مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

وحيثما يجوز له الصرف ، يجوز له الإبدال بالقيمة ، بل قد يجب ذلك ، كما لو انحصر المصرف فيما لا يمكن صرفها إليها إلّا بالقيمة ، ومتى جاز له الإبدال لم يتفاوت الحال في ذلك بين أن يبيعها من شخص آخر ، ويصرف ثمنها في مصرفها ، أو يخرج قيمتها ابتداء بدلا عمّا وجب عليه ، إذ لا وجه لاعتبار خصوصيّة البيع أو المعاوضة مع الغير في ذلك ، كما لا يخفى.

وقد تلخّص ممّا ذكر أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

وهل يجوز الإخراج بالقيمة السوقيّة من أيّ جنس يكون ، أم يختصّ ذلك بالدراهم والدنانير؟ ظاهر المتن (١) وغيره ، بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب تصريحا من بعض وتلويحا من آخر (٢) : الأوّل ، بل عن ظاهر الغنية والخلاف دعوى الإجماع عليه (٣) ، بل عن البيان أنّه قال : لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار ، فالأقرب الصحة ، وتسليمها بتسليم العين.

ويحتمل المنع ، لأنها تحصل تدريجا.

ولو آجر الفقير نفسه أو عقاره ، ثمّ احتسب مال الإجارة ، جاز وإن كان معرضا للفسخ (٤).

ولكن في المدارك قال : إنّ جواز احتساب مال الإجارة جيّد ، وكونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا ، أما جواز احتساب المنفعة فمشكل ، بل

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٤٧.

(٢) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٢٨.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٢٨ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٦ ، والخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩.

(٤) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٢ ، وانظر : البيان : ١٨٦.

٢٢١

يمكن تطرّق الإشكال إلى إخراج القيمة ممّا عدا النقدين (١). انتهى.

وربّما يلوح من عبارة الوافي الآتية (٢) المنع عن التبديل بغير الدراهم والدنانير.

ويدلّ على المشهور رواية قرب الإسناد المتقدمة (٣).

ويمكن الاستدلال له أيضا بما استشهدنا به لجواز إخراج القيمة من استفادته من تجويز صرفها إلى المواضع التي يتعذّر أو يتعسّر صرف عينها إليها غالبا ، فإنّه يستفاد من تجويز تجهيز موتى المسلمين من الزكاة ، ووفاء ديونهم ، وصرفها إلى سائر وجوه البرّ كبناء المساجد والقناطير وإعانة الحاج والزائرين فيما يحتاجون بمقدار حاجتهم : جواز إخراج كلّ ما يجوز شراؤه من الزكاة لأجل هذه المصارف ، كالجص والنورة التعمير المساجد وشراء الكفن للميّت ونحوه (٤) ، ويتمّ القول بالنسبة إلى موارد إمكان صرف عينها إلى مواردها بعدم القول بالفصل ، مع أنّ له أن يختار في مصرفها من وجوه البرّ ما لا يناسبه إلّا الجنس الذي أخرجه بدلا عن الفريضة الواجبة في ماله.

ولكن قد ينافي ذلك خبر سعيد بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قلت له : يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطّيخ والعنب ، فيقسّمه؟ قال : «لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر الله تعالى» (٥).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٩٢.

(٢) تأتي في صفحة ٢٢٣.

(٣) تقدّمت في صفحة ٢١٧.

(٤) في النسخة الخطّية والطبع الحجري زيادة : يجوز إخراجه بدلا عن الفريضة لاستعماله في هذه الوجوه. والظاهر أن هذه الجملة زائدة.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٣.

٢٢٢

قال في الوافي : هذا الحديث لا ينافي ما قبله ، لأنّ التبديل إنّما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما (١). انتهى.

ولكنّك قد عرفت ظهور الخبر المروي عن قرب الإسناد المعتضد بالشهرة ومعاقد الإجماعات المحكيّة في خلافه ، مضافا إلى ما ادّعيناه من إمكان استفادته ممّا ورد في بيان المصرف ، فما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

وأمّا الخبر المزبور فهو بظاهره غير معمول به ، إذ لا يتعيّن إخراج الدراهم حتى فيما إذا كانت الفريضة من جنسها ، لجواز إخراج قيمتها من الدنانير نصّا وإجماعا ، فلم يقصد بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا يعطيهم إلّا الدراهم» خصوص الدراهم ، بل هي جارية مجرى التمثيل ، فأريد بها إمّا عين الفريضة التي تعلّق التكليف بإخراجها أوّلا وبالذات ، كما يؤيّده قوله ـ عليه‌السلام ـ : كما أمر الله تعالى» فيتعيّن حينئذ حمله على الأفضليّة ، لما عرفت من جواز إخراج القيمة في الجملة نصّا وإجماعا ، أو النقد الغالب الذي يقدّر به القيمة ويقع الثمن غالبا ، أي الدراهم والدنانير ، فيصير حينئذ شاهدا للقول المزبور.

