مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

لحظة ولحظتين في خلال السوم ليس أمرا خلاف المتعارف ، بل هو أمر شائع قلّما يتّفق غنم أو إبل أو بقر لا يتّفق ذلك

بالنسبة إليها في تمام الحول ، ولا يخرج بذلك عرفا عن مصداق كونها سائمة عامها.

(و) من هنا يظهر أنّ القول بأنّ العلف اليسير الغير الخارج عمّا يتعارف حصول مثله كثيرا في خلال الرعي هو (الأشبه) بأصول المذهب لا (الأوّل) (ولو اعتلفت من نفسها بما يعتدّ به) في الخروج عن أن يطلق عليها بالفعل عرفا أنّها سائمة (بطل حولها ، لخروجها عن اسم السوم) به في الفرض.

(وكذا) الحكم (لو منع السائمة مانع كالثلج) ونحوه (فعلفها المالك أو غيره) من ماله ، أو من مال المالك ، أو من مال ثالث ، سواء كان (بإذنه أو بغير إذنه) للخروج في الجميع عن اسم السائمة ، خلافا لمحكي التذكرة والموجز وكشفه فيما لو علفها الغير بغير إذن المالك ، فتلحق بالسائمة ، إذ لا مئونة على المالك فيه (١).

وفيه : ما لا يخفى من عدم الاعتداد بمثل هذه العلّة المستنبطة في الأحكام الشرعيّة التعبّديّة.

فالحقّ دوران الحكم مدار صحة إطلاق اسم السائمة عليها في تمام عامها وعدمه ، فمتى صدق عليها اسم السائمة ، وجب فيها الزكاة وإن توقّف سومها على صرف مال كثير لمصانعة ظالم أو استئجار راع ونحوه ، ومتى خرجت عن اسم كونها سائمة ، انقطع حولها وإن كان بفعل الغير من ماله.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٩٦ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٤٨ ، والموجز (ضمن الرسائل العشر) :١٢٣.

١٦١

نعم ، قد يشكل في بعض الفروض تشخيص كونها سائمة أو معلوفة ، كما لو اشترى أو استأجر أرضا ذات كلاء ، فرعى غنمه فيها ، فإنّه قد يقال : بأنّ صيرورة علفه ملكا له تجعلها معلوفة.

وفيه نظر ، إذ الظاهر عدم منافاة شراء المرعى أو استئجاره ، لصدق اسم الرعي ، والله العالم.

(الشرط الثالث : الحول) (وهو معتبر في الحيوان ، والنقدين ممّا تجب فيه) الزكاة (وفي مال التجارة ، والخيل ممّا تستحبّ فيه) بلا خلاف في شي‌ء منها نصّا وفتوى على الظاهر ، بل عليه دعوى الإجماع في الجميع ، كما في المدارك (١) وغيره (٢).

والنصوص الدالّة عليها متظافرة.

ففي صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما قالا في زكاة الغنم والبقر : «وكلّ ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه ، حتى يحول عليه الحول ، فإذا حال عليه الحول وجب فيه» (٣).

وفيها أيضا قالا : «ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء وإنّما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٧٠ و ٧١.

(٢) كالمنتهى ١ : ٤٨٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

١٦٢

فلا شي‌ء عليه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (١).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه» (٢) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي سيمرّ جلّها في طيّ المباحث الآتية ، فلا حاجة إلى استقصائها.

(وحدّه) أي : حدّ الحول المعتبر في وجوب الزكاة (أن يمضي أحد عشر شهرا ، ثم يهلّ الثاني عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تكمل أيام الحول) بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر ، بل عن المعتبر : هذا مذهب علمائنا أجمع (٣).

وفي التذكرة قال : حولان الحول هو مضي أحد عشر شهرا كاملة على المال ، فإذا دخل الثاني عشر ، وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيّامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع (٤).

والأصل فيه ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : رجل كان له مائتا درهم ، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة ، فعل ذلك قبل حلها بشهر ، فقال : «إذا دخل الشهر الثاني عشر ، فقد حال عليه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٢٤ / ٦٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ / ٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٣) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٧٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٠٧.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ : ٥١ ، المسألة ٣٣.

١٦٣

الحول ، ووجبت عليه فيه الزكاة» (١).

فهذا على إجماله ممّا لا خلاف فيه ، أي : لا خلاف في تحقّق الوجوب ، وتنجّز التكليف بأداء الزكاة بمضيّ أحد عشر شهرا.

