مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

الإبل ، والبقر ، والغنم ، فليس فيها شي‌ء ، حتى يحول عليها الحول» (١).

وفي خبر ثالث لزرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «لا يزكّى من الإبل والبقر والغنم إلّا ما حال عليه الحول ، وما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» (٢) فهذه قرينة على أنّ المراد بمثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في كلّ أربعين شاة شاة ، وفي كلّ ثلاثين بقرة تبيع ، وفي أربعين مسنّة ، وفي كلّ خمس من الإبل شاة» وغير ذلك ممّا ورد في النصب ، إنّما هي الإبل والبقر والغنم التي قد حال عليها الحول ، وإلّا فليس في شي‌ء منها شي‌ء.

فما ذكرناه في السؤال من أنّه إذا زادت في أثناء الحول واحدة على الخمس والثلاثين اندرجت من حين الزيادة في الموضوع الذي وجب فيه ابنة لبون ، معلّقا على أن يحول عليها الحول ، لا يخلو من مغالطة ، فإنّها قبل أن يحول عليها الحول حالها حال العوامل والمعلوفة التي ليس فيها شي‌ء لا منجّزا ولا معلّقا على حصول شرط ، وإنّما تندرج في الموضوع الذي وضع عليه الزكاة بعد أن حال عليها الحول ، فإذا كان عنده ثلاثون بقرة مثلا ، فولدت بعد ستّة أشهر إحدى عشرة ، فعند تمام حول الأمّهات تجب فريضتها وهي : تبيع وتبيعة ، ثمّ لا يجب فيها شي‌ء حتى يحول عليها حول آخر ، لا مستقلّة ولا منضمّة إلى السخال ، إذ المال لا يزكّى من وجهين في عام واحد ، فإذا حال عليها حول آخر تعلّقت الزكاة بها ، وفريضتها في هذه السنة مسنّة ، لأنّها بانضمامها إلى السخال قد بلغت أربعين ، فإذا بلغت أربعين وقد حال عليها الحول ففيها مسنّة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٢٢ / ٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٣ / ١٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٤ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

١٨١

وأمّا السخال فلا استقلال لها بالتأثير في إيجاب شي‌ء ، أمّا قبل حؤول حولها فواضح ، وأمّا بعده ، فلأنّ إحدى عشرة بنفسها لم يوضع عليها زكاة ، بل على العدد الذي صارت الإحدى عشرة مكمّلة له ، أي :الأربعين ، فما لم يتمّ شرط تأثير الأربعين في إيجاب فريضته وهو حؤول الحول على جميع أجزائه ، امتنع أن يتحقّق مسببه وهو : وجوب مسنّة ، وليس لأجزائه استقلال بالتأثير ، كي يقال : عند حؤول حول السخال قد وجبت بمقدارها ، وهي أحد عشر جزءا من أربعين جزءا [من] (١) مسنّة ، والباقي عند تمام حول الأمهات.

وما في كلمات بعض من التعبير بربع مسنّة للسخال ، وثلاثة أرباع للأمّهات ، مسامحة.

وكيف كان ، فالقول بتوزيع الفريضة على أجزاء النصاب بالإضافة إلى كلّ جزء قد تمّ حوله ، ضعيف ، لأنّه تعد عن ظواهر أدلّتها بلا مقتض ، بل لعلّ قول أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «ليس في النيّف شي‌ء حتى يبلغ ما يجب فيه واحد ، ولا في الصدقة والزكاة كسور ، ولا يكون شاة ونصف ، ولا بعير ونصف ، ولا خمسة دراهم ونصف ، ولا دينار ونصف ، ولكن يؤخذ الواحد ويطرح ما سوى ذلك حتى يبلغ ما يؤخذ منه واحد ، فيؤخذ من جميع ماله» (٢) الحديث ، سيق لدفع مثل هذه التوهّمات ، فليتأمّل.

وقد تلخّص ممّا ذكر : أنّه إنّما يكون للسخال حول بانفرادها إذا

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) علل الشرائع : ٣٧٤ ، الباب ١٠٣ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

١٨٢

استقلّت بالسببيّة لإيجاب فريضة ، أي : إذا كانت بنفسها نصابا مستقلا ، سواء لوحظت منفردة أو منضمة إلى الأمّهات ، كما لو كان عنده خمس من الإبل فولدت خمسا ، أو أربعون من البقر فولدت ثلاثين أو أربعين ، وكذا لو كان عنده خمس من الإبل ، فملك بعد ستّة أشهر مثلا ستّا وعشرين ، فإنّ الستّ والعشرين نصاب مستقلّ ، سواء انضمّ إليها النصاب الأوّل ، أي : الخمس ، أم لا ، ولكن النصاب الأوّل في هذه الصورة لدى ملاحظته منضمّا إلى الثاني يخرج عن كونه نصابا ويصير عفوا.

