مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

ورواية أبي الربيع ، قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل ولّى مال يتيم فاستقرض منه شيئا ، فقال : «إنّ علي بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك» (١).

ورواية منصور الصيقل ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن مال اليتيم يعمل به ، قال : «إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال» (٢).

ورواية البزنطي عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الرجل يكون في يده مال للأيتام فيحتاج إليه ، فيمدّ يده ويأخذه وينوي أن يردّه ، فقال : لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه فهو بالمنزل الذي قال الله تعالى «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً» الآية (٣) (٤).

خلافا للمحكيّ عن الحلّي ، فقال : لا يجوز للولي التصرّف في مال الطفل إلّا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه الى الطفل دون المتصرّف فيه ، وهذا هو الذي تقتضيه أصول المذهب (٥).

وعن المبسوط ، قال : ومن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة : الأب والجدّ

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٢ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٧٦ من أبواب ما يكتسب به ذيل الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧.

(٣) النساء ٤ : ١٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٦ ، الوسائل ، الباب ٧٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٥) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٦ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٤١.

٢١

ووصيّ الأب والجدّ والإمام ومن يأمره الإمام.

ثمّ قال في كل هؤلاء الخمسة : لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه الاحتياط والحظّ للصغير ، لأنّهم إنّما نصبوا لذلك ، فإذا تصرّف فيه على وجه لا حظّ فيه ، كان باطلا ، لأنّه خلاف ما نصب (له) (١) (٢).

انتهى.

وقال شيخنا المرتضى رحمه‌الله ـ بعد أن أورد الأخبار المزبورة ، ثمّ نقل العبارة المحكيّة عن الحلّي والشيخ في المبسوط ـ ما لفظه : ويؤيّد ذلك أنّ نقل المال الى الذمم معرض للتلف بالإعسار ، أو الإنكار ، أو الموت ، أو غير ذلك ممّا يغلب على الاحتمالات القائمة في صورة بقاء العين ، ولذا يظهر من المسالك في باب الرهن : التردّد في جواز اقتراض الولي مال الطفل (٣).

وعن التذكرة : اشتراط جواز الاقتراض بالمصلحة مضافا إلى الولاية والملاءة (٤).

وكيف كان ، فالقول بالمنع ، وإلحاق اقتراض الوليّ لنفسه بإقراضه لغيره ـ الذي اتّفقوا ظاهرا على أنّه لا يجوز إلّا مع المصلحة ـ قويّ ، إلّا أنّ العمل بتلك الأخبار المجوّزة المنجبرة بما حكي لعلّه أقوى (٥). انتهى ، وهو جيّد.

وممّا يؤيّد الجواز أيضا : بعض الأخبار الآتية وغيرها ممّا يدلّ على

__________________

(١) في النسخة المعتمدة في التحقيق والطبع الحجري : (اليه). والصحيح ما أثبتناه من المبسوط.

(٢) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٥٧ ، وانظر : المبسوط ٢ : ٢٠٠.

(٣) المسالك ٤ : ٣٥.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٨١ (الطبع الحجري).

(٥) كتاب الزكاة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٤٥٧.

٢٢

أكل طعامهم وإعطاء عوضه ، وجواز المخالطة والمعاشرة معهم بالتصرّف في أموالهم على وجه لا يترتّب عليه مفسدة ، كما يشعر بذلك ما في بعض تلك الأخبار من الاستشهاد بقوله تعالى «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» (١) (٢).

ومع ذلك كله ، فالأحوط ترك الاقتراض بلا مراعاة مصلحة اليتيم ، ولو بملاحظة وقوعه عوض ما يستحقّه من الأجرة بالقيام بمصالحه وحفظ أمواله ، وإن كان الأظهر ـ بالنظر الى ما مرّ ـ جوازه للولي إذا كان مليّا ولم يترتّب عليه ضرر على اليتيم ، وأمّا مع عدم الملاءة فلا يجوز ، لأنّه في معرض المخاطرة وإن كان الولي حال الاقتراض واثقا من نفسه بالأداء وعازما على الوفاء ولو ببيع داره مثلا ، فإنّ هذا لا يخرجه عن كونه من حيث هو تغريرا بالمال ، إذ قد يبدو له أن لا يبيع مستثنيات الدين.

ويدلّ عليه مضافا الى ذلك : خبر سالم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته ، فقلت : أخي أمرني في أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتّجر به؟ قال : «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه ، وإلّا فلا يتعرّض لمال اليتيم» (٣).

