مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

فالحقّ هو المشهور من أنّ الرطل العراقي مائة وثلاثون درهما ، وقد عرفت في نصاب النقدين أنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة ، فهو أحد وتسعون مثقالا بالمثقال الشرعي وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فوزن الصاع الذي هو تسعة أرطال بالعراقي بالمثقال الصيرفي ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال ، كما لا يخفى على المتأمّل.

والمدار في بلوغ النصاب على التحقيق عندنا دون التقريب ، فلو نقص منه ولو يسيرا ، لم تجب الزكاة ، للأصل.

وقول الباقر ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء» (١).

وفي صحيحة زرارة وبكير : «فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شي‌ء وإن قلّ فليس فيه شي‌ء ، وإن نقص البرّ والشعير والتمر والزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شي‌ء» (٢).

ولا عبرة بالمسامحات العرفيّة لدى النقص القليل في الأحكام الشرعية المبنيّة على التحقيق وإن كان ذلك المقدار مغتفرا لدى العرف في معاملاتهم غالبا ، وقد تقدم في النقدين تفصيل القول في ذلك ، وتحقيق ما يقتضيه التحقيق لدى حصول النقص اليسير من اختلاف الموازين ، فراجع (٣).

وحكي عن بعض العامّة القول : بأنّ التقدير بالأوساق تقريبيّ

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩ / ٥٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٨.

(٣) راجع ص ٢٩٠.

٣٤١

لا تحقيقي ، بحيث يؤثّر فيه النقص اليسير ، لأنّ الوسق حمل وهو يزيد وينقص (١).

وفيه : أنّ الوسق وإن كان كذلك ، ولكنّ الحكم لم يعلّق على مطلقه ، بل ما كان منه ستّين صاعا ، كما كشف عن ذلك الروايات من طرق الخاصّة والعامّة المفسّرة له بذلك ، وأنّه ليس فيما نقص منه شي‌ء ، فالمدار حينئذ على هذا الوزن ، لا على إطلاق لفظ الوسق ، كما هو واضح.

والعبرة ببلوغ حدّ النصاب وقت الجفاف وصيرورته تمرا أو زبيبا ، فلو كان بالغا هذا الحدّ قبل جفافه ، لم تجب الزكاة فيه ، كما حكي عن العلّامة في المنتهى والتذكرة ، التصريح بذلك ، بل ودعوى الإجماع عليه.

فقال في محكي المنتهى : أنّه لو جفّ تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا فنقص ، فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا (٢).

وقال في التذكرة : والنصاب المعتبر ـ وهي خمسة أوسق ـ إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ويبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق أو العنب أو الغلّة ، ولو جفّت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص ، فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا ، أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطبا كالهلباث (٣) والبرني وشبههما من الدقل (٤) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضا ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «فيما سقت السماء .. العشر» (٥).

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ١٣٥ وحكاه العلامة في تذكرة الفقهاء ٥ : ١٤٥ ، المسألة ٨٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٤٩٧.

(٣) الهلباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨.

(٤) الدقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن النسائي ٥ : ٤١.

٣٤٢

وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب الأوّل وإن كان تمره يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ فيبلغ خمسة أوسق تمرا ، وكان هذا مثله رطبا ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه ممّا يجفّ (١). انتهى.

وفي المدارك بعد نقل هذه العبارة عن التذكرة قال : ولو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم التمر أو الزبيب ، اتّجه سقوط الزكاة فيه مطلقا (٢). انتهى. وهو جيّد.

ولكن الظاهر صدق اسم التمر والزبيب على اليابس منهما من أي نوع يكون ، غاية الأمر أنّه يوصف بالرداء ، كأمّ جعرور ومعافارة ، فكان الزبيب والتمر وصفا لليابس من الثمرتين ، ولكن جملة من أنواع العنب والرطب حيث يقلّ فائدتها بالتجفيف ، بحيث يعد تجفيفها بمنزلة الإتلاف ، لم يجر العادة بتجفيفها ، لا أنّه لا يطلق عليها الاسمان بعد الجفاف ، فليتأمّل.

(و) قد ظهر بما مرّ أنّ (ما نقص) عن التقدير المزبور ولو يسيرا (فلا زكاة فيه ، و) أمّا (ما زاد ففيه الزكاة وإن قلّ) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن المنتهى التصريح بنفي الخلاف فيه بين العلماء (٣).

ويدلّ عليه إطلاق الروايات الدالّة على أنّ ما أنبتت الأرض من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٤٨ ، المسألة ٨٣ ، وانظر : المجموع للنووي ٥ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١٣٦.