ولكنّك قد عرفت آنفا أنّ هذا لا يقدح في استقلال الأمّهات بحولها ، حيث إنّه يحول قبل أن تندرج السخال فيما وضع عليها زكاة ، بل كانت كأنها لم تكن ، ولكن هذا إنّما هو في العام الأوّل ، وأمّا في السنة الثانية فلا أثر لنصاب الأمّهات ، لأنّ الخمس مع الستّ والعشرين الجامع لشرائط الزكاة ليست بنصاب ، بل عفو.

وكونه قبل اجتماع شرائط الزكاة في الست والعشرين سببا ، لا يقتضي بقاءه على سببيّته بعد انضمامه إلى الستّ والعشرين التي قد دلّ الدليل على أنّ فيها إلى أن تبلغ ستّا وثلاثين ليس إلّا ابنة مخاض.

واستقلاله بالسببيّة قبل أن يتحقّق موضوع هذا الحكم لا يجعله موضوعا مستقلا خارجا عن مصداق قولنا : إنّ هذا الشخص مالك لإحدى وثلاثين بعيرا قد حال الحول على ستّ وعشرين منها جامعة لشرائط النصاب ، وكلّ من كان كذلك لا تجب عليه إلّا زكاة الستّ والعشرين ، وما زاد عليه ما لم يبلغ ستّا وثلاثين في حقّ هذا الشخص ملغى لم يوضع عليه زكاة ، سواء حال عليه حول أم لا.

فالقول ببقاء نصاب الأمّهات على استقلاله دائما كما قد يوهمه إطلاق

١٨٣

قولهم : لكل منهما حول بانفراده ، في بادئ الرأي ضعيف.

بقي الكلام فيما إذا كان كل من السخال والأمّهات مع الانفراد نصابا ، ومع الانضمام مكمّلة لنصاب آخر ، كما لو كان عنده ستّ وثلاثون من الإبل ، فملك بعد ستّة أشهر سبعا وعشرين ، أو إحدى عشرة ، أو سبعا وأربعين إلى غير ذلك من الأمثلة ، فهل يستقلّ حينئذ كل منهما بحوله ، أو ينعقد للمجموع بعد نصاب الأمّهات حول؟ وجهان :من أنّ انضمام كل إلى الآخر إنّما يصلح مانعا عن تأثير كل جزء في إيجاب فريضته لدى جامعيّة الكلّ لشرائط التأثير في إيجاب فريضته ، فإذا حال الحول على جزء بالغ في حدّ ذاته حدّ النصاب ، فلا يصلح جزئيته لنصاب آخر لم يحل الحول عليه ، مانعا عن تأثير هذا الجزء في إيجاب فريضته.

ومن أنّه متى اندرج الكلّ تحت نصاب آخر انحصر فريضته فيما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب.

فمن ملك ستّا وثلاثين من الإبل ، فزكاة ماله لدى تمام حوله ابنة لبون ، ولم يجعل الشارع في هذا العدد ابنة مخاض وشاتين ، أو سبع شياه أبدا.

وكذا من ملك ستّا وأربعين ، لم يجعل فيها ابنة مخاض وأربع شياه ، أو ابنة لبون وشاة أو شاتين ، وهكذا في سائر النصب ، فلم يجعل الشارع لأبعاضها فريضة غير فريضة الكلّ.

فكما أنّه لو ملك بعد الستّ والعشرين خمسا ، يقع الخمس عفوا ، ولا يؤثّر عند حؤول حولها في إيجاب شاة ، فكذلك لو ملك عشرا لا يؤثّر في إيجاب شاتين ، بل يقع مكمّلة لنصاب آخر للأمّهات ، وهذا هو الأوجه.

١٨٤

وإنّما التزمنا في العام الأوّل ببقاء حول الأمّهات بحاله ، بدعوى أنّه يفهم من قول الشارع بعد بيان النصب ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول فلا شي‌ء عليه ، أنّ المراد بالأعداد التي وضعت الزكاة عليها هي الأعداد التي قد حال الحول عليها ، فالسخال قبل أن يحول الحول عليها حيث جعلها الشارع كأن لم تكن ، لا تصلح للمانعيّة عن تأثير عدد الأمّهات في إيجاب فريضتها عند حؤول حولها ، وأمّا عند تمام حول السخال فقد حال الحول على الجميع ، ولكن لم نلتزم بتأثيره في إيجاب فريضته التي جعلها الشارع فريضة لهذا العدد ، لاستلزامه أن يزكّى بعض هذا النصاب في عام من وجهين.