ولكن لم يتعيّن إرادة هذا الاحتمال ، بل الاحتمال الأوّل أوفق بظاهر قوله ـ عليه‌السلام ـ : «كما أمر الله» مع أنّ مقتضى الجمع بينه وبين رواية قرب الإسناد المتقدمة (٢) وغيرها حمل هذه الرواية على هذا التقدير أيضا على الأفضليّة ، أو على ما إذا كان دفع الثمن أصلح للفقير من شراء شي‌ء له.

__________________

(١) الوافي ١٠ : ١٥٢.

(٢) تقدّمت في صفحة ٢١٧.

٢٢٣

ويحتمل أيضا أن يكون المقصود بهذه الرواية المنع عن التصرّف في الثمن بعد فرض تعيّن كونه زكاة ولو بجعل نفسه ، أو كونه مأخوذا من الغير بهذا العنوان ، فالمنع حينئذ على حقيقته ، إذ لا ولاية له على الفقير بحيث يتصرّف في ماله هذا النحو من التصرّف الذي يكون غالبا خلاف مصلحته.

نعم ، ما عيّنه للزكاة إن كان بجعل نفسه في زكاة ماله حيث إنّه لا يخرج بذلك عن ملكه حتى يصل إلى الفقير أو وليّه ، جاز له أن يشتري بذلك الشي‌ء شيئا آخر ، ويقسّمه على الفقراء بعنوان تأدية الزكاة بقيمتها من هذا الجنس من ماله ، ولا ملازمة بين الرخصة في ذلك وبين الرخصة في أن يشتري من الزكاة ذلك الشي‌ء ويقسّمه عليهم.

وكون الشراء بذلك المعين ما لم يخرج عن ملكه بوصوله إلى الفقير ، مرجعه إلى ذلك ، غير مجد في الرخصة في إيقاعه بهذا الوجه ، كما لا يخفى.

إن قلت : إنّ الخبر المروي عن قرب الإسناد قد دلّ على جواز إيقاعه بهذا الوجه ، أي بأن يشتري من المال الذي عيّنه للزكاة ثيابا أو طعاما أو نحوه.

قلت : نعم ، ولكن في الموارد التي يرى أنّ ذلك أصلح لهم لا مطلقا ، فيستفاد منه جواز إخراج القيمة في مثل الفرض بالفحوى ، وفي غيره بعدم القول بالفصل ، فليتأمّل.

وكيف كان ، فالرواية بعد تطرّق هذه الاحتمالات لا تصلح دليلا لإثبات مذهب الخصم في مقابل ما عرفت ، والله العالم.

ثمّ إنّ المراد بالقيمة القيمة وقت الإخراج ، لأنّه وقت الانتقال إليها.

٢٢٤

وقال العلّامة في التذكرة : إنّما يعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، فلو قوّمها وضمن القيمة ، ثمّ زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج ، فالوجه وجوب ما يضمنه خاصّة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أمّا لو لم يقوّم ، ثمّ ارتفع السوق أو انخفض ، أخرج القيمة وقت الإخراج (١). انتهى.

وفي المدارك بعد نقل هذا الكلام ، قال : وفي تعيّن القيمة بمجرّد التقويم نظر (٢). انتهى ، وهو في محلّه.

وما يقال في توجيه مذهب العلّامة : من أنّه بالضمان يستقرّ القيمة في الذمّة ، ولذا يجوز للمالك التصرف في مجموع النصاب ، نعم لو لم يف بالضمان ولم يؤد ما ضمن ، رجع الساعي إلى العين ، فسقوطها متزلزل لا يستقرّ إلّا بالإبراء.

والحاصل : أنّ التقويم إذا كان جائزا والضمان صحيحا ، فمقتضاه اشتغال الذمة بالقيمة في وقت التقويم والضمان.

ففيه (٣) : أنّه لا دليل على جواز التقويم وصحة الضمان بالمعنى المزبور ، وإنّما الثابت بالنصّ والإجماع جواز تأدية الزكاة بالقيمة السوقيّة ، وهذا لا يقتضي إلّا جواز إخراج القيمة حال التأدية.

وأمّا الضمان المسوغ للتصرف في مجموع النصاب ، فليس معناه الالتزام بدفع ما هي قيمة لها في ذلك الوقت ، بل الالتزام بتأديتها على ما شرّعت ، أي إخراج الفريضة أو قيمتها من مال آخر.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٩٨.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٩٢.