ولكنّهم اختلفوا في أنّه هل يستقرّ الوجوب بذلك ، أو يبقى متزلزلا إلى أن يكمل الثاني عشر ، فإن بقي المال على الشرائط كشف عن استقرار الوجوب بالأوّل ، وإن اختلت كلا أو بعضا كشف عن عدم كونها واجبة ، كما لو حاضت المرأة في أثناء اليوم من شهر رمضان؟ ظاهر فتاوى الأصحاب ، بل صريح كثير منها : الأوّل.

ومال الشهيدان ، والمحقّق الكركي ، والميسي ، وغيرهم ـ على ما حكي (٢) عن بعضهم ـ إلى الثاني.

حجّة القول الأوّل ظاهر الصحيحة المزبورة (٣) ، المعتضدة بالإجماعات المنقولة ، المصرّحة بأنّه إذا دخل الشهر الثاني عشر ، فقد حال عليه الحول ، ووجبت عليه فيه الزكاة ، فإنّ ظاهرها الوجوب المستقرّ ، وهي بمدلولها اللفظي حاكمة على مثل قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (٤). فلا تصلح شي‌ء من مثل هذه الرواية لمعارضة.

حجّة القول الثاني أن لفظ «الحول» وكذا «العام» و «السنة» المتكرّر ذكرها عند بيان شرائط الزكاة عرفا ولغة وشرعا عبارة عن تمام

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ١.

(٢) الحاكي هو : صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٩٨ ، وانظر : الدروس ١ : ٢٣٢ ، والمسالك ١ : ٣٧١ ، والروضة البهيّة ٢ : ٢٣ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٠.

(٣) أي : صحيحة زرارة التي تقدّمت آنفا.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

١٦٤

السنة ، فقوله ـ عليه‌السلام ـ في الصحيحة المزبورة : «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال الحول» مبني على التوسعة والتجوّز بتنزيل التلبّس بالجزء الآخر من الشي‌ء منزلة إتمامه ، والمتبادر من هذا التنزيل إرادته من حيث شرطيّته لتنجز التكليف بالزكاة وصيرورتها حقّا للفقير ، لا في جميع الآثار ، فلا ينافيه اعتبار بقاء المال جامعا لشرائط النصاب إلى تمام الحول في أصل تحقّق التكليف ، بحيث لو اختلّ شي‌ء منها قبل انقضاء عدد أيّامها لا باختيار المكلّف ، كشف عن عدم تحقّقه في الواقع ، نظير شرطيّة بقاء المرأة طاهرة عن الحيض إلى الغروب لوجوب الصوم من أوّل النهار ، وقد أسلفنا في أوّل كتاب الطهارة توجيه هذا النحو من الشرائط ، بحيث يندفع به ما قد يتوهّم من استلزامه تقديم المعلول على علّته ، فراجع (١).

وقد يلوح من كلام المحدّث الكاشاني المحكي عن وافية إنكار دلالة الخبر المزبور على أصل الوجوب أيضا ، بل على حرمة الفرار من التكليف بالزكاة بعد استقرارها في المال ببلوغ هذا الحدّ ، فقال ما لفظه : «لعلّ المراد بوجوب الزكاة وحؤول الحول برؤية هلال الثاني عشر :الوجوب ، والحول لمريد الفرار ، بمعنى أنّه لا يجوز الفرار (حين استقرار) (٢) الزكاة في المال بذلك ، كيف والحول معناه معروف ، والأخبار بإطلاقه مستفيضة ، ولو حملناه على استقرار الزكاة ، فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه ، وإنّما يستقيم بوجه من التكلّف» (٣). انتهى.

__________________

(١) راجع كتاب الطهارة ، ص ٤ (الطبع الحجري).

(٢) في الحدائق والوافي ، بدل ما بين القوسين : حينئذ لاستقرار.

(٣) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٧٥ ، وانظر : الوافي ١٠ : ١٣٥.

١٦٥

وفي الحدائق بعد أن نقل هذه العبارة ، قال : وهو جيّد لولا اتّفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا ، لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.

ثمّ قال : وممّا يؤيّد ما ذكره ـ طاب ثراه ـ صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «لمّا نزلت آية «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (١) وأنزلت في شهر رمضان ، فأمر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مناديه ، فنادى في الناس : إنّ الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض عليهم من الذهب والفضّة ، وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ، وعفا عمّا سوى ذلك».

قال : «ثم لم يتعرّض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا ، فأمر مناديه فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون ، زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم ، ثمّ وجّه عمّال الصدقة وعمّال الطسوق» (٢) (٣).