وهذا الدليل لا يقتضي إلّا صرف الحكم عن هذا الموضوع حتى يحول عليه حول آخر بعد حول الأمّهات ، لا التصرّف في موضوعه ، كيف ولو قلنا : بسببيّة أبعاض كلّ نصاب لإيجاب فريضة عند تمام حولها قبل حول المجموع ، للزم تنزيل إطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون» (١).

وكذا قوله ـ عليه‌السلام ـ في الغنم : «فإذا تمّت أربعمائة ففي كلّ مائة شاة» (٢).

وكذا ما ورد في سائر نصب الإبل من أنّها إذا بلغت إحدى وستّين فكذا ، وخمسا وسبعين فكذا ، وإحدى وتسعين فكذا (٣) أو غير ذلك على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ١ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) المصادر في الهامش (١) من هذه الصفحة.

١٨٥

فروض نادرة التحقّق ، وهي ما لو دخلت الجميع في ملكه دفعة بشرائط النصاب ، وإلّا فلو ملكها تدريجا ، كما هو الغالب ، استقلّ كلّ بعض بفريضته عند تمام حوله ، فلو ملك في كلّ يوم أو أسبوع أو شهر خمسا أو ستّا أو عشرا إلى خمس وعشرين حتى اجتمع عنده ألف أو ألفان من الإبل ، لم يكن فريضتها على هذا في تمام عمره إلّا شياه ، يوما فيوما على التدريج ، وهذا ممّا يقطع بعدم إرادته من أخبار الباب ، وبمخالفته لما كان يؤمر باستعماله عامل ، كما لا يخفى على من لاحظ أخبارها.

(ولو حال الحول فتلف من النصاب شي‌ء ، فإن فرّط المالك) ولو بتأخير الأداء مع التمكّن منه بلا مسوّغ شرعي (ضمن ، وإن لم يكن فرّط ، سقط من الفريضة بنسبة التالف [من النصاب] (١)) بلا خلاف ولا إشكال في ذلك كله ، كما صرّح به في الجواهر (٢) ، لما ستعرف من تعلّق الزكاة بالعين ، فهي بعد حؤول الحول بمنزلة الأمانة عنده ، فيجري عليها أحكامها.

ولو تلف النصاب كله بلا تفريط ، سقط الكلّ ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ المرسل عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في الرجل يكون له إبل ، أو بقر ، أو غنم ، أو متاع ، فيحول عليه الحول ، فتموت الإبل والبقر والغنم ويحترق المتاع ، قال : «ليس عليه شي‌ء» (٣).

(وإذا ارتدّ المسلم) عن فطرة (قبل الحول ، لم تجب الزكاة) لانقطاع الملك وانتقاله إلى ورثته (واستأنف ورثته الحول) من حين

__________________

(١) أثبتناها من المصدر.

(٢) الجواهر ١٥ : ١٠٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

١٨٦

وصوله إليهم ، وتمكّنهم من التصرّف فيه ، لا مطلقا ، كما عرفت فيما سبق.

(وإن كان) الارتداد (بعده ، وجبت) الزكاة في ماله ، فعلى من يستولي عليه من الوارث أو غيره إخراجها.

(وإن لم يكن عن فطرة ، لم ينقطع الحول ، ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا).

ولكنّك قد عرفت فيما سبق أنّه لا يصحّ منه أداؤها ما دام باقيا على كفره ، على تردّد فيما إذا لم يكن مانعا عن قصد التقرّب بأدائها ، فراجع.

(الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل) ولو في بعض الحول (فإنه ليس في العوامل زكاة ولو كانت سائمة) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافّة إلّا من شذ من العامّة (١).

ويدلّ عليه أخبار معتبرة مستفيضة ، منها : قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة الفضلاء بعد بيان نصب الإبل ، وكذا بعد ذكر نصاب البقر :«ليس على العوامل شي‌ء» (٢).

وفي موثّقة زرارة عن أحدهما : «وكلّ شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن (٣) ، والعوامل ، فليس فيها شي‌ء» (٤).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، معاني الأخبار : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٢١ / ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) هي جمع داجن وهي ، الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. النهاية لابن الأثير ٢ : ١٠٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٤ / ٦٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٦.

١٨٧

ولا يعارضها موثّقة إسحاق بن عمّار المضمرة ، قال : سألته عن الإبل تكون للجمّال ، أو تكون في بعض الأمصار ، أيجري عليها الزكاة ، كما يجري على السائمة في البرّيّة؟ فقال : «نعم» (١).