(٣) في النسخة الخطية والطبع الحجري : وفيه. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

٢٢٥

وليس معنى تعلّق الزكاة بالعين كون شخص معيّن أو مردّد فيما بين النصاب ملكا للفقير ، كي يصحّ أن يقال : إنّه لا معنى لتعهّده بأدائها من مال آخر إلّا الالتزام بدفع بدلها ، وهو في الأنعام ـ التي هي من القيميات ـ لا يكون إلّا بالالتزام بدفعه قيمتها ، بل هو معنى لا ينافيه وقوع كلّ ما يندرج في مسمّى فريضة ذلك النصاب إذا دفعه إلى الفقير مصداقا له ، كما سنوضّحه.

مع أنا لا نسلم اقتضاء الضمان في مثل المقام استقرار القيمة في الذمّة ، إذ المدارك في باب الضمان على مراعاة ما هو الأقرب فالأقرب إلى التألّف ، كما تقرّر في محلّه.

وحيث إنّه لا يستحقّ الفقير في هذا المال إلّا ما يقع مصداقا لابنة مخاض مثلا ، فما يقع مصداقا لهذا المفهوم إذا لم نقل بكونه لدى دفعه إلى الفقير عين حقه ، فلا أقلّ من كونه أقرب إليه من قيمتها ، كما هو واضح.

فتلخّص ممّا ذكر : أنّ الأظهر اعتبار قيمتها حال الإخراج ، أي حال صرفها إلى مصرفها ، أو إيصالها إلى من له الولاية على قبضها ، وبحكمه العزل لو قلنا بأنّ له الولاية على ذلك ، بحيث يصير بالعزل ملكا لمستحقّ الزكاة ، وتبقى تحت يده أمانة من باب الحسبة ، ولكنّك ستعرف أنّ إثبات هذا النحو من الولاية له لا يخلو من إشكال.

(والشاة التي تؤخذ في الزكاة) فريضة في الغنم والإبل ، أو جبرا لدى تفاوت أسنان الإبل (قيل : أقلّها الجذع من الضأن والثنيّ من المعز) بل هذا هو المشهور كما ادّعاه غير واحد (١) ، بل في الرياض :

__________________

(١) كما في الحدائق ١٢ : ٦٦ ، والذخيرة : ٤٣٦ ، وكتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٨٤.

٢٢٦

ليس فيه مخالف يعرف (١) ، بل عن الغنية والخلاف دعوى الإجماع عليه (٢).

(وقيل : ما يسمّى شاة).

ولكن في مفتاح الكرامة قال : قد اعترف جماعة بعدم معرفة قائله (٣) ، يعني فيما بين القدماء ، وإلّا فقد حكي عن جماعة من المتأخّرين الميل إليه ، أو القول به (٤).

بل في الحدائق بعد أن نسب القول الأوّل إلى المشهور ، ونقل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه ، قال : وقيل بأنّه ما يسمى شاة ، وهو الأصحّ ، وإليه ذهب جملة من أفاضل متأخّري المتأخّرين ، عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم.

ثمّ قال : واستدلّ على المشهور ، كما ذكره في المعتبر ، بما رواه سويد ابن غفلة ، قال : أتانا مصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : نهينا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيّة.

ثمّ قال : والظاهر أنّ الخبر المذكور عاميّ ، فإنّه غير موجود في أصولنا (٥). انتهى.

وأجيب (٦) عمّا ذكره طعنا في سند الخبر المزبور : بأنه وإن لم يكن مرويّا في كتب الأخبار للإمامية ، ولكن تدوينه في كتبهم الاستدلالية

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٣٠ ، وانظر : رياض المسائل ١ : ٢٦٧.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٣٠ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٦ ، والخلاف ٢ : ٢٤ ، المسألة ٢٠.

(٣) مفتاح الكرامة ، كتاب الزكاة ٣ : ٧٢.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ١٣٠.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٦ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٢.

(٦) انظر : جواهر الكلام ١٥ : ١٣٠.

٢٢٧

على وجه الاستناد إليه ، بمنزلة تدوينه في كتب أخبارهم ، بل أبلغ في الدلالة على الوثوق والاعتماد عليه ، وهو كاف في جبر سنده ، خصوصا في مثل هذا الفرع الذي قد يحصل من نفس الشهوة الجزم بوصول خبر إليهم بهذا المضمون عن المعصوم.