أقول : هذه الصحيحة كالنص في أن المراد بحؤول الحول حقيقته ، ولكن لا صراحة بل ولا ظهور يعتدّ به في أنّه أريد بهذا حؤول الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة ، فمن الجائز تحقّق الوجوب من ابتداء الشهر الثاني عشر ، وكون تأخير الأمر بدفعها وتوجيه العمّال إليهم عن ذلك

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : الآية ١٠٣.

(٢) الطسق : الوظيفة من خراج الأرض. الصحاح ٤ : ١٥١٧ «طسق».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ : ٧٥ ـ ٧٦ ، وانظر بشأن الرواية : الكافي ٣ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٨ / ٢٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

١٦٦

كتأخيرها عن شهر رمضان ، لحكمة رآها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تصلح هذه الصحيحة معارضة للصحيحة السابقة.

وقد ظهر بما أشرنا إليه ـ في تقريب الاستدلال للمشهور بالصحيحة المزبورة من حكومتها على سائر الأدلّة الدالّة على اعتبار حؤول الحول في الوجوب أنّ ما ذكره المحدّث الكاشاني ـ من أنّا لو حملناه على استقرار الزكاة ، فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد ـ لا يخلو من نظر ، لأنّه إن أراد بما ثبت بالضرورة من الدين اعتبار الحول بمعناه الحقيقي ، الذي هو عبارة عن اثني عشر شهرا تامّا ، فهذا ممّا لم يثبت بالضرورة ، كيف والمشهور ـ إن لم يكن مجمعا عليه ـ خلافه! وإن أراد اعتباره بالمعنى الذي أريد منه في الأخبار وفي معقد الإجماع والضرورة التي هي مستند هذا الحكم ، فغاية الأمر صيرورة ما دلّ عليه كآية أو سنّة متواترة ، وقد تقرّر في محله جواز التصرّف في ظاهر الكتاب والسنّة المتواترة ، بالخبر المعتبر ، خصوصا إذا كان بمنزلة التفسير له كما في المقام ، فالشأن إنّما هو في تحقيق مفاد هذه الصحيحة ، وتشخيص مقدار حكومتها على سائر الأدلّة.

فأقول : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال الحول» لم يقصد به حقيقته جزما ، لأنّ حؤول الحول إنّما يتحقّق بتمامه الذي هو عبارة عن اثني عشر شهرا كاملا.

فهذا الكلام مبني : إما على التصرّف في لفظ الحول باستعماله في أحد عشر شهرا ، فتكون اللام الداخلة عليه حينئذ للعهد ، ومعناه حينئذ أنّ الحول الذي اعتبره الشارع في باب الزكاة قد حال بمضيّ أحد عشر شهرا ، فتدلّ بالالتزام على أنّ للحول في باب الزكاة معنى شرعيّا ، وهو أحد عشر شهرا.

١٦٧

أو في إضافة الحولان إليه بتنزيل التلبّس بالجزء الآخر منزلة تمامه ، وهذا مجاز شائع.

وأمّا الأوّل : فمع بعده في حدّ ذاته ، مخالف لسوق الرواية ، حيث إنّ المنساق منها سؤالا وجوابا في سائر فقراتها ليس إلّا استعمال الحول في معناه الحقيقي ، وأنّ المقصود بهذه الفقرة تنزيل التلبّس بالشهر الثاني عشر الذي به يتمّ الحول منزلة تمامه ، كما في قول القائل : إذا دخل الساعة الأخيرة من النهار ، أو إذا زالت الشمس فقد انقضى النهار ، أو إذا دخل العشر الآخر من شهر رمضان فقد انقضى ، كما ورد في الأدعية المأثورة : هذه أيّام شهر رمضان ولياليه قد تصرّمت (١) ، فكون النهار والشهر والحول اسما للمجموع بنفسه قرينة إرادة التجوّز من نسبة الانقضاء إليه.

مع أنّه قد ينافيه ما في صدر هذه الصحيحة من تنظر من وهب ماله بعد دخول الشهر الثاني عشر فرارا من التكليف بالزكاة ، بمن أفطر في شهر رمضان أوّل النهار ، ثمّ سافر آخره ، في أنه لا يجديه ذلك في الفرار عن الكفّارة ، بعكس ما لو وهب ماله قبل أن يدخل الشهر الثاني عشر ، فإنّه بمنزلة من سافر ثم أفطر ، فإنّك إن تأمّلت فيه تجده شاهد صدق على أنّ المقصود بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «فقد حال الحول» ليس انقضاء نفس الحول حقيقة ، بحيث يحتسب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية ، كما توهّمه غير واحد (٢) ، حيث زعموا دلالة الرواية على أنّ للحول حقيقة شرعيّة في هذا الباب ، فالتزموا بأنّ الشهر الثاني عشر

__________________

(١) إقبال الأعمال : ١٩٩.