ونحوها رواية أخرى له مسندة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ (٢).

ورواية ثالثة له ، قال : سألت أبا إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال : «نعم عليها زكاة» (٣) ، لقصورها عن المكافئة.

وفي الوسائل نقل عن الشيخ : أنّه أجاب عنها بأنّ الأصل في هذه الأحاديث إسحاق بن عمّار ، يعني أنّها حديث واحد ، فلا تعارض الأحاديث الكثيرة. ثمّ حملها على الاستحباب. ثمّ قال : ويحتمل الحمل على التقيّة (٤).

أقول : ولكن حملها على الاستحباب أشبه.

ثمّ إنّ الكلام في صدق العوامل ـ على ما صرّح به في الجواهر (٥) وغيره (٦) ـ كالكلام في السائمة ، حتّى أنّ خلاف الشيخ هناك في اعتبار الأغلب آت هنا.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤ / ٦٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٢ / ١٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤ / ٦٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، ذيل الحديث ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٢ / ١٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤ / ٦٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٨.

(٤) الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، ذيل الحديث ٨ ، وانظر : التهذيب ٤ : ٤٢ ذيل الحديث ١٠٧ ، والاستبصار ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ذيل الحديث ٦٩.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ١١١.

(٦) ككفاية الأحكام : ٣٦.

١٨٨

وفي الحدائق نقل عن الشهيد في البيان أنّه قال : والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم.

ثمّ قال : وقد صرّح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه : باعتبار الأغلب هنا كما ذكره ثمّة (١).

أقول : إحالة اتّصافها بكونها عاملة على العرف هاهنا أوضح من مسألة السوم التي قيل فيها بكون العلف يوما أو يومين منافيا له ، ضرورة عدم كون استعمال الإبل يوما أو يومين على إطلاقه ما لم تكن معدّة لذلك ، مصحّحا لا تصافها بكونها عاملة على الإطلاق ، فالمدار على اتّصافها بهذا الوصف عرفا ، فمتى أطلق عليها هذا الاسم ، خرج عمّا وضع عليها الزكاة ، وانقطع به الحول.

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره ، بل صريح جماعة : عدم اعتبار أمر آخر غير ما ذكر ، خلافا للمحكي عن سلار ، فاعتبر الأنوثة (٢).

وهو شاذّ ، بل عن الدروس : أنّه متروك (٣).

وما يقال من أنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في خمس من الإبل شاة» (٤) يشهد له باعتبار تذكير العدد.

ففيه : أنّ الإبل مؤنّث لفظيّ ، قال الله تبارك وتعالى «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (٥).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٢ ، وانظر : البيان : ١٧٢ ، والمبسوط ١ : ١٩٨.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١١١ ، وانظر : المراسم : ١٢٩.

(٣) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١١١ ، وانظر : الدروس : ١ : ٢٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٦.

(٥) الغاشية ٨٨ : ١٧.

١٨٩

وقال ابن هشام في التوضيح بعد أن ذكر أنّ مميّز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس أو اسم جمع ، خفض بـ (من) تقول : ثلاثة من التمر أكلتها ، وعشرة من القوم لقيته ، ما لفظه ممتزجا بكلام الأزهري في شرحه : ويعتبر التذكير والتأنيث مع اسمي الجنس والجمع بحسب حالهما ، باعتبار عود الضمير عليهما تذكيرا وتأنيثا ، فيعطى العدد عكس ما يستحقّه ضميرهما ، فإن كان ضميرهما مذكّرا أنّث العدد ، وإن كان مؤنّثا ذكّر ، فتقول في اسم الجنس : ثلاثة من الغنم عندي ، بالتّاء في (ثلاثة) ، لأنّك تقول : غنم كثير ، بالتذكير ، للضمير المستتر في (كثير) ، وثلاث من البط ، بترك التاء عن (ثلاث) ، لأنّك تقول : بطّ كثيرة ، بالتأنيث ، للضمير المستتر في (كثيرة) وتقول : ثلاثة من البقر ، بالتاء ، أو : ثلاث ، بتركها ، لأنّ ضمير البقر يجوز فيه التذكير والتأنيث باعتبارين ، وذلك ، لأنّ في البقر لغتين : التذكير والتأنيث ، قال الله تعالى «إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا» (١) بتذكير الضمير. وقرئ : تشابهت ، بتأنيثه (٢). انتهى.