ولكن قد يشكل ذلك بأنّه لو كان مستند المشهور هذا الخبر ، لكانوا يعتبرون الأنوثة ، مع أنه ليس في الرواية دلالة على إرادته في الغنم ، فلعلّ موردها البقر والبعير ، ولكن في موضع من التذكرة أرسل عن سويد بن غفلة أنّه قال : أتانا مصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن ، والثني من المعز (١) ، فلا قصور حينئذ في دلالته.

واستدلّ له أيضا بما عن غوالي اللآلي مرسلا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أمر عامله بأن يأخذ من الضأن الجذع ، ومن المعز الثني ، قال :ووجد ذلك في كتاب علي ـ عليه‌السلام ـ (٢).

وضعف سندها مجبور بما عرفت ، فلا ينبغي الاستشكال في الحكم بعد اشتهاره بين الأصحاب ، وورود مثل هذه الأخبار فيه ، إذ لا يبقى معها مجال للتشكيك في كونه مأخوذا عن أصل متعمد.

هذا ، مع أنّ إطلاق الشاة على ما دون الجذع محل تأمّل ، ولا أقلّ من انصراف إطلاقها عنه.

(و) قد ظهر بما ذكر أنّ القول (الأوّل أظهر) مع أنّه أحوط.

ولكن الشأن في تحقيق مفهوم الجذع والثنيّ ، فقد اختلفت كلمات

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٠٨ ، وانظر : المغني لابن قدامة ٢ : ٤٧٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٣٠ ، وانظر : غوالي اللآلي ٢ : ٢٣٠ / ١٠ و ١١.

٢٢٨

الفقهاء واللغويّين في تفسيرهما.

فعن كثير من الفقهاء أنّ المراد بالجذع من الضأن ، ما كمل له سبعة أشهر ، والثنيّ من المعز ما كملت له سنة (١) ، بل عن غير واحد نسبته إلى المشهور (٢) ، بل عن بعض محشّي الروضة أنه لا يعرف قولا غيره (٣).

وفي المسالك بعد أن فسّر الجذع من الضأن بما كمل سنّة سبعة أشهر إلى أن يستكمل سنة ، قال : وقيل : إنّما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابين ، وإذا كانا هرمين لم يجذع حتّى يستكمل ثمانية أشهر (٤).

أقول : ويظهر من العلامة في التذكرة في هذا الباب اختيار هذا القول ، حيث إنّه اقتصر في تفسيره على نقل هذا الكلام عن ابن الأعرابي ، كما أنّ ظاهره في هذا الباب أنّ الثنيّ من المعز ما دخل في الثالثة ، ولكنّه ذكر في باب الهدي أنّ الثنيّ من البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية ، وقال : وجذع الضأن ما له ستّة أشهر (٥).

وفي مجمع البحرين نقل عن المغرب أنّه قال : الجذع من المعز لسنة ، ومن الضأن لثمانية أشهر.

وعن حياة الحيوان : الجذع من الضأن ما له سنة تامّة.

ثم قال : هذا هو الصحيح عند أصحابنا ، وهو الأشهر عند أهل اللغة

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٣١ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٣٧ ، والدروس ١ : ٢٣٥ ، والبيان : ١٧٣ ، والتنقيح الرائع ١ : ٣٠٥.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٣١.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ١٣١.

(٤) مسالك الإفهام ١ : ٣٧٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١٣ و ٣٨١ (الطبع الحجري).

٢٢٩

وغيرهم.

وقيل : ما له ستّة أشهر. وقيل : سبعة. وقيل : ثمانية. وقيل : ابن عشرة ، حكاه القاضي عياض (١). انتهى.

وأرسل بعضهم على ما في الجواهر عن ابن الأعرابي : الأجذاع وقت وليس بسنّ ، فالعناق تجذع لسنة ، وربّما أجذعت قبل تمامها للخصب ، فتسمن فيسرع إجذاعها ، فهي جذعة ، ومن الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستّة أشهر إلى سبعة أشهر ، وإذا كان ابن هرمين أجذع من ثمانين إلى عشرة (٢).

وفي القاموس : أنّه يقال : لولد الشاة في السنة الثانية (٣).

وعن النهاية : أنّه من الضأن ما تمّت له سنة ، وقيل : أقلّ منها (٤).

وعن الأزهري : الجذع من المعز لسنة ، ومن الضأن الثمانية أشهر (٥).

وأمّا الثنيّ من المعز ، فالمنقول عن كثير من اللغويّين تفسيره بما دخل في السنة الثالثة ، ونقل عن بعضهم القول بأنّه من المعز ما له سنة ودخل في السنة الثانية ، كما هو المشهور عند الفقهاء.