(٢) منهم : فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٢.

١٦٨

يحتسب شرعا من السنة اللاحقة ، فكأنّ المحدّث الكاشاني نظر في عبارة المتقدّمة إلى ذلك ، فرآه مصادمة للضرورة ، فمنع جواز إثباته بالخبر الواحد في مقابل السيرة الجارية على بعث عامل الصدقات في كلّ سنة مرّة ، والروايات الدالّة على أنّها لا تجب في كلّ سنة إلّا مرّة ، وأنّه لا يزكّى مال في عام من وجهين ، وإباء غير واحد منها ـ كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (١) ـ عن إرادة أحد عشر شهرا من الحول.

وكيف كان ، فهذا المعنى مع الغضّ عن سائر المبعدات ، في حد ذاته بعيد ، والمنساق من الصحيحة إنّما هو إرادة المعنى الثاني ، أي : التجوّز في النسبة بتنزيل دخول الشهر الثاني عشر منزلة انقضاء الحول حكما.

فالمراد به إمّا تنزيله منزلته على الإطلاق ، أي بالنسبة إلى جميع ما يعتبر وجوده في تمام الحول ، وقضيّة ذلك استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر ، كما هو ظاهر المشهور ، أو في خصوص تعلّق التكليف بالزكاة ، دون سائر الشرائط المعتبرة في تمام الحول ، فيثبت حينئذ به الوجوب مراعى بعدم اختلال سائر الشرائط ـ كلا أو بعضا ـ إلى تمام السنة ، أو في خصوص الحكم الذي سيقت هذه الفقرة لبيانه ، أي من حيث حرمة التفويت وإتلاف متعلّق الزكاة ، كما يظهر من المحدّث الكاشاني.

والأوّل أقرب إلى معناه الحقيقي ، والأخير أقرب إلى مفهومه العرفي بالنظر إلى خصوصية المورد ، وما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره ممّا دلّ على اعتبار سائر الشرائط في تمام الحول ، إذ لا يلزم على تقدير حمله على هذا المعنى التصرّف في ظاهر شي‌ء من تلك الأدلّة ، بخلاف سائر المحامل.

__________________

(١) تقدمت في صفحة ١٦٦.

١٦٩

مع أنّ وقوع السؤال عن جواز الإتلاف قبل حله بشهر أو بيوم ، يصلح أن يكون قرينة على أن يكون المنع عنه بخصوصه هي الجهة الملحوظة لديهم التي ينصرف إليه إطلاق التشبيه.

فعلى هذا يكون قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ووجبت الزكاة» كقوله : «فقد حال الحول» مبنيّا على مجاز المشارفة.

لكن قد ينافيه ظهور جملة من الفقرات المذكورة في الصحيحة قبل هذه وبعدها ، بل صراحتها في إرادة الوجوب الحقيقي ، وصيرورة الزكاة بدخول الشهر الثاني عشر ملكا للفقير ، كما لا يخفى على من لاحظها.

وكفاك شاهدا عليه : ما تقدمت الإشارة إليه من تنظيره بمن أفطر ثمّ سافر ، فقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ووجبت الزكاة» لم يستعمل إلّا في معناه الحقيقي ، فذكره بعد قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فقد حال الحول» تصريح بالحكم المقصود بهذا التنزيل الذي يتفرّع عليه حرمة الإتلاف.

فيبقى الكلام حينئذ في أنّ المنساق من هذا الكلام ، هل هو إرادة عموم المنزلة ، أي بالنسبة إلى جميع الأمور التي اعتبر تحقّقه في تمام الحول في تعلّق الزكاة ، أو خصوص الحكم التكليفي في مقام العمل الغير المنافي لكونه مراعى ببقاء سائر الشرائط الخارجة عن تحت اختياره في بقيّة الحول؟وقد أشرنا آنفا إلى أن الأوّل أقرب إلى معناه الحقيقي ، وأوفق بظاهر قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ووجبت الزكاة» فإنّ ظاهره الوجوب المستقرّ.