ومن هنا يظهر أنّه لا يصحّ الاستشهاد للقول المزبور بما في الأخبار المزبورة من قوله : «فإذا زادت واحدة» (٣) حيث وصف مفردها بالواحدة ، مع أنّه لا واحدة للإبل من لفظها ، فإنّ مقتضى القاعدة المزبورة أنّه إذا كان العدد واحدا أو اثنين ، أن يعطي عين ما يستحقّه ، ضمير هما من التذكير والتأنيث ، بأن يقال : واحد من القوم لقيته ، وواحدة من الإبل أو البطّ ذبحتها ، كما لا يخفى.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٧٠.

(٢) أوضح المسالك إلى الفئة ابن مالك ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٤.

١٩٠

ويمكن الاستشهاد للقول المزبور بقوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : «في خمس قلائص (١) شاة» (٢) الحديث ، إذ القلوص ـ على ما صرّحوا (٣) به ـ لا يطلق إلّا على الإناث.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ تخصيص القلائص بالذكر بحسب الظاهر ، للجري مجرى الغالب من عدم إبقاء الجمال معطّلة مرسلة في مرجها عامها.

كما ربما يشهد لذلك ما عن ابن أبي عمير ـ في الصحيح ـ على الصحيح ، في حديث : «كان علي ـ عليه‌السلام ـ لا يأخذ من جمال العمل صدقة ، وكأنّه لم يجب أن يؤخذ من الذكورة شي‌ء ، لأنّه ظهر يحمل عليها» (٤) ، فإنّه يظهر من صدرها وذيلها : أنّ علّة عدم أخذ الزكاة منهما كونها عوامل لا ذكوريّتها ، مع أنّه لا ظهور يعتدّ به في الصحيحة المزبورة في إرادة الاختصاص ، فإن إثباتها في القلائص لا يدلّ على نفيها في الذكور إلّا باعتبار ورودها في مقام إعطاء الضابط المناسب للتعميم لو كان الحكم عاما ، وليس هذا الظهور ظهورا يعتدّ به ، في مقابل إطلاقات الأخبار المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة ، وعدم نقل خلاف يعتدّ به في المسألة ، ومفهوم التعليل الوارد في صحيحة عبد الرحمن ، وغير ذلك من الشواهد والمؤيّدات.

وبهذا يظهر الجواب عن الاستشهاد برواية الأعمش المرويّة عن

__________________

(١) قلائص جمع ، مفردها : قلوص. وهي : الشابة من الإبل. الصحاح ٣ : ١٠٥٤ ، القاموس المحيط ٢ : ٣١٤.

(٢) المصادر في الهامش (٣) من صفحة ١٩٠.

(٣) انظر المصدرين في الهامش (١) من هذه الصفحة.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣١ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٤.

١٩١

الخصال في حديث شرائع الدين عن جعفر بن محمّد ـ عليهما‌السلام ـ قال :«وجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حوليّة ، فيكون فيها تبيع» (١) مع أنّ البقرة فرد من البقر الذي يطلق على الذكر والأنثى ، وتأنيث التبيعة إنّما هو باعتبار لفظها ، فلا يفهم من ذلك إرادة خصوص المؤنث.

مع أنه لو أريد بها خصوص التبيعة على وجه الانحصار ، لوجب ردّ علمها إلى أهله ، إذ لا يشترط في نصاب البقر كونها تبيعة حولية ، نصّا وفتوى بلا شبهة.

وربّما يؤيّد المشهور أيضا ـ مضافا إلى ما عرفت ـ ما في غير واحد من الأخبار الآتية عند بيان فريضة النصاب السادس ، من أنّه إن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، إذ الظاهر أنّ المراد به أنه إذا لم تكن فيها ابنة مخاض وكان فيها ابن لبون ذكر أجزأ ذلك ، فليتأمّل.

(وأمّا الفريضة) (فيقف بيانها على مقاصد) :

(الأوّل : الفريضة) في الغنم تقدم ذكرها ، و (في الإبل شاة في كلّ خمس حتى تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض).

وقد سمعت حكاية الخلاف في هذا النصاب عن بعض علمائنا ، مع ما فيه من الضعف.

__________________

(١) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

١٩٢

(فإذا زادت عشرا كان فيها بنت لبون ، فإذا زادت عشرا اخرى كان فيها حقّة ، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة اخرى كان فيها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقّتان ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين طرح ذلك ، وكان في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون).

وقد تقدم جملة من الروايات الدالّة على وجوب هذه الفرائض.

وعرفت فيما تقدّم : أنّ ما في بعض تلك الأخبار ـ كصحيحتي عبد الرحمن بن حجّاج ، وأبي بصير ، من الاقتصار في فريضة النصاب الأخير على قوله : «في كلّ خمسين حقّة» ـ لا بدّ من حمله على ما لا ينافي غيرهما ، من المعتبرة المستفيضة التي وقع فيها التصريح بعدم انحصار الفريضة فيها ، بل هي في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون.