(٣) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٣٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٩٨.

٣٤٣

الغلّات الأربع إذا بلغ خمسة أوسق ففيما سقته السماء منه العشر ، وفيما كان منه يسقى بالدوالي نصف العشر.

(والحدّ الذي يتعلّق به الزكاة من الأجناس) الأربعة لدى المصنّف ، وابن الجنيد على ما حكي عنه (١) : (أن يسمّى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا).

وعن العلّامة في جملة من كتبه حكايته عن بعض أصحابنا (٢) ، وفي منتهاه حكايته عن والده (٣).

وفي مفتاح الكرامة قال : وقد يفوح ذلك أعني مذهب المحقّق من المقنع والهداية وكتاب الاشراف والمقنعة والغنية والإشارة وغيرها ، لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها التمر والزبيب والحنطة والشعير ، فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي ، ولا تصدق حقيقة إلّا عند الجفاف (٤). انتهى.

وربما استظهر هذا القول عن الشيخ في نهايته ، حيث قال في باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة ، بعد أن ذكر وقت الوجوب في النقدين :وأمّا الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصرام (٥).

__________________

(١) حكاه الشهيد في البيان : ١٨١.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ص ٤٣ ، وانظر : مختلف الشيعة ٣ : ٦٠ ، المسألة ٢٨ ومنتهى المطلب ١ : ٤٩٩.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٤٩٩.

(٤) مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، صفحة ٤٤ ، وانظر : المقنع والهداية وإشارة السبق والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ١٣ و ٥٤ و ١٢٥ و ٥٠٤ ، والمقنعة : ٢٣٤.

(٥) كما في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٣ ـ ٤٤ ، وانظر : النهاية : ١٨٢.

٣٤٤

وقد حكي عن صاحب كشف الرموز أنّه حملها على وقت الإخراج لا وقت الوجوب (١). وهو خلاف الظاهر.

وحكي عن الشهيد في البيان أنّه نسب إلى أبي علي ، والمحقّق ، أنّهما اعتبرا في الثمرة التسمية تمرا وعنبا لا زبيبا (٢) ، وتبعه في هذه النسبة بعض (٣) من تأخّر عنه.

ويظهر من المدارك الميل إليه ، بل القول به (٤).

ولكن في مفتاح الكرامة أنكر هذه النسبة ، وقال : هذا النقل بالنسبة إلى أبي علي مخالف لما نقله الأكثر عنه ، كما عرفت.

وأشار بذلك إلى ما نقله عن غير واحد من أنّهم نسبوا إلى أبي علي القول باعتبار تسمية الثمرة تمرا وزبيبا ، كما في المتن.

ثمّ قال : وأمّا بالنسبة إلى المحقّق فهو خلاف ما هو مشاهد بالعيان (٥). انتهى.

(وقيل : بل إذا) اشتدّ الحبّ في الحنطة والشعير ، و (احمرّ ثمر النخل ، أو اصفرّ ، أو انعقد الحصرم).

وربّما نسب هذا القول إلى المشهور (٦) ، بل عن التنقيح : لم نعلم قائلا

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٤ ، وانظر : كشف الرموز ١ : ٢٤٨.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٣٧ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ص ٤٣.

(٣) قال العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ص ٤٣ ، وتبعه (الشهيد) في نقل ذلك صاحب المفاتيح. وانظر مفاتيح الشرائع ج ١ ص ٢٠١.

(٤) كما في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ص ٤٣ وانظر : مدارك الأحكام ٥ : ١٣٧ و ١٣٨.

(٥) مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٣.

(٦) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢١٤.

٣٤٥

بمذهب المحقّق قبله (١).

وعن المقتصر : أنّ عليه الأصحاب (٢).

ونسب إلى جماعة التوقّف في القولين (٣).

(والأشبه) بظواهر النصوص والفتاوى المعلّقة للزكاة على الأجناس الأربعة (الأوّل) فإنّ الأحكام الشرعية تدور مدار عناوين موضوعاتها ، فإذا دلّ الدليل على انحصار الزكاة ممّا أنبتته الأرض في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وجب إلحاق البسر والحصرم وشبههما ـ من ثمر النخل والكرم ممّا هو خارج عن مسمّيات هذه الأسامي ـ بما عداها من الثمار ممّا لا زكاة فيه ، وإلّا لم يكن الحصر حاصرا.