ولكن ربما يبعّده استلزامه تأخير البيان ـ في الأخبار الكثيرة النافية للزكاة عند اختلال شي‌ء من شرائطها قبل إكمال السنة ـ عن وقت الحاجة في مثل هذا الحكم العام الابتلاء ، وهو في غاية البعد ، إلّا أنّ الالتزام بكون الوجوب المتنجز في حقّه بدخول الشهر الثاني عشر مراعى

١٧٠

بعدم اختلال شي‌ء من الشرائط المعتبرة في الحول في بقيّة الشهر غير مجد في دفع هذا المحذور ، فإنّ جلّ الأخبار المشار إليها ـ إن لم يكن كلها ـ يدلّ بظاهرها على عدم تعلّق التكليف بالزكاة قبل انقضاء السنة ، فلا يندفع المحذور المزبور إلّا بالالتزام بمقالة المحدّث الكاشاني (١) ، وهو مع مخالفته لظاهر فتاوى الأصحاب وصريح إجماعاتهم المنقولة ، واستلزامه ارتكاب التأويل في جملة من فقرات الروايات المعتبرة التي كادت تكون صريحة في خلافه أشكل.

مع أنه قد يستشعر من بعض الأخبار معهوديّة كون الشهر الثاني عشر لديهم ، هو الشهر الذي كان يؤدّي فيه الزكاة ، فعلى هذا تكون الأخبار المشار إليها منزلة على المعهود.

وقد تلخّص ممّا ذكر أنّ ما نسب إلى المشهور من استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر (٢) ، هو الأظهر ، وإن كانت السنة التي تتكرّر الزكاة بتكرّرها لا تتمّ إلّا بتمامها ، والله العالم.

(ولو اختلّ أحد شروطها في أثناء الحول) قبل أن يهلّ الشهر الثاني عشر الذي به يتحقّق الوجوب (بطل الحول ، مثل أن نقصت عن النصاب فأتمّها ، أو عاوضها) ولو (بجنسها) أي نوعها كالغنم بالغنم الشامل للمعز والضأن (أو مثلها) ممّا هو مساو لها في الحقيقة والأوصاف المصنفة ، كما لو بادل غنما ذكرا سائمة ستة أشهر بمثلها كذلك ، أو دينارا بدينار آخر من صنفه.

(على الأصحّ) خلافا لما حكي عن الشيخ في المبسوط من أنّه

__________________

(١) تقدّمت مقالته في صفحة ١٦٥.

(٢) انظر : الجواهر ١٥ : ٩٨.

١٧١

قال : لو بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان بغير جنسه ، استأنف الحول (١).

وهو شاذّ ، بل عن السرائر : أنّ إجماعنا على خلاف ما ذهب إليه فيه (٢).

واستدلّ له بصدق أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول.

وفيه ما لا يخفى ، بعد قضاء الأدلّة باشتراط أن يحول عليه الحول وهو عند صاحبه ، فإنّ شيئا من البدل والمبدل عنه لم يحل عليه الحول عنده ، كما هو واضح.

وربّما يظهر من فخر المحقّقين فيما حكي من شرحه على الإرشاد موافقته ، فإنّه قال على ما نقل عنه : إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط ، بغير جنسه وهو زكوي أيضا ـ كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجوه الشرائط في الاثنين ـ انقطع الحول ، وابتدأ حول الثاني من حين تملّكه ، وإن عاوضه بجنسه وقد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط ، لم ينقطع الحول ، بل بني على الحول الأوّل ، وهو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي ـ قدّس الله روحه ـ ، للرواية.

وإنّما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول ، لأنّه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة ، لم تجب الزكاة إجماعا ، وكذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر ، لم تجب الزكاة إجماعا ، بل ينبغي أن تكون بأربعين سائمة مدّة ستة أشهر ، ومتى اختلّ أحد

__________________

(١) حكاه السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٤ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٠٦.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٠١ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٥٢.

١٧٢

الشروط ، لم تجب الزكاة إجماعا. وكذا لو عارض نصابا من الذهب بنصاب منه ، وكان المأخوذ منه طفلا أو مجنونا ، لم تنعقد الزكاة إجماعا ، لأنّه لم ينعقد عليه حول إجماعا ، وكذا لو عاوض ببعض النصاب (١). انتهى.