وعرفت أيضا : أن مقتضى التدبّر في مفادها ، هو وجوب التقدير في هذا النصاب بما يحصل به الاستيعاب ، فإن حصل بكل منهما تخير ، ولو لم يحصل الاستيعاب بشي‌ء منهما ، تحرّى إلى أكثرهما استيعابا ، وإن حصول بأحدهما أو بهما معا ، تعيّن ، كما أشار إليه المصنّف ـ رحمه‌الله ـ بقوله : (ولو أمكن في عدد فرض كلّ واحد من الأمرين) كالمائتين والأربعمائة (كان المالك بالخيار في إخراج أيّهما شاء) فإنّ ظاهره اختصاص التخيير بمثل هذا الفرض ، خلافا لما ذهب إليه غير واحد من متأخّري المتأخّرين من التخيير مطلقا ، اغترارا بما ينسبق إلى الذهن في بادي الرأي من الأخبار المزبورة ، وقد عرفت أنّ الذي يقتضيه التحقيق خلافه.

وكيف كان ، فحيث حكمنا بالتخيير فهو للمالك ، كما صرّح به غير

١٩٣

واحد ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا (١) ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٢) ، إذ ليس لأحد أن يلزمه بما لم يتعيّن عليه شرعا ، مع أنّ المنساق من الأدلّة ليس إلّا كون المالك مكلفا بإخراج الفريضة على حسب ما تعلّق بها الطلب شرعا ، ومقتضاه كون التخيير راجعا إليه.

فما عن الخلاف والمبسوط (٣) من القول بتخيير الساعي ، على تقدير تحقّقه ، ضعيف ، إذ لا دليل عليه ، بل الأدلّة على خلافه.

(وفي كلّ ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة) على المشهور بين الأصحاب ، بل في المدارك : هذا قول العلماء كافة (٤) ، بل عن المنتهى : دعوى الإجماع عليه (٥).

وحكي عن ابن أبي عقيل والصدوقين أنّهم اقتصروا على ذكر التبيع ، فقالوا : في كلّ ثلاثين تبيع ، وفي كلّ أربعين مسنّة (٦) ، فلم يخيّروا بينه وبين تبيعة.

كما أنه لم يقع التصريح بكناية التبيعة في صحيحة الفضلاء المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم ، فإنّ فيها وقالا : «في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حوليّ ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنّة ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين ،

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١١٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨١.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١١٤ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٦٢ و ٦٣.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ١١٤ ، وانظر : الخلاف ٢ : ١٤ ، المسألة ٨ ، والمبسوط ١ : ١٩٥.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٨١.

(٥) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٥٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨٧.

(٦) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٥ ، وانظر : المختلف ٣ : ٥٢ ، المسألة ١٩ ، والمقنع (ضمن الجوامع الفقهية) : ١٤ ، وكذا الهداية : ٥٤.

١٩٤

فإذا بلغت أربعين ففيها مسنّة ، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء ، فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة إلى الثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة ، ثمّ ترجع البقر على أسنانها» (١). الحديث.

وعن الفقه الرضويّ أيضا : تخصيص التبيع بالذكر (٢) ، كعبارة الصدوقين ، وكذا في رواية الأعمش المتقدّمة (٣).

ولذا منع في الحدائق التخيير وقال بتعيّن التبيع حيث لم يقف له على دليل في الأخبار ، عدا أنّ المحقّق في كتاب المعتبر نقل صحيحة الفضلاء المذكورة بما يطابق القول المشهور ، فقال : ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبو بصير ، والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ قالا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنّة ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة وسنة ، ثمّ في ثمانين مسنّتان ، وفي تسعين ثلاث تبائع».

وقد أجاب في الحدائق عمّا نقله في المعتبر : بأنّ في النفس منه شيئا من حيث عدم تعرّض أحد لنقل هذا الحديث بهذا المتن ، لا من المحدّثين

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٦ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ عليه‌السلام ـ : ١٩٦.

(٣) تقدمت في صفحة ١٩٢.

١٩٥

في كتب الأخبار ، ولا الأصحاب في كتب الاستدلال ، فلا وثوق بها (١).

وهو في محلّه ، إذ غايته كونه بالنسبة إلينا رواية مرسلة قد يغلب على الظن كونه نقلا للصحيحة المرويّة عن الكافي والتهذيب بالمعنى ، على حسب ما فهمه الناقل من لفظ الرواية ، كما لعلّه الصواب ، إذ لا يبعد أن يقال : إنّ مغروسيّة أولويّة التبيعة من التبيع في الذهن باعتبار كونها أكثر نفعا للفقير ، مانعة عن فهم إرادة الخصوصية من التبيع الوارد في النصوص ، بل مطلق ولد البقر الذي دخل في السنة الثانية ، كما فهمه الأصحاب.