وصحيح ربعي عنه أيضا في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : «إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وان هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٧ ، الوسائل الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٤ ، والكافي ٥ : ١٣١ / ٤ ، والوسائل ، الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، وفي الأخيرين السند هكذا : علي بن أسباط عن أسباط بن سالم.

٢٣

ضامن» (١).

وخبر منصور الصيقل (٢) المتقدم.

والمراد بالملاءة : أن يكون واجدا لمقدار من المال يتمكّن معه من وفاء دينه على تقدير تلف المال الذي استقرضه من اليتيم ، وأدنى ما به يتحقّق ذلك أن يكون له مال محفوظ عنده غير محتاج الى صرفه في مئونته ، باقيا.

عنده ما دام كونه مديونا لليتيم محيطا بمال اليتيم إن تلف ، كما نبه عليه في خبر سالم المتقدّم (٣).

فما عن بعض من تفسير الملاءة : بأن يكون له بمقدار الدين زائدا على المستثنيات في الدين وقوت يومه وليلته (٤) ، لا يخلو من مناقشة ، لأنّ هذا المقدار من المال هو في حد ذاته في معرض الزوال شيئا فشيئا ، فلا يبقى معه التمكن من الوفاء مهما أراد ، فليتأمّل.

وهل يكفي تمكنه من الوفاء لا من حيث الملاءة ، بل من حيث الوجاهة والاعتبار ، أو تمكّنه من تحصيل الحقوق ونحوها؟ وجهان ، أظهرهما العدم ، لخروجه عن مورد النص والفتوى ، مع عدم كون مثل هذا التمكّن مجديا في خروج التصرّف عن كونه تغريرا بالمال ، وكون تركه أصلح بحال اليتيم ، كما لا يخفى.

وهل يعتبر الملاءة في الأب والجد كغيرهما ، أم لا يعتبر فيهما ذلك ، أو

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٥ ، الوسائل ، الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧ ، وتقدم في ص ٢١.

(٣) تقدّم آنفا في ص ٢٣.

(٤) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥٦.

٢٤

في خصوص الأب؟ وجوه.

وفي المدارك بعد أن ذكر اشتراط الملاءة في جواز اقتراض الولي ، قال : واستثنى المتأخّرون من الولي الذي يعتبر ملاءته الأب والجدّ ، فسوغوا لهما اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر ، وهو مشكل (١). انتهى.

أقول : ربّما استدلّوا عليه ببعض الأخبار التي لو تمّت دلالتها ، فهو في صورة احتياج الأب في صرفه الى نفقته ، فالالتزام بجوازه مطلقا حتى لأجل الاتّجار أو إقراض الغير مثلا ، في غاية الإشكال ، والله العالم.

(أمّا لو لم يكن مليّا) واتّجر لنفسه ، (أو لم يكن وليّا) واتّجر كذلك (كان ضامنا) للمال ، بل وكذا لو اتّجر لليتيم مع انتفاء الولاية حتى مع قصد المصلحة ، لأنّ هذا لا يخرج يده عن كونها عادية ، بعد أن لم يكن له الولاية عليه شرعا.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ مقتضى ظاهر الكتاب والسنة جواز التصرّف في مال اليتيم مع المصلحة لكلّ أحد ، وعدم اختصاصه بالوليّ ، كما حكي (٢) عن ظاهر الكفاية وبعض من تأخّر عنه.

وفيه كلام ، مع مخالفته لظاهر كلمات الأصحاب إن لم يكن صريحها ، ولتمام الكلام فيه مقام آخر.

وأمّا ضمان الولي مع عدم الملاءة فيدلّ عليه ـ مضافا الى الأصل ـ المستفيضة المتقدمة الناهية عن التصرّف في ماله مع عدم الملاءة (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٩.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٥٧ ، وانظر كفاية الأحكام للسبزواري : ٣٤ ، وذخيرة المعاد له أيضا ، ص ٤٢٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ و ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٤ و ٩٥٥ ، الوسائل ، الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣ و ٤ ، وتقدّمت في ص ٢٣.

٢٥

(ولليتيم الربح) في جميع هذه الصور ، كما صرّح به في المتن وغيره (١) ، ودلّ عليه جملة من الروايات المتقدمة ، كصحيح الربعي وخبر سعيد السمّان المتقدّمتين ، لتبعيّته للمال ، فهذا ممّا لا إشكال فيه من هذه الجهة.

ولكنّه قد يستشكل فيه بأنّ صيرورة الربح له موقوفة على صحة المعاملة المتعلّقة بماله ، وهي إن كانت صادرة من غير الولي تتوقّف على إجازة الولي ، فربّما لا يجيزها ، إذ الإجازة غير واجبة عليه.