اللهمّ إلّا أن يدلّ دليل خاصّ من نصّ أو إجماع على أنّ المراد بالتمر والزبيب ، ثمرة النخل والكرم عند بدوّ صلاحها ، فالشأن في إثبات ذلك. واستدل للمشهور بأمور :

منها : صدق الحنطة والشعير بمجرّد اشتداد الحبّ ، فيتعلّق بهما الزكاة بالعمومات ، فيثبت في البسر والحصرم بالإجماع المركّب ، مضافا إلى ما عن بعض اللغويين من التصريح بأنّ البسر وكذا الرطب نوع من التمر (٤) ، ولا قائل بالفرق بينهما وبين الحصرم والعنب.

وفيه : بعد تسليم صدق اسم الحنطة والشعير على الحبّ بمجرّد اشتداده ، وكذا اسم التمر على البسر والرطب ، فلا شبهة في انصراف

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢١٤ ، وانظر : التنقيح الرائع ١ : ٣١١.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٣ ، وانظر : المقتصر : ٩٩.

(٣) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢١٤.

(٤) حكاه العلّامة في منتهى المطلب ١ : ٤٩٩.

٣٤٦

إطلاق أساميها في المحاورات العرفيّة ومعاملاتهم ، ووقوع شي‌ء منها في حيّز التكليف بصرفه إلى الغير ، إلى اليابس منها ، فلا يتبادر من الأمر بالتصدّق بشي‌ء من هذه الأجناس إلّا إرادة يابسها ، ولذا لم يقع الخلاف في عدم وجوب إخراج الزكاة من الأخضر ، وعدم جواز إلزام الساعي بالدفع منه ، وعدم العبرة ببلوغها حدّ النصاب قبل الجفاف إذا نقص عنده ، وليس شي‌ء من ذلك لدليل تعبّدي ، بل لعدم انسباق غير اليابس من أدلتها ، كما لا يخفى على المتأمّل.

هذا كلّه ، مع أنّ ما حكي عن بعض اللّغويّين من كون البسر أو الرطب نوعا من التمر ، مع معارضته بقول من عداه ممّا يشهد العرف بخطئه ، خصوصا في البسر.

نعم ، صحّة إطلاق اسم الحنطة والشعير على الحبّ بعد اشتداده بل قبله أيضا ليس بالبعيد ، فلو قلنا بكفايته في تعلّق الزكاة به ، وعدم انصراف إطلاق اسمها الوارد في أدلّة الزكاة عنه ، اتّجه القول بالتفصيل بينهما ، وبين التمر والزبيب ، ومخالفته للإجماع المركّب غير معلومة ، بل قد يستشعر أو يستظهر من المتن التفصيل ، حيث جعل محلّ الخلاف التمر والزبيب دون الحنطة والشعير ، فهو مشعر بالمفروغيّة عن صدق الاسم فيهما الذي هو مناط الوجوب عنده.

ومنها : عمومات وجوب الزكاة ، خرج ما خرج ، وبقي الباقي.

وقد يقال في تقريب هذا الدليل : إنّ مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء مطلقا ، وأدلّة تعلّق الزكاة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب ـ أي الأخبار الحاصرة للزكاة في هذه الأجناس ـ لا تنهض لتقييدها ، لأنّ المتبادر منها إرادة الأجناس الأربعة في مقابل الأجناس الأخر ، دون العنب والرطب مثلا.

٣٤٧

وفيه : أنّه إن أريد بالعمومات ما كان من قبيل آية الصدقة وأشباهها ، فهي أحكام مجملة لا مسرح للأخذ بعمومها بعد ورود الأخبار المستفيضة أو المتواترة المبيّنة لما تجب فيه الزكاة ، وحصرها في الأجناس التسعة الزكويّة.

وإن أريد بها ما كان من قبيل ما سقته السماء ففيه العشر ، وما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر ففيه : أنّه لم يقصد بالموصول في مثل هذه الأخبار العموم أو الإطلاق ، بل هي إشارة إلى الأجناس الزكويّة المعهودة أي الغلات الأربع ، كما أفصح عن ذلك قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ما بلغ خمسة أوساق ، ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ، فنصف العشر (١).

والحاصل : أنّ دعوى استفادة وجوب الزكاة في الحصرم والعنب والبسر والرطب من مثل هذه الأدلّة ، مجازفة ، بل هي ناشئة من متابعة المشهور ، فلو كانت الشهرة بخلافه ، لم يكن يتوهّم أحد كون هذه الأدلّة منافية له.

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا (٢).

وهذه الصحيحة تدلّ على ثبوت الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨ / ٥٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٧.

٣٤٨

لو قدر زبيبا ، فيتمّ فيما عداه بعدم القول بالفصل.

وأورد عليه في محكي الذخيرة بأنّ لمفهوم الصحيحة احتمالين :

أحدهما : إناطة الوجوب بحالة ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق حال كونه زبيبا.