أقول : وكأنّ مراده بالرواية التي أرسلها ، هي عمومات أدلّة الزكاة من مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في كلّ أربعين شاة شاة وفي الإبل إذا بلغت خمسا ففيها كذا» وهكذا ، وإلّا فمن المستبعد وصول نصّ خاص جامع لشرائط الحجيّة إليه مختف على غيره ، مع أنه لم يشر إلى متنها أو سندها ولو إجمالا ، فالرواية التي استشهد بها بحسب الظاهر ليس إلّا كالإجماعات التي استدلّ بها للفروع المذكورة في كلامه ، فإنّ المراد بتلك الإجماعات بحسب الظاهر ليست إلّا الإجماعات المحققة على اعتبار جامعيّة ما يتعلّق به الزكاة لشرائطها من مثل السوم وأنصاب ، وكون النصاب مملوكا للحرّ العاقل البالغ في تمام الحول ، وغير ذلك من الشرائط ، المعتبرة فيه ، وإلّا فليس شي‌ء من هذه الفروع بهذا التفصيل مذكورا في كلماتهم ، كي يستدلّ عليه بالإجماع في خصوصه.

وكيف كان ، فيرد عليه : أنّ بقاءه في ملك مالكه جامعا للشرائط حتى يحول عليه الحول وهو في يده أيضا شرط ، وهو منتف في الفرض ، كما هو واضح.

(وقيل : إذا فعل ذلك فرارا ، وجبت الزكاة).

وهذا القول منقول عن السيّد في انتصاره ، مدّعيا عليه الإجماع (٢).

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٠٢.

(٢) نقله السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وانظر : الانتصار : ٨٣.

١٧٣

(وقيل : لا تجب وهو الأظهر) الأشهر ، بل المشهور على ما في الجواهر (١) وغيره (٢) ، لانقطاع الملك به ، فيعمّه ما دلّ على نفي الزكاة فيما لم يحل الحول عليه وهو عند صاحبه ، الشامل بإطلاقه لصورتي الفرار وعدمه ، وخصوص ما ورد من جواز الفرار من خبر عليّ بن يقطين ، عن أبي إبراهيم (٣) ، وحسن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ (٤) ، وحسن زرارة أو صحيحة (٥) ، وحسن هارون بن خارجة (٦) ، وغير ذلك فيما ستسمعه في زكاة النقدين.

وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر ظاهرها الوجوب (٧) ، وستعرف في المبحث المشار إليه عدم صلاحيّتها لمعارضة هذه الأخبار.

(ولا تعدّ السخال مع الأمّهات) أي : إذا كانت الأمّهات نصابا فولدت في أثناء الحول ، لا تتبع السخال أمّهاتها في الحول بأن تعدّ معها عند حؤول حولها.

(بل لكل منهما حول بانفراده) إن كانت السخال بنفسها نصابا

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٠٢.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٧٦.

(٣) علل الشرائع : ٣٧٠ ، الباب ٩٣ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ / ٥٣ ، المحاسن : ٣١٩ / ٥٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٠ / ٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٧ ، علل الشرائع : ٣٧٠ ، الباب ٩٣ ، الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٤.

(٧) انظر على سبيل المثال : التهذيب ٤ : ٩ / ٢٤ و ٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢١ و ٢٢.

١٧٤

مستقلّا أو مكمّلة لنصاب مستقلّ ، كما لو كان عنده خمس من الإبل فولدت خمسا ، أو سبع فولدت ثلاثا ، أو أربعون من البقر ، فولدت أربعين أو ثلاثين ، فمبدأ حول السخال من حين استغنائها بالرعي ، أو من حين النتاج؟ على الخلاف المتقدم (١) ، فتجب عند انقضاء حول كل منهما فريضته.

وكذا لو ملك ذلك في الزمان المختلف بشراء ونحوه ، ضرورة عدم الفرق في ذلك بين تجدّد الملك بالولادة وغيرها.

وما في خبر محمّد بن قيس في الغنم «يعد صغيرها وكبيرها» (٢) غير مناف لذلك ، لأنّ هذا فيما إذا كان الجميع جامعا للشرائط المعتبرة فيها.

وأما إذا لم تكن نصابا مستقلا ولا مكمّلة لنصاب ، فلا شي‌ء عليه قطعا ، كما لو كان عنده أربعون شاة ، فولدت عشرين ، أو ثلاثين ، بل وكذا لو ولدت أربعين ، لعدم كون الأربعين بعد الأربعين نصابا ولا مكمّلة لنصاب آخر ، لأنّ الثمانين من الغنم ليست نصابا ، بل هي نصاب وعفو ، كما عرفت ، فليس فيها حينئذ إلّا شاة عند حؤول حول الأمّهات ، كما عن غير واحد التصريح بذلك (٣).

وربما قيل بوجوب شاة لها أيضا (٤) ، لعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في كلّ أربعين شاة شاة» (٥).

__________________

(١) تقدم في صفحة ١٥٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٣) كالعلامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٦٠ ، والسيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٧ ، وصاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٠٤.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ١٠٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

١٧٥

ولأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد ، فكذا مع الانضمام.