وإن كانت صادرة من الولي بقصد وقوعها لنفسه ـ كما هو المفروض ـ فقد وقعت باطلة ، لعدم كونه مأذونا شرعا في التصرّف بهذا الوجه ، وليست فضوليّة حتى يصحّ أن تلحقها الإجازة منه لليتيم ، إذ لا معنى لإجازة عمل نفسه.

ويمكن التفصّي عن الإشكال : أمّا في تجارة الولي لنفسه بالالتزام بوقوع المعاملة من أصلها صحيحة ، لصدورها من أهلها في محلها ، حيث إنّ للولي أن يبيع هذا العين بهذا الثمن فباعه ، فعليه الوفاء بعقده.

وأمّا قصد وقوع البيع لنفسه ، أو لمن هو وليّ عنه ، فهو خارج عن حقيقة البيع ، ولا مدخليّة له في صحّته المقتضية لصيرورة الثمن ملكا لمن خرج المثمن من ملكه.

ولا ينافي ذلك كون تصرّفه الواقع بهذا الوجه حراما موجبا للضمان ، فإنّ الأب إذا استولى على مال ابنه الصغير على سبيل الاستقلال لا بعنوان الولاية عن ابنه ، خرج عن كونه محسنا ، وصار غاصبا ، فيستحقّ بتصرّفاته (العقاب) (٢) ، ويترتّب عليها الضمان ، ولكنّه لا تزول بذلك

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٨٧ ، المختصر النافع : ٥٣.

(٢) في النسخة الخطية : الإثم ، وما أثبتناه من الطبع الحجري.

٢٦

ولايته وسلطنته على هذا المال ، فإذا باع شيئا من ماله ، وكان البيع في الواقع موافقا لمصلحة الابن ، لم يكن قصد الطغيان والعصيان المؤثّر في صيرورة يده عادية ، مانعا عن قدرته على الوفاء بعقده ، ولا عن قلب يده الى يد حقّة ، بتغيير قصده ، وجعله للابن ، فلا مقتضي لبطلانه وإن كان واقعا على وجه غير مشروع ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وأمّا إذا صدر من غير الولي وظهر له الربح ، فلوجوب إمضائه على الولي ، لأنّ تركه إضرار به عرفا ، فلا يقاس بترك الاكتساب له ، كي يقال : الأصل براءة ذمّته ، بل هو ـ بشهادة العرف ـ تضييع للربح الحاصل لملكه بفعل الغير.

ولعلّ من أجاز التصرّف لكلّ أحد مع المصلحة ، أراد نفوذ تصرّفه في مثل الفرض ، نظرا إلى أنّه متى لم يجز للولي ردّه بعد حصول الربح ، نفذ التصرّف في حقه ، إذ لا يجوز له إبطاله ، فلا يبقى لإجازته أثر ، إلّا أن تكون في حدّ ذاته شرطا تعبّديا ، وهو لا يخلو من بعد فليتأمّل.

هذا كلّه ، مع أنّ القواعد العامّة غير صالحة لمعارضة النصّ الخاص ، فلا وقع لأصل الاستشكال ، بعد الاعتراف بظهور النصّ والفتوى في أنّ الربح لليتيم في الصورتين المفروضتين المستلزم لمضيّ المعاملات المتعلّقة بماله ، الموجبة لحصول الربح شرعا ، من غير توقّفها على إجازة أحد ، فليتأمّل ، ولتمام الكلام في المفروض المتصورة في مثل المقام مقام آخر.

(ولا زكاة هنا) على الظاهر ، أمّا على المتجر فواضح ، لعدم تعلّق التجارة بماله.

ويدلّ عليه أيضا : موثّقة سماعة عن الرجل يكون عنده مال اليتيم يتّجر به ، أيضمنه؟ قال : «نعم» قلت : فعليه زكاة؟ قال : «لا ، لعمري لا

٢٧

أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة» (١).

وأمّا على الصغير ، فلعدم كونه مقصودا بالتجارة حال حصولها ، بل وقعت له لا عن قصد ، أو بإجازة لاحقة من الولي ، بل ومثله خارج عن منصرف أدلّتها ، مع مخالفتها للاحتياط.

(وتستحب الزكاة في غلّات الطفل ومواشيه) على ما في المتن وغيره (٢).

(وقيل : تجب.)

وفي المدارك نسب هذا القول الى الشيخين وأتباعهما (٣) ، بل عن السيّد في ناصريّاته : ذهب أكثر أصحابنا إلى أنّ الإمام يأخذ الصدقة من زرع الطفل وضرعه (٤).

واستدلّ للوجوب : بعموم أدلّة الزكاة في الغلّات والمواشي.