وكيف كان فالكلمات في تفسير اللفظين مختلفة ، فيشكل الجزم بشي‌ء منها ، وإن كان الغالب على الظنّ بالنظر إلى بعض الشواهد والمناسبات التي يأتي التنبيه عليها إن شاء الله في باب الهدي ، صحّة ما هو المشهور بين الفقهاء ، من تفسير الجذع من الضأن بما كمل له سبعة

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ٣١٠.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ١٣٢.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ١٢.

(٤) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٦٧ ، وانظر : النهاية لابن الأثير ١ : ٢٥٠.

(٥) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٧.

٢٣٠

أشهر ، والثني من المعز بما دخل في الثانية ، ولكن الاعتماد على مثل هذا الظنّ الغير المستند إلى حجّة معتمدة ، لا يخلو من إشكال.

فالأحوط أن لا يكون الضأن الذي يخرجه في الزكاة ، وكذا في باب الهدي ، أقلّ من سنة ، ولا المعز أقلّ ممّا دخل في الثالثة ، وإن كان الاجتزاء بما كمل سبعة أشهر من الضأن ، وبما دخل في الثانية من المعز في البابين ـ كما هو المشهور ـ أشبه ، إذ بعد البناء على إجمال مفهوم الجذع والثنيّ ، وتردّده بين المعاني المختلفة التي هي من قبيل الأقلّ والأكثر ، وتردّد لفظ الجذع بين كونه اسما للسنّ ، أو أنّه يطلق عليه بعد أن أجذع ـ وهذا ممّا يختلف في موارد ـ وجب الاقتصار ـ في تقييد إطلاق الأمر بإخراج الشاة في زكاة الإبل والغنم فريضة أو جبرا ، وكذا في الهدي ـ على القدر المتيقّن إرادته من الروايات المقيّدة له.

وأمّا ما عن بعضهم من تفسير الجذع بما له ستّة أشهر ، فهو ممّا لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل قول جلّ الفقهاء واللغويّين الذين فسّروه بما له سبعة أشهر فما زاد ، كما لا يخفى.

ودعوى أنّ ورود الإطلاق مورد حكم آخر ـ وهو بيان مقدار الفريضة على سبيل الإجمال ، فمقتضى الأصل وجوب إخراج ما يحصل معه القطع بفراغ الذمّة عن التكليف بأداء فريضة الزكاة الواجبة في حقّه ـ مدفوعة أوّلا بمنع الإهمال في تلك الأدلّة ، وعلى تقدير التسليم ، فالمرجع في مثله أصالة البراءة عن الكلفة الزائدة عمّا علم اشتغال الذمّة بها ، أي اشتراط الفريضة بكونها أعلى سنّا من سبعة أشهر ، كما تقرّر في محلّه.

وأضعف من ذلك دعوى انصراف إطلاق اسم الشاة عمّا لم تستكمل سنة ، فإنّ هذه الدعوى ـ بعد بلوغ الشاة حدّا يقال فيها إنّها عند بلوغها هذا السنّ ينزو ويلقح ، كما هو المشهور في كلمات العلماء

٢٣١

واللغويّين ـ غير مسموعة.

ويتلوه في الضعف دعوى أنّ المنساق ممّا ورد في زكاة الغنم من أنّ في كلّ أربعين شاة شاة إرادة واحدة من النصاب ، كما هو مقتضى القول بتعلّقها بالعين ، فيجب في فريضة الغنم أن تكون ممّا حال عليه الحول ، فكون الجذع مجزئا ، بناء على تفسيره بما كان له سبعة أشهر ، أو ثمانية ، أو تسعة ، تعبّد شرعي من باب دفع البدل ، وهو مخالف للأصل يتوقّف إثباته على ثبوت صدق الجذع على ما لم يكمل السنة ، وهو غير ثابت.

ويدفعها منع الانصراف.

وستعرف أنه تعلّق الزكاة بالعين ليس على وجه ينافيه إرادة الإطلاق من مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «وفي كلّ أربعين شاة شاة».

وبذلك يندفع ما استشكله غير واحد في ما ذهب إليه المشهور من تعلّق الزكاة بالعين ، وأنّ فريضتها الجذع من الضأن ، مع تفسيره له بما كان له سبعة أشهر ، لما (١) بين الأمرين من التدافع ، حتّى أن بعضا منهم لم يجد مخلصا عن هذا الإشكال بعد التزامه بتعلّق الزكاة بالعين إلّا بالالتزام بأحد أمرين : إمّا تخصيص الحكم الثاني بما عدا زكاة الغنم ، أو تفسير الجذع بما استكمل سنة ، مع أنّ تفسير الجذع بما استكمل سنة غير مجد في التفصّي عن هذا الإشكال ، إذ لا خلاف في كفاية ما تمّ له سنة في زكاة أربعين من الغنم ، مع أنّ الأربعين التي تتعلّق بها الزكاة قد يكون جميعها ثنيّة فما فوق ، فما هو الوجه في الاجتزاء بما له سنة عن زكاة الأربعين التي جميعها ثنيّة أو رباعيّة فما فوق ، هو الوجه في الاجتزاء

__________________

(١) في النسخة الخطية زيادة : فيما.