وفيه : أنّ العموم إنما هو بالنسبة إلى مصاديق النصاب المبتدأ ، كما دلّ عليه قوله ـ عليه‌السلام ـ بعد أن ذكر هذا العموم : «وليس فيما دون الأربعين شي‌ء ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة».

فهذا الكلام نصّ في أنّ الثمانين ليس مصداقين لهذا العموم ، فكما أنّه لو ملك الجميع دفعة كان الزائد على الأربعين عفوا ، فكذلك لو ملكها في أثناء الحول.

وأوضح من ذلك دلالة على أنّه لا تزيد الفريضة بزيادة أربعين أخرى على الأربعين الأولى : قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة محمّد بن قيس :«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة» (١) فإنها كادت تكون صريحة في أنّ من ملك أربعين شاة إلى عشرين ومائة لا تزيد فريضته عن شاة.

وبما ذكرنا ظهر فساد الاستدلال بأنّه نصاب كامل مع الانفراد ، فكذا مع الانضمام ، إذ قد عرفت أنّه مع الانضمام ليس بنصاب بل عفو ، فلا يقاس بحالة الانفراد.

وأمّا إذا لم تكن بنفسها نصابا مستقلّا أو مكمّلة لنصاب مستقلّ ، ولكن كانت مكمّلة لنصاب آخر للمجموع ، كما إذا ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، أو ثمانون من الغنم اثنين وأربعين ، أو ملكها كذلك بغير ولادة ، ففي سقوط اعتبار الأوّل ، وصيرورة الجميع نصابا واحدا ، أو

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

١٧٦

وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله ، فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع أو شاة ، وعند مضيّ سنة من تلك شاتان أو مسنّة ، أو يجب فريضة الأوّل عند تمام حوله ، فإذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصّها من فريضة نصاب المجموع ، فإذا جاء حول الثاني للأمّهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة وهكذا ، فيخرج في مثال البقر في الحول الأوّل للأمّهات تبيع ، وللعشر عند انتهاء حولها ربع مسنّة ، فإذا جاء الحول الآخر للأمّهات يخرج ثلاثة أرباع مسنّة ، ويبقى هكذا دائما ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي حول الأمّهات ، ثم يستأنف حول واحد للجميع؟ أوجه.

قال في الجواهر : أوجهها الأخير ، وفاقا للفخر ، والشهيدين ، وأبي العباس ، والمقداد ، والكركي ، والصيمري ، وسيّد المدارك ، والخراساني ، والفاضل البهبهاني ، والأستاذ في كشفه ، والمولى في الرياض ، والمحدّث البحراني ، على ما حكي عن بعضهم ، لوجوب زكاة الأوّل عند تمام حوله ، لوجود المقتضي ، وهو اندراجه في الأدلّة ، وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضمّا إلى غيره في ذلك الحول ، للأصل ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «لاثني (١) في صدقة» (٢).

وقول أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد» (٣).

__________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة ، والثني بالكسر والقصر : أن يفعل الشي‌ء مرتين.

النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤ «ثنا».

(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

١٧٧

ولظهور. أدلة النصاب المتأخّر في غير المفروض.

ومنه يعلم أنه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة (١). انتهى. وهو جيّد.

إن قلت : قد اعترفت فيما سبق بأنّ النصب المندرجة في ضمن نصاب آخر ملغاة من حيث الأثر ، فإذا كان عنده في ابتداء الحول ستّ وعشرون من الإبل فهي سبب لوجوب ابنة مخاض ، بشرط بقائها بشرائط التأثير حتى يحول عليها الحول ، فإذا بلغت في أثناء الحول ستّا وثلاثين صارت جزء لنصاب فريضتها ابنة لبون.

فمن هنا يتطرّق الخدشة في الاستدلال لوجوب زكاة الأول عند تمام حوله بوجود المقتضي ، إذ النصاب الموجود عنده بالفعل عند تمام حول الأمّهات هو مقتضى لإيجاب ابنة لبون ، والذي كان مقتضيا لإيجاب ابنة مخاض لم يبق على اقتضائه بعد صيرورته جزء من نصاب آخر ، بل صار مقتضيا بانضمامه إلى ما عداه لإيجاب ابنة لبون.

فالمتّجه حينئذ إمّا الالتزام بسقوط حول الأمّهات ، لعدم بقاء نصابها بشرائط التأثير في إيجاب ما يقتضيه ، وهذا هو الوجه الأوّل من الوجوه المزبورة.