وثانيهما : إناطته بحالة يقدر له هذا الوصف ، والاستدلال بها إنّما يتمّ على ظهور الثاني وهو في موضع المنع ، بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل ، إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر (١). انتهى.

وأجاب عنه في مفتاح الكرامة بما لفظه : وفيه أنّ حاصل الوجه الأوّل أنّها تجب في العنب إذا كان زبيبا ، ومن المعلوم زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيبا ، كما تقول : تجب صلاة الفريضة على الصغير إذا كان كبيرا ، وأنت خبير بسقوط مثل هذا التعبير عن درجة الاعتبار ، فلا بدّ من المصير إلى التقدير إذا ورد مثله في الأخبار.

والاعتذار بأنّه تساهل في التعبير باعتبار ما يؤول إليه ـ كما في الإسناد إلى النخل ـ ممّا لا يعوّل عليه ولا يصغى إليه ، كما هو واضح لمن وجّه النظر إليه.

وفي الإسناد إلى النخل دلالة أخرى هي أولى بالاعتبار وأحرى ، إذ الظاهر من الإسناد إليه إرادة ثمره ، إذ هو أقرب المجازات وأشهرها ، بل المشهور منها ، بل لم يعهد إطلاقه على خصوص التمر بحيث لم يرد غيره ممّا تقدّمه من البسر والرطب ـ إلى أن قال ـ على أنّه لو كان المراد منه التمر وحده لا ما قبله ، لا وجه للعدول عن التمر الى النخل ، لأنّه لا يسوغ إلّا للأخصريّة أو الأظهريّة ، أو حكمة أخرى هي بالمراعاة أحرى ، ولا شي‌ء

__________________

(١) كما في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٥ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ٤٢٨.

٣٤٩

من ذلك بموجود في المقام (١). انتهى.

أقول : الحقّ أنّ العبارة المذكورة في الرواية قابلة للمعنيين ، كما ذكره في الذخيرة ، ولكنّ الظاهر كون كلمة «زبيبا» تمييزا لا حالا عن اسم «يكون».

وعلى أي حال فإمّا أن يكون المراد بكونه : «خمسة أوسق زبيبا» كونه كذلك بالفعل ، أي خمسة أوسق من الزبيب ، أو بالقوة بأن يكون بمقدار لو جفّ لكان خمسة أوسق.

والأوّل ، أي : إرادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ ، ولكن لا يناسبها لفظ «العنب» الذي أخذ موضوعا لهذا الحكم ، لزوال وصف العنبيّة عند اتصافه بصفة الزبيبيّة ، فلا يصحّ الحمل إلّا بإرادة معنى الصيرورة من لفظ «يكون» وهو مخالف للأصل ، كما أنّ إرادة الشأنيّة من قوله :«حتّى يكون خمسة أوسق زبيبا» أيضا كذلك ، فيتعارض الاحتمالان ، ويشكل ترجيح أحدهما على الآخر.

وأمّا ما قيل : من أنّ في الإسناد إلى النخل دلالة على إرادة ثمرته مطلقا ، فيدلّ على ثبوتها في البسر والرطب.

ففيه : أنّ قوله : «حتّى يبلغ خمسة أوساق» الذي هو شاهد على هذا التقدير يجعله كالنص في إرادة خصوص التمر الذي هو معظم ثمرته.

ولعلّ النكتة في العدول عن التمر إلى النخل : التنبيه على اعتبار النماء في الملك في ثبوت الصدقة فيه ، لا مطلق تملّكه.

ثمّ لو سلم دلالة هذه الصحيحة على ثبوت الزكاة في العنب قبل جفافه ، فتماميّة الاستدلال بها لمذهب المشهور موقوف على عدم القول

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٤٦.

٣٥٠

بالفصل بينه وبين غيره من ثمرة النخل والكرم ، ولم يتحقّق ذلك ، بل قد سمعت نسبة القول بالتفصيل إلى ابن الجنيد ، وفي المدارك اختياره.

ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال له بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا يكون في الحبّ ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتّى يبلغ وسقين ، والوسق ستّون صاعا» (١) مع اشتماله على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا.

واستدلّ له أيضا بصحيحة سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقلّ ما يجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب ، فقال : «خمسة أوساق بوسق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقلت : كم الوسق؟ قال : «ستّون صاعا» قلت : فهل على العنب زكاة ، أو إنما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال : «نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (٢).

وهذه الصحيحة صريحة في تعلّقها بالعنب ، وظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص ، وقد صرّح الأصحاب بأنّ زمان الخرص من حين بدوّ الصلاح.