وخصوص صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ ، أنّهما قالا : «مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، فأمّا الغلّات فإنّ عليها الصدقة واجبة» (٥).

والجواب : أمّا عن العمومات ، فبوجوب تخصيصها بالمستفيضة المصرّحة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨ / ٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨٨.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ٢١ ، وانظر : المقنعة : ٢٣٨ ، والنهاية : ١٧٥ ، والمبسوط ١ : ٢٣٤ ، والكافي في الفقه : ١٦٦ ، والمهذب لابن البراج ١ : ١٦٨ ، والغنية لابن زهرة (الجوامع الفقهية) : ٥٦٧.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ٢٥ ، وانظر : المسائل النصارية (الجوامع الفقهية) : ٢٤١ ، المسألة ١٢٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧ ، الإستبصار ٢ : ٣١ / ٩٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٢ ، وفي الكافي والوسائل : (الدين) بدل (العين).

٢٨

بأنّه ليس في مال اليتيم زكاة (١) الحاكمة على تلك العمومات ، وكون النسبة بين الأخبار النافية وبين العمومات المثبتة الواردة في كل نوع نوع من الأجناس ـ كالغلّات والمواشي وغيرهما ـ العموم من وجه ، غير قادح ، بعد ما أشرنا إليه من حكومة تلك الأخبار على الأدلّة المثبتة ، ولذا لا يتوهّم أحد ممّن سمع بهذه الأخبار ، المعارضة بينها.

هذا ، مع أنّه إن أريد بالعمومات الواردة في الغلّات والمواشي الأدلّة المسوقة لبيان الحكم التكليفي الذي يستفاد منها الحكم الوضعي بالالتزام ، فهي مصروفة إلى البالغين بحكم حديث الرفع (٢).

وإن أريد بها ما كان من قبيل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فيما سقته السماء .. العشر» (٣) «وفي كلّ أربعين شاة شاة» (٤) وغير ذلك من الروايات المسوقة لبيان الحكم ، فشمولها الملك الصغير إن كان فبالإطلاق ، لا بالعموم ، ولا يخفى على الناظر فيها أنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر ، فلا يصحّ التمسّك به للمدّعى.

هذا ، مع الغضّ عن قوله ـ عليه‌السلام ـ في موثّقة أبي بصير المتقدمة :«وليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة» (٥) فإنّه نص في

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦ / ٦١ و ٦٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧ و ٨.

(٢) الخصال : ٩٣ ـ ٩٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٢ ، باختلاف يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١١ ، وتقدمت في ص ١٤.

٢٩

المدّعى ، ولا يصلح لمعارضته العمومات كما هو واضح.

وبهذا يظهر الجواب عن الصحيحة ، فإنّها معارضة بهذه الموثّقة ، وهي غير صالحة للمكافئة ، لاعتضاد الموثّقة بالشهرة ، بل عن بعض (١) : نسبة القول بعدم الوجوب الى مذهب الإماميّة وبمخالفة العامة.

مع إمكان الجمع بينهما بحمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ، بل قد يدّعى أنّه لا ظهور للفظ (الوجوب) الواردة في الأخبار على إرادة المعنى المصطلح ، فإنّه كثيرا ما يطلق على مطلق الثبوت ، ولكنّه لا يخلو من نظر.

وكيف كان ، فمقتضى القاعدة الجمع بينهما بحمل الصحيحة على الاستحباب ، كما لعلّه المشهور.

وما عن الشيخ من حمل خبر أبي بصير على إرادة سلب العموم غير المنافي لوجوبها في الغلّات الأربع (٢) ، ففيه ما لا يخفى ، بعد وقوع التصريح فيه بذكر النخل والزرع ، بل قد يشكل الاستحباب أيضا بأنّ احتمال إرادة الاستحباب من الصحيحة ليس بأقوى من احتمال جريها مجرى التقيّة ، وأن يكون المراد بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «أمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» وجوبها في تلك الأزمنة من باب التقية ، حيث إنّ زكاة الغلّات وكذا المواشي كانت ممّا يأخذه منهم ـ بمقتضى العادة ـ عامل السلطان المنصوب من قبله على جباية الصدقات ، فدواعي التقية بالنسبة إليهما كانت قوية ، وهذا بخلاف زكاة النقدين ومال التجارة ، حيث لا يطّلع على مواردها غالبا إلا من بيده المال.

__________________

(١) هو : العلامة الحلّي في نهج الحق وكشف الصدق : ٤٥٦ ، وكما في الجواهر ١٥ : ٢٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠ ذيل الحديث ٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ذيل الحديث ٩١.