أو الالتزام بأنّه إذا كان مبدأ حول السخال من بعد ستة أشهر من حول الأمّهات ، فإذا تمّ حول الأمّهات ، وجبت ابنة مخاض ، نصفها وجوبا مستقرا ونصفها مراعى باختلال شي‌ء من شرائط النصاب الثاني

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٠٥ ، وانظر : إيضاح الفوائد ١ : ١٧٤ ، والروضة البهية ٢ : ٢٥ ، والموجز (الرسائل العشر) : ١٢٤ ، والتنقيح الرائع ١ : ٣٠٤ ، وجامع المقاصد ٣ : ١١ ، والمدارك ٥ : ٧٧ ، وكشف الغطاء : ٣٥٢ ، ورياض المسائل ١ : ٢٦٧ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٧٨.

١٧٨

في أثناء حوله ، فإن اختلّ شي‌ء منها قبل أن يتم حول الثاني ، كشف عن أن الواجب لم يكن في الواقع إلّا فريضة النصاب الأوّل ، وإلّا اندرج في النصف الآخر بحسب النصاب الثاني الذي فريضته ابنة لبون عند تمام حوله ، فعليه حينئذ عند تمام حول الأمّهات نصف ابنة مخاض ، وعند تمام حول السخال ابنة لبون ، وهذا وجه خامس غير الأربعة المذكورة.

قلت : لا نعني بكون النصب المندرجة تحت نصاب ملغاة : كونها ساقطة عن الاعتبار رأسا ، بل هي أسباب شأنية لإيجاب فريضتها عند تمام حولها ، ولكن يمنعها عن الفعليّة ، أي استقلالها بالأثر ، جزئيّتها للنصاب المشتمل عليها حال كون ذلك النصاب مؤثّرا في إيجاب فريضته التي هي فريضة المجموع ، ويحصل بأدائها الخروج عن عهدة الحقّ المتعلّق بالجميع.

وأمّا إذا لم يكن ذلك النصاب جامعا لشرائط التأثير فلا يصلح مانعا عن تأثير النصاب السابق في إيجاب فريضته ، فعند تمام حول الأمهات لا يكون اندراجها تحت نصاب آخر صالحا المنع نصاب الأمّهات عن التأثير في فريضتها ، إذ لا أثر لذلك النصاب في هذا الحين ، لاشتراط تأثيره بأن يحول عليه الحول ، وهو غير حاصل.

إن قلت : ليس المانع عن تأثير النصاب السابق في فريضته ، كون النصاب اللاحق بالفعل مؤثّرا في فريضته ، بل كونه سببا لإيجاب فريضة عند حصول شرطه ، أي كونه مشمولا لعمومات أدلّة ذلك النصاب ، فإنه مهما شمله دليل ذلك النصاب ، امتنع أن يعارضه شي‌ء من أدلة النصب المندرجة تحته ، لكونها محدودة بما قبل هذا النصاب ، فلا يتواردان على مورد.

١٧٩

واشتراط حؤول الحول لا يقتضي إلّا إلغاء هذا النصاب على تقدير عدم بقائه عنده إلى أن يتمّ حوله ، وأمّا على تقدير بقائه فهو مراد بالعموم ، فيمتنع أن يتخلّف عنه حكمه.

مثلا : إذا كان عنده خمس وثلاثون من الإبل فهو نصاب وشنق ، فإذا زادت بعد شهر أو شهرين واحدة فما زاد ، اندرجت من حين حصول الزيادة في موضوع قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون» (١).

واشتراط حؤول الحول فيه جعل التكليف بأدائها مشروطا بحؤول الحول ، فإذا حال عليه الحول فقد تنجّز عليه هذا التكليف ، وكشف ذلك عن أن نصاب الأمّهات لم يكن موجبا لابنة مخاض ، لعدم بقائه بشرائط التأثير في تمام سنته ، حيث إنّ من شرائط تأثير كلّ نصاب في فريضته عدم اندراجه فيما هو سبب لفريضة أخرى.

قلت : قد وقع في جملة من الأخبار الواردة في بيان نصب الأنعام ، وما يجب في كلّ نصاب ، كصحيحة الفضلاء (٢) ، وخبري زرارة (٣) وغيرها (٤) ، التصريح بأنّ كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه.

وفي بعضها التعبير بأنّ «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٢٤ / ٦٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٢٢ / ٥٤ و ٤٢ ـ ٤٣ / ١٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨ و ٢٣ / ٦٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٨ / ٢٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

١٨٠