٢٣٢

بالجذع ، بأيّ معنى فسّر في زكاة الأربعين شاة مطلقا ، فلاحظ وتدبر.

(ولا تؤخذ المريضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار).

في المدارك : الهرم أقصى الكبر ، والعوار مثلّثة (١) العيب ، قاله في القاموس (٢).

ثم قال : والحكم بالمنع من أخذ هذه الثلاثة مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنّه لا نعرف فيه خلافا ، واستدلّ عليه بقوله تعالى : «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (٣).

وما رواه الجمهور عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال : «ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس (٤) ، إلّا أن يشاء المصدق» (٥).

وما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار ، إلّا أن يشاء المصدق» (٦).

ومقتضى الروايتين جواز أخذ ذلك إذا أراده المصدق (٧). انتهى.

أقول : ولكن ليس في الخبرين دلالة على أنّه يجوز للمصدّق أن يشاء ذلك على الإطلاق ، فهو مقصور على ما إذا رأى المصلحة في قبوله ، كما

__________________

(١) أي : بالحركات الثلاث في أوّله.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٩٧.

(٣) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٤) تيس : الذكر من المعز. القاموس المحيط ٢ : ٢٠٣.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٠٨٥ و ١٠٨٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٧) مدارك الأحكام ٥ : ٩٤ ـ ٩٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨٥.

٢٣٣

إذا كان ذات العوار التي دفعت إليه أسمن ، أو أعلى قيمة من غيرها ، أو أرادها لنفسه بدلا عن حقّه ، ولا أقلّ من عدم كونه مضرّا بحال المستحقّين.

فما يستشعر من كلام بعض من الالتزام بجوازه للمصدّق مطلقا ، لما في الصحيحة من التعليق على مشيّته ، في غير محلّه.

وقد ورد في ذيل صحيحة أبي بصير ، الواردة في زكاة الإبل ، المتقدّمة في محله أيضا التصريح بأنّه لا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار ، إلّا أن يشاء المصدق ، يعدّ صغيرها وكبيرها (١).

ودلالة هذه الأخبار على المنع عن أخذ المريضة باعتبار اندراجها في ذات عوار ، فإنّ المرض من أظهر مصاديق العيب.

ولو قلنا بخروجها عن مسمّى ذات العوار عرفا ، فيفهم حكمها منها بالفحوى ، مع أنّه لا خلاف فيها على الظاهر ، بل لا يبعد دعوى انصراف إطلاقات الأدلّة عنها.

وورد الصحيحة الاولى (٢) في نصاب الغنم ، والثانية (٣) في الإبل ، غير قادح في الاستدلال بكل منهما ، لاطّراد الحكم في الأنعام ، حتى في البقر الذي هو خارج عن موردهما ، بعد وضوح المناط وعدم القول بالفصل.

وإنّما يمنع من أخذ هذه الثلاثة ـ على ما صرّح به في المدارك (٤)

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

(٢) أي : صحيحة محمد بن قيس.

(٣) أي : صحيحة أبي بصير.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٩٥.

٢٣٤

وغيره (١) ـ إذا كان في النصاب صحيح أو فتى أو سليم من العوار ، وأمّا لو كان كلّه كذلك ، فقد قطع الأصحاب بجواز الأخذ منه ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله.

(وليس للساعي التخيير) إذ ليس له إلّا مطالبة المالك بالخروج عن عهدة الزكاة التي أوجبها الله عليه في ماله ، فإذا دفع إليه المالك شيئا ممّا يندرج في مسمّى الفريضة التي أمره الله بإخراجها من ماله ، ليس له الامتناع من قبوله.

(فإن وقعت المشاحّة) بينهما بأن عيّن المالك فردا من مصاديق الفريضة التي أوجبها الله عليه ، ولم يقبل منه الساعي وكلّفه بفرد آخر من مصاديقها ، فقد تعدّى الساعي عن حده ، وألزمه بما لم يتعيّن عليه شرعا ، فلم يجب على المالك الالتزام به ، حبل له الخيار في تعيين أيّ فرد شاء ، بمقتضى عمومات الأدلّة ، وخصوص الأخبار الواردة في آداب الساعي.