٣٠

فمن هنا تردد بعض متأخّري ، المتأخّرين ، أو رجح القول بعدم الاستحباب أيضا ، وهو أيضا لا يخلو من إشكال ، فالحكم موقع تردّد وإن كان الحكم بالاستحباب جمعا بين الأدلّة ، كما هو المشهور ، أشبه بالقواعد ، ولكن الترك أحوط.

هذا بالنسبة إلى غلّاته ، وأمّا مواشيه فلم يدلّ دليل على وجوب الزكاة فيها عدا العمومات التي عرفت حالها ، ولا على استحبابها عدا ما قد يدعى من عدم القول بالفصل بينها وبين الغلّات ، وهو أيضا غير ثابت ، ولذا مال جماعة من متأخّري المتأخّرين ـ على ما حكي (١) عنهم ـ الى القول بالعدم ، والله العالم.

(وكيف) ما (قلنا) من الوجوب والاستحباب في الموضع الذي التزمنا بشرعيّتها فيه (فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه) لأنّه هو الذي له ولاية التصرّف في ماله ، فعليه الخروج عن عهدة هذا الحقّ كغيره من الحقوق المتعلقة بماله ، مضافا الى دلالة بعض النصوص السابقة عليه.

(وقيل) بل ربما نسب إلى الأكثر بل المشهور (٢) (حكم المجنون حكم الطفل) في جميع ما تقدّم حتى في استحباب الزكاة في غلاته ومواشيه ، أو وجوبها على القول به فيهما ، ولم نقف على دليل يعتدّ به على التسوية ، بل عن المصنّف في المعتبر بعد أن نقل عن الشيخين القول بمساواة المجنون للطفل في وجوب الزكاة في غلّاته ومواشيه ، مطالبتهما بدليل ذلك ، والتعريض عليهما بكونه قياسا مع الفارق (٣).

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري كما في كتاب الزكاة : ٤٦٠.

(٢) نسبه الى الأكثر بل المشهور صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٨٨ و ٤٨٩.

٣١

(و) كيف كان فـ (الأصحّ) كما اعترف به غير واحد من المتأخّرين وفاقا للمصنّف رحمه‌الله : (أنّه لا زكاة في ماله ، إلّا في الصامت ، إذا اتّجر له الولي استحبابا) كما يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : امرأة من أهلها مختلطة ، أعليها زكاة؟ فقال : «إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن كان لم يعمل به فلا» (١).

وخبر موسى بن بكير ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليه زكاة؟ قال : «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة» (٢).

وهذان الخبران وإن كان ظاهرهما الوجوب ، ولكن يتعيّن حملهما على الاستحباب ، جمعا بينهما وبين غيرهما ممّا تقدّمت الإشارة إليه في مال الطفل.

ثمّ إنّ المنساق من الخبرين خصوصا ثانيهما ورودهما في المال الصامت ، فاستفادة نفي الزكاة في مواشيه وغلّاته ما لم يتّجر بهما من إطلاق هذين الخبرين ، لا يخلو من نظر.

فعمدة المستند لذلك هو الأصل بعد قصور أدلّة الزكاة عن شمول مال المجنون ، لأنّ ما كان منها مسوقا لبيان الحكم التكليفي الدالّ على الحكم الوضعي بالالتزام ، فهو مخصوص بالعاقلين بحكم حديث رفع القلم عن المجنون حتى يفيق (٣) وما كان من قبيل الخطاب الوضعي من مثل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠ ـ ٣١ / ٧٦ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٢.

(٣) الخصال : ٩٣ ـ ٩٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١١.

٣٢

قوله : «فيما سقته السماء .. العشر» (١) ونظائره ، فإطلاقه وارد مورد حكم آخر ، لا يصحّ التمسّك به لإثباتها على المجنون ، كما تقدم التنبيه عليه في الفرع السابق ، فليتأمّل.

ثمّ إن ظاهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ، وكذا المنساق من الخبرين المتقدّمين : أنّ العقل كالبلوغ والحرية والتمكّن من التصرّف من شرائط تعلّق الزكاة بالمال ، فمال المجنون كمال الصبي والمملوك والمال الغائب والدين والمفقود ، خارج عن موضوع هذا الحكم ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين كون الجنون إطباقيا أو أدواريا ، فمتى عرضه الجنون ، خرج ماله عن الموضوع الذي وجبت الزكاة فيه ، كما يفصح عن ذلك إطلاق حكمهم بنفي الزكاة في مال المجنون من غير تعرّض في كلمات من تقدم على العلّامة ـ على ما قيل (٢) ـ للمطبق والأدواري.

وتصريح العلّامة في تذكرته ومحكي نهايته : بأنّه لو كان الجنون يعتوره أدوارا ، اشتراط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه ، سقط واستأنف من حين عوده (٣).