وأوضح من ذلك دلالة على ثبوت الزكاة من حين الخرص صحيحة سعد ـ الأخرى ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات ، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : «متى حلّت أخرجها».

وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧ / ٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات الحديث ١.

٣٥١

صاحبها؟ قال : «إذا صرم وإذا خرص» (١).

ونوقش في الاستدلال بهاتين الصحيحتين بإمكان كون الخرص الوارد فيهما بالحاء المهملة من «حرص المرعى» إذا لم يترك منه شيئا ، بل لعلّ هذا هو المتعيّن في الصحيحة الثانية ، إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام والخرص بالمعجمة ، لاختلافهما جدا ، ومن هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا.

أقول : أمّا احتمال كون الحرص بالحاء المهملة ، فممّا لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه في الكتب المعتبرة مرسوما بالمعجمة ، ولكن الجمع بينه وبين الصرام في الصحيحة الثانية في جعلهما شرطا للوجوب أوجب الإجمال فيما أريد من الشرطين ، حيث لم يعلم بأنّ العبرة بتحقّق كل من الفعلين في جميع الغلّات الأربع أو بكل منهما على سبيل البدل ، بأن يكون الشرط حصول أحد الأمرين ، فتكون الواو للترديد ، أو بحصول كل منهما في بعض منها على سبيل التوزيع ، أو أنّ المقصود بهما بيان زمان تنجّز التكليف بالزكاة لدى تمكّنه من معرفة مقدار الغلّة وبلوغه حدّ النصاب بالاعتبار بالكيل المتوقّف على الصرام أو بالخرص ، فكأنه قال : متى صرمها أو عرف مقدارها بالخرص ، تنجّز في حقه التكليف بتزكيتها.

فعلى هذا يتّجه الاستدلال بها للمشهور ، حيث إنّ تنجّز التكليف بالإخراج يتوقّف على تعلّق الزكاة بها من حيث هي من أوّل زمان إمكان معرفة مقدارها بالخرص وإن لم يتنجّز التكليف بها لدى الجهل بمقدارها ولو بالخرص ، ولكن لا وثوق بإرادة هذا المعنى من الصحيحة ، فليتأمّل.

وأمّا صحيحته الاولى ، فالظاهر أنّه لم يقصد بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «إذا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ١.

٣٥٢

خرصه أخرج زكاته» الخرص المعهود الذي وقته من حين بدوّ الصلاح ، وليس هو من شأن كلّ أحد ، بل من وظيفة الخارص ، بل المقصود به بحسب الظاهر بيان ثبوت الزكاة في العنب أيضا ، وعدم اشتراطه بأن يصيّره زبيبا ، فإذا خرصه ـ أي علم ببلوغ يابسه خمسة أوسق بالخرص والتخمين ـ وجب إخراج الزكاة منه ، فلا تدلّ هذه الصحيحة إلّا على ثبوتها في العنب ، فإن تمّ الإجماع على مشاركته مع الحصرم والرطب وغيره ممّا يقوله المشهور ، فهو ، ولكنّك عرفت أنّه في محلّ نظر ، بل منع.

وعمدة ما يصحّ الاستشهاد به لمذهب المشهور : ما علم بالتدبّر في الآثار والأخبار وكلمات الأصحاب من أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها ، ليتميّز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها ، وكان ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق والعذقين ، وأن لا يخرص أمّ جعرور ومعافارة ، كما ستعرف تفصيله عند التعرّض لبيان فائدة الخرص.

فلو لم يكن حقّ الفقير متعلّقا بها من حين بدوّ صلاحها ـ الذي هو وقت الخرص ـ لم يكن يترتّب على الخرص قبل صيرورتها تمرا فائدة يعتدّ بها ، بل كان تعدّيا وتضييقا على المالك لا عن استحقاق ، إذ قد لا يحبّ أن يطّلع أحد على مقدار ماله وما صدر عنه من المصارف قبل جفافه ، كما أنّه قد يحبّ أن يجعل للحارس أكثر من عذقين ولغيره أيضا كذلك ، أو ينفق جميعها على أهله وعياله وأصدقائه حال كونها رطبا ، بغير أن يطّلع عليه أحد ، فلو لم يكن المقصود بالخرص تمييز حقّ الفقير وتضمين المالك به ، على تقدير صدور مثل هذه التصرّفات منه ، الذي هو فرع ثبوت الحقّ له بالفعل ، لوقع الخرص لغوا.