فما (قيل) : من أنّه لدى المشاحّة (يقرع حتى يبقى السنّ التي تجب فيها) ضعيف.

(وأمّا اللواحق)

(فهي : أنّ الزكاة تجب في العين لا في الذمّة) على المشهور ، كما عن المفاتيح وغيره (٢) ، بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد من

__________________

(١) كجواهر الكلام ١٥ : ١٣٥.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ص ١٠٩ ، وانظر : مفاتيح الشرائع ١ : ٢٠٣ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ١٤١.

٢٣٥

أصحابنا ، بل عن غير واحد دعوى إجماعهم عليه (١).

والمراد بوجوبها في العين تعلّقها بها ، ولا وجوب إخراجها منها ، فإنّه يجوز الدفع من مال آخر ، كما ستعرف ، فمعنى وجوبها في العين كون العين هي مورد هذا الحقّ لا الذمّة ، ولذا عبّر بعضهم في فتواه ومعقد إجماعه بلفظ التعلّق كما في عبارة شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ فإنّه قال :الظاهر أنّه لا خلاف بين الإماميّة في تعلّق الزكاة بالعين ، وصرّح في الإيضاح بإجماع الإمامية على ذلك ، وحكى دعوى الوفاق عن غير واحد ، نعم حكى في البيان عن ابن حمزة ، أنّه حكى عن بعض الأصحاب : تعلّقها بالذمّة (٢).

أقول : وربما نسب هذا القول في كلماتهم إلى الشافعي (٣). وعن المعتبر نسبته إلى بعض العامّة (٤).

وفي المدارك قال في شرح عبارة المتن : وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون المال الذي تجب فيه الزكاة حيوانا ، أو غلّة أو أثمانا ، وبهذا التعميم صرّح في المنتهى ، وقال : إنّه قول علمائنا أجمع ، وبه قال أكثر أهل العلم (٥).

ثمّ قال : واستدلّ عليه بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «في أربعين شاة شاة» (٦) «وفي خمس من الإبل شاة» (٧) «وفي ثلاثين من البقر تبيع» (٨) «وفيما سقت

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ١٥ : ١٣٨.

(٢) كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٨٥ ، وانظر : البيان : ١٨٦.

(٣) انظر : المعتبر ٢ : ٥٢٠.

(٤) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٧ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٢٠.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٥٠٥.

(٦) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٧) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٦.

(٨) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

٢٣٦

السماء العشر» (١) «وفي عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال» (٢) وظاهر هذه الألفاظ وجوب الفرض في العين.

وبأنّها لو وجبت في الذمّة ، لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول ، ولم تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط ، ولم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك ، وهذه اللوازم باطلة اتّفاقا ، فكذا الملزوم.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه الكليني ـ في الصحيح ـ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال : «نعم تؤخذ زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» (٣).

وما رواه ابن بابويه ، عن أبي المعزى ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ الله تبارك وتعالى شرّك بين الفقراء والأغنياء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (٤) والشركة إنّما تصدق بالوجوب في العين.

ثمّ قال : وحكى الشهيد في البيان عن ابن حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمة (٥) ، وهذا القول حكاه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر عن بعض العامّة محتجّا على ذلك بأنها لو وجبت في العين ، لكان

__________________

(١) الكافي ١٣ : ٥١٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥ ، الوسائل الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٤) علل الشرائع : ٣٧١ ، الباب ٩٥ ، الحديث ١.

(٥) البيان : ١٨٦.

٢٣٧

للمستحقّ إلزام المالك بالأداء من العين ، ولمنع المالك من التصرّف في النصاب إلّا مع إخراج الفرض.

ثمّ أجاب عن الأوّل بالمنع من الملازمة ، فإنّ الزكاة وجبت جبرا وإرفاقا للفقير ، فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها.

قال : وكذا الجواب عن جواز التصرّف إذا ضمن الزكاة (١). وهو حسن (٢). انتهى ما في المدارك.

أقول : ما ذكروه وجها للقول بتعلّقها بالذمة من أنّها لو كانت متعلّقة بالعين ، لكان للمستحقّ إلزام المالك بالأداء من العين ، ولمنع المالك من التصرّف في النصاب إلّا مع إخراج الفرض ، ففيه : أنّ هذا إنّما يصلح دليلا لنفي تعلّقها بالعين على سبيل الشركة الحقيقيّة بطريق الإشائة لا إثبات تعلّقها بالذمّة ، ولا ملازمة بين الأمرين ، فإنّ تعلّق الزكاة بالعين يتصوّر على أنحاء ، أحدها : أن يكون على سبيل الشركة الحقيقيّة ، بأن يكون للفقير في كلّ جزء منها بالفعل جزء مشاع يكون مجموعه معادلا للفريضة عينا أو قيمة ، كما في غير الجنس.