نعم فرّق بينهما في المدارك ، فقال ما لفظه : إنّما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق ، وأمّا ذو الأدوار فالأقرب تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة ، إذ لا مانع من توجّه الخطاب إليه في تلك الحال.

ثمّ نقل قول العلّامة في التذكرة كما نقلناه. وأورد عليه بأنّه مشكل ، لعدم الظفر بما يدل على مدّعاه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٢ ، باختلاف يسير.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ٢٩.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٢٩ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ، ٥ : ١٦ ، ونهاية الأحكام ٢ : ٣٠٠.

٣٣

ثمّ نقل عنه أيضا أنّه قال : وتجب الزكاة على الساهي والنائم والمغفل دون المغمى عليه ، لأنّه تكليف وليس من أهله.

واعترض عليه بما لفظه : وفي الفرق نظر ، فإنّه إن أراد أنّ المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الإغماء ، فمسلّم ، لكن النائم كذلك.

وإن أراد كون الإغماء مقتضيا لانقطاع الحول وسقوط الزكاة ، كما ذكره في ذوي الأدوار ، طولب بدليله.

وبالجملة فالمتّجه مساواة الإغماء للنوم ، وتحقّق التكليف بالزكاة بعد زوالهما ، كما في غيرها من التكاليف ، وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك في أثنائه (١). انتهى.

أقول : إن كان مستند الحكم بنفي الزكاة في مال المجنون عدم أهليّته لتوجّه الخطاب إليه بأدائها ، كما هو مقتضى استدلالهم له بحديث رفع القلم ، لتوجّه عليهم الاعتراض بأنّ هذا إنّما هو في حال جنونه ، وأمّا بعد إفاقته فلا مانع من أن يخاطب بتزكية أمواله ، كما في النائم بعد أن استيقظ.

ولا يختصّ هذا الاعتراض بذي الأدوار ، بل في الإطباقي أيضا إذا أفاق يصحّ أن يتوجّه اليه الخطاب بتزكية أمواله التي مضى عليه الحول فيما مضى ، وكذلك الصبي بعد بلوغه ، فهذا يكشف عن عدم تمامية هذا الدليل ، ولذا ناقشنا في الاستدلال به على نفي الزكاة في مال الصبي والمجنون ، وإنّما العمدة في ذلك الأخبار الدالّة عليه ، وعدم الخلاف فيه في الجملة بين الأصحاب ، وقصور أدلّة الزكاة عن إثبات تعلّقها بمال غير البالغ والمجنون ، فلا وجه للتفصيل بين الجنون الإطباقي والأدواري ، إلّا

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٦.

٣٤

أن يدّعى خروج الأدواري عن منصرف أدلّته ، فعلى هذا لا يتفاوت الحال بين أن يكون وقت جنونه أوان تعلّق الزكاة بماله ـ وهو وقت انعقاد الحبّ في الزرع ، واصفرار التمر أو احمراره في النخل مثلا ـ أو في سائر الأوقات ، وكذا بالنسبة الى ما يعتبر فيه الحول بين ابتداء الحول وبين انتهائه ، بل ولا بين ما لو كانت عادته أن يجنّ سنة كاملة ويفيق سنة في أنّه يجب عليه بعد إفاقته أن يؤدّي الزكاة التي تعلّقت بماله ولو في حال جنونه ، إذ المفروض عدم كون مثل هذا الجنون مانعا عن تعلّق الزكاة بماله وإن كان معذورا في أدائها حال جنونه كالنائم ، وهذا ممّا لا يلتزم به المفصّل المزبور على ما يظهر من دليله.

إن قلت : إذا كان جنونه مستوعبا لتمام الحول ، وحاصلا حال تعلّق الوجوب بالمال ، لا تتناوله عمومات أدلّة الزكاة بالتقريب الذي عرفته آنفا.

قلت : فعلى هذا ليس المدار على كون جنونه أدواريا أو إطباقيا ، بل على كونه مجنونا حال تعلّق الوجوب بماله ، وهذا بالنسبة إلى مثل الزرع والنخل ممّا لا يعتبر فيه الحول ، ممّا لا كلام فيه ، وبالنسبة الى ما يعتبر فيه الحول ، مرجعه الى دعوى عدم اعتبار استمرار كمال العقل في تمام الحول ، بل عند حؤول الحول ، فلا يتفاوت حينئذ بين الإطباقي والأدواري أيضا في أنّ كلا منهما لو أفاق آخر السنة عند انقضاء الحول ، وجبت الزكاة في ماله.