وربّما يؤيّده أيضا قوله ـ عليه‌السلام ـ في خبر الأعمش فيما إذا بلغت تسعين : «ثمّ يكون فيها ثلاث تبائع» (٢).

وكذا في المحكي عن الفقه الرضوي (٣) ، وفي صحيحة الفضلاء أيضا ، على ما في نسخة الوسائل ، نقلا عن الكافي (٤) ، بل في نسخة الكافي التي رأيناها : «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبائع حوليّات» إذ «التبايع» جمع «تبيعة» لا «التبيع».

كما يؤيّده أيضا تذكير اسم العدد ، فهذا يكشف عن أنّ خصوصية الذكورة والأنوثة غير مقصودة بالحكم ، إذ لم يقل أحد حتى صاحب الحدائق بكون التسعين نصابا مستقلا ، فريضتها خصوص التبايع ، بعكس الثلاثين والستين والسبعين ، بل الحكم بثلاث تبائع إنّما هو باعتبار اندراجه في النصاب الكلّي الذي هو في كلّ ثلاثين تبيع أو

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٦ و ٥٧ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٠٢.

(٢) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

(٣) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٥٦.

(٤) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١ ، وانظر : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١.

١٩٦

تبيعة.

ولكن في الحدائق نقل الصحيحة المزبورة هكذا : «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليّات» (١) بصيغة الجمع المؤنّث السالم ، فعلى هذا لا تنهض هذه الفقرة شاهدة للمدّعى ، لأنه يصحّ أن تقع هذه الصيغة صفة للجمع المذكّر من غير ذوي العقول ، فيجوز أن يراد بها ثلاثة تباع ، ويكون تذكير العدد باعتبار لفظ الجمع الذي وقع مميّزا له دون مفردة ، وإن كان مراعاة حال المفرد ـ على ما ذكروه ـ أوفق بالقياس.

فعلى هذا التقدير أيضا لا يخلو من تأييد ، مع أنّه لا وثوق بهذا النقل بعد أن وجدناه مخالفا لما عثرنا عليه من نسخة الكافي والوسائل ، بل المعوّل عليه ما هو الموجود في الكافي ، وهو شاهد للمدّعى ، كما عرفت.

مع أنّ في رواية الأعمش المرويّة عن الخصال غنى وكفاية لإثبات مثل هذا الفرع الذي ادّعي الإجماع عليه ، ولم يتحقّق الخلاف فيه حتى من الصدوقين وغيرهم ممّن نسب إليهم الخلاف ، حيث إنّ منشأ النسبة ليس إلّا اقتصارهم على ذكر التبيع ، مع أنّه حكي عن الصدوق أنّه ذكر في الستين بأنّ فيها «تبيعتان» ، وفي السبعين : بأنّ فيها تبيعة ومسنّة ، وفي التسعين : ثلاث تبائع (٢). فهذا يكشف عن أنه كغيره من الأصحاب لا يرى فرقا بين الذكر والأنثى.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما في كلمات كثير منهم من دعوى الأولويّة ، لكون التبيعة أكثر نفعا للفقير.

ولكن يتوجّه على هذه الدعوى أنّها إن سلمت ، فإنّما تجدي في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٥.

(٢) حكاه في الجواهر ١٥ : ١١٥ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١٣ ـ ١٤ ، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية) :١٤.

١٩٧

الاجتزاء بها بدلا عن الفريضة ، لا كونها من حيث هي كالتبيع مصداقا للفريضة ، فربّما يظهر أثر ذلك في مكان أو زمان يكون التبيع لشدّة الحاجة إلى استعماله في الحرث ونحوه أعلى قيمة من التبيعة ، فلا يتمّ حينئذ الأولوية المزبورة ، كما لا يخفى.

المقصد (الثاني : في الأبدال من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده ، أجزأه ابن لبون ذكر) بلا خلاف فيه على الظاهر ، ويدلّ عليه روايات :

منها : قوله ـ عليه‌السلام ـ في خبر زرارة : «فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر» (١).

وفي صحيحة أبي بصير ، «فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر» (٢).

وفي صحيحة زرارة الآتية (٣) : «ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده ، وكان عنده ابن لبون ذكر ، فإنّه يقبل منه ابن لبون ، وليس يدفع معه شيئا».