ومقتضاه على هذا التقدير عدم جواز التصرّف لأحد الشريكين إلّا برضا الآخر ، إلى غير ذلك ممّا هو من أحكام الشركة ، إلّا أن يدلّ دليل تعبّدي على خلافه.

ثانيها : أن يكون حقّ الفقير المتعلّق بالعين من قبيل الكلّي

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٢٠ و ٥٢١.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٩٦ ـ ٩٧.

٢٣٨

الخارجي ، أي : شي‌ء من مسمّى الفريضة الغير الخارج من هذا العين ، كصاع من هذه الصبرة التي هي أربعين صاعا ، أو شاة من أربعين شاة ، على سبيل الإبهام والإجمال من غير تقييده بشي‌ء من عوارضها المشخّصة ، وهذا أيضا نحو من الشركة ، ولكنّها لا تقتضي منع المالك عن التصرّف عمّا زاد عن مقدار الفريضة ، ولكن هذا إنّما يعقل فيما إذا كان مسمّى الفريضة من أجزاء النصاب ، لا في مثل : في خمس من الإبل شاة.

ثالثها : استحقاق الفقير الفريضة التي سمّاها الشارع له من هذا العين ، كاستحقاق غرماء الميّت من تركته حقّهم وإن لم يكن من جنسه ، فالعين حينئذ مورد لهذا الحقّ من غير أن يكون الحقّ متقوّما بها ، فإذا دفع المالك بل الأجنبي مسمّى الفريضة إليه ، فهو بمنزلة ما لو وفي الوارث أو المتبرّع دين الميت الذي تعلّق بعد موته بتركته ، فقد أدّى إليه عين ما يستحقّه لا بدله.

رابعها : أن يكون من قبيل حقّ الجناية ، كما سيأتي احتماله في عبارة الشهيد الآتية (١).

خامسها : أن يكون من قبيل حقّ الرهانة ، كما سيأتي احتماله أيضا في عبارة الشهيد ، ولكن مرجعه إلى التعلّق بالذمّة ، كما لا يخفى.

سادسها : أن يكون حقّ الفقير المتعلّق بالعين من قبيل حقّ من نذر له أن يتصدّق عليه بشي‌ء من ماله ، فهو ما لم يدفعه إلى الفقير بقصد التقرّب لا يخرج عن ملك مالكه ، ولا يدخل في ملك الفقير ، فحقّ الفقير المتعلّق بهذا المال قبل أن يصرف إليه هو استحقاق صرف شي‌ء منه

__________________

(١) تأتي في صفحة ٢٤١.

٢٣٩

إليه ، لا كونه بالفعل مملوكا له.

وملخّص الكلام : أنّ عدم جواز إلزام المالك بالأداء من العين ، ومنعه عن التصرّف في النصاب قبل الإخراج ، لا يدلّ على ثبوتها في ذمّة المالك ، فالقول بتعلّقها بالذمّة مع الغضّ عن مخالفته للإجماعات المحكيّة المستفيضة ، مدفوع : بمخالفته للأصل ، فإنّ مقتضاه : عدم اشتغال ذمّة المالك بشي‌ء عدا ما دلّ عليه [آية] (١) الصدقة وغيرها من أدلّة وجوب الزكاة ، وهي بأسرها ناطقة بأنّ الله تعالى فرض على عباده في أموالهم الصدقة ، وأموالهم عبارة عن الأعيان الخارجيّة المملوكة لهم ، وقد خصّها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بتسعة أصناف ، فوضع الصدقة فيها ، وعفا عمّا سوى ذلك ، وهي كما تراها كادت تكون صريحة في أنّ الزكاة هي صدقة فرضها الله تعالى على العباد في أموالهم الزكويّة ، لا في ذممهم ، فهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه.

وإنما الإشكال في كيفيّة تعلّقها بالمال من أنّه هل هو من باب الشركة ، أو غير ذلك من أنحاء التعلّق ممّا تقدّمت الإشارة إليه.

وقد صرّح العلامة في التذكرة بوجوب الزكاة في العين ، ونسبه في عدة مواضع منها إلى أصحابنا ، بحيث يظهر منه دعوى إجماعهم عليه ، ومع ذلك قال : الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع والهبة وأنواع التصرّفات.

وليس للساعي فسخ البيع ، ولا شي‌ء من ذلك ، لأنه مالك ، فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه.

وتعلّق الزكاة به ليس بمانع ، سواء قلنا : الزكاة تجب في العين أو لا ،

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٢٤٠