فتلخّص ممّا ذكر : أنّه لا فرق في الجنون بين الإطباقي والأدواري في أنّه ليس في ماله زكاة ، وأمّا أنّه بعد إفاقته هل يكفي حؤول الحول أم يعتبر استئنافه؟ فهو كلام آخر.

والظاهر تسالمهم على اعتبار استئناف الحول ، كما سيأتي لذلك مزيد

٣٥

توضيح في مسألة اشتراط التمكّن من التصرّف.

وقد ظهر بما ذكر ضعف مقايسة المغمى عليه بالجنون ، إذ لا دليل على كون الإغماء مانعا عن تعلّق الزكاة بماله ، فهو كالنوم غير مانع عن ذلك ، والله العالم.

(والمملوك لا تجب عليه الزكاة ، سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك) مطلقا أو في الجملة على الخلاف المذكور في محله.

أمّا على القول بعدم الملك ـ كما نسب الى المشهور (١) ـ فواضح ، بل يخرج حينئذ عن الموضوع بقيد اعتبار ملكية النصاب ، كما فعله في محكي الغنية (٢).

وأمّا على القول بأنّه يملك ـ كما لعلّه الأصحّ ـ فلحسنة عبد الله بن سنان أو صحيحته عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» (٣).

وصحيحته الأخرى عنه أيضا ، قال : سأله رجل ـ وأنا حاضر ـ عن مال المملوك أعليه زكاة؟ قال : «لا ، ولو كان له ألف ألف درهم ، ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شي‌ء» (٤).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال قلت : لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر ، فيقول : أحللني من

__________________

(١) الناسب هو : الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٦٠.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٦٠ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٤) الفقهية ٢ : ١٩ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٣.

٣٦

ضربي إيّاك ، أو من كل ما كان منّي إليك ، أو ممّا أخفتك وأرهبتك ، فيحلّله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثمّ إنّ المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها ، فحلال هي؟ قال : «لا» فقلت : أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال : «ليس هذا ذاك» ثمّ قال : «فليردّها له ، فإنّها لا تحلّ له ، فإنّه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة» فقلت : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول؟ قال : «لا ، إلّا أن يعمل له بها ، ولا يعطي العبد من الزكاة شيئا» (١) وغير ذلك ممّا سيأتي نقله.

فما عن المعتبر والمنتهى وإيضاح النافع : من وجوب الزكاة على تقدير الملك (٢) ، ضعيف.

واستدلّ أيضا لعدم الوجوب على فرض الملكية بعدم تمكّنه من التصرّف ، للحجر عليه ، وبنقص ملكه ، لأنّ للمولى انتزاعه منه متى شاء إجماعا ، كما عن المختلف وغيره (٣) نقله.

وأجيب (٤) عن الأوّل : بمنع عدم التمكّن من التصرّف ، بل له التصرّف كيف شاء على تقدير الملكيّة ، كما نصّ عليه في محكي المعتبر (٥).

وأورد (٦) على هذا الجواب : بأنّه إنّما يستقيم لو وجد القول بالملكية

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٢٥ / ٨٠٨ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٦.

(٢) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٦٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٨٩ ، ومنتهى المطلب : ٤٧٢.

(٣) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٦٠ ، وانظر : المختلف ٣ : ٢٩ ، المسألة ٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٦ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٢٨.

(٤) المجيب هو : الشيخ الأنصاري. انظر : كتاب الزكاة : ٤٦٠.

(٥) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٦٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٨٩.

(٦) المورد هو : الشيخ الأنصاري. انظر : كتاب الزكاة : ٤٦٠.

٣٧

على هذا الوجه وهو منتف ، للإجماع على الحجر عليه ولو ملك.

أقول : بعد أن كان جلّ القائلين بالحجر ، لولا كلّهم ، يقولون بعدم الملكيّة ، يشكل استكشاف هذا الإجماع التقديري من مقالتهم ، والاعتماد عليه في استكشاف رأي الحجّة ـ عليه‌السلام ـ ، كما لا يخفى ، مع أنّه إن تمّ فهو إذا لم يكن مولاه فوّض أمره إليه وصرفه فيه.

وعن الثاني : بمنع كون هذا التزلزل مانعا عن وجوب الزكاة كالمبيع في زمن (خيار البائع) (١) وسائر الأموال المنتقلة بالعقود الجائزة ، فعمدة المستند هي الروايات المزبورة الدالّة بظاهرها ـ خصوصا أولاها ـ على أنّ مال المملوك من حيث هو كمال الصغير والمجنون ليس متعلّقا للزكاة.

