأكثريّة نموّا أو نفعا ، أراد هذا المعنى ، وهو لا يخلو من قوّة ، إذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو ، ولا بطول مدّتها من حيث هو في ما ينسبق إلى الذهن ، من إطلاق قول القائل : ما

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ / ٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٥ / ٤٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

٣٩٥

سقي بالسيح ففيه كذا ، وما سقي بالدوالي ففيه كذا ، بل المنساق منه إرادة السقي الذي يتقوّم به تعيّش الزرع وحياته ، وإلّا فربّ سقي لا فائدة فيه للزرع ، بل قد يكون مضرّا ، كما أنّه قد لا يحتاج الزرع في أوقات برودة الهواء إلى السقي مدة شهر أو شهرين.

فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته إليه في تعيّشه وحياته ، فقد يحصل في أوان شدة حاجة الزرع إلى الماء زيادة الماء زيادة مفرطة يبقى أثرها إلى أن يستغني الزرع عن الماء ، ويبلغ أوان حصاده بحيث لولا هذه الزيادة ، لكان في كلّ يوم أو يومين أو ثلاثة محتاجا إلى السقي بالدوالي ، فكأنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ أراد بالاستفصال استكشاف هذا المعنى ، وإلّا فسوق كلام السائل يشهد بأنّ السقي بالدوالي كان أكثر بمراتب من سقية أو سقيتين.

والحاصل : أنّ إناطة الحكم بأكثريّة طبيعة السقي الذي يحتاج إليه الزرع في حياته ونمائه ، أولى بالاعتبار وأقرب إلى الذهن بعد التدبّر في النصّ والفتوى.

وقد أشرنا إلى أنّ هذا بحسب الظاهر هو مراد من جعل المدار على الأكثريّة زمانا ، كما يشعر بذلك ما ذكروه دليلا له من أنّ السقية بالسيح قد تساوي عشرا بالناضح.

وقد حكي القول به عن التذكرة والقواعد والإيضاح والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس وتعليق النافع وجامع المقاصد (١).

ويحتمل قويّا رجوع القول باعتبار الأكثريّة زمانا أيضا إلى ما قويناه ،

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٩٦ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٥٣ ، وقواعد الأحكام ١ : ٥٥ ، وإيضاح الفوائد ١ : ١٨٣ ، والدروس : ٦٠ ، والموجز (ضمن الرسائل العشر) : ١٢٥ ، وجامع المقاصد ٣ : ٢٣.

٣٩٦

وإلّا فهو ضعيف.

ودعوى استفادته من الاستفصال الوارد في الخبر المزبور ، مدفوعة بما عرفت.

وهل يكفي في الأكثريّة المعتبرة في المقام ، مطلقها ، أي : الأكثريّة الحقيقيّة الحاصلة بزيادة واحدة بناء على اعتبار العدد ، فلو كان السقي بأحدهما ثلاثين ، وبالأخرى إحدى وثلاثين سقية ، لكان الحكم تابعا للثاني ، أم الأكثريّة العرفيّة ، بأن كان التفاوت بينهما بمقدار يعتدّ به عرفا ، بحيث لو سئل عن أنّه هل يسقي هذه الزراعة بالدوالي أو سيحا ، لقيل بهما ، ولكن السيح مثلا أغلب ، أم لا يكفي ذلك أيضا ، بل الغلبة الملحقة للنادر بالمعدوم ، بأن يكون غير الأكثر بمقدار لا يعتد به عرفا ، كالسقي والسقيتين بالنسبة إلى الزرع المحتاج إلى سقيات كثيرة ممّا لا يمنعه عرفا عن إطلاق اتّصاف سقيه بكونه بما هو الغالب؟ فيه وجوه :من صدق الأكثر حقيقة بمطلق الزيادة.

ومن انصراف الفتاوي ومعاقد الإجماعات إلى الكثرة العرفيّة.

ومن أنّ عمدة الدليل هو النصّ ، والقدر المتيقّن منه الأكثرية بالمعنى الأخير ، بل هذا هو المنساق من إطلاق الجواب عن سؤاله الأوّل من غير استفصال ، حيث إنّ المنساق من سؤاله الأوّل أنّ المفروض في مورده ما إذا حصل السقي بكل منهما بمقدار يعتدّ به ، بحيث يصحّ أن يقال : إنّه اجتمع فيه الأمران سواء تساويا أم كان أحدهما أكثر.

وتنزيل إطلاقه على صورة التساوي عددا أو زمانا أو نفعا تنزيل على فرض نادر الحصول ، وعلى تقدير حصوله نادر الاطّلاع عليه.

فالمنساق من سؤاله الأوّل وجوابه : أنّ الأرض التي تسقي بالدوالي ثمّ يزيد الماء فتسقى سيحا ، يجب في نصف محصولها نصف العشر ، وفي

٣٩٧

نصفه العشر.

ولمّا كان إطلاق هذا السؤال وجوابه منصرفا عمّا إذا كان السقي بالسيح بمقدار غير معتدّ به ، سأله ثانيا عن ذلك ، فقال : تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء ، فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ فأجابه ـ عليه‌السلام ـ بأنّ «فيه نصف العشر».