وما قيل : من إمكان أن تكون فائدته الحفظ من الخيانة عند تعلّق

٣٥٣

الحقّ به أي بعد صيرورته تمرا ، ففيه : بعد الغضّ عن منافاته لما علم من طريقة الشارع من رعاية حال المالك ، والإرفاق به ، وقبول قوله في دعوى التلف ونحوه ، خصوصا بالنسبة إلى ما قبل تعلّق الحقّ بماله ، أنّ غاية ما يمكن معرفته بالخرص هو مقدار ما يبلغ ثمرة النخل الموجودة بالفعل على تقدير بقائها سليمة عن الآفات تمرا عند جفافها ، وأمّا أنّ ثمرتها تبقى ولا يأكلها صاحبها ، أو يبيعها ، أو ينفقها على غيره حال كونها بسرا أو رطبا ، فهو شي‌ء لا يمكن معرفته بالتخمين ، فإنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأمكنة اختلافا فاحشا غير قابل للانضباط : كي يمكن الإحاطة به بالخرص ، ويسوغ نسبة الخيانة إلى آحاد المالكين لدى تخلّف ما يوجد عندهم عمّا خرص.

والحاصل : أنّ جواز الخرص ـ الذي ستعرف مسلّميته عند الفريقين في الجملة ـ من أقوى الأدلّة على صحّة ما ذهب إليه المشهور من تعلّق حقّ الفقراء بالغلّات من حين بدوّ صلاحها ، فالقول به مع أنّه أوفق بالاحتياط ، لا يخلو من قوّة.

(ووقت الإخراج) الذي هو بحيث يسوغ للساعي مطالبة المالك به ، وإذا أخّرها عنه مع التمكّن ضمن (في الغلّة إذا صفت ، وفي التمر بعد اخترافه ، وفي الزبيب بعد اقتطافه).

اختراف التمر ـ بالخاء المعجمة ـ اجتناؤه ، ومثله الاقتطاف للعنب.

قال في المدارك تبعا للمسالك : وفي جعل ذلك وقت الإخراج تجوّز ، وإنّما وقته عند يبس الثمرة وصيرورتها تمرا أو زبيبا ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : اتّفق العلماء كافّة على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلّا بعد التصفية ، وفي التمر إلّا بعد التشميس

٣٥٤

والجفاف ، ونحوه قال في التذكرة (١). انتهى ما في المدارك.

وهو جيّد ، ولكن هذا ـ أي كون وقت الإخراج بعد التشميس والتجفيف ـ إنّما هو فيما إذا تعلّق غرض المالك بتجفيف الثمرة ، وأمّا لو تعلّق غرضه بصرفها في مقاصده حال كونها رطبا وعنبا أو حصرما ، ولم نعتبر التسمية في تعلّق الزكاة بها ، كما هو المشهور ، فوقت الإخراج حينئذ بعد الاختراف والاقتطاف حقيقة ، إذ لا تجفيف في الفرض ، وليس اعتبار مضيّ مقداره شرطا تعبّديّا لوجوب الإخراج ، كما ستعرف.

وكيف كان ، فقد أشرنا إلى أنّ المراد بوقت الإخراج هو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبته ، وليس [للمالك] (٢) الامتناع من الدفع إليه لدى المطالبة ، وأنّه لو أخّر الزكاة عنه مع التمكن من إيصالها إلى المستحقّ ، ضمن ، وهذا متأخّر عن وقت الوجوب ، سواء قلنا بتعلق الوجوب من حين بدوّ الصلاح ، أو قلنا بدورانه مدارا التسمية.

أمّا على الأوّل فواضح ، بل وكذا على الثاني ، فإنّ التسمية تتحقّق في الزرع قبل الحصاد فضلا عن التصفية ، وفي النخل أيضا قد تتحقّق قبل الاجتذاذ ، مع أنّه لا يجب الإخراج حينئذ ، كما هو ظاهر المتن وغيره.

وما عن بعض من اتّحاد زمانهما على القول بدورانه مدار التسمية ، وأنّ الحصاد والتصفية في الزرع ، والاجتذاذ في النخل من مقدّمات الامتثال ، لا من شرائط وجوب الإخراج ، فهي من المقدّمات الوجوديّة للواجب المطلق ، ضعيف ، إذ المنساق من الأمر بصرف العشر أو

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٣٩ ، وانظر : مسالك الأفهام ١ : ٣٩٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٩٩ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٨٩ ، المسألة ٢٠٤.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٣٥٥