(و) مقتضى ذلك أنّه (لو ملّكه سيّده مالا وصرفه فيه) أيضا (لم تجب عليه الزكاة) بل هذا هو أظهر أفراد مال المملوك الذي يتناوله عموم النصوص ، بل لعلّه هو المنساق الى الذهن من مورد الموثّقة (٢).

فما عن المحقّق الأردبيلي والقطيفي من وجوب الزكاة عليه في ماله الذي رفع مولاه الحجر عنه وصرفه فيه (٣) ، ضعيف.

وأما خبر عليّ بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه» (٤) فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله ، فإن ظاهره كون تعلّق الزكاة بماله موقوفا على إذن مواليه ، وهذا ممّا لم ينقل القول به عن أحد.

__________________

(١) في الطبع الحجري بدل ما بين القوسين : (الخيار).

(٢) أي : موثقة إسحاق بن عمّار.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٣١ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٨.

(٤) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٣.

٣٨

ويحتمل قويّا وروده في العبد المأذون في التجارة ، إذ ليس فيه تصريح بأنّه ليس في ماله زكاة ، فلا يبعد أن يكون المراد به نفي الزكاة عليه فيما في يده من أموال مواليه ، كما هو الغالب المناسب لاعتبار إذنهم في ثبوتها عليه.

ويحتمل أيضا الاستحباب ، كما ذكره في الوسائل (١) ، وتعليقها على إذن مواليه يصلح أن يكون قرينة لذلك أيضا ، فإنّه لا يخلو من مناسبة ، بخلاف الوجوب ، كما لا يخفى.

(و) كيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا ضعف ما (قيل) من أنّ العبد (يملّك ويجب عليه الزكاة) أخذا بعموم أدلّتها غير الناهض لمعارضة النصوص الخاصّة المتقدّمة.

هذا ، مع شذوذ هذا القول ، بل عدم معروفية القائل به صريحا ، على ما اعترف به في الجواهر (٢) ، عدا أنّه استظهر ذلك من الوسيلة حيث لم يذكر الحرية هنا من الشرائط منضمّا الى ما يظهر منها في باب العتق من أنّه يملّك (٣).

(وقيل) بل نسب (٤) الى المشهور : أنّه (لا يملّك) مطلقا (والزكاة على مولاه) بل عن المنتهى (٥) نسبته إلى أصحابنا.

وعن ظاهر بعض (٦) : القول بوجوب الزكاة على مولاه مطلقا ، سواء

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، ذيل الحديث ٢.

(٢) الجواهر ١٥ : ٣٢.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٣٢ ، وانظر : الوسيلة : ٣٤١.

(٤) نسبه الى المشهور : صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٢.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ٣٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٧٣.

(٦) نسبه الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٦٠ ، إلى ظاهر المحكي عن القواعد والتحرير. وانظر : قواعد الأحكام : ٥١ ، وتحرير الأحكام ١ : ٥٧.

٣٩

قلنا بأنّه يملّك أم لا يملّك.

وقيل (١) في توجيهه : بأنّه مال مملوك لأحدهما ، فلا تسقط زكاته عنهما معا ، ولأنه مال مستجمع لشرائط الزكاة ، فإذا لم يجب على المملوك وجب على السيد ، ولأنّ المولى لمّا كان له انتزاعه من يده متى شاء كان كمال في يد وكيله.

وفي الجميع ما لا يخفى ، فالقول بوجوب الزكاة على مولاه ـ ولو على القول بأنّه يملّك على تقدير وجود قائل به ـ في غاية السقوط.

نعم ، على القول بأنّه لا يملّك ، قد يتّجه وجوب الزكاة على مولاه بأنّه مال مملوك له في يد عبده قادر على التصرّف فيه وانتزاعه منه ، فعليه زكاته بمقتضى عموم أدلّتها.

وربّما يؤيّده أيضا خصوص رواية علي بن جعفر المتقدّمة ، المعلّقة وجوبها على العبد على إذن مواليه (٢).

ولكن قد ينافيه ظهور حسنة ابن سنان ـ المتقدّمة (٣) ـ في أنّ مال العبد ليس موردا للزكاة ، كي يجب عليه أو على مولاه أداؤها ، ومن الواضح عدم إرادة السالبة بانتفاء الموضوع من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في مال العبد شي‌ء» بل المراد به نفي تعلّق شي‌ء من الزكاة بالمال المنسوب الى العبد عرفا ، مثل المال الذي وهبه مولاه أو أجنبيّ للعبد على وجه قطع علاقته عنه ، بحيث لو سئل في العرف ، يقال : هذا مال هذا العبد ، ولا دخل له بمولاه.

__________________

(١) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٦٠.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٣ ، وتقدمت في ص ٣٨.

(٣) تقدّمت في ص ٣٦.

٤٠