واحتمال أن يكون المراد بالجواب خصوص صورة التساوي ، بأن يكون قوله : «النصف والنصف» مبتدأ خبره نصف بنصف العشر ونصف بالعشر ، فيكون قوله ـ عليه‌السلام ـ : «النصف والنصف» مجموعه بمنزلة كلمة واحدة قائمة مقام لفظ المتساوي في السقي بهما ، فكأنّه قال في الجواب : المتساوي في السقي بهما نصفه بنصف العشر ونصفه بالعشر ، خلاف ما يتبادر منه.

ولذا رجّح في الجواهر هذا الوجه ، ووجّه كلمات الأصحاب أيضا بما لا ينافيه بتنزيل قولهم : فإن تساويا ، على إرادة التسوية في النسبة بحيث يطلق عليه أنّه سقي بهذا وبهذا ، وحمل الأكثرية الواقعة في كلماتهم على الأكثرية المنافية لهذا الصدق بإرادة الكثيرة الملحقة للنادر بالمعدوم (١).

وهو في حد ذاته وجيه ، ولكن تنزيل كلمات الأصحاب عليه في غاية البعد ، إلّا أنّ إقامة الدليل على ما هو المشهور ـ لو لم يأوّل كلماتهم بما يرجع إلى ما اختاره في الجواهر ـ مشكل ، إلّا بمئونة الإجماع على تقدير تحقّقه ، إذ غاية ما يدلّ عليه الخبر المزبور ، هو أنّه إذا كانت الأرض تسقى بالدوالي ، لا تؤثر السقية والسقيتين سيحا في تغيير حكمها بإيجاب أكثر من نصف العشر الذي يقتضيه السقي بالدوالي.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٣٨ ـ ٢٤١.

٣٩٨

وأمّا ما زاد على ذلك كالثلاث والأربع والخمس ، وكذا حكم صورة العكس ، وهو ما إذا كان السقي بالدوالي مرّة أو مرّتين يمكن استفادته من الخبر المزبور ، وقياسه على عكسه كقياس ما زاد على السقيتين على ما دونه قياس مع الفارق ، كما لا يخفى.

وقد تلخّص ممّا ذكر : أنّ الأشبه هو أنّه إذا كانت السقية والسقيتان فما زاد سيحا أو بالدوالي ، حالها حال الأمطار ، بالمقايسة إلى ما يسقى سيحا أو بالدوالي في عدم كونها مؤثّرة في تغيير الزرع عمّا كان يوصف به عرفا من كونه سقي سيحا أو بالدوالي ، فيلحقه حكم الاسم الذي يطلق عليه في العرف وإن كانت موجبة لسلب توصيفه بأحدهما على الإطلاق ، بل بهما معا ، ففي نصفه العشر وفي نصفه نصف العشر ، والله العالم.

المسألة (الثانية : إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة ، يدرك بعضها قبل بعض ، ضمّمنا الجميع ، وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد) في وجوب الزكاة فيها لدى اجتماع شرائطه بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في التذكرة دعوى إجماع المسلمين عليه (١) ، كما ستسمعه في عبارته الآتية.

وعن المنتهى أنّه قال : لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطؤ .. فإنّه يضمّ الثمرتان إذا كانا لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر .. ولا نعرف في هذا خلافا (٢). انتهى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٦١ ، المسألة ٩٤.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ ، كتاب الزكاة ، ص ١٠٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٩٩.

٣٩٩

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماع ، عموم أدلّتها الغير القاصر عن شمول مثل هذه الفروض.

(فما أدرك وبلغ نصابا أخذ منه ، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر ، وإن سبق ما لا يبلغ نصابا تربّصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا ، سواء أطلع الجميع دفعة ، أو أدرك) الجميع (دفعة ، أو اختلف الأمران) كما في ثمرة بستان واحد.

ولكن في الجواهر بعد نقل عبارة المصنف ـ رحمه‌الله ـ استدرك فقال :نعم يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكية ونحوها إلى أن يدرك ما يكمله كذلك ، كما هو واضح (١). انتهى.

أقول : استفادة اعتبار بقاء الناقص في ملكه ، وعدم إتلافه إلى أن يدرك ما يكمل به النصاب في وجوب الزكاة من النصوص والفتاوى لا يخلو من خفاء ، بل قد يقال : إنّ مقتضى إطلاقهما أنّه متى بلغ نماء زروعه وثمرة نخيله وكرومه بعد إخراج حصّة السلطان وإندار مئونتها ، خمسة أوسق فما زاد يجب فيها الزكاة ، سواء أدرك الجميع دفعة أو تدريجا في ملكه حتّى يكمل النصاب ، أو باعه شيئا فشيئا ، أو أكله كذلك ، أو غير ذلك من التصرّفات الناشئة (٢) عن اختياره الغير المنافية لصدق أنّه بلغ ما حصل في يده في هذه السنة من نماء زرعة أو ثمرة نخيله خمسة

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٤٣.

(٢) فإنّ مثل الأكل والبيع والهبة من التصرفات المتلفة أو الناقلة إذا صدر عن اختياره ، ومؤكّد لتمكنه وإجراء لسلطنته على ماله ، بخلاف التلف القهري بالاحتراق والغرق مما يكون المالك به مغلوبا على ماله ، وكذا السرقة والغصب والضلال ونحوها ممّا يزيل سلطنة المالك ويوهنها ، فإنها نافية لتمكّنه ، والتصرّفات الاختيارية محقّقة للتمكّن والاستيلاء ، والتقييد بالاختيارية إشارة الى ذلك ، فلا تغفل (منه رحمه‌الله).

٤٠٠