الخمس من حاصل زرعه أو ثمرة بستانه في هذه السنة إلى «زيد» مثلا إنّما هو إرادة إيصال الحصّة المقرّرة له إليه بعد تصفية الحاصل وصرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل الزراعات وثمرة الأشجار بين شركائهم ، فليس للفقير أولويّة مطالبة المالك بالحصّة المقرّرة له قبل استكمال الحاصل ، أو بلوغ أوان قسمتها بين مستحقّيها في العرف والعادة ، ومن المعلوم أنّ جفاف التمر ، وكذا الزبيب ، بل وكذا الغلّة تدريجيّ ، فقد يكون ما يندرج تحت المسمّى في هذا اليوم بالغا حدّ النصاب ، وهو يتزايد يوما فيوما ، فما لم يستكمل الجميع ، ولم يبلغ أوان حصادها ، وجمع التمر والعنب المنشورين للتشميس والتجفيف ، ليس للساعي مطالبة حقّ الفقير ، لما أشرنا إليه من أنّ المنساق من أدلّة الزكاة إيجاب صرف الحصّة المفروضة للفقير في ثمرة النخل والكرم وحاصل الزراعات عند بلوغ حدها ووصول أوان تقسيمها بين الشركاء عادة.

وربّما يشهد له أيضا مضافا إلى ما ذكر ، خبر أبي مريم المروي عن الكافي ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في قول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» (١) قال : «تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ، ثمّ إذا وقع في البيدر ، ثمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر» (٢) فإنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «إذا وقع في الصاع» إلى آخره ، كناية عن بلوغ أوان قسمة الحاصل الذي هو بعد التصفية وتجفيف الثمرة.

نعم ، لو وصل وقت التصفية في العرف والعادة ، وتسامح المالك فيها وأخّرها عن وقتها المعتاد لا لعذر ، اتّجه الالتزام بتحقّق الضمان ، وجواز

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٤١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٣.

٣٥٦

إلزامه بالنصفية ، خروجا عن عهدة الحقّ الواجب في ماله.

وإطلاق كلمات الأعلام القائلين بأنّ وقته بعد التصفية في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية ، منزّل على المتعارف ، فهي غير منافية لذلك.

(ولا تجب الزكاة في الغلّات) الأربع (إلّا إذا ملكت بالزراعة ، لا بغيره) أي بغير هذا السبب (من الأسباب كالابتياع والهبة) ونحوهما.

وتخصيص الزراعة بالذكر من باب التمثيل ، فكأنّه أريد بذلك الكناية عن اشتراط تعلّق الزكاة بالغلّات بتكوّنها في ملكه ، بأن لا تكون مملوكيّتها له محتاجة إلى سبب آخر وراء المعدّات المؤثّرة في تكوّنها كما هو الشأن في حاصل زرعه ، أو ثمرة بستانه ، أو الحصّة المقرّرة له من الثمرة بإزاء عمله ، كما في عامل المزارعة والمساقاة.

وكيف كان ، فالمقصود بهذا الشرط بيان اعتبار كون ما يتعلّق به الزكاة حاصلا في ملكه ، وقد عبّر كثير منهم عن ذلك بأن يكون نموّها في ملكه.

فعن المصنّف في المعتبر قال : لا تجب الزكاة في الغلّات إلّا إذا نمت في الملك ، فلا تثبت فيما يبتاع ولا ما يستوهب ، وعليه اتّفاق العلماء (١).

وعن المنتهى أنه قال : لا تجب الزكاة في الغلّات الأربع إلّا إذا نمت في ملكه ، فلو ابتاع غلّة أو استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح ، لم تجب الزكاة ، وهو قول العلماء كافّة (٢).

ولكن في المدارك ناقش في هذا التعبير بأنّه غير جيّد.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٢٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٣٨.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ٢٢٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٩٧.

٣٥٧

أمّا على ما ذهب إليه المصنّف من عدم وجوب الزكاة في الغلّات إلّا بعد تسميتها حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا فظاهر ، لأنّ تملّكها قبل ذلك كاف في تعلّق الزكاة بالمتملّك ، كما سيصرّح به المصنّف ـ رحمه‌الله ـ وإن لم ينم في ملكه.

وأمّا على القول بتعلّق الوجوب بها ببدوّ الصلاح ، فلأنّ الثمرة إذا انتقلت بعد ذلك ، تكون زكاتها على الناقل قطعا وإن نمت في ملك المنتقل إليه ، وكان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحدّ الذي يتعلّق به الزكاة ، كما اقتضاه صريح كلام الفريقين (١). انتهى.