وفي خبر ابن سبيع الآتي (٤) : «فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها ، وعنده ابن لبون ذكر ، فإنّه يقبل منه ابن لبون ، وليس معه شي‌ء».

وظاهر عبارة المصنّف وغيره كصريح بعض اختصاص ذلك بما إذا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٣) تأتي في صفحة ٢٠٣ ، وكذا الإشارة إلى مصادرها.

(٤) يأتي في صفحة ٢٠٤ ، وكذا الإشارة إلى مصادره.

١٩٨

لم تكن عنده ابنة مخاض ، جمودا على ما دلّت عليه النصوص المزبورة.

ولكن عن القواعد وغيره : الاجتزاء به اختيارا (١) ، بل عن إيضاح النافع نسبته إلى المشهور (٢).

وقوّاه في الجواهر معلّلا بقيام علوّ السنّ مقام الأنوثة ، ولذا لم يكن فيه جبران إجماعا ، بخلاف دفع بنت اللبون ، كما وقع التصريح بهما في الخبر الآتي ، ولانسباق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النصّ ، وإلّا لاقتضى عدم إجزائها عنه إذا لم تكن موجودة حال الوجوب وإن وجدت بعده ، بناء على أنّ الشرط عدم كونها عنده حينه ، لا حال الأداء مع معلوميّته ، بل صرّح في المدارك بتعيّن إخراجها حينئذ (٣). انتهى.

وفيه : أنّ القدر المتيقّن الثابت بالنصّ والإجماع إنّما هو قيام علوّ السنّ مقام الأنوثة ما لم تكن عنده أنثى لا مطلقا.

وأمّا دعوى انسباق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النصّ ، ففيه :أنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه عدم انسباق الاشتراط ، أي عدم ظهور الشرطيّة في إرادة المفهوم ، أي الانتفاء عند الانتفاء ، لا ظهورها في خلافه ، فيبقى حينئذ إطلاق ما دلّ على أنّها إذا بلغت ستّا وعشرين ففيها ابنة مخاض ، في غير حال فقدها عنده ، سليما عن المقيّد ، مع أنّه لا شاهد لصرف الشرطية عن ظاهرها ، وهي إرادة الشرط حقيقة.

ولكن المنساق من الجزاء الرخصة في دفع ابن لبون ، وعدم لزوم التكليف في تحصيل بنت مخاض ، لا تعيّنه بحيث لو تكلّف في تحصيلها ودفعها لم تكن مجزئة ، كما هو الشأن في كلّ مورد علّق فيه الجزاء على

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١١٦ ، وانظر : قواعد الأحكام ١ : ٥٣.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١١٧.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ١١٧ ، وانظر : مدارك الأحكام ٥ : ٨٢.

١٩٩

عدم القدرة على شي‌ء أو عدم وجوده عنده ، بل الخبران الأخيران إ في ذلك.

مع أنّ المنساق من الأخبار المزبورة إرادته حال الأداء لا الوجوب ، فالقول باختصاص ذلك بما إذا لم تكن عنده ابنة مخاض أشبه.

(ولو لم يكن عنده) ابن لبون أيضا (كان مخيّرا في ابتياع أيّهما شاء) كما صرّح به في المتن وغيره ، بل عن ظاهر المصنّف ـ رحمه‌الله ـ والعلّامة في جملة من كتبه : أنّه موضوع وفاق بين علمائنا وأكثر العامّة (١).

وعن المعتبر : أنّه نقل القول بتعيين شراء بنت المخاض عن مالك (٢).

وفي الجواهر حكى هذا القول عن البيان ، ونقل عن المحقّق الأردبيلي في مجمع البرهان أيضا الميل إليه (٣).

واستدلّ للمشهور : بأنّه بشراء ابن لبون يكون واجدا له دون بنت المخاض ، فيجزئه بمقتضى إطلاق النصوص المزبورة.

ودعوى انصراف النصوص إلى صورة وجود ابن لبون في إبله التي يتعلّق بها الزكاة ، خصوصا الروايتين الأخيرتين اللّتين وقع فيهما تقييد بدليّته بكونه عنده ، فإن المتبادر منها إرادتها في صورة وجود ابن لبون في إبله من قبل ، دون ما إذا اشتراه عند إرادة دفعه إلى الفقير أو المصدق ، مدفوعة :

أوّلا : بمنع الانصراف ، خصوصا في الخبرين الأخيرين الواردين في

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ٨٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٥ ، وقواعد الأحكام ١ : ٥٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٨٤.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٨٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٥ ، والشرح الصغير ١ : ٢٠٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، وحلية العلماء ٣ : ٤٣.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ١١٧ ، وانظر : البيان : ١٧٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٨١.

٢٠٠