أقول : الظاهر عدم الخلاف في اشتراط تعلّق الزكاة في الغلّات بنموها في ملكه ، وعدم كفاية ملكيّتها حال التجفيف بحيث لو اشترى عنبا أو رطبا من السوق وجفّفهما ، فصارا خمسة أوساق زبيبا أو تمرا ، لوجب عليه زكاته ، فإنّ هذا ممّا لا يظنّ بأحد الالتزام به ، خصوصا فيما إذا لم يكن العنب أو الرطب الذي اشتراه ـ على تقدير بقائه على ملك مالكه ـ متعلّقا للزكاة ، بأن كان العنب الذي اشتراه ملكا لصغير ، أو مملوكا لأشخاص لم يكن يبلغ نصيب كل منهم حدّ النصاب.

وليس في عبارة المصنّف الآتية تصريح ، بل ولا ظهور في كفاية تملكها قبل الاتصاف بالزبيبيّة والتمريّة في تعلّق الزكاة بالمتملّك ، وإنّما صرّح بنفيها على المالك لو أخرجها عن ملكه قبل ذلك ، حيث قال ـ في مسألة ما لو اشترى نخلا أو ثمرته بعد بدوّ صلاحها ، بعد أن حكم أوّلا بأنّ زكاتها على البائع كما هو المشهور ـ ما لفظه :والأولى الاعتبار بكونه تمرا ، لتعلّق الزكاة بما يسمّى تمرا ، لا بما

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٤٠ ـ ١٤١.

٣٥٨

يسمّى بسرا (١).

ولا دلالة في هذا الكلام إلّا على نفي وجوبها على المالك لو لم تبق في ملكه إلى زمان صيرورتها تمرا ، لا على ثبوتها على من ملكها في هذا الحين.

ثمّ إنّ المراد بنموّها في ملكه ، هو نموّها إلى أن يندرج في الموضوع الذي يتعلّق به الزكاة ، لا مطلق النمو في الملك بحيث يعمّ النموّ الحاصل له بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يتوجّه بذلك الإشكال على المشهور.

وكيف كان ، فمنشأ اعتبار هذا الشرط ـ مع الغضّ عن الإجماع ـ «قصور ما دلّ على وجوب الزكاة في الغلات إلّا عن إيجابها» (٢) على من نمت الغلّات في ملكه ، وليس في شي‌ء من أدلّتها إطلاق أو عموم بحيث يتناول ما لو ملك شيئا منها بسبب آخر غير التنمية ، كما لا يخفى على من لاحظها ، بل لو لم يكن الإجماع ، لأشكل استفادة كفاية ملكيّة الثمرة من حين بدوّ صلاحها الذي فسّروه بالاصفرار والاحمرار في تعلّق الزكاة بها على من انتقلت إليه في هذا الحين ، حيث إنّ معظم نمائها قد حصل في ملك الغير ، فيخرج بذلك عن منصرف أدلّتها ، فليتأمّل.

وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في اشتراط النماء في الملك ، وعدم كفاية الملكيّة حال التجفيف الذي يتحقّق به التسمية ولو قلنا بعدم تعلّق الوجوب إلّا بعد الجفاف ، والله العالم.

(ويزكّى حاصل الزرع) أي : الغلّات في ملك من حصلت في

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٥٥.

(٢) ورد بدل ما بين القوسين في الطبع الحجري هكذا : ظهور ما دلّ على وجوب الزكاة في الغلّات في إيجابها.

٣٥٩

ملكه على تقدير جامعيّتها للشرائط.

(ثم لا يجب بعد ذلك فيه زكاة ، ولو بقي أحوالا) إجماعا ونصوصا كما في الجواهر (١) وغيره (٢).

ومن جملة الروايات المصرّحة بذلك ما عن الكليني والشيخ ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن زرارة وعبيد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «أيما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي‌ء وإن حال عليه الحول عنده ، إلّا أن يحوّل مالا ، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه ، وإلّا فلا شي‌ء عليه وإن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه قائما ، وإنما عليه فيها صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة واحدة ، فلا شي‌ء عليه فيها حتّى يحوّله مالا ويحول عليه الحول وهو عنده» (٣).

(ولا تجب الزكاة إلّا بعد إخراج حصّة السلطان) بلا نقل خلاف فيه ، بل عن الخلاف وغيره دعوى الإجماع عليه (٤).

وعن المصنّف في المعتبر أنّه قال : خراج الأرض يخرج وسطا ، ويؤدّي زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا إذا كان لمسلم ، وعليه فقهاؤنا وأكثر علماء الإسلام.

وقال أبو حنيفة : لا عشر في الأرض الخراجيّة (٥). انتهى.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٢٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٣٨ ، ومدارك الأحكام ٥ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

(٤) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٤٢ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، والجامع للشرائع : ١٣٤.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٢٣ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٤٠.

٣٦٠